رواية الماسة المكسورة
الفصل الواحد الاربعون 41 ج1
بقلم ليله عادل
{"مهما حاولوا، لن نفترق. كأننا خُلقنا من نفس النبض ونفس الحُلم، كأننا شجرتان متعانقتان في وجه الريح، جذورهما ضاربة في عمق الأرض، لا تهزهما العواصف ولا تُفرّق بينهما الأيادي. يحاولون زرع المسافات بيننا، ولكن كيف تُزرع المسافات بين روحين جمعتهما الحياة؟ يحاولون تفريقنا بالكلمات، بالظنون، وبكل ما يملكون.لكننا أقوى من كلامهم، أبعد من ظنونهم، ثابتان كالشمس والقمر؛ لا يلتقيان ولكن لا يفترقان. نحن وعد لا يذبل، وقصة لا تنتهي.
كلما زادوا في محاولاتهم، زاد تمسّكنا. لأن ما بيننا ليس مجرد حب... بل حياة لا تُفرّقها عواصفهم."}
[بعنوان: مهما حاولوا لم نفترق]
وصل عماد إلى منزل سارة، وكان قلبه ينبض بسرعة وكأن شيئًا ما يلاحقه. بعد ارسال سارة له رسالة بأنها ستذهب .. فتح الباب بالمفتاح ودخل المنزل وهو ينادي عليها بصوت مرتجف: "سارة! سارة!
توجه إلى غرفة النوم ليكتشف أن الخزانة مفتوحة، لكنها فارغة تمامًا؛ لا ملابس، لا أغراض شخصية، فقط فراغ قاتل. تزايد القلق في قلبه، فركض إلى غرفة ابنهما ليفاجأ من جديد بأن خزانته أيضاً فارغة تمامًا.
كان يبدو على ملامح عماد القلق والضيق، فهو يعلم أن سارة قررت ترك المنزل لكي تجعله يشعر بالجنون في غيابها بسبب سفره مع صافيناز دون أن يخبرها. كان ذلك نوع من العقاب له، لكنها لم تتركه فقط، بل أخذت معها ابنهما، مما جعل مشاعره تتزايد ويشعر بتوتر و قلق أكبر. عاد إلى القصر حيث غرفته، ولم يتحدث مع أحد.
🌹_________بقلمي_ليلة عادل_________🌹
في إحدى صالات الجيم الكبرى الثانية مساءً
منطقة الأطفال (كيدز إريا)
كانت هناك مجموعة أطفال من مختلف الأعمار مع أمهاتهم ومربياتهم يلعبون.
نرى فايزة، فريدة، وصافيناز يودعن سلينا، ابنة فريدة.
فريدة: أنا بقالّي كتير مجتش هنا من بعد فرح سليم.
فايزة: ولا إحنا، بس خلاص، هنفضل هاربين لحد إمتى؟
قبل أن يخرجن، شاهدن لورجينا... غمزت صافيناز لفايزة.
فايزة متصنعه المفاجأة: لورجينا! هالو!
اقتربت لورجينا بإبتسامة رقيقة: فايزة هانم! إزايك؟
فايزة: بخير، مشتاقالك.
لورجينا: وأنا كمان... رجعتوا تاني أخيرا؟
فايزة: لازم نرجع... بس قوليلي، إنتي إيه اللي جابك هنا؟
صافيناز بخبث: إنتي ما تعرفيش إن لورجينا عندها بيبي؟ واسمه سليم كمان؟
فايزة مظاهره بالتعجب: فعلًا؟! هو إنتي اتجوزتي؟
لورجينا: لا، تبنيته.
فايزة بمكر: اممم... خسارة، أنا كان نفسي تكوني مرات ابني، بس مش عارفة أقولك إيه؟
لورجينا: ماضي وانتهى. Pardon (عفوًا)، يا فايزة هانم، كان نفسي أقعد معاكي... بس لازم أمشي.
فايزة: خلينا نشوفك قريب.
لورجينا: أكيد، باي.
اقتربت ناتالي، خادمة لورجينا، وأعطتها الطفل قبل أن تتحرك للخارج.
تبسمت صافيناز وفايزة بخبث، مطمئنتين لنجاح مخططهما.
فريدة: يلا، خلينا نلحق الكلاس.
قصر الراوي الساعة الخامسة مساءً.
الغرفة النوم
دخلت صافيناز الغرفة، وعندما وقعت عيناها على عماد، اقتربت منه وهي تتساءل بفضول: إيه عماد؟ انت مشيت فجأة من المجموعة وبكلمك مش بترد، كنت متضايق في حاجة؟
لكن عماد غارقًا في أفكاره، فركّز محاولا التفكير في مكان سارة وما الذي يمكن أن يكون قد حدث لها. أجاب بصوت منخفض:
اقتربت صافيناز وتحدثت مره اخرى عماد في مالك.
عماد بضجر قالا: في ايه؟
صافيناز، التي لم تكن تعرف حجم القلق الذي يشعر به عماد، ردت بتعجب: "إنت بتزعق ليه؟ إنت مجنون؟
عماد بهدوء: انا مش مجنونه ومش اقصد ازعق، أنا متضايق. ممكن تسيبيني شويّة؟ ثم أخرج سيجارة ليهدأ قليلاً.
صافيناز نظرت إليه باستغراب وقالت: مالك يا عماد؟
ثم حاول عماد أن يبدو هادئًا قدر الإمكان، فقال بكذب: مافيش، أصل ماما وبابا عايزينني أرجع أشتغل معاه في الشركة، وأنا قلت لهم مش هينفع أسيب مراتي لوحدها. وبابا قال لي: لو ما رجعتش تشتغل معايا، ولا أنت ابني ولا أعرفك.
صافيناز حاولت تهدئته قائلة: ما تزعلش، هم برضه عندهم حق. بس حاول تفهمهم إننا ملناش غير بعض. وإنت بتساعدني، وإخواتك موجودين. هي فترة مؤقتة.
هز عماد رأسه بصمت ماشي، صمت لوهلة قم تسال: هي سارة فين؟
صافيناز: معرفش اشمعنا؟
عماد: أنا كلمتها عشان نخرج كلنا مع بعض،وتليفوناتها مقفولة. إيه الحكاية؟
صافيناز: سارة دي مجنونه فجاه تضرب في دماغها تسافر وتقفل تليفوناتها، المهم دلوقتي احنا هنحاول نسمع ماسة ان سليم كان عنده طفل من من لروجينا
هز عماد رأسه بإيجاب،بلامبالاه مُبطنة،فـعقله مشغولًا فقط بالتفكير في سارة؛ أين يمكن أن تكون؟ أين اختفت مع ابنهما؟ وإلى متى ستظل غائبة؟ كانت الأسئلة تتراكم في ذهنه.
قصر الراوي - الساعة الرابعة مساءً
مكتب سليم
نرى ماسة جالسة على مقعد المكتب تذاكر بتركيز. وبينما هي منشغلة، اقتربت فايزة وصافيناز من غرفة المكتب، وتحدثتا بصوت عالٍي نسبيًا، رفعت ماسة عينيها تلقائيًا تجاه الصوت، ثم ابتسمت وأكملت ما كانت تفعله.
في الخارج
صافيناز: أنا عرفت من كنزي إنه مش ابنها لما شفتها في النادي، وكمان الولد مش شبه سليم خالص.
توقفت فايزة ونظرت لها بجدية: بس هي كانت حامل من سليم قبل ما يسيبها! وكان ده من ضمن الأسباب إنهم سيبوا بعض، لازم نتأكد، لحسن تاخده وتهرب، وأخسر حفيدي... ربما يكون حفيد الراوي يا صافي.
فور أن نطقت بهذه الكلمات، وضعت ماسة القلم وركزت على حديثهما، وبدأت ملامح التوتر تظهر على وجهها.
صافيناز: طب هتعملي إيه؟ هتكلمي سليم؟
فايزة وهي تهز رأسها بإيجاب: أكيد، لازم أفهم... الطفل ده ابنه ولا لا؟ وهل عمل فحص DNA عشان يتأكد؟! لورجينا ممكن تكون خايفة منه، أوعي تنسي إنه أجبرها تنزل الطفل قبل كده.
صافيناز: هتكون مشكلة لو طلع ابنه وهي مخبية عليه، خصوصًا بعد ما الدكتور منع ماسة من الحمل لفترة طويلة.
فايزة: مش عايزين نستعجل. أول ما يرجع سليم، هكلمه ونقرر نعمل إيه.
تابعتا السير بابتسامة خبيثة ترتسم على شفتيهما، مطمئنتين لنجاح مخططهما.
في المكتب
كانت ماسة تنظر حولها بصدمة، وقد عادت بشعرها للخلف مع اتساع عينيها ودموع بدأت تحرق قلبها قبل أن تسقط من عينيها، وضعت يدها على فمها محاولة كتمان مشاعرها. شعرت أنها وقعت في حفرة عميقة لا تستطيع الخروج منها.
جزت على أسنانها وأمسكت هاتفها بضيق لتتحدث مع سليم، لكنها ترددت قبل الاتصال، وأغلقت الهاتف بغضب وألقته على المكتب بغضب، ثم قالت بحسرة ووجع:
ماسة بخذلات: كده يا سليم؟ بتضحك عليا للمرة التانية... ماشي يا سليم.
وأخذت تبكي بحرقة.
((في الليل))
كانت ماسة لا تزال في المكتب، تقف عند النافذة. بدا عليها الإرهاق الشديد بعد يوم مليء بالبكاء والحزن. عيناها محمرتان، لكنها فجأة سمعت صوت سليم يأتي من الخارج وهو يتحدث مع الخادمه.
سليم: ماسة هانم فين؟
الخادمة: في المكتب.
سليم: طب حضري العشا، أنا ميت من الجوع.
في المكتب
فور سماع صوت سليم، ركضت ماسة وجلست على مقعد المكتب متظاهرة بالانشغال بالكتابة. طرق سليم الباب ودخل بابتسامة عريضة.
سليم بشوق: عشقي.
رفعت ماسة عينيها محاوِلة تصنع الهدوء: سليم!جيت إمتى؟
سليم متبسمًا: حالًا.
اقترب منها وقبلها من أعلى رأسها بحنان: بتعملي إيه؟
ماسة: بذاكر... الدراسة بدأت.
سليم وهو يشد يدها بلطف: ارتاحي شوية، وبعدين كملي. تعالي نتعشى، أكيد ما أكلتيش حاجة من الصبح.
هزت ماسة رأسها بنعم ونهضت.
ركّز سليم النظر في ملامحها، وضيق عينيه قليلاً. مسح على خدها بحنان وقال: مالك يا عشقي؟
ماسة: إرهاق.
سليم بأمر: طيب، مافيش مذاكرة تاني النهارده، مفهوم؟
هزت رأسها بنعم مستسلمة.
ركّز سليم النظر في وجهها مرة أخرى وقال بقلق: أنتي مش عجباني خالص... مالك؟
ماسة: ليه يعني؟ مش للدرجة دي.
سليم وهو يمسح على خدها بحنان: للدرجة دي وأكتر كمان. مش شايفة نفسك؟ عينك وملامحك عاملين إزاي؟
ماسة: يمكن عشان صاحية بدري، وما أكلتش، وبذاكر من الصبح.
مسح سليم على شعرها برفق ومرر يده على خدها قائلاً: بعد ما نتعشى، هعملك حمام دافي بإيدي، وأعملك مساج، وتشربي كوباية لبن دافية بالعسل. بعدين تنامي وترتاحي.
هزت ماسة رأسها بنعم، محاولة إخفاء ما تشعر به من ألم داخلي.
أثناء ذلك طرقت الخادمة الباب ودخلت بهدوء.
الخادمة: العشا جاهز يا سليم بيه.
هز سليم رأسه وشكرها بنظرة، ثم التفت إلى ماسة بابتسامة: عشقي يلا.
شبك يده في يدها وتحركا معًا نحو السفرة.
السفرة
على الطاولة، كانت هناك أطباق من البفتيك، المكرونة، البطاطس، والسلطة. نظر سليم للطاولة بتمعن، ثم قال وهو يمرر عينيه عليها:
سليم: عاملين الأكل اللي بتحبيه.
ماسةبفتور: اممم.
وجه سليم نظرته إليها بتركيز، مقتنعًا أن هناك شيئًا يشغل بالها وليس مجرد إرهاق كما ادعت.
سحب لها المقعد برقي لتجلس، ثم جلس بجانبها.
بدأا في تناول الطعام، لكن سليم لاحظ صمتها غير المألوف وقلة تناولها للطعام.
سليم بقلق: ماسة، إنتِي كويسة؟ متأكدة إنه إرهاق بس؟
ماسة: آه يا سليم، مفيش حاجة.
مد سليم يده ووضعها على خدها بحنان: طب كلي كويس... يلا افتحي بقك. (أطعمها قطعة طعام) لو فضلتِي كده، هوديكي للدكتور.
فهو يعلم مدا خوفها من الذهاب إلى الطبيب
ابتسمت ماسة ابتسامة صغيرة وقالت: والله كويسة.
ابتسم سليم لها بحب وقال: طيب، كملي أكلك يا قطعة السكر، عشان أتاكد إنك فعلًا تمام.
اقتربت فايزة بخطوات وابتسامة خبيثة، قاطعة حديثهما: مساء الخير.
سليم: مساء النور.
فايزة: كويس إنك ما كلتش. ماسة كانت مستنياك... اتأخرت ليه؟
سليم باقضتاب: شغل.
فايزة: طب لما تخلص عشا، تعال المكتب.
سليم باستغراب: في حاجة؟
فايزة بخبث: موضوع.
سليم: مينفعش يتأجل لبكرة؟
فايزة بحزم: مش هاخد من وقتك أكتر من خمس دقايق.
سليم: أوكي.
قالت بابتسامة ماكرة وهي تنصرف (بالفرنسية): Bon Appetit.
فور مغادرتها، التفت سليم إلى ماسة بابتسامة حانية وقال: ماستي الحلوة... افتحي بقك. (يُطعمها مرة أخرى)
ماسة: كل إنت بقى... على فكرة، أنا عايزة أروح لماما بكرة.
سليم وهو يقرص خدها برفق: طيب... بس أنا عارف إزاي أخليكي تنطقي فوق، اصبري عليا.
أكملا طعامهما ثم نهضا واتجها نحو الدرج. قبل أن يصعدا، توقف سليم وقال: عشقي، هشوف الهانم عايزة إيه... اطلعي إنتِي استنيني فوق.
ماسة بهدوء: حاضر.
صعدت ماسة بضع درجات، لكنها سرعان ما عادت بخفة لتقف عند باب المكتب محاولة استراق السمع. لكنها لم تنتبه إلى رشدي الذي كان يراقبها عن بعد.
المكتب
كانت فايزة جالسة على الأريكة تقرأ كتابًا. دخل سليم وتوقف أمامها بجمود: أنا جيت... في إيه؟
رفعت فايزة عينيها نحوه، خلعت نظارتها ووضعتها مع الكتاب بجانبها. وقفت أمامه ونظرت إليه بتأنٍ، ثم قالت بعملية: النهاردة كنت في النادي... وشفت لورجينا.
سليم بتعجب: وهو ده اللي عايزاني فيه؟
فايزة ببرود: إنت شايف إنه مش مهم؟
سليم بثقة: بالتأكيد مش مهم.
فايزة بجدية: يمكن كان مش مهم قبل ما تتجوز. ويمكن كمان ماكنش هيبقى بلاهميه دي لو لورجينا رجعت من غير طفل!
تجمدت ملامح سليم، لكنه رد بثقة وجمود: مش ابني.
ارتسمت على شفتي فايزة ابتسامة ماكرة وقالت: وجبت الثقة دي منين؟ إنت ناسي إنها كانت حامل منك؟
سليم بهز رأسه: لا، مش ناسي.
فايزة بتساؤل: وثقتك دي مبنية على إيه؟ إنك أجبرتها تجهض الطفل وسمعت كلامك بسهولة؟
نظر إليها سليم بتركيز، ثم قال بثقة وكبرياء:
مع إنك مالكيش حق تعرفي الإجابة ولا حق بالتدخل في خصوصياتي، بس هريحك. أنا اتأكدت بطريقتي.
فايزة: عملت DNA؟
سليم: آه.
فايزة: كويس... لإننا مش حمل مشاكل ولا فضايح.
ارتسمت نصف ابتسامة على شفتي سليم وقال: كنت متأكد إن ده سبب اهتمامك. في حاجة تانية؟
فايزة: ماسة تعرف؟
سليم: لا، متعرفش. عن إذنك.
فتح الباب، لكنه تفاجأ بماسة تقف خلفه تبكي، ووجهها مملوء بالدموع.
اتسعت عينا سليم بصدمة وبحة في صوته: ماســة؟
رفعت ماسة عينيها إليه، وقالت بشجن وعتاب: لتاني مرة تكذب عليا... لتاني مرة يا سليم!
نظرت له بحزن عميق واختناق، ثم ركضت بعيدًا.
سليم بضيق: ماسة! استني!
ركض خلفها، بينما ارتسمت على وجه فايزة ابتسامة ماكرة تنم عن فرحتها الكبيرة بنجاح خطتها.
ماسة ركضت على الدرج والدموع تملأ عينيها، بينما يتبعها سليم بخطوات سريعة محاولًا استدراك الأمر وتوقيفها.
سليم برجاء: ماسة... خليني أشرحلك، أرجوكي.
لكنها تجاهلته ودخلت الغرفة وأغلقت الباب في وجهه بسرعة. اقترب ليضع يده على المقبض، لكنها اغلقته بالمفتاح من الداخل. نظر للباب بضيق، وأخذ نفسًا عميقًا محاولًا التحكم في أعصابه.
سليم بصوت حاسم: ماسة، لو سمحتي افتحي الباب... ماسة! إحنا مش لوحدنا، اللي بتعمليه ده غلط. افتحي الباب من فضلك.
لكنها على الطرف الآخر تبكي وتعود للخلف بحزن شديد فهو فطر قلبها لأنه خبأ عليها ذلك الأمر، تشعر أنه خدعها ولا يشاركها شيء عن حياته السابقة.
ظل سليم يناديها من الطرف الآخر، لكنها لم ترد. شعر بالضيق، لكنه فجأة توقف وكأنه خطر بباله شيء.
تحرك سريعًا إلى نهاية الممر، ودخل غرفة مجاورة. فتح نافذتها، ثم صعد السور وتحرك بحذر، وهو يخطو خطوات محسوبة. وصل إلى آخر السور، ونظر للمسافة بين شرفته وشرفة الغرفة المجاورة. أخذ نفسًا عميقًا، ثم قفز برشاقة. أكمل سيره بنفس الحذر وهو يحاول التوازن، قفز مره أخرى، حتى وصل إلى شرفة غرفته المفتوحة. دخل بخفة وحمد الله أن الباب لم يكن مغلقًا.
وقف أمامها يبتسم رغم الموقف.
سليم بمزاح: أنا بقيت سبايدر مان بسببك... إيه الجنان ده؟ تقفلي الباب في وشي ومتدخلنيش الأوضة! هو إحنا لوحدنا؟
لم ترد عليه، فقط نظرت إليه بصمت ودموعها تلمع في عينيها، ثم أدارت وجهها بعيدًا عنه، اقترب منها ببطء وتوقف أمامها.
سليم بتوضيح ممزوج بحب: يا عشقي، إنتي ليه زعلانة؟ ماسة ده ماضي، ماضي وانتهى وأنا قولتلك إننا كنا مرتبطين ما خبتش عليكي.
رفعت ماسة عينيها له بحدة: قولت، بس ما قولتش إن علاقتكم وصلت لده.
سليم باستنكار: مش فارقة وصلت لفين؟ المهم إنها انتهت. صفحة في الماضي وأنا قفلتها.
ماسة باعتراض ممزوج بحزن: ما تقفلتش لحد دلوقتي يا سليم، لسة ماضيك بيظهر وبيطاردنا. بعدين إنت خبيت عليا و...
قاطعتها سليم بجمود: لا مخبتش، كل الحكاية إني...
قاطعت ماسة بجمود وهي تقلده: مجاش في دماغي إني أقولك.. الموضوع مش مهم، اللي يهمك إنك تعرفي كل حاجة من وقت ما عرفتك مش قبل! ما تكبريش الموضوع، ما تديش المواضيع أكبر من أهميتها! مش هو ده اللي إنت ناوي تقوله زي المرة اللي فاتت!..
ابتسمت بانكسار ومسحت دموعها، وركزت النظر في ملامحه وأكملت:
إنت شايف إنك مش لازم تقولي كل حاجة مادام الحاجة دي تخص الماضي، بس أنا بقى شايفة إنه مهم. هو بالنسبة ليا مهم يا سليم، وأعتقد مادام إنت بتحبني هتعمل الحاجة اللي تريحني حتى لو الحاجة دي عكس طريقة تفكيرك...
دققت النظر له وهي تمرر عينيها عليه باستغراب، أكملت:
أنا حاسة إني ما عرفكش. حاسة إنك غامض، إنك بعيد أوي، ومش عارفة أوصلك، كل ما أقرب منك تظهر حاجة تأكدلي إني لسة بعيدة أوي عنك، وإن بينا مسافات، كل شوية أكتشف حاجة المفروض أكون عارفاها أو عندي خلفية عنها، لكن إنت شايف إنه مش من حقي أعرف إن علاقتك بلورجينا وصلت إن كان ممكن يكون بينكم طفل، طفل يا سليم... طفل، إنه حصل بينك وبينها كل اللي بيحصل بيني وبينك، فاهم إنت وصلت لإيه معاها! إنت كنت... كنت...
نظرت له بصمت، فهي حتى غير قادرة على نطقها، مجرد النطق بها يشعرها بألم صعب وصفه.
نظر لها سليم بحزن وتأثر. لقد فهم جيدًا مقصدها وقال:
الحكاية مش إنه مش من حقك، الحكاية إني أنا أصلاً كده، طبعي كده، ماسة، أنا مش بعرف أحكي تفاصيل ولا أدي مبررات، ما بعرفش. مش شخصيتي إني أتكلم كتير وإني أحكي تفاصيل سواء تخص الحاضر أو الماضي. مش طريقتي بس. أنا بحاول إني أتغير معاكي إنتِي بالذات وأحكيلك وأشاركك لأنه حقك، ماسة، إنتِي ليكي كل الحق إنك تحاسبيني لو أنا قاصد ده، لكن أنا مش بقصد إني أعمله.
ماسة بشدة أعترضت: لا تقصد يا سليم، لأن ببساطة كان ممكن تقولي يوم ما حكيتلي إنك كنت مرتبط بيها، كان المفروض تقولي إنها كانت حامل منك. أو حتى وإنت بتعمل التحليل عشان تتأكد، كل دول كانوا فرص ليك إنك تتكلم، بس إنت اخترت إنك تخبي عليا يا سليم، كأني مش مراتك ولا من حقي أعرف كل حاجة عن جوزي ويشاركني كل حاجة تخصه.
قرب سليم وجهه من وجهها، يحدق في ملامحها بتركيز وهو يشدد على كلماته: قولتلك، مش من طبعي... مش طبعي.
ابتعد عنها قليلاً، ثم نظر إليها بتأثر، أكمل وهو يفسر شخصية:
ماسة، إنتي فاكرة إن اللي واقف قدامك ده هو سليم بتاع زمان؟ أنا معاكي ببقى شخص تاني، شخص أنا نفسي بخاف منه لما أبص في المرايا وأشوفه، برغم إني بحبه ومتقبله، بس بخاف منه لانه بقى ضعيف بقى عنده نقطة ضعف، وهو إنتي .. ماسة، حاولي تفهميني ولو شوية... تفهمي شخص طول عمره ماشي بدماغه، عنيد، متمرد، مستحيل يدي مبرر واحد لأي حاجة عملها أو يوضح شيء، أو حتى يدي الحق لحد إنه يحاسبه أو يسأله مهما كان مين!
أنا كنت بعمل اللي عاوزه... واللي مش عاجبه يولع!
امسك يدها حاول توضيح الأمر بتأثر استرسل:
ماسة، صدقيني، عمري ما كنت ضعيف قصاد حد زي ما أنا ضعيف قدامك. لو أي حد غيرك مكانك، كنت قولت يتفلق، ولا كنت عملت كل ده!
إني أجري وراكي، وأتحايل علشان تفتحيلي باب الأوضة، وأمشي على السور وأنط من بلكونة لبلكونة، وأقف قدامك زي العيل الصغير عايزك تسامحيني. عمال أفهمك وأوضحلك إللي حصل، وأعتذر... يمكن أنا ما اتغيرتش كتير، ولسة جزء كبير من سليم القديم موجود، بس الجزء الصغير اللي اتغير ده أوعي تستخفي بيه..أنا بتغير ببطء، بس بتغير. اصبري عليّا... أنا بحاول أكون سليم اللي يستحقك واللي إنتي عايزاه. لازم تفهمي إنّي مكنتش أقصد أخبي عليكي، كل الموضوع... زي ما قلتلك، مش من طبعي أتكلم وأحكي تفاصيل.
ماسة نظرت إليه ببرود وقالت: يعني لو كنت سألتك كنت هتجاوب؟
هز سليم راسه بإيجاب بثقة: طبعاً كنت هقولك! وده أكبر دليل إن مفيش نية للكذب أو إني أخبي عليكي زي ما فهمتي تبسم وأمسك يدها ووضع قبله عليها: خلاص بقى يا ماستي الحلوه اضحكي.
هزت ماسة رأسها برفض، وقالت بصوت يحمل ألماً:
مش عارفة أكون خلاص... أنا زعلانة منك أوي.
سليم تنهد وسألها: والحل؟ أعمل إيه عشان أرضيكي؟
رفعت ماسة عينيها نحوه بجمود، سحبت يدها وقالت بحدة: تطلع برة الأوضة.
سليم اتسعت عيناه باندهاش: إيه؟!
ماسة بجمود أشد: أطلع برة... هو ده اللي يرضيني.
مد سليم يده ببطء ليضعها عليها، لكنها ابتعدت بجسمها بنفور واضح.
نظر إليها سليم بغصة تعتصر قلبه؛ هل وصل الأمر إلى هذه الدرجة؟ ألا تحتمل حتى أن تلمسه؟! هل يشعرها بهذا الكم من الأذى والحزن؟
ابتلع ريقه بصعوبة ونظر إليها. قابلت ماسة نظرته بعينين ذائغتين وملامح جامدة، كأنها تخشى أن تضعف إذا تلاقت أعينهما. قالت بصوت متردد وكأنها تحاول التماسك.
ماسة بجمود، بنبرة مليئة بالوجع: مش إنت عايز اللي يرضيني؟
هز سليم رأسه بالإيجاب، فتابعت بصوت مرتعش:
أنا يرضيني إنك تطلع برة الأوضة... وأفضل أعيط وأعيط، عشان أنا موجوعة منك. حتى لو ده طبعك وشخصيتك اللي بتحاول تغيرها، أنا مش قادرة أتجاوز كل ده بسهولة.
نظرت إليه، ودموعها تنهمر بغزارة تحمل وجعًا شديدًا وانكسارًا. أكملت بصوت متهدج:
مش قادرة... والله ما قادرة، سبني أعيش الحزن والوجع ده، ده مش نكد ولا تكبير مواضيع، ده إحساس، يا سليم... إحساس وأنا قلبي وجعني.
سليم مسح وجهه بيده، وتنهد بعمق قبل أن ينظر إليها وهو يهز رأسه بالإيجاب: حاضر، يا ماسة... هعمل اللي إنتي عايزاه. المهم كفاية دموع، مش قادر أتحمل أشوفهم أكتر من كده، كفاية إني السبب في نزولهم. الشعور ده لوحده بيجلدني. أنا هفضل قاعد قصاد الباب، ماشي؟ لو احتاجتي حاجة، افتحي الباب أو نادي عليّا
ماسة، دون أن تنظر إليه وبنبرة جامدة: أعمل اللي عايز تعمله.
نظر إليها سليم بحزن عميق، وأطلق أنفاسًا ساخنة تخنقها الغصة، ثم توجه إلى الباب. قبل أن يخرج، عاد برأسه للخلف ونظر إليها لثوانٍي كأنه يأمل في أن تتراجع، لكنها لم تحرك ساكنًا. خرج وأغلق الباب خلفه.
ما إن خرج، ضرب بقوة على الحائط بكف يده، غضبه ينهش قلبه، عاجزًا عن احتمال ما جعلها تشعر به. جلس على الأرض أمام الباب، يسند ظهره عليه ويجز على أسنانه بغيظ شديد.
كان يشعر بالغضب، ليس منها بل من نفسه. فهي محقة في كل كلمة قالتها، فقد أخفى عنها الكثير، وأي فتاة مكانها كانت ستفعل أكثر مما فعلت. وللأسف، هذه ليست المرة الأولى التي يحزنها؛ قبل قل من أسبوعين قام بتعنّفها بشدة، ورغم ذلك سامحته.
لكنه يحاول... يحاول بكل قوته أن يتغير. يريد أن يكون جديرًا بها، جديرًا بقلبها البريء الذي أعطته إياه رغم كل شيء فنحن نعلم شخصية سليم من قبل كانت كيف ومعاها كيف وانه يحاول ان يتغير.
جلس، محاصرًا بحزنه وندمه، يفكر في طريقة لإرضائها. ظل طوال الليل جالسًا أمام الباب، منتظرًا أن تحنّ عليه أميرة قلبه وتفتح الباب الذي كان إغلاقه بمثابة حكم الإعدام عليه.
على الجانب الآخر، كانت ماسة تعيش لحظات ضعف وحزن شديد، وجع يفتك بروحها ويجعلها عاجزة عن التنفس بسهولة.
هكذا، قضى الاثنان الليل في دوامة من الألم والصمت. لم ينم أحد منهما حتى غلبهما الإرهاق مع ساعات الصباح الأولى.
_ ممر الغرف - الساعة السادسة صباحًا
تخرج فايزة من غرفتها مرتدية ملابس رسمية تليق بجلالها، تتحرك بثقة نحو الدرج. فجأة، تصادف رشدي في طريقها.
رشدي بابتسامة ساخرة: صباح الخير.
فايزة بتعجب: صاحي بدري؟ مش عادتك.
رشدي بذات النبرة: ما نمتش، كنت بأراقب الأمير الصغير وهو قاعد قصاد الباب مستني الأميرة ماسة، تفتح له زي الشحاتين.
فايزة تضيق عينيها بعدم فهم: تقصد إيه؟
رشدي بشماتة: أقصد إن مخططك نجح، وماسة طردت سليم، تعالي شوفي وريث العرش قاعد ذليل. وإن بنت خدامة، اللي يدوب ١٧ سنة، عملت فيه إيه!
أمسكها رشدي من معصمها وسحبها معه، قائلاً: بشويش... لحسن ابنك بينام زي الديابة.
تحرك الاثنان في الممر حتى وصلا بالقرب من الجناح. عندما وقعت عينا فايزة على سليم، توسعت عيناها بغضب. فقد كان يجلس على الأرض أمام باب غرفته نائمًا مستنداً برأسه وظهره على الباب كادت ان تنطق.
اوقفا رشدي بنبرة ساخرة: هدي أعصابك... هيقولك مالكيش دعوة.
فايزة بعجرفة، وهي تجز على أسنانها قالت بغضب: بقى الحشرة دي تنيم سليم الراوي، ابن فايزة رستم آغا، كده؟!! ابني أنا ينام قصاد باب أوضته ويبقى بالضعف ده؟ يا ويلها مني! بنت الخدامين دي، والله لرجعها للمطبخ اللي جت منه ذليلة. ولو على جثتي لو فشلت، هخليها تعيش في جحيم مش سليم! لا... فايزة رستم آغا.
رشدي يرفع حاجبيه باستخفاف: هي ذنبها إيه؟ هو اللي ضعيف.
عدلت فايزة من وقفتها ونظرت إليه بضيق وتعجب:
إنت بتدافع عنها؟
رشدي بشيطانية: إنتِي السبب. عرفتوها إن سليم كان على علاقة بـ لورجينا، وإن العلاقة دي وصلت للسرير، وإنه أجبرها على تنزيل الطفل، وهي، زي أي زوجة عندها كرامة، زعلت وتأثرت.
تحدثت فايزة بعجرفة (بإرستقراطية بخنافة من طرف أنفها): مش دي اللي تثور ولا ليها حق تعترض! ماسة مينفعش تعمل كده. دي تحمد ربنا إنه بصلها. مش تزعل وتاخد موقف بالوقاحة دي! نسيت نفسها... بنت مجاهد وسعدية.
رشدي باستغراب: وسليم مغلطش لما بقى ضعيف كده؟ وقبل على نفسه ينام قصاد بابها؟ بعدين، هو ده مش اللي كنتي عايزاه؟ إن علاقتهم تهتز؟
فايزة بجشع وعجرفة: مظبوط، بس مكنتش أتصور إن سليم يوصل بيه الحال لضعف زي ده معاها، لكن هرجع وأقولك... سليم، السكينة بس سرقاه. هي فترة وهيرميها. أنا اللي مش قادرة أتحمل وأصبر الفترة دي. مش قادرة أشوف الجربوعة دي عمالة تتحرك في القصر زيها زيي، وتقعد على سفرتي، هي وشوية الرعاع أهلها ويدخلوا القصر! القصر اللي ما دخلهوش غير علية القوم والباشاوات! مش عارفة لحد إمتى هقدر أتحمل ده.
رشدي بشيطانية: إنتم لعبتوها غلط يا هانم، ماتسخنوش ماسة على سليم، لإن سليم هيعرف يصالحها ويخرج من الموقف بسهولة، إنما تعملوا العكس، لازم هو إللي يبدا يكرهها ويزهق منها !! مثلاً تخلوه يحس إنها طمعانة فيه، بتخونه، إنها ما بتسمعش كلامه وتعانده، إنتِي أكتر واحدة عارفة ابنك، دول أكتر حاجات بتعصبه، وبتخلي إيده سابقة لسانه، ردود أفعاله هتدمر العلاقة، علقة اتنين ثالث مش هتتحمل خصوصا إن سليم إيده تقيلة حبتين، ووقتها هي إللي هتطلب الطلاق منه، لازم هي تكرهه بسبب ردود أفعاله وهو يكرهها بسبب عندها وسلوكها وطمعها، ده إللي هيدمر علاقتهم، لكن سكة الماضي والبنات إللي كان يعرفهم في الماضي مش هيجيب نتيجة، اشتغلي على الحاضر والمستقبل ودمريهم، وشوهي الماضي ده مجرد تاريخ لسلوك سليم إللي مابيتغيرش فهمتيني يافايزة هانم.
فايزة بتفكير: عندك حق. فكرة صافيناز ما جابتش نتيجة. أكيد لما تفتح الباب وتشوفه كده هتحن وتسامحه.
رشدي بفحيح افاعي: لكن كده عرفتي ماسة بقت إيه بالنسبة له؟ كل يوم حب سليم ليها بيزيد، وده مؤشر خطر. خطر كبير علينا، مش بس علشان إنها لاتليق بينا !! تؤ يمكن بعد شوية نلاقيها مشركانا ورثنا وبقت عضوة في المجموعة.
نظرت فايزة إلى سليم مجددًا، ثم عادت تنظر إلى رشدي، فهو محق فكل يوم يمر فهو خطر عليهم ربما يفعلها سليم ويقوم بكتابة شيء لها وهنا ستكون المصيبة الكبرى بالنسبة لهم.
هزت فايزة رأسها بإيجاب: عندك حق... خلته ينام على بابها مستني كلمة رضا. البنت دي خطر علينا، كل يوم حب وتمسك سليم ليها بيزيد شكل الموضوع المرة دي مختلف تمامًا.
رشدي: هو ده اللي بحاول أقنعك بيه بقالي اكتر من 10 شهور.
فايزة بحزم: لازم نتصرف بسرعة. لازم نفكر كويس ونخلص منها .. خلينا نمشي قبل ما ياخد باله.
تحرك الاثنان نحو الدرج، تاركين خلفهما سليم، نائمًا أمام باب الغرفة كأنه فقد قوته بالكامل.
(وبعد وقت)
_ جناح سليم وماسة - الساعة التاسعة صباحًا
نشاهد ماسة تغط في ثبات عميق، ترتدي نفس الملابس التي كانت عليها ليلة أمس، بعد دقائق، بدأت تتململ على الفراش، تفتح عينيها بتعب، ثم تغلقها مجددًا.
تنهدت وأخرجت أنفاسًا عميقة، محملة بالحزن والتعب، نهضت ببطء ووضعت أصابع يدها على جبينها، يبدو أنها تشعر بصداع. زفرت من بين أسنانها وعدلت من جلستها، ثم ارتدت نعلها وتوجهت نحو المرحاض.
_ المرحاض
توقفت ماسة أمام حوض الغسيل، تنظر إلى مرآتها بتعب، كانت عيناها حمراء ومكسورة، ويظهر على وجهها أثر البكاء وسهرها حتى الصباح دون نوم.
جزت على أسنانها حين تذكرت أكاذيب سليم ومدى تعمق علاقته بلورجينا. فتحت الصنبور وبدأت تغسل وجهها عدة مرات، ثم أخذت الفوطة ومسحت وجهها، وخرجت بعد أن ألقتها على المقعد، متوجهة إلى الباب.
_ على الاتجاه الآخر
كان سليم مستغرقًا في نومه، ساندًا رأسه على الباب.
فجأة، فتحت ماسة الباب، فشعر سليم بها، انتبه لها وفتح عينيه ببطء، ثم وجه رأسه نحوها.
ماسة بتعجب: سليم! إيه اللي نيمك كده؟
سليم متنهّدًا ونهض ببطء، قائلاً بنبرة متعبة:صباح الخير... عاملة إيه دلوقتي?
ماسة متسائلة بتعجب: إيه اللي نيمك كده؟
سليم بإبتسامة توضيحيه: أنا قولتلك إني هفضل قاعد قصاد الباب، بس شكل راحت عليّا نومة. هي الساعة كام؟
ماسة: تسعة.
سليم وهو يمسح خلف رقبته وظهره بتعب من أثر طريقة نومه: أنا لحد بعد الفجر بشوية فضلت صاحي، بعدين مش فاكر اللي حصل.
ماسة: وأنا كمان صليت الفجر وقعدت شوية، بعدين روحت في النوم. طب ما رحتش نمت في أوضتك ليه بدل النومة دي اللي تكسر الظهر؟
سليم بحب وهو يشير بعينه على الغرفة: أنا أوضتي أهي، وماليش أوضة غيرها.
نظرت له ماسة بتركيز في ملامحه المتعبة، ثم قالت:
طب تعالى أدخل.
هز سليم رأسه برفض بعينين حزينة: لأ... طول ما أنتي مش راضية، وقلبك مش صافي، مش هأدخلها غير لما تسامحيني وتدخليني وإنتِي راضية.
ماسة بعينين مغرورقتين بالدموع: أنا مسمحاك بس زعلانة وموجوعة هنا...(وضعت يدها على قلبها) "تعال نتكلم جوه، مش هنتكلم هنا.
مسكته من كفه وسحبته معها... دخلا إلى الغرفة وأغلق سليم الباب خلفه وتوقف التفتت ماسة بجسدها له ونظرت بأستغراب.
ماسة باستغراب: واقف كدة ليه ما تدخل؟!
هز سليم راسه برفض: مش هادخل أكتر من كده طول ما إحنا لسه ما تصفينا وقلبيك شايل مني.
ماسة: بعدين، بعدين يا سليم، تعالَ نام وارتاح، النوم اللي كنت نايمه أكيد متعب، وإنت إمبارح طول اليوم في الشركة أكيد تعبان.
سليم بحزن: مش تعبان جسديًا قد ما قلبي وجعني على وجعك، نتكلم ونتراضى وبعدين هدخل وأخدك في حضني وننام. فهميني إيه مزعلك ووجع قلبك غير إني ما قلتش، لأني متأكد إن فيه حاجة تانية.
نظرت له بحزن بعينين اغرورقتا بالدموع.
ماسة بشجن: طول الليل كنت بفكر وأقول! أنا إيه اللي بعمله ده؟! ده ماضي وانتهى، المهم من وقت ما عرفته، بعد شوية، أرجع تاني وأقول، بس هي ظهرت في حياتنا وهو سكت وخبّى عليا الحقيقة وما قالش أي تفاصيل برغم إن التفاصيل دي مهمة، أرجع تاني وأقول، بس هو قال لي إن شخصيته كده، وهو بيتغير... أقوم من على السرير وأجري على الباب علشان أعتذر لك إني كبرت الموضوع، واخدك في حضني؟! لكن قبل ما أفتح!!! أفكر في كلام صافيناز ووالدتك لما كانوا عايزين يعرفوا الطفل منك ولا لا، وأفكر كمان في كلامك مع والدتك وتأكيدك على كلامهم، وإنك اتأكدت إن الطفل مش ابنك بعد ما عملت التحليل. وأفهم من كده إنك كنت عايش معاها زي المتجوزين...
تحركت نحو الأريكة وجلست بتعب. رفعت عينيها له بحزن شديد وبنبرة مهزوزة بدموع:
كل ما أتخيل إنك عشت معاها كل اللي عشته معايا بتوجع أوي، وإنها كمان كانت حامل منك، يعني كان ممكن يبقى الطفل اللي معاها ده ابنك، وكان هيبقى ليك طفل منها، بأتقهر يا سليم... مش قادرة أتحمل ده وأعديه بسهولة. بالرغم إنه ماضي وانتهى، مش قادرة أتحمل إحساس وفكرة إنك أخدتها في حضنك، وإنها عرفت طعم حضنك، بقيت جزء منها وهي جزء منك، شفايفها لمست شفايفك وعرفت طعمها، لمستك، وشمت ريحتك، سمعت همستك، اختلطت أنفاسها بأنفاسك، عاشت معاك كل اللي عشته أنا، عاشت معاك كل حاجة المفروض إنها بتاعتي أنا، ملكي أنا لوحدي... الحاجة اللي مينفعش تعملها غير معايا!!! الفكرة نفسها وجعاني أوي، من وقت ما عرفتها حسيت بنار، نار بتاكل فيا، مش عارفة ولا قادرة أتخطاها بسهولة.
اقترب منها سليم وجلس بجانبها وهو ينظر في زاويتها. قال بعشق: يمكن عاشت معايا اللي عشناه سوا، بس إحساسي معاكي مختلف. إنتِي حاجة تانية، إنتِ...
ماسة بمقاطعة بوجع يفتك بقلبها: أنا عارفة، عارفة إني حاجة تانية. (مسحت دموعها بنبرة مقهورة) افتكرت أول يوم جوازنا، لما قلتلي إنتِي مختلفة وأنا افتكرت بهبلي إنك كنت متجوز، وإنت قلتلي لا، ومارضيتش تتكلم علشان ما تجرحنيش...
ارتسمت على شفتيها نصف ابتسامة ساخرة بوجع. أكملت:
تصور إنك طلعت معترف لي من أول يوم وأنا ما أخدتش بالي!!
بس حتى لو إحساسك مختلف معايا، وإن مشاعرك معايا حاجة تانية، بس الموضوع نفسه وجعني أوي يا سليم... مش قادرة أتقبل إن ده حصل بينكم وقبلي كمان. مش قادرة أتحمل إحساس إنها عرفت وحفظت تفاصيل كل حتة فيك، الحاجات اللي كان المفروض أنا بس اللي أحسها وأشوفها وأعرفها وتبقى بتاعتي لوحدي. كان نفسي أكون أول شخص في حياتك. المشكلة إنها مش هي بس، فيه كتير غيرها، والمشكلة الأكبر إني مش عارفة لما أشوفها هبقى أزاي؟؟ وأنا عارفة إنها شاركتني فيك. مقهورة أوي وموجوعة أوي.
كان يستمع لها سليم بتأثر شديد، بقلب يعصف من الحزن لإنها تشعر بهذا القهر والوجع داخل قلبها بسببه...
ركز النظر في ملامحها بتدقيق وهو يمسك يدها بحب.
سليم بمهاودة: يمكن مكنتش أول واحدة، بس أوعدك إنك هتكوني آخر واحدة. بالرغم إنه بالنسبة ليا معتبرها أول مرة، لأن المشاعر والأحاسيس أهم بكتير. ما فهمتش ده إلا معاكي. أنا معاك اكتشفت وفهمت وحسيت حاجات عمري ما عشتها إلا معاكي إنتِي وبس. أنا كمان كنت باتمنى تكوني البنت الوحيدة في حياتي، وبقول ياريتني كنت عرفتها من زمان، بس خلاص أنا نسيتهم لإنهم أخطاء سابقة في حياتي اللي مش حابب أفتكرها حتى.
،
نظر داخل عينيها بحزن واعتذار أضاف:
أسف يا ماسة إني عيشتك كل الوجع ده. عارف إنه مش ذنبك تتألمي من أشباح الماضى اللي كل شوية بظهروا. بس أعمل إيه؟ حياتي قبل منك كلها حاجات إنتِي مش هتحبيها، وحياتي بعد ما عرفتك حاجة تانية خالص. عشان كده بتمنى إنك تحاسبيني من وقت ما عرفتك، وقت ما شفتك لما رشدي ضايقك، لكن قبل كده، غمضي عينك عنه. عارف إنه صعب بس حاولي.
هزت ماسة راسها بإيجاب بنبرة موجوعه عقلانية: أنا عارفة إنك مخلص ليا يا سليم وواثقة في ده. وفهمت من كلامك إن حياتك السابقة ماكنتش حلوة. المشكلة إني كنت بتمنى حاجة مش موجودة، ياريتني ما عرفت، وفضلت فاكرة إن أنا بس.
واصلت بتعجب وضيق:
بعدين موضوع إنها حملت منك وإنت خليتها تموت البيبي، ده لوحده كارثة. مش قادرة أصدق. إنت إزاي تعمل كده؟؟ إزاي تطلب منها تموت ابنك؟ أصلاً اللي كنت بتعمله وعايشه معاها من غير جواز ده حرام كبير اسمه زنا، كمان تقتل ابنك!!! ما فكرتش إن ممكن يكون ربنا موت ابننا بسبب اللي عملته زمان؟ إنت إزاي تعمل حاجة حرام كده؟؟ إزاي تكون بالقسوة دي؟؟
قرب سليم وجهه من وجهها باتساع عينيه، بعين تملأها الدموع وهو يتكلم: أنا عملت كل حاجة حرام وغلط ممكن تتخيليها وما تتخيليهاش، لأني عمري ما فكرت في الحلال والحرام، الصح والغلط... المهم إني سليم عايز ده، وشايفه صح. بعدين أنا ماتربتش على الحلال والحرام زي ما قولتك قبل كدة، و أكبر غلطة كان ممكن فايزة هانم تحاسبني عليها، إني أضرب الشوكة في الطبق وأنا باكل ويطلع صوت، إني مسكت شوكة المكرونة وأكلت بيها الرز!!!
تفتكري واحد زي اتربى تربيتي هيفكر في اللي بتقوليه ده؟؟
بعدين متقلقيش، يستحيل البراءة دي تتاخد بذنبى، وربنا يعاقبها على غلطة أنا اللي عملتها. ربنا رحيم، مابيخدش حد بذنب حد، خصوصًا لو طاهر زيك.
ماسة: طب ليه خلتها تموته؟
سليم بتنهيدة عميقة، عيونه تحمل مزيجًا من الحزن والإصرار: أنا قولتلك قبل كده إني كنت مختلف، كنت حاجة تانية، ليا أهداف تانية..
يحرك يده قليلاً وكأنه يعبر عن شيء ثقيل على صدره أضاف:
كنت عايز أكون سليم من غير الراوي، اسمي يتعمل له ألف حساب، من غير اسم العيلة. كنت بشوف الدنيا من منظور واحد، وهو منظور سليم الراوي..
يركز نظره عليها، عينيه تلمع بصدق أضاف:
أنا ما طلبتش من لورجينا تنزل الطفل عشان استبداد مني! لا أبدًا. بس قوليلي: أخلف إزاي من واحدة هي كمان شايفة الحياة من نفس المنظور؟
ما كانش ينفع. هي مش هتقدر تديني اللي أنا عايزه، ولا أنا هقدر أديها اللي هي عايزاه. وفي الآخر الطفل الصغير ده هو اللي هيدفع الثمن، ويبقى نسخة أنا مش عايزها. مش عايز ابني يتربى وسط اتنين حياتهم كلها غلط وحرام. أنا كنت دايمًا حاسس إني محتاج حاجة مختلفة. حد مش شبهي ياخدني من الوحل اللي عايش فيه، من الحياة اللي عمري ما كنت سعيد فيها، بالرغم من الفلوس الكتير، والسلطة والقوة، وكل حاجة بملكها.
أبتسم ابتسامة صغيرة وكأنها تمثل أمله في المستقبل:
ولما شوفتك، اتأكدت إن السعادة مش في كل دول. إنما السعادة، إنك تلاقي نفسك، لما تقابلي إنسان معين، وقتها بيخلي لكل حاجة معنى وطعم. أنا قولتلك قبل كده، وهقولها لك تاني: إنتي بس اللي حبيت معاها الحب والاستقرار والحياة الزوجية السليمة. وإن يكون ليا أطفال، مش طفل واحد، وأبني وأسس معاها العيلة اللي بتمناها. أنا بتغير وهاتغير وهأكون الإنسان اللي يستحق قلب ماسة الأبيض البرئ، بس محتاج منك شوية صبر.
مد يده بلطف ومسح على خدها بحنان، بنبرة أكثر هدوءًا بابتسامة جميلة:
خلاص بقى، عرفتي كل حاجة؟ أضحكي، خليني أشوف ضحكتك اللي بعشقها. حرام والله الوش القمر ده يكون باهت كده، والعيون اللي شبه اللؤلؤ دي تبقى حمرا كده.
ماسة بتذمر طفولي: إنت السبب.
سليم بغزل ولطف: ما أنا عمال أصالح فيكي من إمبارح وأفهمك، ده أنا نمت على باب أوضتك زي شحات الغرام عشان تفتحي باب جنتك ليا. (بأمر مازحها) أضحكي.
ماسة بعند: لا، مش ضاحكة، ومتشخطش كده. لسه زعلانة.
سليم بمزاح لطيف: ده إنتي بقيتي قاسية أوي. شكل الكام سنتي اللي طولتيهم جمدوا قلبك.
ماسة بمزاح: آه أوي، ولسه هأطول تاني، خد بالك، خاف.
تبسم سليم بخفة وقال بغزل: التمرد يليق بيكي، أيتها الساحرة الصغيرة (وضع قبله على خدها)
ماسة: هسألك كام سؤال وترد عليا عشان نقفل الموضوع ده وأصالحك. ممكن؟
هز سليم رأسه بالموافقة: ممكن طبعًا، إنتي تؤمري. اتفضلي.
ماسة: آخر مرة عملت كده كانت إمتى؟
سليم وهو يتذكر: تقريبًا قبل ما أعرفك بكم شهر، حاجة زي كده. بس ده قبل ما أعرفك، مش بعد ما نتجوز. ركزي، ها!
ماسة بابتسامة: مركزّة وفهمت إنك قطعت علاقتك بكل البنات من أول ما عرفتني... شكلهم كانوا كتير؟
سليم وهو يهز رأسه نافيًا: لا، مش بالصورة دي، وماكانش مع أي حد هما اتنين غير... ولورجينا.
ماسة بفضول: في حد أعرفه؟
سليم: آه، شاهندا، لكن الباقي ما تعرفيهمش. ولو صادف وقابلت حد فيهم، هاقولك. وعد... اتفقنا؟
ماسة تهز رأسها موافقة: طيب، حد غير لورجينا حمل منك؟
سليم: تقريباً لا.
ماسة باستغراب: يعني إيه؟
سليم: يعني ما فيش واحدة جت قالت لي: "أنا حامل يا سليم" غير لورجينا.
ماسة بسخرية: اممم... يعني أحضر نفسي نفسيًا لو بعد كام سنة جه طفل بيجري عليك وبيقولك "بابا"، ما أتخضش وأتعامل عادي؟
سليم مبتسمًا: هههههه، مش هتحصل... أنا متأكد.
ماسة: كنت مع لورجينا كام سنه؟
سليم: 3 سنين، بس علاقتنا في البداية كانت عادية. ما حصلش بينا كده غير آخر سنة، وما كانش بيحصل كتير. مش زيك خالص. ها... أي سؤال تاني؟ أنا مستعد.
ارتسمت على شفتيه ابتسامة جميلة وساحرة.
عقدت ماسة بين حاجبيها بتعجب: بتضحك ليه؟
سليم: أول مرة أقعد أحكي تفاصيل بالشكل ده.
ماسة: خد على كده.
سليم ضاحكًا: أخدت خلاص... ها، في أي سؤال تاني يا ماسة هانم؟
ماسة ببراءة: مش عارفة، بس لو جه سؤال في دماغي هاقولك. طب إنت زعلان مني؟
سليم بتعجب: أنا؟!!
ماسة ببراءة: اممم... يعني عشان زعلت منك وحصلت مشكلة بينا وصلت إنك تنام برة الأوضة.
سليم وهو يمسح على شعرها مرورًا بخدها بنظرات عاشقة: حقك تعملي أكتر من كده كمان. المهم، أوعي تكوني إنتي اللي لسه زعلانة مني.
ماسة تهز رأسها نافية: لا، خلاص مش زعلانة. هو كان سوء تفاهم. وأنا فهمتك إيه اللي كان جارحني. عموماً... إنت اخترتني أنا، وأنا اللي بقيت مراتك، وسبتهم كلهم، وفضلت معايا.
سليم وهو يقرص خدها بداعب: بالظبط... خليكي حاطة الجملة دي قدامك على طول... اتفقنا؟
ماسة بابتسامة ساحرة: اتفقنا.
سليم بسعادة: وأخيرًا... الشمس رجعت تشرق تاني بعد غيم طويل.
فتح ذراعيه بابتسامة عريضة ترتسم على شفتيه. تبادلت ماسة معه الابتسامة، اقتربت منه، وضما بعضهما بقوة كبيرة.
أخذ سليم نفسًا عميقًا، وكأنه استطاع أخيرًا أخذ أنفاسه: عشقي، ممكن أطلب منك طلب؟
هزت ماسة رأسها بالإيجاب وهي بين أحضانه.
سليم: ممكن بعد كده، لو حصل بينا أي زعل، أوعي تخلي الموضوع يوصل لأوضة النوم؟ يعني ممكن نعمل أي حاجة، بس ما ينفعش نفضل زعلانين لتاني يوم، ولا ننام بعيد عن بعض. اتفقنا؟
هزت ماسة رأسها بنعم وهي تحتضنه.
ماسة وهي بين أحضانه: سليم، أنا بصدقك... بصدق كل كلمة بتقولها وبثق فيك. ممكن توعدني إنك هتفضل تحبني ومستحيل تلمس أو تقرب من واحدة غيري لحد آخر العمر؟ أوعدني.
سليم بعشق: أنا سليم عزت محمد الراوي بأوعدك إني هفضل أحبك وأعشقك لآخر لحظة في عمري. ومستحيل ألمس واحدة غيرك. كل ستات العالم محرمين عليا زي أمي وأختي... تحبي أقولها لك تاني؟
هزت ماسة رأسها بالموافقة بابتسامة عريضة.
سليم بنبرة عاشقة وهو يتكئ على كل كلمة:
أنا سليم عزت محمد الراوي بأوعدك إني هفضل أحبك وأعشقك لآخر لحظة في عمري. ومستحيل ألمس واحدة غيرك. سليم لماسة وبس.
ابتعد عنها قليلاً وهو يضم كتفيها بكفيه، ونظر في عينيها بعشق، وأكمل: سليم ملك لماسة وبس... والله العظيم.
نظرا لبعضهما لثوانٍي بابتسامة رقيقة عاشقة. وضع سليم كفه على خدها، اقترب منها ووضع شفتيه على شفتيها. تبادلا قبلة عاشقة عميقة مليئة بالحب. وبعد دقائق ضمها بقوة شديدة.
ماسة وهي بين أحضانه: أنا بحبك أوي... وباغير عليك أوي أوي. أنا أصلاً بتضايق لما بشوفك بتحضن إخواتك.
أبعدها سليم قليلًا ونظر إليها بابتسامة حب: اممم، بقيتي امتلاكية زي سليم؟
ماسة بابتسامة: وأكتر منك كمان. تعال بقى نام وارتاح شوية.
سليم بابتسامة: أنا فعلاً محتاج أنام... حاسس إن ظهري انكسر. بس بشرط... هتنامي جوّا حضني.
ماسة بتلقائية: من غير ما تقول... يلا قوم.
نهضا وتوجها للفراش. توقفا كلاهما في اتجاهين مختلفين للحظة، ينظران لبعضهما بعشق وشوق. خلع سليم قميصه وألقاه بعيدًا، ثم استلقى على الفراش. استلقت ماسة بجانبه، وضعت رأسها على صدره، وأحاطت ذراعيها حوله. أحاط هو بذراعيه على جسدها، وقبّل جانب جبينها بحنان. لم تمضِي سوى دقائق حتى ذهبا في سبات عميق.
🌹_______ بقلمي_ليلة عادل_______🌹
مجموعة الراوي
مكتب عزت الثانية عشر ظهراً
نشاهد نانا تجلس خلف مكتبها وهي تكتب على جهاز الكمبيوتر، وبعد دقائق دخلت عليها فايزة.
فايزة: عزت باشا جوة.
رفعت نانا عينيها وتوقفت باحترام: لا يا فندم هو نزل يمر على الشركات لإن سليم بيه ماجاش.
فايزة: طب أنا في مكتبه، اعملي لي قهوة.
توجهت فايزة إلى المكتب ودخلت. نظرت نانا لأثارها من أعلى لأسفل بضيق وغيرة.
بعد وقت
جاء عزت واقترب من المكتب وهو ينظر إليها بغزل.
عزت: ها، حد سأل عليا؟
نانا: لا.
عزت: سليم جه؟
نانا: لا، ماجاش. واتصلنا بيه بس ما بيردش.
عزت: طيب (نظر لها بغزل) بقولك فضي باقي اليوم عشان نروح سوا، وأعملي حسابك هتسافري معايا روما الأسبوع الجاي، أنا الأول وإنتي بعدي بيومين هتروحي دبي ومن دبي هتجيلي عشان نقضى شهر العسل يا عسل .... غمز لها
نانا بضيق: فايزة مستنياك جوة.
عزت: من إمتى؟
نانا: نص ساعة.
عزت: طب كلمي سليم تاني. (غمز لها)
توجه حيث الباب وفتحه ودخل. فور اقترابه قال:
عزت: سليم فين؟
فايزة: مش هيجي.
اقترب وجلس على المقعد المقابل لها وفتح أزرار بدلته.
عزت: هو إللي قالك؟
فايزة بتوضيح: تؤ، بس منظره وهو نايم على باب أوضتها بيقول كده.
عزت بملل: أنتم مش هتبطلوا بقى اللي بتعملوه؟ خلاص حاولتوا وفشلتوا، اقتنعوا بقى إنكم خسرتوا المعركة.
تمعنت فايزة به: شيفاك من وقت ما نزلت الطفل وإنت متغير واوعى تقولي عشان صافيناز والهبل ده هات من الاخر في ايه.
عزت بعملية: بصي يا فايزة، خلينا متفقين إن أنا ماببصش للمظاهر زيك. يعني الموضوع مش عاملي أزمة كبيرة، مش كارثة كونية إن سليم اتجوز خدامة، ومادام هي مش مسببة ليا أي مشكلة خلاص. الحقيقة إن ماسة مش مسببلنا أي خطر. البنت من ساعة ما اتجوزت سليم وهي في حالها، بل بالعكس بتحاول تقرب مننا وتتغير. ماسة إللي شوفتها بعد كام يوم جواز، غير ماسة إللي شوفتها في أمريكا، غير إللي دخلت القصر من ١٠ شهور، غير بتاعت دلوقتي، وكل فترة هتتغير أكتر. فخلاص بقى، كفاية، خلينا نحاول نتقبلها. سليم مش هيسيبها مش بس عند، كمان حب.
فايزة بضجر ممزوج بشدة: بقولك إيه، خرج نفسك من الموضوع ده. البنت دي هتمشي من القصر ومش هتفضل فيه ولو على موتي.
تنهد عزت باختناق: أعملي اللي إنتي عايزاه، المهم سليم مايخدش باله ومايحسش بحاجة عشان أنا معنديش استعداد أخسر جنيه واحد تاني
فايزه تبسمت فايزه بانتصار وهي تلعب في شعرها: مش بقول لك قربك منها وقولي لي يا بابا وتقارن نفسك بمجاهد الفلاح الجربوع، بعشان المصلحه ده مش أكتر تنول رضى سليم، بالاخص بعد معرفت طريقه عقاب لمنى وعماد، إحنا مش عشره يوم يا عزت ده احنا عشت اكثر من 35 سنه.
.نهض عزت بضجر دون رد
نظرت له فايزة بإستغراب: رايح فين تاني؟
عزت: مادام سليم مش جاي، هروح الاجتماع مكانه. ياريت تبلغيه إنه يحضر معانا العشاء النهاردة عشان عايز أتكلم معاه. إنتي كنتي عايزة حاجة؟
فايزة بتأكيد: عايزاك ما تديش أي صلاحية لمنى إلا لما ترجع لي لحد ما نتكلم مع سليم ونفهم.
عزت وهو يهز رأسه نعم: خلاص هقول لنانا أي ورقة تخرج من مكتب طه تيجيلك الأول اهم حاجه خليكي هاديه وعاقله اوعي تبيني قصاد صافيناز أنك عرفتي حاجة لحد مانقعد مع سليم.
هزت راسها بإيجاب... توجه للباب، وكانت فايزة تراقبه بعينيها. وأثناء خروجه من الباب، تقابل مع صافيناز.
صافيناز بتساؤل: إيه، رايح فين؟
عزت: أحضر الاجتماع بدل سليم.
صافيناز: طيب، عموما رشدي وعماد سافروا السويس عشان يستلموا الشحنة.
عزت: ماشي.
نظرت لها بإستغراب ثم تقدمت نحو فايزة وجلست أمامها وهي تسأل: مال الباشا؟ شكله متضايق، في حاجة حصلت؟
فايزة: تؤ، بس عزت بدأ يتضايق من اللي بيحصل في القصر.
صافيناز وهي تضع قدمًا على قدم: تقصدي اللي حصل النهاردة على السفرة وسخرية رشدي من سليم؟
فايزة: لدرجة إنه طلب مني إن إحنا نوقف ونتقبلها، بس أنا وقفته عند حده.
صافيناز: طب خلينا نشتغل من ورا الباشا، لإن أنا كمان حاسة إن الباشا مش عاجبه اللي بيحصل من ساعة ما خلينا ماسة تنزل البيبي.
فايزة بضجر وعتاب: خطتك فشلت وأنا كنت متأكدة إنها هتفشل وحذرتك. فضلتي تقوليلي إن أكثر حاجة بتخلي علاقة الست والراجل تتهز بينهما لما الشك وعدم الثقة يدخل بينهم، وأنتِ كده نبشتي في الماضي وجبتي لورجينا وعرفنا ماسة كل حاجة، وكل علاقات سليم السابقة ومعملتش حاجة. وأنا أهو بقولك النهاردة، سليم مش هيبات في القصر، وهياخدها ويروح المزرعة، ومش بعيد ياخدها يومين ويسافر. النومة اللي كان نايمها قدام باب الأوضة تعرفك إن العلاقة دي أكبر بكثير من لورجينا وماضي سليم. إحنا لازم نشوف حاجة أقوى من كده، لازم نخليها تشوف الوش الثاني لسليم، بس ده للأسف هيحتاج منا وقت وتركيز أكبر خصوصًا إن عزت دلوقتي بقى محايد.
ارتسمت على شفتي صافيناز ابتسامة شيطانية وتحدثت بنبرة ثقة: عارفة مشكلتك إيه؟ إنك مستعجلة، بالرغم من إني قولتلك إن الموضوع مش بالسهولة اللي إنتِ فاكراها وإنه هياخد وقت، بعدين، مين قال إن إحنا فشلنا؟! في حاجة اسمها previous histor (تاريخ سابق).
تاريخ سليم مع ماسة هنخليه كله تشوهات. أنا كنت متأكدة إن الموضوع ده ماكنش هيعمل نتيجة كبيرة، وكنت عارفة إنهم هيصالحوا على طول. ده أنا ماكنتش أتوقع إن هي توصل بيها الجرأة وتنيمه برة الأوضة. أنا قولت آخرها يعني كام ساعة ويتصالحوا. وسبق وقلتلك الكلام ده لما اتريقتي عليَّ وقولتيلي: "دي الخطة هتفشل"، بس أنا مصممة إنها هتنجح. مامي فاكرة مجموعة (أنور الشواف)؟ فاكرة كيف خسر كل حاجة؟ لما دمرنا سمعته في السوق، فضلنا نطلع إشاعات كثيرة، في فترات متباعدة، منها الصح ومنها الغلط. وبعدين نزلنا بتقلنا لحد ما بقى عنده تاريخ أسود. وبعد ما خسر كل شيء وحب يرجع تاني! ما حدش قبله ولا قدروا يثقوا فيه... ليه حصل ده؟! لأنهم رجعوا للماضي لاقوه كله أسود في أسود، ووقتها ولا عرف يبني نفسه من أول وجديد، ولا عرف يعيش حياته طبيعي، وانتحر. وطبعا دي كانت فكرة الأمير الصغير (بسخرية)، سليم أفكاره شريرة أوي، بس سبحان الله أهو داق نفس السم. هو ده نفس السيناريو اللي أنا نويت أعمله مع سليم وماسة. سياسة تشويه السمعة، تشويه الشخصية. ماسة لازم هي اللي تكره سليم. إحنا هنعرف نلعب على ماسة، لكن مش هنعرف نلعب على سليم. إحنا دلوقتي رمينا أول طوبة إن سليم مش صادق في كلامه، هنستنى شوية وبعدين هنخليها تكتشف حاجة تاني برده مخبيها عليها. وطبعًا لما تيجي تسأله: "أنت ليه مقولتش؟" أكيد هيقولها أي حجة، زي إنه نسي مثلا. ده غير طبعًا هنحاول نخلي ماسة تعمل حاجات تخلي سليم يضربها. وإنتِي حافظه ابنك لما بيوصل لحتة معينة في العصبية ما بيشوفش قدامه، وأنا متأكدة إنه ضربها بس بتكدب. كل الحكاية عشان نخلص من ماسة بعد المنظر اللي إنتِي بتحكي عليه ده، هياخد مننا وقت. هي سياسة النفس الطويل اللي هنتبعها معاهم. هنعمل إيه؟ مفيش قدامنا غير كده، نتحمل النهاردة عشان بكرة نرتاح. أنا وعدتك إني هخلي سليم يطلق ماسة ويرميها في الشارع اللي جت منه، وأنا قد الكلمة اللي قلتها. خليكي واثقة فيا.
فايزة: طب الخطوة الجاية إيه؟
صافيناز: سبيني أرتب لها علشان سليم ميشكش في حاجة.
هزت فايزة رأسها بنعم.