رواية الماسة المكسورة
الفصل الثاني الاربعون 42 ج2
بقلم ليله عادل
في أحد البواخر النيلية الكبيرة العاشرة صباحاً
-كانت الأجواء هادئة، والموسيقى خافتة تضيف لمسة رومانسية. يجلس هبة وياسين على إحدى أجمل الطاولات، يحدقان في بعضهما بابتسامات دافئة، ويمسكان بأيدي بعض وكأنهما يخشيان فقدان هذه اللحظة.
ياسين بنظرة مليئة بالحب: إيه إحساسك دلوقتي وإحنا مع بعض في أول خروجة لينا بعد الخطوبة؟
ابتسمت هبة بخجل وأخفض عينيها قليلا: إحساس جميل... تعرف إنه مختلف؟ ما توقعتش إن الإحساس هيبقى كده. من ساعة ما اتخطبنا ولبست الدبلة امبارح، وطول الليل بنتكلم والنهارده، وإحنا مع بعض، حاسة بشيء جديد كأننا في بداية قصة جديدة. وانت؟
ياسين يضغط على يدها برفق ويبتسم: أنا كمان حاسس إن كل حاجة بقت مختلفة. بحس إنك بقيت ملكي أكتر... أو بمعنى أصح، بقيتي تخصيني أكتر. وكمان حاسس بمسؤولية جديدة، بس الصراحة أنا مبسوط جدًا.
هبة بنبرة مليئة بالامتنان: وأنا كمان مبسوطة جدًا. وإن شاء الله حياتنا من اللحظة دي كلها هتبقى مليانة سعادة."
نظر ياسين في عينيها بابتسامة دافئة: وأنا بوعدك إن حياتنا تكون زي ما بتتمني وأحسن.
قصر الراوي العاشرة مساءً
جناح سليم وماسة
نشاهد ماسة وسليم يجلسان متجاورين على الأريكة ويشهدان التلفاز
ماسة بدلال: سليم، أنا بكره هخرج مع هبة وأصحابها.
سليم بهدوء: ما عنديش مانع. أنا عرفت إنهم ناس محترمة. في بنت اسمها نانسي، والثانية اسمها صفا. بيقولوا لها صوفيا، لو دول جايين، ما تخرجيش معاهم
ماسة مستغربة: ممكن أعرف ليه، إن شاء الله؟
سليم بجدية: عشان البنات دول مش كويسة.
ماسة متساءلة: مش كويسة؟ من مفهوم سليم طبعا!
سليم بحزم: لا، مش كويسة. من منطقك. بيشربوا خمور وسجاير وبيصاحبوا ولاد، وبيعملوا معاهم علاقات.. الباقيين كلهم بنات محترمة. في واحدة منهم محجبة اسمها ريتال، حد محترم جداً.
ماسة بغضب قليل: سليم! إنت ليه مش بتديني فرصة، أنا اللي أختار. يعني سيبني أخرج، وبعدين أجي أقول لك: على فكرة ياسليم في بنات مش كويسة، مش عايزة أصاحبهم." سيبني أنا أوريك اختياري.
سليم بتعابير صارمة: أنا سيبلك حرية الاختيار بس بحدود. الحدود إنك تختاري الطباع، تختاري الشخصية نفسها. لكن سلوكياتهم أنا اللي أختار. بعدين، إنتِي ينفع تخرجي مع بنات زي دي؟
ماسة بتحدّي: لا، بس أنا اللي هقول.
سليم بإصرار: خلاص، مش عايز كلام كتير. هو ده اللي عندي. اتصلي بيها، قولي لها لو نانسي وصوفيا موجودين، أنا مش جاية. وما ليش علاقة لو هبة مصحابهم، هي حرة، لكن إنتِ مش حرة.
مسحت ماسة وجهها باختناق: طيب.
سليم: طب هتروحوا فين؟
ماسة بهدوء: هنروح البرج، وممكن مطعم مش عارفة.
سليم بقلق: اعرفي برنامجكم إيه وعرفيني.
ماسة بوجه ممتعض قالت بتذمر بحركة شفايف: والله العظيم إنت راجل رخم!!
سليم بتعجب: بتقولي إيه؟
ماسة بتجاهل:لا ما بقولش حاجة. بقول هكلم هبة وهكلم سلوى عشان تخرج معانا.
ماسة وهي تتحرك نحو الشرفة: ألو، إيه يا بنتي؟
كان ينظر لها سليم ويتبسم على طريقتها، ثم قال بصوت: عالي اعملي حسابك كمان يومين هنروح للدكتور مروان.
في اليوم الثاني، التقت ماسة وسلوى بهبة
وأصدقائها، وقررن قضاء وقتا ممتعا معًا. ذهبن إلى برج القاهرة لالتقاط الصور من هناك، ثم توجهن إلى السينما وإلى أحد المولات. قضين وقتًا ممتعًا معًا، وكان أصدقاء هبة ودودين جدًا مع ماسة وسلوى، فلم يشعرن بالغربة وكأنهن أصدقاء منذ سنوات. كانت ريتال، بالأخص الأقرب إلى سلوى وماسة لأنها تشبههن في طريقة التفكير والتربية ولديها فهم عميق لأمور الدين.
بعد قضاء يوم لطيف، جلسن في أحد مطاعم الوجبات السريعة لتناول وجبة الغداء.
إيناس وهو تضحك: يا خرابي يا سلوى، أنتِ شربات! دمك خفيف أوي.
سلوى: والله العظيم، أنتم اللي عسل.
كارمن: خلينا نقضي يوم حلو عندنا في المزرعة، نركب خيل. إيه رأيكم؟ المزرعة في الفيوم.
ماسة: أنا موافقة، بس لازم أستأذن سليم.
إيناس: والله يا ماسة، بعد كلامك عن سليم وإنه كل شوية يكلمك عشان يطمن عليكي، فتحتي نفسنا على الجواز! بس قوليلي يا هبة، هل ياسين زي سليم كده؟
هبة: وأنتِ مش شفتي كم مرة كلمني ! هو شكله زي سليم بالظبط شكل العائلة كلها رومانسية.
ماسة: هو ما فيش حد فيكم مخطوب غير هبة؟
كارمن: أنا مرتبطة من قريب يعني لسه بنشوف بعض، بصراحة هبة شجعتني إني أستعجل للخطوبة الرسمية.
داليدا: بقول لكم إيه؟ ماتيجوا نقضي الأسبوع كله مع بعض، وكل يوم نروح مكان قبل ما أسافر.
سلوى بتساؤل: إنتِ مسافرة فين؟
داليدا: لندن عشان بدرس هناك، الدراسة بدأت.
هبة: خلاص، تمام. بس أنا بكرة عندي ميعاد في البيوتي سنتر ماتيجوا كلنا نروح نعمل كده شوية ماسكات وشعرنا.
داليدا: موافقة.
ماسة بتوضيح: سليم ما بيحبنيش أعمل الحاجات دي عشان بيقولي إني لسه صغيرة وكده.
ريتال: الصراحة عنده حق، بلاش تعملي أي حاجة في شعرك أو بشرتك، وأنتِ كمان يا سلوى لأنكم لسه صغيرين.
كارمن: بس ممكن يعملوا حاجات بسيطة كده، خاصة إنها متزوجة. لازم تعمل شوية حاجات كده خاصة بيها كبنت.
ماسة: أيوه، ما أنا بروح أعمل الحاجات دي في مكان كده بيستخدموا فيه حاجات طبيعية،، في وحدة بتجيلي البيت.
ريتال: خلاص كده، سلوى وماسة أوت، وأنا معاهم. إيه رأيكم بكره نروح مكان بيحفظ قرآن؟
ماسة: يا ريت! ده أنا من ساعة ما اتجوزت بطلت أحفظ قرآن، لدرجة إني بدأت أنسى اللي كنت حفظاه.
سلوى: وأنا كمان كنت حافظة شوية آيات كده من سور مختلفة وبدأت أنساهم.
ريتال: لا، خلاص أنا بروح مكان حلو قوي، وفيه محفظة محترمة جدًا. نروح مع بعض، وبرضه استأذني جوزك، قوليله وعرفيني.
ماسة: ما أعتقدش إنه هيقول حاجة.
سلوى: خلاص، اتفقنا.
قصر الراوي
في جناح سليم وماسة الحاديه عشر مساء.
كانت الأجواء مريحة وهادئة. ماسة مستلقية على الأريكة، رأسها مستند على قدم سليم الذي يجلس ويداعب شعرها بلطف. يتحدثان بود.
ماسة بسعادة: بجد، اليوم كان تحفة! بس كلهم اكبر مني يعني بين ٢٠ و٢١ كارمن ٢٢ سنه.
سليم وهو يمسح على شعرها: أهم حاجة عندي إنك اتبسطتي.
ماسة: جدًا! يا كراميل والبنات زي العسل ، خصوصًا ريتال. كان عندك حق لما قلت لي إنها أكتر واحدة محترمة وهرتاح معاها شكلك تعرفها؟
سليم: أعرفها إزاي يعني؟
ماسة: أمال يعني عرفت منين إنها محترمة وكويسة؟
سليم ببساطة: من سلوكياتها، لما عملت تحريات عنها وعن أهلها، عرفت إنهم ناس محترمين جدآ، والدها شيخ ازهري، ومعظم خروجها بتروح حفظ قران وبتحضر محاضرات دينية، ملهاش خالص في السهر وحفلات الرقص ولا الاماكن اللي فيها خمور والكلام ده ما بتخشهاش، فاستنتجت ده من طريقتها، إنما تصرفات الإنسان وطباعه بتبان مع الوقت والتعامل. فده اللي انتي هتكتشفي لما تعشريها، فاهمة قصدي؟
ماسة: أيوه، صح. ما ينفعش أبني رأيي عن شخص من غير ما أتعامل معاه. مش شرط إن حد بيصلي أو بيقرأ قرآن يبقى كويس.أيام النبي عليه الصلاة والسلام، كان في ناس بتصلي وتقرأ قرآن وهم منافقين، عشان يبانوا قدام الناس، إنهم ناس كويسة مش أكثر لكن حياتهم حاجة ثانية.
سليم: بالضبط! هو ده اللي أنا أقصده. أنا ما عنديش مشكلة إنك تتعرفي على الناس وتاخدي قراراتك. أي نعم بخاف إنك تتصدمي في حد، بس من حقك تعيشي تجاربك. لكن لو الشخص واضح إنه مش محترم أو أفعاله سيئة، لازم تبعدي عنه. ما ينفعش أسيبك في طريق كله أشواك وأقول لك "تحملي". لازم أوجهك للطريق اللي فيه خير ليك، لكن الحفر اللي هتواجهك في الطريق ده، هسيبك إنتي تواجهيها لوحدك، بس أكيد هتلاقيني جنبك، بدعمك دايمًا.
تبسمت ماسة وأمسكت يده وضعت قبلة عليها قالت: على فكرة، بكرة أنا وريتال هانروح نحفظ قرآن وسلوى معانا.
سليم: ماشي، بس عايزك تحذري بردو متتعشميش بأي حد إلا بعد ما تتعاملي معاه أكتر. النهارده أول مرة تخرجوا سوا. لما يحصل مواقف معينة هتقدري تحددي مين ينفع تقربي منه ومين تخلي علاقتك بيه سطحية.
ماسة: فاهمة الكلام ده كله، ما تقلقش عليّ يا كراميلتي.
(تضحك بخفة، وسليم يبتسم لها بحنان.)
ماسة: هنروح للدكتور مروان إمتى؟
سليم: يوم التلات الجاي إن شاء الله.
💕__________________بقلمي_ليلة عادل
في أحد المراكز النفسية
مكتب مروان الخامسة مساءً
يدخل كل من سليم وماسة وهما ممسكان بيدي بعض، كانت تبدو ماسة متوترة بعض الشيء، بينما بدا سليم هادئًا، يحاول طمأنتها بابتسامة صغيرة.
كان مروان يجلس على مقعد مكتبه، عاقدًا يديه أمامه بانتظار وصولهما.
ابتسم مروان بلطف، مشيرًا لهما بالجلوس: أهلًا وسهلًا، أستاذ سليم، اهلًا مدام ماسة.
ابتسمت ماسة بخجل وهزّت رأسها برقة، ثم جلست على المقعد المقابل للمكتب وهي تمسح بكف يدها على فستانها لتزيل أي توتر...
جلس سليم بجانبها، يُربّت بخفة على يدها.
مروان بابتسامة هادئة: ها، إيه الأخبار يا أستاذ سليم؟
سليم مال بجسده قليلاً للأمام وأجاب: الحمد لله، الأمور مستقرة.
نظر مروان لهما بالتفاتة خفيفة وسأل: حصل أي حاجة خلال الأسبوع ده؟
سليم تنهد قليلًا وأجاب: يعني حصل موقف وهي زعلت مني شوية.
مال مروان إلى الخلف، واضعًا كفه على ذقنه وكأنه يدرس كلام سليم: ويا ترى إيه هو الموقف ده؟
تردد سليم للحظة، ثم قال وهو يخفض بصره قليلًا: زعلت عشان ما قلتلهاش عن مدا علاقتي بالبنت اللي كنت مرتبط بيها قبلها، في الحقيقة ماكنتش أقصد أخبي عليها. أنا طبيعتي مش بتكلم كتير أو أقول كل حاجة غير لما حد يسألني.
هز مروان رأسه بتفهم، وقال بابتسامة خفيفة: ده واضح جدًا عليك. أنت فعلًا قليل الكلام وما بتتكلمش عن تفاصيلك غير لو حد سالك.
نقل مروان نظره إلى ماسة التي كانت تنظر للأسفل وهي تلعب بخاتمها، وسألها بلطف: ليه متوترة كده يا مدام ماسة؟
رفعت ماسة رأسها بابتسامة خفيفة وهي تزيح خصلة شعر عن وجهها: لا، خالص، أنا تمام.
مال مروان رأسه قليلًا وكأنه يحاول قراءة تعبيراتها وسأل: لسه زعلانة من سليم؟
رفعت كتفيها بخفة وقالت بصوت منخفض بابتسامة رقيقة: لا، خلاص مش زعلانة.
نظر مروان إلى سليم، ثم عاد إلى ماسة وسأل: طيب، تحبي نتكلم لوحدنا ولا تحبي سليم يشاركنا الجلسة النهارده؟
توترت ماسة قليلًا، وأخذت تلعب بحواف فستانها بصمت ثم قالت: عادي، مش فارق معايا. أنا ما بخبيش حاجة عن سليم.
مروان قال بنبرة هادئة: مافيش مشكلة لو حبيتي تشاركي سليم. بس أعتقد إن الجلسة دي تخصك أكتر، فلو تسمحي، ممكن نستكملها أنا وأنتِي فقط.
نظر سليم إلى مروان بشيء من الغيرة وقال: عايز تتكلم معاها لوحدكم؟
مروان أجاب بثقة فهو يفرض سيطرته على سليم: أيوه، حضرتك عندك أي اعتراض.
حاول سليم السيطرة على غيرته وهو يتنفس بعمق وقال: لا طبعاً مش معترض.
نهض ووضع قبلة على جبين ماسة قائلاً: أنا هستناكي بره قصاد الباب، مش هروح بعيد تمام يا عشقي.
أومأت ماسة برأسها بابتسامة خفيفة، وخرج سليم من الغرفة.
بمجرد خروج سليم، لاحظ مروان أن ماسة مازالت متوترة وسألها: إيه اللي موترك كده؟
ماسة رفعت عينيها بتردد وقالت: مش عارفة، يمكن عشان الموضوع لسه جديد عليا.
سليم بلطف: خليكي مرتاحة، هنتكلم مع بعض عادي، انتي أصغر من أصغر أولادي، انا لو كنت اتجوزت صغير كان هيبقى عندي حفيدة قدك اعتبريني زي والدك مجرد دردشة.
تبسمت ماسة برقة: العفو يا دكتور.. حاضر.
سألها مروان بنبرة أكثر جدية: هو حقيقي سامحتي سليم، ولا لسه بتحاولي؟
ماسة تبسمت: سامحته بجد لأن في حاجات كتير كويسة بينا. ماينفعش عشان غلطة واحدة أنسى كل حاجة.
مروان هز رأسه: بس مش كل الأخطاء سهلة المغفرة.
ماسة رفعت عينيها: معاك حق، لكن أنا شايفة إنه ندمان وماكنش قصده.
تابع مروان: أحيانًا الغفران بدون موقف حاسم ممكن يخلي الطرف التاني يكرر الخطأ. زي الطفل لو كسر حاجة ومافهمش إن ده غلط، هيكررها تاني.
ماسة بدت مترددة وسألت: حضرتك بتقصد مكنش صح إني أسامحه؟
مروان قال بهدوء:لا، قرارك صح، لكن أحيانًا مطلوب ناخذ مواقف حاسمة، عشان ما تحصلش نفس الغلطة تاني، خصوصًا لو الشخص عنده استعداد يكررها بسبب مرضه.
ماسة بصوت منخفض بتوضيح: أنا ما صالحتش سليم على طول، فضلت يومين زعلانة منه، ولما صالحته في اليوم الثالث كانت معاملتي معاه جافة شوية، مش زي طريقتنا المعتادة في التعامل، كانت نظراتي حزينة، وكنت حاسة بشوية توتر.
أضافت بهدوء بابتسامة ترتسم على وجهها بعشق: أنا وسليم بنحب بعض جدًا، وعلاقتنا لطيفة، فيها اهتمام خاص وطريقة معينة في التعامل بينا، بس وقتها ما قدرتش أقدم ده بسبب اللي حصل، بعدين فكرت أني بحبه وقررت خلاص أنسى المشكلة، كل الحكاية أني فعلاً خايفة زي ما حضرتك قلت، انه يكرر الموضوع وزعلي يطول لحد ما يتحول لكره.
مروان سأل باهتمام: مفهوم. طيب، شايفة إيه اللي بيميز علاقتكم؟
ماسة ابتسمت ابتسامة خفيفة وقالت: كل حاجة، بالذات انه عايز يتغير عشاني، وكمان سليم عمل حاجات جميلة جدًا، وأنا عارفة إنه بيحبني أوي وبيخاف عليّا..
اضافت بتعابير وجهها تعكس التردد والحيرة:
لما بيقول إنه ما كانش واعي باللي بيعمله، ببقى متاكدة إنه صادق فعلاً، بس ساعات بحس إن سليم له شخصيتين، أو متعدد الشخصيات.
مروان قاطعها بدهشة: يعني إيه؟
ماسة أكملت بتفكير عميق: يعني معايا بيكون شخص حنون جدًا. صوته، ملامحه، حتى طريقته مختلفة تمامًا، لكن مع كل شخص في حياته بيتعامل بشكل مختلف، مع أخواته ليه طريقة، مع باباه ومامته أسلوب، مع أصحابه حاجة تانية، وفي شغله حاجة مختلفة.
مروان ابتسم بلطف: وانتي بتحبي أنهي شخصية في كل دول؟
ماسة ابتسمت ابتسامة خجولة وقالت: بحب شخصيته معايا، ومع أهلي، ومع مكي صديقه المقرب.
مروان بتفكير: وأفراد العيلة؟
ماسة فكرت للحظة ثم قالت: ممكن ياسين وفريدة، وأحيانًا والده.
مروان سأل بجدية: واضح إن علاقته مع والدته فيها مشكلة.
ماسة زمّت شفتيها بضيق بأسف عميق: حقيقي فيها مشكلة كبيرة.
مروان: طيب، إيه أكتر حاجة بتزعلك من سليم؟
ماسة بهدوء: مافيش حاجة.
مروان بشك: خالص؟
ماسة ترددت للحظة ثم قالت: أمم، حقيقي مافيش. كل حاجة بيعملها معايا حلوة، هو بيتفنن في إسعادي وأنا سعيدة معاه. الحاجة الوحيدة اللي ممكن تكون، بتزعلني منه لما بيتعصب ويمد إيده عليا، بس بصراحة ما عملهاش غير ثلاث مرات.
مروان تساءل متعجبًا: ثلاث مرات؟ بتقولي ثلاث مرات باستهانة كده عشان شايفاه مقابل سنتين حاجة عادية؟ لكن لو كانوا أكتر يبقى مش عادي.
ماسة توضح: لا طبعاً، أنا قصدي إنه مش دايماً بيضربني. يعني، اللي بيضرب دايماً بيكون شخص عنيف بطبعه، وفي السنتين هيضرب أكتر من كده. أنا شفت ده في التلفزيون، وعندي بنت عمي، جوزها بيضربها كتير، يمكن كل أسبوع. لكن سليم مش كده.
مروان دون شيء نظر لها: اممم كان إيه أسبابهم؟
ماسة بحزن: أول مرة عشان ساعدت واحد كان واقع قصادي، ثاني مرة عشان كان في واحد من صحابه دمّه خفيف، وأنا قلت إن هو دمه خفيف. ثالث مرة في واحد أعجب بيا وما كانش عارف إنّي مراته، وهي دي اللي بسببها جه يتعالج عند حضرتك لانه كان عنيف أوي.
تساءل مروان: المرتين الأولانيين ما خدتيش موقف؟
ماسة بنبرة حزن: لا، ما خدتش موقف بس زعلت. أول مرة لأنه خذلني.ما توقعتش إنه يضربني
اضافت ماسة بتوضيح بعينين تترقرق بالدموع و تنهدت تنهيدة طويلة: حضرتك، أنا في البيت كانوا بيضربوني، سواء عملت حاجة غلط أو ما عملتش، كان في ضرب. وكمان كنت شغالة خدامة عند قرايب سليم، وبرضه كانوا بيضربوني، لكن سليم دافع عني. كان دايمًا يقول لي: 'أي حد يكلمك، قولي لي. أو حد زعلك متخافيش، محدش يقدر يقرب منك طول ما أنا موجود، ومرة زعق لماما عشان زعقتلي بعد ما اتجوزنا، وحتى قبل الجواز، كنت بشوفه أماني، ملاكي الحارس لو أنا في قفص أسود وسليم معايا، متأكدة إن مفيش حد فيهم هيقدر يقرب مني بخربوش
أكملت بصوت ضعيف: لكن لما ضربني أول مرة، صورتُه اتهزت شويه. حسيت إنه طلع زيهم، زي لورين ومنصور، زي بابا وماما وكل البهوات اللي كانوا بيزعقولي عشان كده زعلت، لكن قلت لنفسي: هو عنده حاجات كتير حلوة. مش عشان عمل معايا كده، أزعل منه وأشيل الموضوع في قلبي. فنسيت الموضوع بسرعة، ووعدني ما يعملهاش تاني وقتها...
اضافت تعكس الارتباك والصدمة التي شعرت بها
قائلة بحزن: لكن لما ضربني تاني وقت صاحبه، بدأت أفتكر كل حاجة. حسيت إني مش قادرة أنسى. بس رجعت وقلت لنفسي: هو بيحبني وعمل معايا حاجات حلوة أوي، وازاي أكون كده؟ وهو اعتذر و تأسف، وفهمني إن هو بغير.. كنت ساعات بحس إن الموضوع غريب ومش منطقي، بس هو فيه مميزات كتير، فغمضت عيني عن النقطة دي...
أكملت ونظراتها تنبض بالحزن بنبرة مخنوقة: لكن يوم ما ضربني جامد، حسيت إن قلبي اتوجع بجد. لأن وقتها ماكنتش عاملة حاجة، فافتكرت كل حاجة وحسيت لحظتها إن سليم طلع أسوأ منهم.
مروان نظر لها بحذر: يعني أنتِي مدركة إن سليم عنده مشكلة، وإن الموضوع معاه أكبر من الطبيعي؟
ماسة هزّت رأسها بإيجاب وقالت بصدق: أيوه، وأنا كمان قلت له الكلمة دي، وهو حتى قال لي: 'إنتِي ذكية قوي، يتخاف منك. لأني قلت له إنك بتدي الأمور أكبر من حجمها، أكبر من المنطق. أنا ما عنديش مشكلة في طريقة حبه، مش متضايقة منها، أنتم بتقولوا عليها تملك، لكن أنا مش متضايقة، بالعكس، أنا بحب طريقته، لكن مابحبش لما بيمد إيده، ويبص لي بالنظرة اللي بتخوفني منه. لأني ببقى عارفة بعدها إن في حاجة وحشة جاية.
مروان نظر إليها بتركيز، ثم سأل: وإيه تاني بيضايقك من سليم يا ماسة؟
لاحت على وجه ماسة ابتسامة صغيرة، لكنها لم تستطع إخفاء الحزن في عينيها قالت بصوت منخفض، كأنها تكلم نفسها: ما فيش حاجة، بس يمكن موضوع إنه حاطت حدود في تعرفي على الناس، لأنه بيخاف عليا جداً، يعني لما تعرفت على هبة، خطيبة أخوه، مارضيش إني أخرج مع أصحابها. وبعدها عمل تحريات عليهم، في منهم اتنين قال لي ماتعرفيهمش، والباقي عادي.
مروان: وليه قال لك ما تعرفيهمش؟
ماسة تنهدت: عشان هم بيشربوا خمور وبيسهروا وبيعملوا علاقات مع شباب.
مروان تساءل بلطف وهو يكتب شيء: والباقيين شبهك؟
هزت ماسة راسها بإيجاب يعني شوية في طريقة لبسهم، شوية مقفلة، ما بيشربوش،. ما لهمش أصحاب ولاد بالشكل المنفر.
مروان: لكن هو بيسيبك تعرفي على ناس عموماً؟
ماسة: أه، بيسيبني أتعرف على ناس. بصراحة، الأول كنت فاكرة إنه مش هيعرفني. بس لا، حتى في بنت منهم فيها شبه من شخصيتي، يعني ملتزمة وبتروح دروس قرآن. دي أكتر واحدة، مجرد ما يعرف إني خارجة معاها أو هي موجودة، يوافق على طول.
مروان، الذي بدأ يتفهم أكثر، ابتسم قليلاً وقال:
طب وانتي محللة النقطة دي إزاي؟
ماسة رمقته بنظرة مفكرة، ثم أجابت بحذر: إنه هو بيخاف عليا وبيختار أصحاب شبهي عشان ما يأثروش عليا.
مروان عقد حاجبيه وقال: طيب، قلتيلي متضايقة، ليه؟
ماسة شعرت بشيء من الضيق في داخلها، ولم تستطع إخفاءه، فتابعت حديثها بشدة:
عشان عايزة أنا اللي أقول لا. صدقني يا دكتور، أنا كمان بحبش أصاحب ناس بالشكل ده، أصلاً مش طبعي. بس أنا اللي أقول لا، مش هو اللي يقول لا. يسيبني أجرب.
مروان أخذ نفسًا عميقًا، ثم نظر إليها بجدية وقال:
"تمام. من كلامي معاكِي دلوقتي فهمت شوية حاجات، أول حاجة إنك مدركة إن سليم عنده مشكلة، وإنك ما عندكش مشكلة في بعض الجوانب في شخصيته،انتي بتحبي سليم، لكن عندك مشاكل في تصرفاته. هو فعلاً بيحبك، لازم تبقي فاهمة إن في حاجات هتحتاج وقت، وإنه مش هيقدر يغير نفسه بين يوم وليلة. لكن لو كنتي مستعدة تتحملي شوية وتساعديه، هيكون ليكي دور كبير في مساعدته، المشكلة دي عنده من صغره، وهتاخد وقت، هو لقى فيكِي الأم اللي مفتقدها، والحب اللي ما حسش بيه قبل كده، وده مش معناه إنه بيحب المشاعر اللي إنتِي بتقدميها له أو الأحاسيس اللي بيعيشها معاكي بس، لا هو حقيقي بيحبك، وبجانب ده هو كمان بيحب المشاعر اللي إنتِ بتقدميها له.
نظرت له ماسة بتعجب وهي تعقد بين حاجبيها: هو ممكن أسأل حضرتك سؤال؟ آسفة إني قاطعتك.
مروان ابتسم بلطف، قائلاً: تفضلي.
ماسة ترددت قليلاً، ثم سألته بجدية: ماسة ترددت،
– يعني إيه يحب المشاعر اللي أنا بقدمها له وما يحبنيش كشخص؟ إحنا مش بنحب الناس عشان الحاجات اللي بيقدموها لنا، يعني مش معقول واحد ما بيهتمش بيا أو ما بيقدرنيش أو بيئذيني أحبّه؟
ابتسم مروان ونظر إليها بهدوء وقال:
هفهمك. الموضوع معقد شوية، لكن واضح إنك ذكية وهتفهميني. الحب الحقيقي مش مرتبط باللي الشخص بيقدمه ليكي، بل بالشخص نفسه، لأنه مش ممكن الشخص يفضل دايمًا يعطيك نفس المشاعر أو الاهتمام، بنفس الدرجة والقوة أو القدرة، على طول ؟! في أوقات هيفتقد ده، أو يمر بظروف تخليه مش قادر، لحظات ضعف، ضغوط، أوقات هيحتاجك تسانديه بدل ما تستني منه، السؤال هنا: لو مر بأزمة وما قدرش يديك نفس الحب والمشاعر والاهتمام، هتبطلي تحبيه؟
هزت ماسة رأسها وأجابت بتلقائية: لا طبعًا، ده يبقى أنانية.
ابتسم مروان أجاب بعقلانية: بالضبط هو ده مقصود، الحب مش صفقة، مش عطاء مقابل عطاء، الحب الحقيقي هو إنك تحبي الإنسان بكل حالاته، في ضعفه قبل قوته، في لحظات غضبه قبل هدوئه، حزنه قبل فرحه، لأنه مش منطقي نتوقع من أي حد يفضل ثابت في كل الظروف، وأنه يدينا نفس العطايا بنفس الدرجة في جميع الأوقات، خصوصًا بعد الجواز، الحياة بتتغير، المسئوليات بتزيد، والاهتمام بياخد أشكال مختلفة، لو الحب مش حقيقي، ومبني على لحظة أو إحساس معين، مش هيقدر يصمد، الحب وقتها هو اللي هيخليكوا تكملوا مع بعض مش المشاعر اللي بتاخدوها من بعض دي اللي بتتسمى يا ماسة المودة والرحمة زي ما القرآن الكريم ذكر ... بسم الله الرحمن الرحيم
"وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ"
تأملت ماسة كلامه، شعرت أنه يفتح أمامها بابًا جديدًا لفهم أعمق للحب، ليس فقط كشعور، بل كمسؤولية وارتباط حقيقي بين شخصين.
ماسة كانت مشوشة قليلاً، فقالت بحيرة: فهمت طيب، المفروض دلوقتي أعمل إيه؟
مروان نظر إليها بجدية، وقال: كل اللي عايزك تعمليه، لو حسيتي منه بأي ردة فعل عصبي، خدي بعضك وروحي عند والدتك وما ترجعيش، هديك رقم تليفوني لو حصل ده، تكلميني هقول لك تعملي إيه. وعايزك تختبريه، يعني اللي فهمته، سليم بيغير عليكي كمان من أخواته، ومابيخلكيش تهزري مع أخواته، هزري مع حد منهم.
ماسة هزت رأسها بإيجاب، متقبلة حديثه بتركيز، ثم تابع مروان قائلاً: ولازم تفهمي إن في بعض التصرفات اللي سليم بيعملها طبيعية جدًا. يعني طبيعي يغير لو حد أظهر إعجابه بيكِي، طبيعي يغير لو حس إنك بتهزري مع حد من أخواته بشكل مفرط، طبيعي غيرته تزيد لو لبستي لبس ضيق أو حطيتي ميكاب. دي حاجات مرتبطة بالتربية والشخصية، والبيئة اللي بينبثق منها الشخص، أنتي نفسك، طبيعتك كده، مش بتلبسي لبس مفتوح ولا بتحطي ميكاب. سؤالي هنا: هل ده لأنك فعلاً كده، ولا لأن سليم فرض ده عليكي؟
نظرت ماسة إليه بثقة: الصراحة أنا فعلاً كده، بس سليم زود ده أكتر وما بيحبش خالص لما أخرج أحط ميكاب أو أستخدم برفان
مروان ابتسم: تمام، ده شيء طبيعي وبيختلف من شخص للتاني، زي ما قولتلك، كل اللي عايز أفهمه ليكي إن غيرته طبيعية ومش مفرطة، لكن رد الفعل هو اللي بيفرق. المهم إنك تميزي بين الطبيعي والغير طبيعي.
ماسة ردت بحزم: أنا فاهمة ده كويس، لكن أوعى تقول لي إن طبيعي يزعق لي لو واحد بالصدفة وقع قصادي وساعدته
ضحك مروان وقال: لا، دي مش طبيعية خالص. لكن تعليقات الإعجاب البسيطة من صحابه، زي إنك تقولي "دمه خفيف"، حاجات زي دي ممكن تكون سبب للغيرة عند بعض الرجالة، وده طبيعي ما تقلقيش منه. المهم إنك تكوني عندك وعي تفرقي بين اللي يعتبر غيرة صحية، وبين اللي مش طبيعي أو مفرط.
ماسة ابتسمت وقالت: تمام؟ المهم عندي إنه يبقى كويس.
مروان طمأنها: إن شاء الله هيبقى كويس. قولي لي، لما زعلتي منه آخر مرة، هل حصل رد فعل منه ازعجك او حسيتي إنه زيادة؟
ماسة هزت رأسها نافية وقالت: لا، بالعكس، كان بيحاول يصالحني، واتضايق جدًا
مروان ضحك بخفة: تمام، إحنا كدة خلصنا، لما تخرجي ويسألك "اتكلمتوا في إيه؟ ما تحاوليش تجاوبيه. لانه هيسألك مش بدافع الفضول، هيبقى بدافع الغيرة.
ماسة استغربت: بس أنا متعودة أحكي له كل حاجة.
أكد مروان عليها بلطف: لا، المرة دي ما تحكيلوش.
ماسة أومأت: حاضر بابتسامة: اتشرفت بمعرفتك يا دكتور.
مروان بابتسامة وهو يمد يده بكارت: ده رقمي، ابعتي لي رسالة وقولي إنك ماسة الراوي عشان أسجل رقمك.
ماسة: أخذت الكارت: حاضر. شكرًا جداً يا دكتور عن إذنك.
تحرك مروان خلفها إلى الخارج، وفتح لها الباب بتهذيب.
كان سليم يستند بظهره ورأسه إلى الحائط المقابل للباب. وبمجرد أن فُتح الباب، تحرك من مكانه وتوجه نحوها مباشرة.
سليم بتعجب: كل ده، نص ساعة؟
مروان: لسه مخلصين.
نظر له سليم باستغراب: هو كده خلاص؟
مروان رد بهدوء: آه خلاص، إن شاء الله الجلسة الجاية تكون في نفس الميعاد. بس أوعى تتأخر زي المرة دي.
سليم معترضًا: حضرتك ما قعدتش معايا!
مروان بابتسامة: المرة الجاية.
سليم بضيق: أنا بصراحة مش فاهم، أنا ماستفدتش حاجة، حضرتك قلت إنك هتعلمني تقنيات عشان أضبط انفعالاتي، وكلام زي ده، ولحد دلوقتي أنا ما حسيتش بأي تقدم. كل اللي حصل إني رغيت وبس.
مروان بهدوء: هنتكلم وهفهمك كل حاجة المرة الجاية.
في تلك اللحظة، أمسكت ماسة يد سليم وقالت: يلا بينا.
نظر سليم إلى مروان بضيق، مستاءً من طريقته الجافة معه. كان مروان يحاول بشكل غير مباشر أن يعالج سليم ويكسر غروره، لكنه لم ينجح في كسب استحسانه.
ابتسم مروان: شكلك ندمت إنك اخترتني.
سليم بثقة وهو ينظر داخل عينه: سليم ما بيندمش على حاجة عملها.
نظرت مروان لماسة متسائلا: بتعملي إيه ؟ في الأنا العالية دي يا مدام ماسة؟
ماسة ردت بابتسامة وهي تنظر لسليم: دي أجمل حاجة في سليم إنه عارف قيمة نفسه. أنا نفسي مش بشوفها غرور.
مروان ابتسم وقال: شكلنا هنقعد مع بعض شوية تاني، عشان في بعض الحاجات محتاجة تبقي فاهماها أكتر. بس ده طبيعي في سنك. المراهقة بتكون تحليلاتها أكتر عاطفية عن العقلانية. هاستناك الجلسة الجاية يا استاذ سليم بس ما تتأخرش عن الثلاث
سليم بتهذب فيبدو انه مستاء من مروان وطريقته جداً :أن شاء الله بعد إذنك.
أحاط سليم خصر ماسة بحب وتحركا
تبسم مروان وهو يشاهد اثار تحرك سليم وماسة وعاد إلى مكتبه وفتح احد الملفات مكتوب بها سليم الراوي وأخذ يدون بعض الملاحظات.
💕_______________بقلمي_ليلةعادل◉‿◉
سيارة سليم الخامسة مساءً
نرى سليم يقود السيارة، وآثار الضيق واضحة على وجهه.. نظر إليها بتركيز، ثم سألها بتساؤل:
ها؟ قعدت نص ساعة تتكلمي في إيه بالضبط؟
ماسة، وهي تلعب بشعرها، حاولت تغيير الموضوع:
تعال نروح نتغدى بره، نقضي اليوم مع بعض.
هز سليم رأسه موافقًا: طيب ماشي، بس ما ردتيش عليّا
رفعت ماسة حاجبيها وهزت كتفيها:
"عادي يعني، قال لي: عندك كم سنة ولسه زعلانة من سليم؟' كلام من ده؟
سليم بتساؤل: أيوه، يعني إيه الكلام ده؟ ما تقولي؟
أجابت ماسة مبتسمة: هو الكلام ده بس لسه زعلانة؟ايه اللي بيضايقك..يعني كده
نظر إليها سليم نظرة غاضبة وقالت بحسم: ما تتكلمي، يا ماسة، هو أنا هسحب منك الكلام.
ماسة: سليم متتعصبش.
سليم بتوضيح وهدوء: متتعصبتش بس انتي بتلفي بكلام من امتى ده بنا.
ماسة زمت شفتيها بتذمر طفولي: هو قال لي ما أقولكش؟
سليم، محاولًا فهم الموقف: يعني إيه قال لك ما تقوليش؟
ماسة، وهي تخرج شفتيها إلى الخارج: معرفش، هو قال لي كدة، تقريبًا جزء من علاجك إني ما أقولكش.
تنهد سليم، ونور أمامه ثم توقف فجأة بجانب الطريق. فسألته ماسة: وقفت ليه؟
سليم، وهو يعدل من جلسته في زاويتها قائلاً باستهجان: الدكتور ده مش عاجبني.
ماسة، متعجبه: ليه؟ ده محترم جدًا، وعليه هيبة كده.
سليم، بعصبية واضحة: هو شكله بيحب الرغي، وعنده وقت فراغ، أنا ما استفدتش منه بحاجة لحد دلوقت. ما بيعملش حاجة غير أنه يسمع وبس.
ماسة، بعقلانية: أكيد، يا سليم. يعني هو لازم يعرف أولاً مشكلتك، ويحددها، ويفهم كل حاجة، وبعدين هيشوف بقى هيعالجك إزاي. هو بردو فضل يتكلم معايا كده، قاعد يسألني: 'إيه اللي بيزعلك من سليم؟' وكويس إنك فاهمه إنه عنده مشكلة. وطبيعي مشكلته مش هتتحل بسرعة. لازم تكوني صبورة وتساعديه، ولو زعلك تاني خدى بعضك و روحي عند مامتك و.
اتسعت عيناها و وضعت يدها على فمها وقالت بحيرة: يا نهار يا سليم، خليتني أحكيلك! اسكت بقى! ما أعرفش إزاي بتعرف تخليني احكي لك.
سليم، معترضًا: أنا ما استفدتش حاجة أصلاً من اللي أنتي حكيته. كنت متوقع الكلام ده. يعني ما قلتيش حاجة جديدة. أنا مش متوقعها (تساءل) ما قالكيش حاجة تانية ازاي تتعاملي معايا لما أتعصب؟ غير إنك تسيبيني وتروحي عند والدتك.
ماسة، بابتسامة صغيرة: تؤ، هو بس قال لي كده، وقال لي ما أقولكش على الكلام اللي دار ما بنا (ضربته على كتفه بمزاح) واديني حكيت لك.
سليم، زافرًا بضيق: بفكر ما أروحش ليه تاني. بيتكلم معايا بطريقة رخمة، كأني جوز أمه. المفروض الدكتور النفسي ده يتعامل مع المريض بلطف، بحنان، ويخليه يحبه. أنا بكرهه.
ماسة، مبتسمة: بس أنا حبيته، وحاسة إنه حد كويس.
نظر لها سليم بضيق، مال برأسه قليلاً بغيرة تخرج من عينه: حبتيه إزاي؟ إيه حبتيه دي؟ اسمه دكتور كويس وشاطر، من غير حبيته دي.
ماسة نظرت داخل عينيه بتحذير سليم، ما تتعصبش.
سليم، موضحًا بهدوء: الا الله الا الله، ولا حول ولا قوه الا بالله، يا ستي أنا مش متعصب والله، بس بقول لك لو سمحتي احترمي غيرتي ومشاعري، واستخدمي كلمات غير اللي بتعصبني.
ماسة، مبتسمة بلطف: حاضر يا كراميل.
أقتربت منه لتضع قبلة على خده، وأمسكت يده بحنان، وقالت بدلال: صدقني، هو دكتور كويس. إنت لما قلت لي إنك هتروح للدكتور مروان، قعدت أتفرج على البرامج بتاعته. فعلاً هو محترم، والناس كلها بتتكلم عليه. بيقولوا إنه شاطر جدًا، واخد جوائز و شهدات عالية.. ودي لسه ثاني مقابلة، وإنت ما حضرتهاش. أكيد هو بيفهم أكتر منك، يعني ده شغله. وأكيد يعني في مجال الإدارة والأعمال والشغل بتاعك، مش هيفهم فيه.
سليم، وهو يتنهد: أنا عارف إنه شاطر، عشان كده اخترته، خاصة لما عرفت قصته مع مراته. حسيته إنه هيفهمني.
صمت لحظة، ثم سأل: إنتِي ايه رأيك؟ أديه فرصة كمان.
ماسة بابتسامة: أها.
سليم، وهو يزداد إصرارًا: بس لو فضل يكلمني كده، هشوف دكتور غيره.
ماسة، بابتسامة هادئة: ماشي. بس أنا مبسوطة عشان النهارده ما تعصبتش لما قلت على مروان، إني حبيته.
سليم، مبتسمًا: وأنا كمان مبسوط إني ما انفعلتش. بس إنتِي برده بلاش تعملي حاجات بتضايقني.
ماسة، ضاحكة: صدقني، قلت الكلمة بشكل عادي عفوي.
سليم، هو يمسح على خدها بنعومه بتفهم: أنا عارف إنه عفوي. بس قولي كلام تاني. يمكن النهاردة أنا ضبطت انفعالاتي، بس المرة الجاية ممكن لا.. اصبري عليا شوية.
ماسة، مبتسمة: ماشي. أصلاً مروان قال لي إن في رجالة طبيعتهم كده. دي حاجة عادية. لكن لو رد الفعل زايد ده اللي مش طبيعي، يعني طبيعي تغير لو انا قلت على حد شكله حلو وجميل مع إني بقول الكلام ده، بنية صافية، لكن لو ضربت أو زعقت جامد يبقى ده حاجة غريبة وجنون.
أقترب سليم من وجهها بدلع، ثم قرص خدها وقال:
أنا فعلاً مجنون بيكي، يا ماستي الحلوة.
وضع قبلة على خدها، ثم ابتسم قائلا: أميرتي حابة تروح فين؟
ماسة، بحماس: أي مكان، أنا جعانة جدًا.
تبسم سليم، وقبل يدها بحنان، ثم أدار المحرك وبدأ يقود السيارة.
💕_______________بقلمي_ليلةعادل◉‿◉
عند محل العصير السادسة مساء
كان مكي يجلس على إحدى الطاولات يحتسي عصيره ويتذكر سلوى، ما زاد من وجه قلبه أنها أساءت فهمه، لكنه هذه المرة كان قويًا بما يكفي؛ لم يتصل بها ولم يراقبها كما كان يفعل من قبل. بعد دقائق، اقتربت سلوى من المحل، لكنها لم تلحظه على الفور. كان قلبه يشتعل شوقًا لها، بينما هي أخذت العصير وجلست على إحدى الطاولات. أثناء التفاتها انتبهت لوجوده.صُدمت للحظة، لكنها أشاحت بوجهها بعيدًا.
أخذت تحتسي عصيرها وتحاول أن تبدو غير مبالية، رغم أن داخلها كان مضطربا. فكرت في الرحيل، لكنها أدركت أن ذلك قد يجعله يشعر أنها تأثرت بوجوده. قررت أن تبقى، على الأقل لتثبت أنها قوية.
نهض مكي فجأة وتقدم نحوها حاول أن يبدو هادئًا، لكنه كان مشتعلًا من الداخل.
مكي: سلوى...ممكن أتكلم معاكي؟
سلوى بعصبية: لا ومن فضلك، امشي!
سحب كرسيًا وجلس أمامها رغماً عنها.
سلوى بضيق: ده اسمه إيه بقى إن شاء الله.. أمشي بدل ما أرفع صوتي وأفضحك.
مكي بإصرار: أنا مش جاي أضايقك، كل اللي عايز أوضحه إنك فهمتيني غلط. ما كانش قصدي اننا بنعمل حاجة غلط بس...
قاطعته سلوى بحدة: مش عايزة أفهم حاجة. امشي! بقولك.
مكي بشدة:مش همشي يا سلوى، غير لما تسمعيني.
سلوى بعصبية: عنك ما مشيت، أنا اللي هامشي
نهضت سلوى لكي تغادر ، لكن أحد الشباب الجالسين مع أصدقائه على طاولة قريبة لاحظ انزعاجها. اقترب وسأل:
الشاب: في حاجة يا آنسة؟
سلوى: آه، واحد قليل الأدب بيعاكسني.
توجه الشاب إلى مكي، أمسكه من كتفه وقال بحزم:
الشاب: احترم نفسك، وامشي! ما عندكش إخوات بنات؟
مكي بغضب: أوعى تمد إيدك عليّا بدل ما أقطعهالك.
تدخل أصدقاء الشاب وقالوا: هتقطع إيد مين يا حبيبي؟ تعال نشوف مين هيقطع إيد مين!"
بدأت المشاجرة بينهم، وكان عددهم أكبر، مما جعل مكي يتلقى النصيب الأكبر من الضرب وعندما شعر أنه لن يتمكن من الخروج لكي يلحق بسلوى التي غادرت دون أن تلتفت وراءها ، أخرج سلاحه ورفعه في وجه الجميع قائلاً بغضب:
مكي: محدش يقرب خطوة واحدة.
الجميع تجمد في مكانه، ومكنه ذلك من التراجع بهدوء خارج المحل. بمجرد أن خرج، تحرك سريعًا مبتعدًا عن المكان ...
ركض مكي بخطوات سريعة نحو سلوى، التي كانت تتحرك باندفاع نحو السيارة. أمسك بكتفها ليوقفها قبل أن تصعد، بنبرة مليئة بالغضب.
مكي: إيه اللي انتِ عملتيه ده؟!
تراجعت سلوى قليلاً، نظرت إليه بتحدٍ، ثم رفعت يدها لتبعده: المرة الجاية، لو فكرت تتكلم معايا تاني... أنا مش هسكت! هقول لسليم، وهقول لأبويا وأمي، وهتبقى فضيحة. لو سمحت، ابعد عني. مش إنت اللي قلت مش عايزين نتكلم تاني؟ عايز مني إيه؟
مكي بصوت هادئ لكنه متوتر: عايزك تعرفي اني، عملت كده عشانك لأني خايف عليكي. ومش عايزك تكرهيني.
نظرت إليه سلوى بسخرية مريرة وهي تهز رأسها:
أكرهك؟ انا ولا بكرهك ولا حتى فارقلي وجودك أصلاً. انت مجرد حارس شخصي لجوز أختي... لا أكتر ولا أقل.
حولت نظرها فجأة إلى يده التي تمسكها من كتفها. جزت على أسنانها بعصبية، لكنه شديد الملاحظة، وكأن عيناه تراقبان كل حركة منها. حاولت بسرعة أن تضع يدها على الحظاظة تريد انتزاعها من يده.. لكنه كان أسرع منها و أمسك يدها بحزم وحدّق في عينيها بصرامة.
مكي محذرًا: أوعي تفكري تعمليها... أوعي!
حاولت سحب يدها منه بعنف.
سلوى بعناد: سيبني! أنا حرة. دي بتاعتي، وعايزة أخدها.
ترك يديها بحدة، لكنه لم يتراجع. نظر إليها بنظرة تنم عن إحباط عميق، ثم فتح لها باب السيارة بقليل من العصبية.
مكي: واضح إن الكلام معاكي صعب دلوقتي اتفضلي اركبي.
تراجعت سلوى خطوتين للخلف، ووجهت إليه نظرة غاضبة ممتزجة بالتهديد.
سلوى: لو فكرت تتكلم معايا تاني... مش هيحصلك كويس.
صعدت السيارة وتحركت بها ضرب مكي الهواء بيده بغضب شديد وهو يجز على أسنانه.
قصر الراوي – غرفة طه العاشرة مساءً
يجلس طه على الأريكة مع أحد أبنائه الذي يبدو أنه أكبرهم . بينما كانت منى تجلس على الفوتيه القريبة، منشغلة ببرد أظافرها، كان طه يطلع ابنه على الصور القديمة.
الابن: وده مين يا بابي؟
طه: ده أنكل تحسين، عمي أخو جدك.
ظل الاثنان يتفحصان الصور ويتحدثان عن الأشخاص الموجودين فيها، حتى وقعت عيناهما على صورة لمنى مع سليم. في الصورة، كانت منى تضع رأسها على كتف سليم بطريقة بدت حميمية وهي تنظر له بحب.
نظر طه إلى الصورة باستغراب، وأغلق عينيه للحظة كأنه يحاول استيعاب ما يراه. ثم أمسك بالصورة، وقربها إلى منى.
طه بحدة: إيه ده؟!
صلي على النبي 10 مرات ما تنساش تضغط لايك تكتب رايك في الحلقه عشان هو مهم بالنسبه لي وبيشجعني اني اكمل محتاجه اعرف اراء مش مجرد