رواية بك أحيا الفصل الثالث والعشرون 23بقلم ناهد خالد


رواية بك أحيا

الفصل الثالث والعشرون 23

بقلم ناهد خالد


"الحقيقة أن المشاعر لا تأتينا دفعة واحدة، بل تتسلل إلينا رويدًا رويدًا دون شعور منا، ولا نشعر بها إلا بعد أن تتمكن منا تمامًا، ويصبح الهرب منها مستحيلاً" 


تأفأف بنزق وهو يراها تتجنبه منذُ أخبرها عن رأيه في فستانها، أليست هي من سألته عن رأيه؟ لم تعقب فقط شهقة غير مصدقة خرجت من فاهها قبل أن تحدقه بنظرة نارية وتنسحب، ومن وقتها ونظراتها الحانقة لا تتركه، كلما نظر إليها يجدها تنظر له بغيظ وحنق واضحان، وفي مرة منهما انفلتت ضحكة من فاهه أثر نظرتها التي بدت طفولية حانقة، وكأنه أخذ منها الحلوى! استغل انفرادها أخيرًا بعد نصف ساعة تتجول من هنا لهناك، واتجه لها حين رآها تقف أمام طاولة المشروبات لترتشف قليلاً من العصير، فاتجه لها ووقف خلفها يقول:


_ هتفضلي ترميني بالنظرات كده كتير؟!


لم تلتفت له وهي تجيبه بنبرة فاترة:


_ نظرات ايه، أنا جيت جنبك.


رفع حاجبه باستنكار وهو يردد كلمتها بتقليد:


_ أنا جيت جنبك! نظراتك باينة على فكرة، واضح إنك اتضايقتي من رأيي بس أنتِ الي سألتيني.


التفت له وقد تملكها الغيظ وهي تهتف بنبرة نزق:


_ طلبت رأيك عشان فكرت إنك هتقول رأي كويس، لكن لو كنت اعرف رأيك ده عمري ما كنت هطلبه، ثم في زوق في ابداء الرأي، في طريقة لطيفة توصلي بيها رأيك مش بالطريقة السخيفة الي قولتها دي.


شعر بأنه قد أخطأ في طريقة ابداءه لرأيه لها، ربما تجاوز قليلاً، وليس له حق في أن يبدي رأيًا سخيفًا هكذا، فما كان عليهِ سوى أن يقول كلمة جيدة حتى وإن كان نفاقًا، فما دخله هو إن كان الفستان صغيرًا أو واسعًا ومهرتلاً! وهذا ما جعله يقول بهدوء:


_ معاكِ حق، سوري مقصدتش اضايقك كده، وعمومًا مادام لبستي الفستان يبقى عاجبك، مش مهم رأي الناس فيه.


رفعت رأسها بكِبر وهي تقول بأنفة:


_ عاجبني طبعًا، ومش مهتمة برأي حد.


ابتسم بهدوء وهو يخبرها:


_ كويس، ده الصح.


نظرت حولها بمتابعة زائفة لأحداث الحفل قبل أن تعود له بنظراتها وهي تسأله بصوتٍ خافتٍ:


_ هو.. هو بجد وحش؟


نظر لها وهو يتصنع الغباء وسألها:


_ هو مين؟


زفرت بضيق موضحة:


_ الفستان.. أصل يعني عمر ما حد قالي على حاجة لبساها وحشة، دايمًا بينبهروا بلبسي.


قلب شفتيهِ بدون اهتمام وهو يعقب:


_ مقولتش انه كفستان وحش، هو زوقيًا لطيف، لكن اخلاقيًا مش قد كده. 


_ على فكرة أنتِ بتعك! 


رددتها بتنبيه وأعين متسعة فكلما شعرت بقوله شيئًا جيدًا يفاجئها بحديث اكثر انعدامًا للذوق، ابتسم لها ببرود مُصرًا على رأيه:


_ مقولتش حاجة غلط، انا بس بوضحلك، يعني أنتِ مش شايفة انه أوفر! يعني قصير زيادة عن اللزوم،هو مداري ايه أصلاً. 


لالا لايمكنها الصمت عن تبجحه هذا اكثر، نهرته للمرة التي لا تعلم عددها وهي ترمقه بنظرات حارقة مقرنة بقول حاد:


_ Watch your language, please, ثم أنا مش هسمحلك تتكلم بالطريقة دي عني. 


_ لا إله إلا الله مش أنتِ الي مُصره تعرفي رأيي! 


جعدت ملامحها باشمئزاز وهي تقول:


_ لأ، بجد مش عاوزه اعرف، تعرف تسكت بقى. 


رفع منكبيهِ بلامبالاة وقال:


_ سهلة، اديني سكت. 


واستمر الصمت لعدة دقائق بالفعل، حتى قطعته هي للمرة الثالثة وهي تسأله بضيق:


_ يعني لو عملتله extension "توصيل" هيكون حلو؟ 


كبت ضحكته بصعوبة وهو يجيبها بجدية:


_ هيكون برفيكتو. 


رفعت حاجبيها المنمقان وهي تردد:


_ برفيكتو دي الي هي perfect؟ "ممتاز" 


اومئ مبتسمًا، وبنظرة سريعة على فستانها اخبرها:


_ ومتنسيش تعملي كتف تاني عشان شكلهم نسيوا يعملوه. 


وانهى جملته وذهب من أمامها منسحبًا من الحفل بأكمله، تاركًا إياها تطالعه بنظرات مندهشة غير مصدقة لطريقته معها! متى رفعت الحدود بينهما ليتعامل بأريحيه هكذا!؟ 


ولكن أريحيه راقت لها...!! 


___________________


اليوم التالي.. عصرًا.. 


جلست فوق أحد كراسي شقتها الصغيرة، ممسكة بالهاتف بيدها وعلى شاشته أحد الأرقام التي تتردد في الاتصال بصاحبها، مرت أيام ولم يفكر هو في  الاتصال بها، وهذا ما دفعها لأخذ هذه الخطوة، فيبدو أنه لن يقبل على مهاتفتها، فلتفعل هي، ربما لديه عذر ما، ربما مشغول بعمله ومسؤولياته، وأخذت تعدد الأعذار له حتى وجدت إصبعها يضغط زر الاتصال عليهِ، وبالفعل اتاها جرس الانتظار وقلبها ينتفض مع كل دقة، تشعر بالتوتر، والخجل في آنٍ واحدٍ، لكنها تعود لتذكر ذاتها بأنه زوجها، فلا حرج إن بادرت هي مرة. 


أتاها صوته الخشن وهو يجيب على الهاتف:


_ السلام عليكم، مين؟ 


صوته اربكها ووترها أكثر، ولكنها استجمعت نفسها وهي تجيبه بصوتها الهادئ الرقيق:


_ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أنا.. أنا فريال يا إبراهيم، كيفك ياواد عمي؟ 


اتاها رده المقتضب:


_ بخير، كيفك أنتِ؟ 


انفرج ثغرها بابتسامة وقد شعرت بقرب تبادل الأحاديث بينهما كما خططت وأجابته:


_ بخير، أنا جولت اكلمك اطمنك عليَّ، اكيد مشغول، باهر الله يكرمه لجالي شجة جدام شجته طوالي، وطول اليوم بيطمن عليَّ ويسألني إن كنت رايدة حاجة. 


استمعت لهمهمة خافتة صدرت من الجهة الأخرى، فشجعتها على الحديث أكثر، فأكملت وهي تقول:


_ الدراسة هتبدأ من اول السبوع، يعني كلها يومين وهنزل الجامعة، حاسة إني خايفة بس باهر جالي إن ده طبيعي وشو... 


قاطعها صوته حين قال باستعجال:


_ طيب يا فريال مضطر اجفل عشان مشغول، هبجى اكلمك، سلام. 


واغلق الهاتف قبل أن ترد تحيته، امتعضت ملامحها، وانتابها الحزن لدقائق بعدما وضعت الهاتف جانبًا وشردت بفكرها في طريقته معها، ولكن سرعان ما حاولت اقناع ذاتها بحقائق باطلة، وهي تبرر له بأنه بالتأكيد لديه عمل هام وسيعاود مهاتفها، فلا دعي لأن تحزن.. 


__________________


ضحكت بخفة وهي تستمع لحكاوي "رنا" عن جارتها التي تتشاجر معها يوميًا تقريبًا، والأولى لا تقصر في افحام الأخرى بردودها، وكل يوم تسرد على مسامع "خديجة" ما حدث، ومهما نصحتها لا تستمع لها، فأصحبت تسمع وتضحك وفقط، استمعا لصوت "مراد" الذي دلف للمطعم للتو وهو يلقي التحية عليهما بابتسامته الساحرة التي تجعل عيناه تلمع:


_ مساء الخير يا بنات. 


وكانت "خديجة" هي أول من اجابته بلهفة حاولت اخفاءها:


_ مساء النور، اتأخرت ليه؟ ده أنا فكرتك هتاخد النهاردة اجازة. 


ولم تخفي لهفتها عنه، فاتسعت ابتسامته، وازدادت لمعة عيناه وهو يجيبها:


_ هاخد اجازة بمزاجي عشان يتخصملي يومين! لا كان عندي مشوار بس قولت اخلصه الأول. 


اومأت برأسها وقد شعرت بتسرعها في السؤال فعادت لِمَ تفعله، واتجه هو لتبديل ملابسه والبدء في عمله، ولم يمر الأمر مرور الكرام بالنسبة ل "رنا" التي عقبت بمرح وهي تنكز "خديجة" في ذراعها:


_ هي ايه العبارة! مالك ملهوفة كده في سؤالك له!؟ 


رفعت "خديجة" أنظارها لها بتوتر طفيف، لكنها ردت بثبات:


_ لهفة ايه! انا كنت بسأله عادي، بلاش خيالك يسرح يا رنا. 


لم تقتنع "رنا" بحديثها لكنها لم تشاء أن تطول في الأمر فقالت:


_ بكره كله يبان، ياخبر النهاردة بفلوس. 


_يوه، هتبدأي سخافة مش نقصاكِ. 


أردفت بها "خديجة" وهي تبتعد للجهة الاخرى، فضحكت "رنا" بخفوت والتزمت الصمت، دقائق وخرج "مراد" بعدما بدل ثيابه، ووقف أمامها يسألهما وعيناه على خديجة تحديدًا:


_ ها في طلبات؟ 


ردت "رنا" هذه المرة:


_ اه في طلبين بنجهزهم اهو. 


لم يعقب على حديثها سوى بهمهمة بسيطة وهو يتابع" خديجة" في الخفاء بعيناه، كعادته في الأسبوع المنصرم، ربما تقاربا من بعضهما قليلاً، لكن هذا القليل لا يكفيه، لذا سيحاول التقرب أكثر، ولكنه يجهل الطريقة للآن، انتبه على سؤال "رنا" ل "خديجة" :


_ مقولتيش الراجل الي اسمه البغل ده كلمك تاني؟ 


التفت لها "خديجة" بحاجبين منعقدين وهي تسألها بعدم فهم:


_ بغل؟ تقصدي مين؟ 


أشاحت "رنا" بذراعها وهي تقول:


_ الراجل ده الي زين اتخانق معاه عشان مراته الي ضربها. 


ضحكت وهي تهز رأسها بعدم تصديق مرددة:


_ تقصدي الوحش! بقى بغل امتى؟ بس تصدقي لايق عليه فعلاً. 


_ هو اتعرضلك؟ 


خرج هذا السؤال من "مراد" الذي لم يعنيه مزاحهما بهذا الشأن، فقط توحشت عيناه وهو يرجح احتمالية تعرض ذلك الأبله لها، وربما نظرته هذه لم يستطع اخفاءها، فسرت رعشة غريبة بجسدها أثرها، شعرت لوهلة بأنها تعلم هذه النظرة الداكنة، المنذره بشر قادم، تذكرها بشيء ما، شيء يتعلق بالماضي، كتلك النظرة التي لطالما رأتها في عيني "مراد" حين تشكو له من ضرب والدتها أو شقيقتها لها، نفس النظرة ونفس لون العينان الذي دكن الآن، هل كل هذا صدفة! هل بالفعل مجرد صدفة تربط بين الشخصيتين، أم هناك شيء أقوى بكثير يربطهما! 


حاولت تجاهل الصوت الذي يصرخ بداخلها بأشياء إن صدقتها لفرت هاربة الآن، أو سقطت مغشى عليها، واجابته بنبرة مهتزة قليلاً:


_ مش بالضبط.. هو بس وقفني من يومين كده وسألني عنك، عاوز يعرف معلومات يعني أنتَ مين ومنين وكده، بس قولتله إني معرفش حاجة، فمصدقنيش وفضل يهددني إني لو مجاوبتوش على اسئلته بدل ما هيكون تاره معاه هو بس هيكون معايا أنا كمان، بس أنا قولتله إني معرفش حاجه عشان اقولهاله أصلاً، فقالي يبقى أنتِ الي اخترتي وسابني ومشي. 


ضغط على أسنانه بقوة كادت تطحنها قبل أن يسألها بحذر:


_ اتعرضلك تاني؟ 


نفت برأسها وهي تجيبه:


_ لأ، مشوفتوش من يومها، بس مراته جاتلي امبارح وحذرتني منه، قالتلي كمان احذرك منه عشان هو اكيد مش هيخلي الي حصل يعدي بالساهل، كونك بهدلته قدام المنطقة كلها وقليت منه ده مش هيعديه، وسكوته مش خير أبدًا، حتى قالتلي أنه ردها. 


_ ردها؟ ازاي؟ ماهو طلقها بالتلاتة قدام الكل! 


شرحت له بهدوء:


_ ماهو الطلاق بالتلاتة في المرة الواحدة بيعد طلقة واحدة وحقه يردها في أي وقت. 


ضرب الطاولة بيده بغيظ وهو يردد:


_ ابن الك**، ماشي هيروح مني فين. 


تركت ما بيدها واتجهت له حتى أصبحت أمامه فسألته بضيق واضح:


_ وأنتَ مالك بالموضوع؟ لحد هنا وكفاية ميخصكش الي يحصل بعد كده، الراجل ده شراني ومحدش يقدره، وأنتَ مش مضطر تعك نفسك معاه. 


بداخله انشرح لشعوره بخوفها وقلقها عليه، ولكن غضبه من ذلك الأحمق جعله يعاندها وهو يقول:


- الست اتحامت فيَّ، وكنت فاكر إني خلصتها منه، لكن قولتيلي انه ردها واكيد ده غصب عنها، وغير كده بقى تعرضه ليكِ مش هعديه على خير. 


رفرفت بأهدابها توترًا من جملته الأخيره وحاولت الثبات أمام نظرات عيناه التي تربكها وهي تقول:


_ إذا كان على الست فهي الي قالتلي خليه يبعد عن طريقه، وإن كان عليَّ فهو ماتعرضليش ولا حاجة هو سألني عليك ومن بعدها مشفتوش. 


لم يهمه مبرراتها ولم يعنيه ما قالته بأكمله، لكنه قرر تمرير الأمر الآن وهو يقول:


- خلصتوا الطلبات؟ 


وهي بفطنتها أدركت تهربه من الحديث لعدم اقتناعه، فلوت فمها بضيق وهي تنسحب مبتعده لتكمل عملها.. 


توحشت نظراته وهو يشيح بوجهه للناحية الأخرى، يقسم أنه سيذيق ذلك الوحش أشد عذاب إن لمحه يمر من أمام المطعم حتى.. 

__________


_خلاص يا هاجر كفاية. 


هتف بها "دياب" بضيق بعدما سأم من كمية الأوراق التي قام بإمضاءها، ابتسمت له "هاجر" بلطف وهي تخبره:


_ خلاص يا دياب باشا باقي خمس ورقات بس. 


وبالفعل بعد ثانية واحدة كانا انتهيا من امضاء الورق، فاسترخى "دياب" على كرسيه، ورتبت "هاجر" الأوراق بعناية تحت نظراته المتفحصه لها، وفجأه وجد ذاته يسألها:


_ أنتِ عمرك ما فكرتي تتجوزي يا هاجر؟ 


رمت نظرة سريعه له قبل أن تعود لِمَ تفعله وبضحكة ساخرة أجابته:


_ اتجوز واسيبك يا باشا! 


_ لا بتكلم جد. 


انتهت مما تفعله فوقفت باستقامه تجيبه بجدية:


_ شغلنا مينفعش يكونلك فيه نقطة ضعف، وأنا ربنا كرمني إني مليش عيلة، يعني مليش حد اخاف عليه، او يتلوي دراعي بيه، اقوم انا بقى اجيب نقطة ضعفي بنفسي! بعدين الي بيشتغلوا شغلتنا دي ميجيش معاهم الجواز سِكه. 


هز رأسه باقتناع تام وهو يقول:


_ معاكِ حق، أنا اقتنعت. 


ضحكت بمرح وهي تعقب:


_ كويس، همشي أنا بقى. 


_ متنسيش تروح تستلمي عربون الصفقة الجديدة بكره من بورسعيد. 


_ مش ناسية متقلقش، سلام. 


هز رأسه دون إجابة وتابعها حتى خرجت تمامًا، فردد باقتناع:


_ ميجيش معانا الجواز سِكة.. 


______________


انتهت من عملها وبدلت القميص الخاص بالعمل بقميصها الخاص، واتجهت للخروج وهي تودع "رنا" على باب المطعم، وما إن ذهبت الأخيرة وكادت هي أن تتحرك لوجهتها حتى استمعت لصوت خطوات خلفها، فالتفت فجأة حتى كاد يصطدم بها حين توقف على بُعد سنتيمترات معدودة، شهقت بخضة وهي ترتد للوراء مرددة:


_ ايه ده؟ أنتَ ورايا بتعمل ايه؟ 


أجابها بهدوء تام:


_ جاي اوصلك. 


اتسع بؤبؤ عيناها بعدم تصديق لاجابته، يصلها! لأين؟ وهذا ما عبرت عنه وهي تسأله باستغراب:


_ توصلني ايه؟ ده أنا بيتي في اخر الشارع! 


رفع حاجبيهِ بمرح وهو يعقب:


_ أنتِ قولتيها اهو آخر الشارع مش أوله، هو آخر الشارع ده قريب! 


ضحكت بعدم تصديق وهي تقول:


_ أنتَ بتهزر يا زين؟ يلا امشي ميصحش وقفتنا كده. 


في كل مرة تذكر فيها اسمه المستعار يتصدع شيئًا بداخله، في كل مرة تنطق فيها باسم "زين" يتمنى لو تنتهي هذه المسرحية السخيفة ويستمع لاسمه بدلاً عنه، يتمنى لو يغمض عينيهِ ويفتحها ليجدها تعرف حقيقتها، والأهم تتقبله، ليس سهلاً أن تحتل مكانة لدى حبيبك بشخصية مستعارة، ليس سهلاً أن تتقبل كل مشاعره برحابة صدر وأنتَ تعلم أنها ليست موجهها لشخصك بل لشخص وهمي ليس له وجود، حتى وإن كان كل الأمر يتعلق بكنية زائفة وهوية مؤلفة.. 


حاول تغاضي كل مشاعره السلبية الآن وهو يقول بجدية:


_ مش مطمن للراجل ده، خليني اوصلك اضمن. 


هزت رأسها ببساطة وهي تخبره:


_ على فكرة هو بقاله يومين مقربليش، فاعتقد انه مش ناوي يقربلي تاني، والا مكانش صبر يومين يعني. 


رفع منكبيهِ بجهل:


_ مش عارف بس مش مرتاح. 


ابتسمت بحب لخوفه الصادق عليها، وكم امتنت لِمَ شعرت بهِ في هذه اللحظة، كونها مهمة لأحدهم، كون أحدهم يخاف عليها، مشاعر فقدت حلاوتها منذُ زمن، وكم راقها أن تشعر بها الآن، قالت بهدوء:


_ بجد شكرًا على اهتمامك ده، بس بجد مفيش داعي توصلني، اتفضل يلا. 


زفر بضيق وهو يشعر بعدم الراحة حقًا، وقلما يخيب شعوره هذا، لكنه رأى الاصرار في عيناها ففضل الانسحاب:


_ ماشي، قولي رقمك بقى عشان اطمن عليكِ لما تروحي. 


قالها بعدما فتح هاتفه وضغط رقمين الصفر والواحد، ثم رفع رأسه لها يسألها:


_ ٠١٠،ولا ٠١١..


رفعت حاجبيها بعدم تصديق لجرأته، ولم تجيبه، لتسمعه يزفر بضيق وهو يخبرها:


_ يلا يا بنتي. 


هزت رأسها بعدم تصديق لأفعاله وقالت:


_ بجد مش طبيعي... اكتب.. 


قالتها وقد قررت أن تعطيه رقمها حقًا! لشعورها أنها ستحتاجه، وتتمنى أن يخيب هذا الشعور. 


انتهى من تدوين رقمها فاغلق الهاتف وأشار لها بتوديع:


_ يلا مع السلامة. 


_ مع السلامة. 


رددتها بهدوء والتفت ذاهبه في طريقها والابتسامة لم تفارق وجهها، بينما هو أشار لأحد الرجال المختبئين بالشارع ليأتي له فورًا، فأخبره:


_ تروح وراها وتطمن أنها دخلت بيتها، ومتمشيش من هناك سامع. 


اومئ برأسه وانتظر قليلاً ثم انطلق يلاحقها دون أن تنتبه. 


زفر انفاسه بقوة متمنيًا أن تكون بخير دومًا وألا يصيبها مكروه حتى وإن كان خدشًا صغيرًا، فخدشًا بها يصيبه هو بجرح غائر ينزف دون توقف.. 


________


صوت دقات عالية فوق باب شقته جعلته يتنفض من فراشه بعدما استيقظ من نومه العميق، نظر للساعه ليجدها الثانية صباحًا، فتمتم بقلق وهو يركض للباب:


_ استر يارب. 


وصل للباب ففتحه فورًا بثياب نومه وعينيهِ النصف مفتوحة، فوجد حارس العمارة أمامه:


_ في ايه يا عم عبده؟ 


_ الحق يابيه الست قريبتك في دخانه جامده اوي طالع من مطبخ شقتها، وبقالي عشر دقايق اخبط عليها مبتردش. 


اتسعت عيناه بذعر وهو يهمس بينهما قدماه ركضت للشقة المقابلة:


_ فريال! 


وصل لباب شقتها فدق فوقه بعنف ولم يجد اجابة، فاستعان بالحارس ليضربا الباب سويًا بخطفهما حتى انخلع من مكانه، وهنا خرج دخان كثيف أعماهم عن الرؤية، واوشى بخطورة موقف المسكينة التي بداخل... 


_______________


وصلت للبناية الساكنة فيها وصعدت درجاتها بارهاق بعد يوم طويل كالعادة، ولكنها شهقت بصرخة كُتب لها الكتم حين وُضع كف غليظ فوق فمها، مكبلة من الخلف بذراع قوية وكف يمنع خروج صوتها، وجسد بدى قويًا يصطدم بظهرها، كل هذا جعل جسدها ينتفض بقوة ودموعها تهوى بفزع، حاولت التملص أكثر من مرة لكنها لم تنجح، واستمعت لصوته الكريه يهتف بجوار أذنها....



         الفصل الرابع والعشرون من هنا 

       لقراءة جميع فصول الرواية من هنا

تعليقات