الفصل التاسع والعشرون 29 ج1
بقلم سيلا وليد
باسم الذكريات الباقية
أكتبك نصاً يؤرقني كل ليلة
باسم الحنين الذي ينهشني
الروح للروح مشتاقة
باسم الوجع الذي يعتريني
أنت الداء والدواء
باسم الامبالاة التي تعتريك
اهديك نصِفي وجزئي فبعضُ منكِ مني
و باسم النص أنتِ جزء من النص وأنا المفقود
فقد ظننت بك خيراً وظني كان وهما .
جئتك لتنقذني من الضياع ،، وجدتك بئراً ليس له قرار .
رأيتك طوق نجاة ،،، فكنت لي الهلا"ك .
حسبتك موطناً لي وأمان ،،، فما كان منك إلا الضياع .
❈-❈-❈
بجناح ياسين
خرج من مرحاضه، توقف يتطلع إليها، التزم الصمت وسار بعض الخطوات، حمحم ، لتناظره ولكنها، مازالت على حالتها التي تركها بها، تقدم خطوة إليها ولكنه تراجع مرة أخرى، ولج لغرفة الملابس بملامح جامدة وغصة تمنع تنفسه من حالتها، أخرج قميصًا باللون الأسود ، امسكه ينظر إليه لعدة لحظات، ثم قبض عليه، عندما شعر بليلته كلونه
آهة طويلة كانت ابلغ ما يشعر به ..ارتدى ثيابه سريعًا واتجه إليها، اقترب من الفراش وتحدث
-عاليا!!
أغلقت جفونها بوهنًا شديد، وصوته كهواجس تفتت قلبها، اليوم فقط تيقنت من عشقه، ضغطت فوق شفتيها كيف لها أن تحب جلادها، كيف نبض قلبها لمعذبها، خمس شهور بجواره تمنت بعدها ألا يجري العمر بها
استمعت لهمسه مرة أخرى باسمها، شهقة خرجت من أجواف مرارة الألم
لم تستدير إليه ولم تعريه إهتمام، اقترب منها وجلس على عقبيه يرسمها بعينيه الصقرية
-عاليا لازم نتكلم ...أردف بها بصوتًا هادئ رغم النيران التي تقبع بصدره
-طلقني!!
آلمه حالتها خاصة بعدما وجد اثار مافعله به، أطبق على جفنيه مكورًا قبضته ، ابتلع غصته وتحدث :
-أنا وعدت كريم هنفضل متجوزين فترة،
لجمت بصاعقة حديثه ورغم ماشعرت به اعتدلت تجذب الغطاء واشارت إلى باب الغرفة:
-اطلع برة مش عايزة اشوف وشك، كلكم مقرفين، كلكم ..صرخت بها مما جعله اعتدل متجها يجذب أشيائه الخاصة وهرول للخارج كالمطارد
ارتفع صوت بكائها بنشيج تضع كفيها على أذنها كلما تذكرت حديثه الموجع لقلبها
خرج ياسين سريعًا متجهًا لسيارته، قابله عز يدقق النظر بحالته
-ياسين مالك فيه حاجة ؟!
استقل سيارته دون حديث وتحرك من أمامه ..ظل يراقب تحرك السيارة إلى أن خرجت من البوابة
تجولت انظاره إلى شرفة عمه التي حاوطها الظلام، علم أنه قد يكون غافيًا، تحرك إلى منزله مرة أخرى ..ولج للداخل وجد زوجته تجلس تداعب طفليهما ..انحنى يطبع قبلة على رأسها
-مساء الحب ياقلبي
رفعت رأسها تنظر إليه بإبتسامة باهتة، ثم أشارت على طفلها
-شوف ابنك شوية، لما اخليهم يحضروا العشا، اتأخرت قوي
امسك كفيها وجذبها حتى أصبحت بأحضانه:
-أكلت مع جنى حبيبتي، لو جعانة اكل معاكي تاني
خرجت من أحضانه وتسائلت بنبرة حزينة:
-عز لسة عمو مُصر على طلاقهم، انا مش متحملة الفكرة نفسها، ازاي جنى وجاسر هيقدروا
جلس عز بقلب مثقوب الهموم والألم بآن واحد ثم أجابها بنبرة متحشرجة بالحزن:
-أنا خايف على جنى قوي يارُبى، جنى بتحب جاسر بجنون، أول مرة مفهمش بابا ليه مُصر على الطلاق
فرد جسده يتوسد ساقيها وأغمض عيناه هاتفًا:
-بيقولي عايز يعالجها، تخيلي بابا مفكر جنى مريضة بحب جاسر
مسدت على خصلاته بحنو وبدت على ملامحها الحزن
-حبيبتي جنى اتعذبت كتير، وجاسر مش هيسكت ياعز، انا خايفة من مواجهة بابا وعمو بسبب جاسر وجنى مبقتش فاهمة حاجة
مسح على وجهه بغضب ثم اعتدل جالسًا:
-نفسي اعرف ليه جاسر مخبي إن الواد مش ابنه، وكمان ساكت على فيروز ليه يارُبى هتجنن ، من وقت ماعرفت نفسي ادخل جوا دماغه دي، وليه عمو سايبه يعمل اللي عايزه، وازاي قدر يبعد جنى عنه، اكيد فيه حاجة كبيرة
-ازاي الولد مش ابنه ياعز، للأسف الولد ابنه
بتر حديثهم صوت بكاء طفلهما، اعتدلت ربى متجهة إليه تحمله بأحضانها تربت على ظهره تقوم بتهدئته مع هزها الحنون له حتى غفى مرة أخرى
جالت بنظرها إلى زوجها الذي اتجه إلى الشرفة
وضعت طفلها بمهده، ثم صاحت على مربيته
-خُديه، طلعيه اوضته وخلي بالك منه، ثم اتجهت إلى زوجها الذي وقف شارد يتطلع للخارج بنظرات تائهة مكسورة
وضعت كفيها على كتفه
-عز !!..استدار إليها
-ايه رأيك ننقل عند بابا كام يوم ياروبي، انا مش هرتاح هنا واختي هناك تعبانة وحزينة، خايف عليها، خايف تعمل في نفسها حاجة
اقتربت حتى توقفت أمامه واحتوت كفيه تربت فوقهما
-حاضر ياحبيبي، بكرة نجهز حاجتنا وننقل فترة هناك، بس مش هقدر ابعد عن هنا كتير، وكمان متأكدة أن عمو صهيب مش هيتحمل يشوف حزن بنته، بكرة نعرف ايه اللي خلى جاسر عمل كدا ..رغم عارفة ومتأكدة أنه روحه في جنى يبقى أكيد فيه حاجة اكبر من حبه ليها، ممكن يكون حد بيهدده ..هزت رأسها رافضة حديثها
-حتى لو حد بيهدده برضو مش منطقي أنه يبعد عنها، مش عارفة أفكر ياعز بجد
تنهيدة عميقة بوخز يرافق أنفاسه وهو ينظر للخارج يتذكر تلك الأماكن التي كانت تعج بضحكاتهم وسعادتهم منذ أيام ..استمع ل رنين هاتفه، رفعه مجيبًا على والده :
-"عز "..تعالى لي ، جاسر طلق جنى
هزة عنيفة أصابت جسده حتى أحس بقبضة تعتصر صدره قائلاً:
-ايه!!..وجنى عاملة ايه ؟!
اجابه على الجانب الآخر صهيب:
-تعالى لأختك ياعز..قالها وأغلق الهاتف
رفع عيناه لزوجته واغروقت بالدموع
-أنا رايح لأختي ياربى، جاسر طلقها
شهقة خفيضة خرجت من فمها تهز رأسها مرددة بدموع عيناها
-جاسر!!.. ياحبيبي يااخويا
تحرك عز متجهًا إلى سيارته بخطوات متعثره، داخله نيران تحرق العالم بأكمله، كور قبضته يضغط بأسنانه
-وآهه ..صرخ بها يخرج عصارة آلامه وحزنه الذي تسرب بداخله
تحرك بالسيارة ونظرات ربى عليه، توجهت ربى سريعًا إلى والدها
-بابا..صرخت بها ، كان غافيًا بالأعلى بعدما تناول إحدى ادويته ..خرجت غزل من غرفة مكتبها بلهفة الى ابنتها
-"ربى "مالك حبيبتي..واقفة كدا ليه !!
ارتفع نشيجها وهوت على الأريكة
-جاسر طلق جنى ياماما
سقطت الأشياء التي تحملها من يديها، وزاغت عيناها بالمكان
-يعني ايه؟!..صهيب كسر ابني!!
استيقظ جواد على صوت ربى وحديث غزل
وضع كفيه على وجهه يغمض عيناه مرددا:
-ليه ياصهيب كدا، ليه مُصر انك تكسر الولد ..اعتدل جالسًا على فراشه، يمسح على وجهه وحزن العالم قبع بداخل صدره، جذب هاتفه وهاتف ابنه
عند جاسر
بعد نطقه لتلك الكلمة التي شقت صدورهما، رغم بساطتها إلا أنها كفجوة بركانية اتلهمت قلوبهما حتى أصبح رمادًا
استقل سيارته بسرعة جنونية ، من يرى سرعتها يزعم بطيران اطرها ظنا من قائدها الانتحار لا محالة ...ظل يقود دون هدى، حتى وصل لأحدى الاماكن المرتفع بجانب القلعة
ترجل من سيارته بأنفاسه المحترقة، نيران فقط كل ما يشعر به، ناهيك عن شعوره بإختتاقه بطوقٍ من نيران
هوى على الأرضية الترابية بركبيته وصرخة عالية بآهة كادت أن تبتر احباله الصوتية...صرخات مرتفعة تشق لها الصدور، حتى انسابت عبراته بقوة ، يبكي بشهقات كالطفل الذي فقد والديه
استند على سيارته برأسه يحتضن ركبتيه، ودوترك لدموعه الانسياب، وكل ما يراه حالتها التي فتت قلبه لشظايا،اطبق على جفنيه بقوة حتى شعر بتمزقها
وضع كفيه على صدره متألمًا من تلك الوخزات التي تساحب أنفاسه وكأنها خناجر مدببة..دقات عنيفة تقتلع صدره وهو يهمس باسمها
-جنى!!..سامحيني
أغمض عيناه متذكر حديث والده بعد
فلاش باك
بمنزل صهيب
-جاسر لو طلعت من الباب دا إنسى انك إبني...استدار مذهولًا من ردة فعل والده قائلا
-بابا بلاش إنت كمان لو سمحت، مراتي مش هتنازل عنها..احتضنت جنى ذراعه بقوة تختبأ خلفه بعدما تحرك صهيب إليها ينزعها من جاسر
توقف أمام عمه يشير بيديه:
-عمو اللي بتعمله مش صح، انا مكنتش في وعي، لو سمحت بلاش تهدم حياتنا
ربت صهيب على كتفه:
-حياتك مش مع بنتي ياابني، جاسر ابعد عن بنتي حبيبي ، انا النهاردة عايشلها، بكرة ياعالم، بلاش اتركها في الدنيا ذليلة ياحبيبي
تراجع يحتجزها خلفه
-ليه ياعمو، ليه تقول كدا، انا بذل جنى!!
-جاسر!! اكيد انت عارف أنا بحبك صح وعلشان خاطر عمك اللي بيحبك اثبتلي حبك لبنتي لو إنت بتحبها، بنتي مش بتحبك زي ماانت متصور، بنتي مريضة بيك
استمع لصوت بكائها وهي تحتضن خخصره ، فذهب عقله وصاح بغضب وصوت مرتفع بوجه عمه
-أنا راضي بكدا، محدش له دعوة
اقترب منه صهيب يحدجه
-راضي بإيه يابن جواد، راضي بنتي تفضل مذلولة بحبها ليك، راضي تفضل حزينة العمر كله وهي شايفة حبيبها مع واحدة تانية، اعقل ياجاسر وابعد عن البنت، وزي ماكنت راجل معايا واتجوزتها لما طلبت منك ، خليك راجل وطلقها
-مستحيل!!
انا مستحيل اذلها دي حبيبتي وروحي ومراتي ..ضمها لأحضانه يلثم فوق رأسها
-عمري مافكرت اوجعها، بس حظنا كدا، والله ماخنتها ياعمو، ولا أقدر اعملها دي بنت عمري قبل ماتكون بنت عمي، بلاش تكسريني بمراتي ياعمو لو سمحت
❈-❈-❈
-جاسر إنت اتجوزت بنتي باتفاق ودلوقتي أنا اللي بطلب منك تطلقها، انت دلوقتي ليك ابن ياحبيبي، وبنتي مش يتيمة علشان تفضل مكسورة طول حياتها
-صهيب..صاح بها جواد مشيرًا إليه
-بلاش غلط يابن ابويا، مش ابن جواد اللي يذل ست، لو دي تربيته كان أولى أنه يذل فيروز مش مراته
التفت صهيب إليه وتحدث دون جدال:
-جواد عايز بنتي، وحقي، انا مش مرتاح ياجواد، طول ما فيروز في حياة ابنك انا مش مرتاح، وبنتي مش هترتاح، انا كنت حاسس فيه حاجة من زمان بس كدبت نفسي، ودلوقتي لو سمحت لو ليا خاطر عندك خليه يطلقها
اقترب جواد من صهيب وتوقف أمامه
-النهاردة يابن حسين الألفي هأكدلك أن خاطرك فوق خاطر ابني، بس اعرف انك السبب في اللي هيحصل بعد كدا
جاسر!! هتف بها جواد
-مستحيل يابابا مراتي مش هطلقها..اقترب جواد من وقوفهما
واتجه إلى جنى المتشبثة به
-جنى عارفة عمك بيحبك صح، وبيحبك كتير كمان، زي مابحب جاسر بالظبط
هزت رأسها رافضة حديثه، تحتضن ذراع جاسر بقوة مردفة من بين شهقاتها
-مش عايزة أطلق ياعمو، عايزة أعيش مع جوزي ..اتجهت بنظرها لوالدها
-بابا لو سمحت..جاسر مظلوم، وأنا عارفة بموضوع الولد من زمان
صاعقة قوية نزلت فوق رأسه فاقترب منها بغضب، يجذبها بعنف:
-كفاية إهانة وذل يابنت صهيب، ايه فين كرامتك، بقيتي معدومة الكرامة ، راضية بكدا ليه، دي تربيتي ليكي، رفع نظره لجواد
-ترضى لبنتك كدا ، رد عليا تردلها الإهانة وتكون معدومة الكرامة كدا
اخر كلام عندي ياجواد، ابنك يطلق بنتي وانا هعرف اعالجها كويس
الصفحة التالية
الفصل التاسع والعشرون
2
جذب جواد جاسر بقوة
-حاضر ياصهيب، هنعملك اللي يرجع كرامة بنتك..خلي عمك يعالج بنته من مرض حبك ياجاسر زي مابيقول
..توقف جاسر يوزع نظراته بينهما حتى استقرت على زوجته التي بأحضان والدها ثم استدار وتحرك مهرولا للخارج وخلفه جواد
تركت والدها وتحركت خلفه تبكي بصوت مرتفع، حتى قابلها عز الذي ولج بسيارته بخروج جواد وجاسر
وصل إلى حي الألفي ..استدار برأسه إليه:
-انزل حبيبي لازم نتكلم ..هز رأسه بالرفض
-بابا أنا تعبان وعايز ارتاح
ربت على كتفه وهتف
-اعمل زي ما قولتلك ياجاسر هتريح الكل ياحبيبي، شهر واحد، عمك يراجع نفسه، وانت كمان تكون خلصت قضيتك ورجعت، واتخلصت من فيروز، امسك العصاية من النص ياجاسر وراضي جميع الأطراف
أشار على صدره وهتف بنبرة حزينة
-ودا يابابا، وجعه اعالجه ازاي، ازاي هقدر انام ومراتي بعيد عني، ازاي هرتاح وانا عارف انها تعبانة
-اقعد معاها وفهمها، فهمها انت ناوي على ايه
تراجع بجسده ينظر لوالده:
-بابا لو سمحت عايز افضل لوحدي ممكن!!
-جاسر!!
-بابا !!..لو سمحت
ترجل جواد من سيارة ابنه
-شوف هتعمل إيه وأنا معاك، بس اي خطوة هتعملها لازم تقول لجنى عليها ياجاسر، بلاش تعمل حاجة وتسبها كدا
أومأ برأسه واستدار بسيارته
متجها لمكتب راكان ...وصل بعد قليل
-فاضي!!
أشار بيديه بعدما أغلق جهازه المحمول
-ايه اللي رماك عليا
أخرج من جيبه فلاشة وتحدث:
-عايز اعرف مين دول من غير ما أظهر في الصورة
وضع راكان الفلاشة بجهازه وقام بتشغيلها للحظات، ثم نزع نظارته الطبية وتحدث بصوته الرخيم :
-دول مجمعين الكل ..تمام هشوفلك مين دول، وتقريري هيكون عندك
اقترب متكأ على مكتب راكان
-فيه معلومة مش متأكد منها بس حستها طعم علشان يعرفوا انا براقبهم من خلال فيروز ولا لا
استمع راكان بتركيز ثم تسائل:
-ليه عايزين الولد دا، السؤال دا اللي مفروض تشغل بالك بيه
تنهيدة عميقة أخرجها بأنفاسًا ثقيلة ثم أجابه:
-علشان اكتب على فيروز، وبعد كدا اضطر اوافق على شروطهم بعد طبعا ماتورطني دا اللي قدرت أوصله
-دا ايه الغباء دا؟!
-مش مقتنع ازاي تورطك وهي عارفة قوة جواد الألفي، لا الموضوع اكبر من كدا
-ممكن عن طريقها يهربوا مخدرات
ضيق راكان عينيه متسائلاً :
-تقصد ايه مش فاهم ؟!
-معندكش قهوة ولا إيه ؟!
ضحك بصوت مرتفع قائلاً:
-لا كريم يابن الألفي..قالها واستدعى الساعي لطلب قهوته
فتح الجهاز مرة أخرى واستمع بإهتمام ثم رفع رأسه يضرب كفوفه ببعض
قائلاً:
-ياولاد الكل...ب ، هي وصلت لكدا
اشعل سيجاره يهز رأسه ، ثم نفث تبغه ينظر لراكان
-فهمت اللعبة !!
نهض راكان متجهًا إليه ثم جلس لمقابلته:
-يعني الولد يكون خيط الارتباط اللي يربطوك بيه، وبعد كدا يزقوا فيروز بادمانك علشان يحركوك زي ماهم عايزين
نفث تبغه يهز رأسه ثم هتف
-اعتبره حصل
طالعه راكان بذهول
-أكيد مجنون، لا طبعا، تبقى غبي وعبيط..دول عندهم الغلطة بموتة، وعايزين مركزك ياغبي
وصل الساعي بقوتهما، ووضعها أمامهما
ارتشف بعضها ثم أشار بيديه
-اقولك سر ولازم على أساسه تركز
اومأ راكان متفهًا
-وصلوا لمراتي، ومش بس كدا، صوروها، وحطلوها حاجة في القهوة، تفتكر بعد ما عملوا كدا هسكت
برقت أعين راكان، وشعر بصدمة مما جعله غير قادر على التفوه وهو يستمع معاناته
-ودا حصل إزاي؟!
انت مش مأمن بيتك كويس ياجاسر!!
ابتلع ريقه الجاف بصعوبة
-جنى فتحت جاليري بقالها فترة، انا مخونتش اللي معاها وللأسف اللعب كله في الجاليري دا
مسح على وجهه بعنف حتى لايضعف أمام راكان فهز رأسه
-القضية دي عمري كله ياراكان، ومكنش ابن جواد لو مركعتهمش واحد واحد
هز رأسه رافضا حديثه
-جاسر دي مخاطرة وانت لما قولت الفكرة الاول قولتلك بلاش دا كان مجرد انك تدخل وسطيهم، اما اللي بتقوله دا صعب لا مش صعب دا موت، ممكن تشوف حد تثق فيه
ارتشف باقي قهوته ، وطالعه بحزنًا لون ملامحه وامتزج بنبرته الرخيمة
-بابا ميعرفش علشان افضل اثق فيك دي حاجة ، الحاجة التانية ياحضرة المستشار مراتي امانة عندك ،انا عارف بابا مراقب خطواتي محتاج منك تشوشر عليه شوية لحد ما ادخل عشهم
❈-❈-❈
طالعه بنظرات خرساء لبعض الوقت ثم نهض من مكانه متجهًا لمقعده
-مش موافق، وأول مايحسوا انك بتضحك عليهم أول واحد هيضروه ابوك ، ثانيا مراتك هتكون ضحيتهم بلا منازع ، وانت لسة قايل وصلولها
-أنا وجنى هنطلق !!
-نعم يااخويا، دا انت أهبل وعبيط يالا، ملعون الشغل اللي يعمل فينا كدا
قوم روح يالا مش عايز غباوة
اقترب ينظر لمقلتيه
-بلاش إنت اللي تقول كدا، ايه ناسي نورسين ولعبك عليها، دا حتى لسة موضوع الفرح مالي الجرايد
هز رأسه موافقه الرأي ثم تحدث بإستبانة:
-بص ياجاسر، الموضوعين مختلفين، انا كانوا خانقين جدي وابويا بورق مهم ، وانا راجل قانون مكنش ينفع اقابلهم بالبلطجة..يعني ابويا كان اكتر واحد هيتأذي، متنساش أنهم مدخلينه في كل أعمالهم القذرة بألعابهم القذرة
ولولا رحمة ربنا مكنتش عرفت، انت ليه عايز تعمل كدا علشان تقوي نفسك وتبينلهم انك ابن جواد بجد، بس دا هيدمر حياتك، فكر كويس قبل اي حاجة
توقف جاسر يضع سلاحه بخصره وحمل هاتفه قائلاً
-غلطان ياحضرة المستشار، بعمل كدا علشان وطني اولا مش علشان اثبت اني ابن جواد، علشان ولادك وولادي فيما بعد، علشان اللي يغلط يعرف أن البلد فيها قوانين تعاقب
انحنى يستند بذراعه على المكتب وغرز عيناه بمقلتيه وأردف:
-علشان عدل ربنا، كل ظالم وله نهاية، وكلكم راع ومسؤل عن رعيته ياحضرة المستشار، مش علشان خايف على مراتي بس أو اعيش سعيد ، اسيب شوية مهربين وتجار أسلحة يدمروا شباب لمستقبل أمة، انزل الشارع وشوف الولد لسة مكملش خماستشر سنة وبيحشش ياراكان، غير قضايا الاغتصاب في الاطفال، غير الأسلحة اللي بقت في العشوائيات ..ايه ياراكان ماتخلي حد غيرك يقولي الكلام دا،
لو تفتكر قبل موضوع جنى أنا كنت مقرر..بس الصراحة منكرش عمو صهيب صعب عليا، حاولوا مرة يغتصبوها بسببي والمرة التانية عايزين يموتوها بسببي برضو، أي أن كان انا ولا بابا، بس السبب واضح،
راكان دول وصلوا لاخت جواد، عارف معنى دا ايه، معناه أنهم سابقينا بخطوة، انا مش هستنى لما اقوم الصبح اشوف اختي أو مراتي أو بنت عمي على مصيبة..وانا مش هستسلم عايزين يموتوني يموتوني، بس برضو مش هعمل اللي عايزينه
استدار متحركًا ثم توقف مستديرًا
-صدمتني النهاردة للأسف، لاني اكتشفت أن قضيتك خاصة بعيلتك مش بوطنك ...قالها وتحرك سريعًا من أمامه بخطوات مهرولة كالذي يهرب من مستقبل حسم له
بعد عدة أيام
استيقظ على صوت هاتفه
-أيوة ياعمو!!
-جاسر ناوي على ايه ياحبيبي، احنا اتفقنا ياجاسر مش كدا ، مش مستعد أضحي ببنتي لو سمحت
-خلاص ياعمو، هعملك اللي حضرتك عايزه، اتمنى تقدر تحافظ عليها ياعمو، ومتندمش
تنهد صهيب بألمًا
-سامحني يابن اخويا، معنديش غير بنت واحدة، عارف ظلمتك بس غصب عني وانا مش متحمل اشيل جواد هم فوق همه، خليهم مفكرين زي ما اتفقنا
-حاضر ياعمو، لكن مراتي لو حصلها حاجة وهي عندك مش هسامحك
-جاسر مش هتبقى مراتك، انا خيرتك وانت اخترت، وانا كمان من حقي اختار بنتي واخاف عليها
وانت شوفت يابن جواد اتعمل فيها في وسط بيتك وكمان وسط حراستك، مش هتحمل بنتي يعملوا فيها حاجة
انا ضاع مني جنى قبل كدا ياجاسر، سامحني يابني دي نور عيوني، وعلشان تقدر تحافظ على بنت عمك، عارف بضغط عليكم انتوا الاتنين بس صعب بعد اللي شوفته اسكت ياجاسر
آلامه قلبه على صوت عمه الحزين، فهتف قائلاً :
-اتأكد ياعمي لو مش خايف عليها مستحيل اسبها، وحياة وجع قلبي دا لأدفعهم التمن غالي، وحياة جنى عندي ماهرحمهم
-حبيبي بلاش.. ابعد عن الناس دي مؤذية، بلاش تخليني اقول لجواد ياجاسر، انا لسة عند وعدي، لو سمحت خاف على نفسك، ابوك مش حمل وجعك يابني
الصفحة التالية
الفصل التاسع والعشرون
3
احس بألم حاد بكامل جسده والألم يخترق روحه كلما تذكر ما فعلوه بزوجته دون وعيها، فتابع بنبرة يرجوها التوسل
-حضرتك وعدتني ياعمو، وعدتني بابا مش هيعرف حاجة
-مش موافق ياجاسر..صرخ بها صهيب
ثم تحدث بصوت مرتعش
-اسمعني حبيبي، كل اللي عليك هتننازل عن القضية دي وتبعد، وهم حرين مع الباقي، مش مجبر يابني، زمان كانوا هيقتلوا ابوك، حبيبي اسمع مني واعملهم اللي عايزينه،
صمت للحظات متسائلا :
-هم عايزين ايه
-عمو لازم اقفل دلوقتي وهعدي عليك بالليل ، وامانتك جنى ياعمو، اعرف اني اتخليت عن روحي علشان روحي تبقى سعيدة، وعلشان متجيتش تقولي ضيعت بنتي، بنتك هتبقى في رعاية ربنا اولا ثم في رعايتك
-في آمان الله ياحبيبي
خرج من شروده على رنين هاتفه ..بأيدي مرتعشة مرر أنامله على اسمها الذي أنار فوق شاشته بصورتها
نعم محبوبة قلبه، رفع الهاتف وبصوت جعله متزنًا
-جنى!!
شهقات فقط تصيب اذانه، شهقات وصلت لآذانه كصوت رعد اصابه بالصمم ..حاول الحديث ولكنه كالذي أصيب بشلل ولم يعد يتحكم بحروفه
لحظات من الصمت المريب بشهقاتها التي اخترقت صدره كالسهام القاتلة فهمس بتقطع
-حبيبتي بلاش توجعي قلبي، جنى خلي بالك من نفسك
همست بتقطع :
-خيرتني ياجاسر، خيرتيني بين بعدك وحياتك، نسيت اقولك يابن عمي الاتنين واحد عندي
ساحت دموعه على وجنتيه يستمع لحديثها الذي مزق روحه..استرسلت بصوت متقطع :
-شايف جنى هتعرف تعيش بعيدة، ليه عملت كدا، ليه موتني بايدك ياجاسر
-جنى!!..همس بها
نهضت من فوق فراشها صارخة كالمجنونة
-اخررررص مش عايزة اسمعك، وعدتني مش هتسبني ومع أول مشكلة رمتني، وعدتني بالسعادة ومشفتش منك غير الوجع ..انا بكره نفسي قوي علشان وثقت فيك، بكره نفسي علشان بحبك، بكره قلبي اللي مش عارف يوقف عن النبض باسمك، ليه بحبك الحب دا كله
ليه ياجاسر ، ربنا يسامحك يابن عمي
ربنا يسامحك
-جنى اسمعيني ..عمو عنده حق، مش هتحمل وجعك ياقلبي، انا افتكرت الليلة اياها، وكنت متأكد الولد ابني، مش عايز اوجعك، عيشي حياتك ياجنى وانسيني
-بكرهك ياجاسر، بكرهك علشان انت كذاب، سمعتني، بكرهك علشان بتضحك عليا.. هوت بركبتيها على الأرض
جز على قبضته يكتم شهقاته وصوتها الممزق لقلبه، حاول ألا ينهار أمامها فهتف بصوت جعله متزنًا
-عملت الصح، مش هينفع نكمل مع بعض
❈-❈-❈
قاطعته هادرة تزيل عبراتها بعنف:
-جاسر تعالى خدني، كفاية بقى، انا قولت يومين وهترجع تاخدني، مش ترجع تموتني، حبيبي بيتنا وحشني، مش قادرة اعيش بعيدة، انا هسامحك بس متوجعنيش كدا..انا بعشقك ياجاسر
انفاس حارقة فقط تخرج من جوفه، وترجيها وعشقها له الذي بعث قشعريرة بجسده، ود لو أمامه الان لحطم عظمها بأحضانه
سحب نفسًا قويًا لتثبيط بكائه الذي تجلى بصوته
-مقدرش ازعل عمي ياجنى، مقدرش اوجعه، ومقدرش افرق بين ابويا وبين عمي، مش عايز بعد السنين دي كلها وابويا بيبني العيلة اهدمها علشان نفسي، زمان اتخليت عنك علشان عيلتي ودلوقتي بتخلى عن قلبي وسعادتي علشان عيلتي، وأنتِ كمان لازم تعملي زيي، احنا مش لوحدنا ياجنى، لازم نضحي
استمعت لطرقات على باب غرفتها
-جنى افتحي الباب ياماما، ياله ياجنى
صرخت بقهر شق قلبه وانزفه
-بكرهكوا كلكوا، مش عايزة اشوف حد ..سمعتني ياجاسر ، بكرهكوا كلكو وانت اول واحد ..قالتها هاوية على الأرض وتساقط هاتفها تبكي بنشيج
دفع عز الباب حتى كسره، وولج إليها بقلبًا مذعورًا خوفًا من أن تضر نفسها
وجدها جالسة على الأرضية تحتضن ركبتيها وتبكي بنشيج ..احتضنها بقوة
-جنى حبيبتي، خلاص ياقلبي ..تشبثت بعنقه تبكي بمرار الألم
-خدني من هنا ياعز، مش عايزة اشوف حد، ابعدني ياعز ..اقتربت والدتها تجذبها ببكاء ام منفطر قلبها على فلذة كبدها
-حبيبتي اهدي ياقلبي، أن شاءالله كله هيكون حلو..ضربت على صدرها تصيح ببكاء
قلبي مولع نار ياماما، عملت ايه في الدنيا دي علشان اتغدر من الكل
ليه كلهم دبحوني ياماما، بنتك عايزة تموت وترتاح ..صرخت بقوة تبكي بصوت مرتفع قائلة
-ياااااارب..ضمتها نهى تمسد على ظهرها
-حبيبتي يابنتي ..اهدي حبيبتي بكرة كله هيعدي..نهضت. بدأت تحطم في كل مايقابها
-بكرهكوا كلكم ..سمعتني يابابا، بكرهكوا كلكم، حتى جاسر بكرهوا، مبقتش عايزة أعيش في الدنيا الظالمة دي ..خلاص تعبت مبقاش فيا حال، وعلى لحظة ذهب عقلها جذبت مقصها تقطع شريانها، صرخ عز يشير بيديه
-حبيبتي اهدي، خلاص هعمل اللي أنتِ عايزاه جنى ياقلبي بلاش تعملي كدا، هتموتي كافرة، فين ايمانك..
تراجعت للخلف ودموعها تنساب كزخات المطر
-مبقتش عايزة الدنيا دي مبقتش عايزاها ياعز
ظل يهدئها بيديه ملوحًا:
-عايزة تسبيي عز ياجنى، هونت عليكي، مش بتحبي اخوكي
قالها وهو يتجه إليها بخطوات بطيئة
-جنى ياقلبي، هعملك كل اللي إنتِ عايزاه، سيبي المقص
هب جاسر فزعا بعدما استمع الى أحاديثهم وقاد السيارة بسرعة جنونية
كان يقف على باب الغرفة يطالع أفعالها بصمت ومحاولات عز مازالت مستميتة حتى وصل إليها وجذبها من كفيها
احتضنها يطالع والده بنظراته الحزينة..مسد على خصلاتها
-اشش..اهدي حبيبتي، تحرك بها إلى الفراش ..وساعدها بالتسطح قائلًا:
-ماما ..سبيها ترتاح، تحركت نهى إليها
-سبني مع اختك ياعز!!
-ماما!!..طالعته بغضب
-قولت سبني مع اختك، ايه مبتسمعش، اقفل الباب وراك ..قالتها وتحركت حتى تمددت بجوارها على الفراش تمسد على خصلاتها
رفعت رأسها تضعها بأحضانها
-جنى حبيبة ماما، ايه رأيك تتكلمي مع ماما
هزت رأسها رافضة وهمست بنبرة متحشرجة باكية:
-ماما عايزة أنام، لو سمحتي، انحنت نهى تلثم جبينها
-نامي ياروح ماما ..انا معاكي، عايزة أقولك كل حاجة في الدنيا دي نصيب يابنتي، مش عايزاكي تكوني ضعيفة
شهقة خرجت من جوفها تضع كفيها على فمها
-موجوعة قوي ياماما، حاسة بنار بتحرقني ومش عارفة اطفيها، الوجع دا هيفضل كدا
استندت نهى على ذراعيها ومازالت تداعب خصلاتها بحنو اموي قائلة:
-حبيبتي حاسة بيكي، بس مش دي اخر الدنيا، عارفة انك بتحبي جاسر، بس النصيب وقف لحد كدا، ربنا مش رايد انكم تبقوا مع بعض
أطبقت على جفنيها وصوره أمام ناظريها
-ماما !! عايزة اموت انا تعبت مبقتش متحملة ..قالتها وهي تغلق عيناها بوهنٍ
وضعت كفيها تقرأ بعض الأيات القرآنية حتى غفت وآثار دموعها على وجنتيها..أزالت نهى عبراتها تبكي بصمت على حال ابنتها الوحيدة
استمعت إلى صرير سيارة بالأسفل علمت بوصول جاسر، نهضت تجذب غطائها عليها
-ربنا يصبرك يابنتي ويحنن قلب ابوكي عليكي ..قالتها وتحركت للأسفل بعدما تيقنت من نومها ..
ولج جاسر للداخل يبحث عنها كالمجنون
-جنى فين ياعمو، عملت في نفسها ايه
توقف عز بعدما وجد حالة والده الرثة
قاطعته نهى
- نامت ياحضرة الظابط..وياريت تمشي من هنا قبل ماتحس بوجودك
ذهب ببصره لصهيب الشاحب، ثم اتجه لنهى
-عايز اشوفها ياطنط نهى لو سمحتي
طالعته للحظات بصمت موجع ثم أشارت له بالصعود
-نهى !! هتف بها صهيب الذي رجع بجسده للخلف مغلقًا عيناه بآلم يتسرب بصدره قائلًا:
-بنتك مطلقة، يعني بقت محرمة على ابن عمها
استدارت متحركة متجهة إلى غرفة ابنتها بعدما وجدته يأكل درجات السلم بخطواته غير مكترث لحديثهما، دفع الباب وولج للداخل..تسمر بمكانه وكأن الأرض تسحب من تحت أقدامه وهو يرى وجهها الشاحب وعبراتها التي تنسدل على وجنتيها بمنامها ..خطى للداخل، همست نهى تجذبه من ذراعه
-جاسر مينفعش..أخرجها، وأغلق الباب خلفه واتجه لملاكه الغافي ..علم من حالة نومها أنها فاقدة للوعي
جثى على ركبتيه أمامها مقتربًا من وجهها
-جنجونة قلبي.. سامحيني ياجنة حياتي..مرر كفيه المرتعش على وجهها يزيل عبراتها ووضع رأسه بجوار رأسه يتنفس أنفاسها مطبق على جفنيه يهمس لها
-قلبي بيحترق ياجنى، عايز ادمر الكون كله، أنا ضعيف قوي قوي، ياريت افوق من ابشع كوابيسي، قوليلي اعمل ايه وانا مخنوق بسياج من نار، دنى حتى وضع جبينه فوق جبينها وآهه حارقة بنيران عذابه
-بموت بصمت يابنت عمي، حبيبك بيموت بصمت، سامحيني واعرفي مستعد احرق الكون كله علشان اشوف ابتسامة من عيونك، مش عايز أعيش العمر كله مقهور عليكي وعلى عمو، افديكي بروحي ياأغلي من روحي
اقترب حتى لامس ثغرها بخاصته
-مبقاش ليا حق فيكي، لا لا يعني مبقتيش ملكي، آآآه ..قالها بشهقة خرجت رغمًا عنه، هب من مكانه يطالع نهى التي توقفت تبكي على ماصار إليهما..أشار عليها يزيل عبراته بقهر
-فوقيها مغمى عليها، عيونك ماتنزلش من عليها ياطنط لو سمحتي
الصفحة التالية
الفصل التاسع والعشرون
4
❈-❈-❈
سحب كفيها باسطًا إليها عطرها
-فوقيها ، سحب عز ذراعه
-جاسر لو سمحت..نزع نفسه منه
-ياله ياطنط نهى طمنيني عليها، قربت نهى قنينة العطر من أنفها وحاولت إيفاقتها ولم تتحكم في عبراتها، استمعت لهمسها باسمه
-جا...سر..آه
استدار متجها للخارج يتخبط بخطواته، بمقلتين كالشلال وقلب يتهشم من الوجع يحاصره وخزات تشحذ روحه كبلور تهشم بقوة إعصار، حالة انهيار تامة تملكت منه، توقف يلتقط أنفاسه لعل يسحب بها خليطًا من الهواء الممزوج برائحتها العبقة أزال عبراته بظهر كفيه، توقف صهيب أمامه وانسابت عبراته رغمًا عنه
ألقى نفسه بأحضانه وارتفع صوت بكائه
-مش قادر ياعمو، انا بندبح ياعمو ليه بيحصل معايا كدا، ياريتني مُت ولا اتوجعنا م كدا
ربت صهيب على ظهره، ثم أخرجه من احضانه، يحتضن وجهه
-حبيبي أنا آسف، بس غصب عني ، والله يابني غصب عني، مش حمل تعب تاني
أزال عبراته وهز رأسه
-تمام ياعمو، بكرة ورقة طلاقها هتكون عندك ..قالها وخرج متجهًا لسيارته
استمع الى رنين هاتفه
-أيوة ياياسين !!
-جاسر إنت فين، انا في بيتك
قاد سيارته قائلاً :
-في الطريق، قالها وتحرك متجهًا إليه
وصل بعد قليل، وجده جالسًا أمام المسبح ، تحرك حتى هوى على المقعد
-عامل ايه؟!..مش المفروض تسافر بكرة العريش
تراجع بجسده ورفع رأسه ينظر للسماء
-عاليا !!
اشعل سيجاره وبدأ ينفثها قائلًا:
-مالها !!
اعتدل بجسده قائلاً:
-طلع ابن عمها بيضحك علينا، البنت مظلومة، يعني معملش فيها حاجة ومقربش منها ياجاسر
-طب ما دا معروف يابني،انت لسة واخد بالك من الموضوع دا ..توقف يطالعه لبعض الوقت ثم تحدث:
-استنى هي عاليا حكتلك ولا عرفت ازاي !!..ابتعد ببصره عنه، ثم اتجه يجذب منه سيجارته ينفثها بغضب حتى أصبح صدره محترق كرمادها
ظلت نظرات جاسر تحاوطه حتى توقف واتجه للمسبح
-عايز اعوم شوية، بما إن مراتك مش هنا ماتيجي نغطس شوية
مازالت عيناه متسلطتان بقوة تحاوطه، ثم رفع ذقنه
-مردتش عليا،عرفت منين؟!
ألقى هاتفه وقام بنزع قميصه وقفز بالمسبح دون حديث
ابتسامة ساخرة تجلت بملامح جاسر فنهض متجهًا للداخل ، استمع لرنين هاتفه رفعه مجيبًا
-أيوة يابابا!!
-حبيبي تعالى عايزك
-آسف تعبان وهنام، ياسين هنا على فكرة
مسح جواد على رأسه بإرتجافة يديه فهمس بصوت مجهد
-تعالى مامتك مقومة الدنيا حريقة هنا من وقت ماعرفت انك طلقت جنى
ذهب ببصره لياسين الذي يسبح كمحارب للمياه، فأجاب والده
-حاضر، نص ساعة واكون عند حضرتك
❈-❈-❈
صعد غرفته وهوى بجسده على فراشه، تجولت عيناه بالغرفة الجديدة التي شعر ببرودتها كجثة الموتى، فرد جسده وذراعيه ثم همس لنفسه:
-هتتحمل الوجع دا ازاي ياجاسر، إزاي هتقدر تعيش بالطريقة دي، قبض بكفيه على الفراش ونهض معتدلًا يفتح جهازه المحمول يشاهد بعض المشاهد التي أرسلت لعمه للضغط عليه
مشهد خلف مشهد لزوجته، توقف ببصره على أحدًا ما، جذب هاتفه سريعًا
-جواد!!..
اجابه على الجانب الآخر
-أيوة ياجاسر، إنت كويس
-كويس ..اسمعني كويس عايزك تعمل زي ماهقولك بالظبط
قص له المطلوب ..نقر جواد على مكتبه ثم أجابه:
-مين قالك كدا، ماهو لازم نتأكد، وبعدين هو مش أهبل علشان يقرب من ظابط
ارجع خصلاته بعنف وصاح به:
-لا عملوا أكتر من كدا، اسمعني وركز كويس، انا وجنى أطلقنا دلوقتي وعلاقتي بعمو بصهيب مش كويسة، فأنت هتعمل اللي طلبته من غير كلام
زفر جواد متأففًا وهتف بنبرة اعتراضية:
-بقولك دي بعيدة عن الشغل، مستحيل يحطوها في دماغهم وبعدين زمان خبر طلاقك نزل في كل الصفح ياحبيبي مالوش لزوم اللي هتعملوا، بلاش تضيع وقت على الفاضي على الولد دا .. ومستحيل يضر جنى أو غيرها، يارب ترتاح
-اعمل اللي طلبته وريحني ياجواد لو سمحت
مسح وجهه بجانب كفيه وهتف بملامح ممزوجة بالحزن والألم:
-جواد انا واثق في ذكائك، لازم تجبلي الولد وتعرفلي تبع مين بالظبط، وخليك ورا البت الكاستمر كمان
-تمام ..هشوف هعمل إيه وارد عليك
نهض متجهًا لخزانته وقام تبديل ثيابه، استنشق رائحتها العالقة بقميصه، وضعه بالخزانة واغلقها مستديرا بظهره عليها، دقات عنيفة كادت تصيب صدره بذبحة صدرية كلما تخيل أنها لم تعد ملكه، استدار يضرب بكفيه على الخزانة وآهات مرتعشة كحال جسده حتى استمع لرنين هاتفه مرة آخرى
اتجه إليه بحالة مزرية يطالعه، ثم رفعه وأجاب
-قول
-الولد وقف شوية قدام الحي دقايق والمدام خرجت، معرفش قالها ايه خلاها تضربه، هو طبعا ماسكتش وحاول يرد عليها في الوقت دا حضرة الظابط وصل وشافها، صمت للحظات وتحدث:
-سمعت بيقول كلام مش كويس
زي ايه..تسائل بها جاسر!!
حمحم الرجل وقص عليه مااستمع إليه
-عايزه، تجبهوله من تحت الارض، الصبح الاقيه عندي في البيت..قالها وأغلق الهاتف، ثم هاتف أحدهم
-عاملة ايه واخبار البيبي
ابتسمت بسعادة على سؤاله فنهضت من مكانها قائلة:
-معقول إنت بتسأل عن ابننا، وضع سلاحه بخصره وأجابها متهكمًا:
-طبعا، الاول مكنتش متأكد، دلوقتي لازم اطمن، تحرك للأسفل ومازال يهاتفها
-خلي بالك منه، انتِ متهمنيش اللي يهمني اللي في بطنك ..قالها وأغلق هاتفه هامسًا:
-حقيرة، شيلتيني ذنوب سنين لسة معشتهاش ياحقيرة ..تجول ببصره يبحث عن ياسين ..صاح بصوته
-ياسين!!
خرج من المطبخ وهو يحمل كوب كاستر يتناول منه
رمقه بصمت حتى اقترب منه قائلًا:
-مراتك مدلعاك ياسيدي، حتى وهي طفشانة منك مظبطاك حلويات
ضيق عيناه واقترب منه ونظراته تحاصره
-إنت عامل إيه يالا..جلس وبدأ يلوك من الكاستر، يهز أكتافه
-مقولتليش هترجع جنى إمتى، صمت رافعًا بصره إليه
-هو ليه عمك صهيب مقتنع إن الولد ابنك، هو ميعرفكش ولا ايه
جذب منه الكوب وصاح على الخادمة
-منيرة!!
هرولت إليه :
-نعم ياباشا!!
أشار لها على الكوب ثم هتف:
-دخلي دا، وروحي مش هرجع الليلة، وقت مااعوزك هتصل
-ومدام جنى ياباشا مش هترجع
ابتعد ببصره عنها واجابها:
-لأ..مدام جنى مبقتش هترجع، خدي حاجتك معاكي، انا مش هرجع حاليا على البيت
نهض ياسين بعدما غادرت منيرة واقترب منه:
-جاسر!!..اوعى تكون
قاطعه وهو يجذب مفاتيحه ونظارته
-اطلقنا، كل واحد راح في طريقه
-يخربيتك..قالها ياسين هادرًا
بدأ يثور حوله، يضع يديه على رأسه مذهولًا
-ايه اللي عملته دا؟!
-دبحت البت اللي بتموت فيك، غبي غبيييييي ..صاح بها
تحرك ولم يكترث لصياحه، وتحدث:
-رايح حي الألفي، لو حابب تروح، لو لا يبقى اقفل على نفسك كويس للحرامي يخطفك يابن جواد
توقف يراقب تحركه مذهولًا، يهز رأسه مستنكرًا مافعله:
-يالهوي عليك ياجاسر، ناوي على ايه
هرول خلفه وجذبه من ذراعه
-ناوي على ايه، ماهو ماقنعنيش بعد الحب دا كله تطلقها، دا البت مريضة بيك، ولا إنت ..
جاسر مبتردش ليه، عارف عمو صهيب ضغط عليك، بس مكنتش تسمع منه، كان شوية وهيهدى
نزع ذراعه ثم فتح باب سيارته
-لو خلصت نمشي،
توقف أمامه بعدما أغلق باب السيارة
احتضن أكتافه
-اسمعني ياجاسر لو سمحت
عارف عمك مصدوم وحقه، وعارف أنه ضغط عليك، وكمان فيروز ، بس جنى ذنبها ايه ..اقترب منه وتعمق بنظراته عله يكتشف مايخفيه أخيه
-أنا مش مصدق أنها هانت عليك، ولو بتفكر أنه طلاق لفترة تبقى غبي، لأنها وقتها مش هتسامح هتشوفك كسرتها
ابتسم بسخرية لم يستطع مدارتها وأشار بيديه:
-قولي لو مكاني هتعمل ايه وابوك بيخيرك بينك وبينه، وعمك بيخيرك بينه وبين ابوك..قولي لو مكاني هتتحمل تهدم اللي ابوك بيبنيه سنين علشان سعادتك، مفكر هتبقى سعيد تبقى اهبل ياياسين
السعادة الحقيقية لما تشوف اللي حواليك سعيد، حبيتك نفسها لما تلاقي نفسها منبوذة من الكل علشان فكرت في نفسها، هتكره حياتها معاك
بلاش تقول كلام وانت مش فاهم حاجة
لكمه بصدره وصاح بغضب أعمى
-لا هكون مرتاح علشان اخترت سعادتي، هعرف اتنفس وانام كويس وحبيبتي جنبي، هقدر اقاوم الصعوبات وهي بتقويني، قلبي هيبقى مرتاح وانا شايف صباحي بيها، مش علشان غيري يعيش مرتاح انا اموت
-غلط ..صرخ بها جاسر..قبض على ذراعيه يهزه بعنف
-غلط ياحضرة الظابط اللي بتفكر فيه، سعادة العيلة هي سعادتك اللي بتقول عليه دا مينفعش، انت مش عايش لوحدك، حق ابوك عليك تريحه، حق امك عليك تبقى شايفة سعادة ولادها وهم حواليها مش مطرودين من العيلة، حق اخوك عليك لما تبقى كبيره اول حد يفكر يلجأله انت مش يبقى غرقان ياياسين ..ودا اللي بعمله دلوقتي
ضرب على صدره وهتف بنبرة مكتومة
-نصيبي كدا، نصيبي اتألم علشان اشوف غيري سعيد، نصيبي ابقى كبير جواد الألفي علشان استحق اشيل اسم جواد الألفي، نصيبي يكون ليا اخوات بيحبوني وانا لازم احبهم، نصيبي يكون ليا عيلة وقت مااقع الاقي اللي يسندني، مش لما اقع اكون وحيد
عرفت ليه رضيت بكدا، مش انا اللي افرق الأخ من اخوه، ولا احزن امي واخليها كل ليلة نايمة ودموعها على خدها..اقترب ونظر داخل مقلتيه
-فوق ياياسين واعرف احنا تربية مين وقت ماتحس بكسرك هتلاقي اللي يقويك ..قالها واتجه إلى سيارته قائلا
-اركب عربيتك وتعالى ورايا، ولينا قاعدة مع بعض ...
الفصل التاسع والعشرون ج2 من هنا
لقراءة جميع فصول الرواية من هنا