الفصل السابع والاربعون 47 ج1 الخاتمه(4)
بقلم سيلا وليد
أرغب بك حبا وعشقا وجنونا
وقصة لا نهاية لها
احبك بعين تعشق النظر إليك
احبك بلسان لا يكتفي
من الغزل بك ..
بين نبضي وروحي أكتبك حبا
يملا واقعي
أحبك.. كشمس تشرق في حياتي لأول مره
أحبك.. للحد الذي أعلم فيه جيداً أن شجرة حبك في قلبي لن تذبل ولن تموت
وأنها ستثمر زهراً أبيض
يحمل رائحتك في قلبي..
لم يكذب حدسي حين أخبرني أنك حب العمر
وأنك قصة الحياة وسحرها
حين أخبرني أن أمالي تحققت
وأن ما وراء الابواب أصبح داخل
القلب وأن العتمة أصبحت نوراً..
لأنَّك نبتة الروح
و أقحوانة القلب ،
أهديكي قلبي يا كلي
فبداخلي أنتِي ..
مُقيمة بقلبي كزهرةٍ عتيقة بِجَوفِ كتاب
كصباح يشرق لأول مرة
ك عُمر يبتدئ بقصيدة ولا ينتهي
كتبتُك بسطر مُمتد لا فاصلةٌ
تفصلُني عنك
ولانقطةٌ أَنتهي بها..
لا زلت أعزف على أوتار حبك..
فدعيني أشدو مع وتر العشق
تراتيل جنوني بكِ..
يا ساااااادة :
وشَهَدَ شاهدٌ من نبضها
انه هو من
راودها بالأمس عن شوقه والحنين
وأنها هي
من شرّعت له أبواب قلبها قائلة :
ادخله بسلام لتكون اول وآخر الساكنين
تململ بنومه، بسبب تسلل أشعة الشمس الى الغرفة، فتح عيناه يمسح على وجهه، يستغفر ربه ليزول شيطانه.. التفت الى جميلته التي تغفو كالملاك، اتكأ مستندًا على ذراعيه، يتفحص ملامح وجهها الخلاب ابتسامة تجلت بكلامه، وتضخم قلبه كلما تذكر ليلة أمس ..رفع خصلاتها من فوق وجهها، ليتشرب ملامحها الندية لقلبه المشتعل بالغرام
مرر انامله يداعب وجنتيها ثم انحنى يطبع قبلة مطولة على وجنتيها
فتحت الجميلة عيناها تغمغم بصوتها النائم ..
-ماما سبيني أنام كمان شوية
همس بجوار أذنها
-صباح الخير ياروحي ، فتحت عيناها تقفز من فوق فراشها
-ياااه إنت جيت هنا ازاي..نهض يجذبها يضع كفيه على فمها ..
-بس يامجنونة، إيه نسيتي امبارح كان فرحنا ..نزلت ببصرها إلى كفيه الموضوع على فمه واقترابه منها بذاك الشكل، خاصة حينما وجدت نفسها شبه عارية، جحظت عيناها ، تميل بجسدها تجذب ذاك المفرش لتستر به نفسها عندما وجدت نظراته على جسدها ...لف ذراعيه حول جسدها يضمها لأحضانه واردف بصوته الأجش وهو يغرز رأسه بخصلاتها
بدّاري ايه ياحبيبة جواد، تفتكري بعد اللي حصل بينا حد يقدر يبعدك عن حضني ..ارتجف جسدها تهمس بتقطع حينما لفحت أنفاسه الحارة عنقها
-جواد إبعد بقى..تمدد يجذبها لأحضانه يطوق ذراعيه حولها ..
روح جواد ياهنايا، رفع ذقنها بأنامله ليقابل عيناها السوداوية ..
-صباحية مباركة ياهنايا، مش المفروض دا يتقال..
دفنت رأسها بصدره هاربة من نظراته، ملس على خصلاتها بحنان قائلًا:
تعرفي ياهنا، أول مرة احس بطعم الحياة، أول مرة أحس إن الحياة حلوة ،
اعتدلت تنظر لمقلتيه بتفحص متسائلة:
-حقيقي ياجواد، يعني انت سعيد بجوازنا ولا ندمان ..
انكمشت ملامحه باعتراض تجلى بعيناه ليردف ،إيه اللي بتقوليه دا ، معقولة ياهنا ..دا إحساسك بعد الليلة الحلوة اللي قضناها مع بعض ،
خايفة..قالتها مرتجفة ، ليعتدل بفراشه والصدمة قفزت من عيناه .
-إنتِ ندمانة على جوازنا ياهنا ؟!
هزت رأسها بعنف، وحاوطت عنقه تبكي قائلة :
أنا بحبك قوي بس كنت خايفة إنك تندم علشان ضغطت عليك بمشاعري، أخرجها من أحضانه ومازالت الصدمة تتجلى على أعضاء جسده !!ليه عيل ومش عارف مشاعري كويس، هنا إنتِ عارفة بينا قد إيه، بينا اكتر من عشر سنين، يعني أعرف أتحكم في مشاعري ، مش مجرد إنك تقولي كلمتين أتجوزك ، دنى من وجهها وغرز عيناه بعيناها ..
-أنا بحبك ياهنا، ومش بحبك بس لا بعشقك، وبعشق كل حاجة فيكي
ابتسمت ترفع يديها لتحضن وجهه قائلة
-أنا كمان بحبك قوي ياجواد، كنت عايزة أطمن قلبي إنك بتحبني .
دنى إلى أن اختلطت أنفاسهما يهمس بأنفاسه الحارة
"بعشقك يابنت عمي"..هنا صمتت الألسنة عن أي حديث ولم يتبقَّسوى لغة العاشقين، لغة لن يفهمها سوى المغرومين .
بمنزل صهيب ..
يتوقف أمام مرآة الزينة ينثر عطره الرجولي الجذاب ، انتهى مما يفعله ثم ارتدى ساعته وتحرك للخارج ..قابلته نهى التي دلفت للتو من منزل جواد
-صباح الخير حبيبي ..
-صباح الخير ياست الكل
تمعنت النظر إليه مبتسمة ، ثم اقتربت تحتضن ذراعه متجهة إلى غرفة المعيشة
-ياترى الشياكة دي كلها لمين .
توقف ينظر لوالدته بابتسامة عريضة
-أنا طول الوقت شيك، حضرتك مش واخدة بالك .
خطت إلى الأريكة تجذبه من ذراعيه ثم هتفت على الخادمة :
جهزي فطار الباشمهندس يابنتي
-حاضر ياهانم قالتها تلك الفتاة وتحركت بعدما رمقت فارس بنظرة اعجاب..حاوطت نهى ذراعيه
-قولي بقى حبيبي ، البنت الحلوة اللي كانت واقفة مع جنى دي ، هي نفسها اللي كلمت باباك عليها .
التمعت عيناه بالسعادة يهز رأسه
-ايه رأيك فيها ..ملست على وجهه بحنان أموي:
إبني الغالي كبرت إمتى حبيبي وبقيت راجل بتحب .
قهقه بصوته الرجولي، يحتضن كف والدته يقبلها ..كبرت امبارح ياماما، حضرتك ادتيني دوا الصبح ، بالليل لقيت نفسي شاب يافع الطول .
لكمته بصدره بخفة تضحك على كلماته
-بتتريق على أمك يافارس ,
هز رأسه ومازالت ابتسامته تزين وجهه
-ماهو حضرتك اللي نستيني في وسط الزحمة، علشان كدا مفكرة إني لسه صغير ..
ربتت على ظهره وأردفت بإبتسامتها
-باباك وافق حبيبي نروح نخطبهالك بعد عمك مايسأل عنها، وهو فعلا بيدور عليها
قاطعهم دلوف صهيب يدقق النظر بينهما ..ياترى الأم بتعمل إيه مع مدللها ..احتضنت كف فارس وهمهمت بنبرة حانية ،
كنا بنتكلم على العروسة، إيه رأيك نروح نخطبها بكرة.
استدار صهيب بنظراته متسائلًا:
-هي مش الشركة إجازة ، متشيك وعلى فين العزم ..
نهض متجهاً إلى مائدة الطعام
-رايح مع عز اسكندرية، فيه مهندس ديكور عندنا ميعاد علشان بيتي ياحج .
رفع صهيب حاحبه ساخرًا:
بيتك!! والله كبرت يابن صهيب وبقالك بيت، على العموم مااتصلتش بيه يجي ليه، علشان يعاين البيت .
جلس يتناول طعامه بهدوء، ثم أردف
-لا دا مش للبيت هنا، اشتريت شاليه صغير في الساحل وعايزه يستلمه، وبما إنه داخلين على الشتا، هيكون كويس يظبطه قبل الصيف، علشان يشتغل براحته، عايزه يعمله من أول وجديد، كأنه لسة مستلمه .
أومأ له صهيب متفهماً،ثم نهض قائلا
-كلم جوان وخليها تاخدلنا ميعاد مع عمها، عمك سأل عن الناس ولاقاهم كويسين .
-حبيبي يابابا متحرمش منك، بس خلّيالموضوع لما جنى وجاسر يرجعوا من السفر، جاسر كان قايل تلات ايام ويرجع
أومأ له وتحرك للأعلى .
-نهى هنام ساعتين مالحقتش أنام ،
-شوية وهلحقك أنا كمان، أنا قومت علشان أشوف كنان ولين .
توقف على الدرج مستديراً إليها
-جنى اتصلت ولا لأ ،اتصلت من ساعتين وطمنتها
-تمام حبيبتي ، هطلع متتأخريش
استدارت بجسدها الى فارس ..
-ليه شاليه الساحل حبيبي ؟
نصب عوده وتوقف يرتشف قهوته
-عادي ياماما ، عز اقترح وأنا وافقت
جمع أشيائه وتحرك للخارج
بمنتصف البحر وخاصةً بذاك اليخت فتحت الجميلة عيناها ، ترفع ذراع زوجها بهدوء للتحرر من قبضته ..تراجعت على الفراش تنظر بساعة هاتفها ، مررت أناملها على وجهه ثم انحنت تطبع قبلة على وجنتيه..فتح عيناه هاتفاً بصوته المحبوح : صباح الخير حبيبتي..وضعت رأسها على كتفه صباح الحب حبيبي ، ياله قوم ياكسلان الساعة اتنين
جذبها لأحضانه ،
إيه يعني إنشالله يكون خمسة حتى !!
ردت بامتعاض تلكمه بصدره ،
أوس إحنا هنفضل نايمين، قوم ياله عايزة أنزل البحر، إنت مش وعدتني هننزل البحر في الإجازة دي ..
داعب أنفها بإبهامه مبتسماً :
حاضر ننزل البحر ، وكمان نعدي على البوص الكبير حمايا العزيز ونبات هناك الليلة .
قفزت تصفق بيديها ثم انحنت تقبله ،
جذب رأسها يثبتها بكفيه يلتقط ثغرها في قبلة جامحة، ثم رفعها بين ذراعيه متحركا للأعلى ليتجول بها برحلة بحرية .
مساءً بقصر المنشاوي ..
جلس الجميع بجوٍ من المرح يمزحون على أفعال بيجاد ، قاطعهم ريان متسائلًا :
مسفرتش ليه ؟ مكنتش بتقول هتسافر مع العروسة .
ارتشف عصيره يطالع والده
بكرة إن شاءالله ، اتجه بنظره لغنى وأردف : غنى طلبت نبات هنا ونسافر الصبح من هنا ..ضمها ريان يطبع قبلة أعلى رأسها
حبيبة عمها غنى دي ..
-ميرسي ياعمو، أنا كمان بحب حضرتك جدا وبعتبرك بمقام بابا، ومن حقك علينا يكون فيه أيام لأحفادك هنا .
حمحم بيجاد يشير بعينيه إلى والده :
ريان باشا حضرتك حاضن مراتي، مش واخد بالك .
رمقه ريان بنظرةٍ مردفًا باستهحان
-مراتك إيه يالا ، ناسي انها بنتي قبل ماتكون مراتك ..توقف معترضاً يجذب كفيها ، قومي يابنتي مش لاقية غير ريان المنشاوي وتقعدي جنبه ..
توقفت ياسمينا متجهة إلى والدها
-حبيبي أنا اللي هقعد في حضنك، سيبك منه .
ضمها والدها إلى صدره ثم أردف معاتباً أوس : ينفع كدا شهرين متجوش ،
حقك تزعل والله ياعمو، أعذرني كان عندي ضغط شغل، غير الفرح وحضرتك عارف ..
ربت على كتفه قائلاً :
عارف يابني ربنا يوفقك ..نصب ريان عوده يبسط كفيه لابنته
هتمشَّى شوية مع ياسمينا، ملحقناش نقعد مع بعض في الفرح .
توقفت نغم خلف بيجاد الذي نهض قائلا:
إحنا هنطلع نرتاح شوية علشان عندنا سفر الصبح .
بعد يومين ..
بإحدى الجزر المشهور لقضاء شهر العسل ، كان يتوسد ساقيها بصدره العاري على إحدى الشواطى يحتضن كفيها ؛ إيه رأيك حبيبي في المكان ..انحنت تضع جبينها فوق جبينه ،
جواد أنا مبسوطة أوي ، إيه السعادة اللي أنا عايشاها دي ؟!!
رفع عيناه ولف ذراعيه حول رأسها ..
هنا ، أنا كمان سعيد ومبسوط بحياتنا، بتمنى نفضل كدا طول العمر .
لثمت ثغره وابتسمت تهمس له :
بحبك قوي ياجواد قوي ..اعتدل يجلس بمقابلتها، ثم جذب رأسها يضمها لأحضانه ؛ جواد مدقش السعادة إلا على إيدك ياهنون، بعشقك بجنون ..تمسحت بصدره تهمس بشغفها لعاشق روحها :
عايزاك تحبني كتير قوي قوي ، نصب عوده وانحنى يحملها بين ساعديه
..لازم أختم اعترافي بروحي وتتأكدي قد إيه إن جواد معشقش بجد غير هنا
دفنت رأسها تضحك بخجل من كلماته التي تعرف مدى معناها ..
بمدينة العشاق باريس هنا الحال يختلف على أبطالنا ، تتحرك تلك الجميلة تحتضن ذراع زوجها يتجولون بالأماكن المشهور بهذه البلدة، بحالةٍ من الهيام والعشق، وصلوا إلى إحدى النوادي الليلة التي تقام بها أشهر الحفلات بنجومها المشهورين ..دلف للداخل وهو يطوق خصرها ليصل إلى مكانهم الذي حجزه
جلست ببداية الأمر بمقابلته ، ولكنه رفع كفيه ليحركها لتجلس بأحضانه ..
ضمها بقوة لأحضانه ،
أول مرة آجي فرنسا على فكرة، مبحبهاش ..لفت برأسها لتنظر لعيناه القريبة التي تخلب عقلها : بس أنا بحبها جداً ومن وقت ماحسيت بحبي ليك ماتمنتش غير إنه أقعد هنا زي دلوقتي كدا ..
تجول بنظراته بالمكان ، كان المكان هادئ ومنظم يطلُّ على البحر ، دفن رأسه بحجابها يهمس بأنفاسه الحارة
حبيتها ياروحي علشان انتِ بتحبيها، أي حاجة بتتعلق بيكي لازم أحبها .
أغمضت عيناها منتشية بهمساته كفتاة تتعرف على حبيبها لأول مرة ؛ تقاذفت دقات قلبها بصخب حينما تابع حديثه: جنى بحبك أكتر من اليوم اللي قبله، بحس إني ماسك السما بإيدي لما تكوني في حضني ، ولما أسمع من شفايفك اللي هي بالنسبالي إكسير الحياة ، إسمي وانتِ بتقوليلي بحبك ياجاسر ..جنى هو أنا هموت علشان كدا حاسس بكل لحظة بحضنك ؟!!
دفعته تنهض من مكانها وارتجف جسدها مع انسياب عبراتها التي فشلت بالسيطرة على توقفها ؛ عايزة أروح ياله ..قالتها واستدارت متحركة مع عبراتها التي تسبق خطواتها وهي تأن بأنينٍ كالنيران كلما تذكرت كلماتهِ التي كالسيف على العنق ..
جذبها بقوةٍ لأحضانه، حاوطت خصره وارتفعت شهقاتها تردف بصوتٍ متقطع
: يارب أموت قبلك ياجاسر، يارب أموت علشان ماتوجعش بفراقك يابن عمي ،عندي الموت أهون من بعدك عني .
عصرها بأحضانه حتى شعرت بتدخل عظامها ببعضهما ؛ بعد الشر عنك ياروح جاسر ، أخرجها من أحضانه ، يزيل عبراتها بإبهامه بحنان ، ثم انحنى ليحتحز شفتيها التي ترتجف من بكاؤها حتى سلب أنفاسها ..ثم تراجع يجذب كفيها متجهين إلى ذاك المنزل الصغير الذي يستقرون به بفترة إجازاتهم .
بأحدى الشاليهات تجلس أمام المدفأة بأحضانه وهو يمرر كفيه على احشائها ،
لولو لسة زعلانة مني، أمسكت كوبه الذي يحتضنه ثم ارتشفت منه ؛
لو زعلانة مش هكون في حضنك دلوقتي ياياسين، رفعت رأسها ونظرت لعيناه
ليه خلتها تقرب منك ياياسين، ازاي وافقت على كدا ؛
جذبها لأحضانه متذكراً ذاك اليوم ثم أردف :
عاليا معرفش الموضوع جه ازاي صدقيني، انا كنت خارج من مكتب جاسر لقيتها دخلت بسرعة وبتقولي لازم نتكلم ..قربت منها وبسألها
انتي عايزة مني ايه ، لقيتها قربت وزي ماشوفتي كدا ، والله دي لحظة من الصدمة معرفتش أعمل إيه ، صدمتي شلتني ..
يعني متأثرتش ياياسين ؟!
اتأثر!! قالها بامتعاض ثم احتضن كفيها يرفعهما ويلثمهما قائلا:
عاليا من قبلماأقابلك ولا احبك موضوع ليليان دا اتحرق، وسواء اتجوزتك ولا لأ مستحيل يجمعنا طريق واحد ، أنا دلوقتي بحبك إنتِ، بعشق عاليا لعاليا، يارب تكوني مقتنعة بكدا ..
توقف يسحب كفيها ،تعالي نخرج نتعشى برة ..أومأت له وهي تتجه لغرفتها لتبديل ثيابها ..
مرت الأيام سريعاً إلى أن جاء اليوم الموعود ، المقرر به عقد قران فارس على معشوقته ؛
أمام منزلها كانت تقام حفلة تضم المقربون من الأهل والاحباب ، جلست النساء تنتظر صوت الشيخ بالمسجد وهو يعلنهما زوجاً وزوجة ..أطلقت أصوات الزغاريط ، وقامت البنات بالرقص لتهنئ العروس على طريقتها الخاصة ..استمرت الحفلة لوقت ٍليس بالقليل والجميع بحالةٍ من السعادة ،
نهض جواد من مكانه يشير إلى عز حينما فقد تنفسه ..هرول عز إلى
عمه ، مالك وشك مخطوف..سحبه إلى السيارة يهمس بتقطع :
روحني حبيبي قبل ماحد ياخد باله ..
استند عليه يتحرك بصعوبة وألما حاد يفتك بصدره .
على إحدى الطاولات كان يجلس يحمل ابنته ويداعبها ، اقتربت نهى منهما
هاتها حبيبي وقوم مع مراتك علشان تباركوا لفارس..طبع قبلة على وجنتيها ثم توقف يضعها بأحضان نهى ، تلفت حوله يبحث عن والده بعيناه، وجد والدته تجلس بجوار والدة جوان ، تجول ببصره سريعا ، لمحه من مسافةٍ بعيدة وهو يتحرك بجوار عز بصعوبة ، ابتسمت جنى تحتضن ذراعيه
جاسر: اعمل حسابك لازم نعمل حفلة عيد ميلادك يوم الخميس الجاي ومش هتنازل مهما تعترض ..ترك ذراعها وتحرك مهرولا ، حينما دار جسده ليسنده عز وهو ينزل بجسده بترنح جسد عمه، ضمه عز إلى صدره ليهرول جاسر إليه ودقات عنيفة تصخب بضلوعه ..
-با..با ..أردف بها جاسر بتقطع وهو ينزل بجسده إلى مستوى والده ..حاول جواد يحرك كفيه على كف ابنه الذي وجد الرعب بملامحه ؛
بابا جذبه بقوة من بين ذراع عز .. حبيبي إيه اللي حصل، رفع نظره إلى عز الذي انسابت عبراته يهرب من نظرات جاسر..وصلت جنى إليهما بعدما وجدت هرولة زوجها للخارج ؛
جذب جاسر عز بقوة يصرخ به
ابويا ماله ياعز ؟!
توقف عز متجها إلى السيارة ليحضرها هروبا من جاسر ، رفع رأس والده الذي شعر بفقده وعيه ..ملس على وجهه وصرخ باسم والدته التي تجلس بالحديقة ..كان ياسين يقف بجوار فارس وأوسويمزحون ، بينما جواد حازم يقف بجوار زوجته يحمل بيديه كوباً من القهوة يمازحها
بشرب قهوة أهو ، ولما أروح كمان هشربلك قهوة، علشان أسهر للصبح ؛
ركلته بهدوء ليجذبها من خصرها يقهقه بصوت مرتفع ،مما جعل الجميع يطالعونهم بابتسامة ..
نظر إليهم معتذراً، ثم نزل برأسه بمستواها:
معذورين حبيبتي ميعرفوش شقاوة الصغنن، بسط كفيه ليجذبها ولكنه توقف حينما استمع الى صرخات جاسر..هوى الكوب من يديه يتمتم باسم خاله وهرول للخارج مع هرولة الجميع إلى الخارج ..
توقفت غزل تنظر لتحرك أبنائها بسرعة باتجاه جاسر، رجفة أصابت جسدها وهي تتطلع إلى زحمة الناس التي يلتفون حول شخصٍ ما ..أنزلت كنان بهدوءٍ تتحرك بأنفاسٍ متقطعة، وصلت إليها نهى ،
غزل إيه اللي بيحصل، وليه جاسر بيصرخ كدا ..بعيون زائغة مشتتة تتطلع إلى نهى وكأنها لم تستمع إلى حديثها ..وصلت إلى تجمع أولادها ، دفعتهم بكفيها المرتجفة ، ولسانٍ منعقد تريد الصراخ قبل الحديث ، هوى قلبها وهي ترى جاسر يحتضن والده يضمه إلى صدره بوصول عز يصرخ بهم :
جاسر لازم نوديه المستشفى، قوم ياله مش وقت بكى ..
تائهة تنظر لهم بعجز من عيناها عن ماذا يتحدثون، وعن أي شيٍ يهتفون، لقد أصيبت أذنيَّ بالصمم ، أم أن عشقي لزوجي جعلني لم أعد أستمع سوى اسمه ؟!!
انحنى أوس بجوار ياسين ليرفع والده بمساعدة جاسر وعز ..توقفت كالمشلولة والرؤية تتلاشى أمامها مع ضعف جسدها، وصل صهيب إليها يحاوط جسدها ، حينما رأى ترنح جسدها
غزل فوقي ..عيناها تحاصر أبنائها وهم يحملون زوجها، ماذا حدث ولماذا ؟هل زوجها بخيرٍ أمأصابه شيئاً ؟!!
رفعت عيناها المشتتة تهمس بتقطع
إيه اللي بي..حصل يا صه..يب ؟!
تحرك وقلبه يتزايد نبضه وهو يرى أخيه ؛ولكنه عاجز لم تعد لديه القدرة على التماسك، شعر بوجود خطبٍ ما حينما شاهد صراخ عز، كان يشك أن هناك مايخفيه عن والده ، ولكنه لم يكن يعتقد أن مايخفيه هو مايصيب أخيه ..
وصل حازم إلى غزل بعدما تحركت سيارة عز بالمغادرة متجهة إلى المشفى .
حاوط جسدها المترنح من أحضان صهيب ، كانت تتحرك كالذي فقد الحياة وكل ما يتجلى على ملامحها نظراتها التي توحي بأنها لا تشعر بشيء ..
غزل حبيبتي سمعاني ..فتح باب السيارة يساعدها بالصعود،يهتف بصوت كالرعد على مليكة..
مش عايز صوت، اركبي جنبها، اللي أسمع صوتها هضربها
قالها حازم الذي على دراية بما يصير،
تلفت حوله يبحث عن ربى فأشار إلى فارس ؛
بنت عمك فين ؟ دورلي عليها ، وهاتها والحقنا ..
عند ربى كانت تجلس بالأعلى تحتسي مشروباً من النعناع يهدئ من آلام جسدها ؛ويشعرها بالاسترخاء
ربتت والدة جوان على كتفها
بقيتي كويسة حبيبتي؟..هزت رأسها تحاول تنظيم أنفاسها :
الحمد لله ، آسفة ياطنط تعبتك معايا، قلبي بس مخطوف شوية، معرفش ممكن يكون من الحمل !!
تبسمت المرأة الحنون :
ربنا يكملك على خير يابنتي .
متشكرة..قطع حديثهم دلوف جوان وعلى ملامحها الذعر، تطالع ربى بنظراتٍ حزينة
أشارت والدتها :
حبيبتي تعالي جنبها ، وأنا هنزل للناس زمانهم قلقوا ..فركت كفيها ونظراتها على ربى التي قامت بنزع حجابها ؛
معرفش حاسة إني بختنق، لا أنا هنزل تحت يمكن أشم شوية هوا، أو أتمشى شوية ..
قاطعهم دلوف فارس
ربى ..قالها فارس بلهفة وهو يدلف للداخل ؛
ياله حبيبتي لازم نمشي ..
اتجهت بنظرها إلى جوان تتطلع بتساؤل يقفز من عينيها، ظناً أنهما اختلفا فأردفت :
لا يافارس، أنا هنزل لعز وانت خليك مع خطيبتك، قالتها وهي تضع حجابها فوق رأسها بعشوائية، تجذب هاتفها .
أشار فارس لجوان بمساعدتها ، فاقتربت منها ؛
تعالي أساعدك في لف الحجاب ..
هزت راسها بالرفض ؛
لا ياقلبي أنا هنزل كدا ، كدا كدا هنزل على العربية على طول، كل اللي تحت أخواتي مفيش حد غريب، عمك وابن عمك عند الرجالة كمان ..
حاوط فارس أكتافها وتحرك بها للخارج ،تعالي حبيبتي لازم نروح مشوار مع بعض..الكل مشي مبقاش غيرنا أنا وإنتِ توقفت مذهولة تطالعه بأعين متسعة؛
عز مشي إزاي وسابني ..تسائلت والدة
جوان :
ليه مشيوا هما زعلوا ولا إيه..قالتها واستدارت إلى ابنتها بتساؤل ..
تحركت ربى دون حديث بعدما تسلل الرعب إلى قلبها عن ماحدث .
بعد قليل ترجلت من السيارة، تهرول للداخل بجسدها الثقيل ، تبكي تبحث عن أي أحد من إخوانها، هرول فارس يشير إلى جوان :
إقفلي العربية والحقينا، خايف عليها ..أومأت تساعد والدتها بالترجل .
وصل إليها فارس يضمها من أكتافها مع ارتفاع شهقاتها
-بابا ..أنا عايزة بابا يافارس ..
روبي حبيبتي ممكن تهدي، متنسيش إنك حامل ..بكت بشهقات
عمك كويس يافارس صح ؟!قولي حصل له إيه ؟..
ابتلع ريقه بصعوبة وهو عاجز عن الرد
من أمام غرفة الفحص، توقف الجميع على أعصاب كالصفيح الساخن، وكأن بداخل كلاً منهما بركان من نيران ..
وصلت ربى تبحث بالوجوه عن والدتها أو أحد من إخوانها .
تحركت كالطفلة التي تتعلم السير، تنظر بوجوه الجميع بضياع كطفلةٍ يتيمة تبحث عن والديها ..
اتجه إليها حازم الذي توقف على باب الغرفة ينتظر أحدهم بالخروج للأطمئنان ؛ حبيبتي ارتاحي، رفعت عيناها المرتجفة ،عمو حازم فين اخواتي وماما ..بابا فين؟ضمها وتحرك إلى المقعد يجذبها ويساعدها بالجلوس، يشير إلى جنى وتقى :
خليكم مع بنت عمكم ، خطت بسرعة تدفع الباب وتهرول للداخل بعدما عجز الجميع عن منعها ؛
دلفت بساقين مرتعشة وجدت والدتها تجلس بجوار والدها ،تحتضن كفيه وتضع رأسها بجانب رأسه، وهناك من الأطباء من يفحصه وآخر ينظر بإحدى الصور التي تم تصويرها وأمامه أبنائه
ياسين، أوس، جاسر..أشار الطبيب معتذراً ..
للأسف الحالة صعبة وكان من الأفضل إجراء عملية من فترة طويلة ؛القلب حالياً ضعيف ومش هيتحمل منقدرش
نجازف ..تحركت كالمجنونة، تجذب الإشاعات وتصرخ بالطبيب
اسكت ..تعرف تسكت، لكمة جاسر بقوة :
اتصل بدكتور بابا بسرعة، إنت إزايتسلم حالة بابا لدكتور جاهل !..
ضمها ياسين للسيطرة على نوبتها الجنونية ولكنه لم يستطع ، نهض عز من جوار غزل واتجه إليها ..
حاوط جسدها يخرج بها من الغرفة ، وهي تصرخ بأصواتٍ توجع القلوب
إبعد ياعز، الدكتور دا غبي مش فاهم حاجة أنا أبويا هيعيش ، ضمها بقوة محاولاً السيطرة عليها ورغم حملها وإرهاقها إلا أنه فقد السيطرة عليها بسبب حالتها ..دفعته بقوة تبكي متجهة إلى إخوتها إلى أن تدخل فارس يجذبها بمساعدته ..صاحت باسم جاسر
جاسر : أبوك لو حصله حاجة إنت المسؤول قدامي، اتصل بدكتوره، الدكتور دا غبي ..جاااااسر
وقعت عيناها على جسد والدها، لتصيح باسمه :
بابا ..بااااااباااا..قالتها مع إغلاق الباب .
وصلت جنى إليها بالطبيبة ..حقنتها الطبيبة بمهدئ خاص بحالتها ومازالت على حالتها من البكاء الهستيري
خلال ساعات قليلة تجمع الجميع بالمشفى التي يوجد بها جواد ، وشاع خبراً بوقوعه بإحدى الحفلات بسبب وعكةٍ صحية ...وصل بيجاد إلى القاهرة بصحبة زوجته بعد اتصال والده الذي أصبح ملازماً للجميع كأنه أخ ..قام ريان المنشاوي بعمل اتصالاته لأكبر أساتذة جراحة القلب بالعالم ..إلى أن توصل لأحدهم وإرسال طائرة ابنه الخاصة لاحضاره خلال ساعات، مع تجهيز كافة الاشاعات والتحاليل المرتبطة بحالة جواد الذي ذهب بغيبوبة ، ضاع بسببها الكثير من أحبائه ولم يعد لأحد التماسك، سواءً كبيراً كان أو صغير ، ارتسم الحزن على الجميع ، وساد الصمت المريب مع الظلام الحالك لحيالألفي، بعد الضحكات التي كانت تصدح بذاك المكان، أصبحت المشفى تجمع مهول من الجميع ، لما لا وذاك الرجل الخلوق لديه الكثير من الأعمال الخيرية..امتلأت المشفى من رجال الشرطة التي حاصرت المكان ، فأسد الداخلية ذات يومٍ ،الآن مسجى على فراشه كالذي ينتظر لفظ أنفاسه الأخيرة ..
هنا صيحات وهناك شهقات لم تخلُ وأعصابٍأوشكت على الانفجار .
دلف الطبيب الألماني وتم الفحص الكامل، وإعادة الكثير من الصور لحالة القلب بجميع حالته ..خرج يتحدث
إلى ريان مع توقف الجميع ..أشار صهيب بيديه لتوقف الجميع :مفيش حد يتحرك من مكانه..خطى جاسر إلى الطبيب منتظراً حديثه بقلب ينتفض بالرعب مع وقوف عز بجواره .
كنت أريد إخباركم بالأخبار الحسنة، ولكن متأسف، فحالة المريض تبدو سيئة للغاية ..هزة عنيفة أصابت الجميع، حينما ظنوا بطاقة أمل مع ذاك الطبيب ..تابع الطبيب حديثه بلكنته الألمانية: هناك الكثير من تلك العمليات نسبة النجاح بها ضئيلة حسب تحمل المريض، وهناك ..أوقفه ياسين :
لا أريد المزيد، أريد أن أعرف هل سيشفى أبي ؟
هز رأسه بأسى : أتمنى ذلك .. ولكن النسبة ضئيلة، أود أن تطمئن قلوبكم ولكن لن أبالغ بذلك ..
أومأ ريان متفهماً ينظر إلى صهيب :
لو العميلة نسبة النجاح أكتر من 20 اعملها يادكتور، مش كدا ياصهيب .
تطلع صهيب بعجزٍ إلى جاسر الذي هوى على مقعده ،وهو يشعر بنيرانٍ جحيمية تلهب صدره، عجز عن التفكير؛ عجز عن اتخاذ أي قرار ..تذكر حديث والده، ألهذا كان يوصيه على إخوته..وزع نظراته على أوس وياسين بعجز..جلس أوس بجانبه
جاسر بابا دخل غيبوبة، ولابد من العملية، كدا كدا هو تعبان، لازم نرمي حمولنا على ربنا، واللي بأيدنا نعمله
تراجع بجسده مطبق الجفنين، كيف له أن يختار شهادة وفاة والده، هو الآن يخير بين حياة والده والنتيجة واحدة أمام عيناه، مسح على وجهه بعنف كاد أن يقتلع جلده ..ربت سيف على كتفه
جاسر ياله مفيش وقت للتفكير، باباك لازم يعمل العميلة، وبما إنك الكبير لازم تقوى وتحضره للعملي
وزع نظراته بين ياسين وأوس بعقل عاجز ..نهض ياسين حينما فقد السيطرة واتجه للأسفل ..بينما أوس ربت على ظهره : أبوك جابنا للدنيا علشان اللحظة دي ياجاسر، ياسين خايف عليه هو مصدوم ولما يقعد ويفكر هيقول يعمل العملية .
ماما !!
أكيد بتهزر !! أردف بها عز بصياح
مامتك مش حاسة بحاجة ، ومهما تتكلم معاها مش هتفيدك، قوم وأقوى كدا، جه الوقت اللي تظهر فيه إنك ابن جواد ، جاسر بص على إخواتك البنات اللي منهارين ومحدش قادر عليهم ..
مرت ساعات وخضع جواد للعملية، أما غزل فقدت وعيها ولم يعد لديها قدرة على المقاومة، حينما استمعت إلى حديث الطبيب..
ساعات خلف ساعات والقلوب بهلع ، هناك من توجه للواحد القهار بالصلاة والدعاء، وهناك من أمسك آيات الذكر الحكيم يتلوها ليشعر قلبه بالاطمئنان .
وهناك من جلس يبكي على ذكريات تحملها الآلاف من المعاني ...جلست جنى بجوار جاسر، جذبت كفيها
جاسر!! رفع عيناه إليها ..
عندي يقين بالله إن عمو هيفوق، عارفة إن ربنا دايماً رحيم بينا، وإن شاءالله هيقوم بالسلامة .
أومأ لها دون حديث، وتراجع بجسده وأغمض عيناه وحديث والده يخرق سمعه..
عند ياسين بتلك الغرفة يضع رأسه على ساق زوجته مع دموع عيناه ..
مسدت على رأسه مع بكاءها، كيف لها أن تهون عليه وهي التي ضاق قلبها حزناً علىذاك الرجل الذي اعتبرته يوماً من الأيام أباً روحياً لها ..
بجوار تلك الغرفة تحتضن ركبتيها تنظر في اللاشئ ،دموع فقط تنساب بقوة، هل سيعاقبها ربها ويحرمها من والدها للمرة الثانية، شهقة خلف شهقة تدعو بسريرتها ..
"ربي إنه أغلى خلقك فلا تحرمني من حنانه"
"ربي إن والدي يتألم فلا أحد سواك منقذه، اللهم اسكب في جسد أبي نهراً من الراحة يسري في أوردته، ربي أرح ثم هوّن ثم اشفِ كل نفسٍ لا يعلم بوجعها إلا أنت يا أرحم الراحمين ..اللهم أنت الشافي المعافي، أسالك أن تزيل عن جسد أبي المرض والألم، اللهم واجعله صابرا على البلاء ..
دلف للداخل وكأنه يخطو على بلور متناثر، جلس بجوارها وحاوطها بذراعيه
غنى حبيبتي ، بابا هيقوم بالسلامة ، مش عايز يأسك دا ..
رفعت عيناها وابتسمت من خلال دموعها ..بيجاد بابا هيعيش ، عارف ليه ، علشان أنا بحبه قوي قوي، وربنا بيحبني كمان علشان كدا مش هيحرمني منه، أصل اتحرمت منه كتير، وعارفة ومتأكدة إن ربنا رحيم بعباده، طيب لما هو رحيم مستحيل يوجعني كدا..صح يابيجاد؟!ربنا بيحبني علشان كدا هيرجع بابا ، ماهو اللي تتجوز واحد زيك واللي يكون عندها عيلة زيي يبقى ربنا بيحبها ..
ضمها بقوة لصدره وانسابت عبراته :
أيوه حبيبتي ربنا بيحبك ومتأكد أنه هيكون رحيم بينا ياغنى .
بالجانب الآخر فتحت عيناها تتأمل تلك الغرفة المطلية باللون الابيض ، نظرت للذي يحتضن كفيها ويبكي بصمت ..هبت من نومها تهمس باسم والدها ..بابا، عايزة اروح لبابا ..أوقفها عز بعدما وجدها تسحب الكونالا من كفيها
ضمها بين ذراعيه يهمس لها : بابا في العناية حبيبتي ، عمل العملية ولسة منتظرين أنه يفوق .
رفعت نظرها إليه : هيفوق يابن عمي صح ؟ مش عمك هيفوق ياعز
قبل رأسها وأجهش ببكائه ،هيفوق ياروحي إن شاءالله يفوق .
مرت ساعات أخرى والحال كما هو عليه ..دلف لوالدته التي تجلس تنظر من الشرفة دون حديث، دلف خلفه صهيب وجلس بمقابلته .. ماما هتفضلي كدا ، قومي ارتاحي حبيبتي ، ليه مش عايزة تاخدي مهدئ
-تحدثت وهي تنظر للخارج : أبوك بيتوجع بقاله شهور ياجاسر وانا محستش بيه، عرف يخبي عليا، أنا إزاي محستش بجوزي، إزاي كنت بنام جنبه وهو بيتوجع ..استدارت برأسها تنظر إلى ابنها ..في عز وجعه قسيت عليه ولومته أنه خبى عليا إنك عايش !!ابتسمت مع لآلئ عيناها التي انفرطت كالنجوم ..
طول عمره أهم حاجة عنده غزل، غزل وبس، أهم حاجة غزل ماتتوجعش، أهم حاجة غزل تنام وتبقى كويسة، أهم حاجة غزل تكون سعيدةوتضحك..اقتربت من ابنها وغرزت عيناها بأعين ابنها ..
أنا مستهلش أبوك ياجاسر، النهاردة بس عرفت إني مستهلوش، كان يستاهل واحدة أحسن مني ، الست اللي متحسش بجوزها في وجعه متسهلهوش .
رفع كفيها يقبلها :حبيبتي ياماما متقوليش كدا، انتِ كمان بتحبيه ..ابتسامة ساخرة تنظر إلى صهيب :
قول لابن اخوك مين جواد الألفي ياصهيب..نهضت من مكانها قائلة
بس لازم أعاتبه وأعاتبه قوي كمان، عارفة أنه هيفوق، ولما يفوق هيشوف غزل تانية خالص ..
ربت صهيب على ذراعها : غزل ماتزعليش منه، ادعيله ولما يفوق عاتبيه براحتك ..تحركت للخارج ورغم ثباتها إلا أنها هشة، ستسقط إذا أصابتها بعض الرياح ..
خرجت وجدت هناك حالة من الهرج، وبكاء مليكة بأحضان حازم، ذهبت ببصرها الى تلك الغرفة التي يوجد بها الأطباء يحاولون إنعاش قلبه ..هرولت للداخل وكأن مشهد الثلاثون عاما يتكرر أمام عيناها، صاحت تصرخ بالأطباء وأمسكت جهاز ضربات القلب لانعاشه بعدما توقف، مرة بعد مرة الى ان انتعش قلبه ليرجع نبضه مرة أخرى ..دقائق عصيبة على الجميع مع الانهيار الحاد ، ابتسمت بعيونها ثم انحنت تضع جبينها على خاصته ..
غزل مالهاش غير جواد اللي هو اخوها وأبوها و ابنها وكل حاجة في الدنيا، سمعني ياجواد..من غيرك يتيمة حبيبي ، أنا فعلاً يتيمة، ياله ارجع لطفلتك ياحبيب غزل ..رفعت ماسك تنفسه ولم تكترث للأطباء الذين بالغرفة وقبلته قبلة مطولة كأنها قبلة الحياة تهمس له :
أنا ادتلك نبض قلبك وأنتِ اديني حياة غزل ياكل غزل ..همست بها بإذنه ، لتتحرك للخارج منه إلى المسجد تركع لربها وتتضرع، تبكي بدماء قلبها، لقد أطبقت الدنيا عليها حتى منعت تنفسها ..مرت أيام و أسابيع والحال كما هو عليه..إلى أن فقد الأطباء الأمل في إيقاظه ، فتوجه أحدهم إلى جاسر
أنا آسف ياجاسر، بس الحالة زي ماهي يابني وأبوك شكله كدا ودَّعنا، الأحسن نشيل الأجهزة من عليه ..
نظر للطبيب بصدمة ،ثم اتجه بنظره الى ياسين الذي هب فزعا يهز رأسه كالمجنون : لا لا ..صرخ بها يهرول إلى غرفة أبيه دفع الباب بقوة كطفلٍ يدخل إلى غسل والده ، وصل إلى فراشه يجثو أمامه : بابا سامعني، أنا متاكد إنك سامعني صح يابابا ؟.. أنا عيل آه عيل ومحتاج لحنانك ، أنا لسة مشبعتش منك يابابا ؛
ينفع تسيب ابنك العيل ، طيب خدني في حضنك لحد مااشبع ..
دلف راكان إليه بعد علمه بما صرح إليه الطبيب معارضا حديثه : طول مافي نفس ممنوع أي جهاز يتشال يادكتور، قالها وتحرك خلف ياسين ..
رفعه من جوار والده وأخرجه يهزه بعنف
فوق يالا، أومال سبت للبنات إيه ..خرج كالمجنون متجهاً لسيارته لحقته عاليا التي تتألم على وضعه ، فمنذ مرض والده ولم يخرج من تلك المشفى .
تحرك جاسر إلى الغرفة ، ونيران تحرق أحشائه ، يشعر وكأن أحدهم يطوقه بنيران من حديد، دلف للداخل ينظر إلى جسد والده ، كاتماً تلك الصرخة التي توغلت صدره حتى يشعر بكم الآلام التي تصيب صدره، تمنى أن ينتزع ربه روحه ، ولم يشعر بكم الآهات من بعد والده .
جلس بجواره على الأرضية يحتضن كفيه وانسابت عبراته ..
وصيتني وارتحت ياحج جواد، هنت عليك ترميني بالنار كدا، طيب استنى شوية ؛تعلمني إزاي أكونزي جواد الألفي ولا مستخسر فيا شوية التعليم ..
وضع رأسه على ذراعه
بابا ربى وغنى هيموتوا عليك، بلاش أقولك ماما عاملة إيه، لأنك أكيد حاسس بيها، اعتدل ينظر إلى والده ..
طلعت غالي قوي قوي ياجواد ياألفي، من غيرك بقيت زي الطفل اليتيم اللي من غير هدوم، اتعريت يابابا، ماهو حضرتك مالبستنيش كويس، وحضنتي وقولتلي فوق ياجاسر أبوك بكرى مش موجود، لااا ؛ كل اللي قولته خلي بالك من إخواتك، اقترب يهمس لوالده
-طيب وصيت مين عاليا ياحج جواد
أزال عبراته بدخول عز إليه ، أوجعه قلبه على حالته، فانحنى يجذبه ..
..توقف ينظر إلى جسد والده المسجى، الذي لا حول له ولا قوة، خطى بخطوات ثقيلة، وأحس بضلوعه وكأنها تنكسر ضلعاً ضلعاً لتصدر صوت أنين دون رحمة ..هوى أمام فراشه يحتوي كف والده المغروز بالإبر وتساقطت عبراته كزخات المطر ..
شهقة خرجت من أعماق قلبه المتألم ليهتف ببكاء :
بابا حبيبي ، إبنك بيضيع يابابا، أنا ضعيف من غيرك، يرضيك تسيبني كدا، وضع رأسه بجواره وبكاه كأنه لم يبكي من قبل
بقيت زي الطير اللي جنحاته اتكسرت، اتكسرت يابابا، كلنا بنموت من غيرك، علشان خاطر ربنا افتح عيونك، الحياة من غيرك وحشة قوي قوي ..دلف عز إليه يرفعه من جوار والده :
حبيبي قوم ياله، مينفعش كدا، أومال البنات تعمل إيه ..
بوجه مرسوم بالألم وقلبٍ مثقوب بعلامات الموت ، وروحٍ تأن بأنين محترق كوتر آلةٍ عتيقة أشار إلى عز ، ووجه غارقاً بدموع الحزن :
أبويا ياعز، دا أبويا وروحي وكل حياتي، دا جواد الألفي، عارف يعني إيه جواد الألفي ..ضمه عز الذي انسابت عبراته، ورفعه من فوق الأرضية بدلوف ريان المنشاوي إليهم ..
رفعه ريان من فوق الأرضية :
إيه ياولاد جواد، مالكم بالضعف دا، اجمد ياجاسر ، علشان أخواتك وأمك
خرج جاسر بمساندة عز وريان ..توقفت غزل تنظر إلى صهيب الذي جلس بعيداً عن الجميع، يبكي بصمت، فكلما تذكر حديث الطبيب يعض على يديه ألماً .. نهض من مكانه ورسم ابتسامةٍ حزينةٍ :
مفيش ياغزل، توجه الطبيب إلى صهيب :
لسة عند رأيي ياباشهمندس ..
-رأي إيه ؟!
أجابها صهيب مفيش، توجه الطبيب للحديث ولكن قاطعه صهيب
-بعدين يادكتور، واعمل زي ماراكان البنداري قالك .
صهيب إيه اللي بيحصل بالظبط محدش بيرد علينا ليه ؟!
ربت على كتفها، محاولا تهدئتها ولكن كيف له ذلك ، وقلبه عبارة عن جمرةٍ نارية ..صمت يضمها من أكتافها :
غزل مش عايز انهيارك دلوقتي لو سمحتي، فين غزل الألفي، أنا النهاردة عايزك غزل اللي رباها جواد مش اللي حبت جواد..لمح خروج بيجاد يجذب جاسر من غرفة العناية ..شعربانسحاب الأرض تحت اقدامه، بينما توقفت غزل تنظر إلى ابنها بجمود ثم اتجهت تنظر حولها كاليتيمة التي تبحث عن والديها ...هزت رأسها بعنف وتحركت إلى أن وصلت إلى وقوف جاسر وبيجاد
-ايه اللي بيحصل ..رفعت عيناها إلى ابنها الذي هرب من نظرات والدته يضغط على كف بيجاد حتى لا ينفجر بالبكاء أمامها، اليوم لابد له من القوة ..اليوم سيثبت للجميع أنه ابن جواد الألفي كما رباه والده
-لازم نشيل الأجهزة ، شهرين ومفيش استجابة ..
لحظات كفيلة إلى انهيار غزل وهي تهجم على ابنها بصرخاتٍ كالرعد ، وهو يضمها لأحضانه :
الدكتور دا بيقول ايه، إنت مش عايز تتكلم ليه ؟! دفعته بقوة وتحركت إلى داخل الغرفة ..وصلت إليه جسدٍ بلا روح ، جلست بجواره ومررت أناملها على وجهه بالكامل ..ابتسامة عذبة تنزل برأسها تقبل جبينه ثم احتضنت كفيه تقبله :
إنت وعدتني ياجواد، فين وعدك لغزالتك..ياله حبيبي افتح عيونك
هموت من غيرك..
وضعت جبينها فوق خاصته وانسابت عبراتها لتنساب فوق وجهه تهمس بأنين خافت : هستناك هنا حتى لو مية سنة ياأبو جاسر،..ظلت لبعض الوقت ثم خرجت إلى الطبيب : مش عايزة حد يدخل لجوزي، أنا هستلم حالته، بما إن حضرتك معملتش العملية يبقى مالكش دخل بيه
استمرت عدة أيام إلى أن جاء اليوم لتضع ربى مولودتها الجديدة ..بكت بأحضان زوجها بعدما استمعت إلى صوت صهيب وهو يؤذن لطفلتها ، تذكرت والدها الحنون..ربت عز على ظهرها : ربى وبعدين حبيبتي مش قولنا كله لربنا ..بلاش تعملي كدا علشان بنتك ياحبيبتي
أيام تلو أيام والحال كما هو عليه، خرجت غزل متجهة إلى المجمع الخيري ، دلفت للداخل متجهة إلى غرفتها التي أغلقت منذ سنوات ..وقامت بمهاتفة المسؤول عن توزيع العمليات :
عايزة النهاردة كل الحجز بتاع العمليات يكون قدامي
ارتبك الرجل قائلاً :
للأسف يادكتورة عندنا عجز في الأجهزة الطبيبة، ومقدرناش نطلب من الباشمهندس عز بعد اللي حصل
أي حاجة محتاجها هات أمضي عليها، عايزة اجتماع لكل الأطباء بالمشفى
بعد عدة ساعات توقفت بجوار صديقتها التي حاولت منعها : غزل ممكن تتعبي بالعملية
اتجهت بنظرها إليها : يبقى قدرها ، بس مش هسيب الطفلة دي تتعذب علشان دكتور أهم حاجة عنده إجازاته، الدكتور دا ممنوع يدخل المستشفى بعد كدا ..أشارت إليها بالتقدم
-بعدين إنتِ معايا وواثقة فيكي ، إنشاءالله العملية هتنجح والبنت ترجع لأهلها ..
بعد عدة ساعات انتهت العملية التي تم بها استئصال جزء من الكبد ، جلست بغرفتها تحمد الله على ما فعلته اليوم،
بالمشفى عند جواد ..
رفرف أهدابه على عدة مرات يهمس اسمها، ابتسمت الممرضة تدعو الطبيب إلى التوجه لغرفته ...بعد عدة ساعات انتهى من فحصه الشامل مع فرحة سعيدة على وجوه الجميع ..
غفى مرة أخرى بعد سؤاله عن محبوبة دربه ..أجابه صهيب : شوية وتيجي، قالت وراها مشوار مهم .
خرج البعض ..
مرت أكثر من ست ساعات وهي بعيدة عن المشفى ، عادت بقلبها الذي شعرت بآلامه دعت ربها أن يصيبها الله بذبحة صدرية حتى تتخلص من جميع ما تشعر به، فلم يعد لديها رغبة في الحياة دون حبيب دربها ..
دلفت كالعادة ، ولكنها لم تجد أحدًا أمام الغرفة كعادتهم، تذكرت خروج عز وربى بالصباح الباكر بسبب مولودتها .
خرجت جنى من الغرفة صدفة مع فتح غزل لباب الغرفة، توقفت تنظر إليها
جنى ، فين الباقي؟ صهيب وبيجاد فين ؟..قبلتها جنى تضمها وضحكاتها تعلو بالمكان ..
-عمو جواد فاق ياست الكل ، عمو جواد فاق وجاسر حاول يتصل بيكي ،بس فونك مقفول .
دفعت الباب سريعاً ودلفت للداخل ..توقف تنظر إلى فراشه تهمس بكلمات الحمد لله .
كحبات اللؤلؤ تختفي عبراتها خلف أهدابها، طالعته بعينيها الساحرة التي لمعت بتلك اللآلئ..خطت إليه وعيناها تعانق عيناه، وابتسامة من عينيها قبل شفتيها ، ناهيك عن تحولها إلى فتاة تبلغ من العمر عشرون ربيعاً.
خرج الجميع عند دلوفها ولم يتبق سواها بتلك الغرفة، ومعشوق دربها
أفلتت ضحكة مع لألئ عيناها، تريد أن تصرخ وتضحك وتتراقص بنفس الوقت، لقد عجز العقل بما تشعر به، رغم قرب المسافة بينهما إلا أنها شعرت بأنها أميال من الكيلومترات ..تضحك مرة وتبكي مرة حتى ارتفعت شهقاتها بالبكاء..
ود لو استطاع لينهض من فوق فراشه ،ليضمها لصدره حتى تذوب ضلوعها بين ذراعيه ..ارتجفت ساقيها ولم تعد على حملها ، توقفت تهمس اسمه مع انسياب عبراتها التي انسابت بغزارة ، كزخات المطر تخفي وجهها ..ياالله ماهذا الشعور الذي يتملكني !..هل يشعر بما أشعر به
أشار بكفيه إليها، ولكنها توقفت تعانقه بنظراتها، تريد أن تشبع من النظر إليه كطفل غاب عن والديه لأعوام
همس اسمها مع التعمق برماديتها لتهرول إليه مع بكاءها الذي اوجع قلبه، ورغم تعبه الا أنه ضمها إلى صدره ؛مغمض العينين كأن روحه عادت إليه الآن ولا يختلف الأمر لديها، دفنت رأسها بعنقه تسحب رائحته كأنها تستمد أنفاسها التي منعت عنها ، مسد بذراعه الحر على ظهرها بصوته المرهق ، هنا فاقت من لحظة اشتياقها تبتعد عنه متألمة عند انقطاع أنفاسها مرة أخرى ،
أشار إليها لتضع رأسها على ساقيه
لا تريد شيئًا سوى التنعم بأحضانه
دنت تهمس إليه :
استعد يابن الألفي لأني مش هتنازل عن قتلك فيا الشهور دي، هعرف اخد حقي منك كويس ..
ابتسم يهز رأسه وأغمض عيناه هامسًا لها : من إمتى وأنتِ بتتنازلي عن حقك فيا ..لمست خاصته تلمس وجنتيه
حسابك عسير أوي معايا ياجواد، ومش هزار ابداً، هعرفك إزاي تبقى مريض وتخبي على غزالتك، بس الحق مش عليك بس، الحق على قلبي اللي محسش بيك، من إمتى وقلبي بقى قاسي كدا ياجواد، لازم أعالجه .. شكله عايز علاج ياأبو جاسر
أغمض عيناه وهمس مابين النوم واليقظة : سلامة قلبك ياقلب جواد.
قالها وذهب بنومه مرة أخرى لتحتضن كفيه تقبله تحمد الله ، على كرمه
مرت الأيام وحالة جواد بالتحسن ولا تغيب مشاكسة بيجاد وعز إليه أثناء مرضه ومكثوه بالمشفى ..
مكث جواد مايقارب الشهرين بالمشفى، وذلك بناء عن تعليمات غزل،
ذات صباح فتح عيناه وجدها تغفو بجوار على المقعد، اعتدل يهز كتفها بهدوء ، غزل ..فتحت رماديتها لتهب فزعة
-حبيبي فيه حاجة ، مالك فيه حاجة بتوجعك ...!!
أشار بكفيه مع ابتسامة بعينيه التي ذبلت كثير بسبب مرضه
نهضت مقتربة منه ، أشار إليها بالصعود على الفراش ..رفضت في بادئ الأمر إلا أنه أصر قائلا:
-تعالي في حضني شوية وحشتيني ..صعت لتجلس بجواره ..حاوطه بذراعيه كالطائر الذي يحاوط وليده بأجنحته
ضم رأسها لأحضانه واطبق مغمض العينين
-كنت خايف مقومش ياغزل علشانك ، رفعت رأسها تضع ابهامها على شفتيه
-اسكت ياجواد، بلاش توجع قلبي أكتر ماهو موجوع ..انا عايزة أفقد الذاكرة علشان مافتكرش مريت بأيه ..انت مش جوزي بس ، انت الحياة لغزل
فرد جسده مع ذراعه يشير إليها بعينيه
-نامي في حضني أنا بقيت كويس، عايز ارجع بيتنا ياغزل، بلاش القعدة دي
وضعت رأسها على ذراعه تهمهم بإرهاق
-بكرة حبيبي ، لازم اعملك شيك كامل علشان قلبي يرتاح
بعد فترة ولجت ربى وهي تحمل ابنتها ، طرقت الباب وفتحته تنظر إلى والدتها التي تغفو بأحضان والدها، تراجعت متجهة للخارج ولكنها توقفت على صوت جواد
-تعالي حبيبة بابي ...تحركت وابتسامة عذبة مع عيونا لامعة ، إلى أن وصلت إليه ، انحنت تقبل جبينه
-عامل ايه النهاردة ياحبيبي
رفع كفها يقبله
-أنا كويس ياحبيبتي ، أشار الى ابنتها
نزلي رنيم هنا عايز ابوسها
-هتتعبك ياحبيبي
نزلي البنت ياروبي ..وضعت على ذراعه الاخر، ليرفعها إلى وجهه يقبلها
-الله اكبر ربنا يباركلك فيها ياحبيبتي
دلف ياسين مبتسما
-ياصباح الانوار على جواد باشا الألفي
-صباح الخير حبيبي..جذب المقعد ينظر إلى والدته الغافية
-جاسر هيجي كمان شوية علشان ياخد ماما، لازم تبات في البيت، الإرهاق دا غلط عليها ، وانا هبات مع حضرتك ، حاول تقنعها
-هقنعها بحاجة احسن ، المهم مراتك هتولد امتى
-بعد اسبوعين إن شاءالله
-لو جابت ولد سميه ادهم ياياسين، شوفت ، جالى رؤية بكدا ياحبيبي
ابتسم قائلا
-طيب لو بنت
اتجه بنظره الى والدته قائلا:
-كنت ناوي أسمي جواد يابابا، لكن بدل حضرتك عايز ادهم على خير الله ، بس لو جابت بنت هسميها غزل ومش عايز اعتراض
مسدت ربى على خصلات ابنتها
-تقوم بالسلامة ياحبيبي وعلى العموم الطفل بيكون مقدرله كل حاجة
بعد عدة ساعات
عاد جواد إلى حي الألفي الذي فاحت به رائحة الورود وانطلقت به الضحكات مرة أخرى ،دلف إلى منزله يطبق على عينيه يستنشق رائحة المنزل بعدما شعر بأنه فقد روحه
تجمعات كثيرة وتهنئات سعيدة لعودة ذاك الرجل الخلوق ..
أيام خلف أيام وشهور خلف شهور إلى أن أستعاد جواد عافيته الكاملة ، ووضعت عاليا ابنها ادهم
ذات مساء بحديقة منزله بفصل الخريف ..جلس فارس بجواره يضع ديثار ثقيل على أكتافه ، ثم جلس بجواره
-حضرتك عامل ايه النهاردة!!
ضم رأسه يشاكسه
-حضرتي عايز افرح ، والفرح يدخل الحي من تاني، كلم عم مراتك وحدد الفرح على اول الشهر إن شاءالله
التمعت عيناه بالسعادة، ثم قبل كتف عمه
-ربنا يبارك لنا في حضرتك ..ربت جواد على ساقيه
-آسف حبيبي أجلت فرحك بسببي
هز رأسه رافضا حديثه
-ابدا ياعمو، متقلش كدا ياحبيبي ، المهم تكون وسطنا وصحتك كويسة
مرت الايام سريعا الى أن
جاء اليوم الذي سيتوج به فارس بعروسه المنتظر، ومالك المنشاوي بتقى الألفي ، يوم انتشرت السعادة بذاك الحي والجميع يعمل على ساقًا، فاليوم مختلف يوم يجمع اكبر عروسين، وهو مالك ريان المنشاوي ابن اكبر رجل اعمال بمصر والشرق الاوسط، على ابنة جواد حازم التي لا تختلف قيمة ومكانة عن زوجها، التي تم خطبتها منذ اكثر سنتين ، ولكن تم تأجيل حفل الزفاف إلى أن تنتهي من دراسة السياسة والاقتصاد، ولا ننسى فارس عائلة الألفي واخر ابنائها ، يوما جميلا محمل بالمباركات السعيدة، لما رأته من تلك الاسرة،..أنارت الحديقة بألوانها الملونة وصدحت الاغاني لزفا نجل لأكبر عائلتين ..، وعلقت تلك اللافتات التي يدون عليها
قبل يوما من الحفل الاسطوري
..نهض بكسلٍ من فوق فراشه يبحث عن معشوقته ولكن تذكر ما فعله به صهيب حينما وضع إليه حبة منوم ، عندما اعترض على مبيت زوجته بمنزل والدها، بسبب خناقه مع عز ..تذكر دلوفه لمنزله الجديد ليتفحصه بعدما فرش أثاثه، دلف للحمام ، ولكنه خرج سريعاً وقامت مناوشات بسبب تغيير عز لديكور حمامه الذي اختاره ولم يتركه سوى ما وصل إليه قائلا:
-علشان يبقى تمشي بكيفك ياحلوف
قهقه عز يشير إلى بيجاد وصهيب
-والله عم اللي رشحوا البانيو دا، قولت لهم جاسر هيرفض ابو حوضين أصله قرموط وبيحب يعوم براحته ..
لكم عز بقوة عندما فقد اعصابه، ثم اتجه إلى صهيب الذي يجلس يحمل ابنته يداعبها :
وبعدهالك ياعمو، ماتبعد عن حياتي انت وابنك والحلوف بيجاد
خير ياشملول ..قالها صهيب بشماتة لأنه على دراية بما فعله عز وبيجاد ..
انحنى يجذب ابنته يجز على أسنانه
ابنك الحلوف لو مرجعش الحمام زي ماطلبت ؛ وحياة أبويا اللي لسة راجع من الموت لأخدها ونعيش في الوادي الجديد، أقسم برب العزة أعملها ، ومحدش يقدر يوقفني ،فزي الشاطرين كدا ترجعوا كل حاجة ، واياك حد يقرب مني بعد كدا ..
انحنى يهمس لعمه:
بنتك هتفضل في حضني حتى لو بنيت خرسانة مش بانيو تافه بحوضين، وانسى إنها تبعد ساعة مش يوم ..حمل ابنته وتحرك يغمز إليه بعدما وجد الصدمة على وجهه صهيب قاىلاً :
-هبعتهالك بكرة ياصهيوب علشان ناوي أعسل في حضن بنتك ، ماهو لازم كل فرح أعمل شهر عسل تعويض على السنين اللي بعدناها عن بعض ، وآه ياصهيوب عينك المدورة دي أبعدها عني، أنا مبهمنيش غير إن مراتي تبقى في حضني ..قالها وتحرك وهو يطلق صفيراً.
أتى المساء وجلس الشباب لتوديع فارس بحفلة مخصصة ،
مع مزحاتهم ورقاصتهم التي ظلت لقرب الفجر، مع تجمع السيدات بمنزل جواد لأحتفال كذلك ...مرت الليلة سعيدة على الجميع، ولكن هناك من يفكر لمقلب لزوج ابنته المغرور
وهنا كان لعبته ليضع إليه تلك الحبة ليغفو بجوار عز بحديقة المنزل للصباح الباكر، فتح عيناه بتثاقل ثم نهض فزعاً عندما وجد عز بجواره، استمع الى صوت صهيب المتجه إلى منزل جواد :
اعمل حسابك ياعمو، جنى هتفضل في حضني مستحيل تبعد ساعة مش يوم..غمز إليه قائلا :
جنى نايمة في حضن أبوها طول الليل اشرب ياحضرة الظابط واعرف بتلعب مع مين يالا ..
فاق من شروده على صوت كنان باسمها بالاسفل :
-مامي أنا هلبس وأروح عند أيهم ورنيم، قبلته تشير إلى مربيته :
-خلي بالك منه، وجهزيه لبسه فوق، ومتنسيش لين ..أومأت لها وتحركت ..استدارت للمغادرة وجدت من يحاوط جسدها ..رفرفرت بأهدابها تبتعد عن نظراته قائلة :
جاسر وسع كدا ..
انحنى يشير إلى شيئٍ ما
-نفذي الاول ..تلفتت حولها وغمغمت باعتراض :
إنت مجنون عايز تفضحنا
احتجزها بذراعيه بينه وبين الجدار
مش هتتحركي ياجنى لما تنفذي..داعب وجهها بأنفه يهمس لها :
وحشتيني على فكرة، وأبوكي دا ظالم ..رفعت كفيها على وجهه
وأنت كمان وحشتني قوي، دنى أكثر ليحتضن ثغرها، حاوطت عنقه بعدما نجح في ماوصل إليه ..
إنت يامتخلف ..تراجعت فزعة للخلف وهي تنظر للأسفل بخجل
اقترب جواد منهما :
هو انتِ يابنتي هبلة ! ماهو دا مش حب دي طفاسة، يعني البيت مليان ناس، وانتوا خلاص مبقاش عندكم شوية من الاحمر ؟!!
ولا أخضر وحياتك ياحمايا، صدقتني لما قولت لك ابنك هتمسكه بفعل فاضح، جبت حاجة من عندي، شوية وتلاقي المواقع الإخبارية وخلف الأسوار وعناوين للقنوات الفضائية ..
الشاب الذي مُسكَ بفعلٍ فاضح في منتصف منزل والده وهو يقبل زوجته وهي تختفي خلفه ..
ركله جاسر يجز على أسنانه :
افصل يامتخلف، اقترب جواد يجذب جنى من أحضانه :
اطلعي ياشملولة اجهزي، الفرح هيبدأ والله اللي بيعمله صهيب تستهالوه انتوا الاتنين، رمق بيجاد : وانت ياخويا روح اجهز متحسسنيش إنك شيخ جامع
قهقه بيجاد يحتضن ذراعه :
استاذي وافتخر والله ياحمايا، هو فيه سؤال تاريخي وبما إنك الخبرة هتقولي إجابته ، اتجه بنظره لجاسر وأردف ..
الواد المنفلت دا ، جايب قلة الأدب دي كلها منين، عندكو حد في العيلة الكريمة كان منفلت كدا ؟!!
استدار إليه جواد ، ورمقه بنظرة صامتة فابتعد بيجاد يقهقه يضرب كفوفه ببعضهما :
-والله سؤال برئ، مش محتاج نظراتك دي، ماهو بيقولوا الإنفلات أصله منفلت صغنون ، كبر وتشعب ليصبح عنده كذا منفلت نجمعهم على بعض يصبح منفلتون...أمسكه جاسر من ياقة قميصه:
ويضرب برضو يابو لسان طويل
قهقه وهو يضمه ثم همس إليه :
-يابني بحب انرفز ابوك، متبقاش غبي .
مساء تجهز الجميع لحضور الحفل الأسطوري ، تم إعداد حفل اسطوري كما يقال، ليجمع نخبة من اشهر المطربين العرب، ليصدح صوتهم بحي الألفي بعد رفض جواد أن يتم الزفاف خارج الحي، وكذلك شاركه ريان حتى يرجع الفرحة بقلوبهم بعدما انا تناست مايقارب عاما
تراقصت الفتيات أمام العروس بالمكان المخصص لهما، لفترة من الوقت إلى أن جاء موعد تسليمها لزوجها فيما جلب فارس جميلته ، ليذهب كلا منهما إلى مكانه المخصص، بدأت فقرات الحفل برقصة العروسين لفترة، ثم بدأ الأقارب يشاركونهم رقصتهم
بسط عز كفيه إلى زوجته
-ام أيهم تسمحلي بالرقصة دي ..ضحكت بجمال روحها وتوقفت بردائها الأبيض الذي جعلها كالفراشة الحرة..تقدم بها إلى مكان العروسين ليشاركهم فرحتهما
لف ذراعيه حول خصرها يجذبها لأحضانه، دافنا وجهه بحجابها
-روبي خاطفت انفاس عز، انا سعيد يمكن اكتر من سعادة فارس نفسه
أغمضت عيناها عندما علمت مايشير إليه
-أنا وعدتك ياعز زمان ، مفيش راجل هسمحله يقتحم قلب ربى غير عزها وفارس أحلامها
دنى من شفتيها لتختلط أنفاسهما هامسًا
-"بحبك" ابتسمت تنظر لعيناه وترد عليه قائلة
-وأنا بعشقك ياابو أيهم ...على الجانب الآخر
-طيب قوليلي هعمل ايه بعد مالجمال دا كله هيكون في حضني الليلة
-فارس، بس بقى هزعل وربنا ، انا اصلا مش قادر اقف، فعلشان كدا ضمني كويس
ألصق جسدها بجسده يهمس ببحته الرجولية
-دا المطلوب يروحي، تبقي جوا حضني
-فارس بس بقى...قلب المسؤول عن فقرات الحفل اغاني رقص شرقي لتقترب فتيات الألفي هروبا من ازواجهم ، يلتفون حول العروسين، تقى وجوان وبدأ يتراقصون على الأغاني الشعبية
توقفت غنى بالمنتصف وبدأت تتمايل بجسدها لتشجع الباقي على الرقص والصرخات العالية ، مما جعل هناك أعين نارية بعدما توقفت جنى بردائها الاسود الحريري بمقابلة تقى وبدأت تتمايل على نغمات الموسيقى، دارت الفتيات بحلقة عليها لتظر للجميع على رقصاتهما ..اقترب مقتحم المكان ، يجذبها من رسغها بقوة، وهو ينظر للجميع بابتسامة تكاد تظهر ، ثم تحرك بها بعيدا عن الجمع
بينما أكملت غنى وتقى رقاصتهما وهي تغمز لبيجاد الذي رمقها بنظرة تفهم معناها، ولكنها لم تكترث وظلت الفتيات يحتفلون بالعروسين إلى أنهكت
قبل قليل بعدما جذبها جاسر وخرج بها إلى الجانب الهادي ، دفعها على الجدار، حتى كادت أن تسقط ..ثم فجأة جذبها بقوة لتصطدم بصدره متأوة
-جاسر فيه ايه
مش عارفة فيه ايه يامحترمة، ضغط على خصرها بقوة لتدفن رأسها بصدره تصرخ من قوة ضغطه
-فيه انك مالقتيش راحل يحاسبك وانت قاعدة تتمايل بجسمك اللي عايز اولع فيه..اشار إلى فستانها الذي أظهر مفاتنها بسخاء
-كنت رافض الفستان دا من الاول، معرفش ايه اللي خلاني اتزفت اوافق عليه ..تلألأت الدموع بعيونها
-على فكرة الكل بيرقص، حتى اخواتك بيرقصوا كمان..جز على أسنانه
-اخواتي ليهم رجالة تحاسبهم، أنا ماليش دعوة، أنتِ ملكي انا مش هما، بدل اتجوز ماليش احاسبهم في وجود اجوازهم
دفنت رأسها بصدره وانسابت عبراتها وهو مازال يعاقبها بالضغط على خصرها ..سحب كفيها وخرج من الحفل ، وقاد بها السيارة حتى لا يفقد أعصابه عليها، عقابها أشد عقاب بمنع اكتمال فقرات الحفل، ذهب إلى النيل وتوقف أمامه بالسيارة والصمت سيد الموقف..تراجعت بجسدها تنظر لمياه النيل بصمت ، استدار إليها
-عارف قسيت عليكي بس دا الصح، من امتى وانتي بترقصي كدا قدام الكل ..دنى يجذب رأسها يلمس ثغرها بخاصته
-عايزة ترقصي، يبقى ترقصيلي انا أن شالله من غير هدوم، وعد من بكرة هجبلك بدلة رقص علشان استمتع بمراتي، مش قادر اتحمل فكرة إن حد يشوفك كدا..قبلة مجنونة يهمس بانفاسه المتسارعة
-إنت ملك لجاسر وبس، موتي على الجملة دي ...قالها واستدار عائد للحفل..