رواية الماسة المكسورة
الفصل السابع والاربعون 47 ج2
بقلم ليله عادل
في أحد الكافيهات على النيل، الساعة 9مساءً،
في أجواء شتوية باردة وجميلة، نشاهد سليم ومكي يجلسان على إحدى الطاولات أمام بعضهما البعض، يتحدثان ويدخنان السجائر ويحتسيان القهوة.
مكي بنصح: بس إنت غلطت لما عملت اللي إنت عملته ده! ماتخليش عصبيتك تخليك تقع في أخطاء زي دي. لو كنت أخذت رأيي، كنت هقولك بلاش.
سليم باستغراب ونبرة حادة قليلاً: كنت عايزني أعمل إيه؟ أسكت بعد ما سمعت كلامهم عن مراتي وبنتي وأهلها؟ مش كفاية إني ساكت وأنا شايف الرفض جوه عينيهم؟ عايزني أعدي كلامهم عنهم بالطريقة دي؟
مكي بعقلانية وهدوء: كان ممكن ترد بأي طريقة تانية غير الطريقة دي.
سليم: دي الطريقة الوحيدة اللي تنفع معاهم. أكتر حاجة بتعصبهم وبتخليهم يتجننوا إن حد يقرب من المجموعة.
مكي: وعشان كده أنا بقولك إنت اتسرعت واتهورت. كبريائك عماك. مع إنك لو فكرت شوية كنت هتاخد أي رد فعل غير ده.
سليم بتعجب: هو إنت خايف من إيه؟ إنهم يعني يضايقوها؟" (بجبروت وثقة) "أنا مش هخليها تروح أصلاً للمجموعة، ولو راحت هتبقى مرة، مرتين عشان هي نفسها تروح تشوف الدنيا عاملة إزاي، يعني فسحة. ماحدش يقدر يعملها حاجة يا مكي لإنهم عارفين لو فكروا يضايقوها المرة دي، أنا هامشي من المجموعة ومش هرجع تاني مهما حصل. ماتقلقش، أنا مسيطر على كل حاجة.
مكي: تحب تزود عدد الحراسة؟
تبسم سليم متعجباً: مش للدرجة دي.
مكي: ماشي. ها، أخبار السهر بالليل إيه؟
سليم تبسم: خف شوية...
ركز النظر له ولمعت عينه بشغف: عارف، كل ما باشوف بطنها بتكبر قصادي، والأيام بتمر وبنقرب من ميعاد الولادة، بفرح أوي. مشاعر كده عمالة تكبر جوايا، مش فاهمها، بس حلوة.
مكي: أنا فاهمك كويس، ولما تشوفها قصاد عينك وتلمسها بإيدك، الإحساس والمشاعر دي هتتضاعف.
سليم: عقبالك.
تبسم مكي بصمت.
قصر الراوي
غرفة منى وطه العاشرة مساءً
نرى منى تتوقف امام طه في منتصف الغرفة يبدو على ملامح وجهها الانزعاج.
منى بضيق: هتعمل إيه يا طه؟ هتقبل؟! وبعدين تفضل ساكت وتتفرج؟ خذ رد فعل واحد! هتفضل لحد إمتى بالسلبيه دي؟"
طه بهدوء: كنت عايزاني أعمل إيه يعني؟ كتب لها إيه المشكلة؟ العند مع سليم غلط.
منى: خلاص، ما دام انت شايف مفيش مشكلة، أنا كمان أديني نسبة.
مد طه وجهه متعجباً: إنتي يبقى ليكي نسبة (ضحك؟) عارفه اللي حصل تحت؟ صفر على الشمال من اللي ممكن يحصل لك، لو حتى اتكتب لك 1%؟ أوعي تكوني فاكره ماسة مكروهة زيك؟!، ماسة مرفوضة، ودي فرق كبير.
منى: آه، عشان كده فكروا في الفكرة اللي قالوها تحت.
طه: هما عندهم استعداد يدوس على اي حاجة عشان الثوره مترحش منهم.. تنهد.بخصوص الفكرة دي،
اقتربي منها نظر داخل عينيها وقال: لو عرفت إن في حاجة حصلت من ورايا، هتزعلي مني يا منى؟
منى: أنا مالي.
طه: انا بقول لك بس عشان في الحاجات دي تبقوا أصحاب قوي.
منى: ما فايزة رفضت بس رشدي ده طلع قلبه اسود متخيلتش ان فكرة زي دي تجيلوا
طه: رشدي ده بالاخص خافي منه أنا بحذرك.
فيلا سليم وماسة الحادية عشرة مساء
غرفة النوم
نرى ماسة تجلس على الفوتيه، تحتسي كوبًا من الشوكولاتة الساخنة، عيناها تتابع التلفاز، ترتدي ثوبًا منزليًا أنيقًا وشالاً خفيفًا يُغطي كتفيها، يُفتح الباب فجأة، فيدخل سليم. وجهه يحمل أثقال يوم طويل، وعيناه تعكسان اضطرابًا داخليًا. ترفع ماسة نظرها إليه، وبمجرد أن تلتقي عيناها بعينيه، ترتسم على وجهها ابتسامة مشرقة، تُبدد ما يعلوه من كآبة.
ماسة تمد يدها له بابتسامة دافئة: حياتي...
سليم يقترب منها بخطوات هادئة، ينحني ويضع قبلة طويلة على أعلى رأسها، وكأنه يسكب حبّه واطمئنانه عليها.
سليم: عشقي...
مد يده بحنان، يلامس بطنها بتأمل عميق، ثم يطبع قبلة دافئة عليها، وكأنها مركز عالمه. يجلس بجانبها، يأخذ نفسًا عميقًا ويستجمع نفسه.
ماسة ركزت في ملامحه: شكلك متضايق...
يهز سليم رأسه بسرعة، محاولاً إخفاء ما بداخله: لا... خالص.
ماسة تبتسم بخفة، تميل برأسها قليلاً: ما بتعرفش تكذب عليا.
سليم بتنهيدة طويلة: مش متضايق... منزعج بس. يعني... مش عارف لحد إمتى الموضوع ده هيستمر. زهقت، عايز أرتاح شوية.
يتردد للحظة، ثم يكمل وكأنه يحدث نفسه أكثر منها: أنا يمكن اتسرّعت... زي ما مكي قال لي. أو يمكن... يمكن يكون ده الصح. مش عارف، يمكن ده نوع من أنواع الانتقام. بس... يمكن أكون بنتقم من نفسي، وأنا مش واخد بالي.
ماسة تقترب منه أكثر، تمسح على خده برفق، تنظر إليه بحنان تحاول تهدئته.
ماسة بابتسامة هادئة: اية الكلام الكبير ده... أنا مش فاهمة منه حاجة. بس حاسة إنك بتتكلم عن النسبة اللي ادتها لي.
تتوقف قليلاً، ثم تكمل: أكيد أهلك زعلوا وضايقوك في الكلام وحصلت مشكلة كبيره وطلعت وش سليم القديم... صح؟
سليم ينظر إليها باستغراب، وكأنها قرأت ما يدور في عقله.
ماسة تبتسم بهدوء: ما تبصليش كده... أنا عارفة هم طبيعي. قلت لك من الأول... هيفتكروني ضحكت عليك وطمّعت فيك.
سليم بصوت حاسم، يقترب منها أكثر: يفتكروا زي ما يفتكروا، يا ماسة. المهم أنا عارفك... واللي عملته ده هو الصح.
يتوقف لحظة، ينظر إليها بعينين مليئتين بالإصرار: أنا عملت كده عشان ما يعدوش حدودهم تاني. خلاص بقى، فات كتير، واتحملت أكتر من اللازم. ومستحيل أسمح لأي حد يقول عليك كلمة ما تعجبنيش. واللي أنا عملته... ده رد صغير على كلامهم. ولو فكروا يتطاولوا تاني، هيشوفوا مني سليم ما شافوهش قبل كده.
ماسة بتفهم وحذر: طب... ما دام شايف اللي عملته هو الصح، وده رد بسيط، ليه متضايق؟
سليم يغمض عينيه قليلًا، ثم يفتحها بصوت مثقل: عشان زهقت... زهقت من المشاكل.
يحاول كسر حدة الحديث بابتسامة خفيفة.
سليم بابتسامة: بقول لك إيه غيري الموضوع ده.. بنوتي الحلوة عاملة إيه؟
ماسة تبتسم وتميل بجسدها للأمام وكأنها تتحدث نيابة عن الطفلة: بنوتك الحلوة كويسة... وبتقول لك يا بابا ما تزعلش.
تضحك بخفة، ثم تكمله وهي تمسح على ظهره: المهم إنك أنت وماما تكونوا مبسوطين مع بعض. ما يهمكش أي حاجة تانية، وأكيد هيجي وقت وكل حاجة هتتغير. مش هنفضل كده طول عمرنا.
بس اهم حاجه تاخد بالك اوعى عصبيتك تخليك تغلط تتهور ما تخليش غضبك يعميك بيظهر منك رد فعل انتقامي عيني في الاول وفي الاخر ان انتقام اخرته وحشه.
ينظر سليم إليها، وكأن كلماتها أزاحت عنه بعضًا من أثقاله. يمد يده ليُمسك بيدها ويضغط عليها برفق، وكأنها كانت نقطة الضوء وسط عتمة يومه.
(اليوم التالي)
مجموعة الراوي.
_ مكتب سليم الساعة 12مساءً.
_ نشاهد عزت يجلس على المقعد الأمامي للمكتب وسليم خلف مكتبه بهيبة وكبرياء.
عزت بعملية: إنت سمعتنا عشان كده كتبتلها نسبة عشان تكون ليها كرسي في المجموعة، وده طبعاً عند فايزة.
سليم بتصنع عدم الفهم: سمعت إيه؟ مش فاهم. وعند إيه؟
عزت بعملية: لا، إنت فاهم كويس. بص يا سليم، أنا يمكن في البداية كنت رافض فكرة إن ماسة تكون ليها نسبة، وده لسبب واحد بس، إني مش بحب أدخل أغراب مابينا. كان أولى أدخل عماد أو إبراهيم أو حتى منى اللي والدها ليه بيشتغل معانا في الشغل التاني، بس ما عملتش ده.
سليم بإستنكار: بس أوعى تنسى إنك ممسكهم حاجات مهمة في الإدارة، بالرغم إنك عارف إن منى وعماد طماعين.
عزت بثقه: بس تحت عيني، وبأرمي لهم العضمة كل فترة عشان ما أسمعش هوووتهم، بس لو حد غلط، هي إمضاء وأرميهم برة زي ما سمعتني. إنت متأكد إني مابتهاونش. إنما ماسة حاجة تانية.
سليم بإستغراب: حاجة تانية؟ إشمعنا؟
عزت بتفسير: هي دلوقتي مراتك وأم حفيدتي، ومينفعش أفضل واقف في الماضي وإنها يعني كانت خدامة... فلما فكرت كويس لقيت إن الخطوة دي اتأخرت. إنت الوريث وده شيء مفروغ منه، أنا وفايزة اخترناك، والناس اللي بنشتغل معاهم اختاروك، وإخواتك مستحيل ينجحوا، هما حرقوا نفسهم من زمان، ومحاولاتهم كلها حلاوة روح مش أكتر، إنت متأكد من ده. إنت الملك الجديد، فطبيعي مرات الملك يكون ليها حصة زي فايزة. ولما تلبس التاج، هيكون ليها حصة أكبر. أنا كنت بتمنى تيجي تقولي، وبس ماتحطنيش قدام الأمر الواقع وتصغرني.
سليم باحترام: لا عاش ولا كان اللي يصغرك يا باشا. هي بس ما جتش فرصة. الحقيقة حبيت أعملها مفاجأة.
تنهد عزت بضجر، فهو يفهم جيداً لماذا كتب سليم لماسة تلك النسبة، وأكمل بإستهجان: يابني، أنا معاك، إنت بتعمل كده ليه؟ لو الكل ضدك، أنا معاك. أنا مش عايزك تركز في اللي اتقال. إنساه، وأنا أدبتهم وفرضت السيطرة خلاص.
عدل سليم من جلسته ونظر له بقوة، فهو يفهم جيداً ما خلف حديثه، قائلاً: "بابا، أنا عارف إنك بس معايا عشان مصلحتك، وإنك اخترت صفي، لإني أنا اللي بيدي أفضل محافظ على العرش وما يتهدش.
عاد بظهره على المقعد وقال وهو يهتز به يمين ويسار بثقه بإبتسامة لم تصل الى عينه: عموماً أنا من زمان عارف وفاهم كل واحد. ومادام إنت مش مسببلي أي مشكلة أو بتيجي جنب مراتي، فتمام. تحبني مصلحة، تحبني لإني ابنك، مش فارقلي كتير. أنا كل اللي بطلبه منك تشد على ولادك والمدام شوية، عشان إنت عارف أنا زي الجمل بشيل حمل جبال ولما بقلب بيبقى إعصار، بيمحي كل اللي واقف قصاده.
عزت بهدوء: ماتقلقش.
ارتسمت على شفتي سليم ابتسامة ساخرة تعكس قوته وبغرور لا يليق إلا به: أنا مش قلقان، أنتم اللي لازم تقلقوا يا باشا.
❤️ ________🌹بقلمي_ليلةعادل🌹_______❤️
_فيلا مجاهد١م
_نشاهد ماسة وعائلتها يجلسون في الهول ويتحدثون.
سعدية بتعجب: عايزاها تقعد معاكي لحد لما تولدي شهرين بحالهم!
ماسة: إيه المشكلة لما تقعد شهرين ثلاثة؟
سعدية: مافيش مشكلة يا اختي، وجهت نظراتها لسلوى: وإنتي موافقة طبعاً وعلى قلبك زي العسل.
سلوى: عشان أساعدها، مش شايفاها بقت مكعبرة إزاي.
سعدية نظرت لها وضحكت وهي تقلب شفتيها يميناً ويساراً: تساعديها ههههه، طيب يا اختي روحي.
ماسة: تعالي بقى نحضر الشنطة.
_فيلا سليم وماسة٤م
_غرفة الليفنج روم
_نشاهد ماسة وسلوى تجلسان على الأريكة بملابس منزلية وتشاهدان التلفاز وأيضاً تقومان بعمل ملابس تريكو للطفلة. بعد دقائق، تثاءبت ماسة وتركت الإبرة.
ماسة بتعب: أنا تعبت، هطلع أنام شوية لحد ما سليم يرجع، وإنتي كفاية ارتاحي.
سلوى باعتراض: لا خالص، فاضل حاجة بسيطة وأخلص الشراب. بقولك إيه، إنتم ليه ما خلصتوش الأوضة بتاعت حور؟
ماسة: سليم قال لي أسبوع وهنبدأ فيها.
سلوى: هتجيبوا نفس الأوضة إللي اخترتيها؟
ماسة بتوضيح: أه، هو أجل التنفيذ بس عشان كان لسه بدري وكلم المهندس وقاله شهر ونستلمها.
سألت سلوى: فضلك حاجة ناقصة؟ ننزل نشتريها؟
ماسة: لا، جبت كل حاجة خلاص. بس لما تعجبني حاجة بشتريها.
سلوى: طب كويس.
نهضت ماسة: هنام بقى، مش قادرة.
سلوى: أنا هاطلع أقعد في الجنينة.
ماسة: طيب.
وبالفعل خرجت ماسة وتوجهت إلى غرفتها وسلوى خرجت إلى الحديقة وجلست على الأرجوحة، شغلت الأغاني على هاتفها وقامت بتكملة التريكو.
بعد دقائق، انتبه مكي لتواجدها وهو يمر على الحراس. أخذ يركز النظر لها ويتابعها بشوق كبير. فهو يريد أن يتحدث معها ويبدأ بأخذ خطوات تقربه منها مرة أخرى، لكن لا يعرف كيف يبدأ. لكن لابد أن يأخذ أول خطوة بكل ثقة وقوة. بعد دقائق من الصراع، أخذ نفسًا عميقًا وتوجه نحوها حتى توقف أمامها.
مكي: إنتي بتنادي؟
رفعت سلوى عينيها نحوه باستغراب وهي تهز رأسها بلا باقتضاب: لا، ما ندهتش.
مكي بتمثيل: أصلي سمعت صوت بينادي. ها، إيه أخبارك؟
سلوى: الحمد لله.
مكي حاول فتح مجال للحديث بينهما: كويس إنك جيتي تقعدي مع ماسة.
هزت رأسها بإيجاب بصمت. أكمل:
مكي: حليتي في الامتحانات كويس؟
سلوى وهي تنظر لما تفعله هزت رأسها بنعم: اممم.
نظر مكي لما بين يديها وأكمل: جميل الشراب، ده للبيبي؟
سلوى رفعت عينها له: آه.
مكي: ذوقه حلو.
سلوى: ميرسي.
نظر مكي لها، فهو يشعر بأنها لا تود التحدث معه من طريقتها تلك، ولا يجد من المواضيع ما يفتحها معها. تنهد وقال بنبرة مكتومة: طب أنا عند البوابة، لو احتجتي أي حاجة كلميني. رقمي ما تغيرش.
سلوى: طيب.
مكي: عن إذنك.
(بعد وقت)
سفرة
نشاهد سليم وماسة وسلوى يجلسون حول السفرة، يتناولون الطعام وسط أجواء من المزاح والضحك.
سليم بمزاح: والله يا "سوسكا"، أحلى حاجة إنك هتقعدي مع ماسة الفترة دي... كفاية عليّا شوية راحة منك، ارحميني!
ماسة بنظرة استغراب مع ابتسامة ساخرة: قصدك إيه إن شاء الله؟ فاكرني مش هصحّيك عشان تعملي أكل؟ ولا فاكرني مش هخلّيكي تخرجيني؟
سلوى تضحك بهدوء بينما يشيح سليم بوجهه متظاهرًا باللامبالاة.
سلوى ضاحكة: يا لهوي يا سليم، شكلك مش هتعرف تهرب!
سليم مازحًا: خلاص، أنا مستسلم، ربنا يعينك يا "سوسكا"!
ضحكا جميعاً
ماسة: روحي بكره هخرج انا وسوسكا وهبه المول
عشان نجيب شويه حاجات لحور لو عرفت تجلنا تعال يا ابو حور
سليم ضحك: ماشي يا ام حور.
خلال هذه الفترة
نشاهد ماسة وسليم وهما يعدّان غرفة ابنتهما المنتظرة، تغمرهما السعادة والفرح. ماسة أصبحت على وشك الإنجاب بعد انتظار طويل، ملأه الشوق من العائلتين.
في جانب آخر من حياتهما، احتفلت ماسة وسلوى بنجاحهما الباهر في الثانوية العامة، حيث حصلتا على درجات مميزة رفعت من فخر أسرتهما بهما.
على الجانب الآخر، بدت عائلة الراوي هادئة على نحو غريب. لم يتحركوا كما كان متوقعًا بعد ما فعله سليم... تُرى، هل يدبرون شيئًا في الخفاء؟ أم أن خوفهم من سليم وعزت يمنعهم من اتخاذ أي خطوة؟
أما عن مكي وسلوى، فما زال مكي يحاول التقرب من سلوى بكل الطرق، لكنه لم ينجح بعد في استعادة ثقتها. سلوى بدت أكثر حزمًا هذه المرة، رافضة منحه أي فرصة جديدة، على عكس ما كانت تفعله في السابق.
فيلا سليم وماسة٦م
_غرفة حور
_نرى غرفة أطفال في منتهى الجمال، الألعاب تزين جميع الأركان والحوائط، وذلك الفراش الصغير الوردي المزخرف والمفروش بالدانتيل. كان يتوقف سليم وماسة في منتصف الغرفة، والإبتسامة المشرقة ترتسم على وجهيهما.
ماسة وهي تمرر عينيها في أركان الغرفة قالت بنبرة سعيدة: الله، يا سليم، بقت حلوة أوي، كل حاجة فيها حلوة. تقدمت حتى الفراش وتوقفت أمامه، وأمسكت تلك الألعاب المعلقة وقالت: حتى اللعب دي كيوت خالص...
وضعت يديها على بطنها وهي تنظر لها وتتحسسها. أكملت: مافضلش إلا الهانم تشرفنا.
اقترب سليم منها وأحاطها بذراعيه من الخلف ووضع قبلة على خدها: أقل من شهر.
تنهدت ماسة واستدارت له: هانروح عند الدكتور كمان يومين.
هز سليم رأسه بنعم: وهتكون آخر مقابلة، لإن المقابلة إللي بعدها هتكون يوم الولادة.
ماسة: بفكر نشوف لو فيه حاجة ناقصة تاني، إيه رأيك؟
سليم وهو يمسح على شعرها: عشقي، إحنا راجعنا ٦ مرات، مافيش حاجة ناقصة. بالعكس فيه زيادة، بطلي وسواس شوية.
ماسة طيب، نظرت مرة أخرى من حولها:بس الأوضة تحفة. حور هتحبها أوي.
سليم: إن شاء الله.
_غرفة سلوى
_كانت سلوى تجلس على مقعد خلف مكتبها بملابس منزلية، وتمسك بين يديها بلورة بداخلها منزل ثلج. بابتسامة جميلة، أخذت تدور بزنبلك وضعتها على المكتب لتشتغل، فأخرجت موسيقى جميلة، وأخذ الثلج يرتفع داخل البلورة. زادت ابتسامتها وتذكرت شيئًا.
فلاش باك
_فيلا مجاهد ٥م
_غرفة سلوى
_نشاهد سلوى تجلس على الفراش وهي تضع طلاء الأظافر. بعد دقائق، دخلت عليها إحدى الخادمات تقول:
الخادمة: سلوى هانم، جات لك العلبة دي.
سلوى وهي تعقد حاجبيها بإستغراب: علبة؟!
اقتربت الخادمة وأعطتها العلبة.
بدأت سلوى بفتحها، فوجدت البلورة التي كانت تمسكها. أخذت تنظر إليها وهي تقلبها بتعجب، ليس بكثير لأنّها ليست أول مرة يأتيها هدية. أمسكت بوكيه الورد واستنشقت عبيره، ثم وجدت كارتًا أمسكته.
كان مدونًا عليه: مبروك النجاح، أنا حقيقي سعيد علشانك، عقبال كل سنة.
نظرت للخادمة وقالت: وطبعًا الراجل سلمه لحد من الجاردات ومشي.
الخادمة: أيوه.
سلوى: طب اتفضلي إنتِ.
خرجت الخادمة وأخذت سلوى تفكر وتقول بصوت منخفض: أنا جوايا إحساس بيقولي إنه هو، بس مش عارفة أتأكد إزاي، وليه بيعمل كده؟!
فلاش باك
نعود إلى سلوى وهي مازالت تتذكر بابتسامة جميلة.
طرق الباب ودخلت ماسة.
ماسة: سوسكا، قاعدة لوحدك ليه؟
سلوى: عشان أسيبك تقعدي مع سليم براحتك.
جلست على المقعد الأمامي. وقعت عيناها على البلورة.
ماسة: أنا متأكدة إنه مكي.
سلوى: وأنا كمان. هو أصلاً من وقت ما جيت هنا بيحاول يقرب مني، بس أنا لا.
ماسة: يعني بطلتي تحبيه؟
سلوى بتعجب: أحب واحد اتخلى عني، وفجأة بقى عايز يرجع! ليه؟ هو أنا لعبة شوية؟ عايزني وشوية لا؟!
ماسة بحسرة: أنا بس نفسي أفهم ليه عمل كده. مادام مش بيحبك، طب ليه بيبعت هدايا؟ حاسة إن فيه حاجة غلط.
سلوى: مش مهم، بقولك أنا بكرة هاروح لماما، هاجيب حاجات.
ماسة: ماشي.
_فيلا سليم وماسة ٣م
_نشاهد سلوى تخرج من باب الفيلا وتقول:
سلوى: مش هتأخر، باي.
كانت تتوقف سيارة أمام الفيلا. كان مكي يقف أمامها بابتسامة عريضة. فور أن شاهدها، فتح لها الباب.
نظرت له سلوى وعقدت حاجبيها: أمال عشري فين؟
مكي: أنا موجود، مش عاجبك ولا إيه!
نظرت له من أعلى لأسفل، ارتدت النظارة، وصعدت السيارة. ارتسمت على شفتي مكي نصف ابتسامة على ما تفعله معه. ثم أغلقت الباب، وتوجه إلى باب السائق، صعد السيارة وقادها...
وأثناء ذلك، كان ينظر لها في المرآة من حين لآخر على أمل أن تنظر له، لكن دون جدوى. ثم صنع بوجود عطل في السيارة من أجل التحدث معها ولو قليلًا.توقف بجانب الطريق.
سلوى بإستغراب: إنت وقفت ليه؟
مكي وهو يتصنع الضغط على الأزرار: مش عارف فيه إيه، تقريبًا فيه حاجة حصلت عطل، تقريبًا.
سلوى بتعجب: عطل! العربيات دي بيحصل فيها عطل؟
مكي: إيه المشكلة؟ بتحصل. ثانية هشوف إيه اللي حصل.
هبط من السيارة وفتح الكبوت، وتصنع اللعب بها ثم أغلقه، وتوقف عند النافذة.
نظرت له سلوى من النافذة: فيه إيه؟
مكي: "شكلهم نسيوا يحطوا مية، الماتور سخن. خمس دقائق كده ولا حاجة، وراكي حاجة متأخرة.
سلوى: إذا كان على خمس دقائق، مش مشكلة.
مكي: والله كويس إنك ممكن تقدري تقعدي معايا خمس دقائق.
نظرت له سلوى من أعلى لأسفل بإستغراب:ليه بتقولي كده؟
مكي بتوضيح: يعني بحسّك مش طايقاني.
أسند يديه على النافذة وأدخل رأسه قليلاً، وأكمل:
"هو إنتي ليه مابقتيش تطيقي تتكلمي معايا؟ مع إنّ إحنا كنا زمان أصحاب.
سلوى: وإنت قلتلي إن اللي إحنا بنعمله حاجة غلط وماينفعش نبقى أصحاب، ولازم مانتكلمش ولا نتقابل تاني، مظبوط؟
هز مكي رأسه: مظبوط، بس يعني ده كان زمان، وإنتي مش فاهمة حاجة خالص.
سلوى: مش مهم أفهم، المهم إللي حصل. وخليك بقى قد مبدأك.
مكي بنبرة مكتومة: أنا قده، ولو ماكنتش قده مكناش وصلنا للي إحنا فيه ده. عموماً، أنا متأكد إن هايجي عليكي وقت هتفهمي كل حاجة، وأنا مش مستعجل.
نظر لها بابتسامة حب، وابتعد وصعد السيارة وقادها.
أخذا ينظران لبعضهما في المرآة من حين لآخر.
💞____________بقلمي_ليلةعادل
في عيادة النسا٣م
نشاهد ماسة وهي تتسطح على الفراش، ممسكة بيد سليم، وهما يشاهدان الشاشة بينما الطبيبة تقوم بعمل السونار. هي الآن في الشهر التاسع من الحمل، وكان يبدو عليها الامتلاء، وبطنها عالية. كان يرتسم على وجهها هي وسليم ابتسامة مشرقة، فرحة تكاد أن تخرج من قلبيهما.
الطبيبة: ما شاء الله، بنوتتنا جميلة خالص، ونزلت في الحوض. يعني خلاص، قصادنا من ٨ ل ١٠ أيام بالكتير وتنورنا.
ماسة بسعادة كبيرة: بجد؟ عشر أيام؟
الطبيبة: بس برضو ممكن تفاجئنا وتستعجل وتيجي قبل كده، فخلينا برضو محضرين نفسنا.
سليم: تمام.
ضغطت الطبيبة على الشاشة، فاستمعوا إلى صوت دقات قلب الجنين: "سامعين الصوت؟ بتقولكم حضرولي هدومي وكل حاجة، أنا جاية خلاص.
سليم بإبتسامة كبيرة، وعيناه مغرورقتان بدموع الفرح: كل حاجة جاهزة، فاضل تيجي يا روح قلب بابا، عشان أنا مشتاقلك أوي.
الطبيبة: إحنا كده تمام.
أغلقت الشاشة وأعطت المنديل لها.
أخذ سليم كعادته يساعدها في مسح الجل من على بطنها ثم وضع قبلة عليها، وساعدها في تعديل ملابسها. ثم هبط على قدمه وقام بإلباسها الحذاء، ونهض وساعدها في الوقوف، وتوقفا أمام بعضهما بعشق.
أخذا ينظران لبعضهما بسعادة كبيرة، ثم ضمها سليم بشوق وفرحة وهو يقول:
سليم: خلاص، كلها 10 أيام وعيلتنا الحلوة هتكمل.
ماسة بشوق: أنا مشتاقة أوي يا سليم لليوم ده، وإن أخيرًا هاشم ريحتها وأعرف شكلها وأخدها في حضني.
أكمل سليم بسعادة وهو يضحك: أخيرًا هاشوف المفعوصة الصغيرة إللي دماغها متكلفة دي. مش هنسى أبدًا إنك بسببها كنت بتشمي سجاير وشيشة.
أكملت ماسة: "وبنزين.
سليم وهو يضحك: صح، وبنزين.
ماسة ضحكت برقة: طب يلا خلينا نروح بقى، الدكتورة مستنينا، عيب.
ابتعد سليم قليلاً وهو يتأملها بعشق، ثم وضع قبلة على عينيها وشبك كفه في كفها، وتحركا.
جلسا بجانب بعضهما وهما ممسكان بأيديهما على المقاعد الأمامية للمكتب.
الطبيبة: بصي، ممكن يجيلك مغص، فلازم تفرقي بين المغص والطلق.
ماسة: تمام.
الطبيبة: حاولي تتحركي كتير على قد ما تقدري. الحركة كويسة جدًا في الفترة دي، بتسهل في يوم الولادة، خصوصًا إنك هتولدي طبيعي.
ماسة: حاضر.
وجهت نظراتها لسليم: ولازم نزود العلاقه الزوجيه على قد منقدر.
سليم: اكتر من كدة.
الطبيبة: يعني يا لو كل يوم او اكتر يبقى كويس جداً معلش هنتعبك شوية.
نظر سليم لماسة التى شاحت بوجهها لاسفل قال بابتسامة: انا معنديش مانع خالص.
الطبيبة: "المقابلة الجاية يوم الولادة بإذن الله."
تبسم سليم وماسة معًا: "إن شاء الله."
بقلمي ليلة عادل (╹▽╹ )❤️
سيارة سليم٤م
كان سليم يقود السيارة في أحد الطرق وبجانبه ماسة، والسعادة تملأ وجهيهما بعد خروجهما من عند الطبيبة ومعرفتهما بذلك الخبر السعيد.
ماسة بسعادة غامرة، وهي تتحسس بطنها: أنا فرحانة أوي، خلاص كلها ١٠ أيام وحور هتيجي.
سليم، وهو ينظر لها بابتسامة: مش هيبقى أكتر مني، أنا سبت اجتماع مهم عشان الست هانم إللي تعبانا (وضع يده على بطنها) من أول شهر ليها.
ماسة بدلع: تعيش وتتعبنا، إنت لسة شوفت التعب إللي بجد، التعب اللي جاي ههههه.
سليم بحب، نظر لها: والله أنا موافق تعملي إللي تعمليه، المهم تيجي بالسلامة لأني مشتاق لها أوي.
ماسة بدلال يليق بها: كراميل أنا وحور جعانين، خلينا نروح المحل إللي بنحبه.
سليم بحب: أنا تحت أمرك إنتي والست حور هانم، بس فيه شرط..." نظر لها ومد يده ووضعها على بطنها. "هتاكلوا كل إللي هتطلبوه، مش عايز دلع، ولا عايز أسمع كلمة 'مش قادرة' والكلام ده. أوكيه؟
ماسة، وهي تضحك بدلال: أوكيه، بس أكلني بإيدك.
سليم بعشق عيوني .. اكمل بمزاح: وبعدين نروح على طول عشان نطبق العلاج بتاع الدكتور.
ماسة وهي تضحك: طبعا انت اكتر حاجة عاجباك في الموضوع كله كلام الاخير بتاع الدكتور
سليم وهو يضحك: طبعاً طبعاً.
وفجأة اتسعت عينا ماسة، وكاد قلبها أن يتوقف من شدة الصدمة. صرخت بصوت ممزوج بالخوف واليأس، وعروقها البارزة تكشف عن شدة توترها: سلــــيم، حاسب!
كان صوتها كجرس إنذار، لكن الوقت لم يسعفهما. التفت سليم نصف التفاتة، ولكن قبل أن يرى ما يحدث، انطلقت سيارة نقل مسرعة نحو جهته، واصطدمت بهما بعنف مزلزل. لحظة الاصطدام كانت كأنها دهر؛ صوت الحديد يتكسر، والزجاج يتناثر، وصراخهم يختلط بهواء مليء بالخطر.
انقلبت الأجواء في السيارة، أجسادهما ارتفعت عن المقاعد ثم هبطت بعنف. ماسة شعرت بأن كل شيء يتباطأ، بينما جسدها يندفع بقوة إلى الأمام. كان الحزام الذي ترتديه أشبه بطوق نجاة، لكنه لم يمنع رأسها من الاصطدام بالتابلوه. ارتطمت، لكن الألم كان أكبر من مجرد خبطة؛ كأنه قادم من أعماقها، من خوفها، من صدمة اللحظة. شعرت بوهن في جسدها، قبل أن تسقط فاقدة الوعي، تاركة خلفها أنفاسًا متقطعة.
أما سليم، فقد شعر وكأن الزمن توقف وهو يطير بجسده نحو الدركسيون. قوة الاصطدام جعلت الهواء يُنتزع من صدره، قبل أن ينفتح بالون الأمان، ويعزله عن كارثة أكبر. لكن الألم ظل حاضرًا؛ ألم صدره، وألم عجزه عن حماية ماسة.
في تلك الثواني القليلة التي بدت كأنها أبدية، كانت السيارة تدور حول نفسها كأنها تبحث عن نهاية. سليم تمسك بالدركسيون بقوة، ويداه ترتعشان من شدة التوتر، كان قلبه يخفق بجنون، وكأن كل نبضة تصرخ: "لا تفقدها... لا تفقدها!"
صرخ بصوت متهدج، كأن الكلمات نفسها تكافح للخروج: ماسة! ماسة، خليكي معايا! ما تسيبينيش!
وبعد لحظات من الكفاح المستميت، نجح سليم في السيطرة على السيارة، وأوقفها أخيرًا. جلس لثوانٍ يلهث، صدره يعلو ويهبط بسرعة، ووجهه شاحب كأنه فقد الحياة للحظة. عينيه، رغم اتساعهما، كانتا غارقتين في خوف لم يختبره من قبل. شعر بوخز الجروح الصغيرة على وجهه وشفتيه، واضلاعه لكن الألم الحقيقي كان أعمق.
بصوت مكسور، مليء بالحزن والخوف والضعف، قال وهو يفك حزام الأمان: ماسة... إنتِ كويسة؟
نظر إليها، وعيناه تملؤهما الدموع التي حاول أن يحبسها دون جدوى: عشقي... ماسة! ردي عليا!
مد يده المرتعشة نحوها، ليلمس كتفها برفق، وكأنه يحاول أن يعيدها إلى الحياة. لكنها لم تستجب. رأسها كان مائلًا على المقعد، ووجهها الشاحب مخضب بالدماء التي تسيل من جبينها، مزيج من الضعف والألم أحاط بها.
اقترب أكثر، وخبط على وجهها بخفة، وصوته يرتجف كأن الكلمات خرجت منه بصعوبة: ماسة... ماسة، اصحي! ما تسيبينيش لوحدي، أرجوكي!
كان العالم من حوله ساكنًا، إلا من صوته وصمتها. شعور بالعجز اجتاحه، كأنه فقد كل قوة يملكها. لم يكن يريد سوى شيء واحد... أن تفتح عينيها.
لكنها لم تجب، حاول سليم تمالك نفسه، رغم الألم الذي ينهش أضلاعه والقلق الذي يغلي في صدره. أنفاسه كانت ثقيلة ومتقطعة وهو يتأوه بصوت مكتوم، يحاول الخروج من السيارة بسرعة لإنقاذ ماسة، التي لم ينسَ أنها حامل في شهرها التاسع.
مد يده بصعوبة إلى الباب، وفتح القفل، لكنه واجه عائقًا آخر: بالون الأمان الذي يعيق حركته. دفعه جانبًا بألم وإصرار، محاولًا تجاوزه رغم المقاومة التي واجهها من جسده المرهق. وبعد جهد بدا كأنه أبدي، تمكن أخيرًا من الخروج.
توجه إلى الجهة الأخرى، يجر قدميه بصعوبة، وكل خطوة تشبه السكاكين تغرس في أضلاعه. كانت يده تضغط على جانبه، محاولة تخفيف الألم الذي بات لا يُحتمل. عيناه محمرتان من شدة الإرهاق، ووجهه شاحب يوحي بخطر قادم.
كان ضوء الشمس في وضح العصر يخترق الزجاج المحطم للسيارة، يعكس وهجًا على الأرض وكأنه يفضح الحادث المأساوي.
وصل إلى باب ماسة وفتحه بيدين مرتعشتين، وعيناه تفيض بالدموع وهو يهمس بصوت مكسور، بالكاد مسموع: "ماسة... عشقي..
نظره ارتكز على وجهها الباهت، وعلى الدماء التي تسيل من جبينها. لكن ما زاد الطين بلة هو بطنها البارز، الذي ذكّره بخوفه الأكبر: الطفل. انسابت دموعه على خديه بحرقة، لكنه مسحها بسرعة. لا وقت الآن للضعف... عليها أن تعيش، وعليهما أن ينقذا طفلهما القادم.
فك حزام الأمان بعناية، وكأن أي حركة خاطئة قد تزيد من ألمها. رفعها برفق من مكانها، كأنها تحمل حياتين بين يديه. وضعها على الأرض بحرص، وأسند رأسها وظهرها على عجل السيارة. كانت المنطقة خالية، الشارع مهجور، وصوت السيارات من بعيد بالكاد يُسمع، في حين كانت هذه الزاوية من الطريق تبدو معزولة تمامًا.
جلس أمامها على الأرض بوضع القرفصاء، ينظر حوله بحثًا عن أي شخص قد يساعده. لكن المكان بدا كأنه منقطع عن الحياة. صوت خافت يخرج منه، محمّل برجاء يائس: "ماسة... ماسة روحي، اصحي، أنا هنا معاكي.
مد يده المرتعشة إلى وجهها، وربت عليه برفق، كأنه يخشى أن يوقظها من حلم مؤلم: ماسة... قولي حاجة، لو حتى همسة.
وضع أصابعه على نبضها، فشعر به ضعيفًا. تنفس بارتياح صغير، لكنه لم يتوقف عن المحاولة،وضع يديها على بطنها:
عشقي، فتحي عينيكي، أنا محتاجك، بترجاكي فتحي عينك
انهمرت دموعه بحرقة، وكان قلبه يغلي بالقهر والخوف. فجأة وقعت عيناه على زجاجة مياه ملقاة على أرض السيارة. التقطها بسرعة، فتحها، وصب القليل على يديه، وبدأ يمسح بها وجهها بحنان، كأنه يتشبث بأي أمل: ماسة، فوقي، من فضلك... قومي!
مرت لحظات بدت كأنها دهور، قبل أن تبدأ عيناها تتحرك قليلاً. راحته كانت واضحة في نظرته، لكنه ما زال قلقًا.
ماسة بألم وهمس: آه...
سليم بسرعة وبصوت مرتجف: ششش، ماتتحركيش! إنتِ كويسة؟ أنا هاتصل بالإسعاف. خليكي معايا، ما تغمضيش عينك!
هزت رأسها بضعف، وفتحت عينيها نصف فتحة، بينما كان الألم يعتلي ملامحها
وضع سليم قبله على بطنها، نهض بصعوبة، يئن من شدة الألم، وأخرج هاتفه من جيبه الذي بدا مكسورًا بفعل الحادث. حاول استخدامه، لكن... لا توجد شبكة!
تحرك خطوات أخرى، يرفع الهاتف بحثًا عن إشارة، وأثناء ذلك، سمع صوتًا جهوريًا يصيح باسمه:سليـــم!
التفت بسرعة، وما رآه كان كابوسًا يفوق كل مخاوفه. اثنان من الرجال المسلحين كانوا يمسكون بماسة!
أحدهم كمّم فمها بيده القوية، بينما أمسك بشعرها بقسوة. دموعها كانت تنهمر بغزارة، وبطنها البارز يتحرك بصعوبة مع أنفاسها المقطوعة. الرجل الآخر كان يقيّد يديها خلف ظهرها بعنف.
وفي الخلفية، ظهر عدد كبير من الرجال المسلحين، يحيطون بالمكان، أسلحتهم مصوبة نحو سليم. بدوا كالأشباح التي خرجت من العدم، يملكون السيطرة المطلقة على الموقف.
سليم كان يقف عاجزًا، جسده يرتجف، وعقله يصرخ: "من أين أتوا؟ وماذا يريدون؟
هل خرجوا من السيارة المركونة أم من العمارات؟
فور أن رآهم سليم يمسكون بماسة، اتسعت عيناه رعبًا عليها من هول الصدمة والمفاجأة. شعور غريب بالفراغ انتابه، قلبه يكاد يتوقف، وكل ذرة في جسده كانت تطلب منه التحرك، لكن الخوف كان يحبس أنفاسه.
هبط هاتفه ببطء من يده وهو يبتلع ريقه بتوتر شديد، كان في موقف لا يُحسد عليه! قلبه يصرخ في صدره، لا يعرف ماذا يفعل، هو بمفرده وسط مجموعة من المرتزقة، بلا سلاح، مصاب، ومعه زوجته الحامل التي تحمل معه كل آلامه وأحلامه.
وفجأة، اقترب منه اثنان ملثمان وأمسكوه بقوة، حيث وضعا يده خلف ظهره وكلاهما أمسكه من كتفه. كانت يداه ترتجفان، وعينيه لا تفارق ماسة، كما لو أن العالم كله اختفى من حوله. لم يستسلم لما يحدث، لكن قلبه كان يعصره الخوف عليها، وكان يشعر بأن كل لحظة تمر تزيده ضعفًا. محاولاته أن يكون عاقلًا من أجل حمايتها كانت تزداد تعقيدًا. هو الأضعف الآن، وكان كل جزء في جسده يناديه لكي يقاوم، لكنه شعر بالعجز يتسلل إلى قلبه. هو الذي كان دائمًا الحامي، واليوم أصبح عاجزًا، والهمسات الباهتة في عقله تردد أنه لا يستطيع فعل شيء.
سليم بنبرة مهتزة محاولًا تمثيل القوة: أنتم مين؟
لكن فجأة، نظر له الملثم الذي كان من يضع يده على فم ماسة، بابتسامة قاسية تظهر في عينيه من أسفل غطاء الوجه وهو يميل برأسه قليلًا، تلك الابتسامة التي كانت تخفي وراءها قسوة لا يمكن تصورها.
ثم، فجأة، أخرج سكينًا. اتسعت عينا سليم بشدة حينها، كان قلبه يصرخ، لكن جسده لا يطاوعه، شعر بالعجز التام، بانتظار لحظة النهاية.
ودون أي سابق إنذار، وبحركة سريعة وغير متوقعة، لف السكين حول جسده وطعنها في بطنها،
شعر سليم وكأن الأرض تبتلع قدميه، وكأن العالم كله ينهار في لحظة واحدة، بعينين تتسعان من الرعب، صرخ باسمها بنبرة رجولية جهورة، مــاسة!
كانت صرخاته مليئة بالفزع والألم، قلبه يتقطع وهو يحاول أن يتخلص ممن يقيدونه.
أما ماسة، فقد نظرت لبطنها بصدمة ورعب، دموعها تتساقط بغزارة، جسدها يرتجف من الألم والخوف. كانت تلك اللحظة كالعمر كله بالنسبة لها، تتخيل نفسها تموت أمام عينيه، قبل أن تلمس يداه، قبل أن يراها ثانية كما كانت.
أخرج الملثم السكين بسرعة وطعنها مرة أخرى في مكان آخر، وضحك ضحكة عنيفة ومضطربة، ضحكة تنفجر من أعماقه وكأنها تقطع قلب سليم إلى أشلاء. كانت تلك الضحكة تزداد عمقًا في جراحه، تزيد من مرارته وعجزه.
لم يستطيع سليم، تصديق ما يحدث أمامه، خرجت كلماته بصوت ضعيف ومتوتر مكتوم، ودموعه تتساقط وكأنها نار تحرق وجهه: حور...
ترك الملثم ماسة فسقطت على الأرض، جثة هامدة، والدماء تسيل منها بغزارة، ومعها سقطت كل آمال
أما سليم لم يستطيع كان يحاول الإفلات من القبضة الحديدية للمعتدين. حاول الهروب، لكنه كان في حالة من الضعف، جرحه يؤلمه ودمائه تسيل بغزارة.
فجأة، تركوه. فركض نحوها، يلهث بألم وهو يصرخ: "
ماسة!
لكن أثناء ركضه، أخذ رصاصة في قدمه. اتسعت عيناه، ودموعه هبطت على وجنته بحسرة، وكأن الزمن كله قد توقف في تلك اللحظة. كان يعلم أنه ميت لا محال، لكن كان يقاوم بكل ما تبقى له من قوة، فقط لكي يصل إليها، حتى لو كان سيموت بجوارها.
أكمل، وهو يشد على قدمه بصعوبة، لكنه بعد بضع خطوات تلقى رصاصة أخرى في ظهره. اهتز جسده أثر الرصاصة، وتوقف للحظة، أخذ نفسًا عميقًا، وكأنه يحاول أن يشبع رئتيه بأي نسمة من الأمل، ثم أصر على إكمال خطواته...
قبل أن يصل إليها، تلقى رصاصة ثالثة.
سقط أرضًا بجوارها، ليعلن فقدانه السيطرة. رفع عينيه نحوها وهو ملقى على الأرض، والدماء تسيل من فمه، بدموعه قال بنبرة مكتومة: ماسة... حور... م ماس… ماسة عشقي.
أخذ يرمش بعينيه للحظة، ثم أغمضها، وفقد وعيه، وكانت اللحظة التي رحل فيها.
اقترب منهما الملثم الذي كان قد طعن ماسة، وكانا ملقيين على الأرض، غارقين في دمائهما. مرر عينيه عليهما بانتصار بارد، لا يهمه سوى فوز اللحظة التي أعاد فيها القسوة إلى العالم. ثم أشار بيده لمن معه.
ركضوا نحو إحدى سيارات نقل الأثاث التي تشبه سيارات الآيس كريم. فتحوا الباب الخلفي وصعدوا إليها بسرعة، ثم انطلقت السيارة مسرعة.
كل هذا المشهد كان يراه رشدي من بعيد، يقف على أول الشارع.
رشدي!!! نعم، رشدي كان يشاهد ما حدث عبر نظارته المكبرة، وأخذ يراقب بصمت، لكن مع اتساع عينيه، بدأ يرفع النظارة من على عينيه بصدمة، وكأن رؤيته كانت تكشف له واقعًا لا يمكن تصديقه إيه إللي حصل ده؟!