رواية الماسة المكسورة
الفصل الثالث الاربعون 43 ج2
بقلم ليله عادل
_مكتب عزت
نشاهد عزت جالسًا خلف مكتبه، وصافيناز وفايزة تجلسان على المقاعد الأمامية للمكتب، وكانت فايزة تتحدث في الهاتف وهي تفتح الميكروفون.
فايزة بتعجب: متأكدة يا سهير؟ يعني سعدية قالتلك كده إن ماسة رفضت تسمع كلامها؟
أتاها صوت سهير من الاتجاه الآخر:
سهير: آه والله يا ست هانم، أمها هتتجنن منها ودعت عليها، والله يا ست هانم لو كنت أعرف أسجلك كنت سجلتلك المكالمة. بس أمها مش طايقاها، وكانت عايزة تضربها لولا سليم بيه دخل عليهم الأوضة.
فايزة بضيق: طب يا سهير، أقفلي.
أغلقت الهاتف وهي تقول: بردو انتصرت علينا وتحسبتلها زفرت بضيق.
توقف عزت بضجر: وصلت بيكي إنك تتفقي مع الخدامين على مرات ابنك؟ للدرجة دي جواز سليم جننك؟ خلاكي تتصرفي التصرفات الطايشة دي؟! ويخليكي تتنازلي وتقعدي مع خدامة؟ وتتناقشي مع خدامة زي مرات ابنك! اللي مش قبلها، ده إنتي بتتكبري تتكلمي مع ماسة اللي بقيت على اسمنا، فتتكلمي مع دي سبحان الله ...
وطبعًا الفكرة دي يستحيل تكون فكرتك. أنا حافظك كويس...
وجهه نظرات عينه إلى صافيناز: طبعًا دي فكرة الأستاذة. ماهي ماورهاش أي حاجة غير إنها تفكر إزاي تخلي سليم يطلق ماسة بدل ما تفكر إزاي تبقى ذراعه اليمين وتتعلم منه، وتمسك لها شركة من الشركات أو تعمل لها مشروع باسمها... لا تقعد تفكر وترتب إزاي تطلق ماسة من سليم!
تصدقوا ماسة دي طلعت بنت شاطرة وذكية جدًا، قاعدة في حالها وحاطة حدود لنفسها وعايشة حياتها مع جوزها بسعادة، ولا بتفكر فيكوا ولا أنتم شاغلينها بالعكس هي إللي شغلاكم...
ماسة الخدامة الجاهلة إللي ما كملتش ١٧ سنة خلت فايزة وصافيناز يلجأوا لخدامة عشان يخلوها تتطلق...
أنا أنا أنا لحد اللحظة دي بحاول أصدق إللي عملتوه.
ضرب على المكتب بكفيه بقوة وقال بنبرة حادة رجولية:
اسمعوا بقى إنتوا الإتنين الفرمان الجديد
ماسة من اللحظة دي اسمها ماسة الراوي مرات سليم الراوي وهتبقى كنه القصر... أنا تقبلتها زوجة لابني إللي هيورث العرش والملكة الجديدة، ومش مصلحه يا فايزة المره دي حقيقة...
أنا إللي خلاني أمشي معاكم للآخر؟ إنكم قلتوا إنها طماعة واتجوزت سليم عشان الفلوس وهتفضل تزن على دماغه لحد ما يكتب لها جزء من الأسهم... بس هي ولا طلبت ولا عاوزة حاجة، ولا حتى تعرف عنوان المجموعة..
كادت فايزة أن تنطق، لكن عزت أسكتها بحسم:
خلاص، أنا مش عايز أسمع صوت ولا عايز أسمع ولا كلمة ولا عايز أي مؤامرة تاني... لو سمعت أو حسيت إنكم أنتم الإثنين أو حد تاني فكر يعمل المسرحيات الرخيصة دي تاني، أنا همشيه من القصر وهخليه يتنازل عن كل حاجة. ولو وصلت للطلاق يا فايزة هعملها، لأني تعبت وزهقت... أنتِ خليتيني الغلط زمان ومشيت سليم من المجموعة وخليته يتنازل عن كل حاجة، وإللي كسبته إنهيار كامل للمجموعة لإن اعتمدت على شوية فشلة... وتاني مرة لما وافقت إنكم تقتلوا حفيدي... وثالث مرة لما سبتكم تجربوا وتحاولوا تشوفوها طماعة ولا لأ...
وبصراحة المحاولة دي اتحسبت للبنت وأثبتت إنها عايزة سليم وبس لأنها بتحبه...
ولعلمكم بقى، أنتم الإثنين حتى سعدية شكلها مش طماع، بس أنتم إللي حطيتوا الموضوع في دماغها...
لأنها لو كانت طماعة كانت عملت الخطوة دي من زمان... الناس دول كل إللي فارق معاهم إن بنتهم اتجوزت جوازة حلوة من راجل محترم ومثقف متعلم وشكله حلو ومعاه فلوس يقدر يعيشها عيشة كويسة زي ما كل أفراد الطبقة دي بيفكروا، مش بيفكروا زينا في اسم العيلة وعنده كام!
طريقتهم في التفكير انهم يحافظوا على كل ده بالاطفال، يعني هي هدفها تخلي ماسة تجيب طفل عشان تربط سليم بيها للأبد، عشان تفضل محافظة على الجوازة دي وعلى الحياه الحلوة دي، هي فكرة ساذجة بس هي دي طريقتها في تفكير، هو مش طمع هو ذكاء..
وهو ده آخر حاجة عينيها ممكن تشوفها أو عقلها يفكر فيها، بس أنتم فتحته عين سعدية على حاجه هي ما كانتش بتفكر فيها، بس ماسة كالعادة هتد لكم أملكم ورفضت تنساق ورا العبكم القذرة ..
ركز النظر في ملامح وجههم قال متعجباً:
هو أنتم مش حاسين إنها من ساعة ما حطت رجليها هنا وأنتم عمالين تحفرولها، وكل حفرة أنتم اللي بتقعوا فيها، مش قادرين تفهموا أن صعب تفراقهم؟ وأن المرة الجاية الحفرة دي أنتم اللي هتقعوا فيها فـارجوا أنكم ما تخلونيش أنا اللي أدفنكم فيها بايدي..
بتهديد وجه نظراته نحو صافيناز: صافي لازم تعرفي إن إنتِ مش هتكوني عندي أغلى من سليم. أنا بكلمة واحدة مشيت سليم من هنا، صدقيني مش هافكر مرتين وأنا باخد قرار إني أطلعك بره القصر إنتِ وجوزك، ومش هاندم للحظة مش بس كده هسحب منك كل حاجه وابقي خلي البيه جوزك يوريني هيعمل ايه؟!
عاد النظر الى فايزة قائلا بتهديد صريح:
أما إنتِ يا فايزة، لو استمريتي على إللي إنتِ بتعمليه ومشيك ورا ولادك، هتخسري كتير أوي، تسميها بقى مصلحه! تسميها خوف من سليم تسميها أن ضميري صحي! ما يهمنيش التسميه؟! انا كل يهمني انا عايز اعيش بسلام ومخصرش تاني جنيه واحد من المجموعة...
وتاني اي لعب هيحصل من اي حد فيكم، هخلي رجالتي ترميه بره القصر، و هسحب اسم الراوي من اسمه وهدمره، فاهمين يعني ايه هدمره، أتمني أن كلامي يكون أتفهم.
رمقهم من أعلى لأسفل وأتحرك للخارج.
وفور خروجه...
فايزة بغل: عزت اتجنن.
صافيناز بتوتر وخوف وهي تمسك معصمها: مامي بجد ممكن يمشيني من القصر ويحرمني من الميراث؟
فايزة بتوتر: أنا عارفة عزت لما بيوصل للعصبية دي ما بيهزرش. هو زي سليم، سليم وارث الموضوع ده منه، أنا عارفة... صافيناز، بقولك إيه؟ إحنا عايزين نوقف كل حاجة خلاص... جربنا كل حاجة وكل مرة بتكسبنا...إحنا مش هنعمل حاجة تاني، إحنا إللي عايزين نعرفه عرفناه، بالنسبة لي ده الأهم. وكمان مش كاتبلها أي حاجة باسمها غير الفيلا... المهم إن إحنا مانخسرش عزت ولا سليم.
صافيناز بغل: يعني خلاص هنستسلم ونرضى بماسة تكون مرات أخويا؟ خلاص انتصرت علينا؟
فايزة بتحذير: هنعمل إيه؟ هتقدري تقفي في وش عزت؟ ها...
صافيناز بخوف هزت راسها بلا: بس مش قادرة اقبل ان ماسة فازت علينا.
فايزة نظرت لها داخل عينيها وهي تشير باصابع يديها بتحذير حاسم: صافي وأوعي تتدخلي ولا تعملي حركة كده ولا كده. أنا مش هدافع عنك، الطوفان هيبدأ وساعتها أنا ما ليش دعوة بيكي... أنا ماعنديش استعداد أتنازل عن كل إللي أنا فيه
قصر الراوي
الليفينج روم السابعة مساءً
نشاهد ماسة تجلس على أريكة تشاهد أحد الأفلام...
بعد قليل دخل عليها ياسين يحمل أكواب من العصير
ياسين: اتفضلي يا ستي العصير بقول لك ايه هتتفرجي على الفيلم بتاعك وهتجيبي لي الماتش.
ماسة ضحكت: حاضر يا سيدي أول ما الماتش يجي قولي وأنا هخلع وميرسي على الرشوة.
ياسين: إنتي عاملة ايه؟ أخبار الدراسة ايه؟ سنة كام بقيتي دلوقتي.
ماسة: داخلة أولى اعدادي وتانية اعدادي مع بعض.
ياسين بتشجيع: برافو
أثناء حديثهما اقترب سليم توقف لحظة عند الباب. كان يحاول استيعاب الموقف. نظر لماسة قليلاً، ثم قال بهدوء.
سليم: مساء الخير.
ماسة بابتسامة هادئة: مساء النور.
ياسين: سليم تعال ماسة عاملة مهلبية بالفراولة جامدة.. بجد تسلم ايدك.
ماسة: ألف هنا.
رن هاتف ياسين توجه للخارج اقترب سليم من ماسة
أخبارك ايه؟
ماسة: تمام.. نظرت بخبث تريد معرفة مدى تأثره بجلوسها مع ياسين.. قالت: إنت كويس؟!
سليم تبسم: اممم تمام يا عشقي.. هطلع أغير هدومي وأنزلكم.
وضع قبلة على جبينها وخرج
دخل ياسين مرة أخرى الغرفة.. وأثناء صعود سليم الدرج استمع لصوت ضحكة ماسة وياسين.
توقف للحظك لكنه تنهد وأكمل صعوده ولم يعلق فقد نجح سليم بتجاوز الموقف..
بعد مرور بعض الوقت، انضم سليم إليهم وجلس ليشاهد المباراة. كانت الأجواء بينهما لطيفة، ولم ينزعج أو يغير من حديث ماسة مع ياسين أو مزاحها معه، بل بدا هادئًا على غير عادته.
في خلال فترة
ساد الهدوء في تلك الفترة حاملا نوع من الترقب والانتظار خصوصًا بعد القرار الحاسم الذي اتخذه عزت. هذا القرار خلق حالة من الحذر بين الجميع، وبدت الأمور كما لو كانت في حالة جمود.
أما ماسة، فكانت علاقتها بهبة و صديقاتها تزداد وتحديدًا مع ريتال التي أصبحت ترافقها كثيرًا في جلسات حفظ القرآن ومعهن سلوى، كانت تلك الجلسات تعتبر فرصة ليس فقط لتعميق الإيمان ولكن لتعزيز الروابط بين الجميع
من ناحية أخرى، تغير سليم بشكل ملحوظ، فقد أصبح أكثر هدوءً بعد جلساته مع دكتور مروان، مما ترك أثرًا إيجابيًا على علاقته بماسة.
أما مكي، فقد أظهر تغييرات في سلوكه، فقد توقف عن مراقبة سلوى كما كان يفعل في السابق. أصبح أكثر صبرًا وقوة، كان يتابع أخبارها من بعيد دون أن يتعرض لها بشكل مباشر.
في حين كانت سلوى سريعة التكيف مع الوضع، وظلت تتحرك بثقة، وكأنها لم تتأثر كثيرًا بالتغيرات من حولها.
ومع دخول النصف الأخير من شهر شعبان، قررت عائلة ماسة جميعاً،الذهاب إلى مكة لأداء مناسك العمرة. كانت هذه الرحلة فرصة لهم جميعًا للتقرب إلى الله، واستشعار الروحانية في أجواء مكة المكرمة،خصوصًا في الأيام الأخيرة من شهر شعبان.
أما هبة وياسين كانت علاقتهم في منتهى الجمال لكن فايزة كانت منزعجة من هبة بسبب علاقتها بماسة.
♥️____________ بقلمي_ليلةعادل.
قصر الراوي
حديقة القصر الخلفية السابعة مساءً
نشاهد ماسة وسليم وبعض الحراس وهم يعلقون الزينة الرمضانية في الحديقة، بما في ذلك الفانوس الكبير ..كانت. تجلس بعض أفراد العائلة في جانب الحديقة، ومنهم صافيناز، منى، عزت، وفايزة.
فايزة تعلّق: أول مرة أشوفك مهتم بالحاجات دي.
سليم: لأني أول مرة أجربها ألسنة إللي فاتت، لما عشت رمضان اللي فات مع ماسة، وحبيتها جداً، فحبيت أعيش الأجواء هنا كمان وعلى طول عندك مانع؟
عزت: على فكرة، الحاجات اللي إنت عاملها دي جميلة جدًا. بس يا ريت تكملوا رمضان معانا وما تقعدوش لوحدكم في فيلتكم.
ماسة: أنا اتفقت مع سليم نقضي رمضان هنا، و عند ماما. رمضان بيحب اللمة.
منى تبتسم بخبث: و يا ترى هتصومي؟
ماسة: آه طبعًا هصوم، أنا بصوم من وأنا عندي تسع سنين. وأنتي بتصومي؟
منى:أحيانًا.
ماسة بنبرة جادة: حرام على فكرة الصيام ده فريضة زي الصلاة.
منى بسخرية: ربنا يهدينا
ماسة ببراءة: إبدأي وصومي بكرة وانوي وادعي ربنا.. وباذن الله هيقدرك.
سألت صافيناز سليم: وانتَ بتصوم يا سليم؟
ردت ماسة بسرعة: آه طبعًا، سليم بيصوم وبيصلي كمان. إيه الغريب في كده؟
صافيناز بتبسّم: ما فيش حاجة غريبة. رمضان كريم عليكم.
سليم :عشقي خلينا نكمل.
ماسة تساءلت: علقت فانوس في البلكونه بتاعتنا
سليم: اممم وهلال كمان.
تبسمت فايزة بسخرية عليهم فتلك الأشياء بالنسبة لها تصرفات غير لائقة لكنها لا تستطيع أن تقول شيء...
********************
على السحور
اجتمع سليم وماسة مع فريدة وياسين وإبراهيم حول سفرة السحور. المائدة كانت عامرة بما لذ وطاب، وأحاديثهم تملؤها الألفة والود.
ياسين وهو يتناول كوبًا من اللبن: وعلى كده، هتفطروا هنا بكرة والا لا؟
ابتسم سليم ونظر إلى ماسة قبل أن يجيب:
لا، هنفطر عند أهل ماسة.
قاطعتهم فريدة بنبرة هادئة: أحسن بردو، واحنا كمان هنفطر عند حماتي. وأنت يا ياسين، روح افطر عند هبة. بابا وماما والباقيين مش هيصوموا.
أومأ ياسين برأسه: فعلًا عزمتني وهروح.
تدخلت ماسة بابتسامة خجولة: والله بفكر إننا نشجعهم يصوموا معانا. والله هنكسب ثوابهم، بس أنا مش هعرف أتكلم هيكون في حساسية. لكن انتم تقدروا تتكلموا معهم أحسن مني.
ضحكت فريدة برفق وقالت ممازحة: ما تحاوليش.
نظرت إليها ماسة بدهشة طفيفة وقالت:
ليه ما أحاولش؟ أنتم أقرب، لكن أنا مش هعرف، فريدة بجد جربي والله انا لو ينفع أتكلم معاهم كنت تكلمت بس انتي طبعاً عارفة مواقف قد ايه حساسة.
فريدة بابتسامة مشجعة: خلاص، أنا هكلم مامي وبابي وطه لكن الباقي صعب.
سليم مشجعا: ولا صعب ولا حاجة اتكلمي معهم ممكن كمان كم يوم نفطر كلنا مع بعض بس أنتي قوليلهم.
ابراهيم: خلاص انا هتكلم معاهم يا جماعة انا ليا كلام مع كل اللي هنا وبيتقبلوا كلامي.
سليم: خلاص تمام.
أكملوا سحورهم يتبادلون الأحاديث في اجواء دافئة
كان أذان الفجر يرتفع في الأفق، معلنًا بداية يوم جديد من رمضان. قام الجميع لأداء الصلاة، وأعينهم مملوءة بنية صيام الشهر كاملًا في أجواء روحانية دافئة.
---
جناح سليم وماسة
عادت ماسة مع سليم إلى جناحهما بعد السحور والصلاة. الأجواء كانت هادئة في الغرفة، وهما يتحضران للنوم.
سليم وهو يستلقي على الفراش: بقولك إيه، بكرة ما تكلمنيش غير بعد الفطار.
ضحكت ماسة بصوت خافت وهي تجيبه: ماشي.
ثم أكملت بابتسامة ناعمة: إيه، هنطلع العمرة في آخر رمضان زي ما اتفقنا؟
سليم بثقة:آه، خلاص. ظبطت التذاكر يوم 15 هنسافر.
ماسة وهي تغمض عينيها بهدوء: إن شاء الله.. تصبح على خير يا كراميل
سليم:وأنتي من أهل الجنة يا جنتي.
وأغلقت الليلة ستائرها على أحلام رمضان وأجوائه المفعمة بالخير والسكينة.
*********************
فيلا عائلة ماسة وقت الإفطار
كان البيت مليئًا بالحياة، والأجواء الرمضانية تغمر المكان بالدفء. جلس الجميع حول طاولة الإفطار، التي ازدحمت بالأطباق الشهية والروائح الطيبة. الأحاديث كانت تتنقل بين الضحكات والمزاح، بينما كان سليم يتأمل هذه الأجواء بنظرة يغلبها الحنين.
قالت سعدية، وهي تنظر إلى سليم بابتسامة أمومية:
والله يا سليم، أنت منورني. أيوه كده، تعالى دايمًا ونورنا.
ابتسم سليم ابتسامة حملت في طياتها امتنانًا وشوقًا لمثل هذه اللحظات، وقال:
إن شاء الله. أنا عارف إني مقصر معاكم جامد، بس غصب عني. الشغل والباشا زي ما أنتم عارفين بيثق فيا ورامي عليا الحمل كله.
مجاهد، وهو ينظر إلى سليم بابتسامة مليئة بالمحبة:ربنا يخليه لك، أنت الخير والبركة.
بس برده ما تقطعش.ابقى تعالى كده ونورنا. أنا عارف إن إحنا مش قد المقام، بس والله إحنا بنحبك.
ابتسم سليم، ثم عدّل من جلسته ونظر إلى مجاهد بجدية واحترام واضحين: مش قد المقام إيه، بلاش الكلام اللي يزعل.إنتم مقامكم عالي جدًا فوق راسي.ما تقولش كده تاني يا عم مجاهد.
توقف للحظة، وكأن الكلمات كانت تُنسج بعناية داخل قلبه قبل أن تخرج.تابع بنبرة صادقة
والله العظيم أنتم بالنسبة لي مش بس أهل ماسة، أنتم حاجة كبيرة جدًا في حياتي. مش هقول بابا وفايزة، لكن مقامكم عندي كبير...كفاية انكم السبب في وجود ماسة اللي نورت حياتي.
نظر إلى سلوى ويوسف وعمار، واضاف بابتسامة دافئة: وسلوى ويوسف وعمار كمان، أنتم بالنسبة لي زي إخواتي بالضبط.
ساد صمت قصير، لكنه كان محمّلاً بمشاعر عميقة. كلمات سليم لمست قلوب الجميع، خاصة مجاهد الذي بدا عليه التأثر، لكنه أخفى ذلك بابتسامة صغيرة.
قالت سعدية، وهي تضع العصير و البلح أمام سليم:
يا حبيبي والله العظيم كلمتك دي أكبر من أي حاجة. ربنا يخليك لينا وينور حياتك زي ما بتنور بيتنا.
مجاهد: والله يا سليم، ربنا يعلم إحنا بنحبك قد إيه.
عمار ابتسم وأضاف بلهجة ملؤها الحماس:
أيوة والله يا سليم، رغم إنك ما بتجيش كتير، يعني غير كل فين وفين، بس أنت عزيز جدًا على قلبنا. كفاية إنك مفرّح ماسة، وإنك السبب في حاجات كتير اتغيرت في حياتنا. وكفاية إنك خلّصتنا من المنصورة.
يوسف ضحك بخفة وقال: آه والله، كفاية منصور.
سليم الذي بدأ عليه الاهتمام بما يُقال، استند إلى الطاولة وقال بنبرة جادة ولكنها لم تخلُ من الدعابة:
واضح إن منصور كان مدمر حياتكم. لو كنت أعرف إنه مزعلكم بالشكل ده، كنت لعبت معاه لعبة الصياد... بس للأسف، بطلت ألعبها وتبت عنها. بس ما تزعلوش، أنا متأكد إن ربنا هيجيب لكم حقكم.
مجاهد رفع عينيه قليلاً، وكأن الذكريات تمر أمامه وقال بهدوء: الله يسامحه. كان إنسان ظالم، وربنا ما بيسيبش الظالم أبداً.
سلوى قطعت الحديث بابتسامة حانية، وقالت:
ما خلاص بقى، انسوا الحاجات الوحشة دي من الماضي. أنا بجد مبسوطة إن سليم بيحضر معانا رمضان السنة دي. رمضان اللي فات كان مالوش طعم من غير ماسة وحياة ربنا.
عمار نظر لماسة بابتسامة مازحة وقال:
الصراحة رغم إنك رخمة وأوقات بتقعدي تتفرجي على حاجات أرخم، بس وحشتيني!
نظرت ماسة إلى سليم وقالت:
عشان تعرفوا قيمتي ههه، أنا مبسوطة قوي إننا بنقضي معاكم رمضان المرة دي. رمضان اللي فات كان حلو، بس معاكم بيبقى أحلى مظبوط يا سليم.
سليم بتأييد: أكيد مظبوط.
ابتسم سليم لها، لكنه لم يستطع إخفاء ما يجول في داخله. كان يشعر بفراغ كبير في حياته الأسرية. منذ سنوات لم يعش مثل هذه اللحظات في بيته. أجواء الدفء العائلي التي لطالما حلم بها يجدها الآن بين عائلة ماسة.
مع أذان المغرب، بدأ الجميع بتناول العصير قبل أن يذهبوا للصلاة. جلس سليم في المسجد بجانب مجاهد، وكانت كلمات الإمام تلامس قلبه. شعر بطمأنينة عميقة، وكأن رمضان أتى ليعيد له بعض مما فقد.
بعد الصلاة، عاد الجميع إلى المائدة، حيث بدأت الأحاديث من جديد. كان سليم يحاول أن يخفي انبهاره بتلك الأجواء، لكنه داخليًا كان يعيش شعورًا مختلطًا من السعادة والحنين.
سلوى بابتسامة مشاغبة: قولي ياسليم رأيك إيه في الملوخية؟ عشان أمي دايمًا تقولي ملوخيتك وحشة وساقطة.
رفع سليم حاجبيه مستغربًا: يعني إيه ساقطة؟
ضحكت سلوى: يعني الملوخية تبقى واقعة تحت.
نظر سليم إليها للحظات وكأنه يحاول فك الشيفرة، ثم تذوق الملوخية وقال: هي عجباني، وحاسس إنها مظبوطة. إيه اللي أنتِ بتتكلمي فيه ده؟ أنا مش فاهم.
سلوى ممازحة: بص مش مهم تفهم المعنى، المهم انها شبه الملوخية اللي أنت بتاكلها على طول، واللي بتحبها من إيد أمي.
ابتسم سليم وأجاب: صراحة، هي حلوة، بس بتاعة طنط سعدية أجمل. أوعي تزعلي مني.
ضحكت سلوى: ماشي، ما حدش يقدر يقول حاجة على ملوخية سعدية.
قالت سعدية وهي تقدم له قطعة من البطة: كل يا حبيبي، والله العظيم أنت منورنا. لما ماسة قالت لي إنك هتيجي تفطر معانا أول يوم، والله فرحت. ما بقيتش عارفة أعمل لك إيه.
نظر إليها سليم بعينين ممتلئتين بالامتنان وقال:
تسلم إيدك يا طنط. الأكل كله رائع.
أكملوا الفطار بتبادل الأحاديث بمرح مع مشاهدة مسلسل بكار ومسلسلات أخرى.. ثم جلسوا في الراسبشن
قالت سعدية وهي تقدم له طبق الكنافة: كل ده بقى وادعيلي.
سليم بمزاح: طنط سعدية، الكولسترول بيدعي عليا.
ضحكت سعدية وربتت على قدمه بلطف:
كولسترول إيه؟ كل كل وأنا أعمل لك كوباية شاي تدوب كل ده.
ضحك سليم مع الجميع، لكنه في داخله شعر بنغزة خفية. لمَ يستطع أن يشعر بهذا الانتماء مع عائلته؟ لماذا دائمًا كانت الحواجز بينهم أكبر من أن تُكسر؟
عمار: سليم ليك في الكورة؟
سليم بابتسامة: مش قوي، بس بألعب باسكت أكتر. و بلعب سكواش كده، لكن بعرف ألعب كورة بس مش هوايتي.
قال يوسف بحماس: خلاص، تلعب معانا. عندنا ماتش بعد التراويح.
وافق سليم دون تردد. موافق جداً.
ماسة بحماس: وأنا هاجي أشجعكم وأشجع جوزي حبيبي
وبالفعل ذهبوا الى صلاة التراويح كان للنساء أماكنهم وللرجال أماكنهم.. وبعد صلاة التراويح،
عادوا إلى أجواء الدفء. كانت الأحاديث والضحكات تملأ الغرفة، بينما كان سليم يستمتع بكل لحظة. شعر أنه أخيرًا وجد جزءًا من العائلة التي لطالما تمناها، حتى لو لم تكن عائلته بالدم.
وفي الليل
توجه سليم مع عمار ويوسف إلى الملعب القريب كما اتفقوا مسبقًا. انضمت إليهم ماسة، سلوى، سعدية، ومجاهد الذين قرروا الحضور لمشاهدتهم وتشجيعهم.
الأجواء كانت مليئة بالفرح. ماسة وسلوى جلستا على مقاعد بجانب الملعب تهتفان بحماس، بينما سعدية تتابع بابتسامة رضا. مجاهد وقف بجانبهم يعلق على مجريات اللعب،ويشجع اللاعبين بحماس
في الملعب، كانت المنافسة قوية بين سليم ويوسف وعمار. سليم أظهر مهاراته في اللعب، بينما حاول يوسف بكل طاقته إحراز الأهداف. الضحكات والهتافات كانت تعلو كلما حدث موقف مضحك أو مثير.
انتهت المباراة بعد وقت مليء بالمتعة والضحك، وعاد الجميع إلى القصر في أجواء مليئة بالانسجام والدفء. كانوا يشعرون بسعادة حقيقية، حيث جمعتهم لحظات بسيطة لكنها ذات قيمة كبيرة.
مرت الأيام الأولى من رمضان، وكان سليم يقضي معظم وقته مع ماسة في منزل عائلتها. وجد في هذا البيت دفئًا وروحانيات افتقدها في قصر عائلته العظيم،القصر الذي رغم فخامته يفتقر المحبة والمودة والأجواء العائلية الحقيقية. لكن في منزل عائلة ماسة، كانت الأحاديث البسيطة والضحكات الصادقة التي تخرج من القلب على مائدة الإفطار والسحور تمنحه شعورًا بالراحة والانتماء.
كل يوم كان يحمل معه لحظات مميزة، سواء خلال صلاة التراويح الجماعية،أو النقاشات الممتعة بعد الإفطار، أو حتى المباريات الصغيرة التي جمعتهم في الملعب القريب. سليم كان سعيدًا بهذه التجربة، مستمتعًا بأجواء رمضان التي عاشها للمرة الأولى بهذه الحميمية والمودة.
مع دخول النصف الثاني من رمضان، قرر سليم وماسة أداء العمرة كما كانا يخططان. سافرا معًا في رحلة مليئة بالإيمان والخشوع، حيث وجد سليم في مكة السلام الداخلي الذي كان يبحث عنه. عادت الروحانيات إلى قلبه، وعادت ماسة أكثر قربًا منه، وهي ترى انعكاس هذه التجربة على شخصيته وسعادته.
في داخل إحدى الطائرات المتجهة إلى مدينة جدة
نرى سليم يرتدي بنطلونًا وقميصًا، وماسة ترتدي عباءة وحجابًا استعدادًا للذهاب إلى العمرة. كانت الوجوه مليئة بالحماس والترقب، والجو مشحون بالحيوية والسعادة. الرحلة كانت في النصف الثاني من شهر رمضان المبارك، كما أرادت ماسة، مما أضفى على اللحظة طابعًا خاصًا من الروحانية..
كانت الطائرة على وشك الهبوط. النوافذ تعرض منظرًا لسماء جدة المضيئة في الليل.
ابتسم سليم ونظر لماسة: يعني بعد أيام من التحضيرات، أخيرًا وصلنا. أنا من دلوقتي حاسس بالقشعريرة بجسمي.
سليم تبتسم وتنظر من النافذة: فعلاً شعور جميل
أوي
ماسة: هو إحنا المفروض هنعمل إيه دلوقت؟
سليم: ولا حاجة، هننزل وندخل استراحة كدة نبدل هدومنا ونلبس لبس الإحرام. وننوي العمرة ونتوضى ونصلي ركعتين، بعدين نروح الفندق نحط الشنط وننزل نعمل عمرة على طول.
ماسة بفرحة: إن شاء الله ربنا يتقبل مننا.
في مدينة جدة وبعد الوصول الى إحدى الاستراحات الخاصة لتبديل ملابسهم.
في الميقات، حيث يرتدي سليم ملابس الإحرام وماسة تقف بجانبه بجانب السيارة
ماسة: تنظر إلى سليم بابتسامة عميقة وهي تمرر عينيها على ملابس الإحرام: مش قادرة أصدق إننا أخيرًا وصلنا. سبحان الله يا سليم، كل حاجة هنا مختلفة. شكلك في لبس الإحرام مختلف، مليان سكينة.
أمسك سليم يدها، بنظرة مليئة بالسعادة: وأنا كمان يا ماسة حاسس احساس عمري في حياتي ما حسيته، الاحاسيس والمشاعر اللي انا حكيت لك عليها في اول مرة أصوم فيها رمضان وأعيش الأجواء اللي عشتها بفضلك، وكان من المستحيل أفكر أعيشها، وبردو لولاكي كنت مستحيل أفكر أعمل عمرة، بس إللي انا حسيته قبل كدة ولا حاجة من اللي أنا حاسه دلوقتي، انا مديون لك بحاجات كتير ربنا يخليك ليا وما يحرمنيش منك ابداً.. إن شاء الله تكون رحلة مباركة، ونرجع أفضل من الأول لأني أكتر واحد كنت محتاج آجي هنا يا رب يتقبل مني.
ماسة: بحماس: إن شاء الله هيتقبل منك احنا هندعي ربنا يغفر لنا ويحقق لنا كل خير ويديمنا في حياة بعض .
سليم: إن شاء الله، دي هتكون بداية جديدة لينا.
بداية مليانة بالبركة يلا بينا...
فتح لها باب السيارة صعدا وتوجها بعد ذلك إلى الفندق القريب من الحرم المكي.
*****************************
ـ الفندق
-جناح خاص بسليم وماسة المطل على الحرم.
ماسة تقف على الشرفة وتنظر إلى الكعبة من بعيد
ماسة بانبهار: يا نهار، الكعبة باينة من هنا! شكلها حلو أوي.
سليم: إحنا لازم ننزل نعمل عمرة دلوقتي.
ماسة نظرت له: كان نفسي ألحق التراويح هنا، التراويح في مكة ليها طعم تاني.
سليم: انا عارف إن مناسك العمرة متعبة شوية، علشان كده خليت ميعاد الوصول بعد الفطار.
بس طبعاً عقبال ما جينا وبدلنا من هدومنا فتأخرنا شوية.
ماسة: يعني ما ينفعش نعملها بدري بكرة.
سليم: انتي تعبانة وحابة ترتاحي شوية.
ماسة: لا بس مش عارفة ليه عايزة نعملها بدري.
سليم: الأفضل نعملها دلوقتي. إنتِ مش متحمسة؟"
ماسة بحماس: طبعًا متحمسة! يلا
قاما بالوضوء واستعدا للخروج من الفندق متوجهين إلى المسجد الحرام لبدء مناسك العمرة
***********************"*"******
في الحرام المكي
نرى سليم وماسة، يقفان أمام الحرم المكي. شعور الحماس والسكينة يغمرهم، وكل خطوة يخطوها في مكة تزداد مشاعرهم عمقًا. تقدما نحو الكعبة المشرفة لأول مرة في حياتهم، وكأن الأرض تحت أقدامهم تهتز من الروعة...
عيونهم مشدودة إلى تلك البقعة الطاهرة، كانا يشعران بقلوبهم تخفق بشدة، وكأنها تتناغم مع أصوات الطواف حول الكعبة. الهواء يحمل بين طياته أنفاساً مباركة، رائحة المسك والماء الزلال تملأ الأجواء ..
ماسة: الله"يا سليم، سبحان الله... إحساس لا يوصف. عمري ما تخيلت اللحظة دي تكون بالشكل ده.
هز سليم رأسه بإيجاب لصمت فهو يشعر بشعور غريب أصاب قلبه ...
سليم الذي اعتاد على صخب الحياة، وجد نفسه مشدودًا إلى الهدوء الذي لا مثيل له في هذه اللحظة. شعر بشيء عميق في قلبه، كأن الزمن نفسه قد توقف وكانت أفكاره تتنقل بين الرجاء والتوبة..
أما ماسة، فكانت دموعها تنهمر بغزارة، ليس فقط من فرط الجمال، ولكن من شعور غامر بالسلام الداخلي، وكأنها قد وجدت في هذا المكان ما كانت تبحث عنه طوال حياته..
تقدما بخطى ثقيلة، وكأنهما ينتقلان عبر الزمن، في لحظة لا تتكرر. كان صوت الأذان يملأ الأفق، ويسكن في أعماق أرواحهم. قلب ماسة ينبض بقوة، وفي لحظة، شعرت أن الوقت قد توقف، وأن العالم كله اختصر في تلك اللحظة المباركة التي تجمعهم بالكعبة، بأقدامهم، وبأنفاسهم التي تختلط برائحة الأرض المقدسة.
بعد أن تقدما بضع خطوات داخل الحرم،
أشار سليم إلى مكان بجوار إحدى الأعمدة، وقال.
سليم: ماسة، خلينا نقعد هنا شوية. ندعي ونصلي ركعتين تحية المسجد.
هزت رأسها بإيجاب..جلسا على الأرض، المكان مفعم بالسكينة، وكل منهما في حالة خاصة. ماسة تنظر إلى الكعبة بعينين مليئتين بالدموع، وسليم يغمض عينيه وكأنه يغوص في أعماق دعائه. الشعور الذي يعيشانه صعب أن يوصف، مزيج من الخشوع والفرح والرهبة والروحانيات
كان سليم يشعر بداخل قلبه ثقلًا عميقًا، كما لو أن كل الأثقال التي حملها طوال سنوات مضت، قد بدأت تتناثر من قلبه. كان يهمس في نفسه: يا رب، أنا هنا عشان أبدأ صفحة جديدة، بعيد عن كل أخطائي،عن كل اللي عشته في الماضي، عن كل لحظة ضيعتها، وكل قرار خطأ، أنا عبدك الذليل التائب بين إديك يارب .. كان قلبه يصرخ: أنا تائب وعايز أكون شخصًا آخر، بعيدًا عن ماضيي المظلم. وذنوبه، عايز أغسل قلبي وأبدأ حياة جديدة بين يديك يا الله يا غفور يا رحيم..
وبينما كان ينظر إلى الكعبة، شعر بالسلام الذي يملأ قلبه شيئًا فشيئًا شعر بشئ ما يتغير في أعماقه، كما لو أن الله قد غسله من ذنوبه، وأعطاه فرصة جديدة ليعيش حياة طاهرة، خالية من الأخطاء التي كان تؤرقه..
بينما ماسة كانت تشعر وهي تنظر للكعبة وكأن قلبها يطفو بين يدي الله، يسبح في بحر من الإيمان والطمأنينة. في الكعبة في هذا البيت المقدس، كان قلبها يبدو كأنه ينبض بحياة خاصة، تحمل بين جدرانه كل الآمال والأدعية التي تراكمت في قلبها طوال سنوات. شعرت وكأنها وجدت في هذا المكان ما كانت تبحث عنه طوال حياتها، وكأن كل شيء في الكون قد انسجم معها في لحظة واحدة..
رفعت يديها إلى السماء، وهي تدعو بكل قلبها: 'اللهم اجعلني وسليم معًا دائمًا، واجعل بيننا المودة والرحمة، وارزقنا ذرية صالحة تقر بها أعيننا
. اللهم أغفر لي وارحمني وأرزقني بحسن الخاتمة
اخذت تدعي هي وسليم لبعض من الوقت.
كان لتلك اللحظة قدسيتها ، كما لو أن كل دعاء من قلبيهما قد وجد طريقه إلى السماء...
بعد أن أتما دعاءهما، توجها إلى الصلاة، وجلسا على ركبتيهما في خشوع تام كأن كل شيء في هذا العالم قد توقف ليصمت أمام هذا المكان المبارك.
وبعد الانتهاء من الصلاة تحية المسجد
جلست ماسة نظرت الى سليم الذي كان يشعر كأنه شخصا آخر لا يجد من الكلمات لكي يتحدث.
ماسة وهي تنظر للكعبة بعينين مليئتين بالدهشة والدموع: يا الله، مش مصدقة إني هنا قدام الكعبة! ده مكان كنت دايمًا بحلم أجيه من صغري.
سليم بكلمات تخرج بصعوبة من السعادة و من عظمة المكان : وأنا كمان، يا ماسة. الحمد لله إننا هنا مع بعض، أنا مش عارف أوصف المشاعر اللي انا حاسسها
ماسة وهى تمسح دموعها من أثر روحانيات المكان: وأنا كمان الصراحة مكنتش متخيلة أن الإحساس بالجمال دة.
تنهد سليم: تعالي نبدا في المناسك العمره، هنطوف لأول ٧ الشواط، خليكي بس جنبي عشان ما توهيش مني خليكي ماسكة فيا كويس أنا هكون وراكي وإنتي كلبشي في دراعي وأنا همسكك.
ماسة: حاضر.
مشيا معًا نحو الكعبة، ومع كل خطوة يتجهان صوب الحجر الأسود. يبدآن الطواف، وحين يصلان إلى الحجر الأسود، يلمسانه بيدهما ويبدآن في التلبية بصوت خافت.
ماسة: بتوتر وحماس، تردد التلبية "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك، لبيك... يا رب تقبل منا."
نظر سليم للكعبة وهو يقول"اللهم اجعلها بداية خير لينا يا رب، تقبل منا كل خطوة."
واصلا الطواف حول الكعبة سبعة أشواط.بعدما أتما الطواف وقفا خلف مقام سيدنا إبراهيم ليصليا ركعتين.
ماسة بعد الصلاة مسحت دمعة على خدها: والله يا سليم كل لحظة هنا بتبقى أحلى من التانية. هنا بنحس إن الدعوات بتتقبل وكل شيء بقى أقرب.
سليم: صح، ده مكان مميز، وكل حاجة فيه بتغيرنا. ربنا يتقبل منا ويغفر لنا.
بعد الصلاة، اتجها إلى السعي بين الصفا والمروة. وقفا على جبل الصفا ينظران إلى المسافة بين الجبلين. ثم بدأا بالسعي، خطواتهما متسارعة في البداية ثم أكثر هدوءًا مع الدعاء حتى اتمام السبع اشواط..
ماسة: وهي على جبل الصفا، ترفع يديها إلى السماء "اللهم اجعلها رحلة مباركة، وسامحنا على كل شيء. اللهم ارزقنا الخير في الدنيا والآخرة.
كان سليم بجانبها، رفع يديه: "آمين، يا رب. اجعلها بداية جديدة لنا، واغفر لنا ولأحبابنا.
أتما السعي بين الصفا والمروة، ثم ذهبا ليحلق سليم رأسه بينما تقصر ماسة جزءً من شعرها. بعد ذلك، شعرا بشعور عميق من الطهر والراحة والسكينة.
ماسة بسعادة تغمر قلبها: بعد أن قصت جزءً من شعرها ابتسمت: حسيت كأن كل شيء اتغير، وكأننا جددنا حياتنا كأني حد تاني يا نهار على الشعور الجميل ده.. وضعت يديها على قلبها. الحمد لله، يارب تقبل منا.
سليم ابتسم وهو ينظر إليها بعينين مليئتين بالأمل: عندك حق، إحنا فعلاً بدأنا من جديد. إن شاء الله حياتنا تبقى أفضل وأفضل. كان عندكِ حق لما قلتِ لي نيجي في رمضان
ماسة بسعادة: لسه بقى لما تصلي التراويح. أنا كنت بشوفها في التلفزيون على قناة المجد، تحفة. بس هو إحنا كده خلاص مش هنروح مكان تاني؟
سليم وهو يمسك يديها برفق، وكأن الكلمات تخرج برقة من قلبه: لا، المفروض نروح المدينة، بس نقضي كام يوم هنا. هنجي كل يوم نصلي الصلوات بتاعتنا، نفطر هنا وندعي. ممكن تعملي عمرة لحد متوفي عزيز عليكِ.
ماسة بدهشة: يعني ممكن أعمل عمرة لستي؟ أصل أنا كنت بحبها قوي.
سليم: اه، ممكن تعملي بس بعد ٣ ايام بتعملي التنعيم بنصلي في مسجد السيدة عائشة وبعدين نعمل كل ده من تاني ايه مقرأتيش الكتاب اللي جبته
ماسة قرأته بس من وقت ماجيت هنا نسيت كل حاجة
سليم: طب تعبتي من الطواف تحبي نمشى ولا نكمل للفجر.
مدت ماسة وجهها : مش أوي يعني. خلينا نكمل للفجر طب كدة مافيش مناسك عمرة تاني مظبوط.
سليم ابتسم وهو ينظر إليها بحب، وعيناه تشعان بالطمأنينة قال.: اها خلاص، إحنا اليومين الجايين دول هنصلي وندعي. وبعدين نعمل عمرة تانية. أنا كمان هعمل عمرة لدادة عفت، ونزور أماكن جميلة جداً زي جبل ثور وجبل عرفات ممكن بكره نطلع على عرفات تكوني ارتاحتي شوية بلبل هطلعك جبل ثور.
ماسة: إنت بقيت أشطر مني في المعلومات .. ماشي، و خلينا نروح غار حراء كمان ده اللي نزل فيه الوحي على سيدنا محمد عليه افضل الصلاه والسلام
سليم: عليه افضل الصلاه والسلام، هنروح كل الأماكن، وممكن بعد أسبوع مثلا أو أكتر نروح المدينة علشان نزور قبر النبي صلى الله عليه وسلم.
شعرت ماسة بعينيها تلمعان، وابتسمت بابتسامة واسعة، وكأنها تتخيل اللحظة.: "الله يا سليم! متشوقة أوي أشوف قبر الرسول صلى الله عليه وسلم.
************************
وبالفعل، قضى سليم وماسة بعض الأيام في مكة، يقيمان الصلاة ويكثران من الدعاء خاصة أنها كانت الأيام الأخيرة من رمضان المبارك، كانت عيونهم مليئة بالخشوع، وكل صلاة كانت بمثابة لحظة صافية من التقرب إلى الله، صلاة التراويح هناك كانت جميلة للغاية، والأجواء في المسجد الحرام تبعث على السكينة والطمأنينة. كانت وجوههم تشع بالنور الداخلي، وكل دعاء كان يعبر عن أمل جديد خاصة وهما يصليان صلاه التهجد التى لها معنى خاص، كما كانا يفطران أيضًا داخل المسجد، ويشعران بالقرب من الله.
على اتجاه آخر وفي أوقات مختلفة، يقومان بزيارة أماكن كثيرة، مثل مسجد القبلتين، ومسجد قباء، مزرعة النخيل، جبل أحد، جبل الرماء، وغار حراء، وجبل ثور، وصعود عرفات، وغيرها من تلك الأماكن ذات الروحانيات الجميلة.
بعد أن أتما العمرة لجدة ماسة ودادة سليم، توجها إلى المدينة المنورة في الأيام الأخيرة من رمضان. ..
المدينة المنورة ـــ في المسجد النبوي ...
كانا يشعرون بالسلام الداخلي وتملأ قلبيهما السكينة. حرصا على أداء الصلوات داخل المسجد. وتجولا في المدينة وزارا معالمها الدينية، كالبقيع الذي دفنه بيه الصحابة شهداء غزوة أحد وسيدنا حمزة..
وكانت عيونهما تلمع بالإيمان، وقلبيهما يفيضان بالسكينة.
في اليوم الأخير بعد أن أكملا صلواتهم في المسجد النبوي، توجها إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم. كانت عيونهما تلمع بالخشوع، وقلبيهما يمتلئان بالرهبة. وقفا أمام القبر الشريف، لكن بسبب التنظيمات الخاصة، كان لا بد أن يزور كل واحد منهما القبر في وقت مختلف.
كانت ماسة تقف بعيدًا في انتظاره في الخارج في المكان المخصص للنساء
بينما كان سليم يقترب من القبر في وقت الرجال،
سليم بنظرة هادئة ومليئة بالحب:
السلام عليك يا رسول الله، يا حبيبي يا شفيع للمسلمين، اللهم اجعلنا من الذين يسيرون على سنتك يارب
وبينما في الوقت المخصص للنساء كانت ماسة في الداخل وسليم في انتظارها في الخارج
دعت ماسة وعينيها تغرقان في الدموع: "اللهم اجعلنا من أهل شفاعته."
ثم قربت وجهها قليلًا نحو القبر وقالت بصوت خافت: "السلام عليك يا رسول الله، يا شفيع الأمة، اللهم اجعلنا من أهل الجنة.
كان المكان مليئًا بالسكينة، وكأن الزمان توقف لحظة أمام القبر المبارك. شعرا بخفة في قلوبهما، وكأن دعائهما وصل إلى السماء مباشرة، والهدوء الذي كان يحيط بهما جعل اللحظة أكثر روحانية وخصوصية.
بعد أن أتما عمرتهما بسلام، كان سليم وماسة في طريق العودة في صباح يوم العيد. كانت قلوبهما تنبض بالفرحة والراحة. شعرا بأن الرحلة كانت مليئة بالبركات، وكأن كل خطوة كانت تقترب بهما من أمل جديد. وجوههم كانت مشرقة، والعيد في قلوبهم له طعم خاص، وكأنهما بدأا فصلاً جديدًا من حياتهما مليئًا بالسلام الداخلي والهدوء النفسي..
خاصة سليم فقد شعر بشيء عميق في قلبه. جاء إلى مكة ليبدأ من جديد، ليترك وراءه كل ما مر به من صعوبات وأخطاء وأفعال سيئة ارتكبها في الماضي. هذه هي التوبة الحقيقية التي ستجعله شخصًا آخر. مع كل دعاء وكل خطوة، كان يشعر وكأن الله يغسل قلبه ويمنحه فرصة جديدة. لم يكن يتوقع أن يشعر بهذا الهدوء الداخلي، وكأن الحياة التي عاشها أصبحت خلفه، وأنه من الآن على بداية طريق أفضل وحياة أجمل..
💕______________بقلمي_ليلةعادل
عائلة ماسة العاشرة صباحاً
نشاهد الخادمة وهي تعطي سلوى باقة من الورد وشنطة هدايا. أخذتها سلوى بابتسامة وشكرتها، ثم صعدت إلى غرفتها. عندما فتحت الشنطة المخصصة للهدايا، اكتشفت أنها تحتوي على دمية عروسة صغيرة مبتسمة. امسكت سلوى بالكارت المتواجد على باقة الورد وقرأت ما كُتب عليه:
"عيد سعيد، يا سلوى قلبي، تأكدي أن قلبي معكِ دائمًا، ولا شيء يفرحني أكثر من رؤيتكِ سعيدة."
تبسمت سلوى، وأعادت شعرها للخلف، وشعرت أن مكي هو من قام بإرسال هذه الهدية لها.
على الجانب الآخر، نرى مكي وهو يتوقف على التلة التي تطل على غرفة سلوى، كان يراقبها عن كثب، يبتسم، وقلبه يخفق بالسعادة. ولكنه ظل مصممًا على الاستمرار في قراره، منتظرًا حتى تنضج ويعود لها ليتعرف ما بداخل قلبه لها.
ـقصر الراوي العاشرة صباحاً
ـحديقة الفيلا
كانت زيزي، صديقة رشدي، بإنتظار ماسة في الحديقة وهي تدخن سيجارة. وأثناء ذلك، دخلت ماسة الحديقة دون أن تعلم بوجود زيزي. توقفت، ثم نادت عليها:
زيزي: يا ماسة، يا عسليه!
فانتبهت ماسة للصوت واقتربت منها زيزي:
عاملة إيه يا قمرية؟
ماسة: الحمد لله، إنتِ أخبارك إيه؟
زيزي: تمام، إنتِ عارفاني.
ماسة: أعرفك، زيزي، مظبوط.
بينما كانت زيزي تلقي سيجارتها: مظبوط، يا بسكوتة. هتفضلي المختفية؟ محدش بيشوفك. تقلانا علينا ولا إيه؟
ماسة تبسمت: لا، والله، خالص. أنا موجودة، حتى بخرج كتير عن زمان.
زيزي: أه، ما أنا عرفت إنك بقتِي صاحبة هبة، وشلة بتاعتها. ما هما برده أصحابنا.
ماسة: خلاص، ابقي تعالي آخرجي معانا.
زيزي: لا، أنا روحت الأماكن اللي أنتوا بتروحوها دي كتير. تعالي بقى، آخرجي معايا، أوريكي أماكن حلوة بدل الأماكن اللي بتروحيها.
ماسة: هو في أماكن أحلى من اللي أنا بروحها؟
زيزي: أكيد، القاهرة مليانة أماكن تحفة. أماكن تسهري فيها، وترقصي فيها. وقبل ما تتكلمي، أنا عارفة إنك ما بتشربيش وما ليكيش في الهلس ده، بس في أماكن فيها رقص من غير الحاجات اللي أنت ما بتحبيهاش.
ماسة بحماس: إذا كان كده، خلاص، هقول لسليم ونخرج مع بعض.
زيزي: خلاص، إحنا فيها، يا مزه. قولي لسليم، ونخرج مع بعضنا. أنا ورشدي النهاردة رايحين نعيد في مكان حلو قوي على النيل.
ماسة: خلاص، ماشي، هقول له. استني.
كل ذلك كان سليم يقف على الشرفة يشاهد ما يحدث، ويبدو عليه التوتر ووجهه متقلب. ويبدو أنه كان يستمع إلى الصوت.
بعد دقائق، دخلت ماسة الغرفة ويبدو عليها الحماس. حتى وصلت إلى الشرفة، وقامت بعناقه من الخلف، ثم وضعت قبلة على خده. التفت إليها سليم وقال لها بشدة، بملامح وجهه الغاضبة:
سليم بغضب: إيه اللي وقفك مع البنت اللي تحت دي؟
ماسة بابتسامة: ايه المشكلة؟
سليم بانفعال: إيه المشكلة؟ إنتِ عارفة مين دي أصلاً؟
ماسة وهي تضحك: أيوه، زيزي صاحبة رشدي. اللي شفتهم بيبوسوها في الجنينة.
اوما سليم براسة قال وهو يمد وجهه: ده أنتِ فاكرها كويس. وهل تعرفي كمان باباها تاجر مخدرات!"
ماسة بصدمه: إيه ده؟ بجد؟! ما كنتش أعرف.
سليم بضجر: حتى لو ما تعرفيش، ما دام إنتِ عارفة إنها بنت مش كويسة، مينفعش تقفي معاها وتتعرفي عليها كمان.
ماسة متعجبة: أنا مش فاهمة. إيه المشكلة لما نخرج كلنا سوا؟ هو أنا هصحبها؟ هي عرضت عليّ عرض، وأنا حبيته. متعصب ليه؟
سليم وهو يتحدث بين أسنانه: ماسة، متحوليش تعصيني وتضيقني بطرقتك دي.
ماسة: سليم اتكلم براحة من فضلك.
نظر سليم إلى ماسة بنظرةٍ تخشاها، وقال بنبرة حازمة جعلتها تهتز من الداخل: ماســـة
عادت بخطوات للخلف بتوتر اكمل:
كلامي يتسمع، مش عايز مناقشة كتير. زيزي دي، واللي من نوعها، متقربيش منها. فهمتي؟
ماسة بضيق وهي تنظر لاسفل: فهمت. أنا عايزة أروح لماما.
سليم: هنخرج سوا، وماتقلبيش وشك.
تنهد سليم واقترب منها وقال بهدوء:
ماسة، البنت دي مش كويسة. المفروض من نفسك ترفضي العرض.
رفعت ماسة عينيها له بضيق قالت: أنا معرفش إنها مش كويسة. مش عشان شفتها مع رشدي وهو بيبوسها، أخد موقف منها. خصوصًا إن الكلام ده عندكم عادي، فهمني براحة، مش تتعصب كده.
سليم: طيب، متزعليش حقك عليا. يلا نلبس ونخرج عشان نحتفل بالعيد.
ماسة تبسمت: يلا.
بعد وقت أقترب سليم وماسة من رشدى وزيري الذين يجلسان في الحديقة في انتظارها بعد تبديل ملابسها
رشدي بتعجب: بجد هتخرجوا معانا؟
سليم: لا، هنخرج سوا. خرجتكم مش شبهنا. سلام.
زيزي و هي تضحك: يالهوي! بيخاف عليها موت، الصراحه ليه حق البت لو خرجت معانا خرجتين هتبوظ شكلها غلبانه اوي.
رشدي بحقد: لولا إن الباشا أخذ فرمان، كنت لعبت عليها.
زيزي: ففكك بقى منهم ولا تكونشي حبتها يا رشروشي.
رشدي: لا ما حبيتهاش بس مستخسرها فيه، كان نفسي تبقى معايا انا، تعرفي هي لو كانت معايا ومراتي، كنت هقفل عليها اكثر من سليم، عشان انا عارف العقارب اللي حوالينا عاملين ازاي، عارفه مشكله سليم ايه؟! إنه مش مخونا، ومدينا الأمان واحنا اللي عمالين نطعنه في ظهره عبيط.
ضحك بسخرية
زيزي باعتراض: لا هو مش عبيط هو محترم، مش متوقع انكم بقذاره دي، يلا خلينا نمشي
في احد المراكز النفسية السادسة مساءً
مكتب مروان
مروان: سليم، إزاي حالك الفترة دي؟ حسيت بتحسن؟
سليم: أفضل كتير الحمد لله بقيت بتحكم جداً في غضبي مع ماسة.
مروان وهو يدون شيئًا: يعني حصل أي موقف من المواقف اللي كانت بتزعجك زمان وبتخليك تتعصب وتغير ومنفعلتش؟!
سليم بتفسير: آه طبعًا، حصل أكتر من موقف. يعني إحنا كنا في العمرة، ففي شاب وقفها وسألها على حاجة لأنه ما كانش عربي، ما كانش لاقي حد حواليه بيتكلم فرنسي وأنا كنت بجيب ميه،. طبعًا ده لو كان حصل زمان، كنت هنفعل جدًا، لكني كنت هادي لدرجة إن حيتها لانها بقت أفضل وتحسنت في اللغة غير أنها بتهزر دلوقتي مع إخواتي. آه في حدود، بس حتى الحدود دي ما كنتش بسمح بيها زمان، وكانت بتعصبني، كمان أكتر من مرة. ممكن أجي ألاقيها قاعدة مع حد من إخواتي في الليفنج روم. زمان كانت من القواعد الغير مسموح بيها. بصراحة، حاولت مرة في مرة، بس بعد كده حسيت إني مش قادر. اتكلمت معها عن الموضوع ده، وقلت لها ميتكررش لأني حقيقي بغير جداً، بس ما كنتش متعصب ولا كنت منفعل. كلمتها بكل هدوء إن الموضوع ده مش قادر أتقبله. اني اجي من بره، اشوفها قاعدة في أوضة لوحدها مع حد من إخواتي؟ لكن طبعًا في الجنينة أو في الهول عادي.
مروان: تقصد الأماكن المفتوحة بتسمح فيها يعني؟
سليم بتوضيح: الليفنج روم بابه مفتوح بس مش قادر أتقبله. فاستأذنتها إن ما يحصلش تاني. هي قالت لي تمام،.. كمان بطلت أحط إيدي ورا ظهري، بقت جنبي وبكلمها عادي. ما بقتش بفضل مغمض عينيا، أو أحارب وأصارع نفسي إني ما تعصبش.
مروان مد وجهه: برافو ده تقدم هايل خصوصًا إنك مريض مشاغب ومش منتظم في مواعيدك.
سليم تبسم بتهذب: حقيقي غصب عني عشان شغلي وفهمت حضرتك أنا كنت مسافر عمرة حتى بعت لحضرتك رسالة.
مروان: مفهوم،، يعنى دلوقت بقيت عادي خلاص من جواك؟ والحرب اللي كانت بتدور عشان تحاول تهدي الغضب ما بقتش موجودة خالص؟!
سليم بتوضيح: أمممم، بس ده في الجانب الخاص بماسَة مع الآخرين لسه. افتكرت موقف كنت فيه شوية منفعل. ملامحي كانت مشدودة كان في بنت صديقة أخويا عندنا، وماسة اجتماعية جدًا، سلمت عليها و وقفت معاها، البنت عرضت عليها إنها تخرج معها وللأسف ماسة رحبت.. غضبت جدًا، وكلمتها بشكل منفعل شوية. البنت دي بتشرب، وبتعمل علاقات غير شرعية. فما عرفتش أمسك نفسي، لكن بعد ما هديت شوية، اعتذرت لماسة.
مروان بابتسامة هادئة: ده طبيعي جداً أوعى تحس أنك رجعت خطوة للخلف، واحتمال الموقف مشابه لده يتكرر تاني، فما تقلقش، بس في حاجات بسيطة هتساعدك، ممكن تعملها أول لما تحس بالغضب، خد نفس عميق وازفر ببطء. جرب كده دلوقتي معايا.
(سليم يأخذ نفسًا عميقًا ويزفر)
مروان وهو يبتسم بثقة: تمام، ده هيساعدك تهدأ بسرعة، كمان لما تحس إنك هتتعصب، جرب تنسحب من مكانك لبضع دقائق، وتخيل مكان هادي زي البحر، هتلاقي نفسك هديت
أضاف وهو يرفع يديه بحركة هادئة، كأنّه يرسم صورة للسلام في الهواء.
بعدين ارجع تاني وكمل كلامك مع الشخص ده. لازم تفهم إن أحيانًا الغضب اللي بيخرج مننا شيء طبيعي جدًا. كلنا بنتعصب، وكلنا بيجي علينا لحظات من الغضب حسب المواقف، لكن امتى يكون غير طبيعي؟
نظر مباشرة في عين سليم، وعيناه تحملان جديّة واضحة.
زي ما قلت لك قبل كده، لما نتصرف في الانفعال ده بتصرفات غير طبيعية، زي لما اعترفت لي وقلت لي إنك رفعت مسدسك على شقيقك رشدي، لأنه قال الاسم اللي بتدلع بيه زوجتك. ليها؟!!
حرك رأسه قليلًا بحركة استنكار، ثم أضاف بحزم:
ده تصرف مش طبيعي، لكن طبيعي إنك تتغير، طبيعي إنك تضايق وترفض ده، بس يعني ممكن تنبهه بنظرات حادة بطريقة فيها نوع من القوة والسيطرة لكن، مش بمسدس، حتى لو ما كانتش المرة الأولى كما بررت.
سليم بتفكير: ممكن. هحاول.
مروان: وخليك دايمًا فاكر، كل مرة تتحكم فيها بنفسك، أنت بتقرب أكتر للتغيير.
سليم بابتسامة صغيرة: هحاول، شكرًا
مروان: وأنا هنا عشان أساعدك. تذكر، أنت مش لوحدك
💞_____________بقلمي_ليلةعادل
أحد الكافيهات، الرابعة مساءً
نرى هبة وماسة يجلسان معًا على أحد الطاولات، وعليها أكواب عصير فارغة.
هبة بعقلانية: الصراحة، عنده حق. زيزى دي شخصية مينفعش تقربي منها خالص.
ماسة بضيق: بس أنا معملتش حاجة. سلمت عليها، كان زي المجنون. هو ما مدش إيده، كانت جنبه طول الوقت، بس تعبيراته كانت صعبة، برغم إنه بقاله كتير جدًا بطل يعمل ده. كان بيتكلم بهدوء أكتر وبيحتويني وهو بيتكلم. بس المرة دي اتجنن، حسيت إنها رجعت تاني للصفر.
هبة باعتراض: لا لا، مرجعتش للصفر ..
عدلت من جلستها لتظهر مدى فهمها لشخصية سليم، شرحت بعقلانية:
بصي، أنا بدأت أفهم شخصية سليم كويس، وحاسة إني اتسرعت في تكوين فكرة عن شخصيته وظلمته. هو مش متملك قد ما هو بيحبك أوي وبيترعب عليكي، عايز يحافظ على برائتك ونقائك. تفضلي توب أبيض زي ما عرفك. أصله لو متملك أو نرجسي أو سيكو مش هيعمل كل ده. يعني هو مش حارمك من الخروج، بالعكس بيخرجك، بس بيختارلك أصحاب محترمين إللي سلوكهم شبه سلوكك، مش بيشربوا ولا ليهم في العلاقات. مشكلته في سلوكه مش في طبعه. يعني مثلًا لو واحدة فينا بعد فترة استندلت معاكي، هو سايبك تعرفيها لوحدك. بس بيجي عند سلوك الشخص والبيئة بتاعته، ولا استوب "أنا إللي هختارلك"، حتى برضه في الطبع أو في الشخصيات إللي شبهك. هو عنده تحفظ شوية، لإنه بيخاف عليكي، بيخاف تنجرحي، بيخاف تنخدعي فيهم وقلبك يتأذي، عشان كده دايمًا بقولك خدي بالك منهم، بلاش تتعشمي، مش تملك منه عشان تبقي ليه وبس، قد ما هو خوف إنك تتوجعي. عشان كده دايمًا بيقولك بطلي تشوفي الناس طيبين أوي زيك، ماتتعوديش عليهم، ماتتعلقيش بيهم. إللي معاكي النهاردة ممكن ما يبقاش معاكي بكرة. ماتحبهمش أوي، عشان ما تتجرحيش، كل الكلام ده مش واحد متملك قد ما واحد خايف عليكي، لو لاحظتي، أكتر واحدة مش ببعترض أبدًا على خروجك معها أي وقت، ريتال. لما عرف إنها ملتزمة، وهي إللي شجعتك تروحي تحفظي قرآن. وبيسيبك تخرجي معايا ونقعد نتكلم بالساعات. بس هو زي أي راجل، عايز لما يرجع من شغله تديله وقتك وتركزي معاه زي ما هو بيديلك وقته أول ما يرجع من شغله. أنا كده مع ياسين لو ياسين وهو معايا، كلم أصحابه وانشغل عني، بتخناق معاه، خوفه عليكي طبعًا زيادة ده غلط. هو عامل زي القطة إللي أكلت ولادها من كتر حبها وخوفها عليهم، أو الدبة اللي موتت صاحبها برده من حبها فيه. بس طبعًا ده مرض برده مش طبيعي. فإحنا نقدر نقول إن سليم خلطة بين تملك وبين الحب الهوسي وبين القلق وخوف مرضي بسبب خوفه إنه يفقدك لإنك مصدر الحنان الوحيد إللي في حياته، وأنظف شخص قابله. هو بقى خايف عليكي تنجرحي، وخايف عليكي تضيعي منه، خايف تتلوثي. ده تحليل إللي قدرت أوصله.
ماسة بتفهم قالت بتوضيح: أنا فاهمة كل ده، أنا ما عنديش مشاكل مع سليم، بس لما حصل موقف زيزي، خوفت إننا نكون رجعنا لنفس النقطة من تاني.
هوا أنا قولتك إني اختبرته عشان أشوف هيعمل إيه وفعلاً اتغير ولا لأ؟
هبة باندهاش: اختبرتيه إزاي يعني؟
ماسة بتوضيح: كان منعني زي ما إنتي عارفة، أهزر مع رشدي وياسين وإخواته عمومًا وأي راجل، حتى ممنوع أقعد معاهم لوحدنا في مكان. مرة دخلت أكلم ياسين وهزرت معاه وسألته عليك، وهو شافني ناداني وقال لي: مش أنا قلت لك ما تقعديش لوحدك مع حد من إخواتي في الأوضة؟ قلت له كنت بتكلم عن هبة معلش. قال لي: طيب بس ما تتكرريش تاني. وطلع الأوضة، قلت يمكن هو عشان واثق في ياسين. أنا عارفة إن رشدي بيجي متأخر دايمًا. نزلت بالليل في وقت إللي هو بيبقى فيه، وقعدت أتكلم معاه. شافني من البلكونة لما طلعت، سألني: بتتكلموا في إيه؟ إزاي تقعدي لوحدك؟ ما بتسمعيش الكلام ليه؟ عايزة تعصبيني؟ فهمته، قابلته صدفة، سلمت عليه يعني، ونصحته إنه يبطل يسهر. قال لي: طب أرجوكي، بطلي تعملي الحاجات إللي بتعصبني. أيده جنبه وكان بيكلمني بهدوء، حتى ملامح وشه كانت هادية، تعبيراته مختلفة. فتأكدت إنه اتغير، ومع مواقف اتأكدت إن سليم فعلاً اتغير كتير.
تنهدت بنبرة ضعف، متأثرة بشعور بضيق:
أنا لو فضلت يا هبة مركزة على سيئاته إللي بيحاول يتخلص منها عشاني، وسبت كل حاجة حلوة هو بيعملها عشاني، هبقى إنسانة مش كويسة. سليم محتاجني يا هبة، محتاجني أخرجه من الحياة إللي هو فيها واتربى فيها. هو قال لي: إنتي غيرتي فيا حاجات كتير، إنتي طوق النجاة، وأنا هفضل أساعده إنه يتغير، لإنه عايز يتغير. مستحيل أتخلى عنه، وأنا دلوقتي عرفت إزاي أتعامل معاه. يمكن زمان كنت صغيرة ومش عارفة، بس دلوقتي بقيت عارفة إزاي أروضه زي الحصان والفارس بتاعه. هو بس حوار زيزي ده قلقني شوية، بس بعد كلامك أنا اطمأنيت.
تبسمت هبة ورتبت على كفها ثم امسكتها بدعم:
كل إللي عايزاكي تفهميه إن أنا معاكي وحابة إن علاقتكم تستمر، لإن علاقتكم حلوة أوي، حبكم جميل، ونفسي أنا وياسين نبقى كده.
ماسة تبسمت بتفهم: أنا فاهمة إنك بتنصحيني يا ستي. لو حصل حاجة إنت جنبي، إنتي بقيتي صديقتي الوحيدة يا هبة. صدقيني، أنا بحبك أوي لإنك بحسك شبهي. أه، إنتي قوية زي سلوي، بس قلبك أبيض زيي.
هبة: والله انا بموت فيكي يا ماسة وانتي حقيقي اختي يابنتي انتي بقيتي انتيمي خلاص، ضحكت بقولك كفاية كلام عقلاني. تعالي نروح نلعب بولينج عشان حابة أضحك عليكي شوية وإنتي بتتزحلقي.
ماسة توقفت وقالت بقوة وفخر: سليم علمني. قالي عشان محدش يضحك عليكي يا سكرتي.
هبة: هنشوف
توجهوا إلى ملعب البولينج يلعبان معًا، وكانت ماسة مختلفة عن كل الأيام السابقة. نعم، لم تفز، لكنها تبدو عليها ملامح التغيير، وكأنها أصبحت أكثر قوة.
هبة: لا لا، ده احنا بقينا جامدين.
أنا ممكن استلف منك سليم شويه عشان يعلمني شويه حاجات. شكله معلم شاطر.
ماسة بغيرة، مازحة: لا يا اختي، خليكي مع ياسين. ملكيش دعوة بسليم، ده ده بتاعي أنا.
ضحكتا معًا بمرح
♥️_______بقلمي_ليلةعادل________♥️
_منزل نانا الثامنة مساءً.
نستمع إلى صوت الجرس. خرجت نانا من إحدى الغرف بملابس مهندمة وذهبت لفتحه. فور فتحها، ارتسمت على شفتيها ابتسامة، وهنا ظهرت فايزة.
نانا: فايزة هانم، اتفضلي.
تقدمت فايزة بخطوات ثقة ممزوجة بكبرياء لا تليق إلا بها. أغلقت نانا الباب بابتسامة عريضة، وتوجهت لها وقالت...
صلي على النبي 10 مرات ما تنساش تكتب رايك في الحلقه عشان كومنتاتكم مهمه بالنسبه ليا ما تنسوش كمان تضغطوا لايك عشان تساعدوا الروايات تنجح
الفصل الرابع والاربعون ج1 من هنا