
الفصل الرابع والعشرون 24
بقلم ياسمين عطيه
في صباح اليوم التالي
مكتب الحاج صلاح
كان أركان واقف قدام المكتب، ملامحه هادية، بس عينيه فيها لمعة تحدي. الحاج صلاح كان قاعد على كرسيه الفخم، بيبص له بنظرة اختبار، مستني يسمع التفاصيل.
صلاح بابتسامة جانبية: "هاه، هتحكيلي ولا هفضل مستني؟"
أركان بص له بثقة وقال بهدوء: "الشحنة في المخزن… والمرتزقة بيقولوا إن الأرض اتشقت وبلعتها."
الحاج صلاح انفجر ضاحكًا، وضرب على المكتب بكفه: "يا ابن الإيه! عرفت تخلّيها تختفي من غير ما الحكومة تشم ريحتها، ومن غير ما نضرب طلقة واحدة ولوحدك! احكيلي بقى، عملت إيه بالظبط؟"
أركان ابتسم بخفة، وهو يقرب من المكتب، وحط إيده في جيبه:
"الشحنة كانت هتعدي من نقطة تفتيش متحركة، وكنت عارف إن الرجالة اللي بيشيلوها مالهمش أمان. نقطة ضعفهم كانت الفلوس والخوف، وأنا استخدمت الاتنين."
صلاح بحماس: "كمل!"
أركان: "اتفقت مع واحد من السواقين، حطيت في حسابه مبلغ محترم، وكل اللي طلبته منه إنه يغير خط السير قبل نقطة التفتيش بخمسة كيلو، وياخد طريق صحراوي، هناك الرجاله كانوا مستنيين."
صلاح وهو بيهز رأسه بإعجاب: "برافو، بس إزاي سيطرت على الموقف؟ ممكن كان حد فيهم يشك أو يعمل حركة غدر."
أركان بعينين باردة: "مشيت على مبدأ بسيط… خليتهم يحسوا إن كل حاجة ماشية طبيعية، لحد ما دخلوا الطريق البديل. هناك، مصائد حديدية فرشت الطريق، الإطارات الخلفية انفجرت، السواق نط واختفى، قبل ما الرجالة يلحقوا يفهموا إيه اللي بيحصل، كنا مطوقينهم من كل اتجاه."
صلاح بانبهار: "من غير ولا رصاصة؟!"
أركان بابتسامة خفيفة: "كانوا مرعوبين، والأرض حوالينهم كانت بتتكلم… دخان الإطارات، الظلام، والمسلحين اللي خرجوا عليهم من العدم. سابوا الشحنة وهربوا زي الفيران."
الحاج صلاح بص له بتمعن، صمته كان معناه إنه مبهور. بعد لحظات، ابتسم وقال:
"عجبني ذكائك، برافو يا واد… لكن متنساش، دي كانت البداية بس."
أركان وهو بيعدل ياقة قميصه بابتسامة واثقة: "وأنا مستعد لكل اللي جاي."
خرج أركان من المكتب بخطوات واثقة، أول ما الباب اتقفل وراه، فؤاد بص لوالده بذهول، كأنه مش مصدق اللي حصل.
فؤاد وهو بيهز رأسه بعدم تصديق: "إيه الدماغ دي يا بابا؟ بقي سعيد البواب يطلع منوا دا… إحنا كنا فاكرينه مجرد ولد صغير بس طلع عقلية مخيفة!"
خليل وهو بيحك دقنه بتفكير عميق: "لا، ده طلع مش سهل خالص… إحنا اللي كنا مستقلين بيه، بس النهارده أثبت إنه أكبر بكتير من كل توقعاتنا."
الحاج صلاح كان ساكت للحظة، عيونه فيها لمعة فخر، بس في نفس الوقت فيها حسابات كتير بتدور في دماغه. أخيرًا، ابتسم ابتسامة جانبية، وضرب على المكتب بكفه.
صلاح بصوت واثق: "قولت لكم قبل كده… دماغه تعملكم كلكم على بعض. الولد ده لو لعب صح، هكسبنا كتير قوي، وده اللي أنا عايزه."
فؤاد بقلق: "بس يا حاج، مش ممكن ذكاؤه ده يقلب علينا في يوم من الأيام؟"
صلاح بابتسامة غامضة: "الذكي الحقيقي هو اللي يعرف يخلّي أذكى واحد في رجاله دايمًا في صفه، بدل ما يسيبه يبقى عدو ليه."
خليل وفؤاد بصوا لبعض بتوتر، فاهمين إن سعيد مش مجرد لاعب جديد في الساحة، ده بقى قوة لازم يتحسب لها ألف حساب.
ـــــــــــــــ&ــــــــــــ
دخل أركان الأوضة وهو بينفخ بضيق، عينيه مشتعلة بالغضب المكتوم. مسك الموبايل بسرعة واتصل بعدلي، أول ما سمع صوته، قال من غير مقدمات:
أركان بعصبية: "عملت اللي هم عايزينه."
عدلي بهدوء مترقب: "كويس، كده إحنا بقينا وسطهم."
أركان وهو بيشد شعره من بغضب: "أنا بجد مش قادر أستحمل بقى، إحنا بنمشي وراهم زي العمي، وأنا شايفهم وهم بيدخلوا بضاعة البلد وواقفين بنتفرج!"
عدلي بصوت ثابت، كأنه متوقع رد فعل أركان: "الصبر يا أركان… لازم يفرحوا يومين قبل الضربة اللي هتكون في مقتل. مش لصلاح وبس، لكل واحد زيه في البلد. سقوطه مش هيكون سقوطه لوحده، ده هيوقع الكل معاه، ونخلص منهم مرة واحدة."
أركان وهو بيشد أنفاسه عشان يسيطر على غضبه: "يعني نمشي وراهم لحد ما نوصل للي إحنا عايزينه؟"
عدلي بحزم: "بالضبط… لازم نستحمل شوية عشان نكسب كل حاجة في الآخر. إنت مش داخل معركة صغيرة، إنت داخل حرب، ولازم الحرب دي تخلص لصالحنا."
أركان سكت لحظة، عارف إن عدلي عنده حق، بس النار اللي جواه مش سهلة تهدا. أخيرًا، مسح وشه بإيده، وزفر بقوة.
أركان بصوت أخفض، لكنه مليان تصميم: "ماشي… هعمل اللي هما عايزينه. بس أول ما نضرب، هنضرب ضربة مفيهاش رجوع."
عدلي بابتسامة هادية: "بالضبط… ده المطلوب."
أركان قفل الموبايل، وعينيه تلمع بنظرة مختلفة… نظرة حد قرر إنه مش بس هيلعب اللعبة، ده ناوي يكون صاحبها.
ــــــــــ&ـــــــ
بعد مرور ثلاث شهور، كل شيء اتغير. أركان مش بس قعد على الترابيزة، ده بقى على رأسها. مش مجرد دراع لصلاح، لكنه تحول لعقله المدبر، الشخص اللي الكل بيسمع كلامه من غير نقاش.
بذكائه، عرف كل حاجة… كل تفصيلة عن الشغل، كل الناس اللي بيتعاملوا معاهم، كل المدخلات والمخرجات. كان ناقصه حاجة واحدة بس… المكان اللي بيصنعوا فيه القرف بتاعهم في مصر. أول ما يعرفه، هيخلص عليهم ضربة واحدة، والمعلومات اللي معاه كفاية تخليهم يتجابوا من سرايرهم قبل ما يفتحوا عينيهم.
أما الباقيين… فالنار كانت بتاكلهم من جوه. فؤاد، خليل، طاهر، سليم، مروان، وعادل… كلهم بقوا على الهامش، ملهومش قيمة، ولا حتى كلمة تُسمع. وجودهم بقى زي عدمه، وأركان كان السبب. في كل اجتماع، كان هو اللي بيتكلم، والكل بيسمع، حتى صلاح نفسه بقى يعتمد عليه أكتر منهم.
نار الغيرة كانت بتولع في قلبهم، الغضب مكتوم بس بيزيد كل يوم، وكل واحد فيهم بيستنى اللحظة اللي يوقعوا فيها أركان… بس هو كان سابقهم بخطوات، ومش ناوي يديهم الفرصة.
في الصالون
صباح كانت قاعدة في الصالون، بتعوج بُقها بغضب، عينها بتلف على اللي قاعدين حواليها، غليانها واضح في نبرتها:
صباح (بتهكم): بقي حتة واد يقعدكم كده جنب بعض زي الستات؟!
فؤاد رفع عينه ليها بضيق، نبرته كانت حادة وهو بيرد:
فؤاد: لمي نفسك يا صباح… حتة واد بيعيش ليه يومين!
صباح (بضحك ساخر): انت مصدق نفسك؟! الواد خلاص، مبقاش حد قده ولا حد يقدر عليه.
مروان كان مقهور، غضبه مكتوم بس صوته طلع بخشونة:
مروان: نخلص عليه ونخلص!
لكن خليل قطع الكلام بحسم:
خليل: ممنوع حد يقرب له.
طاهر ضرب ضحكة خفيفة بس كان فيها مرارة:
طاهر: واحنا لو قربنا له، جدي هيخلص علينا إحنا قبل ما نشم نفسنا.
سليم هز رأسه بغيظ، نبرته كانت مليانة قهر:
سليم: احنا في نظره دلوقتي ما نسويش ظفره.
عادل زفر بضيق، لكنه قال الحقيقة اللي كلهم عارفينها:
عادل: دلوقتي هو الفرخة اللي بتبيض له دهب، فلو قربنا منه، هيذبحنا كلنا من غير ما يفكر.
صباح كانت نارها بتزيد، قامت من مكانها وهي بتزعق:
صباح: أومال هتسكتوه على اللي بيحصل ده؟! انتوا بقيتوا شبه الولايا جنبه، مش رجالة!
فؤاد فقد أعصابه، قام واقف قدامها وعينيه بتلمع بالغضب:
فؤاد (بحدة): مش قولت اخرسي بقى؟!
الصمت سيطر على المكان، الكل كان عارف إنهم في موقف أضعف من إنهم يتحركوا دلوقتي… لكن السؤال الحقيقي كان: لحد إمتى؟
ــــــــ&ــــــ
في أوضة أركان وليلي
ليلي طلعت من الحمام وهي بتاخد نفسها بصعوبة، بطنها كانت متر قدامها،اللى يشوفها يقول إنها قربت تولد، لكن الحقيقة إنها لسه شوية. الفترة اللي فاتت كانت أصعب مما تتخيل، الحمل هدّ حيلها، جسمها نفخ بطريقة غريبة، وده غير شهيتها المفتوحة اللي خلتها تاكل كتير جدًا، ومع الأكل كان النوم اللي مش بتشبع منه.
أغلب الوقت كانت مش قادرة تتحرك من مكانها، ودايمًا أسماء كانت حواليها تساعدها، لكن أركان؟! رجع تاني للشخص اللي قابلته أول مرة… كان بعيد جدًا، لدرجة إنه حتى مبقاش ينام جنبها. الحاجة الوحيدة اللي كانت بتديها الإحساس بالأمان هنا، راحت… بقيت عايشة لوحدها جوه البيت ده.
كانت دايمًا بتعيط، مش عارفة هل السبب هو تغير أركان، ولا هرمونات الحمل هي اللي لعبت بعقلها؟
مدت إيدها بالمشط وهي بالكاد قادرة تاخد نفسها:
ليلي (بصوت ضعيف): خد، سرّح لي شعري، مش قادرة.
أركان بصّ لها بطرف عينه، وبنبرة فيها استهزاء خفيف:
أركان: اللي يشوفك كده يقول قربتي تولدي!
ليلي (وهي بتحاول تقعد على السرير بخوف): أنا رايحة أكشف، خايفة يكون حصل حاجة للعيل… ما هو نفخ جسمي ده مش طبيعي.
أركان (ببرود): نفخ جسمك ده من الأكل اللي مش بتبطليه.
ليلي (بتعب): ببقى جعانة، هعمل إيه يعني؟! وبعدين يلا، سرّح لي شعري عشان أسماء هتيجي تاخدني نروح للدكتور.
أركان كان بيحاول يبان إنه مش مهتم، بس كلامه كشف إنه متابع كل حاجة:
أركان: في عربية هتمشي وراكم تحميكم، دي التعليمات الجديدة.
ليلي (بزعل وعيون مليانة عتاب): مش هتيجي معايا؟
أركان (بجفاف وهو بيمسك المشط): مش فاضي.
أركان مسك المشط بهدوء، عيونه كانت ثابتة على شعرها الطويل اللي واصل لآخر ظهرها.
عدّى المشط في خصلاتها الناعمة، ببطء، من غير ما يتكلم. ليلي قفلت عنيها، مش عارفة التعب هو اللي غلبها ولا إحساسها بالأمان اللي افتقدته بقالها فترة.
ليلي (بصوت واطي وهي بتحاول تخبي رعشة صوتها): كنت فاكراك هتقول لا.
أركان ماردش، كمل تسريح شعرها بحركة هادية وثابتة، كأنه مش سامعها، لكن طريقة لمسه لشعرها كانت كفيلة ترد عليها.
ليلي (بهمس وهي بتبتسم بخفة): أظن إني طولت عليك…
أركان (بنبرة هادية وهو بيكمل تسريح شعرها): اسكتي وخليكي هادية.
سكتت… دموعها نزلت قبل ما حتى تحاول تمنعها… بس خلاص، بقت عارفة إنها في الحرب دي لوحدها.
أركان: بتعيّطي ليه دلوقتي؟
ليلي رفعت إيديها بسرعة تمسح دموعها زي الأطفال، مش عارفة ترد، كانت حاسة إن مشاعرها مش مستقرة، وكل حاجة جواها ملخبطة، فقالت بصوت متكسر: "مش عارفة… تقريبًا هرمونات الحمل."
الباب كان مفتوح، وده بقى شيء طبيعي الفترة الأخيرة عشان اسماء تدخل ليها في أي وقت، خصوصًا إن ليلي أوقات كانت مش قادرة تقوم حتى تفتح الباب.
اسماء دخلت أول ما شافتها، خدت المشط من إيد أركان بعصبية، وبصّت له بحدة: "انت عملت لها إيه؟ خلتها تعيط ليه؟"
ليلي (بحرج وهي تحاول تهدي الجو): "مش هو السبب، ما انتِ عارفة… هرمونات الحمل."
اسماء (بتهكم وهي بتبص لأركان): "لا، هو السبب… من ساعة ما دخل في الشغل بتاع العقارب اللي في الفيلا، وهو بقى شخص تاني… مكنتش متخيلة انك تطلع ذيهم ؟!"
أركان ما ردش، عيونه كانت متجمدة للحظة، قبل ما يسيب المشط في إيد اسماء ويطلع من الأوضة من غير كلمة.
اسماء (بتهز راسها وهي بتبص لليلي): "شوفتي؟ هرب إزاي من الحقيقيه ؟"
ليلي وهي بتبص في أثره :سيبك منوا دلوقتي يلا عشان نروح للدكتور مش عايزين نتأخر على معدنا
اسماء لمّت شعر ليلي وساعدتها تلف الطرحة، وبعدها خرجوا سوا رايحين للدكتور. ليلي كانت حاسة بتوتر غريب، واسماء حاسة بيها لكنها مكنتش عايزة تضغط عليها.
وصلوا العيادة، ولما دخلت ليلي، ابتسم الدكتور وهو شايفها:
الدكتور (بابتسامة خفيفة): "إزيك يا هنيه؟ فكراني؟"
ليلي (بتحاول تبتسم): "آه طبعا ، فاكراك يا دكتور… بس انت فاكري؟"
الدكتور (بيهز رأسه وهو بيقلب في الملف): "طبعًا، بس قوليلي، مجتيش ليه من آخر مرة؟ ولا رحتي لحد تاني؟"
ليلي (بتنهيدة تعبانة): "والله مروحتش، مكنتش فاضية، والتعب مش مخليني قادرة أتحرك من مكاني… وكمان باكل بكميات كبيرة أوي، جسمي اتنفخ جدًا، أنا خايفة يكون حصل حاجة للبيبي."
الدكتور ابتسم بطريقته الهادية، وبدأ يكشف عليها، وبعد لحظات من الفحص، ملامحه اتغيرت لحاجة أقرب للدهشة، رفع عيونه يبص لليلي اللي كانت بتراقبه بقلق شديد.
الدكتور (بصوت هادي لكن فيه حماس): "مبروك يا ليلي… أنتِ مش حامل في بيبي واحد."
ليلي (بتوتر): "يعني إيه؟"
الدكتور (بضحكة خفيفة): "حامل في توأم!"
ليلي كانت هتطير من الفرحة، وشها نور، ودموعها نزلت بدون ما تحس
اسماء (بحماس وهي بتضحك): "يا خبر أبيض! توأم يا هنيه! سمعتي؟ توأم!"
ليلي (بدموع فرحة وهي بتحط إيدها على بطنها): "بجد؟! والله يا دكتور؟"
الدكتور (بابتسامة مطمئنة): "طبعًا بجد، وكمان تحبي تعرفي نوعهم؟"
ليلي (بتهز رأسها بسرعة ودموعها بتنزل أكتر من الفرحة): "آه، عايزة أعرف!"
الدكتور: "مبروك يا ليلي… ولد وبنت!"
اسماء (بتصرخ بسعادة وهي تحضن ليلي): "يا لهوي! ولد وبنت! أحسن حاجة في الدنيا، كأنك جيبتي عيلة كاملة مرة واحدة!"
ليلي (بضحكة باكية وهي مش مصدقة): "يا رب لك الحمد، الحمد لله… ولد وبنت!"
كانت الفرحة مالية قلبها، رغم كل حاجة عدت بيها، رغم بعد أركان عنها، رغم التعب، لكن الخبر دا حسسها إنها مش لوحدها، وإنها معاها هدية من ربنا تعوضها عن كل اللي فات.
الدكتور (بنبرة جدية): "بس اسمعي يا هنيه، لازم تهتمي بنفسك أكتر، التوأم بيحتاجوا تغذية كويسة، وكمان تعبهم بيكون مضاعف، فأي إرهاق لازم ترتاحي فورًا."
ليلي (بإيجابية لأول مرة من فترة): "هعمل كده إن شاء الله، أهم حاجة يكونوا كويسين."
اسماء مسكت إيدها وهي خارجة من العيادة، ووشها كان مليان سعادة
أسماء (بنبرة حازمة وهي بتحط إيدها في وسطها): "اسمعي بقى، مافيش شغل في المطبخ تاني!"
ليلي (بتضحك بتعب وهي تحط إيدها على بطنها): "ما أنا بقالي كام يوم مش قادرة أروح أصلاً."
أسماء (برفع حاجبها وكأنها بتهدد): "دلوقتي بقى مافيش حركة من مكانك أصلًا!"
ليلي (بتضحك وتهز راسها بموافقة): "حاضر يا أفندم، أمرك.
أسماء (بحماس): "يلا عشان هنروح نشتري لبس للبيبي تاني!"
ليلي (بتضحك وهي تبص لها باندهاش): "يا مجنونة، ما أنتي جايبة لبس كفاية بنات وأولاد، هو إنتي كنتي عارفة قبلي يا سيد يا بدوي؟"
أسماء (بتضحك وهي تهزر): "الحسّة السادسة هي اللي قالتلي! وبعدين هنجيب لبس زيادة، وهنجيب لبس السبوع."
ليلي ( بتعب): "ما أنتي عارفة يا أسماء أنا تعبانة."
أسماء (بإصرار): "مش هنلف كتير، إنتي يدوبك هتنزلي من العربية وتقعدي قدامي، وأنا هنقي كل حاجة… وبعدين، أول ما توصلي هناك، هتنسي نفسك وتفضلي تختاري معايا!"
ليلي (بابتسامة خفيفة وهي تهز راسها باستسلام): "ماشي ، بس لو تعبت، هترجعيني فورًا!"
أسماء (بضحكة منتصرة): "اتفقنا!"
وخرجوا مع بعض، وأسماء فرحانة أكتر من ليلي
ــــــ$ــــــ
داخل مول لملابس الأطفال
وصلت ليلي وأسماء للمول، وأسماء كانت متحمسة كأنها اللي حامل مش ليلي. أول ما دخلوا، بدأت أسماء تلف بعينيها على المحلات، وهي تمسك إيد ليلي وتسحبها وراها.
أسماء (بحماس وهي تشاور على محل كبير): "أهو ده! هنا هنلاقي كل حاجة نحتاجها!"
ليلي (بتعب وهي تحاول تبطئ خطواتها): "أسماء، أنا تعبانة، مش قولنا مش هنلف كتير؟"
أسماء (بضحكة وهي تسحبها لجوا المحل): "إحنا مش بنلف، إحنا بنحدد اختياراتنا بس، وبعدين شوفي اللبس الحلو ده، مش هتقدري تقاومي!"
أسماء بدأت تاخد هدوم من على الرفوف وتعرضها على ليلي.
أسماء (بصوت مبتهج وهي ترفع بدلة صغيرة لونها أزرق): "شوفي ده! يجنن، ده هيبقى لابنك زي الأمير الصغير."
ليلي (بتبتسم وهي تلمس القماش): "حلو أوي، بس أحس إنه كبير عليه."
أسماء (بثقة): "هيكبر بسرعة، متقلقيش، وبعدين شوفتي الفستان ده؟ لبنتك بقى، ده ينطق عليها!"
ليلي (بعينين لامعين وهي تمسك بفستان وردي صغير): "ده بجد كأنه معمول ليها مخصوص!"
أسماء (بضحكة): "طب مش قلتي مش هنجيب حاجات كتير؟ إنتي اللي دلوقتي متحمسة أكتر مني!"
ليلي (بكسوف وهي تحاول تخبي فرحتها): "ماهو صعب مقاومة الحاجات دي، كل قطعة أحلى من التانية!"
وفضلوا يختاروا لبس التوأم، وكل ما أسماء تلاقي حاجة تقول "لازم نجيبها"، وليلي مش قادرة ترفض، لأنها حست لأول مرة بمتعة تجهيز حاجات أطفالها. بعد ساعة، كانت العربية مليانة شُنط، وليلي تعبانة لكن فرحانة جدًا.
ليلي (بتضحك وهي تهز رأسها بأستسلام): "أنا ماشيه وراكي زي العبيطة، جبنا نص المحل!"
أسماء (بضحكة): "نص إيه؟ ده لسه في حاجات تانية هنجيبها، مستعدة للجولة التانية؟"
ليلي (بصدمة وهي تحط إيدها على بطنها): "جولة تانية!؟ أسماء، إنتي ناوية تجهزيهم لحد الجامعة!"
أسماء (بضحكة): "وليه لا!؟ خليهم يبقوا ملوك من أول يوم!"
ليلي (بتضحك): "يا شيخة، انتي متحمسة أكتر مني، دا أنا حتى لسه مستوعبتش إني حامل في توأم!"
أسماء (بحماس وهي ترفع كيس فيه ملابس الأطفال وتدور حول نفسها): "دا أنا هطير من الفرحه! حبايب قلب خالتهم، دول هيطلعوا مدلّعين على الآخر!"
ليلي (بتضحك وهي تحاول تمسك يد أسماء عشان توقفها): "أسماء، اهدى شوية، الناس بتبص علينا!"
أسماء (بضحكة وهي تضع يدها على قلبها): "ومالوا، خليهم يشوفوا خالتهم المجنونة، أنا فرحانة بيهم كأنهم عيالي!"
ليلي (بابتسامة حنونة وهي تلمس بطنها): "ربنا يخليكي ليهم يا أسماء، أنا بجد مش عارفة كنت هعمل إيه من غيرك!"
أسماء (بصوت عاطفي وهي تمسك يد ليلي): "إنتي أختي قبل ما تكوني صاحبتي، وأنا مش بس هكون خالتهم، هكون أمهم التانية!"
ليلي (بضحكة وهي تمسح دموعها الخفيفة): "يا سلام على الدراما، يلا يا أمهم التانية
وخرجوا من المول، وسط ضحكهم وحماس أسماء،ليلي كانت مرهقة لكن قلبها مليان فرحة كأنها أخيرًا بدأت تستوعب فكرة أنها هتكون أم لطفلين، والأهم إنها مش لوحدها، وأسماء كانت مبسوطة إنها قدرت تسعدها وتخرجها من الجو الكئيب اللي كانت فيه.
في أوضة ليلي بعد الرجوع من المول
أسماء (وهي بتدخل الأوضة محملة بأكياس كثيرة وبتنزلها على السرير): "بسم الله الرحمن الرحيم، هو إحنا اشترينا محل لبس أطفال ولا إيه؟"
ليلي (بتضحك وهي بتجلس بتعب على طرف السرير): "أنا مش عارفة إنتي جايبة كل ده لمين، دول عيال ولا فريق كورة؟"
أسماء (بضحكة وهي تفرغ الأكياس): "فريق كورة إيه، دا لسه ما جبناش كل حاجة، أنا ناسية حاجات مهمة للسبوع، هنروح بكرة نكمل!"
ليلي (بتوسع عينيها بصدمة): "بكرة؟ أسماء، أنا حرفياً بموت من التعب!"
أسماء (بضحكة وهي ترمي ليلي مخدة): "خلاص، ارتاحي النهارده، بكرة هنروح نجيب الحاجات اللي ناقصة وهنحضر كل حاجة من بدري عشان السبوع يبقى أسطوري!"
ليلي (بضحكة وهي بتشاور لنفسها): "أنا بجد مش قادرة، كأني جريت ماراثون، بطني تقيلة جداً!"
أسماء (بتقعد جنبها وتمسك بطنها بحنان): "ما هو عشان فيها أحلى ولد وبنت في الدنيا، خلاص يا حبيبتي ارتاحي، أنا هرتب كل الحاجات وأشيلها، وأنتي نامي شوية قبل ما جوزك يدخل علينا ويشوفنا قلبنا الأوضة!"
ليلي (بتضحك وهي بتتكئ على السرير): "إنتي أحلى حاجة حصلتلي يا أسماء!"
أسماء (بابتسامة وهي تغطيها بالبطانية): "وأنتي كمان يا هنيه، بس دلوقتي نامي، وأنا هظبط كل حاجة، قبل ما "سي السيد" يرجع!"
ليلي (بنعاس): "ماشي يا خالت العيال، صحييني لو لقيتي حاجة ناقصة في الفريق الكروي بتاعنا!"
أسماء (بضحكة وهي تطفئ الإضاءة جزئيًا): "نامي يا مجنونة، تصبحين على خير!"
ليلي غمضت عينيها، وأخيرًا حسّت ببعض الراحة وسط دوامة حياتها الجديدة، وهي متطمنة إن أسماء جنبها، زي ما كانت دايماً.
ـــــ&ــــ
في المساء
دخل أركان الأوضة بخطوات هادية، عيونه لفت بسرعة على المكان، كانت الإضاءة خافتة، وهدوء غريب مالي الجو. بص ناحية السرير، لقى ليلي نايمة، ملامحها هادية لكنها باينة عليها علامات التعب. جنبها كانت أكياس اللبس مبعثرة.
أركان قرب من ليلي بهدوء، وقف جنبها للحظات وهو بيبص على وشها. كانت بتتنفس ببطء، وبطنها المنتفخة باينة أكتر مع كل نفس بتاخده.
أركان (بصوت واطي لنفسه): "شكلها تعبانة بجد..."
قعد على طرف السرير، قرب إيده بهدوء من وشها، ومسح خصلة شعر وقعت على جبينها. كانت حركته لا إرادية، لكنه سرح للحظة وهو بيبص عليها.
ليلي (بنعاس ومن غير ما تفتح عينيها): "أسماء... هاتيلي شوية مية..."
أركان بص لها للحظة، بعدين قام بهدوء، جاب كباية مية من الطاولة، ورجع قعد جنبها.
أركان (بصوت هادي وهو يقرب الكوباية منها): "اشربي."
ليلي فتحت عينيها ببطء، كانت لسه مش مستوعبة، بس لما شافت أركان، عيونها رمشته كذا مرة كأنها مش مصدقة. مدت إيدها وخدت الكوباية، شربت شوية صغيرين، وبعدها بصت له.
ليلي (بصوت مبحوح من النعاس): "مش مصدقة إنك لسه بتعرف تشوفني."
أركان ضيق عيونه، فهم قصدها بس ما ردش، فضل ساكت وهو بيبص لها، وبعدها قام من غير ما يقول أي حاجة.
واقف قدام المراية في الأوضة، بيفك أزرار قميصه بعد يوم طويل، ملامحه كانت جامدة كالعادة، ولا كأن فيه حاجة بتأثر فيه. ليلي كانت قاعدة على السرير، ماسكة الغطاء بين إيديها وهي بتبص له، قلبها بيدق بسرعة، مترددة تقول له ولا لأ.
ليلي (بصوت هادي لكنه متوتر): "أركان..."
أركان ما بصش لها، كمل فك أزرار قميصه وقال وهو مركز في المراية:
أركان: "ها؟"
بلعت ريقها، شدّت الغطا أكتر وهي بتحاول تتحكم في رعشة إيديها، وبعدها قالت بصوت شبه هامس:
ليلي: "أنا حامل في توأم..."
أركان فجأة وقف، إيده تجمدت في مكانها، وبعد ثواني استدار وبصلها، عيونه كانت مليانة حاجات كتير، صدمة، استغراب، وكأنه مش عارف يستوعب الكلام.
أركان (بصوت منخفض لكن حاد): "بتقولي إيه؟"
ليلي (بحماس وهي بتحط إيدها على بطنها): "حامل في ولد وبنت، الدكتور أكدلي النهاردة... إحنا هنكون عندنا توأم!"
أركان فضل ساكت، ملامحه اتصلبت أكتر، عيونه اتحركت من وشها لبطنها، كأنه بيحاول يستوعب الحقيقة. ثواني مرت كأنها ساعات، وبعدين التفت ناحية المراية تاني، كأنه بيهرب من المواجهة.
أركان (ببرود مصطنع وهو بيرجع يلبس قميصه): "كويس."
ليلي (بصدمة وزعل): "كويس؟!"
أركان ما ردش، كمل يزرّر قميصه بهدوء قاتل.
ليلي (بدموع محبوسة): "يعني ده اللي عندك؟ حامل في توأم وده اللي هتقوله؟!"
أركان لف لها، بص في عيونها مباشرة، وبعدها قال بصوت جامد:
أركان: "إنتي عايزة مني إيه؟ أرقص من الفرحة؟"
ليلي (بحزن وخيبة أمل): "كنت بس عايزة أحس إنك فرحان..."
أركان كان واقف قدامها، ملامحه حجر، نظرته جامدة وكأن مفيش حاجة ممكن تحركه. قرب منها خطوة، نبرته كانت حادة، مش بتدي أي مجال للجدال.
أركان: "إحنا مش جايين هنا نفرح بحملك وبعيالك… إحنا جايين عشان مهمة، هننهيها، وكل واحد هيرجع لحياته."
دموع ليلي نزلت غصب عنها، حاولت تتحكم فيها، لكنها فشلت، صوتها كان مكسور وهي بتقول:
ليلي: "حياتي؟! أنا معنديش حياة تانية !"
أركان شد نَفَسه ببطء، كأنه بيحاول يسيطر على نفسه، وبعدها قال بحدة:
أركان: "المهمة دي هتخلص، وساعتها كل حاجة هترجع زي الأول… أنا هكون في مكاني، وإنتي في مكانك."
ليلي (بدموع وهي تهز راسها بعدم تصديق): "وانت فاكر إنك تقدر ترجعني؟ فاكر إن بعد كل اللي حصل، بعد كل اللي بينا، أنا هقدر أرجع وأعيش وكأن حاجة ما حصلتش؟"
أركان قاطعها ببرود:
أركان: "هتقدري… وهترجعي."
لف ظهره ليها، واتجه ناحية الباب، لكن قبل ما يخرج، وقف لحظة، كأنه متردد، وبعدها قال بصوت أقل حدة:
أركان: "خلي بالك من نفسك… ومنهم."
وخرج، وساب ليلي واقفة مكانها، حاسة إن الدنيا بتلف بيها، وإن الكلام اللي سمعته كان أشد من أي وجع حسّت بيه قبل كده.
كانت قاعدة على السرير، الدموع بتنزل من عيونها بدون صوت، كأنها مش قادرة حتى تعبر عن الوجع اللي جواها. مش قادرة تصدق إن أركان قاسي للدرجة دي، مش قادرة تفهم إزاي ماحسّش بيها ولا حتى بذرّة مشاعر ناحيتها. يمكن لأنه بيحب بنت عمه بجد، يمكن عشان كده مقدرش ينسى ولا يديها حتى فرصة!
مسحت دموعها بسرعة، وقامت تتوضا، كانت حاسة إنها محتاجة تشتكي، محتاجة تحكي، ومفيش غير ربنا تقدر تحكيله وجعها. وقفت تصلي الفجر، ولأول مرة، كانت بتدعي مش عشان أركان يحبها، ولا عشان الأمور تتغير، لكن عشان قلبها يكون قوي، عشان تعرف تكمل، عشان تبقى قدّ الحياة اللي اتفرضت عليها.
ليلي (بتتمتم لنفسها بعد ما خلصت الصلاة وهي بتحط إيدها على بطنها): "هي دي النهاية اللي كنتِ بتهربي منها يا ليلي… كنتِ متعلقة بأمل مالوش وجود، كان واضح من الأول، هو عمره ما وعدك بحاجة، انتي اللي عشمتي نفسك. كل واحد بياخد نصيبه، ونصيبي خلاص اتحدد… حتة منه، ولادي، دول اللي هعيش ليهم، وهكمل عشانه وعشان أهلي، زي ما بدأت الطريق ده عشانهم."
حست بثقل رهيب نزل من على قلبها، كأنها أخيرًا استوعبت الحقيقة، الحقيقة اللي وجعت بس حررتها في نفس الوقت. قامت تمسح وشها، وخدت نفس عميق، وبصت لنفسها في المراية، لأول مرة مش شايفة انعكاس البنت الضعيفة اللي بتستنى رحمة حد… المرة دي، شايفة أم، ست، خلاص قررت تواجه الدنيا وتعيش لأولادها، مش لأي حد تاني.
ـــ$
أركان خرج من الأوضة، الباب وراه اتقفل بهدوء، لكن جوه صدره كان في صوت دوشة عالية، نار بتشتعل، حرب بين اللي عقله شايفه صح، واللي قلبه بيصرخ فيه إنه غلط.
وقف في الجنينه، أخد نفس عميق وهو بيمرر إيده في شعره بقوة، كأنه بيحاول يهدي العاصفة اللي جواه. صوته الداخلي بدأ يصرخ عليه:
عقله: "إيه مالك؟ مش دا الصح؟ مش دا اللي لازم يحصل؟ يا حضرة الظابط، اللي من يوم ما عرفت نفسك وإنت عقلك سابق قلبك، اللي محدش في يوم أثر عليك، إيه الجديد؟ ليه فجأة حتة بت من الشارع تهزك؟"
قلبه، اللي عمره ما اتكلم قبل كده، النهاردة قال كلمته: "طب لو دا الصح، ليه قلبك واجعك بالشكل ده؟ ليه بتحس إنك مش قادر تاخد نفس عميق؟ ليه صوتها وهي بتقول لك إنها حامل في توأم لسه بيرن في ودانك؟"
أركان ضحك بسخرية، ضحكة مالهاش أي فرحة، ضحكة حد فاكر إنه كان مسيطر، وفجأة لقى نفسه واقع في حرب معاه نفسه.
أركان (بصوت واطي لنفسه وهو بيشد نفس عميق): "دي الحقيقة… مهما هربت منها، لازم أكمل للنهاية."
لف وساب المكان، مش عايز يواجه أكتر، مش عايز يفكر أكتر… بس كان حاسس إن دي أول مرة في حياته، يبقى الشغل مش شاغل دماغه… اللي شاغلها كان حاجة تانية تمامًا.
كان الليل ساكن، والجو مليان برودة مش بس في الهوا، لكن كمان في قلب أركان، اللي كالعادة رمى نفسه جنب البوابة، بعيد عن كل حاجة، بعيد حتى عن الأوضة اللي ليلى فيها.
لكن مروان مكنش ناوي يسيبه في حاله، قرب بخطوات تقيلة، ووقف فوق راسه بابتسامة كلها استهزاء.
مروان (بغلاسة): "شوف مهما وصلت، هتفضل في الآخر حتة بواب…"
أركان فتح عينه ببرود، مرفعش راسه، بس صوته طلع هادي بطريقة تخوف:
أركان: "شكلك وحشك الضرب اللي خدته قبل كده، امشي من قدامي في الساعة دي عشان مطلعش العفريت اللي بتتنطط قدام وشي عليك."
مروان ضحك ضحكة سخيفة، قرب أكتر وهو متشجع بكلامه:
مروان: "هو انت مش فرحان إن مراتك حامل في توأم ولا إيه؟
وكمل بخبث صح قولي هو انت اللى جامد ولا هي اللي جامدة عشان حامل في توأم؟"
في ثانية، أركان كان واقف، عينه كانت نار، والهدوء اللي كان فيه اختفى تمامًا.
أركان (وهو بيهجم عليه): "أمك الجامدة!"
قبل ما مروان يستوعب، أركان كان مكمكمه بإيده، دفعه لورا بكل قوته لحد ما خبط في الحيطة.
أركان (بصوت واطي بس مرعب): "لو جبت سيرتها تاني، هخليك تندم إنك اتولدت، فاهم؟"
مروان حرك راسه بإيجاب، وأركان سابه بخشونة ورجع لمكانه، عيونه لسه مشتعلة، بس قرر إنه مش هيديله فرصة تانية يستفزه… لأنه عنده حاجات أهم تشغله، وهو إنه يقضي عليهم ويخلص المهمة دي في أسرع وقت.
ـــــ&ـــــ
في مساء اليوم التالي وفي غرفة الاجتماعات
كان أركان قاعد، والكل حواليه، لكن العين كلها كانت على الوجه الجديد—جيسي، بنت أكبر شريك أمريكي ليهم بره مصر. من أول ما دخلت، وهي عينها مثبتة علي اركان ، نظراتها مش بس إعجاب، كان فيها حاجة تانية، حاجة فهمها الرجالة اللي قاعدين كويس.
جيسي بإعجاب: "بابا مبسوط منك أوي يا سعيد، ولا غلطة، دماغك حلوة جدًا..." سكتت لحظة، وابتسمت ابتسامة لها معنى وهي بتكمل: "ولما شوفتك، اتأكدت إن مش بس دماغك الحلوة."
أركان بنبرة هادئة: "شكرًا ليكي."
الكل بص بذهول، صلاح كان أولهم، هو كان فاكر إن "سعيد" مجرد دراع قوي، مش واحد بيتكلم إنجليزي بطلاقة.
جيسي بدهشة ممتزجة بالإعجاب: "وكمان بتتكلم إنجليزي! احنا كده هنعرف نتفاهم مع بعض كويس أوي."
صلاح بابتسامة جانبية وهو بيحاول يخفف الجو: "هو سعيد هياخد الجوا مننا خالص ولا إيه؟"
جيسي وهي لسه مش شايلة عينيها من على أركان: "جيه وقت الشغل، واللي لو بطلنا بعده، فإحنا ضمنّا فلوس لاحفدنا."
صلاح بحماس: "أنا أحب الشغل ده أوي!"
جيسي بجدية: "الكمية كبيرة جدًا، تكفي سنين جاية. ضربة واحدة تكسبكم فلوس تكفي حياتكم كلها."
صلاح وهو بيداري حماسه: "الخبر الحلو ده هيتعمل له حفلة كبيرة عندي في الفيلا!"
جيسي بغمزة خفيفة: "هكون مبسوطة لو بعتلي دعوة."
صلاح وهو بيحاول يبقى طبيعي: "انتي محتاجة عزومة؟ الحفلة معمولة ليكم من الأساس!"
جيسي وهي بتقلب عينها لأركان: "اتفقنا، والتفاصيل هنتكلم فيها بعدين. انت عارف نظام شغلنا، خطوة خطوة عشان التمويه."
صلاح موافقًا: "طبعًا، براحتكم. وأنا هعمل الحفلة قبل يوم التسليم، برضه عشان التمويه."
جيسي بابتسامة: "أوكيه... وطبعًا، يوم العملية، سعيد يكون موجود، عشان يحمي العملية. باين عليه قوي أوي."
صلاح بكسوف وهو فاهم المغزى اللي ورا كلامها: "ده جامد جدًا، يعجبك... مش كده يا سعيد؟"
أركان وهو بيبص لها ببرود: "لما تجرّبي، هتعرفي."
صلاح بإحراج: "طب انتوا تقعدوا شوية في الجنينة، ولو حابين تقعدوا لوحدكم، الأوض كتير!"
جيسي وهي بتمسك شنطتها بابتسامة كلها نوايا: "الصراحة فعلًا عايزة أتكلم معاه على انفراد..."
عادل وهو بيبص لجيسي اللي كانت لسه خارجة مع أركان، وبصوته مليان غل: "هي دي اللي مكنتش بتبصلنا بطرف عينها؟ شوفت دلدلت بوقها زي الكلبة عشانه؟!"
طاهر بعقلانية: "الصراحة الواد قمر، مش هنكدب على بعض."
سليم بسخرية: "يعني إحنا اللي وحشين؟ تقصد كده؟"
طاهر وهو بيرفع كتافه بلا مبالاة: "يا عم مقصدش... يمكن ذوقها سعيد!"
مروان بعصبية وغيظ واضح: "الواد ده لازم نخلص منه!"
قبل ما حد يرد، صوت صلاح جه بغضب، قطع عليهم الكلام تمامًا.
صلاح وهو بيحدّق في مروان بنظرة تحذير: "إياك أسمعك بتقول كده تاني! أنا اللي هخلص عليك، ومتفتكرش إني مش عارف إنك روحت تستفزه امبارح، بس هو سابك عشان أنا منعته عنك... فمتخلنيش أسيبه عليك."
وقف صلاح من مكانه واتقدم ناحيته، صوته بقى أخطر وهو بيكمل: "الظاهر إنك نسيت آخر مرة! أنا سبته بمزاجي كقرصة ودن ليك، بس إنت شكلك عايز تتقطع خالص!"
فؤاد بتوتر وهو بيحاول يهدي الجو: "أكيد مروان ميقصدش يا بابا..."
صلاح وهو بيبص له بحدة: "شيل ابنك عن سعيد يا فؤاد! أنا شفت كل حاجة بالليل، وكل حاجة بتحصل بعرفها... مافيش حاجة بتغيب عني!"
فؤاد بسرعة وهو بيشد مروان من دراعه: "حاضر يا بابا!"
مروان عضّ على أسنانه بغيظ، لكنه سكت، عارف إن لو اتكلم أكتر، ممكن يكون ده آخر يوم له هنا.
ـــــــــــــــ
في غرفة ليلي
أسماء وهي بتهزها بلطف: "يا هنيه، لازم تمشي! المشي حلو وبيسهّل الولادة."
ليلي وهي بتتكلم بصعوبة: "هو أنا قادرة أقوم من مكاني عشان أتمشى؟"
أسماء بإصرار وهي بتقعد جنبها: "أنا هسندك، وبعدين ماينفعش تفضلي راقدة طول اليوم على السرير! وبعدين... شكلك مطفي، إنتي عيطتي تاني؟"
ليلي وهي بتحاول تخبي حزنها وبتبتسم ابتسامة باهتة: "مفيش حاجة... هاتي إيدك!"
أسماء مدت لها إيدها وساعدتها تقوم، وفعلاً خرجوا سوا للجنينة. الجو كان هادي، نسمة لطيفة بتلفح وشهم، ورغم التعب، ليلي كانت حاسة إنها محتاجة المشي ده أكتر من أي وقت فات.
في الجنينة
أسماء بضحك وهي بتبص لليلي بمكر: "مش ناوية تديني واحد من العيال يبقى بتاعي؟"
ليلي بضحك وهي بتحط إيدها على بطنها: "حد قالك إني بوزعهم؟"
أسماء بتعمل نفسها جادة وهي بتغمز: "يبقى اللي ميجيش بالذوق يجي بالعافية! هخطف منك واحد... ولا أقولك، هخطف الاتنين!"
ليلي بضحك وهي بتشدها من دراعها: "وأنا هسيبك بقى؟ دا أنا هجيبك من أي حتة هتهربي ليها!"
أسماء وهي بتعمل حركة درامية: "هلبس طقية الإخفاء!"
ليلي بتغمز لها بمزاح: "طب والعيال؟"
أسماء بحماس: "هلبسهم هما كمان!"
ليلي وهي بتضحك بحرارة: "مجنونة والله!"
لكن الضحك فجأة اتجمد على وشها، وهي بترفع راسها لفوق، وبتشوف آخر حاجة تتمنى تشوفها... عنيها توسعت من الصدمة، وجسمها كله تجمد، رجليها مقدرتش تشيلها، وفجأة، وقعت على الأرض!
اللهم ارحم موتانا وموتى المسلمين اجمعين
صلوا على النبي
ياترى ليلي شافت ايه ؟!