رواية عقاب ابن الباديه
الفصل الثالث والعشرون 23 والرابع والعشرون 24
بقلم ريناد يوسف
عقاب ابن الباديه الفصل الثابث والعشرون.
خرجت فريال من غرفتها على صوت نحيب مديحه، فتحت الباب عليها واطلت برأسها لتتقصى ماذا هناك، فإستدارت مديحه نحوها بعيون تزرف دمعاً وبكل قهر قالت لها:
- الحريق اللي جوايا دا محدش ولع فتيله غيرك يافريال، كان هيحصل إيه لو كنتي سبتيني مع الانسان اللي بحبه زي ماانتي قاعده وسط اولادك وفحضن جوزك، ليه تحبي الدمار يعم عالدنيا من حواليكي وانتي بس اللي تكوني سالمه ومفيش حاجه طايلاكي، ليه تحبي تعيشي لوحدك؟ شريف اتجوز يافريال، عارفه يعني ايه الانسان الوحيد اللي حبيته واتمنيت اكمل عمري معاه يتجوز ويتبخر املي فإني اجتمع بيه في يوم من الأيام وانتي السبب؟
- لا غلطانه يامديحه، اوعي ترمي السبب عليا وعلى اي حاجه في الدنيا غير على نفسك.. افتكري انه كان واقف وسط اخواتك يدافع عنك زي الاسد الكاسر وكان هياخدك ويبعد بيكي وكان شريكي وبايع الدنيا كلها، بس انتي اللي اتخليتي عنه وكسرتيه قدام الكل، انتي اللي دوستي عليه وعلى كرامته عشان الفلوس، انتي اللي اتخليتي عنه ومحاولتيش حتي تبينيله انك مغلوبه على امرك وانتي بتتخلى عنه، دا طمعك ودا اختيارك وانتي اللي لازم تدفعي التمن مش حد تاني، والوجع اللي فقلبك دا انتي السبب فيه.
-بس الموضوع مكانش هيتعرف لولاكي، كان زماني انا وشريف لسه مع بعض لولا مكرك ولؤمك.
- صدقيني مفيش حاجه بتفضل في السر فتره طويله.. اي حاجه لازم بيجي عليها وقت وتتكشف.
نظرت اليها مديحه واطالت النظر وهي صامتة تماماً، فازدردت فريال لعابها بخوف، فهي اكيدة بأن مديحه تفاضل في مخيلتها الآن بين عدة طرق للأنتقام منها وستختار منهم الأقوى، فغادرت الغرفة وهي تدعوا ان تصل اختها بالسم سريعاً قبل إن تبدأ مديحه في تنفيذ إنتقامها، وأول إحتياط اخذته فريال كان بخصوص الاولاد، فجمعتهم وحذرتهم من ان يأكلوا اي شيئ من يد عمتهم، والا يقربون طعام أو شراب إلا وتحضره لهم هي بنفسها، وان من يخالف تعاليمها سيتعرض لعقاب لم ير له مثيل من قبل.
فسمع الأولاد وتعهدوا بالطاعة وغادروا على غرفتهم، وخرجت فريال احضرت لهم الكثير من الحلوى غير التي بالمنزل، ووضعتهم في خزانتها واغلقتها عليهم بالقفل، وقالت للاولاد من يحتاج شيئ يأتي لها ويخبرها ولا يقربون الحلويات التي بالمنزل نهائياً.اما مديحه ففكرت كيف تقهر فريال بقدر مايشعر به قلبها من قهر، ولم تجد اشد قهراً لها من التخلص من روحها التي تمشي على قدمين، "كارمن" صغيرتها وغالية قلبها، فقررت انها ستكون الإنتقام من فريال.
لملمت شتات قلبها ونهضت وارتدت افضل ماعندها، وضعت مساحيق التجميل ونظرت لنفسها في المرآة، فوجدت صورتها باهتة وعيونها ذابلة، ولكنها راهنت نفسها على ماكانت عيونه تخبرانها به في كل مرة ينظران اليها فيها" انها اجمل إمرأة بالكون" وأن نساء العالم اُختصرت فيها.. ثم غادرت المنزل ذاهبة اليه لتتأكد بنفسها مما سمعته، وتمنت في كل خطوة ان يكون كابوس وتفيق من نومها تجد الحقيقة غير ذلك.
وصلت لمقر عمله القديم، دلفت الى الداخل تسأل عنه وهي عازمة على الا تغادر إلا وهي تعرف طريقه، سألت وسألت حتى وجدت من دلها على مكان عمله الجديد ومسكنه الجديد أيضاً.. غادرت وذهبت مباشرة اليه في مقر عمله فلازالت ساعات العمل الرسمية لم تنقضى.
وقفت امام المبنى وهي بالكاد تستطيع الوقوف على قدميها، فرؤيته بعد كل هذا الوقت ليس بالأمر الهين عليها.. وقفت لبرهة تلوم نفسها فيبدوا انها هي المقصرة بالفعل، فهي حين عزمت على معرفة مكانه إستطاعت ذلك، وكأن رغبتها السابقة في العثور عليه لم تكن حقيقية بالقدر الكافي مثل الآن، اخذت نفساً عميقاً ثم زفرته واستجمعت ضعفها فلا قوة لديها لتجمعها، وذهب اليه..
وقفت ووضعت يدها علي قلبها الذي صرخ منادياً عليه بمجرد أن رأته يجلس وراء مكتبه منكباً على دفاتره غير منتبه فهمست لنفسها وهي تراه:
اااه ياشريف اااه ياوجع القلب، ياضعفى اللي محستش بيه غير وانا معاك.
تقدمت نحوه فانتبه هو وجميع من في المكتب على صوت كعب حذائها، ورفع رأسه وأغمض عينيه فور أن رأها، وكأنه لم يحتمل رؤيتها، ثم ترك القلم من يده وأخذ يمسد على عظمة انفه، وكانت هذه حركته المعتادة لدفع التوتر الذى يصيبه فجأة، ثم فتح عيناه حين اقتربت منه وهمست له:
- ازيك ياشريف.
-الحمد لله بخير، نعم يامديحه جايه ليه؟
كان يتحدث وهو يهرب بعينيه في كل مكان وكأنهما لا يريدا الالتقاء بها.. فهمست له مرة اخرى:
- بصلي ياشريف.
رفض أن يطيعها وظل على نفس هروبه وقال لها:
- لو سمحتي اتفضلي امشي هنا مكان شغل، وكمان مراتي بتشتغل معايا فنفس الشركة ومينفعش تشوفك هتسببيلي مشاكل كده، وانا مقدرش اجرح شعورها.
كانت كلماته كالسهام التي إنطلقت تباعاً وجميعها إستقرت في قلب مديحة، وخاصة كلمة زوجتي، تباً انه ينعت اخرى بزوجتي، يخاف على شعورها، ينهرها من أجلها، كيف يحدث هذا؟
لم تتحمل اكثر فنطقت بصوت مختنق:
- هستناك بره ياشريف، عايزه اتكلم معاك، ضروري اتكلم معاك.
- امشي يامديحه لو سمحتي مفيش كلام بينا.
غادرت علي الفور بعد ان ردت عليه بكلمة واحدة:
- هستناك.
تركت المكتب وهو انحنى بتعب يدفن رأسه بين ذراعيه، فهو كان يجاهد في معركة لا يعرف حجمها غيره وهو يحاول قدر إستطاعته ان يتجنب النظر اليها، خاصة وهو يشم. رائحتها التي جعلت الحنين يدق روحه.
إنتظرت مديحه أمام الشركة كثيراً، انتظرت مايقارب الساعة، كانت تزرع المكان ذهاباً وإياباً، كانت تنظر الى بوابة الشركة كل ثانية وهو تتوقع خروجه لها في أي لحظه، فهي لم تناديه قبلا إلا واجاب، لم تحتاجه إلا ولبى جميع احتياجاتها.
تفحصت جميع الخارجين حتى خرج الجميع تقريباً، ظنت انه انتظر للنهاية حتى يتسنى له مقابلتها.. ولكنها صُدمت وهي تراه يخرج عليها من البوابة وهناك من تتأبط ذراعه، يمازحها وتضحك له وهي واضعة يدها على بطنها المرتفعة إثر الحمل،
وقفا امام سيارة حمراء صغيرة وقام بفتحها ومساعدة زوجته في الجلوس داخلها ثم اغلق الباب واستدار وصعد في مقعد السائق وقام بتشغيلها، تحركت السيارة ولم يكلف نفسه عناء الإلتفات ليراها إن كانت باقية أم ذهبت، غادرت السيارة وهي لازالت تنتظر منه نظرة واحدة تخبرها بأنها لازالت تشغل جزءً من تفكيره،، ولكن خابت جميع أمالها، ارتعشت شفتاها وانسابت عباراتها وهي تراه يختفي من امامها بسيارته، وكأنه حلم جميل استيقظت من نومها فلم تجد منه شيئاً.
عادت للقصر وبدأت في تكسير كل شيئ يقابلها، احدثت الفوضى واخذت تصرخ من كل قلبها، ولم تُقابل نوبة جنونها إلا بالسكوت من فريال.. فهى الآن تشبه انثى ضبع فقدت زوجها وتريد الإنتقام.
اما فى المشفى..
منصور:
- خلاص يا عقاب انا مسافر مع بوك، انت رد بالك على امك وكون هاني من يم بوك انا عمري ماهنقصر معاه واللي يحتاجه من جنيه لمليار انا سداد.
آدم:
- الله يحفظك ياشيخ ويديم خيرك، والله جميالك معاي مالها عد ولا حد مو عارف كيف انردها.
- مافي جمايل ياعقاب بوك غالي علي وخيره سابق، وانت بعد غالي علي واااجد وتعرف غلاك عندي، سيب الشكر والمنيه للأغراب احنا اهل والاهل مافي بينهم شكر.ولا رد مواجب
ودع آدم اباه وكذلك عايده، وصعدوا به للطائرة وهو موصل بالاجهزة ولا زال في غيبوبته لا يسمع منه سوى صافرات تعلن عن أنه لازال حياً، وغادرت الطائرة به مصحوبة بدعوات الجميع.. أما آدم فتحدث مع الطبيب بشأن امه وعلم أنه يستطيع من بداية الأسبوع القادم نقلها للبيت تستكمل علاجها هناك، فقرر استئجار شقة لها والمكوث بها في الحضر كي تكون قريبة على الأطباء والمشفى تحسباً لأي شيئ طارئ،وساعدة قصير في ذلك، اما عن النقود فقد ترك له الشيخ منصور الكثير منها كي يصرف على أمه ولا ينقص عليها شيئ لحين عودته.
أما في الباديه..
- رجوة..ارجانب انا جايه معاك
- عاودي يارجوه ماتيجي اليوم الحر شديد وصهد والرمل صاير يقلي قلي.
- لا منريدش انعاود ماانت ورابح رايحين وهلال بعد ولا مافي غيري راح يشويها الرمل، انا ضاق خلقي من لخيام وودي انشم هوا الخلا.
سالم:
- يارجوه ليش ماتسمعي الكلمه خايف عليكي انا.
- لا ماتخاف ياسلومتي انا معاك حتى لو رايح تنشوى بجهنم مو عالحصا والرمل ،، هيا هيا تأخر الوقت والحلال جياع وانا نفسي بالتين الشوكي اليوم.
انهت كلماتها وضحكت ثم وضعت يدها علي فمها وكانها تذكره، فأغمض عيناه وهو يتذكر ذلك اليوم واردف لها:
- اذا تجيبين سيرة التين مره تانيه قدامي بدفنك بأرضك يارجوه، والله بس اسمع اسمو احس الشوك لسه باقي ماانزال الله يلعنك.
- خلص ياسلومتي ماودي تين ولا عجين ودي رفقتك وبس، عم. استاحشك بس تغيب ياتيس.
هي ألقت بهذه العبارات وتبسم سالم وهمس رابح وهو يطالعه:
- اي قالت سلومتي واتغنجت واتسهوكت وهاداك فشخ ضبه وراح علينا اليوم.
يلا ياهلال سوق الحلال سوق وخلي هاداك. التيس لختك تسوقه هي مربيته وتعرف من وين تجره.
تحركوا اربعتهم، وهناك كان رابح مكان آدم في تدريب هلال حتى لا ينسى الولد ماتعلمه، وكانت رجوة تتعلم معه كل شيئ يعلمونه له، فكانت تتفوق عليه في التصويب والقنص وركوب الخيل وفي كل شيء يقدم عليه، وكأنها تخبر الجميع بأنها فتاة ولكنها تستطيع القيام بأعمال الذكور ولا يقف امامها شيئ، أو تثبت لنفسها بأن الولد لا يستطيع فعل شيئ لا تستطيعه الفتاة، وكان المفاضلة المستمرة بينها وبينه خلقت بداخلها رغبة جامحة في منافسة هلال والتغلب عليه في كل شيئ.. هي لا تكرهه فهو اخاها، ولكنها تكره كل مايحيطه من عناية ورعاية وإهتمام كان لها هي من الأساس وسُلب منها.
سالم:
- خلص يارجوه انزلي من فوق الفرس كفايه عليك.
- بس شوي ياسلومتي الله يخليك.
- يارجوه انا سمعت عوالي وااجد مرات تنبه علي البنات مايركبون خيل وانتى بروحك تسمعينها ليش ماتسمعين كلمتها حالك حال كل البنيات؟
- لان هي تقول البنت اللي تركب خيول تصير فحجه ورجولها متباعده وانت ورابح وآدم وحتى هلال تركبون خيول وابوي والجميع ومافي حدا صار افحج، من هنا عرفتها تكذب علينا.
- بس لازم تسمعي كلامها وتطيعيها يمكن عندها اسباب ماتريد تخبرك بيها لانك صغيره وبس تكبرين تفهمك كل شي.
- انا اللي مايفهمني ويش اسبابه مانسمع كلمته لو على قص رقبتي.
اردف رابح ساخراً:
- اي لا تكوني رجوه اذا ماعاندتي وكبرتي راسك.. والله الف الحمد لله إن اختك معزوزه ماتشبهك. بشي من قريب ولا من بعيد، كان المعارك وصلت للغيوم.
رجوه:
- معزوزه نعجة بس حدا يقولها هوووش توقف.. هااا تمشي.
رابح:
- نعجة بعينك ياعنز يابهيمة انتي، والله معزوزه ست البنات كلهن ومافي منها، وانت لو تتحصلى ع ربعها يكون الله عطاكي.. ولك الروح هي الرروووح.
رجوه:
- راح انقول لبوي انك تتغزل باختي.
- اقطع راسك ونوكلها للضباع.ياكلبه
-معناها صالحني اذا ماتريدني انقول، قوم جيبلي تين شوكي.
-. والله اذا يطلعلك شوك بعيونك ماانجيبلك تين، يام كرش معفن مفكرتيني سالم.. غوري جاك غاير.
طأطأت رأسها للأرض بزعل بعد كلام رابح، فلم يتحمل سالم أن يراها بهذا الحال، فقام على الفور وإنزلها وامتطى الحصان وذهب حيث التين الشوكي، وخلع عقاله عن رأسه وبدأ في جمع التين به، وحين انتهى عاد لها بالتين، فنزل وفتح العقال امامها لتصرخ بفرحة:
والله اذا يخيروني بين وبين العالم كللله اختارك انت ياسلومة قلبي.
انهت جملتها واحتضنت سالم وقبلته على خده.. كانت تفعل هذا بطفولية، ولكن سالم اسطبغ وجهه بحمرة الخجل وخاصة بعد ان غمز له رابح بعينه، فصرخ بها:
- قلتلك لا تقرتربين ولا تحضنين جاي تحبحبين الله يلعنك يارجوه.
- تستاهل الحبحبه
الفصل الثاني من ٥ مرحبا بك مليون سنه
❈-❈-❈
مكاسب :
- معزوزه، يا زوز عيوني انتِ ياغلا روحي.يابكرية قلبي
عرفت معزوزه بأن امها سوف تحدثها في أمر زواجها من محراب الآن وتحاول إقناعها به، ولكنها فاجئتها حين قالت لها:
-اسمعيني زين يامعزوزه يابتي ياحبيبتي.. انا محراب ماودي تتزوجينه.
فرحت معزوزه وقبل ان تكتمل فرحتها اكملت امها:
- ولا رابح ودي تتزوجينه، انا ودي تتزوجي واحد غيرهم الزوز، حتي لا تحطين ابوك بالحرج.. محراب بيعرف ان رابح رايدك وهو طلبك بس ليجاكر رابح ويكيده، لكن اذا تزوجتي غير رابح ماراح اتكون فيه عداوه وشغل بوكي مايتأثر.
معروزه:
- انا لا راح اتزوج هاد ولا هاد ولا هاداك ، انا ماراح اتزوج من الاساس، انا قاعدة في عز بوي انربي اخواتي، انا ماودي زواج.
- كيف يعني هتوري حالك؟
- لا هنبور روحي ولا شي، بس انا مو حابه انتزوج تو فياريت اتوفري على حالك موال انك دايره بالك على حالي.
- تخطيط عوالي انا عارفته زين ،وانتي ماشيه على تخطيطها ياسايبه
- وحتى لو هادا تخطيط الشيخة تقدري تكسري كلامها تخالفيها؟
- لا مافيا انخالف ولا نقدر نعترض ولا نحكي، بس ماودي تخسري سنينك الحلوه وتخسري بوكي معاك.
- ماتخافي مافيه خساره ولا شي.. الخاسر هو اللي مايعرف ايش ايريد ، وانا عارفه اللي انريده زين.
❈-❈-❈
مرت أيام ومن بعدها تواصل آدم مع المشفى التى سافر إليها ابوه مع الشيخ منصور، وعرف حالة ابيه بالتفصيل منهم، واستطاع ان يتواصل من خلالهم مع الشيخ منصور والذي اخبره بأن اباه تتحسن حالته وإستجابته للعلاج سريعة، فقد عرفوا الاطباء علته بالتحديد، ويتوقعون انه سيستفيق من غيبوبته في غضون ايام قليلة، اما هو فقام بالانتقال مع امه للشقة التي استأجرها له قصير، وبدأت رحلة علاجها، والشيخه عوالي كانت تزورها بين يوم ويوم، وارسلت مايزه تقيم معها إقامة كاملة تساعدها وتعتني بها وبالبيت اثناء غياب آدم عنها وعودته للبادية.
أما آدم فهو وقصير ينتظران على صفيح ساخن وصول أَول شحنة لهم بدون وسيط، لا يعلمون إن كانت الاسلحة ستتطابق مع ماطلبوا ام ستُرسل لهم انواع أخرى غيرها اقل مواصفات واكثر ردائة، وحتى بعد أن طمأن آدم عمه قصير إلا انه هو نفسه اصابه القلق وقليل من الخوف كلما اقترب موعد الإستلام.
وها قد حانت اللحظة، واليلة هي ليلة الإستلام، فتجمع الكل عند النفق وانتظروا وصول الشحنة، وفور وصولها وإخراجها من النفق إقترب قصير وفتح صندوق عشوائي من الصناديق، وإذ به نفس السلاح الذي يستوردونه بنفس الجودة، بل وهناك ايضاً ستة صناديق إضافية من الزخيرة فوق الشحنة وهذه هدية تُصرف لمن تتخطى مشترياتهم مبلغاً معيناً، وكان الوسيط يأخذهم لنفسه في كل مرة كما كان يأخذ اموالاً طائلة.. فتهللت اسارير قصير واقترب من آدم وقال له:
- حيا الله عقابنا.. حي الله وليدنا وترباية ايدنا. والله فيك وبيك رفعة الراس وعلو المقام
قالها ورفع السلاح في الهواء علامة الفوز فهلل الجميع خلفه والتف الكل حول آدم يصيحون ويهتفون بإسمه بفرحة عارمة، ففرق النقود خير سيعم على الجميع.
ومن بعدها قاموا بتحميل الأسلحة في شاحنات الجيش التي حضرت، وإستلم قصير النقرد منهم بنفسه هذه المرة نظراً لغياب عمه، وحسب الفارق بين الصفقات السابقة وهذه الصفقة والمبلغ لم يكن قليلاً ابداً.
❈-❈-❈
أما في القصر..
- ايه اللي دشدش القصر كده يافريال؟
- دي مديحه اختك اعصابها تعبانه شويه.
- اعصابها تعبانه ايه دي اتجننت، مديحه، انتي يازفته ياللي اسمك مديحه.
-لا لا سيبها مش مشكله كلها حاجات تافهه مقدور عليها، المهم دلوقتي عايزه اكلمك في موضوع مهم.. اختي وعيالها جايين يقعدوا في القصر معانا فترة لغاية ماتاخدلها شقه.
- تمام مفيش مشاكل، بس اهم حاجه متطولش حاكم انا مش برتاح لاختك دي خالص ومش ببلعها.
- ماتقلقش هتمشي قوام، بس انا خايفه من مديحه وتصرفات مديحه قدامها، وخصوصاً انها اليومين دول اعصابها دايماً تعبانه وتصرفاتها مش محسوبه.
- مديحه انا هدخل اظبطها دلوقتي متقلقيش.. جهزي بس انتي مكان لاختك وياريت متخليهاش تطول عشان اخلاق ولادها مش تمام وخصوصاً بنتها وانا مش بحب اولادي يختلطوا بإولادها.
- حاضر هحاول.
❈-❈-❈
وبعد عدة ايام كانت فاطمه اخت فريال تغذوا القصر هي واولادها، تاركة البلدة بمن فيها، فبعد موت زوجها في ظروف غامضة وبسكتة دماغية مفاجئة لم يتبقى لها بالبلدة غير اولادها، فحملتهم وقررت الانتقال لحياة جديدة، فهي طموحة وطموحها ليس له حدود.
وبعد ان انتهت من توضيب اغراضها واغراض اولادها في غرفهم، ذهبت إلى غرفة اختها وأعطتها تركيبة السم وقالت لها:
- اعتقد دي لمديحه مش كده؟
- اومأت لها فريال برأسها، فتبسمت فاطمه وهي تقول لها:
- كده يبقى القصر نضف من الكل ومفيش غيرك انتي وولادك وجوزك.. مبروك عليكي الاملاك.
صمتت فريال ولم تتحدث، فهى ترى في عيني اختها طمعاً لا تقوى على تخبئته، وهذا ماتعلمه فريال جيداً، فنظرت الى زجاجة السم وهى ترى فيها الخلاص الوحيد من كل شيء، وحمدت الله على نعمة الموت التي لولالها لبقى البشر ينغصون الحياة دوماً.
اما يحيي فسافر الى العزبة وهناك قام بالتحدث مع احد وجهاء البلدة وقال له أن اخيه قد سافر للعلاج والشركة تحتاج للسيولة، وهو اليوم أتى ليرهن له الارض.. فرفض الرجل أن يرهن منه الإرض دون ضمانات، فأخذ منه وصل إمانة بالمبلغ مقابل النقود واخذ الإرض يذرعها، وبهذا ضمن حقه، ولم يإبه يحيي يالوصل، فهو سيحصل على الأرض ويبيعها عاجلاً ام آجلاً.
واخذ المال وعاد به للقاهرة ليتمم مابدأه في مصنعه الخاص.
أما عن طاقم العمل فقد قرر ان يخفض لهم مرتباتهم للنصف، وزود ساعات العمل وأوقف نظام الساعات الإضافية. وفعل كل شيئ يجعل العامل يشعر بالظلم ويغادر الشركة من تلقاء نفسه، وهذا ما حدث، فقد بدأت الناس بالمغادرة والانسحاب من الشركة بداية من اعلى الكوادر لصغار العاملين، الا من لا حول لهم ولا قوة ولا يجدون مصدراً للرزق غير المصنع والشركة.
❈-❈-❈
أما في القصر..
بدأت فاطمه تباشر عملها في إحدى الصيدليات الكبيرة كي تأخذ فكرة عن الأمر كيف يسير فى القاهرة، وهل مثل البلدة ام لا، حتى إذا افتتحت صيدليتها الخاصة تكون على دراية بكل شيئ، كانت تعود الى القصر بعد عملها فتتجول به وتتفقده وكأنها تبحث عن شيئ ما أو تعاين شيئ ما وهذا الأمر أزعج فريال كثيراً، فلم تخطط هي وتتخلص كي تأتي أختها وتتملك كل شيئ دون عناء، وكيف لها أن تتطلع لشيئ لا ناقة لها فيه ولا جمل هذا الامر الذي يكاد يقتل فريال غيظاً!.
في هذه الفترة حاولت فريال وضع السم مرات عديدة في طعام أو شراب مديحه، ولكن كل مرة كان يحدث شيئ يجعلها لا تتناوله، فقد سيطرت حالة من الاكتئآب عليها جعلتها شبه فاقدة للحياة، جثة هائمة في ارجاء المنزل، لا كلام ولا نشاط والقليل القليل من الطعام، والكثير من القهوة، وحتى التدخين الذى اصبحت تدخنه عيني عينك امام الأولاد وحتى أمام اخيها يحيي، الذي كلما قرر اخذ موقف حاسم معها تمنعه فريال بحجة انها مريضة ولا على المريض حرج.. فيبتعد عنها ويتلاشاها مؤقتاً حتى تطيب أو حتى يصل لنهاية صبره ويكون العقاب مضاعف.. وكل هذا كي لا يحدث تصادم بين يحيي ومديحة يصل لمسامع احد ويرتاب في أمر موتها فيما بعد ويُشار ليحيي بأصابع الاتهام.
إلى أن أتى اليوم الموعود.. اليوم الذي وضعت فيه فريال السم لمديحه فى كوب قهوتها وهي شاردة، فأمسكته مديحة وقربته من فمها وارتشفت منه ثم نظرت لفريال التي كانت تمثل عدم الإنتباه وقالت لها بهدوء:
- عارفه يافريال.. الموت دا حاجه جميله اوي ومش دايماً وحش.. هو وحش بس لما بياخد حد عزيز علينا ويسيبنا نتعذب بعده.. انما لما ياخدنا احنا بنكون ارتحنا.
شعرت فريال انها علمت بأمر السم، على الرغم من ان اختها أكدت لها مراراً بأن لا طعم له ولا يغير مذاق شيئ، فازدردت لعابها بخوف، ولكن الطمأنينة عادت اليها وهى ترى مديحه تكمل قهوتها بتلذذ شديد، ترتشف وتبتسم، وعينها تلف المكان وكأنها تودعه، وفور أن انتهت من تناول قهوتها قامت للأولاد، احتضنتهم جميعاً وخصت كارمن بقبلات زائدة وهمست لها في اذنها بشيئ ثم غادرت نحو غرفتها.
اقتربت فريال من كارمن وسألتها بفضول:
- هي عمتك قالتلك ايه ياكوكي؟
- قالتلي سامحيني بس وهي اصلاً مش عملتلي حاجه.
انقبض قلب فريال وتعالت انفاسها وفهمت الآن كلمات مديحه، فأسرعت نحو الهاتف واتصلت على اختها:
- الحقيني الظاهر إن مديحه سممت كارمن، تعالي بسرعه بسرررعه.
وما إن انهت مكالمتها حتى نظرت الى تلك التي هوت على الارض وبدأت في التشنج،، فصرت وجرت عليها وكذلك صرخ الاولاد من حالة اختهم، والجميع اقترب منها وكانت اسرعهم فريال التى اختطفت ابنتها في احضانها وهي تشعر انها تختنق معها، وهتفت بحسرة:
- عملتيها يامديحه الكلب.
يتتتبع
عقاب ابن الباديه الفصل الرابع والعشرون.🌹
دخلت مديحه الغرفه وأغلقت الباب خلفها، كانت تعلم انها تموت، علمت بامر السم من أول رشفة ولكنها أكملت، فهى لم تجد فى الدنيا ماتحاول البقاء من أجله، اكتشفت ان عالمها كله يدور حول شريف والآن مع خسارتها له خسرت كل شيئ، لم تعد الاموال ولا الأملاك تعنيها، ففى اللحظة التي رأته يتأبط غيرها وفى احشائها قطعة منه، في اللحظة التي انتظرت منه إلتفاتة ولم تحصل عليها تأكدت أن عالمها كله إنهار ولم يبقى منه سوى ركام.
فذهبت لخزانتها وأخرجت صندوقها الأزرق المخملي وفتحته واخرجت منه أجمل ماعاشته مع شريف ووثقته بالصور.. إفترشتهم على تختها وبدات تتأملهم واحدة واحده وهي تبتسم وامسكت الاحب لقلبها من بينهم وقربتها من فمها وقبلتها مرة بعد مرة حتى ابتلت الصورة بالدموع، واستلقت في النهاية فوقهم واحتضنت منهم ماطالته يدها وهي تشعر بأن شيئ بدأ يعتصر قلبها ويكتم أنفاسها فعلمت انها النهاية، فأغمضت عيناها بإستسلام للموت لم يسبق له مثيل.
اما فريال فكانت تواجه موتاً من نوع آخر كانت تختنق وهى ترى إبنتها تصارع الموت، تحاول الصراخ ولكن صوتها حُبس داخل احبالها الصوتية ولم يجد سبيلاً للتحرر، ضمتها إلى صدرها وأخذت الصغيرة تدفع الهواء بقدميها وهي تحاول التمسك بالحياة وفي النهاية سكنت حركتها وتراخت أطرافها وهنا تحررت صرخة فريال، وقبل أن تنتهى كانت فاطمة اختها تقف فوق رأسها شاهرة إبرة كبيرة ذات رأس طويل لم يحدث ان رأت فريال مثله من قبل، بداخله سائل أصفر وقامت بغرزها بكامل قوتها في قلب الصغيرة ودفعت مابداخلها مرة واحده، ثم اخذت بعدها تنعش كارمن لفترة من الوقت إلى أن شهقت كارمن وبدأت الرغاوى الصفراء تخرج من فمها وانفها، وهنا كفت فاطمة عن الضغط على قلبها وقامت بقلبها علي بطنها ووضعت إصبعها داخل فمها وأجبرتها على التقيوء، ثم بدأت في تركيب كانيولا في يدها لتعطيها المحلول الملحي المضاف إليه باقى الترياق.
ونجت كارمن من براثن الموت، ولكن فريال هي من اخذت مكانها، فقد بدأت تختنق هى الأخرى، وقلبها أوشك على التوقف لولا تدخل اختها في الوقت المناسب وإعطائها الدواء المناسب.
وخرج الموت من القصر بروح مديحة فقط ونجت كارمن وأمها منه.
اما عند آدم وأمه.. اليوم تلقيا المكالمة التي ردت بهم الروح، والتي كان مفادها أن محمود قد استيقظ من ثباته واستفاق من غيبوبته، وأخيراً عاد الضوء لعينيه وأبصر العالم، وكأن مديحة بموتها افسحت له مجالاً للحياة.
بكت عايده كثيراً، وحمدت الله كثيراً وحاولت السجود رغم كل مافيها فلم تستطع السجود إلا بعينيها. ولكن قلبها سجد لله ألاف السجدات.
أما آدم ففرحته بعودة ابيه للحياة ورجوع العافية اليه كانت تعادل العالم.
وخاصة حين تحدث معهم محمود في الهاتف واخبرهم بأنه بخير الآن، وكان البكاء سيد الموقف، واخبرهم الشيخ منصور بأن محمود قد تحددت له عملية جراحية بعد شهر، بعد أن يطيب كلياً من كسوره وجروحه ويصبح جسده قادر على تحمل المزيد من الألم.
فقررت عايده اللحاق به فور أن تستطيع المشي لتكون بجانبه،وآدم ايضاً قرر الذهاب معها وعدم تركهم يغيبان عن عينيه مرة اخرى.
أما بخصوص محمود وعايده من الناحية القانونية فقد ابلغ يحيي الشرطة عن غيابهم وفقدانهم فى نفس اليوم الذي دفن فيه اخته مديحه.. والتي حين علم مافعلته بإبنته لم يذرف عليها دمعة واحدة ولم يشعر تجاهها بذرة ندم او شفقة، بل اخبر زوجته بأنها لو لم تفعل هي ذلك وتسممها لفعلها هو بنفسه وسممها بيده نظير مافعلته بإبنته.
اما فاطمه فكانت جالسة تراقب الأوضاع وترى الساحة تخلوا من اللاعبين واحداً تلوا الآخر، وتنتظر اللحظة المناسبة لنزول الساحة وإقصاء من تبقى.
نظرت لأولادها "كاظم، وقاسم، وحياة" وهم يلعبون، ورأت الاختلاف بينهم وبين أولاد اختها فريال، فقد كانوا اولاد اختها مثالاً للطبقة المخملية في كل شيئ، مظهرهم وتصرفاتهم وحتى طريقة حديثهم، واولادها كانوا متأثرين بالبيئة الريفية التي تربوا فيها والتي كانت تحاول جاهدة الا تتركهم ينخرطون فيها، ولكن بحكم عملها وساعات الغياب، وبحكم انهم محاطون بعائلة ابيهم المتخلفة من وجهة نظرها لم تستطع.
فقررت ان تقتلعهم من وسط هذه البيئة وتنقذ ما تبقى منهم وتحولهم للشاكلة التى طالما تمنت إن يكونوا عليها، ولم يكن هذا ليحدث لو بقيت هناك فى البلدة.
أما في الباديه..
محراب:
- ياعمي قصير مارديت علي بخبر ولا قلتلي ويش رأيك وافقت على مطلبي ولا ماوافقت؟
قصير بحيرة:
- والله يامحراب مانعرف ويش انقولك، انت صح رهنت معزوزه مني بس رابح بنفس الوقت رهنها من الشيخ منصور، وانا عطيتك كلمه وهو عطى كلمه وما نعرف كلمت من فينا تنزل الأرض، وتوا الشيخ منصور قال الأمر اصبح بيد معزوزه وهي تختار بين ولاد عمها واللي ترتاحله وتقول ودي هاد تصير من نصيبه.
محراب:
- ويش هاد ياعمي ومن ميتا البنات ليها شور وقول، صرنا حضر احنا ولا ايش ، انا اللي نعرفا ان الراي والكلمه بيد الرجال واللي ينقال بمجالس الرجال يكون سيف على رقاب الحريم.
قصير:
- لو رهنتها ومافي حدا سبقك لها كنت عطيتك من غير الرجوع لاي حدا، لكن هيك الامور صارت. ووججت روسنا،بسباك انا اول مرة نصبي اقبال عمي وشيخي
محراب:
-يعني اللي نفهما توا ان ماعادلك كلمه. بالموضوع ياعمي؟
- والله ياوليدي خرجت كل الامور من يدي وصارت بيد الشيخ منصور .
- اي بس انت تقدر تميل الدفه صوبي صح ولا لا.
- يصير خير يامحراب، بس يعاود الشيخ وكل شي يصير سهل.
وعند رجوه وسالم ورابح:
رجوه:
- ياسالم ودي نطلب منك شي بس انخاف تخجلني. وتردني خايبه
- ومن متى انا انخجلك وقت تطلبي أو انأخر عنك شي يارجوتي؟
-طيب انا ودي تاخذني معك المره الجايه للحضر بس تروح لآدم وامه، انريد أنشوف الشوارع والناس وودي اشتري واااجد حاجات.. انا معاي قروش محوشتهن وانريد نصرفهم كلللهن.
- اول شي ابشري هناخذك معاي من عيوني، وتاني شي ليش تشتري من قروشك عزيت عنك شي انا ولا منعت عنك شي طابت عليه نفسك بيوم؟
- لا والله ويشهد ربي انك احلا سالم بكل الدنيا واطيب حد بالقبايل كلها، بس انا انريد انجيب شي لاختي معزوزه ويكون من قروشي، ودي انفرحها بشي من عندي كيف ماهي دوم تفرحني.
- وباقي إخواتك يارجوه؟
-جاهن خوت يخوتهن مانجيب لحد شي، انا اختي بس معزوزه والباقيين مالي علاقه فيهن، البنات بعيدات عني ومايحبوني وهلال انت تعرف اللي بينا كيف اللي بين الحرامي وصاحب الديار المسروقه وشايف سريقته مع الحرامي وماقادر يتكلم.
-خلي بقلبك حِن يارجوه علي خواتك هم مالهم ذنب.
- اي وانا مالي ذنب، وياسالم اذا ماقفلت ع هالحكي انا هنمشي ولا انريد انعدي للحضر ولا نشتري شي ولا نجلس معاك من الاصل. وهاه يلا سلام.
- ارجي هنا يامهبوله وين رايحه، انا بس نحكي معاك لا تتعفرتي ولا تتركيني وتمشي مهما جرا فهمتي ولا لا، ولو اتكررت الفعله راح تشوفي من سالم وجه تاني ماتحبيه يارجوه سمعتي؟.
- والله سالم ماعندو وجه تاني ولا تالت، سالم ماعنده غير وجهه السمح هاد اللي بعمره مايقسى ولا يعرف الجفا، فلا تمثل القسوة ياسلومتي.
هى نطقت "سلومتى" وانهارت حصون سالم ونظر اليها بوله وأومأ لها وهو يتبسم، فضربه رابح بالعصا التي بيده على راسه وهو يقول:
- اي قالت سلومتي وانتهي كل شي اقفل ضبك ضيعت الهيبه وجع بطنك.
رجوه:
-جاك ضربه تفلقك ياغضيب لا تضرب سلومتي وإلا وربي اندقلك راس معزوزه وتصير راس براس، إلا سلومتي ماحدا يزعله ولا يمد يده عليه.
- ماتعصبي يانبض سلومتك وروحه،الكل فدا نظرة عالعيون
هلال:
الله ياخدك وياخد سلومتك، والله لنقول لبوكي انك تتسهوكي وتتمايصي ياسايبه وتحكي سلومتي وسلومتي.
سمعت رجوه ماتفوه به هلال ونظرت اليه نظرة اسد مفترس، وتحركت نحوه ببطئ، فهب سالم يمسكها قبل ان تصله، ولكنها كانت كالسهم الذي انطلق، فقفزت على هلال وأبرحته ضرباً، ومها حاولا رابح وسالم ان يخلصاه منها لم يستطيعاً إلا عندما تركته هي بكامل إرادتها، وقالت له وهي تتطلع عليه وهو يبكي:
- اي إبكي كيف البنات ياابن امك ياولد مكاسب، والله والله اذا بيوم عملت شي وقلت عليه لأمك او لبوك لننتفك نتف. ونجرجرك على شوك الوادي وقتها مارح يحلك مني لابوك ولا امك ولا القبيلة كلها
اخذ رابح هلال وابتعد ، بعد ان نظر الى سالم وقال له:
-وربي راح تاخذ مكلوبه وراح نصحى بيوم نلاقيها واكله لحمك وعم تقرقش بعضامك ووقتها لا عزا عليك ولا زعل، لانك انت اللي جبتا لروحك.
وحين ابتعد رابح بهلال أخذ يفهمه بان رجوة أصبحت في حكم زوجة سالم وهو المسئول عنها ولا دخل لأبيها أو لأي شخص آخر بينهم، وطلب منه الا يخبر رجوه بذلك، وليتأكد من ابيه إن أراد.. ولا يتعرض لرجوه مرة اخرى وإلا سيلاقي نفس المصير في كل مرة إن لم يتجنبها.
ومنها لم يعاود هلال الإحتكاك برجوه أو محاولة الإعتراض علي شيئ تفعله، فقد اخبرته بطريقتها ما الذي تستطيع فعله به.
❈-❈-❈
مرت الأيام، وإستطاعت عايده ان تتحرك بمفردها، كل هذا وآدم نصب عينيها لا يغيب الا قليلاً ويعود لها سريعاً يقوده شوقه، فتأخذه بين أحضانها وينهل مما حُرم منه سنوات حتي يرتوى، وهى ايضاً تشبع من قربه حتى ترتوى صحراء روحها التي تشققت عطشاً لسنوات عديدة، وها هي عادت تنبت من جديد مع عودته لها.
قررت السفر لمحمود وأنهى لها قصير كافة الأوراق المطلوبة، أما بخصوص البلاغ الذي قدمه يحيي عن إختفاء اخيه وزوجته فتم البحث والتحقيق فيه وأُعتبر محمود وعايده من المفقودين، وسيتم إعلانهم اموات بعد المدة التي تحددها المحكمة،نظراً لأنهم أُعتبروا مفقودين في ظروف غامضة.
ورفض الجميع رفضاً تاماً سفر آدم مع أمه، فلم يأمن منصور إنتقاله وسفره وبقائه في ايران بمفرده دون حماية قصير، فحتى لو كان عقاب الآن فهو عقاب صغير ولم يكتمل نموه ليحلق مجتاذاً للبلدان وحيداً دون أن يكون وسط سِرب يحميه.
وبعد وصول عايده لإيران وإطمئنان آدم عليها وإطمئنانهم الأثنين على محمود تحدد موعد العملية، وقبلها قام آدم بمهاتفة امه واخبرها بأن هناك جهاز طُرح منذ فترة فى الاسواق إسمه الهاتف المحمول، طلب منها شراء واحد وشريحة وهو سيفعل بالمثل ويشتري واحداً، وبهذا سيسهل التواصل بينهم في أي وقت، وفور ان اخبر عايده بذلك أرسلت في طلب الهاتف على الفور واخذت ثمنه من الشيخ منصور، وطلبت منه إحصاء جميع ماصرفه لترده له فور عودتهم للقاهرة، وهو قال لها ان هذا بينه وبين محمود ولا دخل لها به.
وتمت العملية اخيراً وكان آدم مع أمه لحظة بلحظه على الهاتف، وسأل منصور الأطباء عن العملية وقالوا له أن العملية ليست كل شيئ، وهناك علاج فزيائي لا يعلمون مدته، ولكن نجاح العملية لن تنجح من دونه.
ومنها تقرر بقائهم في إيران وعودة منصور للباديه وترك عايده مع محمود لحين إكمال علاجه، وبقى الوضع كما هو عليه لحين عودة محمود سليم معافى، وحتى يتم آدم جميع علومه ويعود معهم ليحيي وتبدأ المواجهة ويبدأ إسترداد الحقوق.
❈-❈-❈
وبعد مرور ثلاثة اعوام..
عايده بفرحه:
- خلاص ياآدم، خلاص ياحبيبي راجعين انا وأبوك، خلاص هرجع آخدك فحضني تاني.
إختطف محمود الهاتف منها واردف بصوت باكي:
-لا مش هسيبه لحد غيري، انتي حضنتيه وشبعتي منه انا محضنتهوش ولا شميت ريحته زيك، انا اللي هاخدك فى حضني ياآدم ومش هسيبك مره تانيه.. انا راجع ياآدم، راجعين يابنى وهنتجمع مره تانيه.
وهنا إنتفض قلب آدم ودقت بداخله طبول الفرح، فها قد حانت اللحظة التى طالما إنتظرها، وهذا هو الخبر الثاني المفرح في هذا العام بعد دخوله كلية التكنولوجيا والحاسبات، التخصص الذى كان يحلم به وهو الشيئ البارع به أيضاً، وانتقل آدم في الفترة الاخيرة من البادية للحضر وأقام هناك بالقرب من جامعته، وأصبحت عودته للبادية فى الأجازات وعطل نهاية الأسبوع، وفي هذه الفترة تغيرت أشياء عديدة، فلا عادت الأطفال أطفالاً، ولا عادت القلوب على ماشبت عليه.