عشق لاذع الفصل الواحد والاربعون 41 ج1بقلم سيلا وليد

            

عشق لاذع

الفصل الواحد والاربعون 41 ج1

بقلم سيلا وليد

 

أعلم بأن المسافات قد سرقتك مني وأن الأيام خذلتني 


ولكني ..


ورغم الفراق ..


مازلت إليك وحدك أشتاق ..


أريد أن أكتب لك عن كل شيء يمر بي ..


أن أقول لك أنني أحبّك ..


وأن الوقت الذي يمضي بدونك بغيض ..


وأنك هُنا مستقر بداخلي و بين ثنايا روحي ..


أريد أن أقول لك كل شيء يطرأ على عقلي دون خوف ..


دون أن أُفكر بما سيحدث بعد ذلك... فقط أريدك...


فمازِلت أُمارس سرقة النظر إلى صورتك ..


لأسلب منها كل ما يُسعد روحي ..


ويُزيل همي ، ويُهدئ حنيني ..


وكأنكـ بجانبي ..


ف أنا دائما اشتاقُ لك


وحين أشتاقك ..


أراك في كل الوجوه ..


واسمع صوتك في كل الأصوات فأبتسم ..


فيظن من حولي أني في حالة جنون ..


ولا يدركون اني فقط في حالة اشتياق


فكيف نخبر .. أولئكَ الذين ابتعدوا عنا ..


أنهم أصابونا .. بأذى شديد لا يرى ..


كيف نخبر الذي أفلت يدنا في منتصف الطريق ..


واختفى... بخيبة الأمل التي شعرنا بها ..


حِـين .. وجدنا أنفسنا بمفردنا تمامًا ..


الذين .. لطالما اعتقدنا أننا سنراهم بجانبنا دائما


كيف .. نخبرهم أن وجع رحيلهم لا ينسى


ياساااادة عندما رحل أخذ خيوط الشمس وضوء القمر ...


فَعَلَى عَيْنَيْه التي عادت تُتْلى آيَةٌ واحِدَةٌ:


﴿إقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾


❈-❈-❈


بعد عدة أيام 


تدهورت حالتها وانقطعت عن الحديث والطعام، فتح باب غرفتها بالمشفى ودلف إليها، كانت تحتضن نفسها كالطفل ونظراتها تائهة كالذي لا يشعر بشيئا، حملها بهدوء، حاوطت عنقه ووضعت رأسها بعنقه تبكي بشهقات مرتفعة


-اتأخرت ليه..ضمها بقوة يطالع الذي يراقب المكان ..


-المهم اني جيت..دفنت نفسها بداخل أحضانه 


-خدني من هنا !! ابتسم على طفولتها ثم تحرك وخرج من الباب الخلفي للمشفى ، تحركت السيارة سريعا لوجهتها، كان يضمها بقوة كأنها ستهرب منه، نظر لنومها بسبب الأدوية وطبع قبلة على جبينها ثم اتجه بنظره ليحيي


-يحيى وديني المكان اللي قولتلك عليه، وارجع انت علشان محدش ياخد باله، واعمل زي ما قولتلك


ثم رجع بنظراته لتلك التي تبتسم بنومها تهمس اسمه ، رفع كفها يقبل باطنه 


-آسف ياعمري ..اسف ..قالها وهو يضمها كالأم التي تحتضن طفلها حتى وصل لمكانه المنشود ..توقفت السيارة..ليترجل منها بهدوء ملتفتا حوله ، ثم حملها ليتحرك إلا أن أوقفه ذاك الصوت الذي صاح باسمه


"جاسر"..جعل جسده يرتجف، وعيناه على زوجته المبتسمة بأحضانه 


توقف مستديرًا ينظر إليه ..ارتسمت ابتسامة عريضة على محياه، 


-هدخل جنى علشان نايمة ..اومأ له متفهمًا، ثم تحرك للداخل، وضعها على الفراش بهدوء كأنها أغلى الجواهر الثمينة، ثم قبّل رأسها هامسًا


-حبيبي بابا برة هشوفه وهرجعلك ..ابتسامة بنومها وكأنها تستمع إليه وتشعر به، لا يعلم أنه يراودها أحلامها ككل ليلة منذ اختفائه 


تحرك للخارج ونظراته عليها إلى أن خرج للخارج 


❈-❈-❈


اتجه إلى والده يلقي نفسه بأحضانه ..احتضتنه يربت على كتفه 


-عامل ايه ياحبيبي..؟!نظر لوالده يتفحصه بعيناه ثم اجابه بأعين حزينة:


-حضرتك اللي عامل ايه يابابا..وماما اخبارها ايه !!..قاطعه جواد حازم


-إنت عايش!!


ابتسم يجذبه لأحضانه 


-لا انا عفريته..لحظات وهو متيبس بوقوفه حتى لم يبادله عناقه سوى بعدما ربت جاسر على ظهره 


-وحشتني ياحلوف ..


لونت الصدمة معالم ملامحه يستعيد ذكرياته على مشهد ضربه بالرصاص، ومشهد خروج جثمانه..تراجع يهز رأسه غير مستوعب مايحدث، تمتم كالمعتوه وهو ينظر إلى خاله


-ازاي، اومال مين اللي اندفن، يعني ..لا طيب سنة كنت فين 


اقترب جاسر منه 


-جواد ممكن تهدى وأنا افهمك على كل حاجة 


-تفهمني!!..استدار إلى خاله متسائلا بصدمة:


-طيب لما هو عايش ليه قولت لي اتجوز جنى 


تجمدت الدماء بأوردة جاسر، التفت إلى والده سريعًا وكأن أحدهم طعنه بخنجر بارد ..ابتلع جواد ريقه من نظرات ابنه فحاول تغيير الحديث 


-جواد اسمع جاسر علشان تعرف هتعمل ايه ، انا عايزك تفهم منه كل حاجة علشان تعرفوا انتوا الاتنين هتعملوا ايه


اقترب جاسر منه وتحدث بنبرة متألمة 


-جواد أنا مكنتش اعرف انا مين، كنت فاقد الذاكرة، لسة عارف بس من قريب، اول حاجة عملتها كلمت بابا وطلبت منه اقابلك مفيش حد اثق فيه غيرك ..ايه لسة مش مصدق


ظل يدقق النظر به لفترة 


-يعني إنت كنت ميت ولا عايش عايز افهم 


لكزه جاسر: متفهم يابغل ميت ازاي وانا قدامك اهو ..ايه كنت عايزني اموت حق وحقيقي، طيب انا قاعد على قلبك ومش هموت لما اموتك معايا


هنا انسابت عبراته رغم عنه يضمه بقوة يصرخ بصوتًا مرتفع 


-والله انت صح، ايوة طولة لسانك .. دا انا دموعي نشفت عليك يابغل 


قهقه جاسر وهو يداعبه برأسه ..ظل الاثنين بحالة من المزاح ..


بالخارج جلس جواد ينظر لتلك المزارع حوله ..توقف جواد حازم خلفه 


-إزاي جاسر طلع عايش، وحضرتك عرفت إمتى


أشار له بالجلوس..ثم جلس على تلك الطاولة الخشبية يدقق النظر بجواد 


مردفًا:


-تفتكر لو كنت اعرف كنت عيشت الألم دا كله.


-يعني ايه .؟!


.تنهيدة عميقة وشعور بالراحة رغم الحزن والألم الذي أحرق قلبه 


-عرفت بعد ماجنى ضربتك بالرصاص 


ذهب بذاكرته لذاك اليوم 


فلاش باك قبل شهرين من آلان 


تحرك جواد إلى منزل صهيب كعادته ..دلف إليه 


-مساء الخير يا صهيب ..ابتسم يشير إليه قائلًا:


-تعالى عايز اتكلم معاك ..أردف بها صهيب بلسان ثقيل بسبب تعبه 


تحرك جواد مستندًا على عصاه ثم جلس بمقابلته :


-عامل ايه دلوقتي..قالها جواد وهو ينظر لكفيه الذي بدأ يحركه بتثاقل 


نظر لكفيه وأجابه:


-كويس الحمد لله ايدي بدأت تتحرك ..ربت على كفيه الموضوع على الطاولة


-إن شاءالله ترجع زي الأول ياصهيب 


-جواد!! ..رفع نظره ينتظر حديثه فتابع صهيب قائلًا:


-"جنى"..ضيق عيناه متسائلًا:


-مالها جنى ياصهيب 


-تاخدها للدكتور نفسي، يوم عن يوم بتسوء حالتها، انا خايف تضر نفسها 


شعر جواد بقبضة تعتصر صدره فابتعد بنظره بعيدًا عن أخيه:


-مقدرش ياصهيب، مقدرش اتحمل فكرة أنها توصل لمستشفى الأمراض العقلية ..سبها شوية متنساش جاسر كان بالنسبالها ايه وطبيعي أنها تقعد فترة لحد ما تستوعب 


هز رأسه وانسابت عبراته مردفًا:


-جواد من يومين كانت عايزة تموت كنان وبتقول هو السبب، يعني ممكن تضر ابنها، خايف على الولد وخايف لتسوء حالتها ، هي بتحبك وهتسمع كلامك..


أطبق على جفنيه متألمًا على ماتشعر به قائلًا:


-هحاول ياصهيب اشوفلها دكتور كويس ..


مساء اليوم التالي بتمام الحادية عشر 


كان جالسًا بحديقة منزله بعد حديثه مع باسم بتقديم استقالته، شعر بأقدام أحدهما خلفه..رفع عيناه وجده خاله 


فنهض يقف أمامه :


-اهلًا ياخالو، حضرتك محتاج حاجة


أشار جواد إلى تلك الطاولة الدائرية التي توضع بمنتصف الحديقة، ثم أشار له بالتحرك إليها 


جلس لبعض اللحظات بصمت، إلى أن اقتطعه جواد متسائلا:


-ليه عايز تستقيل، خايف لتموت زي جاسر


هز رأسه بالنفي سريعًا وأجابه:


-مبقاش ليا نفس ، ماليش نفس ياخالو اكمل من غير جاسر الله يرحمه ، مش هقدر صدقني مش هقدر 


ربت على كتفه:


-حبيبي كلنا معرضين للخسارة، انا  اكتر من تلاتين سنة خسرت جاسر الحسيني ودا كان بالنسبالي نصي التاني..ابتسامة حزينة ينظر إلى جواد 


-هتصدقني لو قولت لك كنت بشوف فيك انت وجاسر شبابي، كان نفس العلاقة ويمكن اكتر، مهما تقول على اللي بينكم بس مكنتوش زينا ..استأنف بصوتًا متحشرج عندما تذكر وكأن الأحداث كانت بالأمس قائلًا:


-نفس السن حبيبي ، استشهد بنفس السن ، كأن القدر بيعيد نفسه وعلى رأي غزل كأن اسم جاسر مالوش الحياة 


-خالو آسف ..أزال دمعته الغادرة التي انبثقت من جفنيه ..ثم أشار بكفيه ينظر إلى جواد 


-بدول دفنته تحت التراب، وبعد سنين يتكرر المشهد بس المرة دي ضهري اتكسر ياجواد، اتمنيت في المرتين أكون أنا اللي اندفن مكانهم، بس المرة الأخيرة  كانت اصعب وأمر من اي حاجة..مهما اقولك مش هتحس بوجع خالك ازاي 


انسابت دموع جواد حازم يبتعد بنظره عن خاله ثم تحدث بشهقات :


-والله ياخالو حاولت انقذه، بس مالحقتش والله مالحقت ولو بأيدي اموت مكانه مكنتش هتأخر


ضم رأسه  وثقلت أنفاسه ليصمت للحظات وكأن لسانه عجز عن الحديث، سحب نفسًا ليعيد توازنه، ثم أردف  بهدوئه المعتاد 


-متبقاش اهبل يالا..انت ابني وهو ابني بس الفرق بينكم الكنية مش اكتر، تفتكر هتكون أقل وجع يابن حازم، ليه ابوك ليه فيك اكتر مني، نسيت مين اللي مربيك يابغل 


امسك كف جواد وقبله :


-ربنا مايحرمنا منك ياحبيبي ودايما فوق راسنا لحد ماتربي ولادنا 


ربت على كتفه بحنان وهنا تذكر كنان ، حدج جواد بنظرة ثم أردف: 


-تفتكر جنى هتقدر تربي كنان لوحدها دلوقتي ياجواد ..ضيق جواد عيناه 


-وحضرتك هتروح فين، اكيد هتربيه زي ماربيتنا ..ابتعد ببصره واستأنف ماشق قلبه رغمًا عنه


-وأنا مش ضامن عمري، ولا بقى ليا حيل يابني 


-بعد الشر عنك حبيبي ربنا يبارك لنا في عمرك 


❈-❈-❈


تزآر الوجع بداخله حتى شعر وكأن جبلًا ثقيلًا فوق صدره، ليردف بتقطع كالطفل الذي يتعلم النطق:


-جواد عايزك بعد سنوية جاسر تكتب على جنى، مش هلاقي حد هياحفظ على ابن جاسر ومراته غيرك 


هب من مكانه كالملسوع يهز رأسه بعنف ودقات عنيفة كادت أن تصيب قلبه بالتوقف ..وكأن كلماته سقط على أذنيه كالصاعقة التي تصيب الصمم ، فاردف مستنكرًا :


-مستحيل، مستحيل ياخالو مع احترامي لحضرتك، جنى لو اخر ست في الدنيا مستحيل اقرب منها، مستعد اكون الاخ اللي يساندها طول حياتها، لكن اتجوزها واخد مكان جاسر، يبقى موتني الأول 


امسك كفيه يجذبه بقوة ليجلس على المقعد وهتف دون جدال ..وطالعه بكم الآلام التي شقت صدره وامطرت شلال من أنهار الحزن ليتجمع بمقلتيه


-على عيني اطلب منك دا، انا بطلبه وكأن سكين على رقبتي يابني، بقولك خد روحي ياجواد، تفتكر أنا وغزل هنكون عاملين ازاي واحنا بنطلب منك تتجوز حبيبة جاسر ..ربت على كتف جواد واستأنف 


-ساعات الواحد بيعمل حاجات مضطر أنه يعملها زي مابنقول الضرورة تبيح المحظورات 


هز رأسه وغزت عيناه بحور من الدموع تنساب على وجنتيه ليهتف بألم روحه


-آسف ياخالو ..لو طلبت روحي مش هتأخر ، اعذرني مستحيل اقدر اخد حاجة كان بيعتبرها حياته، انا هنا هكون اللي موته بجد ..سامحنى 


كفكف جواد دموعه واحتضن وجنتيه 


يهز محاولا السيطرة على دموعه حتى لا يضعف أمامه 


-جواد عايز أقولك سر بس اوعدني تحافظ عليه 


اومأ بعيناه الباكية منتظر حديثه 


-خالك قلبه مبقاش متحمل، الشريان التاجي محتاج عملية، والعملية خطيرة، يعني ممكن في أي وقت مكنش موجود بينكم، والمرض مالوش علاج 


جحظت أعين جواد حازم مرددًا


-"شريان تاجي ياخالو"..لم يرد على حديثه ولكنه تابع قائلًا:


-جواد أنا مقدرش اثق في حد غيرك، مستحيل اترك ابن ابني لحد غريب، ومستحيل اظلم جنى وامشي ورا هواها ، البنت لسة صغيرة 


-خالو اسكت لو سمحت..آسف كلامك بيوجع ، مستحيل اعملها لو هتقتلني 


نظر بقوة لعيناه واستأنف قائلا حتى لا يتحدث معه مرة أخرى:


-اسمعني ياخالو انا خلاص لقيت البنت اللي هتشاركني حياتي ومستحيل أتنازل عن قلبي المرة دي 


توقف جواد يتسند على عكازه ثم أردف:


-اسمعني يابن حازم علشان مش هعيد كلامي تاني 


-أنا مش عارف هعيش بكرة أو لا، أو ممكن منكملش كلامنا ، بس اعرف انا وصيتك من دلوقتي على مرات اخوك وابنه، وانا دلوقتي هروح لجنى ولو جنى بعد سنوية جوزها وافقت انت هتوافق ...توقف عن الكلام  يحدجه بنظرة صارمة وأكمل حديثه:


-لو ينفع حد من ولادي مكنتش جتلك ..قالها وانسحب متجها إلى منزل صهيب ..بعد قليل صعد إلى غرفتها دلف بعدما طرق الباب لعدة مرات دون رد ..دخل وجدها تجلس بالشرفة تحتضن ركبتيها و تضع رأسها عليها ..تحرك بخطوات بطيئة إلى أن توقف ينظر إليها بأسى ، فلم تشعر بدخوله


-"جنى" قالها بصوت خافت، رفعت عيناها تطالعه بصمت ..جلس بمقابلتها يطالعها  لبعض الوقت، قطع صمتهم حديثها وهي تنظر إلى الخارج 


-وحشني قوي ياعمو، وحشني لدرجة مش قادرة اتنفس في الدنيا دي من غيره ..رفع كفيه يمسد على خصلاتها 


-حبيبة عمو لازم تفوقي يابنتي هتفضلي لحد إمتى كدا ..الاسبوع الجاي هتكون سنويته، يرضيكي الناس تقول عليكي اتجننتي 


اعتدلت تنظر إلى عمها بنظرات متألمة تهتف ببعض الحدة :


اعتدلت تنظر إلى عمها بنظرات متألمة تهتف ببعض الحدة :


-خليهم يقولوا اللي يقولوه، انا اللي يهمني دلوقتي اني اشوفه وبس 


-جنى وبعد هالك، شايفة عمك متحمل كفاية يابنتي عليا كدا، لازم تقوي وتفوقي علشان ابنك ، ابنك محتاجك 


--ابني محتاج أبوه اكتر مني 


احتضن كفيها وطبع قبلة عليه ثم رفع كفيه على خصلاتها


-بتحبي عمك ياجنى ، وهتسمعي وتنفذي اللي أقوله ..وقبل ماتردي عليا اعرفي انا بعمل كدا علشان كنان، ودا على قلبي ياحبيبة الغالي 


ابتسامة ساخرة خرجت من عيونها قبل شفتيها حينما ارتابت من حديثه، لا تعلم عن أي شيئا سيحدثها، ولكن شعرت بإنتفاضة قلبها فأردفت بقوة وهي تنظر بمقلتيه دون أن يرف لها جفن


-بس بحب جاسر اكتر من أي حاجة ياعمو، ومستحيل حد يقدر يجبرني على حاجة متعلقة بيه، وقبل ماتحكم بأي كلام ..جوزي وحبيبي سواء عايش أو لا جاسر وهفضل كدا طول حياتي ..قالتها والتفتت تنظر مرة أخرى للخارج وكأن لم يوجد احد معها بالغرفة ..إلى أن سمعت حديثه:


-وهو روحي اللي اتسحبت مني ، هو نبض قلبي اللي وقف من يوم ماشفتهم بيدفنوه، هو قوتي اللي ضعفت ومبقاش ليا حيل من بعضه، هو ضهري اللي انكسر ياجنى، ابني البكري اول فرحة عمري، اول كلمة بابا منه ، اول ضحكة ملكتني الدنيا، اول فرحة نستني أحزاني واحزان امه، عوضنا على اللي خسرناه زمان 


استدارت إليه اقتربت بجسدها تتأمل ملامحه وابتسامة حزينة على وجهها وهي تطالعه


- وأول واخر حبيب ليا ياعمو، هو روحي وحياتي وكل حاجة حلوة ومرة ، هو الحياة وهو الموت نفسه ، وجوده حياة وبعده موت 


ضمها لأحضانه وهنا انهارت دموعها لتنساب على وجنتيه 


-طيب ريحي عمك وقوليلي ازاي ارتاح وانا شايفك كدا 


خرجت من أحضانه ورسمت ابتسامة:


-أنا كويسة والله كويسة ياعمو، ممكن تقول مجنونة، بس عندي احساس أنه عايش معرفش ليه 


عارف ياعمو جاسر شبهك قوي، لا مش شبهك بس كل حاجة وخدها منك مفيش بس غير عيونه، سحبت بصرها تنظر للخارج وتنهيدة عميقة بكم آلام قلبها 


-كنت بغير عليه من واحنا صغيرين اخويا بقى ومبحبش حد من البنات تتكلم عليه، وكل خناقتنا أنه ميجيش عندي  الكلاس، وخناقة ورا خناقة لحد مافي مرة علشان اعانده وقفت اتكلم مع شاب واضحك، عايزة اقهره وبس زي ماهو بيقهرني ويجي يقعد يضحك مع صحباتي الفرحانين بعيونه 


انسابت عبراتها كنجوم متلألئة من شدة حزنها وتابعت حديثها بألم شق صدر جواد :


- أول مرة يتعصب عليا وقتها ، يومها قالي كلام كتير يوجع، ومش بس كدا خاصمني اسبوع كامل ، وكنت هموت من خصامه، وعايزاه يكلمني بأي طريقة، بس هو عاند رغم تدخل عز وجواد بينا ..مسحت دموعها وكأن ذكرياتها بالأمس 


-مثلت اني عيانة ماهو مكنش قدامي حل، مجرد ماعرف بس كان فوق دماغي، تذكرت حديث والدتها ترفع أكتافها للأعلى والأسفل دليل على آلامها 


-أكيد ماما فاكرة ماهي زعلت وقالت الكذاب بيروح النار وإياكي تكذبي بعد كدا ، طيب اعمل ايه كان لازم الصالحه ..أطبقت على جفنيه وعذاب قلبها يهاجمها مستأنفة معاناتها:


-لو كنت أعرف أن دا عشقي له كنت أنا اللي رحت وقولت له بحبك، مكنتش ضيعت دقيقة واحدة، بس أنا هبلة هبلة قوي ياعمو، هبلة لدرجة رحت أقوله جايبالك عروسة ..وهو يهزر ويقولي تعالي نحط زيتنا في دقيقنا ونولع في حي الألفي 


ضربت على قلبها وتابعت بقهر :


-وأنا الهبلة أقوله لا..رغم دا كان بينتفض جوايا من لمسة أيده من كلمة يقولها، وبرضو جنى الهبلة مش عايزة تعرف أن دا حبيبها اللي بدور عليه بين الكل، ليل نهار قدام عيوني، وانا الهبلة اللي بقنع نفسي أنه زيه زي عز ، لحد ماجه ووقف قدامي وقالي بحب واحدة وهتجوزها 


اتجهت مرة أخرى تنظر إلى جواد بدخول صهيب ونهى وهزت رأسها بنبرة متقطعة:


-وقتها بس حسيت قلبي بيولع، حسيت عايزة اضربه واقوله لا أنا مش موافقة، مش موافقة واحدة تاخدك مني، همست ببكاء :


-بس مقدرتش للمرة المليون استهبل واعدي الموضوع واقوله مبروك ..


بأنفاسًا بدأت بالتسارع وبكاء يتزايد 


- وقفت وباركتله، دوست على قلبي وعليه ووقفت ضحكت وقولت له مبروك، كل يوم اموت عن اليوم اللي قبله وأنا شايفة حبيبي ملك لواحدة تانية، مت والله ياعمو ومبقتش عايزة الحياة دي 


سابني ومشي، هيعمل ايه وهو شايفني في حضن راجل تاني ..استندت على الطاولة واقتربت تنظر داخل مقلتيه


-راجل لعب بمشاعري في عز ماانا مش عارفة مشاعري لمين..هزت رأسها بعجز من توقف دموعها 


-أيوة عارفة انا استاهل ، بس مكنتش استاهل اتوجع كدا، مكنتش استاهل اشوف حبيبي في حضن واحدة تانية..آآه...ياوجع قلبي جاسر سابني وراح يقضي شهر عسله، كفاية ياجنى لسة عايزة ايه من الدنيا هتتحملي ..هتتحملي لما يرجع ويبقى قدامك مع مراته، هتتحملي يقعد جنبك ويهزر معاكي زي الأول وأنتِ لسة شايفة أنه اخوكي وقلبك جواكي بيقولك دا حبيبك إنتِ، وشوفي واستحملي المشاهد دي..شهقة خرجت من جوفها الذي أصبح كالجمرة، -لازم اتعاقب واتعاقبت ، لكن العقاب هنا كان كبير وصعب لدرجة اتمنيت اموت ولا اتعذب كدا، 


تقاذف الدمع من عيونها كزخات المطر التي تتساقط بالشتاء تهمس وهي تشير إلى قلبها 


-قلبي وجعني قوي، ومبقتش قادرة اتحمل وجعه..وضعت رأسها على ركبتيها تنظر للخارج وتابعت حديثها الذي انزف قلوبهم:


-والله لو الانتحار مش حرام كنت قتلت نفسي ارحم من العذاب دا ، الحب عذابه وحش قوي ياعمو، والأوحش والأعذب إن حبيبك يكون قدامك وملك حد تاني ..


آه خفيضة ورغم انخفاضها إلا أنها تحمل كم آهات العالم أجمع ..اصريت ابكي على اطلال ذكرياتي معه..لحد مااتعودت واتعايشت مع الألم ..ومرت الايام وجنى ووجع قلبها اتصاحبوا مع بعض 


لحد ماجيه من شهر العسل وأول حاجة عملها جالي يسأل عليا ..أطبقت على جفنيها وكأن قلبها ينزف بألمًا كاد أن يزهق روحها :


- ضمني وقالي مالك ياقلبي ليه كل مااتصل مابترديش عليا، حسيت بدقات قلبه لأول مرة احساس غريب عن كل مرة، لأول مرة اشعر بدقاته ، معرفش يمكن كانت كدا من الأول بس أنا اللي كنت اغبى واحدة في العالم، لأول مرة أحس بشعور غريب، وقتها بس دعيت ربنا مايحرمنيش من قربه حتى لو هفضل كدا طول حياتي، المهم يكون هو سعيد، مش هقدر ابعد عنه ، مستعدة أضحي بنفسي المهم اكون قريبة منه، كفاية عليا صباح الخير بتاعته، كفاية فنجان القهوة اللي بيطلبه مني ..دا كان كفاية عندي والله ياعمو، ورضيت بكدا، حتى لما وافقت على يعقوب اتفقت معاه لو وصل بينا الجواز هيكون جوازنا صوري، انا مستحيل اكون لحد غيره، اتحملت فيروز وعمايلها، دوست على كرامتي علشانه هو وبس،  مكنش قدامي غير إن ادعي ربنا يريح قلبي، عايزة قلبي يرتاح وبس سواء ببعده أو بقربه، وربنا كان رحيم بيا قوي ياعمو..واتجوزنا ورغم اللي حصل بينا بس كانت اجمل سنتين في حياتي كلها، كل لحظة كانت عندي بسنين عدت عليا معشتش جمالها، جاي بعد دا كله تقولي انسيه وابدأي حياة جديدة علشان ابنك 


❈-❈-❈


حديث مؤلم خرج من بين ثنايا قلبها وهي تحتضن كفيه تنظر لمقلتيه الدامعة:


وعدته قبل كدا مستحيل أكون لغيره، وأنا دلوقتي بوعدك لو هفضل طول حياتي كدا انا راضية اعيش على ذكرياته، ذكرياته مش قليلة ياعمو علشان انساها، ورغم كدا بقولك احساسي بيقولي هو عايش، معرفش تقول مجنونة ولا مش مجنونة بس حاسة أنه حواليا ..اتجهت بأنظارها إلى ذاك الصندوق واشارت بعينها :


-جاسر عايش وهو اللي بعت الورد دا ، انا ريحة جوزي مستحيل انساها لو بعد مليون سنة وبكرة أكدلك كلامي 


ضم صهيب أكتافها ثم طبع قبلة على رأسها:


-طيب حبيبتي انا عايز ارتاح، وزي ماعمك قالك، بتقولي هتعيشي على ذكريات جوزك، طيب ابنك ليه تحرميه من كلمة بابا ..قاطعهم دخول عز يجاوره رُبى ..استدارت للخارج 


--ابني مالوش غير أب واحد يابابا، لو له نصيب يبقى الحمد لله ، أما بقى لو مالوش يبقى نصيبه كدا، وياما اطفال عاشوا كدا .


جلس عز بجوارها من الجانب الآخر ثم جذبها لأحضانه:


- وأنا اوعدك ياحبيبة اخوكي هكون له الأب اللي اتحرم منه، ومستحيل اغصبك على حاجة 


رفعت رأسها إلى أخيها 


-محدش يقدر يغصبني على حاجة ياعز، انا هعيش لابني وبس على أمل يرجع..ماهو لازم يرجع 


-جنى لو بتحبي ابوكي لازم توافقي على كلام عمك حبيبتي ، متسمعيش كلام عز، لازم تقتنعي إن جوزك مش هيرجع  ..نهضت من مكانها وهتفت دون جدال :


ياريت علشان أفضل قاعدة بشوية العقل اللي لسة معايا تنسى أي كلمة من اللي حضرتك قولتها، حتى لو كلامكم صح، أنا بعد جاسر يحرم عليا السعادة أو اكون ملك لراجل تاني حتى لو الراجل دا مالك العالم كله ..قالتها ونهضت من مكانها متوقفة ثم استطردت بنبرة كادت أن تحرق روحها:


-جاسر عايش سواء رضيتم بدا أو لا بس هو عايش ..


عند جاسر 


اغلق باب غرفته فمنذ حديث سمر وألمًا برأسه كاد أن يفتك برأسه، اتجه الى الاوراق التي تثبت اسم غريب 


امسكها لعدة دقائق يفحصها ولكنه لم يتوصل لشيئا ..كور قبضته ونهض يدور بالمكان كالمجنون 


-أنا ظابط، ازاي،بدأ يضرب على رأسه بقوة مما ازداد الألم .. دقائق واستمع الى طرقات على باب الغرفة، جمع أشيائه ثم أذن بالدخول 


دلفت سمرة تتحرك بخيلاء انثى مغوية، إلى أن وصلت تضع أمامه الطعام 


-ليه منزلتش تتغدى معانا ياغريب ..أطبق على جفنيه عندما تداهمته آلام تفتك به فتراجع بجسده فوق الفراش 


-عندي صداع وعايز انام ..أمسكت تلك الحبوب تشير إليه 


-اه نسيت تاخد علاجك ..تناول منها قرص الدواء يطالعه بصمت ثم تسائل


-هي الحبوب دي بتاعة ايه..فركت كفيها تهرب من سؤاله لبعض اللحظات ثم لوحت بيدها متصنعة المزاح


-هتهزر ولا ايه، انت ناسي الدكتور قال لازم تاخده لمدة سنة، توقفت متجهة إليه حتى تشغله،جلست بالقرب منه ثم انحنت بجسدها الذي يكشف امام بأغراء وهمست بغنج أنثوي 


- غريب وحشتني قوي ، انا اتكلمت مع بابا وطلبت منه نعمل فرحنا اخر الشهر ايه رأيك اوعى ترفض 


تراجع يستند على الفراش وجذب سجائره يشير إليها بالخروج 


-سمرة خدي الاكل واطلعي عايز انام لو ينفع تأجلي أي كلام دولوقتي 


لفت ذراعيها حول عنقه ودنت من شفتيه المطلية بالأحمر الناري


-بقولك وحشتني تقولي اطلعي برة..دفع عزيز الباب ودلف ينظر إليهم بجسد منصهر بعدما وجد تقاربهم،فهدر غاضبًا 


-اطلعي برة عايز اتكلم معاه في شغل 


زفرت تطالعه بحدة واردفت 


-بعدين هو تعبان هياكل وينام 


-سمارة .صرخ بها ..حدجه جاسر بنظرة رتيبة يرسم ملامحه بمخليته، بدأت الشكوك تنخر عظامه يحدث حاله 


-أيعقل أنه وقع اسيرًا بين تلك العصابة، كيف ..اسئلة بدأت تصفع عقله إلى أن نهض من مكانه يشير إلى سمرة


-سمارة انا كويس هنتكلم في الشغل شوية وبعد كدا هطلع لك 


ابتسمت ثم وضعت دوائه امامه:


متنساش تاخد علاجك علشان الصداع ميزدش


رسم ابتسامة وهز رأسه دون حديث


كان عزيز  يثور داخله كالبركان يريد أن ينفجر بهما..تحركت للخارج وعيناه تأكلها كالاسد المفترس الذي يريد الانقضاض عليها ..استدار إلى جاسر يرمقه بنظرة نارية واردف دون وعي من شدة غضبه:


-بلاش تتلزق في البت وبلاش تقفلوا الباب عليكو


ضيق عيناه متسائلًا:


-وانت مضايق ليه ، مش خطبتي اتلزق ولا متلزقش حاجة تخصنا وحدنا


هب من مكانه ولم يسيطر على غضبه واطبق على عنقه:


-اسمعني يالا انا متحملك غصب عني، لكن هتقرب من سمارة هدفنك مكانك 


ولج "هادي" إلى الغرفة سريعا بعدما استمع الى كلمات عزيز..اقترب يدفعه بعيدًا عن جاسر الذي كاد أن تزهق روحه بسبب انقضاض عزيز عليه، دفعه بعيدًا 


-اتجننت ..شيعه بنظرة تحذيرية قائلًا:


-اسمعني كويس واياك تتمادى مع غريب، دفعه بقوة للخارج ثم استدار إلي جاسر


-متزعلش منه هو لما يتعصب مابيشوفش قدامه، قالها وجذب عزيز للخارج ، دفعه بقوة داخل غرفته 


-إنت اتجننت ايه اللي بتعمله دا يامتخلف


ثار ضجيج عزيز وبدأ يحطم كل ما يقابله


-الواد دا لازم اقتله، أنا مبقتش مستحمله 


ارجع "الجيار" خصلاته بغضب كاد أن يقتلعها من شدة غضبه 


-أيوة موته، ونقعد نشحت بعد كدا ، اسمعني ياعزيز الواد متجيش جنبه لحد مانستلم الشحنة وبعدها يبقى ادفنه، انا مش هفضل عايش هنا كتير، لازم نخرج خارج مصر ياغبي ودا مخرجنا الوحيد 


كان واقفًا بالخارج يتنصت عليهما بعدما تسلل خلفهما 


ظل لفترة يستمع إلى حديثهما بذهول ثم خرج خارج المنزل يتخبط بسيره ويردد بينه وبين نفسه:


-يعني انا فعلا مش غريب..ظل يتحرك بين الأراضي وهناك عيونا تراقبه حتى هوى على الأرض يحتضن رأسه من شدة آلامه فمنذ اسبوعين لم يتناول علاجه الذي يحتوي على مادة كبيرة من المخدر التي تساعد على تلف أنسجة المخ ..اشتد الألم مما جعل دمعة من عيناه تنبثق رغمًا عنه ..رفع عيناه المغروقتين بالدموع بعدما استمع الى حديثها


استمع الى حديثها 


-مالك تعبان ؟!


ظل يطالعها لدقائق معدودة ثم تسائل بلسان ثقيل:


-عايز اعرف ايه اللي حصل وليه انا هنا، وازاي اهلي مدوروش عليا ..


جلست بجواره ثم وضعت كفيها على جبهته


-إنت مش سخن عيونك حمرا ليه 


أطبق على جفنيه متألمًا ثم همس بتقطع:


-صداع شديد بقاله كام يوم 


نهضت تتلفت حولها ثم بسطت كفيها إليه :


-تعالى نروح لدكتور في البلد، اتحجج بأي حاجة لازم دكتور يكشف عليك ويشوف ايه السبب ممكن يكون من الحادثة


توقف بمقابلتها ونظر إليها بتيه


-إنتِ بتعملي معايا كدا ليه، وانت بنت الراجل اللي اتسبب في دا 


سحبت كفيه واتجهت إلى سيارة يحيى: 


❈-❈-❈


-علشان انت تستاهل تهرب من هنا يا..توقفت تنظر إليه مبتسمة وتذكرت حديثه عن اسم غريب فهتفت:


-سألتك مرة اسمك مش ماشي على شخصيتك خالص، اتريقت عليا وقولت هكلم ابويا يغيره 


هنا فقد عقله فاطبق على كتفها بعنف وتحدث بغضب:


-عايز افهم ازاي بتقولي اسمي مش غريب وانا قولت لك اسمي غريب، انت مزقوقة عليا يابت ولا ايه، انت مين وعايزة مني ايه 


دفعت كفيه بعنف ونظرت بعينيه 


-أنا عارفة انا مين الدور والباقي عليك ياحضرة الظابط..انت اسمك جاسر جواد الألفي ، ظابط مكافحة مخدرات مثلت علينا انك دكتور بيطري علشان تدخل بيت ابويا وتزرع فيه كاميرات وأجهزة تنصت ونجحت، بس للاسف الصبية بيتوعهم شالو كل حاجة وطلعوا من القضية مفيش غير شوية التسجيلات اللي بدينهم وطبعا اكبر محامين ماسكين قواضيهم وهيطلعوا منها بما انك مت ..هيلعبوا في التسجيلات دي ..انا سمعتهم بيقولوا كدا ..انتحلت شخصية دكتور .."عزيز' عرف بعد ماقبضت عليهم واستوليت على فلوسهم ، حضرتك رجعت الوادي علشان نسيت تاخد جهاز الكمبيوتر بتاعك ..وعزيز عرف انك رجعت اتجنن وحاول يقتلك انا سمعته بالصدفة وهو بيتكلم مع بابا رحت وساعدتك تهرب بعربيتي علشان محدش هيقدر يوقفك من البلد وانت راكب عربيتي ، وقتها عزيز عرف واتجنن وطعني بالسكينة 


قالتها وهي تضع كفيها على بطنها وانسابت عبراتها بقوة وتابعت حديثها بصوتها الباكي


-بعدها بفترة عرفت من ماما أنهم قتلوك ، لحد ماجبوني هنا علشان يجوزني واحد زيهم وشوفتك وعرفت الحكاية كلها ..بحثت عنك وعرفت انك ميت بالنسبة لأهلك، اقتربت وامسكت كفيه تترجاه 


-والله لو اعرف أخرج من هنا واوصل لأهلك كنت رحت وبلغتهم انك عايش 


كل اللي عرفت اوصله مين كان معاك في القضية دي ..بحثت في صفحتك الشخصية حاولت اوصل لمعلومات تخرجك من تحت ايد ابويا 


-ليه بتعملي دا كله ليه ؟!


تسائل بها بحذر وهو يعلم أنها ابنة الرجل المتسبب في هذا كله 


-علشان انت املي الوحيد انك تنقذني منهم، لو انت رجعت الظابط هتعرف تتعامل معاهم ، اما لو فضلت مجرم زيهم يبقى ضيعت نفسك وضيعتني معاك 


أخرجت هاتفها وفتحته ووضعته أمامها 


-شوف الصور دي يمكن تحاول تتذكر حاجة ..نظر إلى الصور بتشتت ولكنه هذا رأسه متراجع للخلف 


-معرفش مين دول ..هزت أكتافها بانهزام بعدما فقدت الامل ..فاقتربت منه 


-دا والدك اسمه اللوا جواد الألفي ، ارجوك ركز في الصورة، حاول تتذكر حاجة 


أدمعت عيناه ولا يعلم لماذا أصابته رجفة قوية وهو يرى والده بتلك النظارة السوداء ويجاوره أحد الأفراد يقوم بمساندته 


-الصورة دي امتى !!


شبكت أناملها بخصلاتها تزفر بحزن بعدما فقدت الوصول معه إلى شيئا ثم أجابته!! 


-دي صورة لقيتها على صفحة الشخص دا وعرفت من الفريندس أنه ابن عمك 


تمتم اسمه بتقطع عز صهيب الألفي 


ظل يردد الاسم وأصوات داخليه وصور طفوليه وضحكات صاخبة هنا وهناك جعلته غير قادر على التحمل ليهوى على الأرض يحتضن دماغه يصرخ بها عندما اشتد صداعه:


-ابعدي عني اياكي تلمسيني..وصل يحيى على صرخاتهم يوزع النظرات بينهما ثم هتف 


-سمر بتعملي ايه هنا . التفت إليه تلقيه بنظرة صامتة ثم استدارت إلى جاسر مرة أخرى 


-عايز تفوق لازم توصل لدكتور، جلست امامه وبدأت تقلب إليه بالصور إلى أن وصلت إلى صورة جنى وضغط على كتفه


-طيب عارف مين دي..توقف يحيى بجوارها ثم التفت بعدما علم بالصور 


امسك الهاتف بكف مرتعش ودموع غزت من جفنيه بكثرة دون توقف يهز رأسه كالمجنون 


-ابعدي عني بقى ..قالها ونهض متحركًا سريعا ..توقفت تنظر إلى يحيى بغضب


-أنا مش هيأس، لازم ترجعله ذاكرته حرام عليكم انتوا قتلة..قتلة وتجار مخدرات ..قالتها والتفت للتحرك ولكنه أطبق على ذراعيها واقترب منها 


-عايزة اعمل له ايه ،اساعده ازاي انا مستعد ..احتضنت كفيه 


-قول والله يايحيى ..هتساعده 


هز رأسه بالموافقة..اقتربت منه وألقت نفسها بأحضانه


-ربنا يخليك ليا يارب، لف ذراعه يضمها بقوة لأحضانه وآه عاشقة خرجت من جوفه 


-وحشتيني قوي ياسمر..خرجت من أحضانه وابتسمت بخجل مبتعدة عنه تفرك بكفيها ..دنى يضمها من أكتافها 


-مقولتيش اعمل ايه لحضرة الظابط، بس خلي بالك انا بغير وبغير قوي كمان ..احتضنت ذراعه تضع رأسها على كتفه 


-مستقبلنا بين أيده يايحيى حاول تساعده علشان ترجع يحيى حبيبي 


أومأ وأوعدها 


-وعد وحياة سمر لافضل معه لحد ما ترجع ذاكرته 


مرت الايام والحال كما هو إلى أن جاء يومًا ستنقلب به الموازين ..ذهب إلى أحد الأطباء بصحبة يحيى بعدما اشتدت آلامه..قام الطبيب بفحصه وعمل الفحوصات اللازمة ، نظر إلى الاشاعات التي ظهرت ،. وكذلك لبعض التحاليل 


-التحليل بيوضح وجود مادة مخدرة بتتلف خلايا المخ ..مسح على وجهه بعنف حتى كاد أن يدميها 


-أنا موقف العلاج بقالي أكتر من شهر يادكتور، ازاي مفيش تحسن ، وليه الصداع دا 


-الصداع نتيجة المادة المخدرة، انت تحمد ربنا انك مأخدتهاش كتير، دي مجرد كام مرة ، انا هكتب لك على حاجة كويسة وكمان تساعدك على تنشيط الذاكرة،بس اكيد مش العلاج كل حاجة 


أومأ متفهمًا ثم تسائل:


-العلاج اللي اخدته له تأثير سلبي فيما بعد..نظر الطبيب للفحوصات وأجابه 


-أنا جاوبتك، والحمد لله النسبة البسيطة دي نقدر نسيطر عليها، المهم حاول تتحمل الصداع، هيكون صعب في البداية بس إن شاءالله مش هياخد وقت..انت  كنت بدخن 


هز أكتافه معرفش ، بس انا حاليا بشرب سجاير ..اومأ له وهتف


-حاول تقلل شوية علشان تخف بسرعة 


عند راكان 


-فين في مطروح بالظبط ..؟!


اجابه الظابط الذي بدأ بمراقبته من قبل راكان بعدما وزع صوره سرًا في جميع كمائن الجيش والشرطة العسكرية وخاصة في المناطق الحدودية 


-هو من ساعة في مركز صحي، بس اللي لاحظته أن دخل سوق عربيات وغير العربية هو واحد هبعتلك صورته وخرجوا من طريق تاني 


حك راكان ذقنه مردد لنفسه


-الواد دا بيعمل ايه، ازاي يبقى مش عارف أنه جاسر، وبيستعمل عقله ..لا الموضوع كدا يخوف


حمحم بعدما استمع الظابط يحاكيه دون انتباه منه فأردف :


-تمام انا هحجز وهكون عندك على أول طيارة، بس مش عايز اي حد يعرف هويتنا، مطلوب منك تبعتلي عنوان مكان اعرف اتواصل معاك فيه من غير ماحد يكشفني، وعايزه من غير مايحس في المكان دا، مااحنا مش عارفين أحواله 


-تسائل الظابط: 


-حضرتك متأكد أنه الظابط اللي اتقتل 


أخرج راكان العينة التي أحضرها ياسين ينظر إليها وأجابه 


-هنعرف إذا كان هو ولا شبيه، المهم عايزه بس بطريقة محدش يشك ولا هو نفسه ...، ودكتور موثوق نعرف نتيجة الحمض النووي ،قالها وأغلق الهاتف يتطلع إلى صوره بتركيز إلى أن وصل لتلك الشامة الموجودة على كتفه .. هز رأسه مبتسمًا: 


-والله غلبتني يافاشل، بس مش خسارة فيك ..نقر بقلمه على المكتب وابتسامة واسعة على محياه، إلى أن دلفت ليلى بقهوته مبتسمة


-لا حبيبي رايق..نهض من مكانه وتناول منها فنجان القهوة يضعه على المكتب، ثم سحب كفيها متجهًا إلى الأريكة :


-عايز انام في حضن مولاتي ساعتين قبل مااسافر 


مسدت على خصلاته وانحنت تطبع قبلة على جبينه بعدما توسد ساقيها متسائلة:


-ياترى تنيني مسافر فين ..اعتدل يجذبها لتصبح بأحضانه 


-لقيت جاسر ولازم اسافرله، لازم اعرف الحكاية كلها 


-هتسافر فين..تسائلت بها مصدومة


مساء اليوم الثاني بإحدى الشاليهات بمحافظة مطروح ..


دلف أحد الرجال إلى راكان 


-فيه راجل برة بيقول اسمه جمال 


أشار إليه بالدخول ..دلف رجل يبدو عليه الكبر ورغم كبر سنه إلى أنه ذو هيبة يبدو على ملامحه الوقار ..وقف راكان لاستقباله 


-اهلا وسهلا بحضرتك 


اومأ له الرجل 


-اهلين بيك ياسيادة المستشار ، اكيد حضرتك تعرفني 


أشار له راكان بالجلوس، ثم تحدث بشخصيته الوقورة:


-سيرتك سابقة معرفتك ياشيخنا 


ابتسم الرجل بعرفان


-شو بدك بالظبط، سيادة الظابط قالي انك بدور على قريب الك إهنا 


صمت راكان للحظات ثم أشار لرجله الخاص أن يحضر حاسوبه واشيائه الخاصة 


-بعد قليل من الحديث تسائل الرجل الذي يعد من أهم القبائل البدوية بذاك المكان الذي يوجد به جاسر 


-هيكون عنيدك المغربية، ولا تخف هنجيبوه من غير ماحد يشك 


مرت الساعات إلى أن انتهى من صلاة المغرب وانتظر مهاتفة ذاك الشيخ ، ولكن قطع انتظاره صوت هاتفه الذي أخرجه من شروده


-أيوة !!


اجابه على الجانب الآخر 


-ازي حضرتك  ياسيادة المستشار 


.معاك ياسين الألفي 


تنهد بهدوء ثم أردف:


-أنا برة حاليا ياياسين ، أول ماارجع هكلمك 


-عارف وقت حضرتك مزحوم بس كنت عايز اسأل حضرتك وصلت لحاجة ، انا بقول لو بابا عرف هيعرف يعمل حاجة 


قاطعه سريعا بعدما استمع الى صوت دراجة بخارية بالخارج 


-ياسين متقولش حاجة لوالدك لما اكلمك مضطر اقفل حاليا


❈-❈-❈


لحظات ودلف إليه جاسر 


-عايز اقابل منصور الدفراوي ...اقترب راكان منه ونظراته تخترقه من أعلى لأسفل، تقابلت النظرات لبعض الدقائق 


ضيق عيناه متذكر الصور التي شاهدها على هاتف سمر ورغم شكه إلا أنه ظل صامتًا ..ولكن كيف إلى شخصية مثل شخصية راكان أن يصمت 


-إنت مين وعايز الدفراوي ليه ..اقترب منه جاسر ومازالت النظرات تتراشق بينهما، جاسر بتمنيه أنه يعرفه ، وراكان بفحصه لشخصيته ليؤكد ظنونه لفقده الذاكرة ..


تراجع جاسر خطوة يفحص الشالية وينظر بأرجاءه إلى أن قطع نظراته المخترقة راكان 


-مفهوش كاميرات متخفش ..إنت غريب مش كدا 


طالعه بصمت بعدما خابت آماله ، ليتمتم لنفسه "من هذا الرجل "


-أنا منصور الدفراوي، اقعد مش إنت غريب مرسال السيد نعمان التميمي 


جلس جاسر ومازالت نظراته تحاصر راكان يحدث نفسه: 


-ياترى إنت مين، وليه بتبص لي كدا، اتمنى تكون انت اللي في الصور ...حمحم راكان وبدأ حديثه


-معاك ايه من أنواع الصنف 


دقق جاسر النظر بملامحه وظل يتابعه بصمت لفترة ثم تسائل


-احنا اتقابلنا قبل كدا ...قطع حديثهم دخول الخادمة 


-القهوة ياباشا..أشار  على الطاولة فتحركت لتضع القهوة ولكنها اسقتطها على قميصه ليهب من مكانه يصرخ 


-اه مش تفتحي!!


هتف راكان بعد صراخه :


-اهدى محصلش حاجة، أشار إليها 


-خدي قميصه اغسليه


اقترب جاسر وهاتفه بقوة 


-إنت تعرفني قبل كدا 


علشان اجاوبك على السؤال دا محتاج تخلع قميصك 


-نعم !! قالها جاسر بذهول...توقف راكان يشير إلى قميصه 


-اخلع قميصك ..


-ولو مخلعتوش ؟!..أخرج تبغه وبدأ ينفثه بهدوء رغم غضبه من طريقته ثم أردف:


-يبقى القهوة هتحرق وهتندم على فشلك ..فاشل ..فاشل ..روادت الكلمة عقله بقوة، وصور وتخيلات بدأت تعصف به حتى ازدادت آلام رأسه فخلع القميص وألقاه بغضب ، بسط راكان تي شيرت إليه 


-إلبس دا علشان ماتاخدش برد، استدار إليه لتخترق أعين راكان تلك الشامة ليجلس بهدوئه وبدأ ينفث تبغه وهو يبتسم بخبث 


هوى جاسر على مقعده وطالعه بشرر من عينيه


-ممكن اعرف ايه لزوم الضحكة الصفرة دي ..نهض من مكانه واقترب منه ، رفع كفيه على خصلاته 


-إنت بتستخدم جل ولا ايه يابني، حرام شعرك دا تستخصر فيه كريمات من الغالية بتاعة زمان ..قالها وهو يجذب خصلة ينظر إليها 


-تؤتؤ ..ياحرام دا حصل تساقط مذهل لشعرك ..الافضل تكشف عليه 


دفعه بعنف واعين يتطاير منها الشرر، ثم أخرج سلاحه الأبيض يضعه على عنق راكان


-مش عارف ليه مش مرتحالك، وجاي واقف قدامي وبتستهزئ بيا، انا بقى هعرفك بتكلم مين 


نظر راكان إلى المطوة التي توضع على عنقه وأردف بهدوء:


-شيل المطوة ياغبي هتعورني، يخربيتك حتى وانت ناسي برضو غباءك سابقك 


حدجه جاسر بنظرات نارية 


-إنت مين وعايز مني ايه ومتقولش انك منصور الدفراوي ، انا عارف الحج منصور كويس 


ركله راكان بركبته حتى تراجع يمسك ساقيه متألمًا ..ثم أخرج سلاحه 


هتقرب مني هفضي دا في دماغك الغبية دي ..صاح على الخادمة 


-شيلي الصينية دي..قالها وهو يرمق تلك الخصلة التي أخذها منه لتفهم محتوى حديثه ثم اتجه بنظراته إلى جاسر


-اسمعني علشان مش بحب اكرر كلامي 


هتتصل بالتميمي وتقوله الدفراوي حصل له ظروف وكلمك وهيوصل بكرة الضهر وبدل ماتروح وترجع هتستناه هنا 


اقترب منه ولم يعتري لسلاحه ثم انحنى يغرز عيناه بأعين راكان 


-لما اعرف انت مين الاول!!


دفعه راكان باقدامه بقوة حتى سقط على المقعد 


-اتنيل اقعد وانت تعرف يامتخلف، انت مديني فرصة اتكلم..نظر بساعة يديه ثم أردف :


-إنت تقرب ايه للتميمي ..تسائل بها راكان 


حك جاسر ذقنه يطالعه بخبث ثم اجابه :


-وأنا اجاوبك بتاع ايه، مش يمكن شرطة ..


شرطة!! قالها راكان مستهزئًا 


ألقى عليه بعض الصور ثم أشار إليه 


-شوف دول يمكن مخك المتخلف يتذكر حاجة 


بعد اسبوعين  دلف لذاك الشاليه 


ألقى راكان ذاك الظرف أمامه


-جاسر جواد الألفي ..ظابط بمكافحة المخدرات ، قبضت على اكبر شبكة إجرامية من حوالي سنة، واخر مهماتك إخماد عملية توزيع حبوب مخدرة وأسلحة من خلال دخولك لقصر الجيار 


لكن للأسف رجالتهم اعترفوا أنهم أصحاب العملية، وخرجوا منها بس التسجيلات اللي انت سجلتها لهم تدينهم ودا تحايل على القانون، حاولوا قتلك ونجحوا بكدا، واخترقوا المستشفى العسكري وبدلوا الجثة وعملوا كل حاجة علشان يحصلوا عليك ..ليه دا اللي لسة ماوصلتوش ..بس اللي فهمتوا أنهم عايزين من وراك حاجة 


رفع عيناه إليه 


-هبعت اجيب الدكتور هنا ، مينفعش اغامر بيك وتنزل القاهرة، انت متعرفش انا عملت ايه علشان اوصلك، وبعمل ايه حاليا في التميمي علشان اشتته عن مراقبتك 


-بيراقبني ليه !!


دار راكان حول جلوسه 


-هو التميمي غبي علشان يسيب ظابط عايش تحت أيده وهو عارف انك مش سهل، وبدليل الأدوية اللي بتاخدها 


هنا تذكر تلك المواد المخدرة فتحدث:


-هبعت للدكتور في اقرب وقت..وعايزك تتأكد انا مش ضدك ابدا انت ابن اللوا جواد الألفي يعني انت مش غريب انت جاسر جواد الألفي 


كان جالسًا يحتضن رأسه بين راحتيه فهتف بهدوء:


-عرفت من فترة..طالعه راكان بذهول 


-يعني إنت عارف انت مين 


رفع رأسه يهزها بالنفي ..وقام بقص ماصار بينه وبين سمر 


ضيق راكان عيناه متسائلًا:


-دي بنت الجيار..أومأ له واستأنف 


-اللي فهمته منها هي اللي ساعدتني أخرج من الوادي بعد ماعزيز عرف هويتي 


جلس راكان وأخرج زفرة حارة يشير بسبباته


-بس برضو لازم تاخد احتياطاتك ، مهما كانت دي بنته 


رفع رأسه ومازال على وضعه وتسائل:


-طيب ويحيى دا ايه حكايته!!


نهض راكان من مكانه وجلس أمامه 


-يحيى كان في كلية الشرطة، بس أبوه اتمسك بمخدرات وطبعا القوانين في الشرطة بتقول ايه، وبعدها مات في السجن بسكتة قلبية، وبعد كدا انقطعت أخباره 


اومأ جاسر متفهمًا ثم تحدث:


-يبقى هو بينتقم من عمه، واكيد سمر ليها علاقة بكدا ..اللي فهمته بعد كدا أنهم كانوا بيحبوا بعض زمان 


امتقع وجه راكان يحذره


-احذر ياجاسر، انت متعرفش نوايا الناس دول ايه 


نهض من مكانه وأخبره 


-بس دول ساعدوني اروح لدكتور ودلوقتي الحمدلله حاسس بتحسن 


ارتسمت ابتسامة واسعة على محياه وهتف:


-يعني كنت عارفني يابغل 


هز جاسر رأسه بالنفي ..واستطرد قائلا


-كنت بحاول اتذكرك، لأن صورتك من الصور اللي سمر جبتهالي 


-لكن للأسف مفيش حاجة، والدكتور قالي مع الوقت هتفتكر، ومتضغطش على نفسك 


هز رأسه متفهما واضاف بلهجة محذرة أسرارك بلاش حد يعرفها ولما تتذكر متقولش لأي مخلوق 


-فيه صور بتراودني واكترها صور ابويا علشان كدا لازم أقابله 


جلس راكان وحاول استيعاب حديثه لعدة لحظات ثم تحدث بنبرة  مؤكدة 


- اكيد هخليك تقابله بس مش دلوقتي ، عايز اطمن عليك الاول وبعدها هقرر تقابله امتى ..


حدجه راكان لفترة يحدث نفسه 


-لازم يتذكر، مش ضامن وجوده معاهم ممكن يعملوا فيه ايه، أخرجه من شروده سؤال جاسر


-إزاي بابا ماحاولش يتأكد من اختفائي ..انت بتقول لوا ..ازاي راحت عليه دفن الجثة 


ابتسم راكان يطالعه بحماس


-أيوة كدا عايز جاسر يرجع لأصله ..


  


ابتلع ريقه يطالعه بهدوء


-هم كلهم مفكرينك مت ودا من خلال لعبتهم اللي لعبوها صح، وأنا اللي اكتشفت أن الجثة مش بتعتك، يعني اعذرهم محدش شك بعد دفنك، وعلشان اتأكد  مفيش غير ياسين ودا أنا اللي عرفته، والعقيد باسم ، اه فيه حاجة كمان لازم تعرفها 


مراتك !!..هنا رفع رأسه ودقات عنيفة اخترقت صدره ينظر إليه منتظر حديثه بلهفة لا يعلم لماذا يشعر بكم هذا الألم من ذكراها ..تفهم راكان مايشعر به فاستأنف:


-مراتك مش مصدقة انك مُت، وقافلة على نفسها من وقتها، ومش بس كدا اللي وصلني أن حالتها تدهورت وحاولت تقتل ابنك 


هنا هب من مكانه فزعا وصورة جنى أمام عيناه ..ضحكاتها همساتها مما جعله يتمتم اسمها 


-"جنى"..ابتسم راكان واقترب مكملا مابدأه ..


-اه جنى، فيه حاجات كمان لازم تعرفها 


-والدتك فضلت محجوزة في المستشفى شهرين غايبة عن الوعي ورافضة الحياة، اقترب خطوة ولم يعد بينهما فاصل ونظر لداخل مقلتيه 


-جواد الألفي..كررها راكان بنبرة رخيمة 


قائلاً:


-جواد الألفي عجز لمدة شهر على كرسي متحرك..دموع فقط ..دموع تحرق وجنتيه وهو يستمع إلى ماشق قلبه وبدأت الأحداث تظهر انصب اعينه ..صور والده وحديثه


أطبق على جفنيه يمنع دموعه، ربت راكان على كتفه معتذرا


-لازم تفهم الوضع ..اسف فيه حاجة اخيرة واصعب كمان 


فتح عيناه يطالعه برجاء يكفي مااستمع إليه ..لم يرحمه راكان واقترب يهمس بإذنه :


-عمك صهيب فضل في غيبوبة ست شهور، لدرجة يونس وقف الأجهزة من عليه لأنه كان رافض الحياة، ودلوقتي عاجز..ضغط راكان على شفتيه يمنع دموعه من حالة جاسر وهو يتراجع مذهولا للخلف وأستأنف راجيا من الله أن فكرته تجني ما فكر فيه:


-عمك صهيب بيتكلم بصعوبة، وعرفت بدأ يحرك أيده بسيط من قريب


هوى على المقعد بعدما خارت قواه، وهنا بدأت بعض الأحداث توضح أمامه 


نهض من مكانه 


-عايز انزل القاهرة حالا مستحيل افضل هنا دقيقة واحدة 


أومأ برأسه وحاول ألا يفقد أعصابه 


-حاضر هتنزل بس لازم تهدى وتفكر هتقنع التميمي والجيار ازاي 


-يحيى اللي هيقنعه،انا هفضل بعيد وكأن ماليش معرفة بحاجة 


-مابلاش يحيى ..توقف وارتدى الكاب هو يشير إليه 


-دا واحد عايز ينتقم  لمستقبله تفتكر هيخوني ..



      الفصل الواحد والاربعون ج2 من هنا 

    لقراءة جميع فصول الرواية من هنا

تعليقات