الفصل الواحد والاربعون 41 ج2
بقلم سيلا وليد
تحرك خطوة للخارج ثم توقف
-عايز رقم بابا لازم أكلمه ..اقترب منه مستاءً وحدثه بنبرة رافضة:
-مينفعش انت كدا بتكشف نفسك
استدار إليه واجابه دون تردد
-ابويا لازم أقابله في اسرع وقت، هاتلي رقم تليفونه بقولك
جز راكان على أسنانه يتمتم
-غبي ..عارف مش هخلص منك
امسك هاتف وبسط يديه
-دا تليفون متراقب مني ، مستحيل حد يعرف يدخلك منه، لو حد حاول يراقبك منه هعرف، وعلى فكرة عز ابن عمك اللي عمله
هز رأسه وابتسم
-طول عمره عفريت ..خطى إليه يلكزه
-إنت بتلعب بيا يالا ..يعني افتكرت
كان يطالع الهاتف وكأنه لم يستمع لحديثه ..فلكزه بقوة
-بكلمك على فكرة ..دنى منه جاسر وابتسامة ساخرة تجلت بملامحه
-تخيل افتكرتهم كلهم الا انت . تفتكر ليه يمكن علشان واحد مغرور وبارد
دفعه بقوة حتى تراجع بجسده وارتفعت ضحكاتهما:
-ماخلاص عرفنا انك التنين المجنح
توقف يطالعه بصمت لا يعلم ايسعد ام يحزن
بعد عدة ايام اخر
دلف راكان إلى حي الألفي وتوقف أمام البوابة الرئيسية
-ايه ادخل ولا تفتشني .
ألقى الضابط تحيته العسكرية يشير لأمن البوابة
-افتح لسيادة المستشار يابني..دلف للداخل وهو يتحدث إلى جاسر المستلقي بداخل السيارة
-أنا هوقف العربية قدام بيت عمك صهيب واحاول أشد الإنتباه ..اتمنى ياجاسر متعملش حركة تضيع تعبي، ربع ساعة بالكتير هتطلع اوضة مراتك هي مابتنزلش تحت دا اللي فهمته من ياسين ومن امبارح من وقت مابعت لها الورد وهي مش على لسانها غير انك عايش ..طمنها وانزل ، حاول ماتتخطاش الوقت علشان اعرف احتوي الدنيا تحت
اومأ متفهما وترجل راكان من السيارة، بجوار زوجته التي رمقت جاسر بابتسامة، بقدوم جواد يجاوره حازم وسيف لمقابلتهما
تحرك جاسر صاعدا للأعلى سريعا في الوقت الذي انتبه الجميع على زيارة راكان برفقة زوجته إلى منزل جواد بسابق موعد
❈-❈-❈
فتح باب الغرفة بهدوء وقام بإغلاقه ظل يطالعها لبعض الوقت، جلس على ركبتيه وعيناه تفترسها ، ثم انحنى يطبع قبلة على جبينها فتحت عيناها بعدما شعرت بوجوده ..ابتسمت ظنا أنه يراود أحلامها
-"وحشتيني"..قالها بعيونا محتجزة بالعبرات ..نهضت من مكانها تردد اسمه
-"جاسر"انت هنا حقيقي
استمع الى طرقات على باب غرفتها ..فجذبها يطبع قبلة على خاصتها واتجه إلى الشرفة ينظر للخارج وهي خلفه تنادي باسمه
-جاسر متمشيش لو سمحت ..قفز من النافذة ليصل إلى سيارة راكان بدخول جواد حازم بعدما دفع الباب بقدمه يصيح بعز على صرخات جنى
حاول منعها عندما وجدها تتجه إلى الشرفة لتلقي نفسها ..صرخ جواد حتى تجمعت العائلة بذاك الوقت استأذن راكان مغادرًا حي الألفي
لحظة فقدت جنى عقلها عندما استمعت الى كلمات جواد حازم وهو يشير إليها بالقاء سلاحه لتربط كلامه بكلام عمه وتشعر بنيران تشعل صدرها لتطلق طلقة نارية تخترق صدره جواد
دقائق من الهرج والمرج وهي تصرخ بالجميع إلى أن فقدت قواها وسقطت مغشيا عليها ليتم نقل جواد إلى المشفى..
باليوم التالي بغرفة جواد حازم بالمشفى ..فتح عيناه يردد اسمها ، توقف جواد مقتربا منه
-حمدالله على السلامة حبيبي..اومأ بعينيه يردد اسمها
-جنى..ربت جواد على كتفه
-هي كويسة متخفش، ملحقتش تعمل حاجة في نفسها..اقتربت مليكة تبكي
-حاسس بايه ياحبيبي
ابتلع لعابه محاولا الحديث ولكنه لم يقو ليغمض عيناه مرة أخرى
بعد فترة عاد جواد إلى منزل صهيب ومعه الطبيب، توقف أمام صهيب
-لازم الدكتور يشوفها مبقاش ينفع اتركها كدا
هز صهيب رأسه بعجز وانسابت عبراته
بعد فترة عاد جواد إلى منزله مصطحب بجواره ذاك الصغير
بغرفة غزل، جلست ربى بجوار والدتها
-ماما حبيبتي محتاجة شوية مراجعات وسديهات ، المناقشة قربت وأنا معملتش حاجة
رفعت عيناها إليها:
-حبيبتي ماليش نفس لحاجة، ممكن تسيبي ماما ترتاح شوية ..احتوت كف والدتها بحنان واستنكرت حديثها :
-فين دكتورة غزل القوية اللي مكنش حاجة تهزمها، لو سمحتي ياماما أنا محتاجكي الايام الجاية قوي، انا تعبانة قوي ياماما
ثقل تنفسها تنظر لأبنتها بعجز ورجفة قلبها من حزن ابنتها البائن بملامح وجهها بعدما كان يشع بالفرحة والحبور
لتتحول ملامحها إلى الحزن والعبوس وكأن عمرها تخطى الأربعون
فتحت أحضانها لأبنتها
-تعالي حبيبتي..أطلقت العنان لتلقي نفسها بأحضان الحنان ..ولما لا و حضن الام افضل مكان لنزع الخوف والشعور بالحنان..ربي يرحم والدتي وأمهاتكم جميعا
مسدت غزل على رأسها تقبلها :
-ألف سلامة عليكي حبيبتى ، عارفة قصرت معاكي وشيلتك حِمل تقيل، قطع حديثهم دلوف جواد وهو يصطحب كف الصغير
-مين جاي يزور النانا الجميلة ..هرول كنان إليها بخطواته الصغيرة يتمتم بصوت طفولي وهو يصفق:
-نانا ..نهضت من فوق فراشها سريعًا تفتح ذراعيها
-قلب وعيون نٓانا ..ضمته بقوة لأحضانها تستنشق رائحته وكأنها تستنشق رائحة حبيب الروح، ولما لا والابن المفقود هو الروح المفقودة ..حملته متجه به إلى ثلاجتها الصغيرة تجلب إليه الشيكولاته، ثم جلست فوق الأريكة ووضعته بأحضانها
-حبيب نانا عامل ايه النهاردة..أشار إلى أسنانه
-اوف اوف ..ضمت وجهه تقبلة بقوة
-هنا اوف اوف ..رفعت عيناها التي لمعت بالسعادة
-سنانه بتوجعه، تحرك إلى أن جلس بجوارها
-نهى بتقول بيطلع ضروس وبيعيط كتير وعايز أمه
ضمته لأحضانها تفتح إليه ماجلبته
-كنان حبيبي هتاكل واحدة من دي بس علشان اوف اوف
قهقه لها عندما لم يفهم حديثها ..انبثقت عبرة عبر وجنتيها
-تدوم الضحكة ياقلب نانا ..تدوم الضحكة ياحبيبي وربنا يتولاك
اتجه ببصره الى ابنته الصامتة
-روبي حبيبتي" عز" جه من الشغل انزلي له وكمان ايهم عند راسيل اخدته عاليا
هزت رأسها وتحركت للخارج توقفت على باب الغرفة تنظر إلى والدتها التي انشغلت بكنان بعيونًا حزينة، ثم تحركت إلى غرفة ياسين، دلفت للداخل وجدت عاليا تجاورهم بالجلوس وتقوم بتركيب بعض الألعاب
جلست بجوارها وتنهيدة حزينة خرجت من فمها ..رفعت عاليا نظرها إليها متسائلة:
-عملتي ايه..هزت رأسها بحزن وبنبرة متألمة:
-حاولت أخرجها لكن ماعرفتش، هي قالت هتخرج بس كنان جه وانشغلت بيه ومكملناش كلامنا
وضعت عاليا الألعاب أمام الأطفال واستدارت إليها
-ايه رأيك نخلي كنان هنا، كدا كدا جنى مبتسألش عليه، وأنا شايفة طنط نهى بتتعب كفاية عليها جنى وعمو صهيب
سحبت كم من الهواء تهز رأسها رافضة حديثها
-مينفعش ياعاليا، عمو صهيب مش هيوافق
نهضت عاليا تجذب كفيها، واتجهت إلى الشرفة وجلست بمقابلتها
-بالعكس مجرد ما تقولي علشان ماما هيوافق، غير أن البيتين جنب بعض وقت مايحتاجه هيلاقيه
مسحت ربى على وجهها تهز رأسها بالعجز، ثم توقفت :
-عز رجع من الشغل، خلي ايهم مع راسيل وشوية وهرجع اخده منك، مبقاش عايز الدادة بتاعته
ابتسمت لها قائلة:
-حبيبتي ولا يهمك انا هاخد بالي منه.
بغرفة غزل
غفى الطفل بأحضان غزل ظلت تمسد على خصلاته وتبحر بعينها على ملامحه التي نسخة مصغرة من والده
جلس بجوارها يضم رأسها لأحضانه
-ايه رأيك ننزل نتمشى تحت شوية كنان نام ..رفع ذقنه ينظر لعيناها
-جنى نقلتها المستشفى ..حالتها بدأت تسوء عن الأول
انسابت دموعها تدفن رأسها بأحضانه
--ابني وحشني قوي ياجواد، كل يوم اقول بكرة هنساه زي خاله، لكن قلبي نار ياجواد ..صمتت تشهق بقوة قائلة
-هتصدقني لو قولت لك اتمنيت كلام جنى يكون حقيقي .. والله اتمنيت اصلي مريت بوجعها، هي معذورة ياجواد..بس انا زعلانة منك جالك قلب توديها المستشفى
نهض من مكانه وسحب وشاحها يطبق على كفيها بحنان
-ياله تعالي ننزل نقعد مع صهيب شوية، سايب سيف عنده، من وقت مااخدت جنى وهو قافل على نفسه
تمددت على الفراش تنظر الى كنان
-عايزة انام ياجواد ..ماليش نفس أخرج..روح انت عند صهيب
بتر حديثهما رنين هاتفه:
-أيوة!!
على الجانب الآخر:
-همس بصوت متقطع خافت
-"بابا"
هب من مكانه يتسائل بأنفاسًا سريعة:
-مين معايا !!
شهقة خرجت من فمه وهو ينظر حوله بضياع ثم اغلق الهاتف بعدما فقد الحديث
هوى جواد على المقعد بعدما فقد توازنه وكأن الأرض تسحب من تحت أقدامه، ينظر بتيه إلى غزل التي تسائلت:
-مين اللي اتصل ياجواد ..هز رأسه عندما فقد الحديث
دقائق وهو يحاول لملمة شتات نفسه، حتى توقف يستند على عكازه متحركا للخارج دون حديث آخر
بعد فترة وصل إلى المقابر..ترجل من السيارة بسيقان مرتعشة وكأن سيقانه رفضت تحركه إلى هذا المكان
ظل يتحرك بخطوات متعثرة إلى أن وصل إلى مقبرته، هنا فقد جميع حواسه فسقط على الأرض أمام المقبرة
استند برأسه وانسابت عبراته
استمع الى صوت خلفه..رفع عيناه بعدما أزال دموع ضعفه
جلس بجواره ينظر للمقبرة..طالعه جواد بذهول:
-بتعمل ايه هنا، انا عارف مقابركم مش هنا
ظلت نظرات راكان على المقبرة ثم تحدث
-جاي أقبض عليك ياباشا، قالها مازحًا
عاد جواد ينظر للمقبرة دون حديث، حتى توقف راكان يبسط كفيه إليه
-المكان دا مش مكانك ، فيه مكان تاني انا متأكد هيعجبك اتمنى تجي معايا من غير ماتسأل عن حاجة، دا لو واثق في راكان
ازدادت دقات قلبه يشير بعينيه إلى المقبرة
--ابني فين ياراكان، اتمنى تحترم عقلية جواد الألفي
ابتسامة هادئة، يساعده على النهوض متحركًا إلى سيارة راكان
-لا المرة دي العزومة عليا علشان اشكي ابن حضرتك الحلوف
طالعه بصمت دون حديث لا يعلم لماذا يشعر بريبة حديثه، لا يعلم لماذا هذا الشعور الذي يراوده ..اتجه بنظره الى سائقه وهتف
-ارجع انت ياجمال، انا هروح مشوار مع حضرة المستشار
استقل السيارة بجواره إلى أن وصل إلى سيارة أخرى بمكان اخر بعد عدة مناورات من راكان
بعد فترة دلفت السيارة إلى محافظة الفيوم ومنها إلى منزل العائلة
توقفت السيارة بداخل حديقة المنزل، كل هذا وجواد صامت، ولكن كانت اعينه ترشق راكان بكثيرا من الاسئلة
ترجل راكان واستدار إليه يفتح باب السيارة يشير إليه بالتوجه للداخل
تحرك وهو يستند على عكازه، ودقات قلبه تتقاذف بداخل وتتسارع أنفاسه حتى أوشكت على التوقف
أسنده راكان عندما لمس حالته ..نظر إليه راكان مستغربًا صمته توقع ذهوله
فُتح الباب أمامهما ..نظر إلى ذاك الشاب الذي توقف ينظر إلى جواد كأنه يحفظ ملامحه..زاغت أعين جواد يبحث عن جاسر وكأن رائحته تجذب قلبه، ليترك ذراع راكان متحركًا للداخل يبحث بعينيه مردد بحال قلبه .
-جاسر هنا..جاسر عايش ..هذا ما أكده قلبه الضعيف ..توقف بمنتصف الردهة وشعر بخيبة قلبه الضعيف، يسب حاله
-"اجننت يارجل..اين ذهب عقلك وايمانك بربك "
خرج ياسين من الغرفة اولا يهتف باسم والده ..استدار جواد يطالعه بشك اختل توازنه
-ليجلس اخيرا بعدما فقد الوصول إلى مبتغاه ..تحرك ياسين إلى والده
-ايه اللي بيحصل هنا يابن جواد!!
تسائل بها جواد وهو يرمق ياسين بأسف
قطع حديثه خروج جاسر بخطوات مبعثرة وجسدًا واهن حزين يهمس اسم والده
"بابا"..ثوان كفيلة لفقدان اتزانه وذهاب عقله ليستند متكأ على المقعد وبعينين متسعة كاتساع بين السموات والأرض..ينظر إلى ابنه بذهول ..تجمد الدم بعروقه وشحب وجهه يردد بلسان ثقيل
"جاسر"..اقترب منه يلقي نفسه بأحضانه وارتفع صوت نشيجه كطفل فقد والديه آلان ..لحظات مميتة لم يشعر سوى بتوقف قلبه، شحب وجهه بالكامل ليسقط بين ذراع ابنه ، ولم يسيطر على دموع عيناه، أيعقل أن ربه ربط على قلبه ليعود قرة اعينه، هل حقا يعود الميت بعد موته
احتضن جاسر وجهه بعدما وجد شحوب وجهه
-حبيبي أنا جاسر، اللي اندفن مش انا ،خطفوني من المستشفى وكنت فاقد الذاكرة ولسة قريب افتكرت
-بابا سامعني ..تثاقلت أنفاسه واهتزت الجفون يدقق النظر بملامحه يهمس بتقطع
"جاسر"..دفن رأسه بصدر والده
-وحشتني حبيبي والله غصب عني اشوف كسرتك دي ..رفع كفيه المرتجف كحال جسده يحتضن وجهه وعيناه تفترس ملامحه كحيوان مفترس ..يمرر أنامله على وجهه كأنه يتاكد من وجوده
-انت عايش ياحبيبي..هز رأسه بدموع عيناه، يرفع كف والده يقبله
-أنا في حضنك ياحبيبي..ابنك لسة عايش ..انا موجود قدامك اهو
ابني ابني جاسر..رددها بلسان ثقيل وهو يضمه بقوة لأحضانه، كأن قوة جواد الألفي كانت بابنه واااااه عميقة خرجت من جوفه لتمحي أحزانه
-حبيبي انت لسة عايش..احمدك واشكر فضلك يارب..ظل يردد بقلبه قبل لسانه
اللهمّ لك الحمد كلّه، ولك الشكر كلّه، وإليك يرجع الأمر كلّه علانيّته وسرّه، فأهل أنت أن تحمد، وأهل أنت أن تعبد، وأنت على كلّ شيءٍ قدير. اللهمّ لك الحمد حتّى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرّضا. اللهم لك الحمد كالذين قالوا خيراً ممّا نقول، ولك الحمد كالّذي تقول، ولك الحمد على كلّ حال.
ضمه بقوة لأحضانه وكأنه سيتركه ويغادر مرة أخرى ..تحرك ياسين يجلس بجوار والده من الجهة الأخرى وانحنى يطبع قبلة على رأسه بعدما وجده يحتضن رأس جاسر بقوة
ربت على كتفه متسائلا:
-بابا حضرتك كويس !!.هز رأسه وابتسامة من بين دموعه، ينظر إلى جاسر يمرر كفيه على وجهه
-هعوز اكتر من كدا ايه علشان اكون كويس ياياسين ..اخوك رجع من الموت
أفلت ضحكة من بين دموع يضغط على وجنتيه
-اخوك ابو أربعين روح رجع تاني ، هكون طماع لو عوزت حاجة تانية يابني، لا دا انا اللي المفروض اتبرع بكل حاجة، هو فيه احسن واغلى من كدا ..وضع جبينه فوق جبين جاسر يحتضن رأسه
-رجعت روح ابوك ياحبيبي..بكى على ردة فعل والده يضم وجهه بحنان ثم قبل جبينه وكفيه
-ربنا يخليك ليا ياأحسن اب في الدنيا
توقف ياسين يساعده على النهوض ولكنه رمقه بنظرة مستاءة
-ابعد يالا ..انا قادر اقف لوحدي، وأسند نفسي ..استند على المقعد متوقفا ومازالت نظراته على ابنه يضمه لأحضانه
-سندي اهو، رفع نظره الى جاسر يسحبه من عنقه يضمه:
-علشان تعرف انك سند ابوك يبقى لازم تكون قادر توقف تسند ابوك ..اتجه بنظره الى راكان الذي توقف مستند على الجدار يطالعهم بدموع انبثقت رغما عنه
-عارف اكيد انت ورا دا ..شكرا
ازال عبراته متأثرا بذاك المشهد، ثم اقترب ورسم ابتسامة
-الصراحة متوقعتش ردك دا ..قولت هتهد الدنيا وتغضب وتقول مخبين ومش مخبين ..رجع بنظره الى جاسر قائلا:
-لاني متأكد ابني مايعملش كدا
قهقه راكان رغم حدة الموقف يشير إلى جاسر
-عارف قالي ايه ..تذكر حديثه
فلاش
تنين!! أردف بها راكان ثم رمقه
-يعني إنت كنت عارف وبتستهبل يالا
مط جاسر شفتيه ...مش لما اتأكد انك عارفني..لوح بكفيه مشيرا إليه :
-اه هتقولي كنت عارف انك عايش ..طيب ليه راجع لي دلوقتي
ارتسمت ابتسامة ساخرة على وجهه
-لا ياحبيبي عيني عليك من زمان، بس سبتك براحتك
طالعه برهة وتلاقت عيناه المشتعلة بالغضب بعيناه الباردة
-طيب علشان بضايق منك لما تقلب للزج كدا ..اسمعني علشان معنديش خلق لحضرة المستشار الفذ
-عايز اقابل ابويا..تقولي مينفعش همسك المسدس دا وهخلص منك
❈-❈-❈
توقف راكان يضع كفوفه بجيب بنطاله ، واقترب من وقوفه وبنبرة باردة اجابه
-وريني اخرك هتعمل ايه
رفع عيناه مزمجرًا ورغبة جامحة في اقتلاع رأسه بعد حديثه البارد:
-تمام انا هوصله ومش محتاج لمساعدتك الموقورة، دنى خطوة واضعًا كفه على كتفه:
-عارف لو طلعت قدامي تاني ، هكلم سيادة اللوا واقوله على اللي عملته فيا
وشوف بقى هيعمل فيك ايه
التوى زواية فمه بعبث ثم رفع أنامله يحك ذقنه
-يعني عايز توقعني مع ابوك ..ربت على كتفه يستند عليه ورمقه بنظرة خبيثة
-اقابل ابويا ومراتي، ازاي ماليش فيه
ذكائك اللي بتعرضه عليا شغله ازاي اقابل ابويا ومراتي من غير ماحد يعرف ويحس ..
مط راكان شفتيه ونظراته ثابتة عليه
ثم اومأ برأسه
-تمام ..هعملك اللي انت عايزه بس وحياة أبوك لا اخلصه منك بعدين
جذب سيجاره وأشار إليه بالخروج
-الزيارة خلصت كنت منورني والله ، كان بودي اعزمك على قهوة سادة بس معنديش بن ..ثم صاح قائلا
-يحيى ..وصل الضيف أصله يتوه
جز على نواجزه مقتربا منه يهمس له
-اتنفخ حلو عليا بس اوعى لتفرقع
كان يقص لجواد الذي مازال يطالع ابنه باشتياق ..
-حاسس بايه دلوقتي يابابا..تسائل بها ياسين
ابتسم جواد ومازال تحت صدمة وجوده، اتجه إلى الأريكة يسحبه كطفل ذات الخمس أعوام . ..جلس وأجلسه بجواره يحاوط أكتافه
-حاسس إن ربنا احن من أي حاجة، وكأن الايام اللي عدت دي محستش بيها ..اللهم لك الحمد..احكي لبابا ياحبيبي..قولي ايه اللي حصل ياله
-سامع ..يارب تكون حاجة مستاهلة وجع قلوبنا ، ثم رمق ياسين
-إنت عرفت امتى ؟!
-لسة امبارح والله يابابا ..بس كنت عارف الجثة اللي اندفنت مش بتاعه من كام شهر، رفع رأسه إلى راكان وأشار إليه
-حضرة المستشار رفض اعرفك، علشان مكناش متأكدين أنه عايش
قص له ماصار منذ افاقته إلى أن تقابل براكان
احتضن كف والده
-أنا مينفعش ارجع دلوقتي ، مينفعش نسيبهم وهم ممكن يخططوا لقتل حد فينا
وافقه راكان الرأي..وتحدث:
-دا رأيي مش لازم حد يعرف بوجوده ، انا مكنتش عايز حضرتك تعرف لكن هو أصر على مقابلتك
-بابا..استدار ينظر إليه بنظراته الحنونة، كأن كلمة بابا لأول مرة يسمعها من طفل يبلغ من العمر اشهر معدودة، كأنه لأول مرة يستمع لتلك الكلمة التي تجعل قلبه معذوفة موسيقية
هز جواد رأسه ينتظر حديثه
-عايز اشوف ماما وجنى !!
هنا تذكر وجود جنى بالمشفى، هز رأسه بالرفض
-ماما مش وقتها خالص حبيبي ..لازم تهدى ونعرف ازاي نمهد لها ومن رأيي بلاش مامتك حاليا لحد ما تشوف هتعمل ايه ..أما جنى سهل تشوفها، جنى محدش هياخد بكلامها ..ضحك يطالعه
-البت طلعت حاسة بيك فعلا، الوحيدة اللي رفضت موتك
نهض من مكانه يشير لوالده
-عايز اشوفها لو سمحت يابابا
نهض راكان يشير إليه وتحدث بنبرة تحذيرية
-فهمه خطورة الوضع ياحضرة اللوا، لازم تهدى وتفكر في كل ردة فعل
رمق راكان بنظرة نارية
-هشوف مراتي الليلة ياراكان وبأي طريقة، ومش هأجل ولا لحظة
حمحم ياسين مردفًا
-خلاص يابابا، خليه يشوفها
نهض جواد وتوقف أمامه
-حبيبي أنا مراعي شعورك، بس انت لازم تقعد مع نفسك وترسم لنفسك ازاي تدخلها مينفعش انا ادخل . صمت للحظة ثم تحدث:
-جنى في المستشفى ياجاسر، ودا هيكون صعب انك تشوفها حاليا
تحرك للخارج سريعا ولم يمهله لتكملة حديثه
-أنا هعرف اوصلها مش عايز مساعدة من حد ..زفر جواد يمسح على وجهه
-اهو المرة دي هيندفن حق وحقيقي
أشار إلى راكان
-هتتواصل معاه ازاي
رفع هاتفه وقام بمهاتفته لعدة مرات ولكنه لم يجيبه
تحرك للخارج متسائلا:
-ليه الفيوم اللي خلتنا نتقابل فيها ..اجابه راكان
-علشان بعيدة وصعب التميمي يشك في وجودنا، خلي بالك علشان مراقبينك وكمان مراقبين حضرة العقيد باسم ،
اومأ متفهما ثم تحرك
-لازم نرجع القاهرة حالا ..قبل مايتهور، وعايز حد موثوق فيه يكون ظله ياراكان
اومأ له قائلا :
-عامل حسابي، وكمان الواد اللي معاه انا اختبرته عدة مرات الواد امين ومراقبه
بعد عدة ساعات وصل جواد وراكان إلى القاهرة ..أشار جواد إلى ياسين
-روح انت ياياسين علشان ماما زمانها قلقانة ..قولها عندي شغل وهتأخر ساعتين ..ثم قام بمهاتفة جواد حازم
-جواد عامل ايه حبيبي
عند جواد نهض من فوق فراشه لخارج الحديقة
-بقيت كويس ياخالو الحمد لله
طيب حبيبي ، لو تقدر تجي لي تعالى على العنوان اللي هبعتهولك
-عايز جواد ليه؟!..تسائل بها راكان
نظر جواد للامام واجابه
- لازم جواد يعرف، لازم يتحدوا مع بعض مفيش حد هقدر أثق فيه غيره
دا اخوه، الناس دي ميتهزرش معها ياراكان ..
شوف جاسر وصل لفين لو عرف يطلع بيها خليه يروح بيت باسم الزراعي ..وانا هستناه هناك ..قبل ماأرجع حي الألفي وحد ياخد باله، لازم اشوف هنعمل ايه الايام الجاية
بعد فترة وصل جاسر إلى منزل باسم بعدما اختطف جنى من المشفى، بمساعدة ياسين الذي اخترق قوانين والده، ولحقه ليخرج بها ..وصل إلى المنزل يترجل من السيارة بهدوء ولكنه توقف بجسد مرتجف بعدما صاح جواد حازم
"جاسر"
نهاية الفلاش
دلف إلى الغرفة وجدها تفتح عيونها
اقترب منها ونظراته تتفحصها باشتياق
اعتدلت تنظر إلى المكان بتيه ..تحدث نفسها
-أنا فين !!..استمعت إلى خطواته الهادئة استدارت بنظراته إليه ..قرب منها
-جنى !!
شهقت بعدما دنى منها يجذبها يطالعها بإشتياق، لحظات فقط كفيلة لأنهيار كل منهما ،
-جاسر إنت حقيقة، رفعت كفيها الذي ارتجف من شدة صدمتها على وجهه، وشهقة خفيضة باسمه وكل أوصالها ترتجف، تلاقت أعينهما بنظرة يتعانق فيها نبض قلوبهما،
رغم أنها كذبت موته ولكن وجوده بعد تلك الفترة ، أصاب قلبها وفقدت قدرتها على التحمل مما خارت قواها فهوت بركبتيها ..لا تعلم لماذا شعرت بالحزن رغم وجوده، رغم اشتياقها، تزاحمت دموعها تجري على وجنتيها كمجرى الشلال ..هوى بمقابلتها يجذبها لأحضانه
-حبيبتي اهدي انا هنا ..وضعت رأسها بعنقه تستنشق رائحته كالمدمن ..أغمضت عيناها تدفن نفسها بداخل أحضانه وشهقات مرتفعة ، لتتأكد أنه حقيقة
حاوطها بذراعيه يهمس لها:
-حبيبتي اهدي انا هنا ..خرجت من أحضانه تمرر كفيها على وجهه مرة أخرى بدأت أناملها تتحرك بحرية على وجهه بالكامل ..تصنم جسدها وشعرت بنخر عظامها فتوقفت سريعًا
-إنت عايش، انت حقيقة ..يعني انا بقالي سنة بتعذب ..انا كنت بموت ..توقفت تدور حول نفسها كالمجنونة تتراجع للخلف
-دا انا بقيت مجنونة رسمي..توقف تطالعه بحزن لا تعلم تسعد ام تحزن
-أنا بقيت مجنونة رسمي ياحضرة الظابط ..بقيت مجنونة من كتر ماكنت بقولهم انك عايش ..اقتربت تلكمه بقبضتها الصغيرة بصدره
-ليه تعمل فيا كدا ..ليه ياجاسر حرام عليك دا انا مت ..لسة هتموت فيا لحد امتى
-سنة ..سنة وجاي تقولي وحشتيني ..أخرسها بطريقته كي لا تحزنه أكثر مما يشعر، كفى مايمر به من ظروفًا مأسوية، يريد أحضانها، لا يريد أكثر من ذلك
جذبها لأحضانه يشد على عظامها يعتصرها وكأنه يريد أن يدخلها بداخله ، ادخل كفيه يتحسس جسدها وكأنه يعد فقراتها فقرة فقرة ، ويتلمس شريانها ليتأكد من سلامتها ، داعب وجهها وهو يستنشق أنفاسها
-وآه جياشة من نبضه..
-وحشتيني بعدد الناس على الكون، أخرجها من أحضانه يحتضن وجهها ونظراته تفترس ملامحها الجميلة الغائبة عن النظر الحاضرة بالقلب والعقل
-آسف ياروح جاسر ..اسف بس وحياتك انا مكنتش عارف أنا مين
أخرجها من أحضانه يقبلها بلهفة حتى سحب أنفاسها ..فصل قبلاته يحتضنها بعيناه مثل يديه التي تحتويها كالأم التي تحتضن ابنها:
-جنى أنا كنت ميت فعلا..وربنا رجعني دي مقابلتك ليا..دي مقابلتك لحبيبك
ارتجف جسدها لم يدعها لتفكيرها ..وضع جبينه فوق خاصتها يشتم عبيرها الذي دغدغ أوصاله ليزيد من ارتجافة قلبه..يهمس لها بعشقه لتصبح هشة بين ذراعيه ..ليضرب على اوتار نبضاتها الهادرة بعشقه ..ليتلاشى تنفسها وقامت بتحريك أناملها على وجهه
-يعني أنا مش مجنونة ..طلعت مش مجنونة وانت موجود ..لمس ثغرها
-طيب اثبتلك إزاي انك اعقل واحدة في الدنيا ..
ذابت كل الآلام وتلاشت الاحزان وهو يجذبها بطريقته الخاصة ليدخلها لعالمه الخاص هامسًا
-حبيبك جوا حضنك ياروح حبيبك، دا أكبر دليل انك اعقل واحدة، أغمضت عيناها مستمتعة بأنفاسه الحارة التي ضربت وجهها ،
❈-❈-❈
جنجون ارجع تاني ولا ايه مالك مغمقها كدا ..نظر إلى ثياب المشفى وأشار عليه
-طيب غيري حتى لبس المجانين دا
اهو لبس المجانين دا انت السبب فيه
حاوط خصرها
-احسن مجنونة والله..بعشقك ياروح جاسر..قالها وهو يضع رأسه بعنقها هامسًا
-ارحمي قلب حبيبك ياجنى ..رفع رأسه
-والله كله غصب عني ..وضعت جبينها فوق جبينه
-عايزاك تحكي لي كل حاجة واياك تخبي عليا حاجة
داعب أنفها بأنفه واغمض عيناه مستمتعًا بأنفاسها العطرة
-وحياة جنى عندي هقولك كل حاجة ،
تراجعت تنظر إلى الغرفة
-بيت مين دا وليه جايبنا هنا ..امسك قميصه يضعه بكفيها
-غيري هدومك ولما ترجعي هقولك كل حاجة
خرجت بعد فترة كان يتحدث بهاتفه وهو يعد وجبة طعامهم ..استدار يرمقها بنظرة خاطفة ثم أغلق هاتفه
أطلق صفيرا مقتربا منها
-ايه القميص الحلو دا ..تنهدت وهي ترفع خصلاتها تنظر إلى نفسها بالمرآة
توقف خلفها يضمها إلى صدره من الخلف
-فين جنى ، مش شايف غير بقايا لجنى ..أطبقت على جفنيها عندما لافحت أنفاسه عنقها وأجابته
-اخدتها معاك ياجاسر..استدارت إليه تتعمق بالنظر إليه :
-جنى من وقت مااختفيت وهي ماتت
قرب رأسها يمرر أنامله على عنقها إلى أن وصل إلى أول زر لقميصه وقام بفتحه ..تراجعت خطوة للخلف
انت هتعمل ايه ..؟!
صعق من حديثها في بادئ الأمر ، ولكنه تفهم حالة تناقضها الان ، فاقترب منها وحاول خروجها من حالة تشتتها وصدمتها فاردف بتسلية
-يعني نومت المستشفى كلها وخاطرت بنفسي علشان اجيبك احكي لك حدوتة، لا اعقلي كدا يابنت صهيب بدل مااتجنن عليك
نهضت غاضبة
-لا اتجنن يااخويا ..أطلق ضحكة صاخبة يضرب كفيه ببعضهما لم تفهم مغذى ضحكاته، إلا حينما جذب قميصه
-عايز قميصي دا حالا وارجعي المستشفى..شهقت تمتم
-يخربيتك ..قالتها عندما وجدت زاريره تتناثر على الأرض
لملمت القميص تطالعه بصدمة
-ايه دا يا مجنون ..جلس على الفراش وبدأ يقص لها معاناته بتلك الشهور..تحركت إلى جلوسه وجلست على ركبتيها أمامه
-ايه ..يعني انت كنت فاقد الذاكرة لولا البنت إياها
رفع عيناه إليها وابتلع غصة أحزانه مردفًا بنبرة متحشرجة :
-يعني انا فعلا كنت ميت ياجنى، كان مستحيل حد يوصلي لولا ربنا بعتلي سمر في الوقت اللي خلاص بقيت شخص تاني
وضعت رأسها على ساقيه وعقدت عزمها على تعويضه عن كل مامر به آلام ..مسد على خصلاتها
-عارف انك اتأذيتي قوي بس غصب عني حبيبي والله..رفعت رأسها تحتضن معشوق روحها بنظراتها التي تدفقت منها كل معاني الحب ..رفع ذقنها وأوقفها يتلاقها بأحضانه يعزف لها سيمفونية عشقه الخاص ليمسح كل مامر بهما دقائق وهو يشعران أنهما كطائران يغردان بأجنحة العشق فوق سحابتهم الوردية لينهل كل منهما من رحيق عشق الآخر ..وكأن لا يوجد على سطح الكرة الأرضية سوى العاشقين ليتوقف دوران الأرض وعقارب الساعة ولم يتبق سوى نبض قلوبهما التي تهمس باسم كل واحد منهما
مرت دقائق وردية تمنى أن يتوقف بها هنا ..وهو يستمع للحن اسمه من تلك الشفاه التي هي ملاذ خمره للعشق
بعد فترة كانت تسبح بنومها وهو يخلل أنامله بخصلاتها البنية الناعمة
انزل رأسه يستنشق رائحتها بوله ..استمع الى طرقات على المنزل
جذب الغطاء ودثر جسدها به ثم جذب قميصه ليرتديه متجهًا إلى الباب
فتح الباب ولكنه توقف مذهولا لما رآه
وكأن أحدهم يسحب تنفسه وهو يردد بعيون جاحظة
"انت !! مين جابك !!
الفصل الثاني والاربعون ج1 من هنا
لقراءة جميع فصول الرواية من هنا