رواية الماسة المكسورة
الفصل التاسع والثلاثون 39
بقلم ليله عادل
{ ~'' الفرصة الثانية مخيفة أكثر من الفرصة الأولى، لأنك تعلم مقدار ما تخاطر به ، إنه قلبك ''~}
[ بعنوان: فرصة تانية]
نظرت إليه ماسة بعينين مليئتين بالحزن، تُصارع ضعفها أمام كلماته ورجائه. الأفكار تتلاطم داخلها كالأمواج، بين الرحيل الذي يحمل كرامتها، والبقاء الذي يحمل ذكرياتهم وعشقهما الابدي . بعد دقائق من الصمت الثقيل، رفعت عينها، يبدو أنها أخذت القرار بالبقاء الآن، حتى تفكر مرة أخرى فيما ستفعله. لكنها حاولت أن تبدو صلبة أمامه..
ماسة بحدة: لو سمحت اطلع برا سبني لوحدي دلوقتي.
سليم برفض وهو يهز: مش هتمشي ياماسة.
ماسة بإصرار ممزوج بغضب: بمزاجي، ولو سمحت اخرج بره بقولك.
تراجع سليم بخيبة: طب افطري الأول، وانزلي تحت.
ماسة برفض:لا.
سليم بنبرة مكسورة: ليه بس؟ انزلي دقيقة واحدة.
نظر إليها بابتسامة يائسة تحمل رجاءً خفياً، وكأنه يحاول إيصال رسالة دون كلمات، وربما يخفي مفاجأة يريد أن يشاركها معها، أنتظر ردها لكنه لم يجد منها أي استجابة، فكرر بتوسل: دقيقة بس.
ماسة بشدة: قولتك لأ مش هنزل واتفضل اخرج بره بقى قولتك وجودك بيزعجني.
سليم بقوة نظر داخل عينيها وهو يقول بحزم: طيب هخرج، بس مش هتمشي يا ماسة مستحيل اسمح انك تمشي.
تنهدت ماسة بحدة، وملامحها تعكس الحزم رغم اضطرابها: قولتك بمزاجي، واعمل حسابك، مش هتدخل الأوضة دي تاني لحد ما أهدى.
سليم بصوت مكتوم: إنتِي كده بتقتليني.
ماسة بوجع: دوق شوية من اللي عملته فيا انت السبب.
هز سليم رأسه بأسى بنبرة مكتومه: صح أنا السبب.
اقترب منها ليقبلها على جبينها، لكنها تراجعت خطوه كاعلان عن رفضها، مما أشعره بوجع مضاعف. هز رأسه وغادر الغرفة مسرعاً.جلست ماسة تبكي، تشعر بضعفها تجاهه، وعجزها عن تركه. بينما هبط سليم إلى الطابق السفلي، وتوجه إلى صالة الرياضة، وبدأ يتمرن باندفاع، يحاول تهدئة ألمه.
لم تهبط ماسة إلى الأسفل، بل ظلت حبيسة غرفتها، يغمرها ألم يفطر قلبها، أما سليم، فكانت حالته أصعب بكثير، كان الذنب ينهش في قلبه كذئب غاضب، ولم يتناول الطعام، اكتفى بالتدخين بشراهة واحتساء القهوة المرة دون انقطاع، يجلس في عالمه الخاص، مترقبًا كلمة واحدة منها لتُطفئ نيران قلبه العاشق، وكأنه سجين ينتظر بفارغ الصبر يوم الإفراج عنه بعد سنوات طويلة من الأسر.
كانت يده ملتبه بشدة، يرفض وضع أي علاج للحروق التي أصابتها، وكأن الألم المتزايد في يده أقل وطأة مقارنة بألم قلبه الذي كان أشد وأعمق، وكأنه يعاقب نفسه بهذه الأفعال، فهو يدفع ثمن خطأه بيديه.
من حين لآخر، كان يصعد إلى الطابق العلوي حيث غرفة ماسة، يترك رسالة على باب غرفتها يطلب فيها السماح. لكنها كانت ترفض، بل تتجاهله تمامًا، وكأنها تزيد في عقابه. لم تكن تلك الرسائل كافية لتخفيف عذابه، لذا أرسل إحدى الخادمات لتوصيل الطعام لها، رغم أنها بالكاد كانت تتناول شيئًا. كانت حالتها مليئة بالحزن ومعتزلة في غرفتها....
غرفة النوم
ماسة تجلس في الشرفة على الأرجوحة، تحركها بقدميها في حركة بطيئة ومثقلة بالحزن، وكأن كل حركة تذكّرها بألم يعصف بقلبها تحاول أن تهرب من أفكارها، تفكر في أي شيء آخر، تتذكر أشياء جميلة قدمها لها سليم، يجعلها تنسى لتغفر له ما فعل بها، بينما كانت غارقة في أفكارها، طرق الباب ودخلت سحر، تحمل بين يديها صينية بها طعام الغداء. نظرت بعينيها تبحث عن ماسة، ثم التقت عيناها بها وهي جالسة على الأرجوحة، اقتربت منها وقالت بصوت حذر: ماسة هانم.
رفعت ماسة عينيها باتجاه سحر بصوت منخفض: أيوة يا سحر.
سحر باحترام: جبت لحضرتك الغدا.
ماسة بحزن: مش هاكل يا سحر، قلتلك مليش نفس.
سحر بصوت دافئ: ياست هانم، أنتي برده ما فطرتيش، ومن الصبح بطنك فاضية! كلي لو حاجة صغيرة بس.
نظرت لها ماسة بعينيها بتردد. اقتربت منها سحر وربتت على كتفها قائلة: ياست هانم قومي كلي لقمة اسندي بيها طولك
تنهدت ماسة بصمت وتحركت للداخل جلست على الأريكة بينما وضعت سحر الصينية على الطاولة الصغيرة بجانبها.
سحر بصوت حنون: اوعي تزعلي على الاكل أبداً مهما حصل لحسن تتعبي أو يحصلك حاجة.
ماسة: شكراً يا سحر.
بدأت ماسة في تناول الطعام بشرود دون أن تشعر بأي رغبة حقيقية في الطعام.
راقبتها سحر بحزن و أثناء توجهها لخارج الغرفة استوقفتها ماسة قائلة: قوليلي يا سحر هو سليم بيه عامل ايه؟؟ أكل حاجة؟
سحر بحزن: والله يا هانم حالته تصعب على الكافر قاعد حزين وبيشرب قهوة وبس وبيدخن كتير وماكلش حاجة من امبارح.. ربنا يهديكم لبعض.
ارتعشت ماسة عند سماع كلمات سحر، كأن سهمًا أصاب قلبها. رغم كل ما حدث بينهما، لم تستطع إنكار حبها العميق له، ذلك العشق الذي يُذيبها ويجعلها ضعيفة أمام ذكراه. دمعة صغيرة خانتها وسقطت على خدها، لكنها سرعان ما مسحتها.
تنهدت بعمق نفضت الألم عنها قليلا وقالت: استني يا سحر..
قامت بوضع بعض من الطعام في الصحن ومدت يدها لسحر. قالا بتحذير: اسمعي كلامي كويس خدي دول و وديهم لسليم بيه بس ما تقوليش له إني عملتهم ليه كإنك إنتي اللي عملاهم سامعاني يا سحر.
سحر بابتسامة: حاضر ياهانم ربنا يسعدكم يارب.
على اتجاه اخر
كان سليم لا يزال جالسًا في مكتبه، يدخن السجائر بشراهة، وقد تكدست الطفايات من كثرة السجائر التي أطفأها فيها، بينما كان هناك أكثر من فنجان قهوة فارغ على الطاولة. جلس غارقًا في أفكاره، يأسف ويتساءل كيف يمكنه إصلاح الأمور وجعلها تسامحه،كان شعوره بالاختناق يتزايد كلما فكر في أنها قد تقرر الابتعاد عنه والعودة إلى منزلها، خاصة بعد أن توقفت أمامه، حاملةً حقيبتها، وقالت إنها سترحل وتتركه، وأنها ستعود إلى بيتها. كانت تلك الفكرة تكاد تقتله، ففكرة فقدانه أكثر من أن يتحملها.
دخلت سحر إلى الغرفه وهي تحمل الصحن الذي عدته ماسه بنفسها: سليم بيه، مش هتاكل؟
سليم وهو يغمض عينيه: لا يا سحر، مش هأكل. فتح عينه نظر لها: من فضلك، خليكي مع ماسة، تابعيها، شوفِي إذا هتاكل ولا لأ. وجبلها عصير برتقال بالجزر، هي بتحبه، أنا جبت لها شوكولاتة وشيبسي.طلعلهملها، ما تجيبيش سرتي، قولي إنها منك.
سحر بقلق:معلش يابيه، إن شاء الله هتسامحك.
نظر إليها سليم بعينين ضيقتين: هي قالت لك حاجة؟
سحر موضحه: ماقالتش حاجة، بس وشها بيقول... يعني، مش عايزك تزعل مني يا بيه اني بعدي حدودي، بس الست ماسة طيبة وهادئة. من ساعة مادخلت البيت، ما حسيتش إنها من النوع اللي بيخلي جوزها يتعصب عليه ويمد ايده. حاول تبقى هادي معاها، هي لسه صغيرة.
سليم هو ينظر لاسفل بحزن: أنا اللي غلطان ياسحر، هي ماعملتش حاجة.
سحر: طب مادام عارف انك غلطان، مافيش عيب إنك تعتذر، الراجل لما يقول 'أنا آسف' بيكبر في نظر الست، اوعي تفتكر إن اسفك هيقلل منك، بالعكس، هتبين قدامها انك بتحبها.
هز سليم راسه بإيجاب بصوت منخفض: روحي انتي طيب وخليها تاكل، خدي بالك منها.
سحر باحترام: من عنيا يابيه بس حضرتك مش هتاكل دي الست ماسة عملت ساندوتشات وأدتهملي عشانك بس أمانة ما تقولهاش إني قلتلك.
ابتسم سليم بتأثر وندم فمعشوقته الصغيرة رغم وجعها منه الا أنها تعشقه و تهتم لأجله
تناول سليم الطبق من سحر ببسمة وبدأ بتناوله ببارقة أمل في مسامحة ماسة له
سحر بابتسامة: ربنا يصلح ما بينكم يا بيه ..
(اليوم التالي )
ظل المشهد كما هو؛ سليم جالس في الطابق الأسفل ينتظر بفارغ الصبر أن تسعده بمسامحتها في تلك الأثناء، استيقظت ماسة من نومها الذي بدا أنه لم يكن مريحًا، إذ انعكس التعب على وجهها وعينيها. أخذت نفسًا عميقًا ثم توجهت إلى المرحاض وأخذت حماما دافئاً..ارتدت فستان بسيطًا رماديأ اللون، وبدت في هيئتها جميلة كعادتها، رغم بساطة مظهرها.. وحاولت إخفاء الصفعات ببعض من مستحضرات التجميل.
وفور خروجها من باب الغرفة .. وجدت الممر مزينًا بالورود، وعلى الحائط من الجانبين أوراق صغيرة ملصقة بكثافة لدرجة جعلت الحائط يبدو وكأنه اختفى تمامًا، ضيقت عينيها بإستغراب، اقتربت من الحائط وأخذت أحد الأوراق وهى تقرأ بإستغراب كان مدون بها ( أنا أسف أخر مرة أوعدك، سامحيني كراميل) تفحصت باقي الأوراق، ووجدت أن الجملة ذاتها تتكرر على كل ورقة.تابعت سيرها بخطى مترددة، حتى وصلت إلى الدرج الذي كان هو الآخر مزينًا بالورود. هبطت إلى الطابق السفلي حيث كان المشهد مدهشًا أكثر؛ الهول بأكمله كان مليئًا بالزهور، وعلى الجدران نفس الأوراق المكتوب عليها اعتذار سليم. بدا وكأن الشاليه تحول إلى بستان من الزهور وآلاف الأوراق المليئة بالاعتذار.كانت ماسة تنظر حولها بدهشة، حتى وقعت عيناها على الباب الزجاجي الموصل إلى الحديقة، حيث علّقت بالونة كبيرة على شكل قلب، مكتوب عليها بخط عريض (أسف، سامحيني). تبسمت إبتسامة خفيفة وسحبت الباب لتأخذ البالونة بين يديها.
وجدت ورقة ملفوفة مربوطة بالبالونة، ففتحتها وقرأت:
"مافيش كلام ممكن يوصف جمالك ورقتك، ومافيش كلمة تقدر تمسح غلطتي! بس كراميل طمعان في قلب قطعة السكر الأبيض الصافي إنها تسامحه وتغفر له الغلطة اللي عملها وهو مش في وعيه.ومستحيل يكررها تاني.
مسحت ماسة دموعها التي انحدرت على وجنتيها. مازالت تشعر بالوجع مما فعله، ويبدو أنها تريد أن تسامحه، لكن أثر الضرب ما زال يؤلم قلبها قبل جسدها، وما زالت تشعر بالخوف منه.
وفجأة ظهرت يد سليم أمام عينيها، ممسكة بوردة حمراء يقدمها لها وهو يقف خلفها. نظرت إلى يده بارتباك لثواني، وابتلعت ريقها بتردد، ثم استدارت.
سليم بصوت يحمل توجسًا وأملًا: هتسامحيني؟
نظرت له ماسة بوجع: طب الضرب ممكن يومين وأنسى، خوفي منك هعمل فيه إيه؟ إنت مش هتتغير. من أقل من شهر وعدتني إنك هتتغير وهتسيطر على انفعالك، وما تغيرتش.
سليم موضحًا يحاول التخفيف عنها: صح، أقل من شهر، بس ماحدش بيتغير في شهر.
نظرت إليه ماسة بضجر: يعني إيه؟ المطلوب مني أتحمل كم علقة لحد ما تتغير؟
هز سليم يده بسرعة، متلهفًا لنفي الفكرة: لا لا، مش كده... أقصد.
توقف لثوانٍ، وهو ينظر لها يبحث عن الكلمات المناسبة، لكنها خانته. سليم الذكي، الذي يجيد الخروج من أصعب المواقف، وجد نفسه الآن منكسرًا وضعيفًا أمامها،أكمل بصوت مكسور ودموع تغمر عينيه، كلماته تخرج بصعوبة: مش هاتتكرر بوعدك، و لو اتكررت سبيني ماشي.
نظرت له ماسة بتوتر ودموع: يا سليم، بقولك خايفة إنت مشفتش نظرة عينك ولا ملامحك! كنت واحد تاني. إنت بتكون واحد غير سليم حبيبي، جوزي بحنيته ورقته. بتكون شخص معرفوش، مش كراميل.
أقترب منها سليم، وضمم بكفيه كتفيها بحب، واعتذر بعينين تمتلآن بالدموع: أوعي تخافي مني إنتِي الوحيدة اللي مينفعش تخاف مني في الدنيا دي. إنتِي عشقي، حبيبتي حتة مني، لو الدنيا كلها خافت مني، إنتِي لأ. والله العظيم مكنتش في وعيي. أنا متعذب، ميت من اول إمبارح بسبب كلمة خايفة منك دي.
ثم نظر داخل عينيها بعشق: ماسة، سامحيني. هتكون آخر مرة، بوعدك. والله وعد مش هضربك تاني، عارف إني قلتها قبل كده، بس المرة دي صدقيني، أنا مستعد لأي رد فعل منك لو كررتها. سامحيني المرة دي، فرصة، آخر فرصة ممكن تسامحيني بقى، وترجعي لي روحي وهدوئي وعقلي وقلبي. نور شمسي اللي غابت.
نظرت له ماسة بعينيها الحزينة، تمررهما عليه بحب رغم وجعها، تعشقه، ولا تستطيع الابتعاد عنه مهما حدث.
بدموع وبحب ضعيف، رفعت كتفيها: مقدرش ما أسامحكش... لأني بحبك أوي.
ابتسم سليم بدموع الفرح: وأنا كمان بحبك أوي.
جذبها بقوة إلى صدره، ضمها بشدة كأنه كان يختنق، وفي حضنها استعاد أنفاسه وحياته وروحه الميتة فى بعدها. ثم أخذ يدور بها بسعادة بين ذراعيه، هبطها، نظر إليها وقال بابتسامة: يــااا، كأني كنت غريق، وأخيرًا قدرت أتنفس. كأن روحي انسحبت مني ورجعت تاني.
ثم أكمل بابتسامة وهو يمسح دموعه: ها، قولي لي إيه رأيك في اللي عملته؟
ماسة وهي تمسح دموعها بدهشة:جميل جداً. عملت ده كله إمتى؟
سليم بابتسامة: بعد ما اعتذرت لك إمبارح، ورفضتِ تسامحيني. لما شفتكِ نمتي، خرجت وكلمت مكي وعشري والحراس يجيبوا كل الورد ده، وأنا قعدت أكتب كل حاجة بنفسي.
نظرت له ماسة بتعجب: كتبتهم كلهم؟
سليم: طبعًا.
ابتسمت ماسة: حلوين أوي.
تساءل سليم بحذر وتوجس: ماسة، لسه خايفة مني؟
هزت ماسة رأسها بنفي: خلاص من قلبي أنا بحبك يا سليم، بس متعملش كده تاني دي آخر فرصة، وبعدها همشي.
نظر لها سليم بجدية وقال بوعد صادق: أنا وعدتك، وسليم مستحيل يرجع في وعده.
ثم ضمها بشدة إلى دفء حضنه، وكأنها أصبحت ملاذه الوحيد، أبتسمت ماسة بخفة، وأمسكت كفه، فور لمسها، ظهرت على ملامحه علامات الألم. لاحظت ماسة ذلك، فتوقفت ونظرت إلى كفه اتسعت عيناها حين رأت الجرح الملتهب.
ماسة بخضة:سليم! ايه ده!! إيدك مالها! تعال.
سحبته من معصمه إلى الداخل وأجلسته على الأريكة. تركته لثوانٍ وعادت وهي تحمل حقيبة الإسعافات بين يديها. جلست بجواره وبدأت بوضع المرهم على الجرح، تراقب ملامحه المتألمة بحزن، وتنفخ بلطف على الجرح لتخفيف الألم. بعد ذلك، قامت بلف الشاش حول الجرح بإحكام.
ماسة، بقلق: إيه حصل؟
سليم، بتردد:حرقت إيدي.
نظرت إليه باستغراب: حرقت إيدك؟ إزاي يعني؟ مش فاهمة!
سليم بغل يخرج من عينه: لانها السبب في اللي حصلك، كان لازم أعاقبها كان لازم أحرقها عشان عملت فيكي كده.
نظرت إليه ماسة بدهشة واستغراب، لا تعرف كيف ترد على كلماته، تنهدت وأكملت عملها بصمت، مسحت على الجرح بلطف بعد أن انتهت من لف الشاش، ثم نظرت إليه.
ماسة، بهدوء: وحياتي يا سليم ما تعملش كده تاني.
سليم، بنبرة حاسمة: أكيد مش هعمل كده تاني، لأن عمري ما هكررها، ولا يمكن أمد إيدي عليكي تاني. ده وعد.
نظرت إليه ماسة بصمت للحظات، ثم قالت بنبرة تحمل مزيجًا من الحزن والشك: أنا بثق في وعودك؟
نظر سليم في عينيها بعمق، وكأنما يبحث عن روحه داخلها، ثم قال بوعدٍ صادق يقطر منه الحب: وانا قد ثقتك، ومستحيل سليم يخذلك ثاني.
مدّ يديه برفقٍ يشبه الحلم، ووضعهما خلف رأسها، وقربها إليه بحنانٍ يغمره الأمان، طبع قبلة طويلة ودافئة على جبينها، وكأنما يهمس لها:( أنتِي عالمي.)ثم ضمها بين حنايا قلبه، وكأنما يريد أن يزرع الأمان والحب في أعماقها للأبد. ليخبرها بصمت أن لا شيء في الكون أقرب إليها منه وأنه ما زال أمانها وملاكها الحارس، الذي لن يتركها أبدًا.
💕_________بقلمي_ليلة عادل(◕ᴗ◕✿)
قصر الراوي - الخامسة مساءً
الهول
- كانت فايزة جالسة مع رشدي وصافيناز، بعد عودت صافيناز من الجونه في رحله سريعه، يحتسون القهوة ويتبادلون الحديث. دخل عزت من الباب الرئيسي وهو يبدو منهكًا، يتنهد بصوت مسموع.
فايزة نظرت إليه مستغربة، وقالت: شكلك تعبان، مالك؟
جلس عزت على أحد المقاعد وبدأ بفك أزرار بدلته: شغل كتير. لفيت على المصانع النهارده.
صافيناز عقدت حاجبيها بدهشة: هو سليم مجاش النهارده كمان ولا إيه؟
عزت وهو يتنفس بعمق:امم، بس كلّمني وقال إنه راجع بكرة، عندنا اجتماع مهم.
فايزة بحدة: أنا مش فاهمة، كل يوم والتاني ياخد إجازة! إيه الفيلم ده؟ مش هنخلص منه بقى؟
رشدي ضحك بسخرية: الباشا قطع عليه شهر العسل يا مامي، فبيحاول يعوّض.
صافيناز تساءلت: هو ليه قاعد في المزرعة؟
عزت بصوت متذمر: هو سليم، حد أصلاً يفهم له حاجة؟
رشدي علّق باستهزاء: تعرفوا إنه جاب فيلا جديدة وكتبها باسمها؟
فايزة بغضب: لو عاملة له عمل مش هيبقى كده!
نهض عزت وهو يتنفس بضيق: المهم إنه يرجع، يقعد هنا أو هناك، براحته. خلّصوا بقى كلام في الموضوع ده، مش عايز أسمع عنه أكتر. أنا هطلع أستريح شوية...
أشار إلى رشدي وصافيناز مضيفًا: وإنتم الاتنين، بكرة تكونوا في المجموعة علشان نتفق على شغل جديد. مش عايز تأخير.
تركهم عزت وصعد الدرج، كانت فايزة تراقبه بنظرة متفحصة حتى اختفى في الطابق العلوي، ثم وجهت أنظارها إلى صافيناز بنظرة ملؤها الحقد والضيق.
فايزة بتساؤل: إيه يا صافي، شيفاكي ساكتة! مش مكمّلة الخطة اللي اتفقنا عليها؟ اتحججتي بالحمل، وأهو فات أربعة شهور من يوم ما نزلت البيبي وما تقدمناش خطوة. ماسة لسه قوية، وعلاقتها بسليم بتقوى يوم بعد يوم. قلتِي لما موضوع لورجينا يتعرف علاقتهم هتهتز، بس ما حصلش حاجة، بل بالعكس! علاقتهم بقت أقوى. وإنتِي ساكتة! ولا استغلينا إبن لورجينا، فيه إيه؟ خلاص استسلمتي؟
صافيناز بلهجة توضيحية: استسلمت إيه! هو إحنا عملنا حاجة أصلاً؟! مامي، شفتي اللي حصل. مرّ ٩شهور على رجوعهم، ومتقدمناش خطوة معاكي! بس متنسيش إننا كنا مشغولين في المجموعة، ومكناش فاضيين للست ماسة. بعدين إحنا بدأنا في خطتنا، بس للأسف حملت، فكان لازم نخلص من الحمل ده الأول. ومتنسيش كان لازم نستنى شوية عشان سليم ما يربطش الأحداث ببعضها ويفهم. سليم مش سهل، غير إنها مجرد مانزلت البيبي مشيت من القصر أصلاً، كانت بتقعد يوم أو اتنين وبس! هنفذ إمتى؟ غير خطفها، وأنا كمان اجهضت، حضرتك شايفة كان فيه وقت متاح وأنا سكت وماستغلتوش؟ أنا كمان نفسي أخلص منها النهاردة قبل بكرة.
فايزة بإختناق: والحل؟
صافيناز بضيق: بصي أنا كنت فاكرة إن موضوع خطفها ده هيجي في صالحنا وإن بكدة سليم هيبقى على طول هنا بس للأسف مشيوا، فلازم سليم يرجع هنا عشان نقدر ننفذ خطتنا بسهولة.
فايزة بدهاء: مش هي بقت صحبتك؟ كلميها، اقنعيها ترجع القصر. قعدتها هناك مملة، هنا إحنا معاها، وبالمرة تقرب مني.
صافيناز ابتسمت وقد أعجبها حديث والدتها: تمام. هكلمها ونتقابل في النادي، وأقنعها، وأول ما ترجع، هنكمل خطتنا.
رشدي بعدم مبالاة: أنا مش فاهم إنتوا مشكلتكم إيه معاها، ماخلاص اتجوزها واضح أوي إنه بيحبها وميت في هواها، أنا مش شايف أي سبب يخليكم مركزين معاها بالشكل ده! بدل متركزوا معاها، نركز إزاي نمشي سليم من المجموعة.
نظرت له فايزة باستغراب، عبست ملامحها وزفرت بضيق قبل أن تقول بنبرة حادة: هو إنت فاكر إني ممكن أقبل إن حد يقرب من سليم ويشيله من على الكرسي؟ تبقى بتحلم يا رشدي، أنا مشكلتي مع الصعلوكة اللي اتجوزها، وكل هدفي أخليه يطلقها، غير كده مافيش! بل بالعكس، أنا هوفر لسليم كل الحماية عشان يوم ما يقعد على الكرسي ما يكونش فيه أي عراقيل أو أي شخص يضايقه، بالرغم من إنه مش محتاج الحماية دي.
رشدي بتصنع ابتسامة ساخرة وضرب يده على طرف الكرسي قائلاً بنبرة مفعمة بالكراهية: بقيتي بتتكلمي زي الباشا ونسيتينا.
مررت فايزة عينيها عليه بازدراء، نظرة حادة تخترق غروره، ثم اعتدلت في جلستها وأمالت رأسها للخلف بإرستقراطية متعمدة، قالت بنبرة قاسية ومسيطرة: أنتم الاثنين قعدتم عليه سنة كاملة! سنة.. عملتم إيه؟ المجموعة اللي بنيناها من سنين ضيعتوها، خسرتونا فلوس بالملايين، واسم العيلة كان على وشك الهلاك. خليتوا شوية كلاب يعضوا فينا. كل حاجة انهارت في غمضة عين لأني وثقت فيكم ودعمتكم مع عزت والمساهمين. بس للأسف، بسببكم اضطريت أقبل بدخول الخدامة ماسة القصر، وأكل معاها على السفرة، وأحط إيدي في إيدها، وأخلي سليم يفرض شروطه علينا. ياريت كنتم قدّ الثقة، يا رشدي.
ثم أضافت بتحذير، تدققت النظر في عينيه بصرامة:
رشدي، مالكش دعوة بسليم. مش الباشا بس اللي هيوقف في وشك، وأنا كمان. بلاش تخسرني، ها؟ عندك أفكار تساعدنا إننا نغورها من القصر تمام؟ مافيش؟ يبقى توقف وتتفرج وأنت ساكت. مفهوم؟
نهض رشدي وصفق بيده على الكرسي، نظر إليها بنظرة ساخرة: طب أنا هنسحب من الحوار ده. ماسة مش شغلاني في حاجة ولا فارقة معايا، بل بالعكس، لقيت حاجة أقدر أتريق عليه بيها. زي ما قلت، الخطة اللي شغالين عليها فاشلة يا هانم، مش هي دي اللي هتخلي سليم يسيبها. باي.
تركهم رشدي بخطوات غاضبة، بينما صافيناز تراقبه بعينيها الضيقتين. قالت في نفسها بضجر وهي تهز رأسها: عيل غبي. كل اللي فارق معاه يضايق سليم وبس...
ثم وجهت نظراتها إلى فايزة وقالت بنبرة هادئة لكن بشيطانيه:سيبك من رشدي، من إمتى بنعمل له اعتبار؟ المهم سليم يرجع ونكمل الخطة قبل ما الباشا يقف في طريقنا.
🌹______بقلمي_ليلة عادل_______🌹
_ الفيوم/ مزرعة الراوي السابعةمساءً
_ غرفة النوم
نشاهد ماسة تجلس أمام التسريحة، وهي تقوم بوضع بودرة على وجهها لإخفاء آثار الضرب. كان يبدو عليها التأثر الشديد والحزن، وفي عينيها بقايا من الوجع. ما زالت تشعر بالحزن العميق. بعد دقائق، طرق الباب ودخلت سحر، خادمة ماسة.
سحر باحترام: ماسة هانم، العشاء جاهز وسليم بيه مستنيكي على السفرة.
ماسة: حاضر.
نهضت وتوجهت معها إلى الطابق الأول حيث كانت السفرة.
كان سليم يجلس على المقعد بانتظارها، وعلى الطاولة كان الطعام الشهي معداً خصيصاً لها. فور اقترابها، تبسم لها سليم. جلست على المقعد المجاور له
سليم مرر عينه عليها بابتسامة: عشقي خليت سحر تعملك الاكل اللي بتحبيه.
هزت ماسة راسها بإيجاب دون رد وهي تنظر في صحن.
اكمل سليم: تحبي نخرج بعد العشاء؟
ماسة باقتضاب وعي مازالت تنظر الى الصحن: لا، مش عايزة أخرج.
بدأت تتناول الطعام، وكان يبدو عليها أنها تشعر بألم في أسنانها نتيجة الضرب. وضعت يدها على فكها متألمة، فانتبه لها سليم.
تساءل سليم باهتمام: عشقي، إنتي كويسة؟
ماسة: أممم، ضرسي بس، وجعني شوية.
مد يده ووضعها برفق أسفل ذقنها، وهو يدقق النظر بها، فهو يعلم أنها لا تستطيع تناول الطعام بسبب الضرب.
سليم بندم: أنا آسف.
ماسة: هشرب شوربة.
هز سليم رأسه بنعم، وهو يشعر بالخجل والأسف على ما حدث. بدأت في احتساء الشوربة.
ماسة: جبت سحر ليه؟
سليم: عشان تبقى معاكي بدل ماتقعدي لوحدك.
تنهدت ماسة: ماشي.
أثناء تناول الطعام، كان سليم يركز نظره عليها بحزن وندم. كان واضحًا أنه لم يسامح نفسه بعد. انتبهت ماسة لتلك النظرات، ولكنها لم ترفع عينيها نحوه، واكتفت بالحديث.
ماسة برجاء لطيف: بطل تبصلي بالنظرات دي. أنا كويسة... (ثم وجهت نظراتها إليه) وصدقني، سامحتك.
سليم بعينين مغرورقتين بالدموع: بس أنا مش قادر أسامح نفسي! كل ما أبصلك، أشوف اللي عملته فيكي، برغم إنك خفيتيه بالمكياج، بس أنا شايفه بوضوح. شايف كل حاجة.
ابتسمت ماسة بهدوء وأمسكت يده برفق: إنت وعدتني إنك مش هتكررها. خلاص، خلينا ننسى. بلاش نفتكر. صدقني من كل قلبي سامحتك. أنا واثقة في وعدك ومتأكدة إنك مش هتخذلني فيه.
ضم سليم كفه بكفها بعشق وقال بوعد صادق يظهر في عينيه: مستحيل أخذلك... (ثم قبّل كفها بعشق).
تبسمت له ماسة ونهضت، وجلست على قدمه بدلال: مش هتأكلني بإيدك يا كراميل؟
أحاط سليم بذراعيه حول خصرها وتبسم، وقبّلها على خدها وهو يهز رأسه قائلاً: هأكلك.
أمسك الشوكة وبدأ يطعمها بحب، يدللها بكل رقة.
في قصر الراوي السابعة مساءً
ـ السفرة
نشاهد جميع أفراد العائلة يجلسون على طاولة الطعام يتناولون وجبة شهية.
نظر عزت لياسين بتوتر: ها يا ياسين، الحفلة كانت حلوة؟ عرفت سليم على هبة؟"
ياسين: أممم.
فايزة، بضجر تضغط على أصابعها: ليه ما جبتهاش هنا؟ مش أنا قلت لك تعزمها عشان بابا يتعرف عليها؟
طه بمزاح: الهانم لازم تعاين الأول.
فايزة، بعجرفة،رفع حاجبيها: طبعاً! ويستحيل أقبل إن اللي عمله سليم يتكرر تاني مهما حصل.
ياسين، بتوضيح خافت،يلتفت إلى الجميع: مشغولة، هبقى أعزمها يوم تاني.
عزت تسال متعجباً: إيه المشكلة اللي حصلت؟ أنا عرفت إن سليم عمل مشكلة مع واحد وضربه.
ياسين، بتوضيح: إنت عارف روبرتو، صاحب سليم، رجل الأعمال الإيطالي..
هز عزت رأسه بإيجاب، أكمل يا ياسين: شاف ماسة في الحفلة وماكنش يعرف إنها مرات سليم. عجبته، وطبعاً قال لسليم إنه معجب بيها، بحكم إنها كانت واقفة معاه معظم الوقت. وسليم سمع الكلام، من هنا وضربه.
عزت، يحدق في ياسين بترقب: وإنت ومكي كنتم فين؟
ياسين، بتوضيح: ابنك كان عامل زي التور الهايج، محدش عارف يوقفه. بالعافية خلصنا منه روبرتو، وبعدها أخد ماسة ومشي. أنا خلصت مع روبرتو الموضوع، كان عايز يعمل محضر، بس سكته بـ ٢٥ ألف دولار.
فايزة، ترفع حاجبيها بدهشة:مش كتير.
ياسين،ينظر إلى فايزة بجدية: لو شفتي اللي عمله سليم فيه، هتعرفي إنه مش حاجة. سليم كسر مناخيره، وثلاث سنان، غير الكدمات، وخلع دراعه كمان.
إبراهيم،يهز رأسه بغضب: يستاهل، هو اللي قل أدبه! أنا لو حد أعجب بمراتي، هقتله.
فريدة، تركز نظرها على ياسين:المهم، ماسة...: طب إنت ليه يا ياسين ما روحتش معه؟ ما إنت عارف سليم لما بيبقى في الحالة دي بيبقى عامل إزاي؟
ياسين،يرفع كتفه: ماجاش في دماغي، كان كل همي أشوف حوار روبرتو ده. متقلقيش، مش هيعمل لها حاجة، اتغير. أنا كلمت مكي الصبح وسألته عنها، قالي ما حصلش حاجة.
صافيناز، وهي تنظر إلى فايزة بخبث: متأكد يا ياسين؟ ولا مكي بيكدب عليك؟
ياسين: متأكد.
عزت: المهم إن الموضوع يكون انتهى.
ياسين : ما تقلقش، خد الفلوس وسافر.
عزت، يبتسم بارتياح: عشان كده سليم اجازة من امبارح ؟
ياسين، بنبرة هادئة:ممكن.
عزت،يرفع يده بعلامة الرضا: "تمام، كملوا أكلكم.
بعد الانتهاء، جلست صافيناز مع فايزة في الحديقة.
فايزة وهي تلمس شعرها بسعادة: سمعتي اللي حصل؟ أهى جت لحد عندك.
صافيناز بضحكة خبيثة: يومين بالظبط هبقى هناك وأقنعها ترجع. أنا متأكدة إنه ضربها، ولازم نستغل الموضوع ده وهو لسة سخن، قبل ما تنسى العلقة.
فايزة،تحدق في صافيناز بتعجب:جبتي منين التأكيد ده؟
صافيناز، ترفع حاجبيها بثقة: نسيتِي لورجينا وأروى؟
فايزة، تتنهد بحيرة: بس سليم من وقت ما عرف ماسة اتغير.
صافيناز، تهز رأسها: تؤ، إلا في دي. وعلى إيه هاروح وأتأكد بنفسي. بعدين ضربها ماضربهاش، خطتنا واحدة.
نظرا لبعضهما وتبسما بشيطانية
مزرعة الفيوم
غرفة سليم وماسة الحادية عشرة
نرى ماسة ترتدي بيجامة شتوية وشعرها مبلل، وهي تجلس على مقعد التسريحة، تضع كريمًا موضعيًا على وجهها مكان الضرب، كان يظهر على ملامح وجهها ألم خفيف. ثم بدأت تضع الزيت على شعرها وتصففه. لم يمضِي سوى ثوانٍ حتى فتح سليم باب الغرفة بابتسامة مرحة وهو يتحدث في هاتفه.
سليم بجدية: خلاص الساعة 10، الاجتماع، سلام.
اقترب منها بخطوات هادئة وابتسامة جذابة، حتى وقف خلفها ينظر إليها عبر المرآة.
سليم بصوت دافئ: عشقي، خلصتي الشاور؟
هزت ماسة رأسها بنعم بابتسامة صغيرة وهدوء.
ماسة: وإنت، خلصت تليفوناتك؟
سليم مداعبًا خدها بأصابعه بنعومة، ونظراته تعكس حنانًا: آه، خلصت،
أمسك الفرشاة منها وبدأ في تصفيف شعرها بابتسامة خفيفة قال: عندي شغل كتير عشان مشروع العقارات، الباشا مش عايز يتدخل. حطني في وش المدفع لأني أنا اللي دخلت المشروع ده في المجموعة، زي ما قلتلك قبل كده.
ماسة بنبرة لطيفة: ربنا معاك.
أنهى سليم تصفيف شعرها وصنع لها ضفيرة، ثم انحنى وقبلها برفق من أعلى رأسها.
ماسة: ميرسي.
التفتت ماسة نحوه، وأمسكت بيديه. لاحظت تعبيرًا خفيفًا من الألم على وجهه حين لامست كفه.
ماسة بقلق يظهر في عينيها: لسه بيئلمك؟
سليم يبتسم باستهانة وهو يشيح بنظره:، يعني شويه، لكن الإبرة المسكنة خففت الألم شوية.
قبضت ماسة جبينها وضغطت على شفتيها: أنت غلطت أصلاً لما سبته كده من غير ما تحط عليه ثلج او مرهم أهو التهب.
سليم: قولتلك، بعاقب نفسي.
ماسة تنظر إليه بعطف وتحرك رأسها بأسف: تعال طيب ...
أمسكته من معصمه برفق وسحبته إلى الأريكة، ثم بدأت تفك رباط الشاش، فتغيرت ملامح وجهها إلى الصدمة والقلق.
ماسة بعينين متسعتين ونبرة مرتفعة: نهار يا سليم! ده التهب أوي!
سليم يحاول تهدئتها بابتسامة مطمئنة: مش أوي يعني.
تنهدت بضجر توقفت وخرجت خارج الغرفة ... غابت للحظة وعادت ومعها حقيبة الإسعافات الأولية. جلست أمامه وبدأت في وضع الكريم والشاش على الجرح بعناية، بينما تعلو وجهها علامات التركيز والاهتمام.
نظرت ماسة إليه بنظرة عتاب: والله، أنت مجنون! بكره لو فضلت كده لازم تروح للدكتور.
وضعت يدها على جبينه ثم صدره، وظهرت على وجهها علامات الارتياح: الحمد لله، مفيش حرارة.
سليم بلا مبالاة: ده حرق بسيط.
ماسة بحدة خفيفة ممزوجة بحب: لا مش بسيط ولا حاجة! يلا ننام.
نهضا معًا وتوجها إلى الفراش، وعيونهما تلتقي بين الحين والآخر بابتسامات مليئة بالحب والود.
تمددا على الفراش بهدوء. كان سليم مستلقيًا على جنبه، يسند كفه أسفل خده، وعيناه تتأملان ماسة بنظرات عاشقة. ارتسمت على شفتيه ابتسامة جذابة جدًا، وكأنه يذوب حبًا كلما نظر إليها، أقترب منها ببطء وأمسك يديها برفق، بينما عيناه لا تتركها، نظراته عميقة لدرجة جعلت جسدها يقشعر من فرط الإحساس. رفع يديها إلى شفتيه وطبع قبلة دافئة عليهما، ولم تفارق عيناه ملامح وجهها الساحرة.
اقترب أكثر، حتى بات وجهه قريبًا من وجهها، ثم بدأ يطبع قبلات متقطعة على وجنتيها، محملة بالشوق والشغف. بصوت مبحوح ومليء بالحنين قال: وحشتيني أوي يا قطعة السكر.
تبسمت ماسة بخجل ودفء، وأحاطت بذراعيها حول ظهره بحب: وإنت كمان.
همس سليم قرب أذنها، وصوته يفيض عشقًا: بحبك وبموت فيكي.
غمرهما الشعور بالحب العميق، واستسلما للحظات مليئة بالعاطفة والدفء، وكأن العالم توقف عند هذه اللحظة التي لا تعوض...بدأت قبلات سليم تهبط على عنق ماسة بلطف، وكأنه يحاول أن يغرقها في بحر من الحنان والشوق. لكنها، وعلى غير عادتها، بدأت تلك الابتسامة التي كانت تزين وجهها تختفي تدريجيًا، وحلت مكانها ملامح ضيق وألم مكبوت. كأن شيئًا داخلها انكسر بصمت... بينما كان سليم مستغرقًا في تقبيلها، بدأت صور متقطعة مما حدث معها قبل ليلتين تقتحم عقلها بلا استئذان. حاولت جاهدة أن تطرد تلك الذكريات الموجعة، أن تعيش اللحظة التي طالما عشقتها معه، لكن الذكريات كانت أقوى منها. كل لمسة، كل همسة بدت وكأنها أشواك تغرز في جسدها، كل حركة تشعرها وكأن الهواء يثقل على صدرها، شعرت بالغثيان فجأة، وضعت يدها على فمها في محاولة لكبح ما شعرت به. انتبه سليم سريعًا لها، وابتعد قليلاً، وعيناه مليئتان بالقلق.
قال بلهفة: عشقي، مالك؟
ماسة وهي تضع يدها على فمها وتحاول أن تتماسك: مش عارفة، حاسة إني عايزة أرجّع... بطني وجعاني.
سليم نظر إليها باهتمام: ممكن يكون من السمك اللي أكلناه.
ماسة محاولة إنهاء الحديث: ممكن... خلاص، خلاص راحت.
مرر سليم يده برفق على خدها، ونظراته مليئة بالحنان: تحبي أعملك نعناع؟ أو أي حاجة تريحك؟ ولا نروح للدكتور أحسن؟
ماسة وهي تهز رأسها برفق: لا، مش للدرجة دي. أنا هنام وبكرة هكون كويسة.
سليم أصر بابتسامة صغيرة: طب استني، أعملك نعناع الأول ونامي، ماشي؟
قبلها على خدها بحنان وهمّ بالنهوض، لكنها أوقفته بلمسة خفيفة على يده.
ماسة بمنع: أنا مش عايزة أشرب حاجة. هنام... تصبح على خير.
قبلته على خده بخفة، ثم استدارت على جنبها، وأعطته ظهرها. أضافت بصوت هادئ: نام إنت كمان، عندك شغل بدري.
كانت تحاول الهروب، بالابتعاد عنه دون أن يلاحظ. لم ترد النظر في وجهه كي لا يقرأ في عينيها ما تخبئ من ألم.
مرر سليم نظره عليها باستغراب، ثم قال بصوت منخفض، مشوب ببعض الحزن: مش هتنامي في حضني؟
حركت ماسة عينيها بارتباك واضح، لا تدري بماذا ترد. ابتلعت ريقها وقالت بصوت خافت: أنا نفسي. بس... ريحة السجاير اللي شاربها هتتعبني.
سليم بنبرة تحمل شيئًا من الأسى: بس أنا شارب سجاير من بدري أوي. إنتِي عارفة إني ما بشربهاش من المغرب عشان خاطرك.
تهربت ماسة وهي تتظاهر بعدم اليقين: مش عارفة، شمّيتها كده.
شعر سليم أن كلماتها مجرد عذر، وأنها لا ترغب في الاقتراب منه هذه الليلة. لم يكن السبب الطعام أو السجائر، بل الألم الذي ما زال يثقل قلبها وذكرياتها، ألم تلك الليلة التي لم تستطع تجاوزها...هز رأسه بحزن ووجع، واستدار على جانبه، معطيًا ظهره لها...كان كل منهما مستلقيًا في جانب من الفراش، بينهما مسافة من الجفاء والألم...
شعر سليم بوجع يفتك بقلبه ويؤلم عقله، ودموع تسللت إلى عينيه رغمًا عنه. بدا له أن الأمر أكبر من مجرد كلمات، وأنه أخطأ خطأً لن يُنسى بسهولة...غرق كلاهما في صمت ثقيل، محاطين بجدار من المسافة والصراع الداخلي، وكل منهما يشعر بأن عبور تلك المسافة أصعب من أي وقت مضى.
((اليوم التالي ))
شمس الصباح تحتضن السماء في أجواء هادئة، كان الضوء الذهبي يتسلل برفق عبر زجاج النوافذ، يملأ الهول بدفء ناعم. جلس سليم على طاولة السفرة، مستندًا بكوعه على الطاولة، وكوب القهوة الساخنة في يده. كان يبدو شارداً، عينيه مثبتتين على نقطة غير مرئية، وكأن أفكاره تأخذه إلى مكان بعيد... صوت خطوات خفيفة على الدرج قطعت الصمت، نزلت ماسة ببطء، مرتدية بيجاما، وشعرها منسدل، ووجهها يحمل ملامح هادئة لكنها متعبة. اقتربت من السفرة
ماسة: سليم، إنت ماشي؟
رفع سليم نظره إليها بتعجب خفيف: صاحيه بدري ليه؟
ماسة بهدوء وهي تجلس على الكرسي المقابل له: اتعودت. صباح الخير.
نظر لها سليم باستغراب. بالعادةً كانت تبدأ يومها معه بابتسامة وقبلة، لكن اليوم بدا وكأن هناك حاجزًا يفصل بينهما. مد وجهه نحوها بخفة وهو يقول بابتسامة صغيرة: صباح الورد... فين بوستي؟
ابتسمت ماسة، لكن ابتسامتها كانت تحمل شيئًا من الضيق الممزوج بمشاعر مبطنة. اقتربت ببطء وقبلته على خده، ثم قالت بصوت هادئ: هلبس و وديني عند ماما.
سليم استغرب طلبها: بدري كدة؟
ماسة بتردد بسيط: اممم... هافطر معاها.
هز سليم رأسه دون تعبير واضح وقال: طب يلا بسرعة ألبسي.
ماسة: أوكيه.
هرولت ماسة عائدة إلى الطابق العلوي لتبديل ملابسها، بينما بقي سليم جالسًا مكانه، يراقبها وهي تصعد الدرج. بدت ابتسامته حزينة، وكأنه يحاول إخفاء وجعه.
قال بصوت داخلي، وكأنه يحاول إقناع نفسه: أكيد يومين وهتنسي... لازم أخليكي تنسي.
ثم عاد إلى فطوره، يحاول أن يكمل يومه كأنه يحمل عبئًا يثقل قلبه.
فيلا مجاهد - الساعة الحادية عشر صباحًا
المطبخ
نشاهد ماسة وهي تجلس مع والدتها سعدية، التي تقوم بتنقية الأرز، وسلوى تجلس لتقطيع السلطة، بينما ماسة تقطف الملوخية.
ماسة: هو مش سليم جاب لكم خدامين؟
سعدية: أبوكِ ما يحبش يأكل إلا من إيدي. أهو أنا أطبخ، وهما عليهم الباقي. ها.هتيجي معانا البلد؟
ماسة: معرفش... هشوف سليم، بس ما أعتقدش إنه هيوافق.
سعدية بتهكم: إنتِي مش عارفة تضحكي عليه أبدًا؟ سليم ده المفروض يكون خاتم في صباعك!
ماسة: ليه؟ هو سليم عبيط؟ سليم ذكي جدًا، طيب وحنين، بس مش من نوعية الرجالة اللي ممكن يتعمل فيهم كده.
سعدية: مافيش راجل ما يتعملش فيه كده ياختي! الكلمة الحلوة، المناغشة، والضحكة المثيرة تخليه يعملك كل اللي إنتِي عايزاه.
ماسة تحاول تغيير الحديث: وإنتوا مسافرين إمتى؟
سعدية: يعني كده يومين... بقولك ايه ما تكلمي"سليم" يجيب لنا بيت هناك.
ماسة برفض تام: لا، اتكسف كفاية اللي بيعمله معانا.
سعدية: عندك حق... أنا هعمل جمعية من المصروف اللي هو بيديه لنا، ونجيب هناك إن شاء الله أوضة وصالة. عشان لما نسافر نلاقي مكان يلمنا بدل بيت خالتك، ووقتها، مش هيبقى عنده حجة يرفض يوديكي هناك.
ماسة بزفرة مختنقة: طيب... "سوسكا تعالي نقعد في الجنينة.
نهضت "سلوى" مع "ماسة" وتوجهتا إلى الحديقة.
سعدية بصوت منخفض: والله عبيطة!
حديقة الفيلا
نشاهد ماسة وسلوى تجلسان على مقعدين خشبيين متقابلين في الحديقة. النسيم يحرّك الأشجار من حولهما، بينما تبدو "ماسة" متوترة، تعبث بأطراف فستانها، و"سلوى" تنظر إليها بعينين حانيتين ولكن مليئتين بتعجب.
سلوى باهتمام: ها... مالك؟ شكلك متضايقة. وما تقوليش "مافيش" لأني متأكدة.
ماسة بتنهيدة متعبة: هاحكيلك لأني مخنوقة... تأخذ نفسًا عميقًا. من يومين كنا في حفلة تبع "ياسين"... تبدأ في رواية ما حدث لها.
بعد الانتهاء قالت سلوى بضجر: يا لهوي! كل ده ليه؟ مجنون ده! لازم تقولي لأبوكِ أو أمكِ.
ماسة برفض ممزوج بالألم: لا، مش هينفع أقولهم. وبعدين حتى لو اشتكيت، تفتكري ممكن يعملوا حاجة؟ هشيلهم من سليم وبس... وبعدين هو صالحني.
سلوى بضجر، وتحاول التماسك: بس على الأقل كانوا هينصحوكي. هو مالوش الحق إنه يضربك كل الضرب ده! طب أول مرتين، يمكن كنتِ غلطانة، مع إنه ماكانش غلط كبير، لكن اللي عمله المرة دي صعب، ما يتسكتش عليه. خاتم إيه اللي يضربك عشانه؟ ده جنان! لازم تاخدي موقف.
ماسة بتنهيدة ثقيلة، ملامحها تملؤها الحيرة: ما أنا بقول لك... زعلت منه يومين وهو صالحني. إيه؟ عايزاني أطلق منه؟
صمتت للحظة وهي تنظر داخل عينيها أضافت بنبرة حب:
أنا بحب سليمزأوي ومقدرش أبعد عنه، ومن قلبي بجد سامحته. بس أنا مش عارفة مالي... لما يحاول ياخدني في حضنه حسيت فيه شوك في لمسته. كدبت وقلت له بطني بتوجعني، بس هو فهم... وحستها في عينه إنه فهم.
سلوى بتأثر: عشان لسة متأثرة. وبعدين مين قال تطلقي؟ بس على الأقل خليكِي زعلانة منه كام يوم، مش تسامحيه بسرعة كده!
ماسة بتأثر وحنين، عيونها تتشح بالدموع: عارفة يا سلوى، لو شفتيه وهو عمال يعيط ويتحايل عليا عشان أسامحه كنتِيي وقفتي مذهولة. فضل طول الليل يتحايل عليا، وتاني يوم كذلك. لما كنت خلاص واخدة الشنطة وجاية أمشي، ولا لما حرق إيده، وتاني يوم فاجئني بالمفاجأة اللي قلت لك عليها. بس برضه مش بسهولة سامحته، لكن لقيتني مش قادرة أفضل مخصماه أكتر من كده. صالحته وهو وعدني...
بعدين هو بيضربني كل فين وفين، وعلى حاجات معينة بس! ( بوجع ودموع) وبعدين يا سلوى، يعني الضرب جديد علينا؟!
ما إحنا كتير اضربنا... من "منصور"، و"لورين"، وأبوكِ، وأمي، حتى عمار!
فاكرة لما أبوكي ضربني علقة موت عشان كان نفسي يجيبلي فستان جديد من مصروفي اللي بياخده مني؟ ماكنتش عايزة ألبس فستان لورين. كان نفسي ألبس حاجة بتاعتي.
(تمسح دموعها بقهر)
على الأقل سليم بيعتذر وبيندم على اللي عمله. وبعدين أنا فهمت هو ليه بيضربني... بيغير. وأنا هحاول على قد ما أقدر ما أعملش الحاجة اللي بتضايقه. صدقيني، أنا مش وجعني الضرب... اللي واجعني إني ما كنتش حابة إنه كمان يطلع زيهم. بس هو وعدني وأنا مصدقة وعده.
نظرت سلوى بدموع على حالهما، فكلاهما ما زال يعاني من قيود الماضي وصعوبة الخروج من ذلك الصندوق المظلم.
سلوى تنظر إليها بحزن عميق، عيونها مليئة بالدموع، وتجلس بجانبها، تتنهد قائلة بحزن وهي تمسك يدها: والله إحنا غلابة أوي. إنتِي هربتي من منصور وجبروته، وافتراء بنته، وضرب أبوكي وأمكِ، عشان تلاقي الاحترام والحنية. افتكرتي إن سليم هيكون الطبطبة... بس هو كمان طلع زيهم لما بيقلب، بيبقى وحش وبيستغل ضعفك.عارفة القهرة فين؟
تنظر لها ماسة باهتمام أكملت سلوى:
إنك مش عارفة تقولي لاوهتكملي معاه عشان ما لكِيش حد يجيب لك حقك. هيجيب لك حقك من مين؟ من "سليم الراوي؟ عشان كده بقول لك: خليكي سند لنفسك. لازم لما يزعلك تاني، تخليه يفكر ألف مرة قبل ما يعمل حاجة. وجمدي قلبك عليه!
ماسة تشعر بالضعف والتمزق، وتقول بصوت حازم:
هعمل كده! إحنا لازم نتعلم. التعليم في إيد البنت سلاح قوي. وندخل الجامعة عشان لو سليم سبني نقدر نشتغل ونصرف على نفسنا، وما نرجعش نخدم تاني. وكمان نحوش... إحنا مش ضامنين بكرة مخبي إيه.
سلوى تبتسم بحزن، وتضع يدها على يد ماسة: صح. بس هاقول لك على حاجة... رغم إني مش طايقة سليم، بس هو والله بيحبك.
ماسة بحذر، وعيناها مليئة بالخوف: أنا عارفة، بس خايفة يكررها. وكل مرة يكررها ممكن أكرهه أو أخاف منه. أنا فعلاً بدأت أخاف.
سلوى بحزم و تتنفس بعمق؛ حاولي ما تعمليش اللي يخليه يتجنن كده. ومن رأيي لو اتكررت، قولي لأمكِ تنصحك.
ماسة تتنهد، وتوجه إليها نظرة مليئة بالأمل: إن شاء الله مش هتتكرر.
(في الليل)
نشاهد سليم يتوقف أمام السيارة في الحديقة، وكان مكي يجلس في المقعد الأمامي. لم يكن يرغب في لقاء سلوى يحاول بكل جهد أن يتماسك ولا يجعل قلبه يتحكم في أفعاله.
كانت العائلة كلها تودّع ماسة أمام الباب، حين انتبه سليم لهم وتقدّم نحوهم بتودّد.
سليم بتهذيب:مساء الخير، عاملين إيه؟
مجاهد بابتسامة:الحمد لله، سليم بيه، ماتيجي.
سليم:مرة تانية ان شاءالله.
سعدية مبتسمة:كل مرة كده.
سليم: والله مشغول جداً، بس أوعدك في أقرب فرصة نقضي يوم سوا، وتعملي لي أكل من إيدك.
سعدية:أنت تؤمر.
سلوى بصوت منخفض: سليم.
نظر إليها سليم بابتسامة لطيفة، ثم أكملت سلوى بلهجة تحمل بعض الضيق. خد بالك من ماسة، بتحبك أوي.
نظر إليها سليم وهو يضيّق عينيه باستغراب، شعر بشيء غير مألوف في حديثها: دى أغلى من عينيّا يا سلوى. لازم نمشي الطريق مع بعض لآخره.
سلوى بلهجة أكثر هدوءً: ماسة هاجيلك قبل ما نسافر.
ماسة:ماشي.
سليم بتعجب: مسافرين فين؟
مجاهد بابتسامة: البلد، نشوف أخواتنا.
سليم:إنتم ما عندكمش بيت هناك؟
سعدية: هنقعد عند أختي، هنعمل إيه؟
سليم: شوفي فيلا حلوة وظبّطي كل حاجة، وابعتيلي عشان أدفع الفلوس. لازم يكون ليكم أفضل فيلا هناك.
سعدية بإحراج:كتير علينا.
سليم بلطف: مش كتير على أهل مراتي، وأنتو زي أهلي.
مجاهد: ربنا يكرمك يا ابني زي ما بتكرمنا.
سليم بابتسامة:يلا، سلام.
سيارة سليم السادسة مساءً
كانت السيارة تسير بهدوء في الطريق. كانت ماسة وسليم في المقعد الخلفي، والجو صامت بينهما. بينما ماسة غارقة في أفكارها، وكان سليم يراقبها بنظرات متسائلة، فلم يكن هناك حديث بينهما كالمعتاد. بدأ هو بالكلام، محاولاً كسر الصمت.
نظر سليم إليها، وقال بلطف: عاملة إيه؟
ماسة بإيجاز،: الحمد لله.
أعاد سليم سؤاله بنبرة محايدة: أكلتي؟
ماسة باقتضاب: آه.
ابتسم سليم برفق، محاولاً استعادة الأجواء الطبيعية بينهما: آيه؟
ماسة: ماما عملت بطة ورز معمر وملوخية ورقاق.
ضحك سليم قليلاً، وأضاف ممازحاً: من غيري؟ أنا ماليش دعوة، عايز من ده.
ماسة: هعملك حاضر.
ابتسم سليم بابتسامة لطيفة، أمسك يدها بلطف، وعينيه تركز عليها، ثم قبل يدها قائلاً: وحشتيني يا قطعة السكر.
ماسة بصوت خافت: وأنت كمان.
سليم: وانا كمان ايه؟
ماسة ببردو: وحشتيني؟
ابتسم سليم، لكنه لاحظ الصمت الذي ساد بعد كلامه، فانتظر قليلاً لعله يسمع منها ما يطمئنه. لكنه شعر بارتباك في عينيها، فقرّر أن يتحدث مجددًا.
سليم بنبرة أقل حدة: مش هتسألي وتطمني عليا؟
نظرت ماسة إليه بصمت، وكأنها تحاول العثور على الكلمات المناسبة. كانت أصابعها تتلاعب بحواف فستانها، بينما كانت تتنهد ببطء. أكمل سليم وهو يحاول تفكيك حاجز الصمت: يعني... أكلت، شربت، عملت إيه النهاردة؟
توترت ماسة: كنت هسألك لما نروح.
سليم مبتسمًا: اممم، الطريق طويل. خلينا ندردش.
ماسة بإيجاز: أكلت.
سليم بحزن طفيف: آه، عارف إنك مش هتستنيني، صح؟
حاولت ماسة تغيير الموضوع: إنت ليه رفضت اروح البلد؟ أنا مش فاهمة، إنت ليه رافض؟ أهلي وحشوني.
سليم بتفهم: وأنا قولتلك ينوروا في أي وقت.
ماسة بضجر: إيه المشكلة لو سافرت؟
نظر إليها سليم وقال بهدوء: وتباتي برة؟
ماسة بضجر: لا، أنا عارفة إني مش مسموح أبات برة، بس هاروح وأرجع في نفس اليوم.
نظر إليها سليم بتفكير عميق، ثم قال بهدوء: لما يبقى ليكم بيت هناك، هسيبك تروحي خلاص.
ماسة بشك: بجد؟ ولا بتقول كده بس؟
هز سليم رأسه بنفي وقال بحسم: لا، مش كده وخلاص.
ماسة بصوت منخفض: هاشوف.
سليم: مسافر بكرة بورسعيد.
ماسة بعدم اهتمام: تروح وتيجي بالسلامة.
تنهد سليم بتعب، فقد كان يعلم أنها لم تسامحه بعد، وأن المسافة بينهما ما زالت كبيرة زفر بإختناق ونظر أمامه بيأس.
في أحد الكافيهات الكبيرة، الساعة التاسعة مساءً.
كان ياسين وهبة يجلسان على إحدى الطاولات، يتبادلان الأحاديث. بدت ملامح هبة تحمل الإستغراب والضجر.
هبة بضجر: يعني إيه؟ علشان خاطر عاكسها ولا علشان قال إنه معجب بيها، يعمل كل ده؟ حتى لو عارف إنها مراته، إيه الأسلوب المتوحش ده؟ مش قادرة أستوعب.
ياسين مشيرًا بيديه بهدوء:لو سمحتي، أهدي.
هبة بضجر: أهدى إزاي؟ كل الناس بتتكلم عن إللي حصل. أخوك ده مجنون، مش طبيعي! أنا كنت معجبة بيه، وبقول عليه جنتل مان ومحترم... طلع رشدي أعقل منه!
ارتسمت على وجه ياسين ابتسامة ساخرة:
رشدي أعقل!؟ إنتي عارفة ماسة وسليم اتعرفوا إزاي؟ بسبب رشدي! رشدي اتحرش بماسة في المطبخ، وكان هيغتصبها لولا إن سليم أنقذها. بصي، أنا مش بدافع عنه. إللي عمله غلط، لكن سليم عنده صفات كويسة. مشكلته إنه ما بيحبش حد يقرب من حاجة تخصه، خصوصًا مراته أو حبيبته، كان كدة برضه مع حبيبته السابقة، لما واحد عاكسها، عمل فيه نفس إللي عمله مع روبرتو.
هبة بإستياء: طب ده مش طبيعي. لازم يروح يتعالج عند دكتور نفسي.
ياسين بعقلانية: أنا أهم حاجة عندي دلوقتي، يا هبة، إنك ما تزعليش وما تاخديش عني صورة سيئة. أنا ماليش علاقة بأفعال أخويا. بس برضه، لازم تفهمي إن اللي حصل كان غصب عنه، وسليم مش طبعه كدة طول الوقت.
مسحت هبة وجهها بيدها محاولة التفكير بعقلانية: أنا مستحيل أحاسبك بذنبه، بس بحاول أستوعب العيلة إللي هادخل عليها. أخوك متحرش، وأخوك الثاني عصبي جدًا وتصرفاته متهورة، وأختك مغرورة. والدتك واضحة إنها شخصية قوية ومسيطرة. وبعدين عرفت إنكم لازم تعيشوا في نفس القصر، حتى لو هتخرجوا منه!
ابتسم ياسين وقال:أفهم من كلامك إنك موافقة نبدأ خطوة جدية؟
زمت هبة شفتيها بتفكير: أنا كنت موافقة لحد عيد الميلاد. كنت ناوية أفرحك، لكن بعد إللي شفته، بقيت مترددة.
أمسك ياسين بيدها وقال:خليكي عاقلة، ماتحاكمنيش بسبب حد. زي ما قلت لك، ماتخليش موقف واحد يكوّن فكرتك عن سليم. قوليلي، حد عندك في البيت أتكلم عن إللي حصل؟
هبة وهي تضحك: مامي حبته جدًا، قالت عليه راجل محترم وغيور. أول مرة أعرف إن في الطبقة بتاعتكم حد كدة. يا ريت يكون ياسين زيه. إخواتي كلهم أعجبوا بيه. بابا الوحيد إللي قال: إللي عمله كتير، كان المفروض يواجهه بطريقة أذكى، أما هادي قال المفروض يستناه برة، يديله علقة في مكان بعيد.
ضحك ياسين بصوت عالٍي: ما شاء الله! واضح إن عيلتكم هتتفاهم مع عيلتنا. أمال إنتي طالعة عاقلة كدة لمين؟
هبة بإبتسامة: لعمتك طبعًا! كل حاجة لازم تتحلل، ولازم نفهمها بهدوء. تصرفاتنا لازم يحكمها عقلنا، مش مشاعرنا وعواطفنا، لإن لو هي إللي حكمت، هنتصرف غلط.
ياسين: طيب، معناه أكلم ماما وبابا ونيجي نتقدم؟
هبة: ماشي، لكن أستنى لما أفتح الموضوع مع أهلي الأول. بالمناسبة، طمّني على ماسة قلقانة عليها يكون عملها حاجة، كلمتها، لكن تليفونها مقفول معظم الوقت.
ياسين مستنكرًا: سليم يقرب من ماسة؟ ده بيموت فيها! وبعدين هيعمل لها حاجة ليه؟ هي مالها؟
هبة بتوجس: الطريقة إللي خدها بيها برة وعصبيته المبالغ فيها مقلقة. أنا قلقت عليها.
ياسين بتوجس: ما تقلقينيش بقى. إستني، هكلمها وأشوف.
اتصل ياسين بماسة، لكنها لا ترد، قال بتوجس: تصدقي؟ ما بتردش! بس تليفونها مفتوح. أنا هاكلم سليم.
قام بالاتصال بسليم. بعد قليل أجاب سليم
سليم: ألو؟
ياسين:إيه يا أبني؟ عامل إيه؟ أخبارك إيه؟
سليم: الحمد لله. إنت أخبارك إيه؟
ياسين: تمام. إيه؟ هديت ولا لسة مجنون؟
سليم بخجل: أنا آسف يا ياسين، وأعتذر لهبة. حقيقي ما كانش قصدي. إنت عارف، لما باتعصب، مابيشوفش.
ياسين:ولا يهمك. هو كمان قليل الأدب. قولي، ماسة كويسة؟ هبة كانت عايزة تكلمها.
سليم نظر بطرف عينه لها قائلا:ماسة كويسة. كنا عند أهلها، وراجعين في العربية.
ياسين:ممكن تديها التليفون؟
يعطي سليم الهاتف لماسة.
ماسة بلطف: ألو، إزيك يا هبة؟ عاملة إيه؟
هبة: الحمد لله. طمنيني، إنتي كويسة؟
ماسة: آه، كويسة. ليه بتقولي كدة؟
هبة:مافيش. ممكن نتقابل بكرة؟
ماسة: هاشوف كدة، وأقولك. إحنا مش في البيت، إحنا في مزرعة الفيوم.
ينظر سليم لماسة ويقول فقد فهم ردها من الحديث: لو عايزة تخرجي معاها، روحي. ماعنديش مانع.
فهو يحاول إسعادها بأي طريقة بعد فعلته.
ماسة: خلاص، ها أروح وأكلمك ونتفق على الميعاد والمكان.
هبة:تمام، باي باي يا قمر.
(أغلقت هبة الهاتف وقالت)
هبة:صوتها باين عليه إنه متضايق شوية.
ياسين بثقة: مستحيل يكون عمل لها حاجة، يمكن زعق لها شوية. خلينا فينا. هتروحي تكلمي أهلك عشان أعرف أفتح مع بابا وماما الموضوع.
هبة: بس أنا مش عايزة أتجوز دلوقتي، ياسين مش عايزة أشيل مسؤولية.
ياسين بسخرية: مسؤولية إيه إللي هتشليها؟ هو أنا هاخليكي تعملي لي أكل وتودي العيال المدرسة؟ في إيه؟
هبةتتردد: مش كدة. بس أفهم كدة.. إنت مستعجل على الجواز؟
ياسين موضحًا: يعني نعمل خطوبة، والجواز يبقى بعد سنة. إيه رأيك؟
هبة: سيبني أفكر.
يبتسم ياسين بثقة، متوقعًا موافقتها لكن مسألة وقت
في مزرعة الفيوم، الساعة الثانية عشرة صباحًا.
في غرفة النوم.
كانت ماسة تحضر نفسها للنوم. استلقت على الفراش، بينما خرج سليم من المرحاض وهو يجفف شعره. لاحظ وجودها وهو يضيق عينيه، وتوقف أمام الفراش.
سليم:إنتي هتنامي؟
ماسة:اممم.
سليم متعجباً: دلوقتي؟
ماسة بهدوء، لكن صوتها يحمل شيئًا من البرود: الساعة١٢.
سليم يقترب منها بخطوات هادئة، وهو يراقبها بشوق وحذر: إحنا مقعدناش مع بعض من الصبح. خلينا مع بعض شوية.
ماسة بنوع من برود: إنت مش مسافر بكرة بورسعيد، لازم تنام بدري.
مرر سليم عينيه عليها بحزن، كما لو أنه يتمنى لو كان بإمكانه أن يمحو الألم الذي يراه في عينيها. قال بصوت منخفض مليء بالأسى: هو إحنا هنفضل كده وهتفضلي زعلانة لحد إمتى؟
اقترب منها، وجلس على حافة الفراش، وكان قلبه يكاد ينفجر من الندم. نظر إليها، وكأن الكلمات تعجز عن التعبير عما يشعر به، وقال بقهر: لو في حاجة ممكن أعملها علشان تسامحيني، قولي لي وهاعملها، بس بلاش المعاملة دي.
جلست ماسة على الفراش، قلبها يخفق بسرعة، وعينيها مليئة بالدموع التي كادت تنهمر. قالت بصوت مكسور: أنا سامحتك، بس مش عارفة أنسى. عايزة أنسى، بس مش عارفة..
مدت يدها برفق ووضعها على يده، وكأنها تحاول أن تلمس جزءًا من الأمل الضائع، وأضافت:
أنا بحبك، وتقبلت أسفك، بس مش قادرة أنسى.
سليم بألم شديد، وكأن الكلمات لا تكفي: طب أعمل إيه علشان أنسيكي؟
ماسة هزت رأسها بوجع بعينين اغرورقت بدموع: مش عارفة!
سليم بصوت مليء بالرجاء، وهو يقترب منها أكثر: إنسي يا ماسة، وافتكري الحلو اللي عمله سليم. عارف إن غلطتي وحشة أوي، ويمكن ما قدرتش أقدم حاجات كتير حلوة، بس أرجوكي تنسي.
نظر إليها سليم وهو ينتظر أي رد، لكن عينيها ظلت صامتة، كأنها لا تستطيع أن تفتح قلبها أمامه. تنهدت ماسة بعمق، فاستمر في حديثه بنبرة مكتومة، وكأن قلبه ينبض بالندم: أنا مش هزعجك تاني. ومتأكد إنك هتنسي في يوم.
نهض سليم وتوجه إلى الباب. عندما كاد أن يفتحه، صرخت ماسة بصوت عالي: سليم!
التفت إليها بتعجب، وعينيه مليئة بالحيرة، وكأنها أعادته إلى مكانه، ركضت نحوه، وضمته بقوة كما لو أنها لا تستطيع أن تتركه يذهب مرة أخرى.رفع سليم ذراعيه واحتضنها بشدة
ماسة، وبينما كانت تبكي بضعف، قالت بصوت ضعيف ومهتز: أنا بحبك أوي يا سليم، وسامحتك. نسيت خلاص، بجد نسيت.
ابتعدت قليلاً، نظرت إليه بشوق وأمل، ثم قبلته قبلة قوية مليئة بالعاطفة. تبادلا القبلات العميقة، وكأن الزمن توقف للحظة بينهما. حملها سليم على خصره برقة، متوجهًا بها نحو الفراش، حيث استسلموا لمشاعرهم المتدفقة، وكأنهما قررا أن ينسيا الماضي، وأن يتوحدا في تلك اللحظة ويتركوا مشاعرهما ان تعبر عن كل شيء يشعرون به.
(اليوم التالي)
نشاهد صافيناز تدخل بسيارتها إلى المزرعة، توقفت أمام المبنى، خرجت من السيارة وهي تنظر من حولها. كانت ماسة تجلس في الحديقة تقرأ في كتاب. فور أن رآتها ماسة، نظرت لها بابتسامة واسعة، نهضت وتوجهت إليها لاستقبالها.
ماسة ببراءة: إيه الزيارة الحلوة دي! أنا ما صدقتش لما كلمتيني وقولتيلي هتيجي تقضي اليوم معايا.
صافيناز بتصنع الود: قلت مادام إنتِي قاعدة لوحدك، أجي أقعد معاكي شوية. إنتِي قاعدة زهقانة وأنا كمان قاعدة زهقانة.
ماسة بلطف: كويس إنك جيتي تقعدي هنا، ولا تحبي نقعد جوه؟
صافيناز: نقعد هنا.
جلستا على المقاعد.
ماسة: تشربي إيه؟
صافيناز: هو أنا غريبة، لما أحب أشرب هاطلب.
ماسة: ماشي عاملة ايه دلوقت أحسن
صافيناز: الحمدلله ..دققت النظر بها بخبث مبطن وقالت بمزاح: ها سليم حابسك في المزرعة ولا إيه؟
ماسة: لا خالص، إحنا قاعدين لحد ما الفيلا الجديدة تخلص.
صافيناز بمكر: بس ما بتروحيش في أي مكان؟
ماسة ببراءة: أنا بروح عند ماما.
صافيناز: هو مرواحك عند ماما ده بتسميه خروج؟! إنتِي بقالك أكتر من ٩ شهور راجعة مصر! ماشفتكيش مرة خارجة لوحدك، على طول مع سليم، وعلى طول قافلة على نفسك سواء في القصر أو حتى الفيلا! إنتِي تقريبًا ما عندكيش أصحاب هنا!!"
هزت ماسة رأسها بالإيجاب: أيوة فعلاً، ما عنديش أصحاب، أصحابي في البلد، لكن اتعرفت على هبة خطيبة ياسين وهبقى أخرج معاها.
صافيناز بخبث بفحيح افاعي قالت: والله كويس، بس انتي لازم تنسي بتوع البلد! إنتِي لازم يبقى عندك أصحاب، تخرجي معاهم، تسافري معاهم. إنتِي لو فضلتي كده هتدفني نفسك في الحياة... الحياة مش سليم وبس، ولا ماما وبابا وإخواتك، لازم يكون ليكي أصدقاء. شوفي الدنيا اللي اتحرمتي منها طول عمرك!"(تساءلت بشيطانية) "ولا سليم اللي مانعك؟ أنا عارفاه فظيع..
ماسة تبسمت ببراءة:لا، مش مانعني من الخروج بصراحة، بس في موضوع إني أتعرف على ناس، هو رافض. اتحايلت عليه كتير إني اتعرف على أصحابه بس هو رافض، بيقولي مش شبهك.
صافيناز: بصي، في النقطة دي بصراحة عنده حق. بس هو لازم أصحاب سليم! إنتِي لازم يكون ليكي أصحاب زيك، أصحاب خاصين بيكي بعيد عن سليم.
ماسة: ودول أعرفهم إزاي؟
نظرت لها صافيناز بخبث، فهي تحاول أن تجعلها تفعل الأشياء التي تعلم أنها تضايق سليم.
صافيناز بتصنع الإكتراث لأمرها: في النادي، ذاكري في المكتبة بدل البيت، انزلي الجيم. فيه أماكن كتير ممكن تكوني فيها أصدقاء! إنتِي بس اللي حابسة نفسك. إنتِي لو طلبتي من سليم إنك تروحي الجيم أو النادي هيقولك لأ؟"
ماسة: أنا ما جربتش، بس أكيد عادي.
صافيناز: خلاص، إنتِي تروحي النادي وتتعرفي على ناس هناك. أنا باروح على طول علشان بتمرن، تعالي معايا. وبعدين، إنتِي ليه حابسة نفسك هنا في المزرعة لوحدك؟ سليم بييجي متأخر، ما بتزهقيش؟
ماسة بإختناق: أنا هطق.
صافيناز بابتسامة: لا، أوعي تطقي. إنتِي كلمي سليم وخليه ينزلك تاني القصر لحد ما فيلتكم تخلص ونروح سوا، أو تروحي مع فريدة. خدي سلوى، لكن حرام والله تفضلي حابسة نفسك بالشكل ده. كمان علشان تقربي من مامي، ولا إنتِب مش عايزة؟"
ماسة بتمنى: أنا نفسي أقرب من فايزة هانم، بس هي مش مدياني أي اهتمام. إنتِي أكيد شفتي اللي كان بيحصل قبل كده.
صافيناز: بصي، مفيش حاجة بتيجي بسهولة، وإنتِي كمان ما قعدتيش في القصر كتير. حتى لما بتكوني موجودة، حابسة نفسك في الأوضة، وده غلط. أنا كلمتك قبل كده، بس مفيش فايدة. أنا اتكلمت مع مامي، هي بنفسها قالت: 'هو أنا بشوفها.' إنتِي لازم تاخدي الخطوة، يا ماسة، ومش مع أول خطوة تسقطي فيها تبعدي. قربك من الهانم مش سهل.
ماسة: عندك حق.
نظرت صافيناز من حولها ثم نظرت لها: قوليلي، صح؟ سليم عمل معاكي إيه بعد الخناقة بتاعة روبرتو؟
ماسة بتعجب: هو إنتِي عرفتي منين؟
صافيناز: من ياسين... هاا قوليلي هو ضربك؟
نظرت لها ماسة لثوانٍ وهي تفكر هل تروي لها كل شيء أم لا. صمتت لثوانٍ وقررت أن لا تتحدث في الموضوع.
ماسة بنفي قاطع: سليم لا، ما ضربنيش طبعًا.وهو هيضربني ليه؟
دققت صافيناز النظر بها، فهي تشعر أنها تكذب عليها: طب كويس والله، إنه اتغير معاكي. أصل هو كان بيضرب لورجينا وغيرها.
ماسة بتوتر مبطن:ممم، لا، سليم عمره ما ضربني. آه، بيتعصب، بس عمره ما مد إيده عليا.
قالت ذلك بصوت هادئ، مع ابتسامة صغيرة على وجهها، وكأنها تحاول إخفاء توتر ما. ثم أضافت بلطف: سليم جنتل مان ومحترم جدًا. ها، مش ناوية تشربي حاجة؟ أنا هطلب شاي.
صافيناز رفعت حاجبها أوكيه، وأنا قهوة.
قالتها بصوت عميق، مع لمحة من السخرية في عينيها، وكانت تراقب ماسة بعناية، وكأنها تحاول قراءة ما بين السطور.
قامت ماسة بالنداء على إحدى الخادمات بنبرة هادئة، وطلبت منها المشروبات، ثم رحلت بخطوات سريعة، بينما كانت يديها تتلاعبان بأطراف ثوبها بقلق. كانت عيناها تلمعان بشكل غريب، وكأنها تخفي شيئًا ما. بينما صافيناز كانت تراقبها، مع تساؤل في عينيها، متأكدة أن هناك شيئًا وراء تلك الكلمات البسيطة، فهي على أتم التأكيد أنها تكذب.
صافيناز: تمام. خلاص هترجعي القصر؟
ماسة: أممم، هكلم سليم. أنا فعلاً بتونس بيكم حتى لو لوحدي.
صافيناز بلؤم، فهي كل ما تريد هو أن تعود ماسة من أجل أن ينفذوا مخططهم بأي شكل: بقول كده.
بعد ساعات من مغادرة صافيناز، عاد سليم من بورسعيد بصحبة عشري ومكي وإسماعيل. دخل المنزل حاملًا باقة من الورد، وتوقف في منتصف الهول قائلاً بنبرة هادئة: استنوني
في المكتب.
صعد الدرج بخطوات واثقة متجهًا إلى غرفة النوم، حيث كانت ماسة تجلس في الشرفة على الأرجوحة، تضع سماعات مشغل الأغاني وتستمع لأغاني وهي تدندن بانسجام معها. اقترب سليم بهدوء، وتوقف خلفها، ثم وضع يديه على عينيها برفق. طبع قبلة رقيقة على خدها وهمس بجانب أذنها بنبرة عاشقة: عشقي الأول والأخير.
ابتسمت ماسةوقالت بصوت ناعم: كراميل.
جعلها تتوقف امامه، أمسك يديها بلطف، وطبع قبلة عليها: وحشتيني، عاملة إيه؟
ماسة بابتسامة خفيفة: تمام.
ناولها باقة الورد قائلاً بعشق: اتفضلي.
أخذتها ماسة بابتسامة مشرقة، واحتضنتها:ميرسي، جميلة أوي.
أخرج سليم من جيبه علبة قطيفة مستطيلة وفتحها، ليكشف عن إسورة أنيقة من الماس. نظر إليها مبتسمًا: عجبتني، قلت لازم تبقى في إيدك.
نظرت ماسة إلى الإسورة باندهاش، وابتسمت برقة دون أن تتكلم. ساعدها سليم في ارتدائها، ثم طبع قبلة خفيفة على يدها.
نظرت ماسة إلى الإسورة بإعجاب: جميلة أوي.
اقتربت منه وطبعت قبلة على خده وهمست: ميرسي ياروحي.
ابتسم سليم: أنا هنزل عند مكي وإسماعيل، تحت عندنا اجتماع صغير. بس هنقضي باقي اليوم مع بعض، ما تقلقيش.
نظرت إليه ماسة بقلق طفيف وسألته: في حاجة؟
سليم مطمئنًا: لا، بس وصلنا لشوية معلومات بخصوص موضوع خطفك.
تنهدت ماسة وابتسمت: خلاص، وأنا هجهز الغداء.
ابتسم لها سليم، طبع قبلة على جبينها، ثم غادر الغرفة متجهًا إلى الطابق السفلي للقاء رفاقه.
مكتب سليم
نرى سليم جالسًا على مقعده، ممسكًا باللاب توب، عينيه غارقتين في السواد والغضب. كان وجهه مشدودًا، وجبهته مكفهرّة، وعيناه تنم عن تركيز حاد. كان يتحرك بأنامل يده بشكل غير طبيعي من شدة التوتر. في هذه اللحظة، تحدث مكي، وكأن الكلمات لا تكفي للحديث عن الموقف الذي يمرون به.
مكي: أنا فكرت إني أدور في كل تسجيلات الكاميرات من 6 شهور، لحد ما شوفت الفيديو من شهر بالظبط قبل الحادثة. ده نجاتي وهو في مكتبي، فتح الدرج زي ما أنت شايف وطلع الخريطة، قعد يبص عليها، وبعدين خدها وخرج بيها برة، هو للأسف مكنش يعرف إن فيه كاميرا بتصور جواوبعد 10 دقائق بالظبط، رجع بيها.
سليم بضجر بعين غامت بسواد قال: خريطة بالأهمية دي ازاي تتساب بالشكل ده.. مكي هو انا هاعرفك شغلك؟
أخفض مكي رأسه قليلًا، وهو يحاول تجنب نظرات سليم القاسيه بخجل دون رد فهو يعلم أنه مخطئ
أكمل سليم وهو يتنفس بعمق، وعيناه تلمعان بالغضب: ومقالكش إنه أخد الخريطة؟
رفع مكي عينه، بنظرات زائغة قال بتوضيح: أنا مدي أوامر محدش يلمس الخرايط غير بأمر مني ومن عشري. الخريطة دي فيها أماكن كل واحد هيقف فين، وعددهم، ونوع السلاح، ونقاط القوة والضعف في الفيلا. عشان كده عرفوا يقتحموا من غير محد يحس بيهم.
جز سليم على أسنانه بغضب شديد، وضرب بكفه على المكتب وهو يقول بنبرة جهورية: خريطة بالأهمية دي؟ عايز أفهم إزاي تتساب كده؟ إزاي؟ ايه مش قادرين نشوف شغلك زي الأول ولا أدلعتوا؟!'
نظروا له بصمت، فهو محق. فهم تهاونوا وأخطأوا.
تنهد سليم وأضاف: وبعدين؟
إسماعيل، بملامحه جادة: مجرد ماعرفت الموضوع، دورت في تسجيلات المكالمات، لقيت آخر شهر ونص مكالمات كتير بين نجاتي وعباس، الدراع اليمين لمحمود. ومكالمتين مع كمال المرتزق إللي نفذ المهمة، وكل مكالمة مش أقل من عشر دقائق.
ارتفع حاجبا سليم، وعيناه تتسعان بحدّة: وطبعًا عشان نجاتي ما يفضحش الدنيا، قتلوه. بس ليه قتلوه؟
مرر عينه عليهم، وأضاف وهو يضغط على كلمات: تفتكروا فيه خاين تاني؟
عشري، بملامح قاسية، يحاول طمأنته: الكل مات يا سليم، مافضلش غيري، ومكي، وعثمان، وإسماعيل، وعرفان برجالته.
مكي: بس ولا عرفان ولا رجالته يعرفوا حاجة عن التأمين؟
إسماعيل: بس انا معرفش.. واللي دخل عارف مكان كل واحد من الحراس.
مكي، يحرك رأسه بحزم، وهو يلتفت إلى عشري ثم سليم: كده مافيش غيري أنا وعشري.
عشري، بملامح قاسية، وأصابعه متشابكة، ينطق بالكلمات ببطء: وعثمان أضرب رصاصتين، وبردو ميعرفش حاجة عن الخريطة، كدة مافيش حد تاني. هما قتلو نجاتي لإنهم ما توقعوش إنك هتوصل بالسرعة دي. أكيد اتخلصوا منه عشان ما يتكلمش.
أغلق سليم اللاب توب بحركة مفاجئة، وملامح وجهه متجهمة أكثر من قبل، وقال ببرود وهو يضع يديه على الطاولة: خلاص، خلينا ننسى الموضوع ده ونستمر في شغلنا.
هضبة المقطم – السادسة مساءً
مظهر عام لهضبة المقطم من أعلى
نرى عثمان وهو يتوقف في مكانه، ملامح وجهه مشدودة، وكأن هناك شيء يشغل ذهنه. بعد دقائق، اقتربت سيارة ملاكي سوداء وتوقفت أمامه. ارتسمت على وجهه ابتسامة عريضة، وتقدم نحو السيارة. فتح الباب الخلفي وصعد إليها
وصعد إليها وهو يقول، وعيناه تلمعان بارتياح: باشا...
استووووب
إلى اللقاء في الحلقة القادمةمن روايةالماسةالمكسورة
اتمنى تكون الحلقةعجبتكم النهاردة
#ليلةعادل..