عشق لاذع الفصل التاسع والثلاثون 39 ج2 بقلم سيلا وليد

            

عشق لاذع

الفصل التاسع والثلاثون 39 ج2

بقلم سيلا وليد


بعد ساعة على الحدود كان الجميع متربص، الشرطة متأهبة بمواقعها كما خُطط لهم، وبالجانب الآخر هؤلاء المخربون لعقول شبابنا .. مع إطلاق تمام الثانية عشر وارتفاع تلك الألعاب النارية بسماء القاهرة احتفالا بالسنة الجديدة، اقتربت إحدى السيارات العملاقة بعد مااطلقت إشارتها لتعلم الجميع بوصولها، اقترب أحد الأفراد المنوبين ولهم الثقة الكاملة لنعماني والجيار 


ترجل من السيارة شخص عملاق وبيديه بعض الحقائب التي يحمل بها الأموال لتجلب ذاك الفساد 


وضع الحقائب يفتحها امامه ..تحدث الرجل :


-اين النعمان، لماذا لم يأتِ ؟!


-نقودك امامك لا نريد طيلة الحديث، هيا دعهم يجلبون البضاعة 


دقائق حتى نقلت الأسلحة إلى سيارتهم مع تحول المكان إلى معركة دامية بين رجال الشرطة البواسل مع تلك المجرمين الخارجين عن القانون 


، كانت الغلبة بها إلى رجال الشرطة 


امسك جواد ذاك الرجل المسؤل الاول عن التميمي 


-اهلا ياروح خالتك ..قالها وهو يجذبه بعنف يلقيه بسيارة الشرطة بعدما ألقى القبض على عدد كبير من الخارجين عن القانون 


بعد قليل بالمكان الذي يختبئ به النعمان تامينًا له استمع الى رنين هاتفه الخاص


-الشحنة اتمسكت ياباشا والرجالة كلهم  اتمسكوا مفيش غير الشافعي هرب بطلق ناري ، واصحابنا هيولعوا في الدنيا 


هوى ساقطا بعدما استمع الى تلك الكلمات ليسقط هاتفه وشعر بانسحاب أنفاسه ، يفك رابطة عنقه ، ..تحرك عزيز إليه بذعر يطالعه متسائلًا 


-خالو ايه اللي حصل ؟!


روحنا في داهية، بيتنا اتخرب ..تلك اخر كلماته التي قالها بعدما سقط مغشيا عليه 


باليوم التالي انتشر الخبر بجميع المواقع وتفوق قواتنا في القبض على اكبر تشكيل عصابي داخل وخارج مصر، مع التصوير الدقيق لقواتنا أثناء القبض عليهم ..استنفار أمني بجميع المراكز مع محاولة حماية جميع الضباط الذين قاموا بتلك العملية الفائقة 


تحرك جواد إلى الإدارة بعدما شاهد ابنه وجواد حازم بتلك العملية ليهيب نفسه استعداد كامل بالحماية لانه على علم بماذا سيحدث 


مساء اليوم التالي 


صعد إلى غرفته لتقابله جنيته الصغيرة بهيئتها التي خطفت انفاسه، رفعها من خصرها بعدما هرولت إليه تحتضنه :


-حمدالله على سلامتك حبيبي ، دار بها وهو يضحك فلقد أخرجته من حزنه بعد مواجهته مع والده، انزلها بهدوء وهي تحتضن وجهه تلمسه ليطمئن قلبها ،  انحنى لينثر عشقه المتراكم بقلبه لسنوات عديدة حتى اختطف أنفاسها ليتركها بعد دقائق رغمًا عنه 


-" وحشتيني " التقطت أنفاسها بصعوبة تطالعه بنظراتها العاشقة


-ألف مبروووك ياحبيبي، دايمًا من نجاح لنجاح، 


اكتفى بتنهيدة عاشقة وهو يديرها بكفه ليرى ذاك الرداء الشفاف يتميز بروعة تصميمه فكان دون اكتاف، يصل إلى تحت الركبة بقليل ويظهر أكثر مايخفي 


وقف يتأمل جمالها الخاطف للب عقله قبل قلبه، ثم اقترب وهو يحاوط خصرها هامسًا 


"لقد تخطيت ثنايا الروح مهلكة قلبي"


فعشقي لكِ يغزو شرياني كما تغزو المياه الأنهار التي يزين ضفوفها الاشجار، أما هنا يزين عشقي نبض قلبي الخارق بصدري، قالها وانحنى و يعزف لحنه الممتع المثير على خاصتها ليقص لها بطريقته الخاصة أنها وحدها من سكنت وتغلغلت بداخل القلب لتمتزج روحها بروحه  وتصدر الحانا ،تغرد على أثره الكروان بأعذب الألحان 


بصباح اليوم التالي توقف أمام المرآة يتجهز لنزول لعمله ، نظر إلى نومها الهادئ، فاستدار متحركًا إليها، امال بجسده يطبع قبلة بجوار شفتيها 


-أنا نازل حبيبي محتاجة حاجة..فتحت عيناها بارهاق متسائلة: 


-الساعة كام ؟!


تراجع خطوة يشير إليها: 


-الساعة عشرة، عندي مقابلة مهمة مع القادة، وبعدها عندي مشوار لراكان البنداري، بابا دخل فيه شمال امبارح لازم اروح اعتذرله 


اعتدلت تجذب الغطاء على جسدها ثم أخبرته بميعاد الطبيب


-فيه ميعاد لكنان النهاردة على 6 لو هتتأخر هروح مع عاليا 


اغلق زر قميص معصمه واجابها :


-لا هرجع لك بدري..نهضت بعدما ارتدت كنزته الموضوعه على الفراش 


وخطت إلى أن وصلت إليه ، رفعت أناملها تعدل ياقته مبتسمة :


-لا خليك براحتك ، عاليا عايزة تشتري شوية حاجات هنخرج من عند الدكتور نعمل شوبينج 


قبّل جبينها وتحرك حتى وصل إلى الباب 


-طيب خلي بالك من نفسك ومن كنان، حاولي متبعديش عن المراقبة، لسة القضية ماخلصتش حبيبي بلاش اقلق عليكم 


اومأت مبتسمة واجابته بطاعة 


-حاضر ..فتح الباب ولكنه تراجع إليها مرة أخرى يطبع قبلة سريعة على شفتيها هامسًا لها 


-شكرًا ياجنايا على سهرة امبارح، هتفضل في الذاكرة العمر كله، اتمنى تكرريها..وضعت رأسها بصدره وتوردت وجنتيها خجلة 


-بس بقى ياجاسر هزعل والله، رفع ذقنها يغمز لها :


-لا بدل ما تقولي كدا، قولي هتعلم رقصة جديدة لاحتفال جديد ..وضع جبينه فوق جبينها وآآه جياشةطويلة  متخمة بالعشق والنبض كانت أبلغ من أي حديثًا للحظات حتى تحدث هامسًا:


-مش مصدق السعادة دي كلها، عايزك كدا على طول، دايما تثقي في عشقي وبس ..لمس وجنتيها ورسمها برماديته


-عايزك تتأكدي انا اتولد وعيشت بجد من وقت مابقيتي في حضني ..مازالت نظراته ترسمها كأنها قمر يلمع بالفضاء ليصبح مشعا بنوره وتابع حديثه:


السعادة في حضنك ياجنى والتعاسة لما تبعدي عني، نزل بكفيه لشقها الأيسر " دا بينبض، يبقى دا بينبض"


أغمضت عيناها واختبأت بأحضانه ليعصرها وهو يشعر كأنه امتلك العالم ومافيه 


❈-❈-❈


بعد عدة ساعات بعدما خرج من قصر البنداري 


-جاسر فيه معلومة إن ناس غريبة دخلت مصر من شهر تقريبا، ودلوقتي جالنا إشارة أنهم بسيارة متجهين للعاصمة..تحرك سريعا واستقل سيارته 


-جواد انا قلبي مش مريحني، البنات برة، انا هروح لهم وانت راقب الوضع، الحقير مااعترفش على النعمان لحد دلوقتي ودا مش خير ابدًا، واحنا مش عارفين نوصلهم، انا مش مرتاح لحد مااسجنهم 


حمحم جواد مردفًا:


-جاسر الراجل اعترف انك الدكتور البيطري، يعني اكيد عرفوا انك السبب في دا كله ..قاد السيارة وتحرك متجها إلى زوجته 


-سيبها لله، المهم اسمعني، بابا زعلان جدا مننا عايزك تقرب منه وتفهمه ليه عملنا كدا، كل ماابص لعيونه مبشوفش غير حزن، ابويا صعبان عليا قوي، لو اعرف دا رد فعله مكنتش هعملها 


اجابه جواد مطمئنا إياه :


-عمو باسم قال هيطمنه، هو خايف متنساش أنه اوعى مننا ربنا يستر 


بعد قليل وصل إلى زوجته توقف ليترجل من السيارة ليصعد إليها بعدما اطمأن من وجود سيارة الحراسة، ولكنه توقف متسمرًا بعدما شاهدها تهرول خلف سيارة وتصرخ باسم ابنه


تحركت سيارة الحراسة خلف تلك المصفحة، لحظات وهو ينطلق بسرعة مهولة، يهاتف جواد: 


-جواد بسرعة عند جنى والبنات ، خطفوا كنان ياجواد..قالها صارخًا ليتحرك خلفهم بجنون..ظلت مناوشات بين سيارة الحراسة وتلك المجرمين إلى توصل لذاك المكان الصحراوي، ليحدث بينهما مشاجرة عنيفة ليضطر بها جاسر الاستسلام بعدما خيروه بينه وبين ابنه، بوصول سيارة الشرطة وجواد ..صارت مناوشات مرة اخرى، ليأمرهم جاسر بالتوقف عندما وضعوا السلاح برأس ابنه ويضطر الخضوع إليهم..تحرك إليهم بعدما ألقى سلاحه، وعيناه تحتضن ابنه الملقي على الأرض وبراسه سلاح أحدهم ..جذب جاسر ليتراجع معهم يشير إلى جواد بعدما حاصرتهم سيارات دعم الشرطة 


-كنان ياجواد، اطلع بكنان من هنا 


هرول جواد إلى الطفل الذي ارتفعت صيحاته وجواد يصرخ بهم 


-محدش يضرب، قالها بعدما هددوه بقتل جاسر، ليضعوه بتلك السيارة لتتحرك مهرولة بعيدا عن الشرطة، قاد جواد سيارته بسرعة جنونية بعدما أعطى كنان للحراسة 


-رجعوه بسرعة..وتحرك للحاق بجاسر


قطع طريقهم بمهارته ونشبت المعركة مرة اخرى، وجاسر مقيد اليدين بتلك الأثناء..امسكه أحدهم 


-هتقرب هنقتله ارجعوا، نظر جاسر نظرات فهم جواد مغذاها، ليدفع الرجل برأسه وليخرج جواد طلقته النارية، لتستقر به، واقترب من جاسر لحمايته بعدما تعارك الطرفين ولكن قبل الوصول يطلق ذاك المجرم طلقته لتستقر بصدر جاسر ويهوى على الأرض سريعا..لحظات جنونية يصرخ بها جواد بعدما سقط الكثيرمن قوات الشرطة، ومشهد مروع وهو يرى ذاك المتجبر وهو يدفع بقدمه جاسرليسقط من فوق التلة ..جن جنون جواد عندما شاهد ذاك المشهد ليثير كالوحش الضاري بسلاحه بطلقات نارية ..هرول يصرخ باسم جاسر


❈-❈-❈


بحي الألفي 


خرج جواد يسحب كف "مسك" ابنة أوس من جهة وراسيل التي تتعلم الحركة ..وهو يتحدث معهما كأنهما يفهموه:


-نهرب من نانا ونلعب شوية في الجنينة ..توقفت "مسك" تمط شفتيها للأمام 


-جدو انا عايزة اركب عجلة زي سيفو..جلس أمامها وابتسم عليها قائًلا:


-حبيب جدو يركب عجلة ويوقع ينفع يامسك، طب نستنى بابي لحد مايجي علشان جدو بقى عجوز كبير مالوش في العجل قطع حديثه عندما ذهب ببصره لخروج عز مفزوعًا إلى سيارته 


توقف يطالعه بريبة وأحس بقبضة تعتصر صدره فتمتم:


الواد دا بيجري كدا ليه، ممكن صهيب يكون تعبان ..خرج من حديثه مع نفسه صوت غزل 


-جواد الجو برد ادخل بالعيال، و اتصل بياسين واطمن عليه، استدار إليها يشير لأحفاده:


-خديهم جوا ..قالها واتجه إلى سيارته تحركت غزل خلفه 


-جواد رايح فين في الجو دا؟!


-زوزو انا راجع عندي مشوار سريع ، قالها وتحرك بسيارته بعدما شعر أن هناك أمر خطير، امسك هاتفه لمهاتفة عز الذي لم يجاوبه .. دقائق مرعبة وعقله كاد أن ينفجر ..تسارعت أنفاسه حتى كاد النبض عن التوقف، استمع لرنين هاتفه، نظر إليه وجده جواد فهتف سريعًا:


-جواد اتصلي بعمك صهيب أو عز خلي حد فيهم يكلمني ضروري ..سمعتني 


توقف جواد عن الحديث وهو يطالع جاسر بسيارة الإسعاف و شهقة خرجت منه حتى توقف جواد فجأة ليرضطدم إطار السيارة ويحتك بالأرض حتى كادت سيارته بالأنقلاب 


-فيه ايه، بتعيط ليه ؟!


قالها جواد ودقاته كالطبول، لا يعلم لماذا انسابت عبراته رغمًا، لا يعلم لماذا شعر بانشقاق قلبه، دموع خلف دموع اذهل منها لأول مرة حاله يكون بذاك


الآلاف السيناريوهات أمام ناظريه ولا احد منه يرحم عقله، لحظة اثنين حتى وصل لإنسحاب أنفاسه يهمس بقلبًا مروعًا ،  وهناك شعورًا طغى عليه أن أحدًا من ابنائه مصاب، ابتلع جمارة جوفه الذي شعر بأنها من قعر جهنم متسائلاً:


-جاسر!!..هنا ارتفعت شهقات جواد وانقطع حديثه سوى من صوت بكائه


ابتلع غصة مؤلمة شقت جوفه واردف ببكاء


-ضربوه بالرصاص ورموه من فوق الجبل 


هنا توقف نبض قلبه ليفتح زر قميصه، ورغم برودة الجو إلا أنه شعر بنيران تكوي صدره..فارتجف لسانه الذي هربت منه الحروف:


-عايش!! 


-اه ..همسة ضعيفة بشهقة بكاء قوية قالها جواد 


بعد دقائق معدودة ..وصلت سيارة الإسعاف لمشفى الخاصة بالشرطة والقوات المسلحة 


وضع أمني مستنفر بعد وصول الاخبار  ولم يكن سوى ابن جواد الألفي 


الكل يتمتم هنا وهناك بإصابة ابن قائدهم إصابة خطيرة وقد تكون مميتة ، كان باسم اول الموجودين،  توقف يزأر بجميع الأطباء في حالة من الذعر بعدما علم بإصابة جاسر الخطيرة


وصل  إليه أكبر الأطباء بتلك العمليات الجراحية الخطيرة


-ابني يطلع عايش يادكتور سمعتني 


اومأ له وتحدث هاتفًا 


-إن شاءالله سيادة العقيد، عدة دقائق فقط لم يكن سوى دقائق توصل بها جواد إلى المشفى التي كانت تبعده بكثيرًا من الكيلو مترات..ترجل بسيقان مرتعشة ..دلف للداخل والجميع يتأهب لدخوله، دلف ذاك الاسد بوجه يرسم به جميع علامات الألم والحزن، وقلبًا يغلف به رائحة الموتى لابنه البكري، دلف وانظاره إلى تلك الغرفة التي يتوقف أمامها الكثير، رغم أنها تبعده بأمتار  قليلة إلا أنه وجدها وكأنها بابعد بقعة على سطح الارض، ردد مترجيا ربه الذي لا يخذل العبد ابدا، حينما قال رب العالمين ادعوني فاستجيب لكم 


"ربي استودعك قرة عيني، ربي ابني برعايتك فاحفظه"دعاء خلف دعاء حتى توقف أمام الجميع فجأة 


عيناه الشاردة تتجول على الجميع، كجندي حارس للحدود..حتى توقفت عيناه على ذاك الجالس الذي يضع رأسه بين كفيه ويردد ادعيته بصمت 


اقترب عز قائلًا:


-عمو أنا كنت لسة هتصل بحضرتك، هنا رفع صهيب رأسه وعيناه الغارقة بالعبرات، عبرات الحزن والألم، عبرات خلف عبرات حتى توقف بسيقانه المرتعشة يهمس اسمه بخفوت، اقترب منه صهيب وعيناه تعلقت بأعين أخيه 


-هيقوم انا متأكد، متأكد من كدا ياجواد، والله جاسر هيقوم منها بس انت قول يارب..استدار بجسده صامتًا 


ينظر لتلك الغرفة الذي اعتبرها ثلاجة موته، وتلفظ بحياته كالذي يلفذ أنفاسه الأخيرة 


-ابني بين ايد ربنا، وربنا ارحم من رحمة الام بابنها، ظل يرددها حتى وصل إلى باب الغرفة من يراه يزعم أنه فوق التسعون عامًا ..ضمه باسم يربت على ظهره وحاول الثبات أمامه:


-جاسر هيعيش ياجواد ، هز رأسه وقلبه لا ينقطع عن الدعاء إلى أن جذب عز إحدى المقاعد يربت على كتف عمه 


-عمو اقعد متفضلش واقف كدا، جلس كالمغيب ..رنين هاتفه لم ينقطع ، أخرجه عز يطالعه، فذهب ببصره لوالده بدموع عيناه :


-طنط غزل..كأن اسمها اعاده إلى أرض الواقع، فتسأل بشفتين مرتعشتين 


-فين أو..س..عايز أوس وياسين ياصهيب ..قالها بوصول حازم وسيف الذي وقع نظره على ابنه الجالس وثيابه الملطخة بدماء ابن عمه..هرول إليه 


-جواد ايه اللي حصل ..؟! مسح عبراته واطبق على جفنيه 


-جاسر مضروب بالنار وحالته خطرة، بحث بعيناه بوسط الزحمة الموجودة يبحث عن جواد ..تحرك عندما وجده جالسًا مطأطأ الرأس وكأنه يخفي دموعه عن الجميع همس اسمه بخفوت


-جواد..ظل كما هو إلى أن وصل أوس ينظر للجميع بضياع حتى توقفت نظراته على والده 


-"بابا" رفع عيناه لابنه واردف 


-روح مع عز هات مامتك، قولها بابا اغمى عليه وبس، مفيش كلمة تانية تتقال ..ذهب ببصره لتلك الغرفة وانسابت عبراته 


-جاسر كويس صح يابابا ..اومأ رأسه 


-إن شاءالله..بعون الله قالها بخفوت وقلبٌ كالفوهة البركانية ..ليتحرك أوس بعدما شعر بحالة والده ...بعد فترة 


وصلت إلى المشفى كالمجنونة، توقفت تتلفت حولها كأنها تبحث عن احدهما، نهض صهيب متجهًا إليها 


-"جنى" التفتت إلى والدها ويظهر على وجهها الذعر تحركت إليه 


-جاسر، جاسر فين ؟! رددتها وعينها تتقطر منها الدموع كالشلال 


ابتلع غصة بطعم المرار يضمها لأحضانه 


-ادعي له يابنتي ..


أحست بالدوار وكأنها تلقت ضربة بلقبها قبل رأسها جعلتها تتمتم كالمجنونة 


-يعني ايه ادعي له، هو قالي راجع.. ابتعدت عن والدها تنظر بوجوه الجميع 


-جوزي فين ؟!


تحركت سريعا وسقطت على ركبتيها أمام جواد تهمس له 


-متسمعش كلامهم هو كويس، راح يرجع كنان ، انحنت تضع رأسها على ساقيه 


-جاسر هيرجع انا متأكدة، ممكن يكون تعبان شوية اه، بس هيرجع، اعدلت رأسها عندما وضع جواد كفيه فوق رأسها 


-ان شاءالله حبيبتي..قالها بعدما حفر الحزن ثقوبا بقلبه الضعيف 


انسابت عبراتها وهي تهمس لنفسها 


-جاسر وعدني هو هيقوم، أنا عارفة ومتأكدة ..


وصلت غزل بجوار أوس وعز وبعدها دلف الجميع ..ولجت بخطوات مبعثرة والألم يتشعب بقلبها وهو تردد بينها وبين نفسها 


"يارب" ظلت ترددها إلى أن توقفت متسمرة بعدما وجدت جلوس جواد وصهيب وبدا على ووجهما الحزن الشديد..توقفت تتحرك بعيناها كأنه تعد اولادها لتعلم ايهما الناقص ..أخير خرج جواد عن صمته فتوقف بجسدًا جعله إلى حد ما منتصبا واقترب منها 


-تعالي حبيبتي..تحركت إليه وكأن قلبها ذهب ولم يعد لديها ما تشعر به 


توقف بالقرب منها ، وجذبها لتصبح بأحضانه ..هنا أطبقت على جفنيها وانسابت شلالات عيناها 


--ابني عايش ياجواد، ولا بعتلي علشان أودعه ..أغمض عيناه حتى يمنع دموعه قائلا بقلب مؤمن راض:


-واذا ياغزل،  هدية وربنا احتاجها ..ارتجف جسدها بالكامل تهز رأسها بذعر


-لا لا ..مين ياسين، ولا جاسر..قالتها  بدلوف ياسين ..


تشبثت بجاكتيه ودموعها تسبق كلماتها


-جاسر اللي جوا ياجواد، جاسر اللي جوا ..صح هو الناقص، قولي لا ، اكذب عليا وقولي الولاد كلهم كويسين، صمتت تهمس 


-"غنى"بدأت تردد كالذي فقد عقله فصرخت حينما وجدت صمته 


-مين من وولادي جو..ولكنها صمتت عندما وجدت جلوس جنى بعيدًا  بأحضان صهيب وجسدها يرتعش 


-آآه صرخت بها غزل تلكم جواد بصدره 


-يااااارب ...قالتها بقلب ام محترق


حاوط جواد جسدها يساعدها بالجلوس ..جلست مليكة ونهى بجوارها لتخفيف عنها 


بمنزل نعمان التميمي 


ظل يثور كالثور الهائج، حتة ظابط مش عارف تجيبه ياعزيز، مالك خبت ولا ايه


جلس يدخن بشراسة :


-كان خلاص وقع بايدنا لولا ابن عمه الزفت..طيب وبعدين فيه اخبار عايش ولا مات 


تحدث الرجل مطأطأ الرأس :


- في العمليات بيقولوا حالته خطرة ..هب من مكانه يشير إليه 


-عايزه بأي طريقة أنشالله تولع في المستشفى 


هز الرجل رأسه بخنوع قائلا


-دي مستشفى عسكري..قاطعهم عزيز 


-كلم الدكتور بتاعنا يدخل، لازم يدخل بس الاول يطمنا أنه هيعيش، لازم يعيش ميت..قالها هادي الذي توقف وأكمل حديثه:


-لازم يكون عبرة لأي حد يقرب من عرين الجيار.. 


طالعه عزيز بنظرات متسائلة مش فاهم يابابا ..أشار إليهم بالجلوس 


-اقعد وأنا افهمك ومش عايز غلطة، لأن دا اخر امل ، ثم أشار إلى نعمان


-كلم الدكتور بتاعنا يدخل ، لازم الواد يكون عندنا لو لسة فيه روح واحنا هنتصرف، وافتحو عقلكم وتعملوا زي ماهقولكم بالظبط 


بالمشفى عند جاسر بعد عدة ساعات


تم نقله للعناية المشدة ومنعت زيارته سوى من والدته فقط 


كان الحزن و التوتر سيد الموقف بين الجميع والقلق يتغلغل بصدروهم ويأكلهم بضراوة ..وصل ريان المنشاوي بجواره زوجته و بيجاد وغنى


ساعات عصيبة لم يستطع أحد أن يغمض فيها جفنيه،  نهضت جنى أخيرًا من مكانها بمساعدة والدتها وتحركت إلى أن وصلت أمام غرفته، اوقفتها الممرضة 


-ممنوع الدخول يافندم ..تحركت وكأنها لم تستمع إليها لتدفع الباب الزجاجي ولكن صاحت بها ليتوقف عز متجها إليها :


-خليها تدخل، دا جوزها 


-ممنوع قالتها دون جدال..أشار جواد بعينيه لباسم ليحتوي الموقف، توقف باسم متجها الي الممرضة


-وسعي يابنتي كدا، خليها تدخل تشوف جوزها 


ممنوع يافندم قالتها الممرضة بعصبية، أشار باسم للمسعفين 


-خدوا البت دي من قدامي، وشوفوا ممرضة تانية تجهز المدام تدخل لجوزها ..توقف صهيب متجها الى ابنته 


-حبيبتي بلاش تدخلي دلوقتي ، لم تنظر إليه بل ثبتت نظراتها عليه من خلال زجاج النافذة ..وصل طبيب آخر إليه 


-واقفين كدا ليه .!! .تسائل بها الطبيب 


-مراته هتدخل تشوفه 


-ممنوع قالها وهو يدلف للداخل مغلقا الباب خلفه ..


نظرت بحزن وتحدثت بصوتًا باكي:


-بابا عايزة اشوف جوزي، قوله يدخلني


ربت صهيب على كتفها 


-حبيبتي شوية كدا وهخليهم يدخلوكي ..ارتاحي..وضعت رأسها على زجاج الباب وانحدرت دموعها فوق وجنتيها وشعرت بإعتصار قلبها ويحترق بداخلها تمنت لو يخرج الان ويعانقها بابتسامته ، أطبقت على جفنيها عندما شعرت وكأن آلام الكون تجمعت بصدرها لتهمس اسمه تضع كفيها على صدرها 


مرت ساعات أخرى والوضع كما هو سوى من اغماء غنى التي حقنت بمخدر .. خرج صهيب من غرفتها متجها إلى الجميع ..توقف بعدما استمع الى صوت توقف الأحهزة، حالة هرج ومرج بالخارج ،هرولت الأطباء إلى غرفة العناية ..ظل الجميع في حالة تأهب وذعر معا الى أن صاح جواد بصوت صاخب 


-مش عايز اسمع نفس..هوت جنى على الأرضية تحتضن نفسها تهمس باسمه من بين شفتيها المرتجفة واه محترقة صرخت بها وهي تحتضن ملابسه عندنا شعرت بتفتيت قلبها إلى شظايا محترقة "جاااااسر"


تحركت مليكة إليها بعدما فقدت نهى الحركة تحاول إيقافها ولكنها تراجعت بجسدها  بعيدًا عنها 


اصيب جواد بشلل كامل في خلايا جسده عندما وجد انهيار الجميع حوله واشتعلت عيناه بغضبًا عارم عندما فقد السيطرة عليهم 


-باااااااس..مش عايز نفس، اللي اسمع صوته هرميه برة ..اتجه بنظرة جامدة إلى غزل وأشار إليها  ثم إلى غرفة ابنه


-إنتِ مش دكتورة ادخلي شوفي ابنك، قوليلي ايه اللي بيحصل جوا..انا مش واثق في حد ..


اقترب ياسين محاولا السيطرة على والده بعدما وجد شحوب وجهه، ورغم صراخه إلا أن جسده يرتجف ..اسرع أوس بجوار عز وياسين إليه 


أشار إليهم بتحذير:


كله يرجع بعيد الباب مش عايز حد واقف ابدا ..رمق غزل التي ارتجف جسدها ونظرات قاتمة كالون سماء مغيمة موجهًا صوته الذي افزعها:


-ادخلي شوفي ابنك قلبه وقف ليه..قالها بصوت كالرعد لأول مرة هنا لم يرحم ضعفها ، هنا لم ينظر لكسرة امومتها، نظرات جافة ورغم صراخاته أمام الجميع إلا أنها شعرت بانهياره الداخلي .. فتحركت بجسد مرتجف لتتوقف أمام باب الغرفة وهي تراهم يحاولون إنعاش قلبه ثم ألقت نظرة على جواد ودلفت للداخل 


وصل راكان ينظر إليهم باعتذار، لسة واصل من المطار حالا بعد ماعرفت 


رفع صهيب رأسه فنهض متجهًا إليه 


اتجه كالمجنون إلى راكان


-اتبسط، يارب تكون سعيد دلوقتي ،. 


-عمو صهيب احنا ..صفعة قوية على وجه راكان ، شهقات من الجميع وهو يجذبه من تلابيبه 


-كام مرة سألتك وقولت لي مفيش حاجة، والدنيا تمام ، ظل يدفعه بقوة 


-كام مرة حذرتك وقولت لك أنه امانة عندك ومش عايزه يتأذي..اقترب عز وحاول ابعاد  والده عن راكان 


"بابا "..لو سمحت الدنيا مش ناقصة، قاطعهم خروج غزل من الداخل..وحدقتها تتسع شيئا فشيئا وصدمتها مما رأته بالداخل وكأن أحدهم من طعنها بخنجر ليفتت جسدها إلى قطع صغيرة ..وقفت تنظر إلى زوجها بقلبًا يتمزق المًا،  وروحًا محترقة، تدعو الله أن يسلب روحها لما تشعر به الآن ، نظرة ضائعة بابتسامة حزينة مرددة 


"كأن الدنيا مستكترة اسم جاسر ليعيش بينا ياجواد" ..قالتها لتهوى بين  ذراعي صهيب القريب منها ..


صرخة شقت جوف ربى تهز رأسها بعدما استمعت حديث الطبيب 


"اسف البقاء لله"..قالها وتحرك 


صرخات مرتفعة واغماءات لربى وغنى 


أطبق على جفنيه ، وهنا انهارت حصونه بالكامل مرددًا ..كنت حاسس ومنتظر الخبر 


"إنا لله وإنّ إليه راجعون" ليحاول الوقوف.. اقترب منه باسم وراكان إلا أنه أشار بكفيه ورمقهم بنظرة منكسرة 


لسة قادر أسند نفسي محدش يقرب مني..استند على المقعد متوقفًا، ليصل إلى زوجته التي حملها أولاده..ترنح جسد صهيب وأحس أن ساقيه فقدت القدرة على حمله ، نظرة سريعة لأبنته التي وجدها تحتضن ملابس زوجها بقوة ونظرات ضائعة كأنها لم تشعر بما يدور حولها ، فقد القدرة كاملة وتذكره لابتسامة جاسر ومشاكسته ، ليضع كفيه على صدره وهوى  على الأرض بعدما عجز عن الوقوف وكأن أنفاسه تسلب منه ليهوى كاملا دون حراك 


بعد فترة دلف جواد بساقين مرتعشتين ، ووجع حاد بكامل جسده وألم صدره يخترق روحه، اتجه بنظره لملاكه  المسجى على فراش المشفى، 


لأول مرة يسقط الجبل باكيا بشهقات لأول مرة ينكسر ذاك الرجل وهو ينظر لابنه بعيون الحسرة قائلاً:


-يعني بدل ماتدفني انا اللي ادفنك..قالها وكأن أحدهم اختنقه بقيدٍ من نيران ..ارتعشت ملامحه واحس 


دموع الوجع ساقت إلى روحه لتنتفض


ليسقط أمامه بعدما شعر بتهشيم عموده الفقري، ليخرج صمته 


بصرخاته اخيرا وهو يرى ملامح وجهه التي تشوه بعضها ، بكف مرتجف ولسانًا ثقيل 


-نور عيني يابني، نور عيني وقلبي ياحبيبي..حرك أنامله على وجهه، واستند برأسه على رأسه 


-ياقطعة من روحي، ابوك النهاردة اتهد ياجاسر..ااااااااه يارب ، ارزقني الصبر يارب ، قالها وهو يرفع جسده يضمه بقوة لاحضانه 


-وآآآه وآآآه حارقة من جوف الألم الذي تسلل بداخله مردد 


"ياريتني انا ياحبيبي ..ياريتني انا اللي موت وانت لا "..اه ياجاسر كسرت ضهر ابوك وعريته، يااااارب..


ساحت دموعه بقوة يطبع قبلة الوداع على جبينه 


"ربنا يصبر قلبي على فراقك ياحبيبي"


دلفت الممرضة تشير الى ياسين 


-بابا ..تمتم بها ياسين مقتربا منه ، ليرفع رأسه وهو يغطي وجه ملاكه متحركًا للخارج قائلاً :


-تعالى خليهم يحضروه لمثواه الاخير 


ثم تحرك مردد 


"اللهم لا اعتراض..اللهم لا اعتراض


صباح اليوم التالي تجهز الجميع لوداع الشهيد سوى من غزل التي حقنت بمهدئات وصهيب الذي وضع على الأجهزة الطبيبة بعدما تعرض لأزمة قلبية حادة  ..تحرك الجميع إلى أن وصلوا لدفن الجثمان 


توقفوا لتوديعه ..نزعت غنى نفسها من بين احضان زوجها وهرولت تدفع كل من يقترب منه


-وسعوا كدا محدش هيقرب منه،  انا مستحيل أدفن اخويا في التراب، اللي هيقرب هدفنه مكانه 


اقترب بيجاد وياسين إليها 


-غنى حبيبتي مينفعش كدا ..لطمة قوية على وجه ياسين 


-هتقرب مني هضربك، اتجهت بنظرها إلى بيجاد وصرخت به تهز رأسها 


-محدش يقرب مني، اخويا مش هحطه تحت التراب مهما يحصل، سمعتوني ..هوت بركبتيها أمام جثمانه 


-جاسر قوم حبيبي شوف عايزين يعملوا فيك ايه، وضعت رأسها فوق التابوت تبكي بشهقات مرتفعة 


-قوم ياجاسر هنموت بعدك ، قوم علشان انا مش هخلي حد يقرب منك 


هعيش ازاي ونصي تحت التراب طب خدني معاك، ينفع انت تموت وانا اعيش..رفعت نظرها إلى والدها


-إنت مستحيل تكون اب، سمعتني مفيش اب يدفن ابنه تحت التراب 


تدخل أوس بعدما أشار إلى عز ليحضتن جنى الحاضرة الغائبة ..تراجعت جنى بجسدها وتحدثت :


-أنا كويسة يااوس، ابعد عني ماسكني  كدا ليه...ثم أشارت بعيناها على غنى 


-هي غنى بتعيط ليه،  مين اللي مات


نظرت حولها ونظرت إليه بتساؤل 


-احنا هنا بنعمل ايه، وسبنا جاسر في المستشفى وجينا هنا ليه 


عز..همس بها أوس فاقترب بعدما اجلس ربى بجوار والدته 


-جنى حبيبتي تعالي معايا..استدارت تهز رأسها قائلة:


-لا انا هروح لابني زمانه بعيط، وانتوا خلصو اللي بتعملوه براحتكم ..قالتها وتحركت ليشير عز الى فارس ليتحرك خلفها سريعا 


سيطر بيجاد وأوس على غنى التي تدهورت حالتها تصرخ ولم تصمت سوى بعد اغمائها 


اقترب أحدهما يهمس بأذن باسم الذي ذهب ببصره سريعا الى جواد 


-إزاي دا حصل وانتوا كنتوا فين ..نظر بساعته وأشار للرجل 


-هدفن والحقك بسرعة ..اقترب من الجميع يهمس إلى الشيخ بعض الكلمات ليبدأ بنقل الجثمان إلى مثواه الأخير ..


أخرجو الجثمان من التابوت وتحرك أوس لاستعداده مع عز لتلقيه ..هنا 


ارتجف جسد جواد وشعر بإنسحاب  الهواء من رئتيه ليشعر بكم الألم ، شحب وجهه بالكامل وكأن الدماء جففت من عروقه هنا تمنى أنه الذي يضعوه بدلا منه ...ليسقط على الأرض 


فزع أولاده فتحركوا سريعا إليه ، فيما تحرك باسم إلى الشيخ لدفن الجثمان عندما فزع الجميع من حالة جواد 


نزل إلى الأسفل راكان ليتلقى الجثمان بمساعدة يونس، بعدما تحدث الى سيف الذي استعد للنزول 


-خليك انا هنزل معاه، بدل ماتتعب تحت، ماتخفش جاسر كان اخ مش صديق بس .. ..فيما حمل اولاد الألفي جواد متجهين إلى السيارة وحالة الذعر مرسومة على والوجوه 


تحرك باسم سريعا بسيارته بعدما أخبره أحد الضباط 


-مستشفى الألفي ولعت ياباشا، ومعرض مدام جنى، وحاولوا اختراق الحي بس سيطرنا عليه 


-ايه دا كله يابني، انتوا نايمين ..صرخ بها باسم وتحرك بسيارته كالمجنون يضرب على المقود 


-ياولاد الكلب ياولاد الكلب ، حتى الموت مرحمتوش 


عند جنى وصلت إلى حي الألفي..توقفت تنظر إلى سيارات الإسعاف الموجودة ، ورغم ذلك ولكنها تحركت وصعدت إلى غرفة ابنها ، كأنها رسمت لنفسها عالم خاص بها ..دخلت إلى غرفة ابنها مبتسمة


-حبيب مامي انت صحيت، نظر إليها الجميع بذهول ..حملت الطفل واتجهت إلى غرفتها تحمل اشيائها 


-ايه رأيك نروح نستنى بابي في بيتنا 


اقتربت منها المربية 


-مدام جنى !!.


التفت اليها قائلة:


-خدي اجازة، انا هتولى ابني بنفسي، قالتها وهي تسحب حقيبتها وهبطت للأسفل ..قابلها فارس 


-جنى رايحة فين حبيبتي 


فتحت شنطة سيارتها 


-رايحة بيتي هستنى جوزي هناك، قالتها وهي تغلق باب سيارتها ثم تحركت تضع ابنها بمكانه، واستقلت السيارة أمام أعين فارس المذهولة 


وصلت إليه هنا متسائلة


-فارس جنى راحت فين 


زفرة مختتقة وعجز بعدما انسابت دموعه


-شكلها اتجننت، ياربي هنلاقيها منين ولا منين..قالها وهو يتجه إلى سيارته 


وصلت بعد قليل منزلها ترجلت تحمل طفلها وهي تداعبه وأصوات ضحكاته بالارتفاع ..دلفت للداخل بعدما أشارت للعاملة 


-منيرة هاتي شنطتي وطلعيها فوق..


توقفت تضرب كفيها ببعضهما متمتمة بعبارات حزينة 


-عيني عليكي يابنتي، وعيني على الباشا ..راح ياحبيبي في عز شبابه ربنا ينتقم منهم 


بالمشفى توقف راكان أمام غرفة غزل 


-يونس طمني اخبار مدام غزل ايه 


جلس يمسح على وجهه بحزن 


-مفيش استجابة للعلاج ولا هي ولا الباشمندس صهيب للاسف، انا متابع الدكتور خطوة بخطوة بس للاسف شكلهم مش عايزين الحياة اصلا ولا متمسكين بيها 


استند بذراعه يحتوي رأسه بين راحتيه


-مين يصدق اللي حصل، مش قادر اقتنع أن جاسر مبقاش موجود 


رفع راكان رأسه بتعابير وجهه صامتة وابتعد بنظره البعيد، فقطعه يونس 


-صعبان عليا أهله فقدان الابن اصعب من اي حاجة..هز رأسه موافقه ثم تسائل يونس:


-الناس دي عندهم حياة الناس عادي، دا معملوش اعتبار لمكانته ياأخي


تهكم راكان 


-وكانوا عملوا حساب ليا لما قتلوا شمس ولما خطفوا ليلى وزين ..المهم مش هوصيك مش عايز مخلوق يعرف مدام غزل وصهيب عندك هنا..قاطعهم صوت هاتف راكان 


نهض من مكانه سريعا متحركًا للخارج 


-أنا في الطريق 


بعد عدة أسابيع 


دلفت نهى إلى غرفة ابنتها، طالعتها پأعين حزينة ومعالم الصدمة تلون صفحة وجهها، خطت إليها بجسدًا متعب، إلى أن جلست على الفراش تراقبها ..استدارت جنى مبتسمة:


-ماما!! قاعدة كدا ليه 


بوجه مشعًا ب ضروب الألم والحزن، أشارت على ثيابها


-حبيبتي ايه اللي إنتِ لبساه دا، غيري فستانك دا ياجنى وانزلي تحت حبيبتي مينفعش اللي بتعمليه 


أمسكت زجاجة عطرها وقامت بنثرها عليها، ثم أمسكت احمر الشفاة وزينت شفتيها به، تنظر لنفسها برضا ثم استدارت إلى والدتها:


-ايه رأيك ياماما حلوة، هعجب جاسر، هو بيحب اللون الارجواني اوي، رفعت إحدى وشاحتها ولفته على عنقها


-كدا احسن ولا بلاش منه..كدا كدا هو مابيحبش أخرج من غير حجاب برة الاوضة، افلتت ضحكة واستأنفت حديثها وهي ترتدي قلادة زواجها


-على قد ماغيرته مجنناني بس بعشقها، اه اخر مرة زعلت منه ، استدارت تنظر لوالدتها وهمست لها 


-اقولك سر..وضعت كفيها على وجنتيها واغروقت عيناها بطبقة من العبرات تحت جفنيها قائلة:


-من غيرته اتجنن عليا وضربني بالقلم..هزت رأسها لوالدتها، وضحكة ممزوجة بالحزن


-ضربني وانا قومت عليه


الحد شهر كامل..ورغم كدا مقدرناش نبعد عن بعض، استدارت مرة أخرى لتنهي ماتفعله، ارتفعت شهقات نهى متوقفة خلفها


-متعمليش فيا كدا يابنتي، بلاش توجعي قلبي 


-اوجع قلبك..قالتها مستنكرة، 


احتضنت نهى وجهها :


-حبيبتي اسمعيني ، ايه اللي بتعمليه دا ياروح ماما، جاسر خلاص مبقاش موجود ..ألقت فرشاة الشعر وصرخت بوجه والدتها:


-وبعدين بقى في اسطوانة كل يوم دي، انا جوزي راجع ولو سمحتي ممكن تسبيني اخلص قبل مايوصل، تنهدت بحزن واقتربت من والدتها 


-ماما حبيبتي متزعليش مني، حضرتك بتزعليني، ارجوكي ياماما 


استمعت الى طرقات على باب الغرفة..وضعت وشاحها على خصلاتها :


ولج عز بقلبًا مثقل بضروب الألم ، خطى إلى أخته ينظر إليها وكأن أحدهم يخنقه بقيد من نيران تلتف حول عنقه من حالتها الميؤس منها ..احتوى كفيها ونظراته تفحصها ثم تحدث بنبرة متألمة:


-جنى حبيبتي ايه رأيك نخرج مشوار مع بعض..تراجعت تهز رأسها رافضة ثم هتفت:


-ايه اللي بتقوله دا ياعز، قاطعهم دخول جواد وهو يستند على عكازه الذي لازمه في أيامه الأخيرة، هرولت إليه 


-عمو حبيبي ليه تعبت نفسك بس، كنت اطلبني لعندك وانا هنزلك 


احتضن رأسها يطبع قبلة فوق رأسها


-عاملة ايه حبيبة عمو ..ابتسمت 


له: كويسة الحمد لله ياعمو 


رفع نظره إلى عز ثم هتف:


-ايه رأيك تخرجي مع عمو مشوار، نغير جو ..هزت رأسها تفرك كفيها 


-آسفة ياعمو، مش عايزة حضرتك تزعل، اخر مرة خرجت من غير اذن جاسر زعل اوي وخاصمني وهاجرني شهرين، وانا خلاص وعدته  معملش حاجة تضايقه، رفعت عيناها المبتسمة وتابعت حديثها 


-متزعلش مني حبيبي، بس مقدرش ازعل جوزي ، لما يجي استأذنه ووعد هخرج معاك 


هوى على المقعد وحاول السيطرة على عبراته، فاردف بتقطع 


"طيب مش عايزة تزوري بابا في المستشفى ، جاسر هيزعل منك لما يعرف إن باباكي عيان وأنتِ "


ليه هو بابا فين!!


سحبها عز يضع وشاحها ويسحبها بقوة للخارج ..يكفي تلك الأيام وهي لم تتغير، وصل بها بعد قليل أمام غرفة والدها 


-بصي شوفي دا بابا ..نظرت لوالدها بذهول، عندما وجدته بتلك الحالة فاستدارت إلى عز 


-ايه اللي حصل ...وصلت نهى وجواد الذي هدر به 


-عز اتجننت، ابعد عن اختك 


صاح عز وانسابت عبراته 


-لا تفوق ياعمو، هزها بعنف 


-جاسر مات فوقي بقى، مبقاش موجود ..وزعت نظراتها إليهم ودفعته بقوة تتراجع بجسدها 


-كذاب ..انت كذاب ، انا جوزي عايش 


قالتها وتحركت للخارج صارخة، تمسح دموعها بعنف :


-كذابين جاسر عايش..أشار له جواد 


-الحقها ..ثم أشار إلى ربى 


-حبيبتي قربي منها ، جنى مش قادرة تستوعب الصدمة ..ساعدت والدها 


-طيب حبيبي تعالى علشان ترتاح 


مساء اليوم دلفت ربى إليها تحمل طعامها..وجدتها تجلس بالشرفة وتحتضن ثيابا له تستنشقها وهي مغمضمة العينين 


-جنى!!..فتحت عيناها تنظر إليها بصمت ..وضعت الطعام أمامها تمسد على خصلاتها وحاولت منع دموعها 


-كلي اي حاجة حبيبتي ، ينفع كدا 


-إنتِ مصدقاني صح، مصدقة إن جاسر عايش ..احتضنت وجهها مع انسياب عبراتها بعدما فقدت السيطرة عليها 


-حبيبتي فين ايمانك بربنا ..


دفعتها جنى بقوة وهرولت للخارج 


انا هثبت لكم ..تحركت بخطوات متعثرة حتى كادت أن تسقط ..صاحت ربى على عز عندما وجدتها تتحرك اتجاه البوابة ، ثم هرولت خلفها تجذبها  لأحضانه :


جنى بلاش تعملي كدا لو سمحتي ، علشان خاطري ياجنى بلاش توجعي قلوبنا ياقلبي ..خرجت من أحضان ربى..تتراجع للخلف وأحست بالاختناق واعترتها رعشة تهز رأسها بعيونًا دامية وهمست بنظراتها التائه بكل مكان كأنها تبحث عنه، ظلت تتراجع بظهرها وعيناها ضائعة تهمس لنفسها كأنه يستمع إليها 


-كفاية بقى، ياله اظهر، حرام عليك، والله حرام عليك..انا زعلانة منك بجد زعلانة..وضعت كفيها على صدرها:


-نار هنا ياجاسر نار، حاسس بيا، طب لو حاسس تعالى..ظلت تتراجع وربى تتقدم منها ببكاء حتى اصطدم ظهرها بالشجرة فأطبقت على جفنيها :


-أنا تعبت والله تعبت..اقتربت ربى تجذبها لأحضانها مرة أخرى ،تبكي على بكائها 


-جنى ياقلبي لازم تؤمني بالله ياحبيبتي، ايه الضعف دا كله 


دفعتها بقوة وهدرت بصوت مرتفع 


-اخرصي يابت مش عايزة اسمع صوتك، ابعدي عني..دفعتها بقوة أكثر حتى سقطت ربى على الأرض تبكي بشهقات مرتفعة، اسرع عز إليهما ..نظرت جنى إلى ربى وارتسم الوجع بملامحها، ثم رفعت عيناها إلى أخيها 


-محدش يقولي جوزي مات سمعت ، انا جوزي عايش، حتى لو خرجته من قبره واقنعتني أنه هو


اقترب عز 


-تعالي حبيبتي مينفعش كدا 


-آآه ..صرخت بها كالمجنونة بعدما وجدت دموع أخيها تضع كفيها على وجهها 


-مش عايزة اشوف حد، محدش يقرب مني ..اتجهت بنظرها إلى ابنها الذي يبكي بأحضان والدتها 


-خدي الولد دا من هنا..صرخت وصرخت وهي تضع كفيها على اذانها حتى لا تسمع بكاء طفلها 


ثم هوت على الأرض تبكي بصوت مرتفع إلى أن خفض صوتها :


-أنا مش مجنونة، انا عايزة جوزي وبس، مش عايزة غير روحي ترجعلي، احتضنت نفسها تنظر لأخيها بعيونا راجية 


-"رجعلي روحي ياعز، مش انت بتحبني ، طيب لو بتحبني انا عايزة جاسر..ثم ابتعدت بنظراتها إلى بوابة المنزل تهمس بعدما انقطعت احبالها 


"ياجاسر..ياجاسر ..كفاية على جنى كدا"


❈-❈-❈


بمكتب راكان 


جلس يتفحص جهاز جاسر بكل دقة، ثم ضرب عليه بقوة


-لا مش معقول ..ماهو اللي دفنته دا مش انت، ازاي خرج من المستشفى 


قبض على خصلاته بعنف وكاد دماغه ينفجر 


-معقول يكون جاسر، لا لا ..أيوة ليه لا، طيب اسأل جواد ازاي هو الوحيد اللي شافه ..صمت قليلا 


-دكتورة غزل فاقت ..أيوة ، قالها راكان وتحرك من مكانه 


بمكانًا اخر رفرف بأهدابه عدة مرات وهمس بصوت كاد أن يسمع 


"أنا فين "


ابتسم الطبيب ينظر لذاك الواقف بجواره 


-حمدالله على السلامة ياراجل، ايه دا كله شهرين كنا فقدنا الأمل 


رفع عيناه متجولا بالمكان 


-انتوا مين ...انحنى الآخر أمامه يشير إلى وجهه


-ايه نستني ولا ايه 


أغمض عيناه عدة مرات يفتحها ويغلقها 


-إنت مين وأنا ..صمت قائلا 


-"مش فاكر حاجة...


               الفصل الاربعون ج1 من هنا 

    لقراءة جميع فصول الرواية من هنا

تعليقات