رواية زواج في الظل الفصل العشرون 20بقلم ياسمين عطيه


رواية زواج في الظل

الفصل العشرون 20

بقلم ياسمين عطيه

مطبخ الفيلا – ليلى واقفة قدام الرخامة، بتقطع الخيار بحركات سريعة 

أسماء واقفة قصادها، متوترة، بتلعب في إيدها، بتحاول تجمع كلامها.

ليلى ( وهي بترفع عينيها لأسماء): "كفاية لف ودوران حوليا… دوختيني وأنا ديخة لوحدي! قولي الفولة اللي في بُقك، مالك؟

أسماء (بتحاول تخبي اللي سمعته، عينها بتزوغ وهي بتهز راسها بسرعة): لا… مفيش حاجة… إنتِ كويسة؟

ليلى (بتقرب منها، نظرتها بتشك، صوتها بيبقى حاسم): أسماء، اخلاصي… في إيه؟ أنا عارفة إن في حاجة.

أسماء (بتنهد وهي بتاخد قرار إنها تصارحها، بصوت متوتر): الصراحة… إنتِ في خطر، خطر كبير.

ليلى (بتحاول تتحكم في رعشة قلبها، بس توترها بان في صوتها): خطر إيه؟ قوليلي.

أسماء (بسرعة وهي بتحاول توصل لها الصورة كاملة): عايزينك تطلعي مع سعيد وهو بيستلم شحنة سلاح ويوصلها للمخزن، ولو حصل أي غلطة… هيصفّوكم أنتو الاتنين.

ليلى (بتتسمر مكانها، لأول مرة تحس بالخوف، بس مش على نفسها… على اللي في بطنها، إحساس مختلف،  فيه روح ضعيفة بتعتمد عليها وهي لازم تحميها، بحركة تلقائية بتحضن بطنها، صوتها بيخرج ضعيف): انا خايفه يا أسماء…

أسماء ( ماسكة إيدها وبتحاول تطمنها): ما تخافيش سعيده هيبقى معاكي ومش يقدر حد ياذيك انا واثقه ان هو هيحميكي

ليلى (بتشد على إيد أسماء، عيونها مليانة رعب مش علشانها، لكن علشان اللي في بطنها، صوتها بيخرج مهزوز): بس يا أسماء… لو حصل حاجة؟ لو معرفش يحميني؟ لو… لو حد أذاه؟

أسماء (بسرعة وهي بتحاول تمنع الأفكار السودة تسيطر عليها): ما تفكريش كده، سعيد عمره ما هيسمح لحد يقرب منك، مهما حصل.

ليلى (بصوت ضعيف، كأنها بتحاول تقنع نفسها): همَّا مش فارق معاهم حد، لو حطوني في السكة يبقى ليهم هدف، وده اللي مخوفني.

أسماء (بتقرب منها، عيونها بتلمع بقلق): وإنتِ؟ ناوية تعملي إيه؟

ليلى (بتبلع ريقها وهي بتحاول تلم شجاعتها، بتلمس بطنها بلطف): هحميه، بأي تمن… حتى لو اضطررت أواجه كل حاجة لوحدي.

أسماء (بضغط على إيدها بقوة): مش لوحدك، أنا معاكي، وسعيد معاكي… وإنتِ لازم تفضلي قوية، عشان ابنك… عشان نفسك.

ليلى (بتشد نفسها، بتحاول توقف الخوف اللي بيسيطر عليها، بتاخد نفس عميق وهي بتقرر جواها): أنا لازم ألاقي طريقة أخرج من ده… بطريقة متكشفيش نفسي، ولا اركان .

ــــــــــــــ&ـــــــــــــ

عند باب الفيلا 

أركان ووقف في مكانه، وشه متجمد، بس عقله مولع نار. طلبه كان متوقع إنه يشيل الشحنة، بس إنه ياخد ليلى معاه؟! ده اللي مكانش داخل دماغه.

مسح وشه بإيده بعصبية، هو مش بيحبها… بس برضه مش قادر يستوعب إنها تتحط في خطر بالشكل ده. قلبه اتقبض، وكأن صلاح حط إيده على نقطة ضعف عمره ما تخيل إنها هتبقى موجودة عنده.

أركان (مكلم نفسه بصوت واطي، نبرته مليانة غضب مكبوت): "ليه هي؟ ليه لازم تدخل في كل حاجة؟"

لف حوالين نفسه كأنه بيدور على حل، بس مفيش مهرب… لو رفض، هيكشف نفسه، ولو وافق، هيعرضها لخطر هو مش قادر يتحمله.

شد نفسه بقوة، لازم يفضل ثابت، لازم يتعامل بطريقته، مش بطريقة صلاح.

أركان دخل الأوضة بخطوات تقيلة، قفل الباب 

أركان (بهدوء قاتل، وهو بيطلع الموبايل): "الو، بابا…"

عدلي (بصوت هادي لكن مسيطر): "عارف إنك مش هتتصل إلا لو في كارثة، قول اللي عندك."

أركان (بصوت مكتوم، بس الغضب باين فيه): "صلاح قرر يضمن ولائي بالطريقة اللي تناسبه… قرر يبعت ليلى معايا في استلام الشحنة."

عدلي (صوته بقى أخطر، كأنه كان متوقع الغدر): "كنت عارف إنه هيعمل حركة زي دي… بس ما توقعتش إنه هيستخدمها بالشكل ده."

أركان: "ماقدرش أرفض، لو عملت كده هشُكك في نفسي، بس في نفس الوقت مش هقدر أعرضها للخطر."

عدلي (بهدوء مرعب): "محدش هيقرب منها، فاهمني يا أركان؟ ليلى هترجع زي ما خرجت، والعملية هتمشي زي ما خططنا لها."

أركان (بثقة رغم القلق اللي جواه): "أنا تحت السيطرة، بس محتاج تأمين مضاعف… ومحتاج عين تكون على المكان من برة."

عدلي: "اعتبره حصل، بس افتكر دايمًا… المهمة أولًا، مهما حصل."

أركان (عينيه بتلمع بتصميم): "المهمة هتتم، بس ليلى مش هتتأذي… ودي حاجة مفيهاش نقاش."

عدلي (بعد لحظة صمت): "خلي بالك، يا أركان… اليوم دا هيكون نقطة تحول، ليك… وليها."

أركان قفل المكالمة وهو بيشد أنفاسه، عارف إن اللي جاي مش سهل، بس خلاص… اللعبة بدأت، وهو مش هيسمح إنها تخلص بدمار ليلى ، خد نفس عميق، مفيش حاجة اسمها ضعف، مفيش حاجة اسمها خوف، بس في حاجة اسمها… مسؤولية.

وبالنسبة ليلى… هي مش هتتأذى، مش وهو عايش.

ـــــــــــ

 غرفة النوم – بعد ما ليلى عرفت إنها لازم تروح مع أركان لاستلام شحنة السلاح، قلبها مكنش متطمن. قررت تتكلم معه قبل ما كل حاجة تحصل.

(ليلى داخلة الأوضة بسرعة، بتقفل الباب وراه بقوة، عينيها فيها توتر وخوف.)

ليلى (بصوت مهزوز مليان خوف): "مش هروح معاك في العمليه دي!"

أركان (بيرفع عينه ليها، نبرته هادية بس باردة): "مش بيدك يا ليلى، دي مش أوامرنا… وإنتِ عارفة كده كويس."

ليلى (بتقرب منه، عينيها مشحونة بالغضب والخوف): "وأنا ماليش رأي؟ ماليش حياة تخصني؟ إزاي تاخدني في حاجة ممكن تذي اللي في بطني ؟"

أركان (بيلف لها، بيبصلها بنظرة غامضة، صوته منخفض بس فيه نبرة تهديد خفي): "ماحدش هيمسّك بإذني، طول ما أنا موجود."

ليلى (بتضحك بس ضحكة كلها سخرية وألم): "وإيه اللي يضمنلي؟ أنت نفسك شايفني مجرد ورقة ضغط عليهم، لو احتاجوا يضحوا بيا مش هيفكروا مرتين!"

أركان (عينه بتلمع للحظة، بس بيرجع يخفي انفعاله بسرعة): "أنا مش من النوع اللي بيسيب حاجته تضيع منه."

ليلى (بتحدّق فيه، بتحاول تفهم معنى كلامه، لكن قلبها بيدق بسرعة): "حاجتك…؟"

أركان (بيقرب منها خطوة، صوته منخفض وجاد): "أنتِ مراتي قدامهم، وده معناه إنهم عشان يوصلوا لي لازم يعدّوا من خلالك… وده مش هيحصل أبداً."

ليلى (بتحاول تتمسك بغضبها عشان ما تبانش ضعيفة): "أنا مش محتاجة حمايتك،انا هعرف احمي نفسي واللى في بطني كويس !"

 كملت (بصوت مكسور بس فيه تحدي): "مش هسامحك لو حصلي حاجة، مش هسامحك لو جرا للي في بطني أي حاجه بسببيك…"

أركان (بيشد نفس عميق، صوته مايل للضيق): "متخافيش، مش هيحصل حاجة، ومش هسمح لحد يقرب منك."

ليلى (بتهز رأسها بوجع): "مش المشكلة حد يقرب مني… المشكلة إن حد يقرب للي في بطني!"

ليلى (بتعضّ شفايفها، بتحاول تمنع دموعها، مش قادرة تفهم ليه رغم كل ده، في جزء صغير جواها… حاسس إنه مش هتتأذي وهي معه أبدًا بس بردك خايفه على اللى في بطنها .)

أركان شاف الحركة دي، حسّ بكهرباء مسكت جسمه، حاجة شدّته ليها غصب عنه. كان نفسه في اللحظة دي يضمها لحضنه، يطمنها إنه مش هيسمح لحد يأذيها، إنه هو الحماية الوحيدة اللي هتحتاجها في الدنيا دي… بس منع نفسه، شدد على كف إيده، صوته طلع بارد كأنه بيحارب إحساسه بنفسه.)

أركان (ببرود زائف): "ما تعمليش كده تاني."

ليلى (متفاجئة من نبرته، بتبص له بارتباك): "إيه؟"

أركان (بيشيح بوجهه عنها، كأنه بيهرب من تأثيرها عليه): "ما تعضيش شفايفك كده… ."

ليلى (بتحاول تستوعب كلامه، لكن بتقرر تستفزه، بتعض شفايفها تاني بعناد وهي رافعة حاجبها بتحدي): "ليه؟ مضايقاك في إيه؟"

أركان (الحركه بتجننه بيشد أنفاسه، عينيه بتلمع بغضب مكبوت، بيقرب منها فجأة، صوته واطي بس حاد): "متلعبيش بالنار، بلاش انا والكلمه اللى اقولها تتنفذ وبلاش عند"

ليلى (بتحس بقلبها دق بسرعة، لكنها بتبص في عينيه بعناد، صوتها ناعم ): "أنا عملت اي لكل دا."

(لحظة صمت تقيلة، التوتر بينهم عامل زي عاصفة على وشك الانفجار. أركان بيحس إن عقلها مش مستوعب خطورة الوضع، وإنه لو فضّل قريب منها بالشكل ده، هيكسر كل الحواجز اللي بينه وبينها. بياخد خطوة لورا، بيشد نفسه من تأثيرها عليه.)

أركان (وشه بيتقل، صبره بيقل، صوته بيبقى أخطر وهو بيهمس قريب منها): "أنا مش بهزر، ليلى."

ليلى (بتحس بقلبها بيدق بسرعة، بس بتخفي توترها، بتلف وشها للجانب وهي بتمثل عدم الاكتراث): "ولا أنا… بس الظاهر إن في حاجات بتأثر عليك غصب عنك، مش كده؟"

(أركان بيحس بالكلام بيولّع فيه، عارف إنها بتستفزه، بتلعب على أعصابه، وإنه لو استسلم للحظة، ممكن يعمل حاجة يندم عليها. بياخد نفس عميق، بيسيطر على غضبه، وبصوت هادي بس فيه تحذير واضح، بيقرب أكتر وهمساته بتلفح خدها.)

أركان: "أنا ممكن استحمل كل حاجة… إلا إن حد يتحداني."

(نظراته بتفضل معلقة عليها لحظات، قبل ما يبعد فجأة، كأنه بيهرب من تأثيرها. بيشيح بوجهه، بيمشي بخطوات تقيلة وهو بيتمتم بجمود.)

أركان (بصوت ثابت، كأنه بيحاول يسيطر على نفسه): "روحي نامي"

ليلى (بتبص له وهو بيبعد، حاجبها مرفوع باستغراب، وبتتمتم لنفسها): "هو مالُه دا؟"

ـــــــــــــــــ$ـــــــــــــ

بيمر يومين…

اليومين دول ليلى ما كانتش موجوده في الدنيا فيهم كانت بتقوم تاكل وتنام، تاكل بكميات كبيرة جدًا، مش عارفة إذا كان ده بسبب الحمل ولا بسبب الخوف اللي رابط معدتها طول الوقت.

أركان كان بيراقبها من بعيد، مستغرب حالتها، ليلى عمرها ما كانت كده. طول الوقت نايمة، وجهها شاحب، وعينيها فيها حاجة مش مفهومة… كانت مخضوضة، وكأنها حاسه إن في حاجة هتحصل، وده كان مخلّيه متضايق، متضايق من إحساسه اللي عمال يجبره يفضل جنبها، يحميها، وهو مش عايز يفكر في ده أصلاً.

جِه اليوم اللي هتتنفذ فيه العملية… وهي لازم تروح معاه.

دخل عليها الأوضة، كانت نايمة زي ما هي طول اليومين اللي فاتوا، قرب منها وربّت على كتفها بخفة.

أركان (بهدوء مخفي وملامح متماسكة): "ليلى، قومي."

ليلى (بنعاس، بتفتح عينيها ببطء): "همم؟ في إيه؟"

أركان (بصوت هادي لكنه حاسم): "قومي البسي، كمّلي نوم في العربية."

ليلى (بتحاول تستوعب كلامه، وبنبرة فيها قلق خفي): "إحنا رايحين فين بالظبط؟ المواصلات غلط على اللي في بطني…"

أركان (بيحاول يخفي قلقه ، وعينيه بتلمع بحاجة غريبة): "مكان بعيد شوية… بس أنا هسوق براحة متخافيش."

ليلى (بتتأمل كلامه، وبالرغم من إنها متوترة، بتحاول تخفي خوفها، بتبتسم ابتسامة صغيرة): "إن شاء الله خير."."

سكتت لحظة، وبعدها قامت ببطء، بتحاول تبعد أي أفكار سوداوية عن دماغها، واللي في بطنها بيفكرها بكل خطوة، لكن في نفس الوقت مش قادرة تتجاهل القلق اللي جواها من اللي هيستقبلهم في اليوم ده. 

وقف مستنيها عند الباب، نظرته كانت متماسكة… بس جواه كان في صراع، صراع لازم يكسبه، لازم يفضل متحكم في نفسه…أركان شد على نفسه، لازم يتحكم، لازم يفضل ثابت زي ما هو دايمًا، لأنه لو فقد السيطرة لحظة، هيكون بيعرّضها هي واللي في بطنها للخطر. خد نفس عميق، ومسح على وشه بسرعة كأنه بيطرد أي إحساس ممكن يضعفه.

ــــــــــــــــــ&ــــــــــــــــــ

الجو في الفيلا ، تحسه متشبع بالخطر والترقب. العيون متحركة في كل اتجاه، كل واحد فيهم عارف إن الليلة دي مش سهلة، وإن أي غلطة تمنها حياة. العربيات برا مستعدة، والسواقين في أماكنهم، مستنيين الإشارة الأخيرة.

صلاح (واقف في الوسط ، عيونه باردة وهو بيبصلهم واحد واحد):

"لو أي حركة صغيرة حصلت غلط… خلّصوا عليهم فورًا"

عبد الحق (واقف جنب صلاح، بيهز راسه بتقدير): "زي ما اتفقنا، الليلة دي لازم تمشي من غير غلطة."

صلاح (بهدوء قاتل): "وأي حد يقرّب من حدودي… نهايته محسومة."

 مروان كان واقف، ملامحه بريئة ظاهريًا، لكن عنيه بتبرق بخبث. اللحظة اللي مستنيها بقاله كتير أخيرًا وخطط لها وصلت. سعيد تحت الضغط، هنيه وسط النار، والمهمة محفوفة بالخطر. دي فرصة ذهبية بالنسبة له… فرصة يثبت نفسه، ويوقع ليلي .

ـــــــــــ&ـــــــــــ

أسماء (وعينيها مليانة دموع، صوتها مهزوز وهي بتروح ناحية ليلى، ): "خلي بالك من نفسك… وارجعي بالسلامة إنتي والكتكوت الصغير بتاعي… عشان هجيب له هدية."

ليلى (أول ما سمعت كلامها، ، مقدرتش تمسك نفسها، دموعها نزلت بدون إرادة، راحت حضنت أسماء بقوة، كأنها مش عايزة تسيبها)

أركان كان واقف بعيد، بيراقب المشهد، عينيه متركزة على ليلى. شاف دموعها، شاف خوفها، وشاف كمان الحنان اللي في كلام أسماء… حاس بشيء غريب جواه، إحساس معرفهوش.

شدد على كفه، خد نفس عميق، ثم بصّ ليها ببرود متعمّد: "ليلى، يلا."

ليلى فكت حضنها من أسماء، مسحت دموعها بسرعة، وحاولت تثبت ملامحها… بس عينيها فضلت مليانة خوف.

أسماء (بصوت واطي وهي بتبص ليها قبل ما تمشي): "استودعتك الله اللي لا تضيع ودائعه…"

ليلى مشيت جنب أركان، وعقلها مليان أفكار… بس كان لازم تكمل، لازم تواجه اللي جاي، مهما كان مخيف.

أركان (وهو بيفتح لها باب العربية من قدام، صوته هادي وجاد): "يلا، اركبي."

ليلى (وهي بتتجاهله، بتروح تفتح الباب اللي ورا، صوتها عادي بس فيه عناد خفي): "لا، أنا هركب هنا… عشان أعرف أنام على ضهري."

أركان (بيوقفها قبل ما تدخل، بيبصلها بنظرة حادة): "مش هتنامي، ومش هتركبي ورا، اركبي قدام زي ما بقول."

ليلى (بتعقد حواجبها وبتبص له بتحدي، بتحط إيدها على بطنها): "أنا حامل، ولازم أكون مرتاحة، يعني المفروض أركب في المكان اللي يريحني مش اللي يريحك."

أركان (بيشد أنفاسه، عينيه بتمسح ملامحها، ملامحها اللي بتجبره يتراجع غصب عنه، بس مستحيل يعترف بده، بيقفل الباب اللي قدام بهدوء ويشير لها ناحية الكرسي اللي ورا): "تمام… بس نامي كويس، عشان الطريق طويل."

ليلى (بتبص له بريبة، مستغربة إنه ما عاندش معاها، بس بتقرر ما تعلقش، وبتدخل العربية، بتحاول تاخد وضع مريح، بس عقلها مش مريحها أبدًا).

أركان قفل الباب وراح ناحية الكرسي الأمامي، ركب، شغل العربية، وبصّ في المراية يشوفها… كانت مغمضة عينيها، بس نفسها مش منتظم، واضح إنها مش نايمة.

أدار وشه للطريق، شد على دركسيون العربية، وكأن شدته عليه هي اللي هتهديه. الطريق طويل، والمهمة أخطر مما هي متخيلة… بس هو مش عارف ليه، مش عايز أي حاجة تأذيها.

وبعد سلعه

ليلى كانت نايمة فعلاً، واضح إنها مرهقة جدًا، وده كان مريح أركان لأنه عارف إنها لو فضلت صاحية هتفضل تزن وتجادل في كل حاجة. بس بعد مدة، اتحركت في مكانها، فتحت عيونها بكسل، وبصوت ناعس قالت:

ليلى (بتتمطى بخمول): "أنا جعااانة."

أركان (من غير ما يبص لها، عيونه على الطريق): "استني لما نوصل، وأجيب لك أكل."

ليلى (بتتكلم بطفولية، وهي بتقرب منه شوية كأنها بتحاول تستعطفه): "لا، مش قادرة أستنى… لو لقيت أي محل، نزلني أشتري حاجة."

أركان (بنظرة جانبية سريعة، قبل ما يرجع يركز على الطريق): "هو إحنا في وسط الصحراء، منين أجيب لك محل دلوقتي؟"

ليلى (بإصرار وهي بتحط إيدها على بطنها كأنها بتأكد كلامها): "أنا بأكل عن شخصين، ولازم تأخذ ده في اعتبارك."

أركان ( وهو بيتنهد): "يا بنتي، انتي صحيتي عشان تتعبي دماغي؟"

ليلى (بمرح، وهي بتبتسم ببساطة): "لا، أنا صحيت عشان آكل."

أركان (يتمتم لنفسه وهو بيحاول يفضل هادي): "صبرني يا رب."

فضل ساكت لحظات، وبعدها لمح نور ضعيف على بعد، شكلها استراحة طريق. زفر بضيق، وعمل إشارة يمين، وقبل ما تنطق ليلى، قال بحزم:

أركان: "هقف لك هنا، تنزلي تجيبي الأكل بسرعة وترجعي، مفيش هزار ولا تأخير."

ليلى (بحماس وهي تفك الحزام بسرعة): "ماشي، حاضر يا سيادة الظابط."

أركان (بهدوء محذر): "ليلى…"

ليلى (ببراءة مصطنعة): "عينيا ليك، ولا يهمك."

نزلت من العربية بسرعة، وركضت ناحية المحل، وأركان فضل يتابعها بعينه… قلبه مش مطمئن، وكأن إحساسه بيقوله إن الليلة لسه ما بدأتش مشاكلها الحقيقية.

العربيات كلها وقفت بمجرد ما عربية أركان ركنت قدام المحل. الجو كان توتر، الكل عايز يخلص المهمة ويرجع، لكن أركان كان شايف الموضوع بشكل مختلف… ليلى جعانة، والحقيقة إنه مش قادر يتجاهل ده حتى لو حاول.

طاهر (بضيق وهو بيبص في ساعته): "إحنا وقّفنا ليه؟ وراَنا ميعاد مهم، ما ينفعش نتأخر."

أركان (بثبات وهو بيفك الحزام وبيفتح الباب): "هنيه جاعانة، هتشتري حاجة وهنكمل تاني."

سليم (بنفاد صبر): "إحنا جايين نلعب ولا إيه؟ يلا نتحرك!"

فؤاد (بيهدي الجو ): "خلاص يا ولاد، بتشتري حاجة وهنمشي، مش هنقعد هنا يعني."

عبد الحق (بابتسامة خفيفة وهو بيهز راسه): "بالظبط كده، وبعدين دي حامل، عقبالكم مراتاتكم جميعاً."

أركان تجاهل تعليقاتهم ومشي ناحية المحل اللي دخلت فيه ليلى. بمجرد ما فتح الباب، كانت أول حاجة شافها هو وجه ليلى المشرق بالسعادة، وصوتها المرح وهي بتتكلم مع صاحب المحل.

ليلى (بنشوة وهي ماسكة الأكياس): "مش قلت لك جوزي هيجي يحاسب؟ اهو ده جوزي!"

بعدين التفتت لأركان، وعينيها بتلمع ، وقالت ببراءة وضحك:

ليلى: "كان خايف ما أدفعش، فاكرني ما معيش فلوس."

أركان وقف في مكانه، عينه عدت على الأكياس الكتير اللي في إيديها، حاجات أكتر من اللي ممكن تاكلها في أسبوع كامل. رفع حاجبه ببطء، وصوته طلع هادي بس فيه نبرة مش مبشرة.

أركان: "ما هو عنده حق يخاف… انتي أخدتي المحل كله!"

ليلى ضحكت، وهي بترفع كيس قدامه:

ليلى: "لا، ده بس الحاجات اللي أنا بحبها، لسه ما جبتش الحلويات!"

أركان تنهد، عارف إنها مش هتطلع بسهولة من هنا من غير الأكياس دي، فمد إيده بهدوء، خد بعضها منها، وقال وهو بيبص لصاحب المحل:

أركان: "حسابها كام؟"

صاحب المحل (بابتسامة): "ما شاء الله، مراتك ست كريمة، جابت كل حاجة تحبها."

أركان (وهو بيتمتم لنفسه): "وكمان كريمة بفلوسي!"

مد إيده في جيبه، طلع الفلوس، دفع بسرعة، وبعدها لف ناحية ليلى وقال بلهجة آمرة:

أركان: "يلا، على العربية قبل ما أرجّع الحاجة دي مكانها."

ليلى (وهي بتجري ناحيته وتضحك): " ما تبقاش عصبي كده يا جوزي العزيز!"

أركان ما ردش، بس كان متأكد من حاجة واحدة… الليلة دي مش هتعدي بالساهل.

 داخل العربية – منتصف الطريق

ركبت ليلى العربية، وقعدت تفتح في الأكياس، تاكل بشهية مفتوحة كأنها بقالها أيام ما كلتش، ما فكرتش حتى تعزم على أركان اللي كان كل شوية يبص عليها من المراية. كانت مركزة بس في الأكل اللي جابته، مش شايفة أي حاجة حواليها.

أركان كان مستغرب، ملامحه متجمدة وهو بيراقبها، كل لقمة بتاكلها كأنها بتمثل له لغز مش فاهمه. أول مرة يشوفها بالأكل ده كله!

بعد لحظة، عينها جات في عينه، لاحظت نظراته، فمدت إيدها بحركة سريعة بواحدة من الحاجات اللي معاها وقالت وهي مبتسمة ببراءة:

ليلى: "معلش… نسيت أعزم عليك!"

أركان (بيرفع حاجبه بسخرية): "لا، مش عايز… يا ترى دول اللي هيكفوكي؟ ولا كمان شوية هتجيبي غيرهم؟"

ليلى (وهي بتاخد لقمة كبيرة وبتتكلم بثقة): "ممكن أشتري قدهم مرتين كمان… يعني ده كده الفطار، لسه العشا ولسه الغداء!"

أركان (بصدمة وهو بيبص لها بتركيز): "إنتي بتهزري؟!"

ليلى (بكل جدية وهي بتهز رأسها): "والله ما بهزر! أنت اللي ما تعرفش حاجة… حملت من هنا، ونفسي اتفتحت على الأكل من هنا! تخيل إن أنا امبارح واكلة فرختين لوحدي، أسماء فضلت تتحايل عليا أديها حتة وما رضيتش!"

أركان فضل ساكت لثواني، مستوعب اللي سمعه، بعدين هز رأسه بخفة، وكمل السواقة وهو بيتمتم لنفسه:

أركان: "يا نهار أسود… إحنا هنفلس رسمي!"

أول ما خلصت ليلى الأكل، لمّت الحاجات اللي كانت باقية منها وركّنتها جنب أركان على الكرسي اللي قدام. أركان، بحركة تلقائية، مدّ إيده وأخذهم منها من غير كلام، وحطّهم جنبه.

ليلى كانت غمّضت عينيها وهي بتتمتم بنعاس:

ليلى: "أوعى تاكلهم… عشان ممكن أجوع تاني وأصحى آكلهم!"

أركان بصّ لها بنظرة جانبية، ابتسامة خفيفة لا إرادية طلعت على طرف شفايفه، لكنه أخفاها بسرعة.

أركان (بنبرة ساخرة): "هو إنتي هتنامي تاني؟"

ما كملش الجملة… وهو بيبص عليها لقاها خلاص راحت في نوم عميق قبل حتى ما تسمع ردّه.

تنهد بخفة، ورجع يبص للطريق، لكنه كل شوية كان يسرق نظرة ليها… شايف ملامحها الهادية، التعب اللي باين عليها، وإيدها اللي لا إرادياً كانت قريبة من بطنها.

حسّ بشعور غريب جواه… حاجة مش قادر يفسرها، لكنه كان متأكد من حاجة واحدة بس—هو لازم يحميها، يحميها هي واللي في بطنها، مهما كان الثمن.

كل العربيات وقفت في المكان المحدد، ونزل منها فؤاد، خليل، طاهر، سليم، عادل، ومروان. أركان لفّ راسه يبص ورا لقى ليلى لسه نايمة، كان متردد يصحيها، مش عايز يزعجها، بس في نفس الوقت كان خايف تصحى فجأة على صوت أي حاجة وتتخض، لأنه بصراحة، مش ضامن اللي ممكن يحصل هنا.

عبد الحق قرّب منه وهو بينزل من عربيته، صوته كان هادي لكن حازم:

عبد الحق: "هي مش هتنزل ولا إيه؟"

أركان بصّ له من غير تعبير، ردّ ببرود:

أركان: "مش فاهم ليه لازم تنزل دلوقتي."

عبد الحق: "الأوامر جايه كده، احتياطي."

أركان لفّ وشه ناحية ليلى، بصّ لها لحظة، شاف ملامحها الهادية وهي نايمة. كان نفسه يسيبها ترتاح، بس مفيش حل تاني.

أركان (بضيق): "بس هي نايمة..."

عبد الحق (بحزم): "صحيها، نص ساعة وترجع تنام تاني."

أركان لفّ مقبض الباب، لكن قبل ما يمد إيده لها، لقاها بتفتح عينيها لوحدها.

ليلى (بنعاس): "احنا وصلنا؟"

ما استنتش ردّه، فتحت الباب ونزلت. عينيها وقعت على البحر قدامها، الهوى البارد ضرب وشها، فابتسمت تلقائيًا وراحت ماشية ناحيته من غير ما تستأذن أو تبص وراها.

أركان كان واقف بيتابعها، رفع حاجبه بضيق وسار وراها، ولما وقف جنبها قال بلهجة آمرة:

أركان: "خليكي في ظهري، ما تمشيش من ورايا."

ليلى بصّت له بابتسامة مرحة، هزّت راسها موافقة:

ليلى: "حاضر."

رجعت تبص قدامها للبحر، تنفست بعمق، وبنبرة حالمة قالت له فجأة:

ليلى: "لما نرجع، تشتري لي مانجا؟ طول عمري بحب المانجا، بس ما تخيلتش حتى لما أتوحَم، أتوحَم عليها."

أركان سرق نظرة سريعة لها، ابتسامة خفيفة ظهرت على طرف شفايفه قبل ما يخفيها بسرعة، وقال بلهجة باردة:

أركان: "نشوف."

لكنه كان عارف جواه… إنه خلاص، مهما طلبت، هيجيب لها اللي هي عايزاه.

عادل (بتهكم وهو بيبص لمروان): "جاين نشوف قصة العشق الممنوع دي "

مروان بخبث " أهو، بيعيشوا لهم يومين أو لحظات."

في اللحظة دي، كان أركان واقف جنب ليلى، مستمتع بصمتها وبنسمة الهوا اللي بتمر عليهم. فجأة، لمح سفينة بتقرب من الشاطئ. عيونه اتسعت، وكل حواسه اشتغلت في لحظة.

أركان (بحركة سريعخ، وهو بيشد ليلى ورا ظهره): "خليكي ورايا."

ليلى (متفاجئة من رد فعله): "في إيه؟"

ملامحه كانت متصلبة، وعينيه مش مرفوعة عن السفينة اللي بدأت ترسي قدامهم. المكان كله بقى مشحون بتوتر غريب، والرجالة اللي حوالين العربيات بقوا في حالة تأهب.

السفينة نزل منها رجال ضخام، كل واحد فيهم شايل حاجة. المشهد كان واضح… البضاعة بتتنقل من السفينة للعربيات.

أركان كان ثابت في مكانه، لكنه كان متأهب لأي حاجة. حسّ بحركة ليلى وراه كأنها بتحاول تطلع تشوف، فشدّها أكتر وقرّبها منه، صوته كان واطي لكن حاد:

أركان: "متتحركيش، خليكِ ورايا."

ليلى (بهمس وهي بتحاول تفهم): "إيه اللي بيحصل؟"

"خلص التسليم، والبضاعة دخلت العربيات، والسفينة مشيت بعد ما أخدت فلوسها، وخلاص العربيات بتتحرك."

كانت العربيات بتتحرك، والجو هادي بشكل مخيف، كأن الدنيا بتحضر لمصيبة جاية. أركان كان واقف جنب ليلى، عينه بتدور حوالين المكان، حاسس إن فيه حاجة غلط، إحساسه العسكري عمره ما خانه.

ليلى (وهي بتبص للسفينة اللي كانت بتنقل البضاعة): "الدنيا بقت هادية بسرعة، ده طبيعي؟"

أركان (بحذر وهو بيحرك إيده ناحية سلاحه): "لما الحاجة تبقى أهدى من الطبيعي… يبقى في حاجة مستنينا."

وفجـــأة…

صوت طلقه ناريه بتجاه اركان وليلي اخترقت جسم....


        الفصل الواحد والعشرون من هنا 


تعليقات