رواية أحفاد الجارحي الفصل الرابع 4 والخامس 5 الجزء الخامس بقلم ايه محمد


رواية أحفاد الجارحي 

الفصل الرابع 4 والخامس 5 الجزء الخامس 

بقلم ايه محمد

تسللت بحذرٍ وخفة حتى دنت من الفراش، فخلعت حذائها الصغير، ثم تعلقت بطرفه المدبدب، حتى أصبحت تعلو سطحه، فاندثت أسفل الغطاء ، ثم وضعت رأسها فوق ذراعه المنفرد، رمش بعينيه بانزعاجٍ حينما شعر بحركةٍ تصدر من جواره، ففتح “أحمد” عينيه ببطءٍ شديد، وما أن اتضح له سر ما أيقظ منامته حتى ارتسم على وجهه ابتسامة جذابة، فجذبها لاحضانه الدافئة وهو يهمس بنومٍ يغلب صوته المنخفض:


_عملتي أيه في مامي وجاية تتحامي فيا؟

ابتلعت الصغيرة ريقها الجاف بتوترٍ اتبع نبرتها الطفولية:

_لا أنا مش عملت حاجة .

ضيق عينيه بشكٍ جعل قناع البراءة يسقط عنها، فاختبأت باحضانه وهي تردد بحرجٍ:

_كنت بلعب في الاكسسرز بتاعها والعقد واقع مني انكسر بدون قصد.

مرر يده بحنان على طول خصرها وهو يقربها إليه، وبعتاب طفيف قال:

_هي مش مامي حذرتك قبل كده انك متقربيش من حاجتها يا ليان!

اشرأبت بعنقها تجاهه وهي تبرر فعلتها:

_مكنتش أقصد اوقعه مني، كنت بشوفه بس وآآ.

انقطعت باقي جملتها حينما استمعت لصوت والدتها يدنو من الغرفة ، تناديها بتعصبٍ شديد:

_ليـــــــــــان.

تعلقت الصغيرة بأبيها بخوفٍ جعلها ترتجف بين يده، فضمها اليه وهو يعتدل بنومته حتى صار بقبالة من تقتحم الغرفة بغضبٍ يلهو بمعالم وجهها المتهجمة، وبحدةٍ تلاعبت بنبرتها قالت:

_مش هتعرفي تهربي مني المرادي.

ورفعت العقد المصنوع من الألماس عاليًا:

_قولتلك الف مرة متجيش جنب الصندوق وانتي مش بتسمعي الكلام!

أشار لها أحمد وهو يهدهد صغيرته:


_خلاص يا سيلا حصل خير، هبقى أجبلك واحد غيره.

ألقت ما بيدها وهي تصيح بانفعالٍ:

_انا ميهمنيش العقد أكتر ما يهمني انها تسمع كلامي يا أحمد!

واسترسلت بغضب:

_وعشان كسرت كلامي المرة دي كمان أنا مش هكلمها تاني.

وكادت بترك الغرفة بأكملها، ولكنها توقفت حينما استمعت لصوت ابنتها الباكي تناديها:

_لا يا مامي.. أنا آسفة مش هعمل كده تاني. بس بلاش تخاصميني.

رق قلبها حينما وجدتها تأثرت بتهديداتها المتعصبه، فاستدارت بجسدها تجاه الفراش، ثم فتحت ذراعيها للصغيرة التي تركت أبيها وهرولت لاحضانها، فطبعت “أسيل” قبلة صغيرة على جبهتها، وهي تهمس لها برفقٍ:

_طب خلاص متبكيش.. ما أنا سامحتك.

ابتسمت وهي تجفف دمعاتها باصبعها، وتشير لها بتوقفها التام عن البكاء، فضمتها مجددًا إليها.

وضع الوسادة خلف ظهره وهو يتابعهما ببسمةٍ واسعة، فأطلق صفيرًا مرحًا:

_الا يشوف المشهد الجميل ده ميشوفش اللي حصل من تلات دقايق بالظبط.. حقيقي البنات بطبعها لغز ملوش أي حلول، في دقيقة بتقدر تستحضر دموعها وفي نفس الدقيقة ابتسامتها، انتوا مش طبيعين!


انتقلت نظرتهن معًا تجاهه، فنهض عن الفراش وهو يرفع ذراعيه عاليًا باستسلامٍ:

_ده مدح مش نقد.

وحينما لم تخفف كلماته من حدة النظرات استرسل:

_انا كنت نازل على فكرة.

واتجه لحمام غرفته وهو يهمس بتذمرٍ:

_حقيقي اللي بيحصل ده مش طبيعي!

******

فرك بيده رقبته بالمٍ، بعد أن قضى ليله على التراس الخارجي للقصر، نهض “عدي” وهو يجمع مفاتيحه وجاكيته الملقي أرضًا، ثم اتجه لغرفته ليبدل ملابسه قبل أن يتوجه للمقر، صعد الدرج قاصدًا غرفته، فتفاجأ بابنة اخيه تزحف للخارج بيدها، وحينما رأته تعالت ضحكاتها وارتفع ذراعها اليه تطالبه بالاقتراب، ارتخت شفتيه القاسية التعابير عن مخضعها، وتحررت ابتسامة هادئة تقابل وجهها الملائكي، فانحنى بطول قامته إليها ثم حملها إليه بخفةٍ، فداعبها بابهامه بحبٍ:

_أيه اللي مصحي الجميل بدري كده.

ابتسمت الصغيرة وهي تحتضن اصبعه، فطبع قبلة على جبهتها، ثم مرر يده على شعرها القصير،فأخبرها:

_الضحكة دي كفيلة تخليني أجازف بقرار الخلفة مرة تانية.

مرمغ وجهه بخديها الناعم ليداعبها بمرحٍ، فتعالت ضحكاتها بجنونٍ، احتضنها عدي وصوت ضحكاته الرجولية تعلو لتخترق آذان من يراقبهما بفمٍ مفتوح ببلاهةٍ، فظل محله حتى انتبه اليه الاخير، فدنا منه ووضع الصغيرة بين يديه، وحك انفه بتوترٍ من هيبته التي اهتزت قليلًا أمام أخيه، عبث “عمر” بحدقتيه وهو يراقبه بصمتٍ، فمرر يده على رقبته وعيناه تفترق بتأمل الطابق السفلي بثباتٍ مخادع، وعاد ليتأمل اخيه الصامت، فتنحنح بخشونةٍ:


_هتفضل واقف كده كتير!!

تساءل ببلاهةٍ:

_اعمل أيه!

اخشوشنت نبرته وهو يحاول استعادة حزمه الغير مرهون:

_وسع من طريقي!

تنحى جانبًا بابنته، فودعه الوحش بنظرةٍ شرسة، سكنت حينما ودع الصغيرة بحنان وسكينة جعلت عمر يتمتم بخفوتٍ وهو يرفع الصغيرة امامه:

_بتسيطري عليه ازاي!

*******

واصل بخطاه المتزن الشبيه بخطوات العسكر تجاه خزانته الخاصة، فانكمشت تعابيره بذهولٍ مقبض حينما لم يجد ملابسه قابعة بداخلها مثلما اعتاد رؤية ما يزحمها، استحضر كل ذرة غضب بداخله وهو يستعد لدعوتها للمسود امامه، وقبل أن يتحرر لسانه عن منطقه وجدها تقف خلفه، ترمقه بنظرةٍ غائمة لا تبوح بمكنونها، فسبقته بالحديث باعترافها الجريء:

_المرادي مفيش حد من الاولاد قرب لحاجتك انا اللي نقلت كل حاجة تخصك لاوضة من اوض الضيوف.

تجعد جبينه بدهشةٍ حام فوقها الغضب بجفون من نيران فتساءل باستنكارٍ لما استمع عليه:

_عملتي أيه؟

رفعت “رحمة” رأسها عاليًا بشموخٍ عجيب، فجابهته بحديثها الذي فجأه كليًا:

_زي ما سمعت.. حسيت انك محتاج الفترة دي تكون لوحدك لأنك تقريبًا بتقضي أغلب أيامك بره، فحبيت أريحك من الجناح اللي مبقتش تلاقي راحتك فيه.


اشتعلت مقتليه ببركانٍ محتقن كاد برجمها حيةٍ، فاتبعته عاصفة قاتمة:

_أيه الهبــــل اللي بتقوليه ده؟

بتصميمٍ لم يتخلى عنها قالت:

_زي ما سمعت يا عدي، المكان مبقاش مريحك ولا انا كمان.

ودنت الخطوة الفاصلة بينهما ببطءٍ حتى باتت قبالته، فاستكملت حديثها بعينٍ غائرة بالدمع رغم قوة صمودها الذي يراه لأول مرة:

_أنت عايز تخرجني بره كل شيء يخصك.. شغلك، عيلتك، ابنك.. كل حاجة بتقولي خليكِ بعيد.. شايفني مينفعش اتدخل في شغلك لانه شيء ميخصنيش، ولا ينفع اتدخل بينك وبين اهلك لانه ميخصنيش، حتى ابني!!

لا يا عدي أنا مش جارية عندك عشان تعاملني بالشكل ده، انا مراتك ولو مقدرتش تستوعب معنى العلاقة دي يبقى أنتي اللي هتكون بعيد مش انا.

كاد باعتصار فكه السفلي من شدة غيظه، فقال بسخرية:

_والكلام ده فجأة اتحرر وخرج من جواكي!! ولا كنتي محتاجة لحد زي ياسين الجارحي يشجعك ويحفظك تقفي قدامي وتقوليه!

تحررت دمعاتها تباعًا، فانفجرت بالبكاء المحتجز خلف صوتها المختنق:

_مش محتاجة لحد.. أنا اللي خلاص مبقاش فارق معايا حاجة.


وتعمقت بعينيه للحظاتٍ شعر بغرابتها، قبل أن تخبره بدموعٍ:

_أنت سبتني للوحدة تاني يا عدي، خلتني ارجع وأعيش نفس الايام اللي عشتها في بيت عمي من تاني..

وازاحت دموعها وهي تستطرد:

_تقدر تقولي ايه الفرق بين هنا وهناك وانا عايشة في نفس حالة الرعب والخوف طول الوقت!

رمش بعينيه عدة مرات بصدمةٍ، تشكلت بسؤاله مشيرًا على ذاته بدهشةٍ:

_خوف! مني انا يا رحمة!

تحدته باجابة نظراتها، وهو يتأملها بدهشةٍ، وسرعان ما انسحبت حينما استدارت للخلف وهي تردد:

_امشي يا عدي.. ارجوك اخرج.

رمقها بنظرةٍ قوية فوجدها لا تود أن تتطلع تجاهه، فابتسم بسخطٍ على ما ينجح أبيه بفعله لمن يحاطون به، يشعر أحيانًا وكأنه يجند الجميع لصالحه، وضع يده داخل جيب سرواله ثم هز رأسه ساخرًا:

_مبقتش فاهم هو عايز يوصل بيكم لفين!

ورفع اصبعه تجاهها بتحذيرٍ:

_سبق وقولتلك الف مرة مبحبش حد يتدخل في حياتي وخاصة علاقتي بيكِ، ولو طريقتك معايا دلوقتي كان وراها ياسين الجارحي صدقيني ردة فعلي مش هتعجبك.

وانحنى تجاه المقعد ثم جذب جاكيته بقسوةٍ وعصبية استهدفت باب الغرفة الذي صفق بقوةٍ كادت بهدمها فوق رؤؤسهما، تاركها من خلفه تحاول السيطرة على نوبة البكاء التي تصل صداها لقلبه قبل أن تستهدفها!


*********

شعر ببرودة تتخلل جبهته، وقبل ان يستوعب ما يحدث له بمنامته الغريبة كان يتلاقى الأشد برودة، فرك “حازم” جبهته بانزعاجٍ، وما أن فتح عينيه حتى انتفض من محله بصدمة حينما وجد ابنه يقف اعلى الطاولة، وبيده كرات من الثلج يصنعها بيده ويستهدفه كالفريسة المستسلمة دون أي مقاومة، كز أسنانه بغيظٍ فجذبه من تلباب ملابسه وهو ينهره بشدةٍ:

_انت مش هتبطل العبط اللي انت فيه ده.. أنا في حياتي مشفتش عيل سقيل ورزل زيك.

جاهد الصغير ليحرر ذاته وحينما فشل صاح عاليًا:

_مامي الحقي جوزك عايز يموتني.

ضيق حاجبيه بصدمةٍ:

_جوزك! أنت تربية حواري ياض!

واسترسل بندب ساخر:

_أنا كنت عارف ان فلوس تعليمك دي من مال حرام، عشان كده مشكوك في تربيتك وطلعت تربية شمال.

أبعده الصغير عن ملابسه وهو يصيح بانفعال:

_سيب القميص بهدلته بمسكة الحرامية دي!

_آسف معاليك.. تحب أكويهولك تاني؟

بعنجهيةٍ قال وهو يشير له:

_لا لا مفيش داعي.

عاد لمسكته بحدة تفوق سابقتها وهو يصيح به:

_أنت عايز مني أيه على الصبح يا طفل يا سقيـــل… قايم نايم رايح جاي بتقرف فيا ليه، أنا طالع عين أمي في الرومانسيات عشان تشرف ولما جبتك على وش الدنيا جيت عشان تتوبني!


دفعه بعيدًا عنه بتقزز:

_فين التوبة دي ما مراتك حامل وعلى وش ولادة يا عم!

انفرجت شفتيه بذهولٍ، فانتقلت نظراته تجاه من خرجت للتو من حمام غرفتها وتدنو بكل هدوء لخزانتها تنقي ما يليق بها، متجاهلة ما يدور بين الأب وابنه الهمجي، فاندفع كالثور تجاهها وهو يشكو بحنق:

_ما تيجي تشوفي ابنك ابو لسان طويل ده!

رمقته بنظرة جانبية، ثم عادت تسترسل ما تفعله وكأنها لم تستمع له من الأساس، فجذبها بغيظٍ:

_نسرين بقولك ربي ابنك بدل ما اشردك انتي وهو تحت كوبري 6اكتوبر ولا هيهمني!

فركت جبهتها بألم صداع الرأس المعتاد، فاتجهت بملل للطاولة ثم اشارت لابنها ببرود:

_احترم باباك يا حبيبي.

وتركته وعادت للخزانة مجددًا، والاخر يتابعها باستهزاءٍ:

_على اساس ان كلامك ده هيأثر على التربية المنحطة دي ولا أيه مش فاهم!

دفعت الفستان عن يدها وهي تصيح باندفاع:

_بقولك أيه أنا مش وسيط بينكم، عايز تربيه اتفضل من غير ما تدخلني بينكم، أنا خلاص اتخنقت منك ومنه.

وزع نظراته بينها تارة و بين ابنه الذي يراقبه بشماتةٍ تارة أخرى، فتنجنح بخشونة مصطنعة:


_وماله هربيه انا.. هيحصل أيه يعني!

وعاد ليقف مقابله من جديد، فرفع اصبعه تجاهه وهو يشير له:

_خليك محترم وابن ناس يالا بدل ما وربي هسحلك وأخليك عبرة لمن لا يعتبر.

جحظت عينيها بصدمة:

_أسحلك!! في واحد يقول لابنه هسحلك!

بغرور اجابها:

_مش انا قولت.. يبقى في!

وقف أمامه لتستعد لمعركتها الحاسمة، فدار بينهما صراع قوي، استغله الصغير لصالحه فتهاوى بجسده للخلف ومن ثم اندفع فجأة تجاهها وهو يصيح بفرحة:

_هيييي.

صرخت نسرين بالم وسقطت بجسدها وبطنها المنتفخة فوق حازم الذي احتضن الارض بحميمةٍ جعلت وجهه يدفن بسجاد الغرفة، ومن فوقه ثقل جعل أنفاسه تنقطع، تحسست نسرين بطنها المنتفخ وهي تردد بخفوتٍ:

_الحمد لله بنتي مجرلهاش حاجة.

اتاها صوته المتقطع من أسفلها:

_أ… ن… ا… اللي… م… ش… كويس..

تساءلت بحيرة:

_بتقول أيه؟

جاهد بكل قوته، فدفعها بعيدًا عنه وهو يسعل بارهاقٍ، وما ان استرد انفاسه الثمينة حتى ردد :


_نهايتي هتكون على ايدك انتي وابنك انا عارف.

وتحامل على ذاته وهو يتجه لحمام الغرفة:

_سايبهلكم مخضرة.

تابعته وهي تردد باستياءٍ:

_مجنون ده ولا ايه؟

*******

بالأسفل..

اجتمعت الفتيات بالقاعة بحضور “يحيى” وعلى ما يبدو لعدي الذي هبط للتو بأن هناك أمرًا هامًا يتناقشون به، فاسترق السمع لهم وهو يتناول قهوته الصباحية، فاستمع لمليكة التي قالت بضيق:

_بس كل الترتيبات دي هتروح علينا.. لان سفر بابا مكنش على البال خالص..

هزت نور رأسها بحزن واضافت:

_فعلا الرحلة دي لخبطت كل مخططاتنا واكيد عمي مش هيرجع الا بعد ما يحتفل بعيد جوازهم.

اختصت أسيل بحديثها يحيى:

_طب ما تحاول يا انكل تقنعهم يرجعوا عشان نقدر نفاجئهم.

أجابها بقلة حيلة:

_مش لما أعرف هما فين بالظبط.

وتابع بسخرية:

_وحتى لو عرفت مش من السهل اني اقدر اقنع ياسين الجارحي انه يتراجع عن رحلة طلعها هو.. هيرجع وقت ما هو يحب..

جذب “عدي” احدى الشطائر يلوكها بتلذذٍ واستمتاع لما يدور من حوله، فقال بصوته الرخيم الذي قطع مجلسهم ليشعروا بوجوده:


_واللي يقدر يرجعهم قبل الحفلة بساعات!

اتجهت جميع الأعين تجاهه فمنحهم بسمة ماكرة تخفي خبثٍ ودهاءٍ عظيم، فربما لم يكن من السهل على احدًا توقع ما يضمره ذاك المتمرد الشرس!


يتبع….🌺


رواية ترويض الشرس (أحفاد الجارحي 5) الحلقة الخامسة

صوته اقتحم جلستهم الشبة سرية، فنهضت الفتيات جميعًا وأسرعن بالإلتفاف من حوله على الطاولةٍ المستديرة، الا زوجته بقت محلها جوار يحيى الذي يحاول فهم ما يحدث هنا، فمن المؤكد بأن عدي يدبر لأمرٍ خطيرٍ، وريثما سيناجي ثورة عارمة ستكن الفتيات من ضحاياها لا محالة، لذا فضل الاستماع إليه وترك ساحة النقاش للفتيات التي لم تقصر بعملها، فقالت مليكة بفضولٍ:


_هترجعهم ازاي ومحدش يعرف مكانهم؟

نظرة خبيثة تهاوت من حدقتيه العسلية، اتبعها قوله الثابت:

_ازاي دي بتاعتي أنا.

تساءلت أسيل بعد تفكير:

_طب كده هنلحق نحضر القصر يا بنات، مفيش معانا غير يوم واحد بس!

ردت عليها داليا بتأكيدٍ:

_هنلحق إن شاء الله بس لازم نتأكد بس من ان عدي هيقدر فعلًا يوصلهم.

اتكأت رانيا بجسدها تجاه الطاولة لتكن قبالتها:

_لو قسمنا الشغل بينا كلنا هنلحق.

طرقت نسرين بيدها على الطاولة لتلفت الانتباه لما تود قوله:

_الشباب يساعدونا، احنا لوحدنا مش هنلحق نعمل حاجة.

تشاورت الفتيات فيما بينهمن والأخير يتناول طعامه في صمتٍ تام، يختطف النظرات السريعة لزوجته التي تجلس على بعد منه وترفض الاقتراب والانضمام للفتيات، قاطعت نور الهرج والمرج المتبادل بين أطراف الطاولة، حينما تساءلت بشكٍ وعينيها تراقب من يرتشف عصيره بثباتٍ:

_طب وأنت مستفاد أيه من كل الليلة دي يا وحش!

رفع وجهه ليقابل لقائها ببسمة ارتسمت على طرف شفتيه، ومن ثم وضع الكوب عن يده ببرودٍ اتبع نبرته:

_مش لازم يكون في دافع متبادل يا نور.. المهم إن هدفكم هيتحقق.


أبعد المقعد للخلف بقدميه وانتصب بوقفته وهو يخبرهن:

_وبدل ما بتحاول تعملي معايا تحقيق أكدي على أقرب صديق لياسين الجارحي لانه ببساطة ممكن يبوظ مخططاتكم.

ورفع نظارته لعينيه، ومن ثم جذب مفاتيح سيارته، وغادر بخطاه المتزن تاركًا من خلفه نظرات تلاحقه بغيظٍ من تجاهله المتعمد، وفشلها القاطع بتنفيذ الجزء المتعلق بالتجاهل، وكأنه يسبقها بخطوة!

*******

انتهى من وضع حاسوبه الخاص وبعض الملفات الهامة بحقيبته السوداء، دوى رنين هاتفه ليصل له مكالمته الهامة مع أبيه، فوضعها جانبًا ثم التقط هاتفه وهو يجيب بترحابٍ:

_يا أهلًا برعد باشا اللي من ساعة ما سافر وهو مش سأل في ابنه الوحيد.


أتاه ضحكة والده تسري لآذنيه، ختامًا بنبرة صوته الرخيم:

_مخلف قطة أنا عشان أنساك!

وانهى مزحه بتبرريه الجاد:

_انت عارف يا حبيبي إن الشركة هنا في ايطاليا واقعة من ساعة ما أحمد ويحيى سابوها ورجعوا مصر، فلازم حد مننا يكون موجود يباشر بنفسه الشغل.

رد عليه رائد بتفهمٍ:

_عارف ومقدر ده.. بس مش مبرر يخدك من قلة الرد عليا


وبعتاب يحمل طابع السخرية قال:

_سبحان الله بترد على داليا ليل نهار وتيجي عليا وتبقى مشغول.

وتمتم بغيظٍ:

_البنات عندكم حاجة واحنا حاجة تانية.. العنصرية دي هتولد فتنة بين طوائف الشعب!

انتابه الملل من الجدال الذي يتخذ مسار يخالف غايته:

_سيبك من شغل العيال ده وركز معايا، كنت بكلم يحيى النهاردة وعرفت باللي حصل بين عدي وياسين والصفقتين اللي عايز ياخدهم.

أكد له كناية الحرب التي ستجرى لا محالة:

_الموضوع مش سهل خالص.. واللي مش قادر أفهمه لحد دلوقتي أيه سبب الخناق اللي اتخلق فجأة كده بين عدي وعمي بعد ما الامور كانت ابتدت تبقى تمام بينهم!

أجابه رعد بحيرةٍ:

_مش هتفهم ولا هتقدر تستوعب حاجة، ده سر عسكري بيدور في راس ياسين الجارحي بس.

واستطرد بهمسٍ منخفض لم يكن مسموع للاخر :

_أنا حاسس ان ياسين وراه حاجة تانية بيدريها ورا اختباره لمنصب عدي.

رفع رائد صوته متسائلًا بعدم فهم:

_حضرتك بتقول أيه!

عاد صوته مسموعًا من جديد:

_لا متخدش في بالك.. المهم انكم بخير.. انا كلها يومين وهخلص الاوراق اللي معايا وهرجع انا وعز بإذن الله.


_توصل بالسلامة.. هكون باستقبال حضرتك بالمطار.

_إن شاء الله يا حبيبي.. مع السلامة.

أغلق رائد هاتفه، ثم عاد ليحمل الحقيبة التي وضعها على مكتبه الخاص، فانعقد حاجبه بذهولٍ حينما لم يجدها، فبدأ رحلة بحثه التي انتهت بأسفل المقعد والطاولة، وقبل ان يستقيم بوقفته استمع لصفيرٍ يأتي من اعلى فراشه، وحينما رفع رأسه وجد ابنه يرقص أعلى الوسادة وهو يشير له بالحقيبة:

_بتدور على دي يا بابي!

كبت غيظ العالم بأكمله، وإختبأ خلف قناع الأب الرزين الذي يتعامل بحرفيةٍ مع ابنائه، فقال ببسمةٍ مصطنعة:

_أسورة حبيبي، أنا محتاج الشنطة دي جدًا عشان أنا فعلًا متأخر ولازم أنزل حالًا.

هز رأسه بالرفض الصريح وهو يبرر موقفه:

_مش قبل ما تسمع طلباتي كلها وتوعدني انك هتنفذها.

كز على أسنانه بقوة جعلت اصطكاك اسنانه مسموع كنغمة مزعجة:

_أنت ليه دايما طلباتك بتيجي بالضرر على شغلي.

عاد ليهز جسده الصغير على الفراش، مستغلًا حشية القطن التي ترفعه بكل سهولة:

_استغل وقتك بالتفكير لو مستعجل.

رفع احد حاجبيه بسخطٍ:

_قلبك حنين وبتفكر ازاي توفرلي وقت!

وبنفاذ صبر تساءل:


_قول وخلصني.

توقف عن الاهتزاز ودنا ليصبح قريبًا منه، وأشار له بأن ينحني بقامته تجاهه ليتمكن من سماع ما سيقوله:

_خليك أب جنتل واحجزلي رحمة من انكل عدي عشان حاسس ان يحيى حاطط عينه عليها.


جحظت عينيه في دهشةٍ عارمة لما يستمع إليه، ولكن لم يصل به الحال للصدمة، فهو يعلم بأن ابنه استمد الوقاحة من احد ابناء اعمامه، على اعتراف كامل بأنه بعيدًا كل البعد عن تلك التهمة الخطيرة التي لا تمس باخلاقه السامية، ومع ذلك اجابه باستهزاءٍ:

_مش شايف انها مش هتناسبك!

حك جبينه بتفكيرٍ طال به، فعاد ليهمس له من جديد:

_خلاص شوفلي حلا أو يارا بنت انكل معتز.

اتسعت ابتسامته المخادعة، فرفع ساقه عن الارض ليحرر حذائه، ثم قال وهو يرسم وجه المحبة:

_كبرت يا حبيبي وبقيت بتتشرط في اختياراتك.. لا وما شاء الله مختار وش القفص.. عين عند عدي وعين عند عمر ومعتز والله اعلم الدور عند مين تاني من الاجيال اللي هتشرف دي… وطبعًا محدش هيسدد فواتيرك الا أنا.

ورفع الحذاء عاليًا ومن ثم تلقفه بغلظةٍ، فاندفع به تجاهه وهو يردد بعصبيةٍ:

_انت محتاج اعادة تربية من اول وجديد.

ترك الصغير الحقيبة وهرع للخارج يصرخ بطلب النجدة، ومن خلفه يركض رائد بالحذاء وهو يصيح:


_أربيك انا أحسن ما أنا اللي اتربى!

هبط للاسفل سريعًا باستخدام الدرج فتفاجئ بهم الجميع، وقف الصغير يختار وجهة للحماية من غضب أبيه بحذرٍ، فكان اختياره سريعًا حينما أسرع خلف ظهر جاسم الذي هبط للتو من أعلى، فمنع يد رائد من الامساك بمن يحتمي به فدفعه للخلف بتعصبٍ:

_هو أحنا معتش ورانا غير معركتك الصباحية بينك وبين ابنك يا رائد.. يا عم احترم سنك وطولك بقى.. هيبتك بقت في الارض وانت بتجري وراه شبه الطور السايب كده!

ترك غيظه وتاره عن صغيره في تلك اللحظة، وانتصب بطوله بكل كبرياء لمن يهاجمه بفظاظةٍ:

_أما أنا ابقى طور أنت تبقى أيه يا همجي!

جحظت عينيه في صدمة:

_انا همجي! تصدق بالله انا لو مكان ابنك لكنت اتبريت منك من زمان.. انا حقيقي معرفش هو مستحملك على أيه؟

وجذب الصغير من خلفه ثم دفعه تجاهه وهو يصيح:

_عندك ابنك اهو.. اصطفل معاه.

وقبل ان تطوله ذراع رائد حال معتز تلك المرة بينهما وهو يشير له برفقٍ:

_صلي على النبي يا جدع.. احنا لسه على الصبح وورانا يوم طويل عريض في المقر.. بلاش تفقد طاقتك كلها هنا صدقني هتحتاجها بعدين وخصوصًا مع عدي.


تأمله ساخرًا، وكأنه لم يقتنع بحجته، فركل معتز حازم المنشغل بتناول الشطائر الشهية بالعسل الأبيض، قائلًا بغضبٍ:


_ما تقول حاجة يا زفت!

جذب احدى ثمرات التفاح، فقضم قطعة بفمه كله، ومن ثم نهض عن مقعده ليستدير به تجاههم، فقال وهو يمضغ ما بجوفه بشكلٍ مقزز:

_مبحبش اتدخل في خناقات من النوع ده.. وخاصة مع ابن رائد السقيل.

وضعت نسرين القهوة التي تحملها على الطاولة بحدةٍ سبقت حديثها:

_انت ليه عندك كل الاطفال سقيلة ولا تطاق!

جذب حازم القهوة ليختم بها طعامه وهو يجيبها بلا مبالاة:

_أي طفل فيه عرق الجارحي هيبقى سقيل لانه شارب من نسل ابويا.. اذ كان انا نفسي ورثت منه كل حاجة مع اني مبحبهوش لله في الله وبالرغم من كده طلعت زيه!

_شوف ازاي!! دي حاجة تحير فعلًا انك تطلع شبه باباك… دي معجزة الكوكب!

كلماتٍ ساخرة تحررت على لسان عمر الذي يهبط خلف أحمد وياسين المتفرج بملل لما يحدث بالطابق السفلي الذي بات يمقت الهبوط اليه كل صباح، اكمل احمد طريقه لاقرب مقعد، فوضع صغيره أويس الذي يحمله بين ذراعيه بكل حب، ومن ثم وضع عدد من الوسادات من حوله حتى لا يسقط أرضًا، بينما استند ياسين على الدربزين وتمايل بجسده ليشاهد ختام المعركة، وقف أحمد مقابل رائد ليسأله بخوفٍ:

_ حازم هو سبب الفوضى دي؟


اتاه رد اخيه يستنجد:

_كل حاجة تتهموها فيا، انا بريء من مصايب العيلة، خلاص بقا في اجيال جديدة تخلص على جتتكم القديم والجديد يا حبيبي.

وجذب مفتاح سيارته وهو يشير لهم بعنجهيةٍ:

_انا مش عارف ايه مقعدني هنا لحد دلوقتي، انا ورايا اجتماع مهم جدًا ولو حازم باشا الجارحي محضرش كل حاجة بنفسه الدنيا كلها هتقف.

وترك ساحته وغادر في هدوء مريب، كارثي لمن حوله، مال جاسم تجاه الدرج حيث يقف ياسين وهمس بسخطٍ:

_التفاني ده وراه نسوان اسمع مني.

والتزم بالصمت لدقيقةٍ يحسم امره الذي انتهى بقوله:

_طب يا شباب حد عايز مني حاجة.. هسبقكم انا وانتوا حلوا مشاكلكم كلها وحصلوني. .

******

مرت ساعة كاملة يحاول فيها أحمد معرفة سبب الخلاف العصيب بين رائد وابنه الذي يعود لفتح حسابات الماضي وما حدث منذ ولد حتى تلك اللحظة، وكأنه يتعشم بأن أحمد سيقتل اباه وسينهي صداع رأسه، فقال عمر بملل:

_خلاص بقى يا آسر.. بابي قالك انه هيجبلك هدية حلوة يصالحك بيها عدي بقى اللي حصل واتأسفله.

نظر له الصغير بلطفٍ خبيثٍ اتبع نبرته الماكرة:

_بشرط يوعدني انه هينفذ اللي طلبته منه.

تساءل عمر بفضولٍ:


_اللي هو!

وزع الصغير نظراته بينه وبين ابيه بارتباكٍ، فاشار له رائد بسخرية:

_ما تقول لانكل كنت عايز ايه يا حبيبي.

طال صمته لدقائقٍ قطعها حينما قال بتردد:

_يجوزني حلا.

توقع الجميع طوفان من الغضب سيموج بالصغير وربما سيطولهم، ولكنهم وجدوا ابتسامته تزداد حتى كادت بأن تصل للأذن:

_بس كده.. عيوني.

ونهض عن مقعده ثم اقترب من نور التي تراقب ما يحدث وهي تحمل ابنتها بين يدها، فحملها عنها وعاد للصغير ووضعها بين يديه:

_كده حلينا المشكلة.

بدهشة ردد أحمد:

_بالبساطة دي!

اجابه بسعادة غريبة:

_انتوا فكرني دقة قديمة من بتاعت الا بناتي اوعوا تقربلهم وجو الاسلحة والكلام ده… يا عم الدنيا ابسط من كده بكتير.. هتعمل حظر على بنتك ومهما تعلي سور المراقبة هيجي اليوم اللي هتقولك فيه باي وتختار شريك حياتها يبقى كل ما تتقبل ده أسرع كل ما كان هيعود عليك بالفايدة..

واسترسل بخبثٍ يطول من حوله:

_خليكم عاملين حراسة على بناتكم وفي الاخر نصيبهم هيكون هنا في البيت ده..


وانحنى وهو يلتقط تولين ابنة جاسم بين يده، فطبع قبلة على خديها وهو يستطرد:


_احنا مش هيبقى عندنا الجمال ده كله واولادنا هيبصوا بره ولا ايه!

لف احمد يده حول ابنته وهو يرمق عمر بتعصبٍ شديد يخرج عن اطار هدوئه، واتجهت نظراته تجاه ياسين وكأنه يحثه على التدخل بالامر فابتسم وهو يشير له:

_معنديش بنات.. اذن انا في آمان.

وتابع وهو يتجه للخروج:

_وإن كان على يحيى ابني فربنا معاه ومعايا في اللي حاططها في دماغه.

اتبعه احمد الذي استدار لاسيل وهو يشير لها بتحذير:

_خلي بالك من البنت.. سامعة.

كبتت ضحكاتها بصعوبة وهي تشير له بتأكيدٍ، فجذب معتز جاكيته واتبعه وهو يقلد نبرته بمشاكسة:

_شروق اوعي البنت.. يارا امانة في رقبتك عما ارجع.

اتجه جاسم للاريكة بكل ببرود فجذب جاكيته هو الاخر ثم تطلع لداليا قائلًا بسخرية:

_لا انا هوصي تولين عليكي يا داليا.. ارجو اني لما ارجع الاقيكي على قيد الحياة انتي واللي في بطنك..

*******

صعد كلًا منهم لسيارته استعدادًا للذهاب للعمل، فاخرج ياسين سماعته الخاصة ثم طلب احمد الذي اجابه وهو يتجه خلفه بسيارته:

_في حاجة ولا ايه!


اتاه رده متعجبًا:

_انت مش قولت ان عدي سبقنا على المقر؟

_أيوا.. عمي يحيى قالي انه نزل من بدري… بتسأل ليه؟

_لاني شوفت عربيته قدام البوابة الخارجية

_يمكن نسى حاجة.

_معتقدش.. ربنا يستر.

******

انسحبت من الأسفل دون أن يشعر بها أحدٌ، رغبت في الجلوس بمفردها قليلًا فصعدت لغرفتها على الفور، بقت لدقائق أمام النافذة تتطلع للفراغ بشرودٍ، ومن ثم تحركت لخزانتها لتخرج ما يناسبها علها حينما تنعم بحمامٍ دافئ يعاونها على الخروج مما تجابهه في تلك اللحظة، انكمشت تعابير وجه رحمة في دهشةٍ جلية حينما وجدت خزانتها فارغة تمامًا من أغراضها الشخصية، فبحثت مرارًا بصدمةٍ اتبعت سؤالها المتردد:

_هيكونوا راحوا فين!

_مكان ما أنا أكون.

انتفضت من محلها بفزعٍ من الصوت الرجولي الذي اقتحم سكون غرفتها، فاتجهت عينيها باحثًا عن مصدره، لتهتدي بمن يجلس قبالتها على المقعد، واضعًا قدمًا فوق الاخرى بتعالي وكبرياء يمتد بنظراته التي تتعمق بها بتحدٍ صريح لما أصبحت عليه نتيجة المبارة التانية التي انقلبت للتعادل، نهض عدي عن المقعد ثم اقترب حتى استند على الخزانة المفتوحة على مصرعيها، فوضع يده بجيب سرواله وهو يتمعن بها بصمتٍ، اطبقت باسنانها على شفتيها السفلي فخرجت كلماتها متقطعة:


_مين سمحلك تقرب لحاجتي.

ابتسامة حملت شر مخيف ارتسمت على شفتيه القاسية، ومن ثم قوله الثابت:

_خلي بالك من لهجتك معايا يا رحمة لانك مش هتقدري تقفي قدام ردودي.


اشتعلت مقلتيها بغضبٍ بارز، فأغلق الخزانة واقترب حتى أصبح لا يفصلهما الكثير، فاختنقت انفاسها بعطره الذي بات هوسها، رمشت بعينيها بتوترٍ، وحاولت الابتعاد، فلم يسمح لها بذلك حينما حال بذراعه الأيمن بينها وبين الهروب، وانحنى برأسه تجاهها وهو يلقنها كلماته العميقة:

_أنا ممكن أكون متهور وعصبي…وضيفي عليهم اني متملك وغيور.. والعيوب دي حاولي تتفاديها بينا عشان صدقيني هكون معاكي حد مختلف عن اللي انتي حبتيه!

ابتلعت ريقها بخوفٍ بدأ يزيل قناع شجاعتها الزائف رويدًا رويدًا، فرفع يده يحتضن وجنتها وهو يسترسل حديثه:

_خليكي بعيدة عن مشاكلي انا وياسين الجارحي يا رحمة… انا مش عايز اي مخلوق يتدخل في علاقتي بيكِ… لأن مستحيل حد يفهم اللي بينا..

_احنا مش مجرد اتنين متجوزين وبينهم اولاد وبس.. احنا بينا الف قصة مستحيل عقل أي حد يستوعبها.

دنا مجددًا حتى استند بجبهته على جبهتها، وأغلق عينيه وهو يخبرها بصوتٍ أجج رغبة حبهما العميق:

_اللي بتعمليه ده بيقتلني.. متحاوليش تختبريني وانا متهور لان انا اللي هدفع التمن مرتين…


وفتح عينيه وهو يردف:

_انا بتوجع قبل ما الوجع بيطولك يا رحمة!

تَجَوَّلَ قوتي أمام هيبتك وغرورك، فأحاول جاهدة التشبث لصد طوفان ثورتك القاحلة، فأجدني ضعيفة، تائهة في بحرٍ صب به الشوق صباه، وبات بكِ ولهان! … قلبها يتراقص في قربه، وعينيها تفضح ما لم تبوح هي به، ابتسم وهو يتعمق بنظراتها الصامتة فقال وهو يميل تجاهها:

_وأنا كمان بأحبك.

اصطبغ وجهها بحمرةٍ فاضحة، طالت مشاعرها التي ينجح في قرائتها كالكتاب المكشوف، وجدته يفتح لها ذراعيه فلم تجد ذاتها الا غافلة على صدره تتمسك به بقوة وكأنها تطالبه بالا يرحل لغباء ما ارتكبته بحقه، استسلمت وتركت ما ودت الاحتفاظ به في حربها معه، تركت كل شيء في باحة العشق! ، غَبَشت سمائها بدونه، فلم يعد يلمع بها سوى سهم عشقه الذي يلوح لها بالأفق، فأرشد طريقها الحالك، وكأنه مصباحٍ سحري لا يخص بضيائه الا من إمتلكته قلبًا وقالبًا!

********

بالامارات العربية المتحدة، وخاصة دبي..

جلس يستمع للهاتف ببسمة شيطانية ترعب من يسقط عينيه عليه، يخترق بسكينه مقعده البني المصنوع من الجلد، وفي كل مرة يلهو بالسكين كان يتخيل بأنها تصل لصدر عدوه بسعادةٍ ازدادت ريثما يستمع من المتصل قرب نجاح مخططه بلقاء عدوه اللدود وجهًا لوجه… ربما حالته المخيفة حقت لها بالتشكل بتلك الطريقة ربما لان عدوه ليس بالهين بالمرة.. عدي الجارحي.. لا يستهان به، ولكن قمة نقاط قوة قد تكون لصالح العدو الخسيس ربما لأن الأخر لا يعلم بما يخطط له وربما لأنه حتى وإن رأه لن يتعرف عليه ولو ظل عهدًا كاملًا، ذاك الأحمق رسم خطوط عريضة لخطته ونسي تمامًا وجود الشاه..ياسين الجارحي!!!


             الفصل السادس من هنا 

   لقراءة جميع فصول الرواية من هنا 


تعليقات