رواية بك أحيا
الفصل الواحد والعشرون 21
بقلم ناهد خالد
"أقارب!"
"قُل لأقاربنا الذين طعنونا بغير رحمة، أننا لم نرد سوى ودهم، لم نرد سوى عطفهم، حنانهم، وصلة الرحم التي وصى بها الله، أخبرهم أنهم كانوا آخر من تمسكنا بهم في الدنيا.. وحين أفلتوا أيديهم تعلمنا وقتها كيف نفلت نحن أيضًا أيدينا، وليشهد الله أن قلبي لن يحن، ولن يميل... وحقي مردود ولو بعد حين"
" خديجة الدالي"..
قطبت حاجبيها تأثرًا بمشاعرها الكبيسة التي واتتها الآن حين تذكرت تلك الذكريات الأكبس، طفرت الدموع من عيناها وهي تسأله بحيرة مؤلمة:
_ ليه؟ ليه ممكن عمة تعمل كده في بنت اخوها! ليه اتهمتني في شرفي وأنا كنت يدوب مكملتش ١٥ سنة، أمي كانت لسة ميتة، وحالتي النفسية كانت زفت، وهي عارفة كل ده ومأثرش فيها، ليه عملت فيَّ كده! أنا من زمان عارفة أنها بتكرهني، بس.. متخيلتش توصل لكده، استفادت إيه أصلاً؟!
كلها أسئلة تدور في رأسها منذُ ثلاث سنوات ولا تجد لها إجابة، تلقيها في حديثها مع الطبيب رغم علمها أنه أيضًا لا يمتلك جوابًا، لكن من باب الفضفضة! وبجملة ما تفضفض بهِ! هزت رأسها مستنكرة بشدة وهي تزفر أنفاسها المختنقة:
_ دخلت عليَّ وانا وباهر كنا في البيت عندي ومحدش معايا، كان جاي يطمن عليَّ واخويا كان في المدرسة وبابا في الشغل، ولحظي النيلة اشوف سارة وهو معايا.. لا، ويومها فضلت تحسسني بالذنب وأني السبب الوحيد في موتها، مقدرتش اتحكم في نفسي وفضلت اصرخ فيها ودخلت في حالة هيستريا، وقتها حاول يهديني بس عرف إني مش سمعاه أصلاً، قرب مني وحضني وفضل يكلمني عشان اهدى.. وفعلاً بعد فترة بدأت اهدى، بس مكنتش حاسة باللي بعمله فقربته مني وحضنته جامد.. كنت خايفة.. كنت محتاجة اطمن، انا وقتها...
صمتت ودارت عيناها في كل مكان وكأنها تفكر هل تبوح بما يقف على لسانها أم تبتلعه وتقفز للحدث التالي دون توضيح أكثر! وهو علمَ بما يدور في عقلها، فحثها سريعًا على الاستكمال وهو يخبرها:
_ ها يا خديجة! قولنا ايه؟ مادام بدأتِ تعترفي مترجعيش تكدبي وتخبي تاني؟ واعتقد إنك كسرتي رهبة الإعتراف بعد ما اعترفتي بأصعب جزء في الحكاية.
اقتنع عقلها بحديثه فبالفعل هل ما ستقوله أسوء مما قالته! بالطبع لا، لكنها تخشى أن يحلل الأمر بطريقة خاطئة، أو ربما صحيحة ولكنها لا تريد الاعتراف بها! وبرغم علمها التام برؤيته لِمَ ستقوله لكنها قالته، بملامح مضطربه وتجنبت النظر له وهي تستكمل:
_ وقتها مكنتش سامعة صوت باهر، وقتها معرفش ليه سمعت صوت مراد وهو بيهديني، وهو بيقولي كل حاجة هتعدي.. أنا جنبك، معرفش ليه تخيلته هو، عشان كده حضنته وفضلت حضناه شوية حتى بعد ما هديت، كنت مغمضة عيني وكأني عارفة إني لو فتحت كل ده هيتبخر.. احساس الأمان والراحة الي حسيته لما أدرك أنه باهر مش مراد..
قاطعها مبتسمًا وهو يعقب بتفهم:
_ بتعملي كل حاجة عشان تثبتيلي إنك كرهتِ مراد، عشان كده اترددتِ تحكيلي عن الجزء ده، عشان ماقولكيش ما أنتِ منستيهوش ومحتاجه اهو، بس أنا مش هقولك كده.. بالعكس، هقولك أن يمكن وقتها الي احتاجت مراد هي خديجة الطفلة، مش خديجة بنت ال١٥ سنة، ولا الي قاعدة قدامي دلوقتي، فمتقلقيش مفسرتش الي حكتيه غلط.
هل الأمر هكذا حقًا أم أنه يسايرها بدهاء كي تبوح أكثر؟ تسائلت، ونظرت له تحاول فهم ملامحه، ولكن لم تستطع الحصول على إجابة، فتنهدت باستسلام وهي تدرك أن الطبيب النفسي حين يمارس مهنته لن يكن مرئيًا لمريضه! وسيتحكم في مشاعره وصفحة وجهه ببراعة، هزت رأسها بلا معنى وهي تتجاوز التعقيب على حديثه:
- ولما فتحت عيني كان على صوت صرخة عمتي، لقيتها بتقرب عليَّ وعمالة تقول كلام مش مفهوم.. او يمكن كان مفهوم بس انا من صدمتي مفهمتش غير جملة واحدة "هتجيبلنا العار يا فا*** يا عديمة الرباية".. وكانت بتهجم عليَّ عشان تضربني لولا تدخل باهر في اخر لحظة، معرفش ازاي بعدها بربع ساعة لاقتني واقفة قدامهم كأني في محكمة، نظراتهم بتتهمني بحاجة معملتهاش، وده طبعًا بعد ما عمتي قامت بالواجب وعرفتهم كلهم الي شافته، باهر فضل يحلف ويقول الي حصل، وانا كمان، بس شوفنا في نظرتهم انهم مش مصدقين، خصوصًا ان عمتي زودت من عندها مشاهد، وقالت أني كنت معاه في اوضتي رغم انها شيفانا في الصالة، وقالت كمان اني كنت بشعري ولابسة عباية ضيقة، رغم ان كل ده محصلش، ومهتمتش انها تطلع كدابة في عيني انا وباهر، مهتمتش بأي حاجة غير انها تعمل الي في دماغها والي معرفش هو ايه، بابا مصدقش من أول ما حكت وهو كان بيكدبها ويقولها بنتي متعملش كده.. بس عمي منصور، سكت، وفضل ساكت فترة وعينه كانت بتقول انه مش عارف يصدق مين، والسكوت وقتها كان أسوء حاجة ممكن يعملها، باهر مصدقش ان ابوه شاكك فيه ومش مصدقه، وشدوا مع بعض واتخانقوا، وختمت بأن باهر قاله انه هيرجع القاهرة عشان دراسته ومش هينزل البلد تاني ولا حتى في اجازاته، قالوا مش هدخل مكان في ناس شايفني و** ومعنديش اخلاق ولا دين عشان اقرب من بنت عمي بالشكل ده، وقتها عمي منصور حاول يهدى الوضع بس يمكن كان متأخر شوية! عشان كده باهر مسمعلوش وفعلاً مشي يومها.
التقط أنفاسها بارهاق بدأ يتسلل لها، وهي ترغم عقلها على تذكر كل هذا..
_ بابا زعل من عمي اوي، ومن عمتي طبعًا، وقالهم انه مينفعش يقعد وسطهم وهم شاكين في تربيته لولاده، على كده لو حد غريب جه قالهم انه شافني مع واحد هيصدقوه من غير دليل حتى! المشكلة ان عمي لما لقى الموضوع بيكبر، فكر يلمه بس بطريقة غلط، وقال لبابا احنا نقطع لسان اي حد ممكن يقول اي كلمة عليهم ونخطبهم لبعض دلوقتي وبعد الثانوية لخديجة يتجوزوا، كان باين من كلام عمي وقتها انه مش بس عاوز يحل مشكلة، هو كان في حاجة جواه مشككاه في إن الي عمتي قالته ممكن يكون حصل فعلاً، وطبعًا في حالة انه حصل يبقى فعلاً ده الحل الوحيد.. بابا كان فاهم تفكيره، وجه خلى الموضوع يتعقد اكتر، فضلنا يومين في مشاكل بتكبر ما بينهم، لحد ما لاقيت بابا بيقولي هنمشي من هنا ونستقر في القاهرة، وقتها قالي ان مش بس عشان الي حصل، بس الي حصل قلقه واثبتله ان مينفعش يسيبني انا واخويا في وش عمتي، المره دي الفت الحكاية دي يا عالم المرة الجاية تعمل ايه، وخصوصًا بعد ما فهم انها عاوزه باهر لفريال، عشان لما عمي قاله يجوزني له، وقتها ردت هي وقالتله أنتَ كده بتكافئهم، لأ جوز باهر لواحده غيرها وتكون اخلاقها احسن منها، وبكده تبعدهم عن بعض ويتلموا وفي نفس الوقت تبقى عاقبتهم على عملتهم، ماتكلمتش عن فريال بشكل واضح.. بس بابا كان فاهمة وفاهم تفكيرها، وكان عارف انها فاتحت باهر كذا مرة في حوار الجواز وكانت بتلمحله عن فريال بس هو كان بيتهرب.
_ وجيتوا القاهرة، تابعتي معايا علاجك واستقريتوا هنا، وبعد وفاة والدك لما روحتي تدفنيه في البلد قابلتيهم طبعًا، اتعاملتي معاهم ازاي؟
ردد الأخيرة بتساؤل وهو ينتقل بالأحداث لمنحنى آخر، رفعت منكبيها بلامبالاة وهي تجيبه بملامح ساخرة:
_ عادي جدًا، موت بابا كان دخلني في حالة غريبة، حالة من اللامبالاة على التناحة، على أني مبقاش فارق معايا حاجة ولا حد، عشان كده روحت ودفنته ووقفت قدامهم ومفكرتش امد ايدي ليهم ولا حتى قبلت عزاهم ليَّ، ولما عمي فكر يعمل عليَّ كبير ويقعدني في البلد غصب عني، وقفت قدامه ورفضت واصريت على موقفي، ورجعت في نفس اليوم أنا ومصطفى وحتى مرضتش اعرفه مكانا في القاهرة، هو اعتذر بس أنا مقبلتش اعتذاره، مقبلتش اعدي كسرتي قدامهم وظلمهم ليَّ، مقدرتش اعدي زعل بابا منهم لحد ما مات وهو زعلان منهم.
أخرجت نفسًا عميقـًا جدًا، قبل أن تقول بانهاك حقيقي:
_ حاسة إني تعبت، ويعتبر قولت كل الي كدبت فيه قبل كده، مبقاش عندي حاجة مخبياها.
اومئ برأسه وهو يخبرها:
_ لا تمام، برافو عليكِ يا خديجة إنك كسرتي رهبتك وحكيتِ كل حاجة، بجد دي خطوة مهمة جدًا في علاجك.
سألته بملامح متوترة:
_بالنسبة لموت سارة، هو حضرتك..
قاطعها متفهمًا مخاوفها:
_ خديجة، أي حاجة مهما كانت بتتقال هنا، عمرها ما بتخرج من الباب ده، غير إن حادثة خديجة كانت غير مقصودة، انتقام طفولي سخيف اتحول لمأساة، لا ليكي ذنب فيها، ولا هو.. وكل ما اتقبلتي ده واقتنعتي بيه، كل ما كان افضلك، علاجك يا خديجة بيكمن في حاجتين ملهمش تالت.. اولاً ترمي من على كتافك ذنب موتها، وثانيًا تسامحي مراد وتعرفي انه هو كمان مكنش يقصد.. وقتها سارة هتختفي من حياتك، ومن كوابيسك.. سارة هي صوت ضميرك الي أنتِ بتجلديه كل دقيقة على موتها، من كتر ما مبقاش متحمل خرجلك في صورة هلاوس، فهمتِ؟
هزت رأسها بتفهم، ورفعت كفها تمسح دموعها بوهن وهي تقول بحزنٍ دفينٍ:
_ غصب عني والله، بس انا عمري ما هشوف مراد برئ.
في جملتها الأخيرة حدث تغير ملحوظ في ملامحها، وحتى نظراتها، بدت ملامحها شرسة، غاضبة، وبدت نظراتها كارهة، ترغب في الانتقام! وهذا أخبره عن كم ما تحمله "خديجة" بداخلها تجاه المسكين "مراد"!! وهل وصفه للتو بمسكين دون أني يعلم عنه شيء! ربما ما دفعه هو نظراتها التي هيأت له أنها لو رأت "مراد" ذلك أمامها الآن لقتلته في طرفة عين!
حاول تهدأتها بكلماته الهادئة، المسايرة:
_ تمام، خلينا منتكلمش عن مراد دلوقتي، خلينا نحاول معاكِ الأول إنك تقتنعي وتقنعي نفسك بأنك ملكيش ذنب في موتها، تمام؟
اومأت برأسها وقد لانت ملامحها ونظراتها مرة أخرى، هز رأسه برضا وهو يخبرها:
_ بصي، معاكِ خمس أيام، عاوزك فيهم تقعدي مع نفسك، تتكلمي معاها في كل حاجة تخص علاقتك بسارة زمان، ولما توصلي للحادثة، تخيلي سناريو غير الي حصل وشوفي هل نتيجته كانت هتبقى إن سارة هتفضل عايشة؟ يعني لو كنتِ دخلت ولحقتيها، لو كنتِ مقولتيش لمراد انها وقعتك قاصدة، لو كنت اول ما فتحتوا الدولاب جريتِ بلغتِ حد بالي حصل، وهكذا، والإجابة متكونش من دماغك..
نهض واقفًا واتجه لمكتبه صغيرة في أحد اركان المكتب، التقط منها كتابًا ضخمًا وعاد إليها يقدمه لها وهو يخبرها:
_ اقري الكتاب ده كويس، وبعدها ابقي اسألي نفسك الأسئلة وجاوبي عليها، بس بعد قراية الكتاب.
التقطت الكتاب تطالع عنوانه وهمست تقرأه بشفاها
" مصير الإنسان بين الفلسفة وعلم النفس" من سلسلة "شبهات وردود"..
رفعت رأسها له وهي تخبره بتزمر واضح:
_ ٥ أيام! خليها اسبوع يمكن الحق اخلصه، أصل ممكن اقرأ صفحتين في اليوم بالعافية عشان مشاغلي وكده.
ضحك بخفوت وهو يخبرها برحابة صدر:
_ اسبوعين يا ستي، بس تخليه معاكِ في شنطتك دايمًا واول ما تحسي بضغط نفسي تخرجيه وتقرأي هتلاقيكِ بتهدي تلقائي، وكمان أهم حاجة تقرأي بتركيز ودقة، وتحللي السطور كويس عشان تفهمي المغزى من الكلام، وكمان ترجعي تاخدي ادويتك بانتظام يا خديجة ها!؟
اومأت برأسها وهي تنهض واقفة، ووضعته في حقيبتها وقالت:
_ حاضر، انا ناوية ابدأ بجد والله، وأن شاء الله اخلص من كل ده قريب.
ابتسم لها بلطف وهو يؤمن رجائها:
_ إن شاء الله.
_________________
تحتجزه منذ نصف ساعة أمامها تصر عليهِ أن يسرد لها كل ما حدث بينهما في لقاء الأمس، ورغم سرده لكل ما حدث لكنها تصر على أن للأحداث بقية! هز رأسه بنفاذ صبر وهو يخبرها:
_ يا لولة ماعنديش حاجة تانية احكيها، ارحميني بقى عندي شغل مش كفاية إني صاحي متأخر النهاردة!
كانت كطفلة صغيرة تلح على والدها ليكمل سرد حكاية ما قبل النوم لها، ورغم انهاءه للحكاية إلا أنها تصر أنه مازال هناك بقية! هزت رأسها بحماس وهي تسأله مرة أخرى:
_ يعني هي معرفتكش خالص!؟
ابتسم ثغره بالكاد وهو يجبها بنفاذ صبر:
_ سألتيني السؤال ده ٤ مرات لدلوقتي، وقولتلك لأ، يعني لما تسأليني تاني الإجابة هتتغير!؟
امتعضت ملامحها وهي تخبره بحيرة:
_ أصل ازاي ملحمتش حتى! يعني معقول مش فاكرة أي ملامح ليك للدرجادي!
_ الإنسان بينسى يا ماما، لو تعرفي حد ومر وقت طويل مشفتهوش بتبدأي تفقدي ملامحه، ما بالك لو طفلة لسة، ده انا اهو الي كنت وقتها ١٣ سنة مش فاكر شكل والدتها ولا والدها، شوية ملامح كده الي فاكرهم ميكونوش شكل واضح، فليه مستغربة أنها نسياني!؟
_ معاك حق، بس يعني انتَ كتت قريب اوي لها يمكن عشان كده شايفة أنها كان لازم تشبه عليك حتى.
تفهم مبررها، فعقب بهدوء:
_ يمكن، بس الموضوع مش دايمًا بالقرب ولا بالبعد، وبرضو هرجع اقولك متنسيش انها كانت صغيرة، والاحداث الي حصلت زي موت اختها وغيره اكيد خلوها مش عاوزه تفتكر الوقت ولا الذكريات دي بكل الناس الي فيهم.
بدأت تقتنع بوجهة نظره، فهزت رأسها متفهمة وهي تسأله:
_ قولي طيب ليه ما تقولهاش وتخلص بدل اللف والدوران ده؟ يعني تعرفها عليك، وأكيد لما تعرف إنك مراد صديق طفولتها هتفرح والطريق بينكوا هيكون أسهل، بدل مالسه هتعرفها عليك من أول وجديد، بصراحة مش فاهمة منطقك ولا أنتَ عاوز ايه!
نهض وابتعد عنها قليلاً ينظر من خلف زجاج شرفته للحديقة الواسعة والخضرة المريحة للنفس التي تقبع أمامه، وشردت عيناه يتذكر تفاصيلها بكل ما فيها، كل تفصيلة مهما بدت صغيرة عاد يتذكرها منذُ وقعت عيناه عليها أمس، ونطق لسانه بما يجوب قلبه، فخرجت نبرته محملة بعاطفته القوية وهو يقول:
_عايزها تحبني من جديد، هي يمكن حبت صديق الطفولة واقرب حد ليها وقت ما كانت طفلة لسه بتتعرف على الدنيا، حبتني كأول حد خد بايدها وعلمها كل حاجة، اول حد استندت عليه وهي بتتعلم تقف وبتتعلم تمشي، حبتني كشخص كان داعم ليها في كل حاجة وفي أي وقت، حبتني كشخص شافت الدنيا بعنيه.. يمكن ده كفاية لأي حد، لكن انا لأ، انا طماع في حبها... طماع اوي، عشان كده عاوزها تحبني وهي انسة واعية زي ما حبتني وهي طفلة.. عاوز خديجة البالغة تحب مراد البالغ وهما الاتنين شخصيتهم اختلفت.. عشان لما اقول اننا حبينا بعض في كل زمن، وفي كل نسخة منا، مبقاش كداب.
استمع لصوتها من خلفه تقول بنبرة بها بعض الانبهار:
_ يااه يا مراد، أنا عمري ما قابلت حد بيحب زيك كده! وأنا الي كنت فاكرة حبنا أنا وابوك حب افلطوني عشان رغم اني اتجوزت وبعدت منسناهوش وفضلنا نحب بعض، ده طلع ولا حاجة قدام حبك ده، اوقات باستغرب وبسأل نفسي ازاي طلع كل الحب ده منك أنتَ، رغم كل الي عانيته من صغرك، رغم إنك محصلتش على حب كفاية، لا من ابوك ولا من مني.. الأكيد إني بحبك اكتر حاجة في دنيتي بس للأسف ظروف حياتنا خلتني معرفتش اطلع كل حبي ليك في افعالي، بيقولوا إن الي محصلش على حب كفاية من صغره لما يكبر عمره ما يعرف يحب بجد.. بس لو دي قاعدة فأنت كسرتها بحبك لخديجة.
استمع لكل حرف قالته، وأكد على صوابه بداخله، هو نفسه يتعجب من حاله أحيانًا كثيرة، ويسأل ذاته من أين جاء مصدر كل هذا الحب الذي بداخله!؟ ففضلاً عن ما ذكرته والدته، فالعمل الذي دفعه والده إليه منذُ مراهقته كفيل بأن يجعله ذو قلب متبلد، قاسي، لا يعرف للحب ولا الرحمة معنى! وللعجب أن كل هذا حتى وإن نجح بالفعل مع الآخرين وسيطرت القسوة على كثير من تصرفاته إلا أنه لا ينجح معها! وكأن حبها مُحصن من كل العوامل المحيطة بهِ! ولربما ما لم يفهمه "مراد" أن الله قد حفظ حبها بهذا الشكل لأنه الطريق الوحيد لنجاته! النقطة البيضاء الوحيدة في عالمه الملطخ بالسواد..
التفت لها وهو يعقب على حديثها بحيرة زينت معالمه:
_ بصراحة، أنا نفسي معنديش تفسير، بس خديجة هي كل حياتي فعلاً، الشيء الوحيد الي مكنش عندي استعداد اتنازل عنه أو يضيع من ايدي، الشخص الوحيد الي كفيل يوقف كل شياطيني ويقلب مزاجي ١٨٠ درجة، معنديش تخيل لحياتي معاها لو اتجوزنا، بس... بس حاسس إني ممكن اقفل علينا أنا وهي وننعزل عن العالم كله.
أردف بجملته الأخيرة بحرج ظهر كاحمرار بسيط على وجهه، يعلم سخافة حديثه، ولا يحب التطرق لمثل هذه السخافات كثيرًا لأنه بعدها يشعر بالحرج، ليس من شيء سوى لعدم منطقية ما يقوله، وقد جاء رد والدته مطابقًا لِمَ ذُكر وهي تقول بابتسامة مقتضبة:
- مش معقول يا حبيبي الي بتقوله ده! لا يا مراد، حتى الحب له حدود، لازم تأقلم نفسك إنكوا عايشين في مجتمع ووسط ناس، مش هتوقف حياتك عشانها برضو ولا هي هتعمل كده، التعلق الأوفر ده برضو مش صح، ومتنساش إن أحيانًا كتر الحب بيأذي وبيخنق، الاعتدال خير الأمور يا حبيبي.
اومئ برأسه ولم تفهم هل هذا يعد اقتناعًا بحديثها أم انهاءً للحديث عمومًا، خصوصًا وقد تحرك بعدها يلتقط أغراضه وسترته وهو يخبرها:
- همشي بقى يالولة عشان عندي شغل واتأخرت بما فيهِ الكفاية.
قبل رأسها أخيرًا وانسحب خارجًا من الغرفة، اتجهت للشرفة ووقفت خلف زجاجها الداخلي تتابع الحديقة حتى طلَ هو واستقل سيارته مغادرًا محيط المنزل، قطبت حاجبيها بامتعاض جلي، وبدت أنفاسها غير منتظمة لضيقها، زفرت نفسًا لها باختناق وهي تغمغم لذاتها بضيق:
_ ماهو كل شيء له حدود برضو، يعني وكأنه لو بقت معاه واتجوزوا فعلاً مش هيكون عاوز حد غيرها، ده مش بعيد وقتها ماشفوش غير صدفة وميسألش عني!
خطر بعقلها شيء، لتزداد تقطيبتها وهي تردد بفزع:
_ ولا لو طلبت منه يسكنوا في فيلا لوحدهم، وقتها مش هشوفه فعلاً غير كل فين وفين..
صمتت قليلاً والحديث يدور برأسها بلا هوادة، لتهتف بعد قليل باصرار ومض في عيناها:
_ أنا مقدرة انه بيحبها، وبتمنى انه يعيش سعيد ومرتاح معاها، بس هو ابني برضو، ومش هسمح لأي واحدة مين من كانت تاخد ابني مني بالطريقة دي، حتى لو كنت بحبها.
غيرتها كأم شيء فطري ليس لها يد بهِ، لذا كان لها الغلبة بعدما استمعت لحديثه الذي القاه قبل ذهابه، رغمًا عنها انتابتها الغيرة، فقد شعرت أن تلك الفتاة تعني له أكثر منها هي شخصيًا، وهذا أمر لن تقبل بهِ، حتى وإن كانت على دراية بمدى حبه للأخرى وتعلقه بها وما لاقاه من عذاب حتى وصل لها، ولكنه بالأخير يبقى ابنها، لن تستطع رؤيته يفضل أخرى عليها، يهتم بها أكثر، وإن وُضعت كلاً منهما في كفة تكن كفتها هي الرابحة! تحت أي ظرفٍ كان لن تقبل "ليلى" بوضع كهذا.. ومن هنا، تُرى هل اكتسبت "خديجة" عدوًا جديدًا!؟
___________________
فتحت له باب الشقة ليخرج بعد أن انهى عمله، وأخبرها أخيرًا:
_ كده تمام، ولو حصل اي حاجة بلغي عبده يعرفني اجي اشوفها.
هزت رأسها ببساطة وهي تخبره:
_ تمام، تسلم.
انتظرت حتى ذهب من أمامها وما كادت تغلق الباب حتى وجدت الباب المقابل لها يُفتح وتخرج تلك الجارة السخيفة التي تسكن مقابلاً لها، لتضع القمامة الخاصة بها أمام باب منزلها، ولكنها كالعادة لم تسلم من لسانها وهي تقول بمغزى:
_ ربنا يستر على ولايانا.
رفعت "رنا" حاجبها الأيسر بتعبير وشيك على اندلاع حرب الآن، وهي تضع ذراعها في جانبها بحركة متحفزة، وقالت بتحدي سافر:
_ خير يا أم تامر، تقصدي مين بكلامك ده؟
رفعت نظرها لها بعدما وضعت كيس القمامة جانبًا وظهرت السخرية جلية على وجهها وهي تجيبها:
_ اقصد الي اقصده يا حبيبتي حد جه جنبك؟ ولا الي على راسه بطحة!؟
تركت مدخل شقتها وتحركت للأمام قليلاً حتى أصبحت في منتصف الطرقة بين الشقتين، وأصرت على مواجهتها وهي تقول ببوادر غضب:
_ بقولك ايه، انا بقالي فترة ملاحظة نظراتك الغريبة وكلامك وتلقيحك عليَّ في النازلة والطالعة، جرا ايه بقى؟ ايه العبارة عشان نبقى على وضوح كده!؟
اقتربت الأخرى خطوتان ولكنها حافظت على مسافة مناسبة بينهما، وهي تقول بنبرة ساخرة:
_ لا عبارة ولا نيلة، أنا بس ياختي هقولك كلمتين تحطيهم حلقة في ودانك، العمارة هنا كل الي ساكنين فيها ناس محترمة، وانتِ جديدة هنا مكملتيش خمس شهور، وشكل كده محدش بلغك الي بقولهولك ده، ومحدش قالك اننا مش هنقبل حد يسكن وسطينا يبوظ سمعتنا، فلو مش هتعرفي تحترمي المكان الي ساكنه فيه يبقى تشوفيلك مكان تاني.
اتسعت عيناها بعدم تصديق لِمَ تقوله تلك المتبجحة، لقد كانت تسمع لأحاديثها الهامسة حين تراها، ولكن لم تتوقع أن تقف في وجهها وتعبر عن شكوكها في أخلاقها! علىَ صوتها وهي تهتف بغضب:
_ يبوظ سمعتكوا! أنا! ازاي تتكلمي عني كده أصلاً؟
والأخيرة ارتفع صوتها بالتوازي وهي تعقب:
_ بتكلم عن الي شوفته يا حبيبتي وأخرهم الي لسه نازل من شوية.
شهقت "رنا" بعدم تصديق لظنون تلك الحمقاء، فصرخت بها وغضبها قد تصاعد أكثر:
_ قطع لسانك لو قال عني كلمة وحشة، أنتِ مالك أصلاً مين داخل ومين طالع! أنتِ قاعدة بتراقبيني؟
أشاحت الأخيرة بذراعها وهي تهتف:
_ اراقبك؟ ليه ياختي أنتِ مهمة للدرجادي! هو بس ربنا الي بيخليني اشوف بالصدفة عشان يكشف عمايلك.
ارتفع صراخ "رنا" وهي لا تصدق ما تسمعه:
_ عمايلي ايه يا وليه أنتِ، لمي لسانك لأحسن والله اندمك إنك فكرتِ تتكلمي عني كلمة واحدة.
_ ايه يا جماعة صوتكوا مسمع العمارة كلها، في ايه؟
قالتها سيدة ترجلت من اعلى وخلفها سيدة أخرى، قد نزلا على صوت الشجار العالِ، التفتت لهما" رنا" بملامحها الغاضبة وهي تقول:
_ الست دي باين عليها مجنونة، ولا مش عارفة حدودها عشان تتدخل في حياة الناس بالطريقة السخيفة دي.
شهقت السيدة بحركة سوقية وهي تقول:
_ - شوف البت البجحة قليلة الرباية! بقى فاتحة بيتك للرايح والجاي ومش عوزانا نتكلم! لا يا حبيبتي ال**** دي متحصلش هنا في عمارتنا، ياختي كانت جيرة الهم والغم.
استشاطت أكثر وهي تستمع لِمَ تقوله تلك الجارة الحمقاء، لتحاول تخطي السيدتان الاخرتان كي تصل لها بعدما اصبحا حاجزًا بينهما، وهي تصرخ بصوتها ووجهها الغاضبان:
_ أنا الي جيرة الهم يا ولية يا خرفانة أنتِ، اومال أنتِ تبقي ايه يالي حاطة عينك في حياة كل واحد في العمارة ورامية ودنك على الباب للي طالع واللي نازل.
أشاحت الأخرى بذراعيها بردح منفعل:
_ اه، طبعًا مانتي عاوزه تكوني على هواكِ، مش طيقاني عشان أنا الي كشفاكِ وفاضحة عمايلك ال****.
أزاحت السيدة الواقفة أمامها تحتجزها كي لا يتطور الشجار إلي عراك بالأيدي، ونجحت في الوصول لتلك التي تتبجح أمامها وكأنها ولية أمرها! لتجذبها من ذراعها بعنف وقسوة وهي تهدر بها:
_ اخرصي قطع لسانك ولسان أي حد يقول عليَّ كلمة *** زيه، وقسمًا بربي لو ما اتلميتي وبعدتي عن حياتي لامسح بيكِ بلاط العمارة فاهمة يا ولية أنتِ.
والأخرى خشت، خشت من ملامحها الغاضبة وعنفوانها، خاصًة وقد سأم السيدتان من فض العراك فاكتفيا بالمتابعة دون تدخل، مما جعلها تبتلع ريقها في وجل وهي تجذب ذراعها من الأولى، بينما تقول بصوت متوتر:
_ ياختي انتِ حرة، يك تولعي الحق عليَّ خايفة على سمعتك.
ربطت على كتفها بقوة وهي تخبرها بسخرية:
_ لا ياختي مستغنيين عن خدماتك، خليكِ في حالك، ولسانك جوه بؤك بس.
انهت جملتها وحدقتها بنظرة محذرة أخيرة قبل أن تنسحب من أمامهم ودلفت شقتها مغلقة الباب خلفها في وجوههم بقوة..
_______________
تهادت في خطواتها وهي تدلف للمستشفى بصحبة أبيها، وكالعادة تنجح في لفت الانظار إليها دون عناء، فيكفي ثيابها المثيرة لحد ما، بدأً من كنزتها الحمراء التي بالكاد تغطي بطنها، وتنورتها التي ترتفع عن ركبتيها قليلاً، بلونها الابيض الناصع، وقد ارتدت حذاء ذو كعب عالِ ليشد قامتها فتظهر مفاتنها كما يجب أن تكون، استمعت لوالدها يسألها:
_ فين الدكتور الي قولتِ ساعدك كتير الفترة الي فاتت، حابب اشكره الحقيقة.
ابتسم ثغرها المطلي بلون احمر فاتح بلطافة وهي تجيبه:
_ فعلاً يا دادي لازم تشوفه، متأكده أنك هتعجب بيه.
انفلتت ضحكة هادئة من "نبيل" وهو يسأله عابثًا:
_ هعجب بيه ازاي يا بنت! وضحي كلامك عشان اوقات بيكون اتجاه غلط.
ضحكت هي الاخرى وقالت:
_ مش قصدي، بس هو من الشخصيات الي حضرتك بتحبها، يعني شاب لسه صغير في السن بس باين عليه مجتهد جدًا، وساب بصمة له هنا في المستشفى رغم انه لسه شغال فيها قريب، غير بقى انه مرح كده وبيحب يساعد الناس.
توقف "نبيل" فتوقفت هي الأخرى مستغربة، فحدقها هو بنظرات مشككة وهو يسألها:
_ كل ده عرفتيه من مرة ولا مرتين شوفتيه فيهم!؟
وبدون تردد او قلق كانت تخبره:
_ شوفته ٣ مرات، واخر مرة قعدنا مع بعض ربع ساعة كده، بس حضرتك عارفني بقرأ الناس بسهولة.
_ الناس الي بيلفتوا نظرك.
هتف بها "نبيل" بتنبيه، ليغزي الاحمرار وجنتيها وهي تعقب بحرج:
_ مهو فعلاً لفت نظري.
رفع حاجبه باستنكار وهو يسألها:
_ بتقوليها في وشي كده؟ ده أنا أبوكِ حتى!
رفعت منكبيها بمرح وهي تعقب بخبث:
_ ماهو انا دلوقتي بكلم بُلبل صاحبي مش دادي.
هز رأسه ضاحكًا وهو يقول:
_ بتثبتيني! ماشي يابنت نبيل، ويا ترى مجرد لفت نظر ولا في تطورات أنا معرفهاش؟
نفت برأسها بصدق وهي تجيبه بجدية:
_ أبدًا يا دادي، بعدين لو في أكيد مش هخبي عنك.
اومئ برأسه مصدقًا إياها، قبل أن يدير مقبض الباب دالفًا لغرفة زوجته التي نُقلت لغرفة عادية بعد تخطيها مرحلة الخطر، واستفاقت كليًا.
دلفا للغرفة لتبتسم تلك السيدة التي ربما في اواخر الاربعينات الجالسة فوق الفراش بوهن، ملامحها بدت
قريبة لملامح ابنتها، عدا لون العيون فقد تميزت هذه بعيونها السوداء، واتسعت ابتسامتها حين ارتفع صوت طفلتها المدلله وهي تقول:
_ good morning لاحلى لولو في حياتي.
اجابتها مبتسمة:
_ good morning لحبيبة قلبي.
_ عامله ايه يا لبنى!؟
اتاه سؤال زوجها بنبرته الحنونة، المهتمة، لتجيبه بهدوء:
_ كويسة، وهبقى كويسة اكتر لو خرجت.
_ يا مامي مينفعش تخرجي من غير الدكتور ما يقول.
عقبت بها "جاسمين" بقلق، لتجيبها "لبنى" موضحة:
_ يا حبيبتي الدكتور كان هنا الضهر وسألته وقالي ينفع.
_ دكتور مين؟
تسائل بها "نبيل" وقبل أن تجيب سمعوا لدق الباب، فسمحوا بالدخول، وفور فتحه طلَ "باهر" من خلفه برفقة الممرضة، وابتسامة هادئة تزين ثغره الوسيم وهو يقول:
_ مساء الخير.
اجابه جميعًا تحيته، ورحبَ بهِ "نبيل"، وبعدما انتهى من فحص "لبنى" استمع ل"نبيل" يسأله:
_ هو ينفع تخرج يا دكتور؟
اومئ برأسه وهو ينتهي من تدوين ملاحظاته:
_ ايوه، بس طبعًا راحة تام لمدة اسبوع، تتحرك في نطاق ضيق، تمشي على جدول الأكل والعلاج، وأن شاء الله تتحسن قريب.
اشارت "جاسمين" برأسها على "باهر" من خلف ظهر الآخر، ففهم "نبيل" اشارتها وهذا ما جعله يردف:
_ متشكر لاهتمام حضرتك طول الفترة الي فاتت، وكتعبير بسيط مني عن مجهودك معانا رغم أن الحالة متخصكش، حابب اعزمك على حفلة صغيرة عاملينها اخر الشهر بمناسبة شفاء المدام.
تنحنح" باهر" بحرج وهو يدرك أن" جاسمين" قد أخبرت ابيها عنه، ألم تستطع الصمت! هل كان من الضروري أن تخبره ابيها عنه! لا يحبذ وضعه في مِثل هذه المواقف..!
_ لا شكر ولا حاجة، يعني ده شغلي، معملتش حاجه زيادة.
اومئ "نبيل" متفهمًا وقال:
_ فاهم طبعًا.. بس برضو الشكر واجب، قلت ايه عن الحفلة!؟
وفي هذه اللحظة نظر لها، لا يعلم لِمَ، ولم تعلم هي معنى نظرته.. وبالأخير اعطى رده بعد فترة من الصمت...
______________
كانت واقفة تعد احد انواع العصائر، وقد بدأت الزبائن بالقدوم للمطعم اليوم، وعقلها مشغول بحديثها الأخير مع طبيبها النفسي، تحاول أن تزِن الأمور بداخلها كي تستطيع الاقتناع بصواب ما فعلته، إذ تشعر أحيانًا أن المواجهة كانت خطوة متهورة منها، انتهت من اعداد الكوب ووضعته فوق الطاولة التي أمامها كي يأخذه "مراد" حين يعود من الصالة، امسكت هاتفها حين تعالى رنينه لتجد رقم "باهر" او كما اسمته على هاتفها "Bahbory" فتحت المكالمة فورًا وهي تجيب بمرح:
- عمي وعم قلبي.
اتاها صوته الضاحك وهو يقول:
_ يلا ياواطية، بقى بدئاها كده عشان ماتكلمش، إن مكنتش أنا اتصل متسأليش صح؟
اجابته ببراءة مصطنعة:
- انا يا بهبوري اخص عليك، ده انا طول اليوم على بالي، واقول هكلمه هكلمه، وبنشغل اعمل ايه!
_ مش مصدقك يا به..
ضحكت بخفة وهي تعقب:
_ عيب عليك بقى متصغرناش، هكدب ليه انا! بعدين انا اقدر استغنى عنك! انا اقدر انساك؟ لا مكانش العشم يا بهبوري والله.
وكالعادة تغلبه في الحديث ليقول بيأس:
_ ماشي يا بكاشة، المهم عاوزك في موضوع مهم.
ابتسمت باتساع حين نجحت في جعله يتغاضى عن توبيخها وقالت:
_ عنيا لعم الناس، قول يا حبيبي سمعاك...
على بُعد قريب... قريب حد الخطر! ضم قبضته اليسرى بقل قوته، وهو يشعر بطاقة عارمة في تحطيم أي شيء.. أي شيء أمامه يخرج فيهِ طاقة غضبه المشحونة مما سمعه، يعلم مع من تتحدث، وهذا ما زاد اشعال نيرانه.. وأما عن طريقتها في الحديث فلم تمر عليهِ مرور الكرام!
تحرك بخطواته تجاهها يطوي الأرض تحت قدمه حتى وصل خلفها تمامًا ف....