عشق لاذع
الفصل الاربعون 40 ج2
بقلم سيلا وليد
تنهد باسم بحرارة تحترق جوفه كمن ينصهر عندما توقف عقله يهز رأسه متسائلًا:
-برضو ازاي هنعمل تحليل نووي من غير ما جواد يعرف ..
بسيطة ياسيادة اللوا ..من تحت لتحت
هنفتح المقبرة
تراجع بجسده يغمض عيناه بعجزًا:
-إزاي !! مينفعش افهم جواد صديق عمري وجاسر كان ابني
-طيب من حق الصداقة تقطع الشك باليقين، علشان لو اتأكدنا أنه عايش لازم نتحرك ونعرف هو فين، وهل هو عايش ولا قتلوه
-تمام ..هفكر وارد عليك
هز رأسه برفض قائلاً :
-اسمها هنفتح المقبرة ونعمل التحليل
-طيب العينة هنجبها من جواد ازاي
نظر إليه برفع حاجب:
-شكل موت جاسر وقف عقلك ياسيادة العقيد، ممكن ناخدها من حد تاني ، ياسين أوس أو من كنان نفسه
هب من مكانه بعنفوان وهو يهدر به:
-أنا عارف انت ناوي تموتهم كلهم ، إياك تقرب من كنان، اياك ياراكان متبقاش مجنون بجد
-خلاص حضرتك اتصرف وشوف أوس أو ياسين ودول مش صعب توصلهم ولا صعب توصل كمان لسيادة اللوا، حضرتك اللي مصعب الدنيا ..فكر في الاصعب ازاي نفتح المقبرة دون علم من آل الألفي
عند جاسر نهض من مكانه بصعوبة يتحرك من المكان يطالعه بألمًا وكأنه يطبق على صدره، تحرك بعض الخطوات إلى أن دلفت تلك الفتاة
-غريب ليه قومت من مكانك ..وضع كفيه على صدره متألمًا فأجابها :
-تعبت من النوم، عايز امشي..استدار بنظره إليها يدقق النظر بها ثم تسائل:
-بتقولي انك خطبيتي ..اقتربت منه تحتضن ذراعيه
-تعالى نتمشى برة فيه جنينة فواكه حلوة يمكن تتذكر حاجة ..سحب كفيه من ذراعيها وكأنه شعر بنيران تلتهم صدره من قربها متوقفًا يطالعها بنظرات تقيمية
-علاقتنا كانت ازاي والمفروض فيه ورق ليا ..يعني اسمي وحاجات من دي
دلف الجيار يرمقه بنظرة غامضة واقترب منه :
-عامل ايه النهاردة ياغريب..ابتسم مردفًا:
-الحمد لله كويس ، بس عايز اتمشى برة شوية، قطعت حديثهما سمرة
-عمو هادي غريب بيسال عن اسمه وأوراقه
تهكم بنظراته يحدث نفسه ..حتى وانت فاقد الذاكرة حس البوليسي عندك يابن جواد ..دنى منه وأشار على الكومود عندك كل حاجة خاصة بيك هنا ..تحرك بهدوء يفتحه وقلب به
ثم جلس متعبًا :
-كنت شغال طبيب بيطري ، حرك أيده على صورته بابتسامته وظل يدقق بها
هز الجيار رأسه ..
دا اللي باين ، بس احنا لينا شغل تاني لما تفوق هنتكلم ..قالها وتحرك للخارج قبل أن ينقض عليه فكلما تذكر مافعله أراد اهلاكه لا محالة
بعد اسبوع جلس ياسين أمام باسم وراكان يوزع نظراته بينهما بريبة
-حضرتك طلبتني ياعمو، انا قدامي ساعتين وراجع شغلي ، فيه حاجة ولا إيه!!
نقر راكان على المكتب لعدة مرات ينظر لباسم الذي هز رأسه رافضًا ماسيفعله ..قطع راكان الصمت بينهم
-عايزك تمضي على الورقة دي ياياسين ، ومن قبل ماتتكلم ، انت اكتر انسان هيفهم احنا عايزين ايه بالظبط، أوس ميعرفش شغلنا ، وطبعا والدك مش بحالة تسمح نطلب منه دا ، وغير دا كله مش متأكدين من حاجة مجرد إجراء اطمئنان
قطب جبينه يرفع الورقة يطالعها مستغرب حديث راكان ..ضيق عيناه للحظات، ثم وضع الورقة على المكتب
-شكل حضرتك مبدل الورقة، دي ورقة بتقول..صمت للحظة ثم رفع الورقة مرة أخرج يقرأها بصوت مرتفع ..إلى أن شعر بانسحاب أنفاسه ينظر إليهم بوجه شاحب متمتم بلسان ثقيل
-فتح مقبرة جاسر..ليه ؟!
توقف راكان يجذب المقعد وجلس بجواره يربت على كتفه
-اسمعني انا كوكيل نيابة شكيت في جثة جاسر، عايز أتاكد اللي اندفن دا جاسر ولا لا
كان يطالعه بضياع وضربات قلب كالطبول حتى شعر وكأن سكب فوقه دلو من الماء ليشعر ببرودة تجتاح جسده بالكامل فردد بتقطع:
-قصدك إن جاسر ممكن يكون عايش لو الجثة مش بتعته، بس ليه تقول كدا
نهض باسم يضمه من أكتافه:
-حبيبي دا مجرد تأكيد عايزين نتأكد مش اكتر، يعني احتمال يكون جاسر
هوى على المقعد وبلسان ثقيل مرددًا
-واحتمال يكون مش هو!!..دقق النظر إلى راكان متذكر دفنه لجاسر فتسائل:
-ليه شكيت .!!.انت مش شاكك، انت متأكد صح
ابتعد راكان ببصره ولم يرد عليه
جذب القلم وقام بالامضاء
-وأنا كمان عايز اتأكد، بدل حضرتك شكيت يبقى اكيد مش جاسر
ابتسم راكان يشير إلى باسم :
-قولت اختيار ياسين كان الأصلح ..كدا باقي الطبيب اللي يدخل يعمل التحليل
-دا عندي..أردف بها باسم ثم اتجه بنظره الى ياسين:
-مش عايز بابا يعرف حاجة ، وانا هاخد احتياطات لحد منخلص ونعرفك
بس عايزين حاجة كمان
-أجابه ياسين يهز رأسه:
-عينه تحليل صح ..عايزها من مين بالظبط
-لو منك يكون افضل علشان محدش يشك في حاجة ..
قاطعه راكان بعدما وجد إصرار ياسين
ولو من ابوك هيكون افضل وافضل
رمقه باسم يشير إليه بتحذير:
-راكان متقربش من جواد لو سمحت ، لو سمحت بلاش نحسسه بحاجة..
تحرك راكان ووقف بجوار ياسين وتعمق بعيناه :
-ياسين هجيب العينة من غير ماحضرة اللوا يحس ، هو عارف هيعمل ايه
-عينة ايه ؟! عايزين حاجة معينة
هز رأسه بالنفي :
-لا ابدا ..اي حاجة ، شعر ، فرشة سنان ، دم ، اي حاجة تقدر تجبها بس تكون متأكد منها
بعد عدة أيام بمشفى البنداري ، خرج راكان متجهًا إلى مكتب باسم الذي كان يتأهب لدخوله ..وصل بعد قليل ، يلقي ذاك الظرف على مكتبه
-افتح وشوف..امسك الظرف بأنامل مرتعشة وإذ به يهوى على مقعده
-يعني اللي اندفن مش جاسر
❈-❈-❈
فرك راكان جبينه بقوة بصدرٍ محترق :
-انضحك علينا ياسيادة العقيد، اخدوه من وسطنا بكل براعة
كان يتمتم بخفوت:
-يعني كدا جاسر ممكن يكون عايش..أردف بها باسم !!
-لا ..قالها راكان متوقفًا، مش عايزك تبني احلام وتعشم ياسين ، احنا لسة منعرفش عملوا ايه، وليه خطفوا واحد كان يعتبر ميت اصلًا، وهل لسة عايش ولا مات ..بلاش نسبق الأحداث
وإيه اللي مفروض يتعمل حاليا معرفش..قالها راكان بعجز ثم تابع حديثه :
-بندور على إبرة في كوم قش، بس انا مش هيأس، دلوقتي قدامي أمل أنه ممكن يكون عايش ، احنا لازم نعرف هنتصرف ازاي بعد ماعرفنا، وارجوك خلي بالك مش عايزين حد يعرف
اومأ له باسم متفهما
مرت الأسابيع..اسبوع يلو اسبوعٍ، والامل بدأ يتلاشى من القلوب ..
بحي الألفي كان الوضع كما هو فاليوم تم افتقاد الشهيد لمدة ستة اشهر، تقف أمام صورته وعيناها جفت من كثرة بكاؤها ..احتضنها زوجها من الخلف
-وبعدهالك ياغنى، هتفضلي كدا ..مسحت دموعها تضع رأسها بأحضانه قائلة:
-حاسة اني في كابوس يابيجاد ، وعندي أمل اني افوق منه، معرفش ماما وبابا ازاي قادرين يتحملوا الوجع دا، انا قلبي مولع نار ..كل ماابص في عيون ابنه كأني شيفاه قدامي، لحد مابقيت مش عايزة اشوفه
مسد على خصلاتها طابعًا قبلة حنون
-طيب تعالي نخرج على الجنينة شوية، عايز اتكلم معاكي .. صمت بعدما وجد رفضها ..لمس وجنتيها مردفًا:
-هسافر بكرة اصفي كل حاجة هناك وارجع ، يعني هغيب اسبوع وفي نفس الوقت قلقان عليكي ياقلبي
حاوطت جسده تضع رأسها بصدره
-أنا كويسة، هروح اقعد عند ربى شوية، زعلانة عليها قوي فقدت جنينها من قبل ماتفرح بيه
احتضن وجهها ينظر لعيناها
-أيوة عايزك قوية أنتِ الكبيرة، لازم تسانديهم، بصي لمامتك عاملة ازاي، ورغم كدا واقفة علشانكم، خليكي جنبهم وانا هخلص وارجع لك
اومأت له بهدوء، ثم سحبها وتحرك للخارج
بمنزل صهيب جلست على فراشها تتلمس صورة أخيها وعيناها لم تتوقف عن دموعها
-قولي ازاي هقنع نفسي انك مبقتش موجود، رغم الشهور مش عارفة اقنع نفسي، يابختها جنى .. حبيبتي رسمت حياتها وكأنك موجود، قلبي عليك ياحبيبي ملحقتش تفرح بحياتك
دلف عز إليها ..اقترب منها وجلس بجوارها يضمها لأحضانه
-بابا فاق ياربى ..فتح عيونه أخيرًا
رفعت رأسها تطالعه مبتسمة تحمد ربها
-ياااه اخيرا حاجة تفرح، وهو عامل ايه ..وضع رأسه فوق رأسها يضمها بقوة
-مش بيتكلم ، الدكتور بيقول هياخد وقت ..المهم هروح له أنا وأوس ونجيبه وأنتِ خلي بالك من جنى، عارف برمي عليكي حمل رغم تعبك بس انا بحاول اقف ومقعش ، بساند الكل علشانكوا ..جنى مش معانا خالص، اتكلمت مع دكتور يجي يشوفها
وضع كفيه على أحشائها
-مش عايزك تزعلي على ابننا اللي راح ، مش هيبقى اغلى من اللي اتكسرنا بسببه، على الأقل دا لسة ماطلعش للنور ..
شهقة مولعة بنار الاشتياق
-وحشني قوي ياعز، خرجت من أحضانه تحتضن وجهه
-عارف نفسي في ايه..حضن واحد بس منه، صدقني مش طالبة حاجة كتيرة، هو وجع فقدان الاخ مؤلم قوي كدا
طيب اومال الابن ايه .. حبيبتي ياماما فقدت الاتنين بنفس العمر
قطعهم صوت نهى تداعب كنان بالخارج ..نهض يضمها لأحضانه
-قومي علشان ايهم بقى شقى وتاعب ماما مع كنان ومتنسيش تعب ماما كمان ..حاسس الدنيا كلها بتسحب فيا يا"ربى" ومفيش حد استند عليه غيرك
أزالت دموعها وخرجت وجدت غنى تحمل كنان متجهة للحديقة
-"غنى"..توقفت مستديرة ورسمت ابتسامة
-عاملة ايه ياقلبي، طنط نهى قالت انك نايمة ..وصلت إليها ثم انحنت تطبع قبلة على وجنة ابن أخيها
-عامل ايه حبيب عمتو..صفق بيديه
"ماما ..بابا " رددها وهو يطلق ضحكاته، حتى رأى عز يهبط الدرج ، تملص من بين أحضان غنى
مهرول بخطواته الطفولية إليه يتمتم
-'"از ..از"توقف يفتح إليه ذراعيه حتى دلف لأحضانه للأعلى بضحكاته
يضرب عز على وجهه..ضمه لأحضانه يطبع قبلة على رأسه
-حبيب عز روح عند عمتو، وأنا هروح اجيب تشكوليت لكنان ..صفق وتحرك إلى غنى التي توقفت بدموع تغرق وجهها تتخيل أخيها وهو يحمل ابنه ..شهقة عالية خرجت منها واتجهت مهرولة إلى منزل والدها مرة أخرى
بالوادي استمعت وداد إلى طرقات على منزلها ، نهضت بعدما دثرت ابنتها بالغطاء وتحركت لتتفاجئ بعزيز متنكرًا بذاك النقاب
-عزيز بتعمل ايه هنا.!!.دلف للداخل يهدر بفحيح
-فين بنتك المحترمة قالها وهو يدفع باب غرفتها لتقوم فزعة من منامها قائلة في ايه !!
-في ايه.!!.اقترب يجذبها من خصلاتها ولم تعتريه إصابتها
-فيه اني جيت اربيكي ياحيوانة، لو مهربتهوش في اليوم إياه مكنش دا بقى حالنا ..
-شعري ياعزيز سيب شعري ..بتوجعني
ايه انت مش اخدت حقك، بص شوف لسة بطني مفتوحة بسبب واحد خسيس زيك، انت ليه مُصر اني هربته
دفعها بقوة قائلاً :
-قومي لمي هدومك ابوكي عايزك، دخلتك يوم الخميس
ابعد ايدك عن بنتي يالا، قالتها وهي تشير إليه بسلاحها
-ابعد ولا اصرخ وألم عليك الناس..اقترب بخطوات جحيمية إليها -طيب اضربي يادكتورة وشوفي هعمل لك فيها ايه...لم يرحمها ودفع السلاح بقوة من يديها بعدما ألقاها بالوسادة بوجهها ثم جذب سمر واتجه بها للخارج وسط صرخات وداد، فتراجع إليها ليدفعها بقوة ساقطة على الأرض ليصطدم رأسها برخام الدرج وتسقط مغشيا عليها..صرخت سمر تنادي باسم والدتها الا أنه دفعها بقوة بالسيارة واستقلها بجوارها يشير للرجل
- على مطروح يابني بسرعة ..تحرك الرجل بسيارته مسرعة، رفع هاتفه
-الجماعة سلموا البضاعة ياباشا ..مبروك يانعمان باشا
برافو عزيز كنت عارف ومتأكد إنك هتنجح ..قهقه ينظر لتلك المنكمشة مرددًا:
-البركة في سي غريب وخططه الجهنمية، هو وصلك ولا لا
لا لسة ..ومتصلش، نظر من زجاج السيارة وتحدث:
-متخافش يحيى كلمني وقالي أنهم داخلين عليكوا، لازم ياخدوا حذرهم
قاطعه متسائًلا:
-إزاي أقنعت الواد دا أنه ابن تاجر مخدرات
قهقه التميمي وهو يتناول مشروبه المحرم
-تلاعب بصور الظابط لمجرم بسيطة، والصراحة سمرة معلية الفولت بذكاء
هدر غاضبا :
-الموضوع دا طول ليه، أنت قولت ندخل الواد وبعد كدا هتبعد بقالها شهرين طالعة خارجة معاه، خالوا انا ممكن اقتله من غير مايرف لي جفن
-اسمعني بس الواد دا انا مش مرتاح له لازم نسيح دمه ...قطب عزيز جبينه متسائلًا:
-ياريت حضرتك توضح ياخالو !!
-اسمعني ياعزيز احنا علشان نعرف نسافر بعد مااختك تتجوز النزلاوي ، ويساعدنا في الهروب محتاجين سيولة، وطبعا احنا مش عارفين ندخل ولا نخرج من مطروح فاهدى لحد مانضرب ضربتنا في الحملة الجديدة نلم فلوسنا ونهرب وبعد كدا هنصفيه متخافش
تمام ..قالها مجبرًا، ثم اغلق الهاتف يحك ذقنه يفكر بشرود، نظر لتلك التي تبكي بجواره ..فابتسم ساخرًا:
كنتِ مفكرة انك كدا فلتي مني، بعد ماطفشتي الكلب،
رمقته باحتقار
-أنا معرفوش علشان اطفشه، افهم بقى، دا واحد جه واشتغل ومشي انا مالي، مش انتوا اللي بعتينوه
جذبها من خصلاتها بقوة:
-اومال ايه هربه قبل ما يخلص شغله، ايه اكيد عرفتي أنه جاي علشان يوقعنا
-وحياة ربنا ماكنت اعرف، واتفاجأت زيك بالظبط
رفع حاجبه يطالعها بسخرية :
-بدليل رسايل الغرام يابت
تراجعت بعيدًا عنه تنظر للخارج
-هو مايعرفش انا اللي كتبتها لنفسي
عند جاسر وصل إلى المكان المنشود، ترجل من السيارة قابله الجيار بالترحيب:
-برافو عليك يابطل، كنت عارف انك قدها وهتعرف ترجع صاخ سليم
تحرك للداخل دون حديث قابلته سمرة تلقي نفسها بأحضانه :
-حبيبي اتأخرت ليه..حمحم متراجعًا
-الطريق طويل وكان لازم ناخد حذرنا من الشرطة، المكان ملغوم جيش و شرطة، قالها وهو يدلف غرفته وهي خلفه ، نزع كنزته الشتوية وألقاها بإهمال ثم تحرك للداخل وهي خلفه، ليجذب ثيابه ..توقفت أمامه تتلاعب بصدره:
-وحشتني قوي ياغريب، ايه ماوحشتكش، ليه من وقت الحادثة حاسة إنك بتبعد عني .
رفع حاجبه مستفهمًا:
-ليه كنا بنعمل ايه قبل الحادثة معلش فكريني، قالها وهو يجذبها بقوة من خصرها لتلف ذراعها حول عنقه تهمس بالقرب من شفتيه
-كتير ياغريب، ونفسي نرجع زي الأول
تراجع فزعًا، لا يعلم ماهذا الشعور الذي يرواده، يوجد هنا بصدره ..ابتلع ريقه بصعوبة قائلاً :
-ممكن فنجان قهوة من ايدك الحلوة
انحنت بثيابها المثيرة التي تظهر مفاتنها بسخاء، تتلاعب بخصلاته
-مالك حبيبي.!! .انزل كفيها وتحدث:
-آسف سمرة انتِ عارفة موضوع الحادثة لسة مأثر ..ألقت قميصه بغضب وهدرت مزمجرة:
-وبعدين ياغريب الحادثة بقالها فترة وحضرتك كل شوية اعتذار
تمدد على الأريكة هاتفًا
-اطلعي واقفلي الباب، مليون مرة اقولك مابحبش اللي بيعلي صوته
اقتربت جاثية على الأرض أمامه
-حبيبي آسفة، ماهو إنت اللي مش عايز تفتكر حب السنين دي كلها ضيعته منتظر مني ايه وانت بتعاملني كأني غريبة..اقتربت تلمس خاصته
-حتى مابقتش تبوسني ياغريب، فين غريب بتاع زمان اللي كان بيخليني أسعد واحدة على وش الأرض..رفع كفيه على خصلاتها الذهبية
-آسف ..اوعدك هحاول اتأقلم على الوضع الجديد ..دنت حتى اختطلت أنفاسهما :
-طيب مش عايز مني حاجة ..حمحم متراجعًا
-اه..دنت أكثر تنظر إليه بإعحاب
-اؤمر ياحبيبي
-تطفي النور تعبان عايز انام عندي شغل بالليل
طبعت قبلة بجانب شفتيه تغمز له
-عيوني ياعيوني ..قالتها وتحركت بغنج أنثوي وأغلقت الباب خلفها
رفع أنامله موضع قبلتها يحركها وشعور بالغثيان ينتابه ، وضع ذراعيه تحت رأسه ينظر لسقف الغرفة
-ليه مش حاسس بالحياة دي، أطبق على جفنيه عندما شعر بصداع يفتك به ..ظل لفترة حتى غاب بنومه
بقصر البنداري
ظل يعمل على جهازه لفترة طويلة إلى أن دلفت إليه زوجته
-راكان هتفضل تشتغل لحد امتى، الساعة واحدة
-نامي حبيبي عندي شغل مهم ..اقتربت إلى أن استندت على المكتب
-لسة موضوع جاسر..تراجع يمسح على وجهه وتحدث بحزن :
-اربع شهور ومعرفناش نوصل لحاجة ،
ربتت على كتفه وانحنت تحتضن كفيه
-قوم ارتاح شوية وكمل الصبح وان شاءالله توصل لحاجة، بس من رأيي لو لقيتوا التميمي هتلاقوا جاسر،
استمع الى هاتفه :
-أيوة ..اهلا سيادة المستشار ، معايا صورة تطابق الصورة اللي بعتها
-ابعتها بسرعة يارؤوف بمكانها
لحظات ووصلت الصورة إليه
توسعت عيناه وابتسامة زينت ملامحه ثم امسك هاتفه
-فين دا ؟!.
-مطروح ياباشا، احنا كان ممكن نمسكه بس لما حضرتك طلبت لو شكينا نعديه ونعمل احتياطات ،عملت زي ما حضرتك طلبت
-رؤؤف عايز تفهمني أنه بيتاجر في الممنوعات
-للاسف ..وفيه حاجة كمان الجيش هنا عامل مناورات وتأهب ، يعني كان ممكن يموت أو يتمسك، أنا عديته زي ماطلبت
-طيب ابعت رقم العربية بسرعة
-امرك ياسيادة المستشار، بس عايز اعرف ليه عايز الموضوع سري
-الموضوع دا مهم جدا يارؤوف، والأهم لو شوفته تاني تحجزه عندك بأي حاجة دون ماحد يشك سمعتني
-تمام راكان باشا!!
بتلك الغرفة التي تطل على الحديقة، دلفت نهى بطعامه وضعته أمامه وجلست بجواره تحتضن كفيه:
-صهيب جبت لك الغدا، ياله علشان تاخد دواك
-جواد ..خرجت من بين شفتيه بتقطع وهو يطالعها بعيونًا راجية ..ابتسمت له
-جواد كويس حبيبي ، مش معقول كل غدى هروح اجيبه يتغدى معاك، سيبه النهاردة مع مراته وعياله
-"نهى ".."جواد" نهضت من مكانها وتحركت للخارج حتى لا تضعف بالبكاء أمامه، قابلها سيف
-صهيب صاحي يانهى ..أزالت عبراتها تهز رأسها بحزن
-عايز جواد ياسيف، وجواد قافل على نفسه، مبيكلمش حد ، حتى بعت له كنان مردش عليا
-طيب انا هدخل اشوفه، وانتِ لو بعتي لجواد وقولتيله صهيب عايزك هيجي ..اقتربت تنظر إليه بحزن
-كفاية عليه وجعه، مش علشان بيدوس على نفسه علشانه، يبقى احنا كمان ندوس عليه، انت شايف جنى عاملة فيه ايه
تحرك للداخل يهز رأسه
-هشوفه طيب ..دلف سيف للداخل
-مساء الانوار دكتورنا العظيم
رفع رأسه ينظر الى سيف بصمت ثم تراجع ينظر بالخارج ..جذب المقعد ووضع الطعام يقربه
-أنا جعان مأكلتش ، تخيل من كتر الشغل نسيت أكل
-امسك الملعقة ووضعها بفم صهيب اولا، ثم قطع الخبز وبدأ يلوكه ببطئ متحدثًا:
-فيه مشكلة في الضرايب ياسيدي ، قال ايه مدفعناش ضرايب بقالنا خمس سنين، بس طبعا أوس قوم الدنيا حريقة وعامل رعب في الشركة، من الصبح وحياتك وانا مع ابن اخوك زي الكتكوت المبلول
-سيف..حلمت بجاسر..وقعت الملعقة من يد سيف رافعًا عيناه التي تحجرت بالدموع
-ربنا يرحمه ياحبيبي ، هو محتاج دعواتنا ..سيف ، رددها صهيب مرة أخرى
- انا حلمت بجاسر في القبر بيعيط
أطبق على جفنيه مع دموعه التي انسابت ثم فتحهما مرة أخرى
-بيعيط علشان زعلان مننا ياصهيب، مش مبطلين عياط ليل نهار، هيرتاح ازاي ..
حرك كفيه المرتجف يمسك كف سيف
-عايز ازوره، وديني له ياسيف
-صهيب لو سمحت بلاش تقطع قلب جواد وغزل دول بيسندوا نفسهم بالعافية
-عايز أزوره ياسيف، وديني عنده لو بتحبني
ارتعشت ملامح سيف يهز رأسه بالموافقة.. قائلًا:
-طيب ممكن تتغدى علشان دواك
بغرفة ياسين كان يتحدث بهاتفه
-حاضر هشوف ياسيادة المستشار حد في المكان دا، وارد عليك ..قالها يضع كفيه على صدره يدعو الله من داخله
-يارب ..يارب
بالأسفل بغرفة مكتبه بعلامات الحزن الذي زادت من عمره أعوام فوق عمره
استمع الى طرقات فوق المكتب
-جواد ..دلفت مليكة إليه
-عامل ايه ياحبيبي..رفع رأسه يهزه
-الحمد لله..بعتلك علشان تطلعي لغزل، مبقتش قادر اسيطر على حزنها
اقتربت منه تطالعه بحزن قلبها
-وانت ياجواد هتفضل كدا..
تراجع ينظر إلى جهازه:
-أنا ايه ..أنا شغال اهو وكويس
-كويس ياجواد..تسائلت بها بأسى
-الحمد لله يامليكة، انا الحمد لله
عند جاسر خرج يسير بين الأشجار ينظر للسماء ..لكنه توقف أمام تلك الفتاة التي جذبته تتلفت حولها بخوف
-عامل ايه..دقق النظر بها ولكنه لم يتذكر شيئا ..تراجع للخلف بعض الخطوات
-مش إنتِ اللي جيتي من يومين عروسة حسين النزلاوي
تلفتت بخوف واقتربت تهمس :
-اسمعني كويس قبل ماحد يشوفنا، انت مش اسمك غريب، انت اسمك جاسر الألفي، دول عصابة خاطفينك
دنت أكثر بعدما وجد تحرك يحيى إليهما ينادي عليه
-وشغال ظابط ، لو فعلا خايف على نفسك اهرب من هنا ..وصل يحيى يوزع نظراته بينهما متسائلاً :
-فيه ايه واقفين كدا ليه
كانت نظرات جاسر على سمر بضياع ثم تحرك سريعًا يهرول بين الأشجار دون هدى
ظلت نظراتها عليه حتى اختفى من أمامهم، ثم اتجهت إلى يحيى
-كنت مفكراك غيرهم يابن عمي، هتفضل لحد امتى وانت عبد لعزيز، فوق يا يحيى وانتقم من الناس اللي سرقت حياتك وحياة ابوك
-اسكتي ياسمر لو سمحتي..اسكتي لو سمعوكي هيموتوكي
دفعته بصدره وهدرت معنفة إياه:
-اموت بشرف احسن مااموت وانا عبدة لشوية مجرمين ..بكت بدموع الخذلان وحاولت تترجاه بدموع عيناها
-طيب أنقذه يايحيى، حرام انت مستقبلك ضاع، بلاش تضيعوا مستقبله، تعرف عنده طفل، طيب انت امك و ابوك ماتوا، أهله ذنبهم ايه يعيشوا مفكرين أن ابنهم ميت
احتضنت كفيه تنظر لعيناه برجاء
-وحياة الحب اللي كان بينا يابن عمي تنقذ الظابط، وعد يايحيى هنسى كل حاجة ومستعدة اتجوزك كمان، ولو عايز تفضل شغال معاهم انا موافقة، المهم انقذه، دنت تهمس له
-طيب أقل حاجة بدل الأدوية اللي بياخدها، والله لو اعرف لاعملها،
تراجعت خطوة للخلف تشيعه بنظرة أخيرة قائلة:
-افتكر ان الناس اللي انت عبد عندهم هما اللي حرموك انك تبقى ظابط ياحضرة الظابط
قالتها وتحركت سريعًا ..هوى على الأرض يتذكر آلام الماضي التي دفنت منذ سنوات، ظل عدة ساعات وهو جالس بمكانه لم يتحرك انش واحد إلى أن رجع جاسر يجلس بجواره ينظر للبعيد متسائلًا
-إنت شغال هنا من زمان
استدار أخيرًا إليه ، وأجابه
-مش بعيد قوي، يعني خمس سنين ليه
تراجع جاسر يستند على الشجرة
-يعني كنت عارفني قبل كدا
هز رأسه بالنفي وعيناه تخترقه
-لسة عارفك قريب ، لاني مشفتكش هنا ..طالعه بصدمة:
-يعني ايه!!..هو أنا مش شغال هنا من زمان
اقترب يهمس له:
-لا ..ولو عايز تعرف متاخدش حبوب من اللي بيدهوالك تاني، ولا اي علاج سمعتني ..قالها ونهض من مكانه
دلف للداخل وجد هادي الجيار يصفع سمر على وجهها
-هتتجوزيه غصب عنك، كفاية كل شوية بنأجل، اسمعيني يابت الجوازة دي هي الحل لحياتك، يااما ادفنك ..قالها وهو يدفعها بقوة كادت أن تسقط لولا ذراع يحيى الذي تلقفها
دفعته بقوة تبكي قائلة من بين بكائها
-هموت نفسي ولا إني اتجوز واحد حقير بيتاجر في دم البشر زيكو كدا
سمر ادخلي اوضتك ..صاح بها يحيى، ثم اتجه بنظره الى عمه
-سبيها ياعمو وانا هقنعها
رمقته باحتقار تبصق بوجهه، ثم تحركت للداخل
-عمو لو سمحت سمر مش هتيجي بالشدة، وبعدين متنساش أنها هتفضل كدا طول ماطنط وداد في المستشفى ، فأنا بقترح نأجل الجواز شوية ، كدا كدا لسة على التسليم ست شهور يعني يمكن وقتها تقتنع، اما تجوزها دلوقتي وتهرب من جوزها ويقلب عليك ومتعرفش تسافر بعدها
جلس يفكر بكلامه ثم اومأ له قائلاً
-هشوف !!
بعد شهرين آخرين
مابين عشق لاذع وهجر مؤلم ذكرى مستعصية النسيان شقت القلب من الألم والخذلان، دونتها بدفترها ثم نهضت إلى رسمتها ..
دلفت غزل تجلس خلفها تنظر للذي ترسمه
-بترسمي ايه ياجنى؟!
-تفتكري هرسم ايه ياطنط غزل ، برسم حبيب عمري، أشارت إلى صوره التي ملأت المكان
-شوفي كدا ..منور الأوضة إزاي ..نهضت تمسك تلك اللوحة التي اتقنتها بعناية
-شوفتيه وهو بيعوم ازاي..قربت تحتضنها واردفت بنبرة حزينة
-وحشني قوي، بس معلش أكيد ظروفه أقوى منه
وضعت اللوحة ثم جلست مكانها مرة أخرى ..توقفت غزل إلى أن وصلت إليها ثم انحنت تطبع قبلة على رأسها
-ياريته زي ما بتقولي يابنتي، ياريته
قالتها وتحركت للخارج
بعد قليل استمعت الى طرقات الباب
دلفت نهى تضع طعامها أمامها
-حبيبتي تعالي كلي ..ظلت كما هي ولم تتحرك من مكانها ..اقتربت نهى تجذبها لأحضانها
-حبيبتي ليه مقعدتيش مع الدكتور، أنتِ عارفة دا كام دكتور يجي ويمشي
وضعت رأسها على ساق والدتها
-ماما أنا مش مجنونة، انا عايزة جوزي بس ..رفعت نظرها لوالدتها
-جاسر عايش !!
احتضنت نهى وجهها تنظر لملامحها التي بهتت بالكامل :
-حبيبتي جوزك مات من زمان، داخل على سنة يعني لو لسة عايش كان زمانه ظهر، بلاش تعملي فينا كدا
تراجعت تصرخ تجذب خصلاتها بعنف:
-ليه محدش حاسس بيا ، اضحكي عليا وقولي أنه عايش ..انا جوزي عايش ، سمعتيني..قالتها بحالة جنونية لتجذبها نهى لأحضانه تقبل رأسها باكية:
-حاضر ياجنى، جاسر عايش ..ممكن تعدي ، دلفت الخادمة بصندوق قائلة:
-مدام ..الصندوق دا جه لحضرتك
دفعته بقوة من يديها
-امشي اطلعي برة مش عايزة اشوف حد ..قالتها وهي تهوى بجسدها على الأرض..جلست نهى بجوارها
تضم رأسها لأحضانها:
-طيب اهدي محدش هيجي تاني
❈-❈-❈
ذهبت ببصرها لذاك الصندوق الذي بُعثر مافيها..بسطت كفيها تجذب تلك البطاقة بعدما تسللت رائحته إلى رئتيها ثم هبت من أحضان ولادتها تردد بصوت متقطع:
- الكارت والورد دا من جاسر ياماما..نهضت من مكانها تهرول للأسفل ، إلى أن وصلت للحديقة تتلفت حولها وتحركت تبحث بعيناها، خرجت نهى خلفها تنظر إليها بحزن قائلة:
-جنى حبيبتي ، بلاش تعملي كدا هتزعلي بابا منك يابنتي نظرت للأمام رأته من ظهره متجهًا لسيارة جيب سوداء..تحركت سريعا بأقدامها الحافية تهرول خلفه، وتصيح باسمه :
-"جاسر"..هزة عنيفة أصابت جسده عندما استمع إلى صوتها، ورغم ذاك تحرك بخطوات ضعيفة متهالكة تمنى لو يستدير إليها ولكن كيف، وصل للسيارة واستقلها قائلاً :
-سوق بسرعة..هرولت للخارج تصيح باسمه إلى أن اختفت السيارة من أمامها جثت على الأرض تبكي بشهقات، رآها عز الذي وصل للتو كادت سيارته تصدمها لولا توقفه حتى كادت سيارته بالانقلاب ، ترجل سريعا متجها إليها ينظر إلى حالتها مصدوما، حاوط جسدها يضمها بوصول والدتها إليها
-حبيبتي قاعدة كدا ليه، كانت نظراتها مازالت على أثر السيارة
أطبقت على جفنيها وانسابت عبراتها بصمت، أوقفها يضمها لأحضانه ينظر لوالدته متسائلًا:
-ايه اللي حصلها ياماما، وازاي تخرج من البيت.جذبها بين أحضانه متحركًا للداخل ، تحركت بجسدٍ خاوي من الحياة، طبع قبلة على مقدمة رأسها، ودثرها جيدًا يزيل عبراتها يهز رأسه حزنًا على ماتوصلت إليه
-ارتاحي ياقلبي، أغمضت عيناها، خرج لوالدته بغرفة كنان
-ايه اللي حصل ياماما ..أغلقت الأضاءة على حفيدها وتحركت للخارج
-جالها ورد وصندوق فتحته وفضلت تقول جاسر وخرجت برة زي المجنونة كدا، محلقتهاش خفت الولد يصحى ويعيط
مسح على وجهه بحزن
-تاني ياجنى، بعد مااتحسنت، توقف عن الحديث متسائلًا
-فين الصندوق دا ياماما!!
-في اوضتها ياحبيبي..
بالداخل نهضت من فوق فراشها، واتجهت تجذب ذاك الصندوق، أخرجت تلك البطاقة، تتلمسها بأناملها، ثم رفعتها لانفها تستنشق رائحتها، واتجهت إلى فراشها
-تتمدد تحتضن ذاك الصندوق ودمعاتها تغرق وجنتيها شهقت تضع كفيها على فمها تهمس من بين شهقاتها
-كدا ياجاسر..جنى هانت عليك ، أنا زعلانة منك قوي ..هزت رأسها تحتضن صندوقها بقوة:
-لأ حبيبي مش زعلانة بس تعالى مهلكتك وحشتها قوي قوي
بعد عدة أيام وظلت كما هي بغرفتها ولا تريد رؤية احدٍ..دلفت والدتها ..كانت تجلس بشرفتها تنظر للخارج بشرود
-شوفي ياجنجون مين اللي جه يشوفك ، روح لمامي وقولها وحشتيني يامامي ..وصل الطفل إليها
-ماما..ردد الطفل بضحكات، ظلت كما هي تنظر للخارج، اقتربت والدتها تنظر إليها بحزن :
-حبيبتي ابنك عايزك، شوفي بيمسك ايدك ، حبيبتي ابنك مالوش ذنب
أدارت وجهها إليها تحتضنه :
-جنى ابنك بيكبر يابنتي ومحتاجك جنبه، حبيبتي فوقي علشان ابنك
وضعت رأسها على ركبتيها ومازالت على حالتها قائلة:
-مش عايزاه، خديه عند جده، مش عايزة حد ، عايزة جوزي بس ياماما، تقدري ترجعيلي روحي، أنا مبقتش أنفع حد، عايشة من غير روح ، بنتك مفهاش غير جسم بس
نشجت نهى بمرار والدمع يتساقط
وخرجت كلماتها متقطعة من بكائها
-يابنتي حرام عليكي متعمليش فينا كدا ، ابوكي هيموت من الزعل عليكي..استمعت لصوت الطفل
-بابا ..بابا ..رفعت نظرها إليه اخيرا تطالعه بتدقيق ، نهضت حتى جلست أمامه
-تعرف أنا بكرهك أوي ياكنان، بكرهك علشان انت السبب في كل دا ..جذبت نهى الطفل من أمامها بعدما وجدت حالة ابنتها ونادت على عز
-عز..صرخت نهى بعز عندما وجدت جنى تحمل الطفل وتخرج به قائلة:
-إنت بتعمل ايه هنا، مش عايزة أشوفك ..استيقظ عز على صراخ الطفل وصوت والدته، هب من نومه، اتجه بنظره لربى الغافية على ذراعه، وضعها بهدوء على الوسادة،،وتوجه للخارج ، وجد جنى تهبط للأسفل تحمل طفلها الذي يبكي بأحضانها
هرول خلفها عندما صاحت والدته
-ألحق اختك ، اختك هتعمل حاجة في ابنها..نهضت روبي من نومها على صوت نهى، هرولت للخارج ، توقف عز أمام جنى
-جنجون رايحة فين ياقلبي، احتضنت ابنها متراجعة تبعده عن أيدي عز
-ابعد ياعز ، ايه عايزة أخرج مع ابني مشوار..دنى منها وحاوطها بذراعيه يجذب الطفل من بين أحضانها
-هاتي كنان ياقلبي، ماما تأكله وبعد كدا خديه مشوار، كانت نظراتها على طفلها الذي يبكي بأحضان أخيها ..اقتربت منه تحتضن وجهه
-حبيبي إنت جعان، عايز تاكل، أبعده عز عن يديها
-جنى حبيبتي ، روحي مع ربى وماما هتأكل كنان وتجيبه..دنت تجذب ابنها وصرخت بوجه عز :
-سيب ابني ياعز، محدش له دعوة بيه، ايه مفكرني هعمل في ابني حاجة ..مسدت ربى على خصلاتها
-جنجون حبيبتي، لا ياقلبي هو بس بعيط ومش هتقدري عليه لوحدك، ايه رأيك نتمشى شوية برة..قالتها وهي تنظر إلى عز الذي أومأ لها بعينيه
استدارت تحدجها بهدوء :
-لو هتوديني لجاسر هخرج معاكي
تسمرت ربى بجسدها واعتصر قلبها ألمًا عليها، فدنت تحتضنها وانسابت عبراتها
-جنى بلاش تعملي كدا لو سمحتي ، علشان خاطري ياجنى بلاش توجعي قلوبنا ياقلبي ..خرجت من أحضان ربى ثم هوت على الأرض تبكي بصوت مرتفع
-أنا مش مجنونة، انا عايزة جوزي وبس، مش عايزة غير روحي ترجعلي، انتوا ليه بتعملوا كدا
قالتها وهي تدلف للداخل وبكائها يرتفع بكل مكان ..كان يقف بقلب منفطر على ابنته التي ذهب عقلها بسبب موت زوجها، جلس على المقعد وانسابت عبراته
-مش هقول غير إلا يارب، يارب يشفيكي يابنتي ويصبرك
ربتت نهى على كتفه
-صهيب ..متزعلش بكرة هتخف وتكون أحسن
رفع عيناه الباكية
-سنة يانهى ولسة مصرة أنه عايش، البنت ضاعت يانهى، انا اتكلمت مع جواد النهاردة وأصر ياخدها المستشفى مش قدامنا غير الحل دا
توسعت عيناها تنظر إليه بذهول:
-عايز تودي بنتك مستشفى المجانين ياصهيب ..وضع رأسه بين راحتيه وهتفت بصوت متحشرج:
-عايز بنتي تخف يانهى، يوم عن يوم البنت بتضيع، البنت كارهة ابنها وممكن تعمل فيه حاجة
وضعت رأسها بأحضانه تبكي
-متقوليش بنتي مجنونة ياصهيب لو سمحت
باليوم التالي
دلف إليها جواد حازم وتوقف خلفها ليرى ماذا تشاهد ..
ارتفعت ضحكاتها مع انسياب عبراتها ..جذب المقعد وجلس بمقابلتها
-عجبك الفيديو؟!
اوي اوي ..قالتها بابتسامة حزينة
استند على الطاولة ونظر إليها
-جنى أنا مش هقولك انسيه، بس هقولك لازم تتقبلي الواقع ..جاسر مبقاش موجود
-دا عندك ياحضرة الظابط..تنهدت مبتعدة بانظارها ثم اردفت
-اطلع برة عايزة ارتاح ..
جنى اسمعيني..رمقته بنظرة نارية
-وأنا مش عايزة اسمع، اطلع برة
قاطعهم عز مقتربا منهما وهو يحمل كنان
-صباح الخير ياماما ..شوفتي مين جاي لك يصبح عليكي..نهضت متجهة إلى الشرفة ولم تكترث لحديثهم
-عايزة اقعد لوحدي..خد الولد واطلع برة وياريت تاخد ابن عمتك معاك..بلاش تعاملوني على اني مريضة ..قاطعهم رنين هاتفها فهرولت إليه قائلة
-أكيد جاسر، هو قالي هيكلمني ، ولكن خاب أملها لما وجدتها غنى
عند جاسر بعد اسبوع.. ولج لمكانه ونبضات قلبه تكاد تخرج من بين ضلوعه، أطبق على جفنيه وصورتها الحزينة لم تفارقه
هوى على المقعد يسحب وشاحها يستنشق رائحتها
-هموت واضمك ياروح قلبي، هانت ياقلب حبيبك، ولج يحيى يتلفت حوله
-جاسر جبتلك تليفون بس بسرعة قبل ماحد ياخد باله
نظر حوله بتوجس وسأله:
-جايبه منين التليفون دا ..خرج يحيى وهو يراقب المكان
-اخلص بس يارب مراتك متعملش حاجة تهد اللي عملناه..تحرك إلى ركنا مبتسمًا
-خد بالك كويس ..اومأ يحيى برأسه وتوقف يدخن سيجاره بينما دلف جاسر للداخل، فرك جبينه محاولا تذكر الرقم ..ولكن خانته ذاكرته ..فأسرع يفتح حقيبته ينظر بين أوراقه حتى عثُر على بعض الأوراق ، ابتسم بعدما تذكر عندما وضع رقمها بحروف سرية
قام بالرنين على هاتفها مرة وأخرى ولكنها لم تجيب على هاتفها ..ابتلع ريقه وشعر بغصة تمنع تنفسه ..
عند جنى احتضنت جسدها تضم قميصه وتبكي بصمت، استمعت لهاتفها ولكنها لم تعريه إهتمام، مرة وأخرى، اعتدلت عندما زاد رنينه مرة أخرى
-أيوة قالتها بصوت متقطع،
-بحبك، وحشتيني مهلكتي ..اعتدلت منتفضة تبكي وتضحك في نفس الوقت هامسة بضربات قلبها العنيفة
-جاسر..قالتها بهمس اخترقت قلبه حتى شعر بعدم سيطرته ، تمنى لو أن له جناحين ليطير إليها ويحطم جسدها بين أحضانه، همست مرة أخرى
-حبيبي وحشتني، كدا ياجاسر تبعد عني كل دا، هم مفكرينك مُت طلعوني مجنونة
-جنتي بحبك أوي، خلي بالك من كنان، افتكري دايما أنه حتة مننا احنا الاتنين ياجنونة قلبي ، بحبك مهلكتي ..قالها وأغلق الهاتف سريعا عندما فقد سيطرته بالكامل
هوى على فراشه يضع يديه على صدره يحاول تهدئة نبضاته القوية
صرخت بصوتها
-جااااسر، متقفلش حرام عليك ، جاسر صرخت وصرخت إلى أن اقتحم والدها غرفتها ، هرول إليها يجثو أمامها يضمها لأحضانه عندما وجد جلوسها بالأرض
أشارت على الهاتف :
-بابا جاسر كلمني يابابا، قولتلكم عايش محدش صدقني، شوفت يابابا جوزي عايش وكلمني
بكى صهيب على بكائها ..كانت تقف على باب الغرفة تبكي بصوت مرتفع على أفعال بنت عمها
حملها عز يضعها بهدوء على فراشها، بينما قام صهيب بحقنها وهي تردد
-جاسر عايش يابابا، هو كلمني وقالي بحبك مهلكتي، ليه يعذبني كدا يابابا، وحشتني قوي ياجاسر، قالتها واغمضت عيناها تذهب بسبات بسبب ذاك المخدر
عند جاسر
انهمرت دموعه على صوتها الحزين، يعلم أنها ستعاقبه فيما بعد ولكن يكفي انها وابنه بخير..ولجت إليه سمرة
-بتعمل إيه إيه ياغريب هنا، ازال دموعه سريعا، فرفع بصره ورسم ابتسامة
-حاسس بصداع، فقولت اريح، الحج نعمان رجع وصل ولا لسة ..دنت منه وبدأت تتلاعب بقميصه :
-لأ الحج نعمان هيتأخر، راح يزور ناس مهمين، المهم ياغريب مش ناوي بقى تلم شملنا ونعمل دخلتنا
تراجع بجسده محمحما:
-سمرة قولتلك قبل كدا مبحبش الطريقة دي، اقتربت المسافة التي أبعدها عنها حتى اختلطت أنفاسهما ولمست شفتيها وجنتيه تهمس بإغراء انثى :
-غريب مينفعش نأجل أكتر من كدا، انا بحبك ونفسي نتلم مع بعضنا، ايه انت كمان مش عايز
بتر حديثهم يحيى عندما ولج
-غريب ياله نعمان باشا بعتلنا نقابله
نهض سريعا وهو يرمقها بجانب عينيه
-هنمشي خلي بالك من نفسك، قالها وتحرك سريعًا للخارج يلتقط أنفاسه
بعد عدة ايامًا أخرى
ظلت تطالعها بعيون حزينة، وهي تعزف مقطوعتها على البيانو..نهضت من مكانها ومسدت على خصلاتها ثم انحنت تطبع قبلة مطولة على رأسها..انبثقت دموعها تهمس لوالدتها
-ماما هو ازاي الواحد يعرف يعيش من غير روحه، انا مش عارفة اعيش ياماما وهو بعيد عني..دلفت ربى وهي تحمل بعض الفواكه تضعها أمامها وجلست بجوارها
-جنجون حبيبتي ممكن تاكلي حاجة ، علشان ميغماش عليكي ياقلبي ..رفعت عيناها إلى ربى
-وايه فايدة الأكل ياربى وأنا عايشة من غير روحي..اندفعت دموع ربى كالمطر وطالعتها بعيناها الباكية
-ماهو علشان مايزعلش منك حبيبتي ، عايزة جاسر يزعل منك ياجنى ..
وضعت كفيها على فم ربى تهمس إليها
-متقوليش كدا مش هيقدر يزعل مني، انا متأكدة اصلك متعرفيش اللي بينا ايه، هزت رأسها وتراجعت
-دا مش مجرد حبيب بس..
دموع خلف دموع وهي تهز أكتافها للأعلى عندما عجزت عن وصف ماتشعر به ..أزالت عبراتها تنظر للخارج
-بينا حاجة اكبر مايكون، مش عارفة اوصفها ..تراجعت مرة أخرى إليها واستأنفت كلماتها
-هو نبض قلبي ياربى، من يوم ماخرج من هنا وانقطعت أخباره وانا قلبي واقف ..أمسكت كف ربى التي ارتفع بكاؤها
-شوفي اهو، وفرقي كويس دلوقتي بين نبض قلبي وبين لما يرجع يادكتورة، اعرفي أن اخوكي هو لجنى الحياة، وطول ماهو مش موجود جنبي يبقى مالهاش لازمة
❈-❈-❈
أزالت ربى دموعها تضم رأسها وبكت على بكاؤها
-ربنا يصبرنا ياجنى على فراقه، ربنا يصبرنا
تنهيدة حزينة ثم نهضت من مكانها
-هو موجود ياربى ، روحه حواليا بس ليه مرجعش معرفش، متعمليش زيهم وتقولي عليا مجنونة، وعارفة ومتأكدة أنه موجود
نهضت ربى من مكانها بعدما شيعت نهى بنظرة مأسوية على حالتها ثم توقفت بجوارها
-بعد الوقت دا كله ياجنى لسة مصرة
استدارت إليها سريعًا:
-حتى لو بعد مليون سنة..هفضل على أمل أنه يرجع لحد ماربنا يريحني ..
ذهبت ببصرها لصحن الفواكه ثم ابتسمت مقتربة منه لتتناول بعض حبات الكريز وابتسامة عريضة متذكرة زوجها، وضعتها تتحسس الفراولة بأناملها ولاحت بذاكرتها مافعله بها بتلك الليلة وماحدث له بسببها ..
تراجعت لفراشها قائلة :
-أنا تعبانة وعايزة ارتاح، ممكن تسبوني لوحدي
تمددت على الفراش وتكورت كالجنين وجذبت كنزته كعادتها تحتضنها بأيامها الأخيرة..
أغمضت عيناها تستنشقها، وآآآه حارقة اخرجتها جوف نيران قلبها مع دموعها التي تساقطت كاللؤلؤ من عيناها ...ضمتها بقوة تهمس
-تعبت خلاص مبقاش فيا حيل ياجاسر ، هو أنا فعلًا اتجننت زي مابيقولوا، وانت فعلا مشيت ،فعلا هانت عليك جنى تموتها كدا..
وضعت كفيها على صدرها عندما شعرت بآلامه تكتم شهقاتها التي غادرت قصبتها الهوائية بألم ككسر العظم
-لا صعب فراقك وجعه صعب، يارب ..يارب ليس ضعفًا بإيمانك ولكني اطلب رحمتك بعبدك الضعيف، ارحم ضعف عبدك وقويه يارب ..دعوات خلف دعوات إلى أن ذهبت بسبات عميق ودموعها مازالت صديقة لياليها
بعد أكثر من ساعة وهي تغط بنومها الملائكي التي تتهرب منه بواقعها المرير..شعرت بأحدهم يضع كفيه على خصلاتها ، وانحنى يستنشق رائحتها بوله ..ابتسمت بمنامها...ظل واقفًا بمكانه يرسمها بعيناه، تمنى لو شق صدره ودفنها بداخله..فتحت اخيرا شمسه وجنة حياته بعسلها ..ولكنه تسمر بوقوفه بعدما وجد شحوب وجهها ..جنته تحولت مثل المريض الطريح لفراشه ..ياإلهي من هذه ..اعتدلت جالسة تفتح عيناها وتغلقهما عدة مرات ..وهو يرسم ملامحها الذابلة وكأنها حطمت ولم يتبقى منها سوى أشلاء انثى
فاق من تأمله بعدما نهضت من مكانها تتشبث بذراعه وتدور حوله وعيناها ترسمه، هل حقا انه حقيقة أم حلمًا ..ربي لن اقو على ذاك الألم الذي ينخر بعظامي كما ينهش الحيوان المفترس فريسته
هذا روحي..نعم ..اينعم لقد رددت روحي إلي آلان ..رفعت كفيها تضعها على وجنتيه تغمض عيناها وابتسامتها لم تفارقها تهذي بكلماتها العاشقة وتهمس اسمه
"جاسر"..
همسة ملتاعة من شفتيها المرتجفتين..لتبتعد بعض الخطوات الضعيفة المتهالكة لقلبه تحدج به بحزن قلبها
-إنت واقف قدامي، يعني انت موجود وسايبني ميتة، انت برة عايش وواخد روحي معاك، دنت منه تتعمق برماديته التي تعشقها تهز رأسها ودمعاتها تتساقط من محاجرها كالنجوم المتلألئة بفصل الربيع، لتتحدث بنبرة متقطعة سريعا:
-مش مهم ، مش مهم أي حاجة ، المهم انك موجود صح ..مررت أناملها على وجهه
-إنت حقيقة صح حبيبي ، أنا مبحلمش ..رد عليا حبيبي ساكت ليه
تعثرت نبضاته من حالتها، فاقترب منها يجذبها بقوة لأحضانه يعتصرها ليذيب عظامها..
شهقة من بين شفتيها مع ارتجاف جسدها..عندما تأكدت من وجوده
لفت ذراعيها على جسده لتتأكد للمرة الألف أنه حقيقة وليس حلم رفعت رأسها تطالعه وانسابت عبراتها بقوة دون توقف فانعقد لسانها وهي تتلمس وجهه،و ابتسامة مع بكاؤها وهي تصرخ بضمه مرة أخرى تهتف اسمه بلوعة واشتياق
استمعت الى طرقات إلى باب غرفتها ..وصوت جواد بالخارج
-حبيبتي افتحي الباب عايز اتكلم معاكي
انحنى يطبع قبلة على شفتيها وهمس إليها :
-هرجع لك تاني ...قالها وارتدى نظارته وخرج مثلما دخل ..هرولت خلفه تصرخ باسمه ..
دفع جواد الباب بقدمه بقوة إلى أن انفتح على مصراعيه ينظر إليها بلهفة بعد صراخها:
-جنى !! توقفت بالشرفة تصرخ باسمه ..تحرك إليها عز سريعا الذي ترجل من سيارته وهرول للأعلى عندما وجدها تصعد فوق السور
تلقفها جواد بقوة ..بدخول عز
وهي تشير إلى الخارج وتمتم بكلمات غير مفهومة سوى اسمه الذي اخترق قلب جواد قبل اذنه عندما دلف مذعورا من صرخاتها ..ليجدها بأحضان جواد حازم وهي تلكمه بقوة وتصرخ به
-سبني عايزة اروح لجوزي ..حيوان..دفعته بقوة مع اختطاف سلاحه من خصره
-ابعد لو قربت هموتك..اقترب عز يشير بيديه
-جنى اهدي حبيبتي..ارمي المسدس
-صرخت بقوة ..ودوني لجاسر ، مش عايزة اقعد هنا
هوى جواد على المقعد بعدما خانته ساقيه وانسابت عبراته..جن جنون عز بسبب شحوب وجه عمه، فحاول الاقتراب وهو ينظر لجواد حازم
-ابعد ياجواد ..جنى هتديني المسدس ..استنى ياعز ، اقترب جواد قائلا
-جنى المسدس ابعدي المسدس، دا جاهز على الضرب، حبيبتي ارمي المسدس
ضغطت على زناده وهتفت مزمجرة بغضب ناري خرج من عيناها قبل شفتيها
-حيوان قولت لك قبل كدا انا مش حبيبة حد غير جاسر
صدمة شلت أجساد الجميع عندما اخترقت طلقتها صدر جواد ليهوى على الأرض غريقا بدمائه
صرخ عز يخطف السلاح من ايديها ..امسك جواد كفيه
-اهدى ياعز خوفتها ..أنا كويس..قالها ثم غاب عن الوعي
تراجعت تنظر لكفيها برعب مع ارتجاف جسدها بالكامل إلى أن شعرت بغمامة سوداء لتسقط مغشيًا عليها
بعد شهر ساءت حالتها وخاصة بعد إصابة جواد حازم ..وصل جواد إلى منزل صهيب ، ولج للداخل وجدها تجلس بشرود كعادتها ..أطبق على جفنيه متألمًا على حالتها، رغم مرور ذاك الوقت إلا أنها مازالت تعتقد بوجوده..اتجه وجلس بجوارها يمسد على خصلاتها ، ثم جذب رأسها يضمها لأحضانه :
-عاملة إيه ياحبيبة عمك..ظلت كما هي كأنها لم تراه ولا تسمع مايقوله
رفع ذقنها ينظر لمقلتيها :
-جنى أنتِ عارفة عمك بيحبك قد إيه صح، انهمرت عبراتها تهز رأسها دون حديث
-لازم تروحي مع بابا للدكتور حبيبتي وتحكي له كل حاجة بتحسي بيها، وايه اللي بيحصل معاكي ..ارتجفت شفتيها قائلة :
-جاسر عايش ياعمو أنا شفته وهو كلمني، انا مش مجنونة والله جاسر عايش
طبع قبلة على مقدمة رأسها وانبثقت عبرة رغما عنه واستجمع شتات نفسه:
-حبيبتي جاسر عند اللي خلقه ينفع نعترض على قدر ربنا
نزعت نفسها تبكي بصوت مرتفع تشير لقلبها :
-وأنا بقولك حبيبي عايش ياعمو، والله جوزي عايش وكلمني، انا مش مجنونة، انتوا ليه مش بتصدقوا إن جوزي عايش ياعمو، ابنك عايش والله عايش، وهيرجع والله هيرجع مش هيتأخر ، اكيد فيه اللي مانعه..قالتها وهي تجلس تحتضن نفسها
-تعالى ياجاسر عرفهم اني مش مجنونة، جنى هانت عليك ياجاسر ليه تعمل فيا كدا
بكى صهيب بالخارج على حديث ابنته ..دقائق وولج الطبيب بجوار صهيب وبعد الكشف أشار لهما
-هحجزها ومتخافوش عليها إن شاءالله تتحسن
نظرت لوالدها بصدمة:
-عايز توديني مستشفى المجانين يابابا، اتجهت لجواد الذي هرب بأنظاره
-لدرجة دي ياعمو شايفني مجنونة، ابنك عايش، انا عايشة يبقى هو عايش..صرخت متراجعة تهز رأسها:
-أنا جوزي عايش مش مجنونة ، صاحت باسمه ولكنها غابت عن الوعي عندما ضمها جواد لأحضانه وحقن الطبيب
ليتني أمتلك تلك العصا السحرية ،،لكي أحقق الاماني المركونة خلف جدار صمتك ،،،
لكنت جئت إليك بألوان السعادة من كل بلد حفنة..قام بتدوينها وقام بإرسالها
فتحت الفون بعدما استمعت لتلك الرسالة ..أطبقت على جفنيها وهي تقرأ كلماته
-على
بعد عدة أيام
تدهورت حالتها وانقطعت عن الحديث والطعام، فتح باب غرفتها بالمشفى ودلف إليها، كانت تحتضن نفسها كالطفل ونظراتها تائه كالذي لا يشعر بشيئا، حملها بهدوء، حاوطت عنقه ووضعت رأسها بعنقه تبكي بشهقات مرتفعة
-اتأخرت ليه..ضمها بقوة يطالع الذي يراقب المكان ..
-المهم اني جيت..دفنت نفسها وهبداخل أحضانه..
خدني من هنا !! ابتسم على طفولتها ثم تحرك وخرج من الباب الخلفي للمشفى ، تحركت السيارة سريعا لوجهتها، كان يضمها بقوة كأنها ستهرب منه، نظر لنومها بسبب الأدوية وطبع قبلة على جبينها ثم اتجه بنظره ليحيي
-يحيى وديني المكان اللي قولتلك عليه، وارجع انت علشان محدش ياخد باله، واعمل زي ما قولتلك
ثم رجع بنظراته لتلك التي تبتسم بنومها تهمس اسمه ، رفع كفها يقبل باطنه
-آسف ياعمري ..اسف ..قالها وهو يضمها كالأم التي تحتضن طفلها حتى وصل لمكانه المنشود ..توقفت السيارة..ليترجل منها بهدوء ملتفتا حوله ، ثم حملها ليتحرك إلا أن أوقفه ذاك الصوت الذي صاح باسمه
"جاسر"..جعل
جسده يرتجف، وعيناه على زوجته المبتسمة بأحضانه