عشق لاذع
الفصل الثامن والثلاثون 38 ج2
بقلم سيلا وليد
بعد عدة ساعات بحي الألفي، وخاصة على طاولة الافطار، جلس الجميع بجو من البهجة لتجمعهم العائلي فاليوم هو يوم الجمعة
حمحم سيف وبدأ حديثه ليصمت الجميع للاستماع إليه
-"علي" خطيب "سنا" كلمني ياجواد وعايز يتمم الدخلة أول الشهر ايه رأيك
أشار إلى صهيب وحازم
-لو اخواتك موافقين وشايف ظروفك تسمح معنديش مانع، انا شايف أننا اتأخرنا فعلا على الفرح ..هز صهيب رأسه ووافق جواد رأيه
-خلاص ياحبيبي على خيرة الله، ربنا يسعدهم ..ثم اتجه بنظره الى جواد حازم وعز
-شوفوا العروسة لو نقصها حاجة ياجواد ..اومأ برأسه دون حديث
وصلت غزل وهي تحمل كنان الذي ارتفع بكاؤه ..نهض صهيب من مكانه بعدما لاحظ على زوجته التعب قائلًا :
-هاتيه ياغزل..ناولته إياه ثم تحدثت:
-الواد حاسس ان أمه مش موجودة مش مبطل بُكى ..
-ليه هو جاسر لسة ماوصلش، تسائل بها جواد حازم مما جعل جواد يرفع عينيه مردفًا بتساؤل:
-جاسر مش هنا، انت متعرفش ولا إيه ، قالها وهو يلوك طعامه بهدوء وعيناه تخترقه كالصقر، ثم تابع متسائلاً:
-ايه اخبار قضية بورسعيد..حمحم حازم :
-جواد لو سمحت بلاش كلام في الشغل النهاردة ، افصل يابني ايه متعرفش
نهضت ربى بعدما استمعت الى رنين هاتفها
-أيوة حبيبتي..تحركت لتحاكي اختها
بالإسكندرية وخاصة بفيلا بيجاد المنشاوي، قبل قليل ..استيقظت على بكاء طفلتها ، نهضت من مكانها
-حبيبة مامي اشش اهدي ياقلبي، اتجهت ببصرها إلى مربيتها
-البنت بتعيط ليه؟!
-والله يامدام غيرت لها واكلتها، بس شكلها موجوعة من حاجة، ضمتها لأحضانها وتحركت للخارج تهدهد لها بصوتها الحنون
-حبيبة مامي اهدي ياقلبي، وقامت بإطعامها وهي تمسد على خصلاتها الحريرية، بعدما أعطت لها بعض أنواع الأدوية لتهدئة نوبة آلام انتفاخها
جذبت هاتفها تنظر بساعته ثم اتجهت لتحاكي اختها :
-عاملة ايه ياقلبي ..تحركت ربى لغرفتها وهي تجيبها
-كويسة الحمد لله ، وحشاني ياغنى
-آسفة والله ياروبي عارفة طنط نغم مسافرة ومفيش حد مع مالك وحمزة، لقيتها مش كويسة لو جيت عندكم وسبتهم ..وعد ماما نغم ترجع وهجي شهرين كمان، لانكم وحشتوني جدا
ضحكت ربى واجابتها :
-كدا كدا هتيجي؛ علشان فرح سنا أول الشهر ..ابتسمت غنى بحبور
-ربنا يسعدها ..المهم نسيت أسألك
-هو جاسر وجنى اتخانقوا في الرحلة ولا ايه
-اتخانقوا، ليه بيجاد كلمك!!
وضعت غنى ابنتها على فراشها وتابعت حديثها مع اختها:
-لا احنا كنا معاهم، وفجأة جنى اتصلت وقالت عايزة ترجع علشان الولد
-لا ..اهدي كدا وفهميني، انا مش فاهمة، جاسر وجنى مش موجودين
بمنزل جاسر
فتحت عيناها بتثاقل، شعرت بثقل فوق ساقيها، فتحت عيناها كاملة وجدت نفسها محاصرة بأحضانه، رفعت ذراعيه من فوقها بهدوء ثم حررت نفسها من بين قبضته، شعر بها ورغم استياقظه إلا أنه صار كما هو..تراجعت بجسدها ترجع خصلاتها للخلف تطالع نومه الهادئ لفترة، رفعت كفيها لتضعها على خصلاته كما تعودت كل صباح ولكن تراجعت بعدما تذكرت مافعله بها ..اتجهت بنظرها لهاتفها وسحبته بعدما ارتدت روبها الثقيل وتحركت لشرفة غرفتها
-ممكن اعرف ايه الرسالة اللي بعتها دي، انت ازاي تسمح لنفسك يااستاذ تبعت لواحدة متجوزة رسالة زي دي
حاول يزن الحديث ولكن ارتفع صوتها
-ياريت تحترم نفسك بعد كدا مش معنى تبقى ذبون عندي تنسى نفسك، وعايزة أوضح لحضرتك حاجة الورد اللي حضرتك بعته رميته في الزبالة حتى مسمحتش ادخله بيت جوزي، واياك ثم اياك تتصل أو اشوف وشك تاني والرقم دا تنساه، ولو فعلا راجل قرب مني تاني ..فكرتك محترم ..لكن للأسف طلعت انسان قذر..قالتها ثم أغلقت الهاتف
جلس على الفراش يستمع إلى حديثها الذي غلى الدم بعرقه كالمرجل الذي جف مائه ..مما جعله اخرج الوحش الضاري بداخله فنهض وتناسى ما فعله بها واتجه يفتح النافذة بغضب وعيون نارية يجذب منها الهاتف ويلقيه: بغضب بالجدار واستدار يهزها بعنف
-إنت ايه ، ليه مصرة تخرجي شيطاني ، ازاي تتصلي بواحد قذر زي دا، ايه مش متجوزة راجل يامدام
تحركت دون أن تعريه اهمية، فجذبها بعنف متجها إلى غرفة الملابس
-البسي يالا ارجعك بدل مانندم احنا الاتنين ..نزعت نفسها تشير إليه بغضب
-ماتلمسنيش، سمعتني اياك تلمسني ..قالتها واتجهت تجذب ثيابها وتحركت تغلق باب الغرفة بوجه لتبدل ثيابها ..توقف ينظر للباب بحزن، لم يستطع الصمود أمام حزنها، دفع الباب ودلف إليها وجدها تقوم بنزع ثيابها، صرخت به بنبرة صوتها الباكي ...وصل إليها بخطوة يضمها لأحضانه
-آسف اسف، عارف انا غبي ومتسرع، جنى ..قالها بنبرة متألمة
-ليه مُصر اني اكرهك ياجاسر، بتعمل كدا علشان اكرهك مبقتش متحمل حبي ، وضع كفه على فمها، بعدما عجز عن صمتها بطريقته وانحنى يهمس لها وهو يجذبها بقوة لأحضانه:
-جنى اسكتي، ايه اللي بتقوليه دا، انا جوايا نار تحرق العالم كله، ليه مش حاسة بحبيبك لدرجة دي شايفة كدا، ليه مش شايفة بغير عليك بجنون
نزعت نفسها وتحولت كعدوة لما شعرت به من الآلام قلبها
-دا مرض مش غيرة ، انت مريض وعايز تتعالج ياجاسر
دارت حول نفسها وبدأت تهذي بجنون
-ايه عايز تقنعني أن دا حب، حب ايه اللي يوصل إنك تشك فيا
اقتربت ترمقه بنظرات نارية :
-ايه مصدوم، قولي قدمت لي ايه غير الوجع واني ارضخ لقرارات حضرة الظابط ، بتحاول تضغط عليا علشان عارف ومتأكد اني بحبك،
اقتربت تدفعه بقوة بصدره وهدرت بتوبيخ:
-اه للاسف بحبك بغباء ، بحبك بهبل بنت هبلة ملقتش غير واحد مغرور تحبه، اقترب يطبق على ذراعيها وحاول أن يهدأ من غضبه فسحب نفسًا وهتف بصوتًا جعله هادئًا:
-جنى بلاش تتكلمي وانتِ مضايقة مني، علشان متغلطيش، اهدي وبعدين نتكلم
تراجعت بجسدها واطلقت ضحكة صاخبه بطعم مرار قلبها:
-شوف ازاي، أيوة صح أما ماليش اغلط في الباشا، إنما الباشا له كل الحق أنه يغلط ويدوس عليا، له حق أنه يدمر مستقبلي وحياتي، اقتربت وغرزت عيناها بمقلتيه:
-له حق أنه يعامل مراته على أنها واحدة خائنة
-اخرصي ...قالها وهو يرفع يديه للأعلى ليلطمها على وجهها مرة اخرى ولكنه كورها بالهواء وهو يجز على أسنانه ..
برقت عيناها وكأن صاعقة صافعتها للمرة الألف، حتى شعرت بفوهة بركانية تحت اقدامها، لتحمر عيناها التي تكومت بها سحب ممزوجة بالغضب والحزن بآن واحد
تراجعت بقلب فاض به الألم والغضب والحزن لتقطر دمعات عيناها رغمًا عنها ثم أشارت ليديه وصرخت بهياج:
-كمل ايه لتكونش مش واخد على كدا، كمل ماانا بقيت الحيطة الواطية اللي تخرج غضبك فيها ..
هوت على المقعد بعدما ضعف جسدها وخارت قواها ورددت بقلب ممزق كالمطعون بخيبة الألم من عشقها الضاري له، لتقص له مدى معاناتها دون النظر إليه
- عايز تضربني تاني ياجاسر، لدرجة دي بقيت مش قادر تتحكم في غضبك،
بتضربني !!
رفعت عيناها وتقابلت بعيناه الحزينة، تهز أكتافها لأعلى
- عملت ايه لدا كله يابن عمي، ايه شايف حبي مش مكفيك ولا مش واثق في بنت عمك ..اقترب منها وأشار بسبباته محذرًا إياها:
-اسكتي ياجنى بدل ماازعلك
-تزعلني!!..ليه هو حضرة الظابط مش واخد باله أنه كسرني
جلس أمامها واحتوى وجهها وبنبرة جياشة وعينا تقطر اسفًا:
-بعض الشر عليكي حبيبتى من الكسرة، مش قصدي نوصل لكدا، لف ذراعيها يحتويها بين أحضانه
-سامحيني عندك بفقد عقلي ياجنى،
رفع رأسها يعانق عيناها كعناق ذراعيها بجسدها
-لو شايفة دا غرور ومرض زي ماقولتي انا موافق، جنى أنتِ مش مجرد حبيبة، أنتِ عشق اندفن جوايا لسنين واتحملت كتير، لو بأيدي اخبيكي جوا صدري مش هتأخر
شهقة خرجت من فمها تبتعد عنه
-سبيني لو سمحت ياجاسر، عايزة افضل لوحدي، بلاش نتكلم دلوقتي انا زعلانة ومقهورة منك..نهضت من مكانها تشير إليه للخارج بعدما أزالت عبراتها
-اطلع عايزة اغير هدومي، لازم نرجع حي الألفي
مساء اليوم بمدينة العريش
دلف أحد العساكر يؤدي تحيته العسكرية:
-فيه هجوم يافندم على بعض المناطق الحدودية، هب ياسين فزعًا من مكانه
-الهجوم فين بالظبط
-اخبره العسكري بأحد النقاط التي تم الهجوم عليها، انتفض مهرولا للخارج بعدما علم أنها وحدة كريم، استدعاء للجميع لتمركز بأماكنهم ..واتجه إلى جهازه اللاسلكي لاخبار قادته والاطمئنان على كريم ولكن لا يوجد خبر ..استنفار جوي بعد الهجوم الغاشم على بعض وحدات الجيش، ويوجد الكثير من الشهداء
بحي الألفي
كان جواد يعمل على جهازه كعادته، استمع الى طرقات على باب غرفة مكتبه، دلف جاسر مطأطأ الرأس بعد السماح له بالدخول..رفع عيناه من فوق الجهاز، وأشار إليه بالجلوس قائلًا:
-لحظة يابابا وهكون معاك
جلس مستندًا بجسده على المقعد وأطبق على جفنه ..أنهى مايفعله ثم اغلق الجهاز بدخول غزل بقهوته
-القهوة ياابو جاسر، عملتها باللبن ومش عايزة اعتراض ..
كانت نظراته تحاصر ابنه، علم من ملامحه وجود مشكله تواجهه، أشار إلى غزل بالخروج، ولكنها جذبت المقعد وجلست بمقابلة ابنها
-حبيبي جيت وقولت تعبان ومردتش تقول رجعت بدري ليه، انت مكنتش قايل هتقعد يومين مع مراتك ايه اللي حصل
اتجه ببصره لوالده وأجابها مرددًا
-هجم علينا مرتزقة، وخلصنا من تحت ايدهم بالعافية
شهقة قوية خرجت من فم غزل قائلة:
-بتقول ايه ياجاسر!! ..مرتزقة يابني فين عقلك اي اللي يخليك تروح مكان بعيد عن الأمن
رفع كفيه يخلل أنامله بخصلاته بغضب
-اهو اللي حصل ياماما، بيجاد اللي حجزه، مكنش يعرف اصلا، الحمد لله اننا رجعنا، كنتوا زمانكم بتترحموا علينا
-بعيد الشر عنك ياروح ماما ، ليه يابني على طول واجع قلبي كدا، علشان كدا جنى حابسة نفسها ومش عايزة تتكلم مع حد، دا حتى عاليا راحت لها وحاولت تكلمها رفضت، تلاقيها مش قادرة تستوعب اللي حصل لها
رفع جواد فنجان قهوته وارتشف بعضها :
-إنت عارف كان ممكن يحصل ايه ياحضرة الظابط لو وقعت في ايدهم :
سحب نفسا وطرده قائلًا:
-عارف يابابا، عارف ومتأكد كمان، انا هربتها وللاسف الغابة كانت كبيرة وتاهت فيها ومعرفتش ترجع لبيجاد، لحد ماقدرت اتخلص منهم، بس طبعا عاشت رعب
-حبيبتي يابنتي، وانا بقول البنت راجعة مش على بعضها ليه، دي كانت ممكن تموت بسكتة قلبية، اتجهت ببصرها لابنها
-غابة ياجاسر، دا الغابات يابني كلها حيوانات مفترسة
جذب فنجان والده قائلًا بمزاح حتى يخرجهم من حدة الموقف
-حضرتك اللي بيشرب لوحده بيزور، وانا نفسي فيه، قالها وهو يرتشف منه بعض الرشفات ثم أجاب والدته:
-الغابة دي غابة أشجار زينة ياماما، مفيهاش حيوانات، المكان دا معمول لشهر العسل بس طبعا فيه جزء منه بالقرب من البحر، وبعض الاماكن مفيش أمن كافي زي المكان اللي كنا فيه
-حمدالله على سلامتكم، لكن بعد كدا لازم انت تراجع محدش غيرك، بيجاد مش شغله دا، وارجع اقول أن المكان مفهوش حاجة ممكن يكون أول مرة تحصل بالغلط، اتجه بنظره الى غزل
-المكان دا رحناه كذا مرة، بس نصيبهم حلو تلاقي حضرة الظابط مديون بحاجة فربنا خلص منه، مش صعبان عليا غير البت اللي فوق ..قومي روحي اطمني عليها
اومأت برأسها ثم نهضت متحركة للخارج..اتجه بنظراته الصقرية لابنه وباغته بسؤال:
-دا اللي المفروض الكل يعرفه، إنما سبب الحزن اللي في عينك دا ايه
سحب نفسًا وزفره بهدوء
-فيه واحد اسمه يزن العابدين بيجري ورا جنى
-أيوة عارف..توسعت عيناه بذهول يطالع والده بصدمة
-حضرتك بتقول ايه !!..وليه انا معرفش
-تعرف ايه مش فاهم، هو الموضوع مستاهل ..كانت إجابة واهية تحمل من الثبات ما رسمه جواد بعناية
-حضرتك شايف أن واحد يعاكس مراتي دا عادي ..
اكمل جواد قهوته وكأن الذي أمامه لا يحترق بنيران الغيرة التي تشعل بداخل صدره ..وضع فنجان قهوته بهدوء وثبات وكأن شيئا لم يكن وهو ينظر بداخل عيناه :
-اللي يتقال في المواقف دي، ايه كان رد مراتي عليه، واللي يتعمل برضو استخدام العقل قبل ماالتهور اللي متأكد انك وجبت بيه مع مراتك ياحضرة الظابط، يوصلها أنها تقفل باب اوضتها يوم كامل حتى متنزلش لأول مرة تسلم عليا بعد رجوعها
نهض جواد من مكانه يعقد ذراعيه خلف ظهره، وتحرك بهيبته التي فرضها على ابنه ليتوقف أمام والده توقيرًا له ثم تحدث :
-أنا عديت يوم الحفلة وقولت دا حقك، رغم من حقها أنها تثبت نفسها، وسافرت ورمتها وكأنها عملت جريمة في حقك، رغم انك دوست على قرار ابوك، بس قولت حياته ومينفعش ادخل فيها
رفع كفيه على كتفه وتابع حديثه
-قولت لك حاول تسيطر على غضبك علشان الغضب نار بتحرق، لكن معرفش هتفضل متسرع لحد امتى
نظر لعين ابنه وباغته بسؤالٍ اخر:
-عملت ايه في مراتك ياجاسر بعد ماعرفت بموضوع يزن
بتر حديثهم دخول صهيب ملقيا التحية، ثم وزع نظراته بينهما
-مالكم وقفتوا كلام ليه ؟!
استدار ورسم ابتسامة إلى عمه
-حبيبي ياعمو عامل ايه !!
جلس صهيب بمقابلة جواد الذي تحرك إلى مقعده وأقام بالرد على أخيه:
-قعدت مع سيف وشوفت ناقصه حاجة
هز رأسه ثم أشار إلى جاسر:
-سبني مع بابا شوية ياجاسر..تحرك جاسر دون حديث وصعد إلى غرفته
بجناح ياسين قبل قليل
أنهت استحمام ابنتها وبدأت تلاعبها لبعض الوقت، حتى غفت بهدوء بعد شعورها بالتعب ..نهضت وادت فرض ربها ثم اتجهت إلى مطبخها لتعد مشروبها المفضل، متحركة ل شرفتها تنعم بنسمة الهواء البارد لعشقها لفصل الشتاء
فتحت هاتفها تتفحص الأخبار، ولكنها هبت فزعة بعدما ظهر أمامها ذاك الخبر المشؤم ..هجوم غاشم على قواتنا الباسلة بالمناطق (...)، رفعت الهاتف لتهاتفه مرة والى أخيها مرة، ولكن الهاتف مغلقًا، شعرت وكأن جدران الغرفة تطبق على صدرها، ف تحركت سريعا متجهة إلى غرفة جاسر، طرقات مرتفعة مع جسد منتفض وعينان تشعان الخوف بمقلتيها
نهضت جنى من مكانها بتكاسل تفتح الباب، توقفت مصدومة من دموع عاليا التي انسابت رغمًا عنها وبنبرة متحشرجة بالبكاء
-فين جاسر؟!
قطبت جبينها وبعيونا متسائلة:
-في ايه، عايزة جاسر ليه ..مسحت دموعها التي ازدادت وهتفت:
-قولي لي هو فين ياجنى، مش عايزة انزل تحت لعمو جواد واقلقه
سحبت كفيها للداخل بعدما أحست بريبة حديثها، وتيقنت يخص ياسين
-عاليا ياسين حصله حاجة؟!
تسائلت بها جنى بقلب يزداد نبضاته، شهقة بكاء خرجت من جوفها
-معرفش بتصل بيه مابيردش، والمكان اللي هو فيه انضرب دلوقتي
ضمتها جنى تربت على ظهرها وتفكر ماذا عليه أن تفعل، بعد خروج جاسر ولم تعلم عنه شيئا، لحظات وافتتح الباب يطل منه..توقف عندما وجد عاليا بغرفته بملابسها المنزلية، وخصلاتها المتمردة على وجهها..فاستدار متراجعًا
-آسف مخبطش معرفش انك هنا ..وعت جنى لما تردتيه عاليا ، فاتجهت إلى وشاحها تضعه فوق رأسها متجهة إلى جاسر:
-جاسر!!.استدار بعدما استمع لبكاء عاليا
-في ايه.. !!اقتربت منه تطبق على ذراعه
-عاليا بتقول في هجوم في المكان اللي فيه ياسين وبتتصل بيه وبكريم محدش بيرد
توسعت عيناه بشدة وللحظة شعر بأن لسانه توقف ولم يعد لديه الحديث، كأن الذي استمع إليه ماهي الا تفوهات
رفع نظره الى عاليا وابتلع ريقه بصعوبة متسائلا:
-من أمتى الكلام دا..!! اقتربت منه عاليا تزيل عبراتها !!
-الضرب كان من ساعة، دا اللي ظهر في الخبر
استدار للخارج ، خرجت جنى خلفه سريعًا
-جاسر، استدار يطالعها باستفهام، وصلت إليه تحاوطه بنظرات متسائلة:
-رايح فين وهتعمل ايه !!
-نظر لثيابها وأشار لها بالدخول
-ادخلي ممكن أوس يخرج فجأة، وانا هتصرف، مش عايز حد يعرف حاجة دلوقتي..قالها وتحرك سريعا للأسفل، وقام بمهاتفة باسم
-عمو باسم...نهض باسم من مكانه معتذرًا من صديقه واجابه :
-حمدالله على سلامتك، لسة فاكر تكلمني..
-عمو وحدة ياسين مضروبة فعلا، فيه اخبار بتقول فيه هجوم داعشي، أعلنوه من دقايق
ذُهل باسم من حديثه فتحدث مجيبا إليه :
-أنا برة من فترة ومفتحتش اخبار ..طيب دقايق وهطمنك
-هنتظرك ..قالها جاسر وتحرك ذهابا وايابا بالحديقة، بعدما شاهد معظم مواقع التواصل تعلن عن خبر سقوط شهداء لدى الجيش في محاولة ارهاب غشيم تدينه جميع الأديان السماوية
لحظات واستمع الى رنين هاتفه، رفعه سريعًا
-ياسين !!
اجابه ببعض الكلمات القليلة
-أنا كويس طمن بابا وماما، مفيش حاجة ، صمت للحظات ثم أردف بنبرة حزينة:
-كريم اتصاب في الهجوم، وانا في المستشفى العسكري دلوقتي ، لازم اقفل بلاش تعرف عاليا بإصابة اخوها، المهم طمن بابا علشان ميقلقش
❈-❈-❈
تنهيدة عميقة بعدما شعر بالراحة، حينما هاتفه أخيه، قام بمهاتفة باسم وطمأنه، ثم تحرك إلى منزله قابله عز وجواد حازم
-جاسر اطمنت على ياسين ..اومأ برأسه بخروج صهيب وجواد من الداخل
طالعهم جواد بنظرات تقيمية ثم تسائل:
-واقفين كدا ليه !!
نزل عز ببصره للأسفل دون حديث، بينما جواد الذي اتجه بنظره الى جاسر قائلاً:
-الحقيقة ياخالو عرفنا فيه هجوم في العريش على بعض وحدات للجيش جينا نطمن بعدما فشلنا في الوصول لياسين
توهجت عيناه بالرعب ملتفتًا إلى جاسر
-ايه الكلام دا، كلمت اخوك!!
اقترب صهيب من جواد وحاول السيطرة على نظرة الرعب الذي تسللت لقلبه واردف:
-اهدى اكيد مش في مكان ياسين، ربنا يحمي اولادنا جميعًا ..ارتجف جسد جواد حتى شعر بفقدان الوعي فتحامل على نفسه مرددا
-كلم اخوك، أو شوف حد يطمنا قاطعه جاسر مقتربًا من والده يجذبه من ذراعه
-بابا ياسين لسة قافل معايا وهو كويس، قال المكان المضروب وحدة بعيد عنه..أهدى
نظر إليه عله يجد الصدق بعيناه، فهز رأسه وأكد حديثه :
-والله ياسين كلمني، بيقول الدنيا تهدى وهيكلم حضرتك
تحرك للداخل يستند على الجدار، وكأن تنفسه سحب من رئتيه، حاول الصمود ولكن كيف لهذا القلب أن يصمد بعد ماتحمله ...جلس على اول مقعد قابله
-صهيب..همس بها بدخول سيف وحازم
-ياسين كويس مش كدا ..قالها سيف وهو يوزع النظرات عليهم جميعًا
هز جاسر رأسه :
-الحمد لله ياعمو، اتجه بنظره لوالده الذي شعر بالاختناق فتحرك يجذب كوب المياه ليساعده بإرتشاف القليل منه، ثم تسائل:
-بابا حضرتك كويس..!! استمعت غزل التي هبطت من الدرج تحمل كنان وهي تداعبه ، لكنها توقفت مستمرة عندما وجدت الجميع يحاوط جواد ..اتجهت سريعًا إليه تنظر حولها برعب!!
-في ايه مالكم !! ثم استدارت ترمق جواد الذي حاوط رأسه بين كفيه، رفعت عيناها إلى جاسر
-ابوك ماله، ثم اتجهت إلى صهيب
-جواد ماله؟!..قالتها وهي تقترب من بسيقان مرتعشة، أعطت كنان لوالده وجلست أمام زوجها ، ليه محدش بيرد عليا ..قالتها والخوف يتسلل داخلها
-جواد!!..رفع رأسه ونظر لداخل عيناها محاولا الحديث ولكن كيف له وهو يشعر وكأن أحدهم يضع صخرة جبلية فوق صدره ..رطب لسانه ثم سحب نفسًا شعر صهيب بما يمر به جواد فاردف بهدوء:
-مفيش ياغزل، شدنا مع بعض شوية،
شيعت نظرها إلى صهيب تطالعه بتدقيق ثم اردفت مستنكرة حديثه:
-عايز تفهمني أن جواد هيبقى كدا بسبب انكم شدتوا مع بعض، استمعت إلى خطوات جنى على الدرج وهي تهتف باسم زوجها
-جاسر..استدار يطالعها بصمت يدعو الله أن يمر هذه الليلة على والديه مرور الكرام، خاصة بعد إغلاق ياسين لهاتفه، كيف يقنع والدته أنه بخير، لحظات فقط كفيلة أن يفقد تنفسه..فتحرك سريعًا إلى جنى بكنان
-خدي الولد واطلعي، طمني عاليا ياسين كلمني وهو كويس، همس لها
-ماما متعرفش ...بينما جواد الذي سحب كف غزل ينظر لعيناها المرتبة:
-أنا كويس عايز ارتاح..قالها وتحرك لغرفته والعيون تحاوط تحركه بألم
بالأعلى بغرفة ياسين
صعدت جنى بعدما اخذت ابنها من زوجها واتجهت الى عاليا، وجدتها جالسة تحتضن ابنتها وعبراتها تنساب بصمت
-عاليا ..رفعت عاليا نظرها إليها وجدت ابتسامة تزين وجهها
-ياسين كويس ، جاسر كلمه وقال إنه كويس، بس هو مينفعش يكلمك حاليا، بسبب رفع حالة الطوارئ بعد الضرب
وضعت ابنتها بمهدها ونهضت تمسح دموعها واردفت متسائلة بلهفة:
-إنتِ مابتكذبيش عليا صح ياجنى، اقتربت جنى تضمها بذراعها
-والله ابدا جاسر قالي اطمنك، وشوية وياسين هيطمك اكيد
حمدت ربها مرددة عبارات الشكر لربها:
-اللهم لك الحمد والشكر يارب..قالتها ساجدة شكرًا لربها ، ثم اتجهت تسأل جنى
-طيب كريم، ياسين مقالش حاجة عن كريم..هزت رأسها بعدم معرفتها ..اومأت عاليا متفهمة، ثم نهضت متجهة إلى مرحاضها، هروح اصلي ركعتين لله، قلبي وجعني
ربتت جنى على ظهرها فتحركت متجهة إلى الداخل، بينما خرجت جنى لغرفتها ...صعد بعد قليل بكتفين مهتدلين من الحزن والألم ، عقله يصفعه بما يخفيه عن والده، اليوم فقط شعر بنظرة الرعب بأعين والده على اخيه، ماذا سيحدث له إذا علم بما يفعله..دلف إلى الغرفة وجدها تخرج من حمامها ترتدى بورنس الحمام، توقفت تطالعه بصمت، حرب شعواء بين عقلها وقلبها من حالته الحزينة، صفع القلب العقل ينهره بحده:
-ايه اللي بتقوله دا، مستحيل اتخلى عنه مش شايف حالته ازاي..تحركت إلى أن وصلت لوقوفه ..كان ينظر بالغرفة بتشتت كأنه طفل فقد والديه، احتضنت ذراعه ثم رفعت كفها على وجهه:
-جاسر إنت كويس ..هز رأسه بالنفي ثم تحرك إلى الأريكة وهوى بجسده كاملًا على الأريكة، يضع كفيه على عينيه..جلست بجواره ومازالت تحتضنه بنظراتها ..احتوت كفيه بين راحتيها متسائلة:
-جاسر ياسين كويس ..اومأ برأسه دون حديث..أزالت كفيه من فوق عينيه
-جاسر إنت مخبي ايه، فيه حاجة حصلت تاني..قالتها وهي تمسد على خصلاته حتى غفى ..نهضت من مكانها
-
بعد يومين من تلك الأحداث التي حدثت بالجيش، نهض من نومه من فوق تلك الأريكة، التي اتخذها كي لا يزعجها ، امسك هاتفه وقام يحاكي أخيه :
-ياسين ايه الاخبار
تحرك ياسين للخارج
-النهاردة الوضع مستقر شوية، عندنا كام مناورة، يومين وهنزل، المهم بابا وماما عاملين ايه !!
-كويسين حبيبي..كريم عامل ايه !!
-كويس، الحمد لله..اغلق الهاتف ثم
ذهب ببصره على جنيته النائمة، نصب عوده وتحرك يتمدد على الفراش بجوارها، لقد اشتاق إليها حد الجنون، خلل أنامله بخصلاتها ثم نزل يرفعها من فوق عيناه، مقتربًا من أنفاسها يستنشقها بهيام ..فتحت عيناها بعدما شعرت به، اعتدلت سريعًا
-جاسر بتعمل ايه، اعتدل مثلها واجبها
-بعمل ايه يعني، مراتي وحشتني
نزلت من فوق الفراش إلا أنه جذبها بقوة لتسقط فوق الفراش يحاوطها بذراعه
-جنى احنا هنفضل كدا لحد امتى
انتفض جسدها من قربه وضعفت من أنفاسه التي ضربت وجهها، ابتلعت لعابها بصعوبة :
-جاسر ابعد، انا زعلانة منك ومستحيل تقرب لي بدون اذني
انحنى من ثغرها واردف ب
-هتفضلي مقاطعة حبيبك كدا ياجنى، يعني مش فارق معاكي بعدي، جنى أنا هسافر بكرة، هتخليني اسافر وأنا زعلان، طيب ودعيني ببوسة حتى قالها يلمس ثغرها ..دفعته بقوة ونهضت سريعا تهدر به:
-قليل ادب..قالتها وتحرك..استمع الى رنين هاتفها، جذب ينظر لتلك الرسالة
-أنا اسف مدام جنى، صدقيني مكنش قصدي أزعج حضرتك، اتمنى تقبلي اسفي ..
ضغط على شفتيه وكاد أن يدميها
-أنا ازاي نسيتك؟!
قام بتدوين شيئا وقام بإرساله، وانتظر الرد
-أكيد دا اسعد يوم في حياتي ..
نصب عوده واتجه إلى خزانته يتمتم بفحيح
-احسن يوم ياحيوان، انا هعرفك ازاي تقرب من حاجة تخصني
وصل بعد قليل لذاك المقهى، الذي أرسله للمقابلة
جذب المقعد وجلس بمقابلته
ابتلع ريقه قائلًا بتذبذب بعدما علم بهويته متذكرا صورته على شاشة هاتفها:
-اهلا يافندم حضرتك مين..!! حاول ألا يوضح خوفه أمامه فأشار قائلًا:
حضرتك التربيزة دي بتاعتي
نزع نظارته ثم ضغط على شفتيه بحركة ساخرة
-أنا جوز المدام اللي كل..ب زيك مستنيها
في هذه اللحظة كان الصمت مميتًا لكليهما، ود لو دمر هذا المكان بأكمله ..
ارتجف جسده من هيئة جاسر، فتحدث بتقطع:
-مدام مين مش فاهم قصدك!!
عند جنى خرجت من الحمام تبحث عنه، استغربت خروجه الوديع وحدثت نفسها:
-معقول يكون سمع الكلام ومشي، ازاي دا اكيد سخن، ذهبت ببصرها لهاتفها الذي وجدت شاشته مضاءة تحركت إليه لتجد تلك الرسالة الذي ارسلها
❈-❈-❈
جحظت عيناها ، فخرجت سريعا بعدما جذبت اسدالها متجهة إلى غرفة أوس
طرقت على باب الغرفة ولكن لا يوجد رد..اتجهت إلى هاتفها وقامت بهاتفة أخيها
-عز!! الحق جاسر في العنوان دا(. ) بسرعة قبل مايرتكب جريمة
بعد دقائق معدودة وصل عز إلى المقهى، توقف جاحظ العينين بعدما وجد معركته دامية مع ذاك الشخص الذي ذهبت ملامحه بالكامل ..هرول إليه، يجذبه من ذراعيه
-جاسر إنت اتجننت ..دفعه جاسر وهو يجذب الآخر يجره خلفه
-أنا هعرفك ياحقير ازاي عينك دي تترفع على ست
فتح الآخر عيناه التي تورمت مثل حال وجهه واردف بضحكة ساخرة
-ولا تقدر تعمل حاجة ، اهم حاجة أنا قربت منها وشميت ريحتها اللي جننتني ، مضايق علشان كانت بتكلمني وبتقابلني، ايه مكنتش تعرف بعلاقتنا
رغم انتفاضة جسد عز من ذاك المنحط، واراد أن يحطم رأسه، ولكنه اقترب من جاسر وحاول السيطرة عليه مرددًا بهدوء بعدما وجد نيران تخرج من عينيه وحركات اعضائه النافرة:
-جاسر متبقاش مجنون ، اهدى بيحاول يضايقك، ولكن هل يستطع أحد منع ذاك الأسد المفترس عن غزالته الشهية، خطى إلى أن وصل إليه توقف وادعى الثبات ولكن هناك ثوران لبركان قائظ الاشتعال..انحنى مستندا على تلك الطاولة
-قولتلي انكو على علاقة وبتكلمك وبتتقابلوا ..دنى منه ونظر بقوة داخل عينيه وهدر
-آه ..كنا على ..لم يكمل حديثه عندما
قام بتحطيم فكه بالكامل، لم يكتف بذلك بل رفع المقعد فوق رأسه..ارتعب عز من حالة يزن الدامية وحاول أن يسيطر على جاسر، إلا أنه
انفجر كالبركان ليجذبه من تلابيبه ويتجه به لسيارته، يدفعه بقوة ويقودها بسرعة جنونيه، وحديث ذاك المختل نيران تحرق دواخله بالكامل
وصل بعد قليل إلى ذاك المكان ثم جذبه يجره من ساقيه حتى وصل لتلك الحفرة المشتعلة بالنيران وانحنى بجسده ينظر لجسده الدامي
-أنا هعرفك ازاي تبجح في مرات جاسر الالفي، لازم اشويك زي السمك واقلبك كدا على جنابك، اهو احرق العضلات اللي بتتفاخر بيها يازبالة..رفع يديه بانهاك
-هوديك في داهية..
-وأنا مستني الداهية دي...قالها وهو يدفعه بساقيه بقوة ليسقط لتلك الحفرة وترتفع صرخاته وجلس جاسر يضع ساقًا فوق الأخرى ..
-اصرخ ياحيوان عايز اسمع كنت بتقول ايه...وصل أوس بجوار عز الذي حاكه بعدما فقد السيطرة عليه توقف أوس صارخًا يلكمه بقوة:
-الله يخربيتك ياجاسر،امسكه محاولا أبعاده لإنقاذ ذاك الذي يصرخ يبتعد عن النيران متسلقا الخندق
-اللي بتعمله دا غلط ..لوح بكفيه
-امشي يالا من قدامي بدل ماارميك معاه..استمع الى رنين هاتفه ابتسم ساخرا بعدما وجد رقم والده:
-رد على ابوك، قوله بيقولك هو مش موجود..جحظت عيناه من بروده، فلكمه بقوة يدفعه على عز
-فوق يامجنون، هتودي نفسك في داهية ..اتجه بنظره لذاك الذي ارتفع صرخاته فأشار لرجله
طلعوه يشم شوية من دا، ونزلوه يسخن شوية كل عشر دقايق
جذبه أوس متجهًا إلى سيارته
-طلعه يابني، ثم رمق عز بنظرة فهمها:
جذب جاكيته وتحرك وهو يتمتم
-لما اروح اشوف ست الحسن والجمال، ألم معجبين ابوها وحياتك عندي لاخلي عيشتك مرار يابتاعة معجبيني ..تذكر شيئا ثم رفع هاتفه
-و..لع لي في المكان اللي عندك، اياك تخرج من غير ما تخليه رماد
-طيب والأمن ياباشا!!
-مش شغلتي ..شغلتك تنفذ وبس
أوقفه أوس
-يولع في ايه ياجاسر، انت مش طبيعي يابني، انت عارف مين دا ويمكن يعمل ايه
اشعل سيجاره ورمقه قائلاً :
-وانت متعرفش تخرص شوية ، دا مجرد حشرة وكان لازم اعلم عليه، علشان اوصل رسالة لشوية الزبالة اللي بعتينه، افهم ياغبي، انا عارف بعمل ايه
قالها وتحرك خطوة، ثم رجع إلى أوس المذهول
-متخافش مش هولع في المعرض بتاع جنى، انا هولع في معرض عربيات ذاك المجهول، اهو إضربهم بنفس ضربتهم
لكزه بصدره
-دا شغلي ومالكش دعوة بيه ..قالها واستقل سيارته متجها لمنزله، رفع هاتفه يصرخ لجواد
-إنت نايم على ودانك، وهم باعتين واحد حقير يلاعبوني بيه، عايزين يخوفوني ويلهونا ياحضرة الظابط، ركز اكيد هم عرفوا حاجة ، مايعملوش كدا الا إذا بيفكروا في حاجة
-مش فاهم ايه اللي بيحصل؟!
انا عشر دقايق واكون عندك ..قالها جاسر مغلقًا هاتفها
بعد فترة دلف إلى منزله قابله جواد الذي خرج من مكتبه متجهًا للخارج ، توقف أمامه ينظر إليه بذهول :
كنت فين بتصل بيك بقالي ساعتين، اجهز علشان هيجوا يكتبوا كتاب سنا..دقق النظر بهيئته
-ايه اللي عمله في نفسك كنت بتتخانق ولا ايه
التفت لوالده وهو يصعد للأعلى
-كنت بتعرف على معجب مراتي ياحضرة اللوا ..بس مالحقناش نتعرف شكله طري قوي...اقترب جواد منه
-إنت شارب ايه يامتخلف على الصبح..دنى من والده وهمس له ببعض الكلمات، جحظت أعين جواد قائلاً
-إنتِ مين مربيك يالا..!!
-ايه دا ياحج جواد هو انا متربتش ، معلش شكلك نسيت تربيني من كتر عيالك ..الواحد بيخلف واحد ولا اتنين إنما أنت ماشاء الله مخلف دستة عيال رزلة
قهقه عز وهو يضع كفيه على فمه قائلًا:
-كنت عايز اسأل بس اتكسفت، اقترب من جواد وربت على كتفه
-ماتقولي الوصفة والطريقة..ووعد هخبيها على ابنك اللي مش متربي دا وانا هربيه
مرت الايام سريعًا إلى أن رجع ياسين..كانت تجلس بالحديقة تحمل ابنتها تمسد على خصلاتها، تحرك وتوقف خلفها يرسمها بعيناه بإشياق نبضات قلبه، اقترب بخطوات هادئة إلى أن جلس خلفها ولف ذراعيه يحتضنها من الخلف يهمس بجوار أذنها
-وحشتيني..أطبقت على جفنيها وبكت بشهقات قبل أن تدير نفسها إليه وتحاوط عنقه
-كدا ياياسين، هونت عليك الوقت دا كله، كدا تسيب قلبي موجوع
أخرجها من أحضانه يحتضن وجهها بين راحتيه:
-قلب ياسين أنا اسف غصب عني، قرب رأسها يطبع قبلة مطولة على جبينها :
-وحشتيني قوي يالولو، بجد وحشتيني
رفعت عيناها الباكية إليه واردفت لأول مرة دون خجل
-وانت ياقلب لولو..ملست على وجهه
بحبك قوي ..دقات عنيفة أعلنت حربها بصدره، لينزل ببصره إلى ابنته، ويقوم بحملها، ثم شبك كفيه بكفها يجذبها لتتوقف، ليحاوط جسدها، ويتحرك للأعلى ليقص لها معذوفة اشتياقه بطريقته الخاصة
مرت الايام سريعًا إلى أن جاء اليوم الموعود لحفل زفاف سنا ..قبل الزفاف بيوم، رجع من عمله ووضع اشيائه الخاصة على طاولة الزينة وتحرك ليأخذ حمامًا منعشا ، في حين ذهبت الفتيات لحفل الحنة الذي يقام بمنزل سيف، ورغم جفائها بتلك الأيام إلا أن نظراتها على طاولة العشاء حكت الكثير عن اشتياقها الكامن الذي تحاول تخفيه من ابتعادها عنه..تحرك للأسفل
قابلته المربية
-كنان عايز والدته يافندم، ومش لقياها
حمل طفله يرفعه بالهواء ليقهقه الطفل
-حبيب بابي زعلان انت كمان من مامي
تعالى نرخم عليها شوية بنت صهيب..وصل إلى منزل عمه، استمع الى صوت الأغاني يصدح بالمكان
-الله الله ..امك عاملة فيها لوسي، وحياتك لاربيها الليلة بنت صهيب المنفلتة.
قابلته مليكة تنظر إليه بتساؤل
-بتعمل ايه هنا ..حمحم ليتجلى صوته بعدما شاهدها تتمايل بجسدها المغوي كعادتها بجوار ربى
-عايز جنى ياعمتو، ممكن تقولي لها تطلع، مش حلوة ادخل
ربتت على كتفه قائلة:
-لو كنان عايزها هاتو اخدو لها .امال مازحا إلى عمته:
-مينفعش ابو كنان ياعمتو
بجناح ياسين قبل قليل ..كانت تغفو بأحضانه، نهضت بتكاسل تنظر لجسدها المحاوط بجسده، رفعت نظرها إلى وجهه تمرر أنامله على وجهه، ابتسمت بحب حينما تذكرت ما فعله بها منذ قليل..تراجعت بجسدها تجذب روبها لتنهض متحركة إلى الحمام
خرجت بعد قليل وجدته يحمل ابنته وقهقهات ترتفع بالغرفة، اقتربت منه مع ابتسامتها الخلابة، ثم حاوطت جسده تطبع قبلة على وجنتيه
-صح النوم، الحفلة زمانها بدأت، سحبها إلى أن جلست فوق ساقيه، يضع رأسه بعنقها يستنشق رائحتها بهيام
-ريحة الفراولة بتنعش روحي ..اقتربت من شفتيه تغازله
-لا وانت الصادق ياحبيبي دي ريحة التوت ..اقتنص شفتيها بقبلة سريعة ثم غمز لها :
-أيوة صح احلى توت من احلى شفايف..نهضت تضحك بصوت مرتفع
-بقيت منفلت يابن عمو جواد، نهض خلفها بعدما وضع ابنته بمهدها، يجذبها
رايحة فين ..
أشارت على نفسها واجابته:
-حبيبي عايزة انزل حفل الحنة، طنط ميرنا هتزعل، وتلاقي البنات كلها هناك
اقترب وحاوط جسدها يضع جبينه فوق خاصتها
-قولي لهم حضن جوزي كان وحشني
تمسحت بصدره تهمس بصوت مرتبك بعدما عصرها بأحضانه
-ياسين مينفعش وسع بقى هيقولوا علينا ايه
تراجع متجها إلى الحمام
-تمام حبيبي اجهزي، توقف يشير إليها
ممنوع اشوف اي مكياج ياعاليا، سمعتيني ..قالها وتحرك للحمام ، تنهدت تضع كفيها على صدرها
-معقول احبك كدا، مين يصدق اكتر شخص كرهته يكون اكتر شخص أحبه في حياته
بعد انتهاء حفل الحنة..صعدت إلى غرفتها وجدته يدخن سيجاره بالشرفة، تحركت تجذب منامتها، ثم تمددت على فراشها، تختلس النظرات من فترة لأخرى، نهض من مكانه ودلف للداخل القى نفسى بجوارها
اعتدلت جالسة على الفراش
-جاسر لو سمحت!!
زفر مختنق، ارتفع رنين هاتفه، نظر للهاتف ثم إليها وتحرك سريعًا للشرفة
-أيوة ياسمر
-إنت فين ياغريب، اجابه ونظراته على جنى وأجابها
-اخدت من الدكتورة اسبوع اجازة، بنت عمي بتتجوز
-طيب مش تدعينا ..حاول إنهاء المكالمة قائلًا مرة تانية ..اسف لازم اقفل دلوقتي
عند سمر توقفت والدتها خلفها
-شايفة اهتمامك بغريب بيزيد ياسمر
تنهيدة عميقة ثم استدارت لوالدتها:
-شكلي حبيته ياماما، بس معرفش ليه دايمًا بيتهرب مني، بحسه ببقى مش عايز يتكلم معايا
ربتت والدتها على كتفها ثم اردفت
-هشوف نيته لما يرجع
عند جاسر هاتف جواد
-اتصل بيهم وشوف الميكروفونات كلها شغالة ولا لا..عايز اخلص من هناك بسرعة ..اجابه جواد
-تمام متقلقش ...جلس على المقعد ينظر للأمام لفترة حتى غفى بمكانه، بعد فترة:
فتح عيناه وجد نفسه مازال نائمًا على ذاك المقعد..حرك رقبته يمينًا ويسار عندما شعر بتشنجها، ذهب ببصره لتلك النائمة، نظر بساعة يديه وجدها الثالثة فجرًا..دفع المقعد بقوة حتى افزعها بنومها
-فيه ايه ..ألقى نفسه على الفراش بجوارها
-مش جايلي نوم وعايز اتسلى قومي ارقصيلي
أرجعت خصلاتها وهدرت به :
-إنت مجنون مصحيني الساعة تلاتة الفجر تقولي ارقصيلي .نهض من مكانه لحظات ثم عاد وهو يمسك تلك البدلة بيديه، ثم أشار بها وعايزك تلبسي دي
تمددت على الفراش مرة أخرى وهتفت ببرود
-اطفي النور عايزة انام وروح العب برة، ولا احلم بعيد عني مش ناقصة جنان على الفجر
تجعد جبينه ثم اقترب منها:
-دا اخر كلام ؟!
-ومفيش غيره قالتها بإزدراء..
تحرك إلى الشرفة فابتسمت بخبث ظنا أنه رضي بالأمر الواقع ولكنها اعتدلت بجلوسها سريعًا، عندما اغلق باب شرفتهما وقام بتشغيل أغنية شعبية ورفع الصوت قائلا
-جاي على بالي اسمع شعبي عندك مانع، معرفش الكائن دا بيقول ايه، بس ممكن اشوفها على جثة وهي بتتمايل بجسدها الأنثوي المغري ثم أشار عليها بإستهزاء
-اهو نغير الجثة دي ونشوف حاجة حلوة
لحظات فقط كانت كفيلة إلى أن تقفز من فوق مخدعها وتصل إليه بأنفاسًا تريد إحراقه بالكامل
-بتقول ايه يامحترم..أطبق على جسدها يحملها متجهًا إلى فراشهم يهمس لها
-بقول يارب لو مسمعتش كلامي الليلة اموت ياجنجون
اهتز جسدها ورغم ذلك دفعته بقوة وحاولت التحرك بعيدًا عنه ، احتجزها
-يعني افهم من كدا حياتي مش فارقة معاكي
ارتفعت دقات قلبها التي أصبحت كالطبول فرفعت عيناها التي خطت بها طبقة كرستالية
-إنت ضربتني ياجاسر..انحنى بأنفاسه الحارة:
-لو عملتها تاني اقطعيها ياقلب جاسر، ولو عايزة تقطعيها دلوقتي أنا موافق، بس قوليلي اعمل ايه في غيرتي ..همس بجوار شفتيها المرتجفة:
-كل مااحبك اكتر اتجنن اكتر، أنتِ حاسة بحبي ياجنى، عارفة مستعد أعمل ايه علشان بس اخدك في حضني
ازال عبراتها ينظر لعيناها الدامية بدموعها:
-خلاص مبقتش فارق معاكي ..أغمضت عيناها تستمع لنبرته التي اشتاقتها كثير، فهزت رأسها بالنفي ..فانحنى يقتنص كرزيتها متمتم بصوت خافت:
جنى وحشتيني..انهارت حصونها بالكامل ..لتنساب عبراتها أكثر وأكثر عاجزة عن الحرب الشعواء التي بداخلها ..انحنى يدفن انفاسه بعنقها لينهي ثباتها بالكامل يهمس لها بأعذب كلمات العشق، ليدون بطريقته ترانيم عشقه بعد انقطاع دام لأكثر من شهرًا
بصباح اليوم التالي
بعد جلسة معاتبة بينها وبين نفسها، نهضت تحمل اشيائها متجهة لذاك الفندق الذي يقام به الحفل قبل وصوله
❈-❈-❈
مساء يوم الحفل توقفت أمام المرآة
تنتهي من زينتها، رفعت نظرها إلى هنا التي تتلاعب بهاتفها
-يابنتي خلصي زمان العروسة خلصت..انا هسبقك علشان عايزة اشوف كنان مع طنط غزل ولا لا..قالتها وتحركت متجهة لغرفة العروس ..دلفت متمتمة بحبور:
-الله الله..ايه الجمال دا ياروحي
طالعتها سنا بتدقيق ثم غمزت لها
-أنا برضو ..دا البنفسج هيو،،لع يابنتي ..دلفت عاليا مرددة
-العريس وصل يابنات..حدجت جنى بتمهل ثم اقتربت منها تهمس لها
-شكلك مش مُريح يانصة، انا شوفت الفستان اللي المفروض يتلبس مش دا أبدًا
رفعت حاجبها ساخرة:
-ياسين بيدور عليكي تحت يالولو، روحي شوفيه..قهقهت عاليا تهز رأسها بدخول ربى
-مالكم بتضحكوا على ايه، اتجهت بنظرها إلى سنا :
-ماشاء الله على الجميل ..اجهزي ياحبي عمو هيطلع حالًا
لفت انتباهها وقوف جنى تهمس لعاليا..قطبت جبينها واقتربت:
-إنتِ يابت ناوية على ايه ، ماتتلمي ياختي مش ناوية تجبيها لبر
أشارت على نفسها بذهول:
-أنا ..!! ليه عملت ايه يااُخت المغرور..قهقهت البنات على كلماتها فتحدثت عاليا مقاطعة:
-والله مغروين مش مغرور واحد، قاطعهم دلوف جواد بجوار سيف
صمت للحظات بالغرفة بعدما دلف جواد متجهًا إلى "سنا،" توقف أمامها مع ابتسامة مريحة ثم احتوى وجهها:
-الف مبروك حبيبة عمو السعادة دايمًا لحياتك، عايزك دايمًا راسك مرفوعة، مهما كانت ظروفك ماتتخليش عن عزة نفسك
اتجهت بنظرها لوالدها الذي ابتسم لها يهز رأسه، ثم اتجهت بأنظارها إلى جواد
-ربنا يبارك لنا في حضرتك ياعمو، اكيد هكون كدا مش تربية سيف الألفي ..طبع قبلة حنونة على جبينها، فاقترب والدها يضمها لأحضانه:
-ألف مبروك ياحبيبة قلبي ..!!
نزلت دمعة رغمًا عنها تأثرًا بوالدها:
-الله يبارك فيك ياحبيبي..عانقت ذراع والدها لتهبط للأسفل
تحركت الفتيات خلفها سوى جنى التي توقفت متسمرة عندما صاح جواد بها :
-جاسر فين لحد دلوقتي ماوصلش
ابتعدت بنظرها عن عمها
-معرفش ياعمو، ممكن مايكون فيه حاجة شغلاه..دنى من وقوفها
-بت اللي واقف قدامك جواد الألفي مش عيل ، فين جوزك
-أنا هنا يابابا..قالها وهو يدلف للداخل يرمق تلك الواقفة بنظرات نارية
-إنت كنت فين بقالك ساعتين
اقترب من جنى وجذبها من خصرها بقوة يضغط عليه وتحدث من بين أسنانه:
-المدام كانت بتلعب معايا
طالعهم جواد بجبين مقتطب:
-تلعب معاك !! ليه هو حضرة الظابط عيل، علشان يتلعب بيه
افلتت ضحكة تبتعد عن نظرات عمها ..ضغط بقوة آلامتها فكتمت ضحكتها قائلة:
-الحمد لله انا مقولتش حاجة عمو اللي قال ..غرزت عيناها بمقلتيه قائلة بتشفي:
-هو حضرتك طفل ينضحك عليك ماشاء الله راجل طول بعرض، حتى أيده تقيلة بيعرف يقطع بيها الخشب حلو
ظل جواد يوزع نظراته بينهما بصمت ثم هتف متحركًا
-مجنونة اتجوزها مجنون، هستنى ايه ..ربنا يصبرني
جذبها بعنف بعد خروج والده وهدر بها:
-وحياة ربنا لاعرفك إن الله حق، علشان تعرفي تلعبي حلو..تحرك مغادرا بعدما دفعها بعيدًا عنه، ولكنه تسمر مستديرًا بعدما لاحظ فستانها:
-ايه دا!! جذبت هاتفها لتتحرك للخارج
-مايخصكش..كور قبضته وتراجع إليها بخطوات سلحفيه وعيناه ترمقها بسهام نارية
-على الرحب والسعة يامدام ..بس كدا !!!
تراجعت للخلف تشير بسبباتها
-جاسر إياك تقرب بقولك اهو..أشار لذاك الفستان
-اخلعيه والا هقطعه ..صاحت به هادرة
-ماله ولا علشان مش انت اللي جايبه
-أه ..هيتخلع والا هقطعه ..اقترب وامسكه يتلاعب بسحابه فدفعته هادرة
-حاضر هخلعه، بس ابعد كدا
سحبها من خصرها بقوة لتستقر بأحضانه
-تضحكي عاليا ياجنى وتفهميني انك مستنياني في بيتنا، وفي الاخر تلعبي بيا، انحنى يهمس إليها :
-طيب اعاقبك بإيه دلوقتي.حاولت التملص من قبضته، فاستدارت.تحاوط عنقه مردفة بدلال :
-بحضنك ياروحي عاقبني بحضنك، بس بلاش اغير الفستان وحياتي عجبني ياجاسر
أشار عليه
-ضيق ياجنى..استدارت له
-ابدا ياجاسر حلو اهو، وحياتي ياجاسر
-لا ..غيره قالها وخرج حتى لايضعف أمامها
بعد شهر من حفل الزفاف
دلف بهدوء واتجه إلى فراش ابنته اولًا، وجدها تغفو بثبات، استمع الى صوت المياة بالحمام
-اه منك يابلقيس مبتسمعيش الكلام..ظل واقفًا يطالع ابنته مبتسمًا
-حبيبة بابي وحشتيني، مامي الهبلة جايباكي هنا ليه
استمع الى خطواتها بالخلف
استدار يطالعها بنظرات حاوطت جسدها بالكامل ..توقفت مبتلعة ريقها بصعوبة قائلة:
-إنت رجعت إمتى، مش المفروض ترجع بكرة، شايفة مبقتش تستقر هناك ..خطى إليها بخطوات هادئة وعيناه مازالت تبحران على وجهها، اقترب من وقوفها وأجابها بنبرة عاشقة:
-اعمل إيه في قلبي اللي مسيطر عليا، ومبقاش يسمع كلامي
تغضن وجهها مستفهمة
-قلبك يسمع كلامك في ايه ياحضرة الظابط..جذبها بقوة حتى اصطدمت بصدره، فأطبقت على فتحة روب الحمام
-ياسين إبعد انا مخصماك ومش هكلمك تاني
كانت عيناه تتجول على جسدها الذي ظهر معظمه أمام عينيه الصقرية، لكزته بصدره
-بقولك زعلانة منك إنت بتعمل ايه وبتبص على ايه ..عيب كدا، وانا اللي مفكراك محترم
بدهاء قطب جبينه
-ماهو أنا محترم، أشار على نفسه:
-والله أكتر واحد محترم في العيلة دي حتى اسألي ماما
-أيوة صح فعلا انت اكتر واحد محترم لدرجة من كتر احترامك تخلي الواحد يموت بحسرته، وكل كلامك زعيق، انا صوتي وحش وعورة ياياسين
-أنا قولت كدا
رفعت حاجبها ورمقته بنظرات نارية:
-شغل اللؤم دا مش معايا
-بترمي بلاويك عليا يابلقيس، هو انا كنت موجود علشان ازعلك
تملصت من بين ذراعيه متراجعة تلملم ثوبها ، ولكنها جحظت عيناها تنظر إليه بذهول بعدما، لف رباط روبها على كفيه لينفتح بالكامل ثم غمز بعينيه
-كدا نقعد على مائدة الاعترافات، ونجمع الأدلة ، قالها وهو يحملها متجها إلى فراشهم
بعد فترة توقفت تنهي زينتها
-ياسين هخرج مع جنى نروح للدكتور علشان كنان بقاله يومين مش مظبوط، جاسر قال هيوصلها، بس عنده شغل فأنا هروح معاها
اومأ لها وهو يرتدي ساعته
-كلمتي كريم النهاردة، استدارت تجمع اشيائها :
-أيوة حبيبي، الحمدلله ، بدأ يمشي شوية شوية، اقتربت منه وطالعته بنظرات ممتنة :
-شكرا ياياسين ، شكرا على كل حاجة ، وقوفك مع كريم، وكمان خروج بنت عمي من السجن ...ضمها لأحضانه
-متقوليش كدا ، انتي روحي ياعاليا ، وكريم صديقي المقرب، أما ابن عمك دا مش هرتاح الا لما ادفنه حي
احتضنت وجهه تنظر لعيناه
-وحياتي عندك تبعد عنه، ربنا ينتقم منه ..طبع قبلة على جبينها واتجه لينهي مايفعله :
-لازم أخرج حالا ..فيه اجتماع ضروري
اومأت مبتسمة وحملت حقيبتها متجهة إلى جنى
بمكتب باسم .
جلس أمامه كلا من جواد وجاسر
-مش عارف اقول ايه غير اني فخور بيكم فوق ماتتخيلوا ، وحوش الالفي سيرتهم مزلزلة الإدارة
-الحمد لله يافندم، صمت جاسر ثم أردف:
-البنت بنت هادي الجيار كويسة، يعني لسة عايشة
اومأ له باسم بتفاخر تنطقه عيناه
-ابن جواد الألفي بجد..بس صحابك هيتجننوا عايزك تاخد بالك من نفسك كويس، بعد الضربة الأخيرة دي مش هيسكتوا
نهض من مكانه ينظر إلى جواد
-أنا من حقي إجازة دلوقتي وتكون طويلة المدى، عايز اخد مراتي المالديف ياعم وتكون على حساب الحكومة
قهقه باسم ثم نهض من مكانه متجها إليهما يطالع جواد
-وانت مش عايز شهر عسل يابني ونفرح بيكم ..ضحك متهكمًا، شهر عسل من غير العروسة..توقف عندما اندفع الباب ودلف جواد بهيبته
وزع نظراته عليهم ثم أشار على نفسه
-عيل ياباسم، عيل علشان تضحكوا عليا، اقترب من ابنه وحدجه بنظرات لهيبية
-قولي اعمل فيك ايه، عايزني ارفع ايدي على راجل، ليه يابني عايز تكسرني انا وامك
تحرك باسم إليه:
-جواد ايه اللي بتقوله دا، دا بدل ماتبارك وتتباهى بيهم
ضرب جواد على سطح المكتب بقوة
-بلاش انت ياباسم، متخلنيش اخسرك ، دول هجهز اكفانهم وانت اكتر واحد عارف دا ..اتجه بنظرات متألمة إلى جاسر
-قولي ليه كدا، طيب مش خايف على نفسك خاف على امك ..خاف على مراتك وابنك..لكز جواد بصدره
-مفيش حاجة ياخالو دي قضية تهريب عادية، وأنا ابني جوا وكر مهربين، ازاي تستغفلوني كدا..ياخسارة ياباسم ، احميه بقى لو تقدر ياحضرة العقيد
دلف راكان بذاك الوقت مبتسمًا، ولكنه توقف متسمرًا ، عندما وجد صمتهم ..اقترب جواد منه ساخرًا
-مبروك ياحضرة القاضي، بس يارب تكون فرحان بنجاحك اللي جه على حساب دول انت وسيادة العقيد ..قالها وتحرك للخارج بخطوات متعثرة
تحرك جاسر خلفه سريعا:
-بابا استنى..توقف أمامه ورفع عيناه التي تجلت عبراتها بها
-وحياتي عندك ماتزعل، مش دا اللي ربتني عليه، الحق ودافع عن الأرض ياحضرة اللوا، كنت هتكون مبسوط وولاد البلد بيضيعوا يوم عن اللي قابلوه، كنت هتكون مبسوط والصغير قبل الكبير ماشي يدافع عن نفسه دون اللجوء للقانون، كان لازم نوقف دا يابابا
احتوى وجهه يضغط على وجنتيه
-أنا فخور بيك يابن جواد، لكن قلب الاب اللي جوايا بيصرخ، انا عيشت المراحل دي اكتر منك، وعارف اللي هتلاقيه بعد كدا.. ودلوقتي منكرش انك بتضعفني ، لدرجة لو طايل اخبيك منهم جوا حضني ويطعنوني انا مش هقول لا ..ياريتهم يخلصوا مني قبل مايوصلولك ياحبيبي ، دول مافيا يابني وانت مش قدهم، انت دخلت جحر التعابين ومش فاهم عملت ايه، روحت جوا بيتهم وطعنتهم وطالع بطلع لسانك بكل بجاحة ليهم، مش هيسكتوا، علشان يعرفوا الكل أنهم مابيتخانوش، والخيانة عندهم مفيش غير الموت
جذبه يضمه بقوة لأحضانه :
-دا مش ضعف على قد ماهو خوف من اللي جاي يابن جواد
خرج من احضان والده بخروج راكان وجواد حازم
-متخافش عامل حسابي، وواخد احتياطتي كويس..اومأ له وتحرك دون حديث عندما شعر بألام تفتك بقلبه
أشار باسم إليهم بالانصراف
-خليك مع باباك ياجاسر ، واتجه إلى جواد
-ابعت فريق أمني مدرب على أعلى كفاءة
بعد عدة ساعات خرجت جنى برفقة عاليا من عند الطبيب متجهة إلى سيارة الحراسة ..اوقفتهما إحدى السيدات
-لو سمحتم فيه دكتور قلب هنا يابنتي ..أشارت إليها عاليا
-أيوة في الدور التاني
-معلش يابنتي ممكن تقوليلي فين، واطلع منين الاسانسير ..تحركت عاليا معها قائلة
-جنى هوديها الاساسنير ، تحرك خلفها الحارس الشخصي..اومأت لها جنى بتفهم وأتت للتحرك لسيارة الحراسة فوضعت أخرى
-ممكن تقرأي الورقة دي عايزة اعرف دا العنوان ولا لا ..أمسكت الورقة لمجرد ثواني لتشعر بالتخدر بجسدها، حتى توقفت اعضائها بالكامل تنظر بعجز لتلك السيدة التي سحبت كنان من يديها وتحركت سريعا الى تلك السيارة، لحظات ماهي سوى لحظات لتسرع السيارة وخلفها جنى تصرخ بوصول جاسر مع سيارة أخرى
❈-❈-❈
أسرعت سيارات الحراسة خلف سيارة جاسر، بينما هوت جنى على الارض تصرخ باسم ابنها ..وصلت عاليا إليها
ركضت إليها تساعدها على الوقوف ، بوصول جواد حازم يجذبهم سريعًا متحركين من المكان
-عاليا ، ارجعوا مع العربية حي الألفي اعترضت جنى تبكي
--ابني ياجواد..صرخ بها
-جنى لو عايزة ابنك لازم تتحركو من هنا، أشار للسائق بيديه ليتحرك بيهم سريعا بينما هو قاد سيارته وتحرك خلف جاسر وقام بمهاتفته
-جاسر انت فين..
-معرفش ، العربية بتدخل اماكن معرفش ياجواد معرفش ، قالها بعجز
-تمام فيه عربيات الحراسة وراك ، خلاص عربيتك بانت قدامي على الجهاز، جاسر اوعى تخلع ساعتك لو سمحت، انا وراك ..لا اله الا الله
محمد رسول الله قالها وهو عيناه على الطريق، بإحدى الشوارع دلفت سيارة جاسر خلف تلك السيارة التي بها ابنه، ثم استمع الى انفجار خلفه، نظر من مرآة السيارة، جحظت عيناه برعبا بعدما وجد انفجار سيارة الحراسة ..زاد سرعة سيارته وهو يهمس بفحيح
-ياولاد الكلب، وربي ماهرحمكم ..خرجت السيارة على الطريق الصحراوي، تبتعد مسافات عن الطريق العمومي، وهو خلفها ودقات قلبه بالارتفاع ، حتى توقفت السيارة أمامه على بُعد من الامطار، ترجل منها أحد الخارجين عن القانون يشير بسلاحه لابنه
-شوفت عرفنا نجيبك ازاي ..ارمي سلاحك ..ألقاه من غير تفكير قائلا
-الولد مالوش علاقة، انا قدامكم اهو ،
أشار للآخر
-هاتوه، ثم هتف بنبرة تحذيرية
-هتعمل حاجة هنقتله ..تحرك ونظراته على بكاء طفله الذي قطعت نياط قلبه..وصل إلى قائدهم
-عايز الولد..ألقى الولد بكل تجبر ليحضتنه متراجعًا به، وصل جواد وسيارة أخرى للحراسة، جذب أحدهم جاسر من ذراعه بقوة
-بتلعب بينا..هز رأسه برعب ينظر إلى ابنه الذي اختطفوه
-تمام هرجعهم، سيبوا الولد
هدر أحدهم
-خليهم يمشوا وامشي معانا من غير صوت ..هز رأسه مجيبًا
-تمام بس ياخدو الولد ..وانا معاكم ..وصل جواد محاوط المكان بالكامل وهتف بصوته الصاخب
-مفيش خروج غير بموتكم سلموا انفسكم، دفع الرجل جاسر وهو يضع سلاحه ويجهزه لإطلاق رصاصته، صرخ جاسر بجواد
-انسحب ياجواد...رفع نظره إليهم بنظرات فهم محتواها وأشار على كنان
تحرك للخلف ونظراته تراقب كنان حتى ابتعد عنهم وحمله جواد سريعًا متجها إلى سيارة الحراسة..الولد دا بحياتكم ..قالها وقاد سيارته سريعا خلف جاسر وخلفه سيارة الشرطة التي وصلت لدعمهم وصلوا إلى نهاية الطريق..جذبوا جاسر، ينظروا لذاك الجبل، ثم اتجهوا إلى سيارة الشرطة
وضع الرجل سلاحه برأسه وهتف
-قولهم يرجعوا هنقتلك ..ابتسم بسخرية ، ينظر إلى كفيه المقيدين وهتف:
-حياتي مش هتفرق خالص ..نزل جواد متجهًا إليهم يشير بسلاحه
-مش هتخرجوا احياء من هنا
نظر أحدهم لعدد الشرطة ثم لعددهم إلى أن أطلق جواد رصاصته برأس أحدهم وونشب القتال بين الشركة والخارجين إلى أن فقدوا السيطرة فقال أحدهم
-لازم نخرج من هنا بس قبل كدا لازم ناخد طارنا من دا ...دفعه جاسر برأسه ليوقعه من فوق الجبل ، ولكن قام أحدهم بإطلاق رصاصة لتستقر بقلبه ثم دفعه ليهوى على الأرض بالحال، لم يرحمه بذاك بل دفعه بساقيه ليسقط من فوق الجبل ...صرخ جواد وجن جنونه وهو يراهم يفعل بابن خاله ذاك
ليفرغ سلاحه بالكامل بجسد ذاك المجرم ...زحف جواد من ذاك التل للاسفل يصيح بصوتًا كالرعد متجهًا إلى جاسر، وصل إليه يصرخ كالمجنون بعدما شعر بفقدانه
ساعات عصيبة واستنفار أمني داخل المشفى العسكري ، وصرخات وصيحات من الجميع سوى من تلك الجالسة على الأرضية الباردة تضع رأسها فوق ركبتيها تهمس لنفسها
-هو وعدني وعمره مايخلف وعده
خرج الطبيب وآثار الحزن تبدو على ملامحه ..توقف الجميع بنظرات منتظرة الحديث
رفع صهيب اولا نظره إلى الطبيب وهتف بهدوء ماقبل العاصفة:
-لو سمعت غير أنه كويس صدقني هحطك مكانه ..خرجت غزل من غرفة العمليات تنظر لزوجها مبتسمة
-كأن الدنيا مستكرة اسم جاسر ليعيش بينا ياجواد..قالتها لتهوى بين يدي صهيب الذي يجاورها مغشيا عليها
هنا صمتت الألسنة وبرقت الأعين تنساب بعبراتها ..صرخات وصياحات بالمكان الذي أصابهم نوبة جنون
رفع راكان نظره إلى جواد الذي حاول الوقوف إلى أن قدماه خانته مرددًا بصوتًا يملأه الايمان بالله
-كنت عارف ومنتظر اللحظة دي
"اللهم لا اعتراض، اللهم لا اعتراض "
حاول باسم وراكان إسناده إلا أنه رمقهم بنظرة نارية
-أنا لسة واقف على رجلي ..محدش يقرب مني..حاول وحاول ينظر إلى جسد غزل الذي رفعه أوس وحازم وهو عاجز من الوصول إليه
فردد قائلًا :
"إن لله وإن إليه راجعون"