رواية أمنيات اضاعها الهوى الفصل التاسع عشر 19بقلم أسما السيد


 رواية أمنيات اضاعها الهوى

الفصل التاسع عشر 19

بقلم أسما السيد


تلك الندوب التي تتركها جروحنا لا تزول حتى لو مُحي أثرها. تلك الكلمات التي تخرج من أفواهنا ولا نحسب حسابًا لها قد تحدث أثرًا موجعًا يظل ينزف طيلة العمر.

همسات بإسمه بتوتر. يدها أغلقت الهاتف تلقائيًا، ولم تعد تعلم كيف يتغير له الأمر؟!

_ بيجاد أنا.

ولكنه لم يكن بحالة تسمح بالحديث، كل ما يعلمه الآن أن حبها القديم قد عاد ولا مجال للمقارنة، وهي مازالت تحتفظ بما يخصه.

نظرته انتقلت تلقائيًا لعنقها المزين بسلسالٍ من الفضة كان يراه بعنقها على الدوام. الأمر لا يحتاج للتأمل ولا للتبرير هي مازالت عاشقة له، وهذا هو التفسير المنطقي.

**********

_ إلى متى ستظل تماطل معي؟

هَتف عصام السكري بغضب لفريد الزيني الذي وعده بإنشاء محطة معا بعد خسارته الفادحة التي تلقاها على يد بيجاد بعدما احتجزه عنوةً، وأخذ منه نسبته بالإذاعة بعدما ألقي له فتات الأموال. ومن الناحية الأخرى تسبب بخسارته بتجارته، ودمر شركاته التي أوشكت على الإفلاس بعد إعلانه الحرب عليه. وزوجته التي فرت منه بعد الخسارة، وتركته ورحلت بأبنائه للخارج، وهددت برفع قضية خلع عليه إن لم يطلقها. تَدمر كليًا والسبب فريد وابنه.

زفر فريد دخان سيجارته، وهو ينظر له باستعلاء :

_ كيف تتحدث معي هكذا يبدو أنكَ نسيت من أنا ؟!

لمع الشر بعينيه قبل أن يبتلع كل هذا مردفًا:

_ ألا تفهم؟! أنا على وشك الإفلاس، ودخول السجن لقد هدم ابنك كل شيء بلحظة. لقد خسرت بسبب مساعدتي لك كل شيء.

_ وكأنك ملاك مثلًا لا تَدعي المثالية يا رجل كل ما حدث لك من صنع يديك.

الغضب تملك منه، واقترب ممسكًا بعنقة صارخًا بجنون:

_ ماذا تقول أنت أقسم لو لم تعد لي ما خسرته بسببك لاجعلك تتجرع الندم أنت وابنك الأعرج.

دفع فريد يده بغضب وحِدة صارخًا به هو الآخر:

_ ضع يدك بجوارك، ولا تنسي من أنا! وما أستطيع فعله بك. أنا لا أُهدد، سَأعتبر ما حدث الآن لم يكن وهيا ارحل لا مزاج لي للشجار معك.

_ هكذا إذا! أفهم من كل ذلك أنك لن تعوضني خسارتي!

_ لست مسؤوًلا عن غبائك.

_ أنت محق .

لم يكلف الزيني نفسة عناء البحث خلفة.كان يعلم أنه لن يقدر على فعل شيء بدونه، هتَف ماجد مساعده بمكر:

_ علينا أن نُخرسة يا باشا صار خطرًا علينا .

_ فيما بعد أتركه سيعود كالجرو.

خرج السكري عاقدًا العزم قاصدًا وجهة واحدة سيكسر بها أنف الزيني وابنه. هو بالنهاية انتهى أمره، ولم يعد باقيًا على شيء إذًا ليلقي نفسه للجحيم إذا لزم الأمر كما أخبرته زوجته.

_______

عاودت أثير الإتصال بلا توقف؛ لتجِيبها ربى بغيظ:

_ أثير تأدبي أفضل لكِ لقد استمع بيجاد على ما يبدو.

_ كيف؟!

_ وجدته خلفي.

ضحكتا أثير وهبه على سير خطتهما بهمس، وهي غافلة عن مرادهم قبل أن تبدأ أثير بحديثها المعتاد.

عاودت ربى نهرها:

_ أي عشق تتحدثون عنه. ذلك النذل الجبان تخلى عني، وتركني أتزوج برجل سكير خنزير تفنن بإيذائي، ولم يحرك ساكنًا. صَدق حديث والدته عني، وتركني ورحل لقد توسلته للهرب معي، ولكنه خذلني .

_ لكن لا تكذبي يا ربى. إن كنتِ تكرهينة حقًا لما مازلتِ ترتدين سلسالة بعد؟

زفرت بغضب، وهي تمسك بسلسالها:

_ أنت لا تعرفين قصة السلسال لا تثرثري بأي كلام ؟

_ اه..ستُخبريني أنها تحميكِ إذا من الأشباح.

_ نعم هو كذلك.

_ صدقًا أنت ِ مجنونه.

_ هيا أثير اهبطي من على رأسي.

_ ربى.

_ هيا دعيني ببلوتي التي بلوتني بها.

أغلقت بوجهها، ولم تعد تجيب عليها، زفرت بغضب وذكريات الماضي تتدفق لعقلها استدارت لتستقبل الأطفال بعدما ابتعدت عنه لتَجدة ينظر إليها، وتلك المرة كان بعيدًا عنها اقتربت منه، وهتفت:

_ بيجاد يجب علينا أن نتحدث.

حاول أن يخرج نبرته الشرسة طبيعية، ليهتف بعد ثواني ولم يعد يسيطر على غيرته الحارقة :

_ لما لم تحكي لي عن عمار هذا؟

لعنت أثير وهبه ألم يكن عليهم إخفاء الأمر عنها حتى تعود، هتفت بعد ثواني بعدما هدأت، وفكرت:

_ لأني لا أتذكره أصلًا.

_ كاذبة.

_ بيجاد!

زفر ، وهتف:

_ ألسنا صديقين؟!

_ نعم ولكن..

_ لا لكن كان عليكِ اخباري به.

_ لم تأتي مناسبة صدقني

_ أخبريني إذا لما مازلت ترتدين سلسالة؟!

لعنت أثير ، وصوتها الجهوري، وبتلك اللحظة ودت لو خلعت عنها ذلك السلسال، والقته بعيدًا.

_ بيجاد الأمر ليس كما تفهم أنت.

الغضب احتل عينيه، وفقد كل تعقله، وهو يمد يدة لعنقها، ويجذب ذلك السلسال .

شهقت بفزع :

_ لالا..لا تلقية أرجوك.

_ ربى اخرسي.

_ اهدأ الأمر ليس كما تظن أنه يحوي آيات قرآنية لا تلقها أرضًا حرام عليك.

لعن بِسرة قبل أن يفتح كف يده الممسك بالسلاسل ويتَأمله. كان عبارة عن سلسلة من الفضة مدون عليها آية الكرسي فقط.

تأملها من اليمين واليسار بفضول، ولم يجد شيئًا عليها.

_ تأكدت الآن أعطها لي .

_ لا، واصمتِ حديثنا لم ينته بعد.

_ لما انت غاضب هكذا؟

أجابها باستنكار:

_ برأيك لما؟ زوجتي ترتدي سلسال حبيبها القديم.

_ لم يعد كذلك ثم كانت فترة مراهقة.

صمتت تلتقط أنفاسها؛ لتهتف بعد ثواني بغضب : من زوجتك؟ نحن صديقين!

أجابها بإصرار، وهو ينظر بعينيها :

_ انت زوجتي ربى زوجتي!كلما ذكرت نفسك بهذا الأمر كان أحسن لي ولكِ ثم لا تختبري جنوني وغيرتي لأنها ستحرق الأخضر واليابس بما فيهم صداقتنا لو تعدى أحدهم على ما يخصني.

_ ماذا تعني؟!هل تهددني؟

_ ما توصل له عقلك!

_ لم يستطع عقلي التوصل لشيء!

_ إذا هذة مشكلتك أنتِ.

_ بيجاد ..

جذبها من ذراعها صارخًا بجنون:

_ أنتِ ملكي أنا، وعليكِ تفهم الأمر وتقبله. ملكي بما أنا عليه هكذا.

كان يشير إلى حالته الصحية من بين ثنايا روحه المتعبة خرجت حروفه الموجوعةِ خير دليل على ما يؤرق مضجعه. وهي كانت على دراية تامة بما يرمي بحديثه لكنها آثرت ألا تظهر ذلك له.

بالنهاية إن لم يستطع قراءة أفعالها فلا فائدة من الشرح له.

_ يا الهي لقد جننت.

صمتت وصمت وترك ذراعها حينما دلف عز مهرولًا، ومن خلفة منذر حاملاً لطفلًا آخر على يديه. كان عدي يخفي رأسة بصدر منذر حتى وصل عز لهما، ليلقي نفسه بين ذراعي بيجاد متجاهلًا لها تماما، هاتفًا بسعادة:

_ عمو بيجاد لقد اشتقت إليك أقسم لك.

_ وأنا أيضًا أقسم لك.

هزت رأسها بيأس من طفلها الذي ينهي كل حديثة بالقسم، ومن بيجاد الذي صار مُقلدًا له. بالنهاية صار طفلها يلتصق به كالعلكة. قبل أن يقترب منذر منهما، ويهتف بيجاد بابتسامة، ويده تمتد ليحمل عدي عنه:

_ عدي حبيبي.

اتسعت عيناها صدمةً ما أن نظرت إليه، وعلمت عِلته عقلها أعاد عليها كم مره سألتة عنه، وتجاهل حديثها وكانت تظن أنه تجاهل عفوي؛ فهل كان يخشي من معرفتها علته لكنها سرعان ما تمالكت نفسها، وتفهمت الموقف؛ لينظر بيجاد لها بنظرة استشفاف فهمتها بفطنة واقتربت منه، ومدت يدها له بحنو:

_ عُدي أريد أن أتعرف عليك، هل تسمح لي؟!

نظر الطفل بريبةٍ لها، وكاد يبكي لولا تدخل عز مردفًا بحماس طفولي:

_ عدي هذة ماما التي أخبرتك عنها هيا أنزل لتتعرف عليها. وكأن طفلها ألقي علية تعويذة سحرية؛ ليبتسم لها عدي، ويلقي بنفسهِ بين ذراعيها التي فتحتها ربى له بسعادة حقيقية.

نظر لطفله بعجب لم يكن يتوقع أن يكون اللقاء هكذا بينهما. عدي لا يتعرف علي أحد بسهوله بل يصرخ ويبكي، وهذا كان سبب خوفه من تعريفه عليها. عدي لا يدخل أحد جديد لمحيطة بسهوله لكن يبدو أن عز ووالدته استثناء كما هما إليه.

بعد ساعة من رحيل منذر قضاها بغرفة مكتب بيجاد هتف عز :

_ أمي أنا جائع.

_ حسنا هيا لاطعْمكما.

_ هل جعت يا عدي؟

تمْتم ببضع كلمات فهمت منها أنه جائع هو الآخر

_ والله، وأنا أيضًا جائعة.

نظرت لذلك الذي يجلس منذ رحل منذر صامتًا ينظر لهم شاردًا، وهتفت بهدوء:

_ بيجاد ما بك هيا لقد جُعنا حقًا، ولا أحد هنا؛ ليعد الطعام.

زفر بحنق لقد أمر محمدي بأن يحضر زوجته لكنها ببلدة قريبة عند أحد أقاربها ولن تأتي إلا بعد غد، ومع تلك الغيوم يبدو أنها ستمطر، ولن تأتي أبدًا.

_ حسنا .

استقام على مضض يساعدها مازال عقلة يفكر بحديث أثير عن ذلك الشاب، ويعقد المقارنات الفاشلة بينه وبينه فهو وإن كان وسيمًا وغني فهو يظل عاجزًا أما الآخر فسليم كليًا فلمَ ستختاره؟!

كان يُقطع بالخضار، ولم ينتبه فأصابته السكين فأصدر آه ٍ مكتومة قبل أن تنتفض هي صارخة به أن ينتبة:

_ يا إلهي خذ الأطفال وأخرج بيجاد سأتدبر الأمر وحدي لا أعلم ما بك ؟!

زفر بحنق، وهو يحاول كظم غيظه ألا تعلم ما به حقًا.

_ حسنا.

نظرت له ولا تعلم لما تشعر بأن قلبها سيقفز فرحًا أم أن ما تشعر به هو فقط غرور أنثَوي لَعين! هل يغار حقًا كما تخبرها هبة وأثير التي تنقل لهم كل ما يحدث معها تفصيلًا على الشات اللعين الذي يجمعهم لحظة بلحظة.

زفرت ما أن استمعت لصوت هاتفها يدق برسالةٍ مؤكد كلتاهما مدت يدها لِتلتقطة لكن يد بيجاد أسرع خاطفًا إياه من يدها، هتفت باستنكار:

_ بيجاد ماذا تفعل ؟!

سيجن، ولم يعد يحتمل ذلك الوضع اللعين إنها لا تترك هاتفها فهل تراسله؟! وقعت عينه على تلك الرسالة التي وصلتها للتو؛ ليقرأ ما بها بِتحفز :

_ ربى هذا أنا عمار راشد ردي رجاءًا.

اتسعت عيناها ما أن مد يدة لها بالهاتف حتى تقرأ رسالته قبل أن يقيم بيجاد الحرب عليها، ويصرخ بها:

_ لا تعرفي عنه شيء صحيح؟ إذا أخبريني كيف اتي برقم هاتفك؟

_ اهدأ أرجوك من أجل الأطفال، ومن أجل عدي لقد أفزعهم صراخك.

حاول تمالك نفسة وغضبة لكن بالنهاية خرج اسمها من بين شفتيه متوعدًا قبل أن يختفي من أمامها كالإعصار الذي شب بـ لحظه، وَاختفى بلحظه ليكتفي ببضع كلمات:

_ ربى لن امررها لكِ سنتحاسب فيما بعد. 

اتسعت عيناها من فرط غضبه، وهتفت :

_ لقد جن تمامًا يا الهي ما به هذا ؟

*******

بعد يومين:

ليلًا:

رفع عصام السكري هاتفة يجيب علية بلهفة:

_ ماذا فعلت ؟

_ الخطة تسير كما اتفقنا لا تقلق أنتظر فقط إشارة منك.

_ حسنا كن بالانتظار .

لمعت أعين عصام السكري بمكر من نجاح خطته التي يعتقد أنها ستأتي له بما قد فقد. إن كان عليه أن يخسر ويُفتضح أمرة ليكن فريد الزيني مثلة لو كان يظن أنه يجيد اللعب وحده فهو أيضًا يجيد التخطيط للانتقام

ما أن تذكر خطته التي ستودي بعائلة الزيني كلها ويفتضح أمرهم الخفي بل وستزول قناعات الشرف التي يرتدونها طيلة الوقت يضحك بهستيريا كمن جن لم يخرسة إلا صوت الجرس الذي نبهه أن فريسته قد وصلت للتو وعلية أن يستعد.

_ سأريكم آل الزيني من هو عصام السكري وكيف تسير الأمور طواغيةً إليه؟ نار الانتقام اعمت عينيه تمامًا ولم يعد يهتم لشيء كل ما يراه الآن هو كيف ينتقم؟

______..


                 الفصل العشرون من هنا 


 لقراءة جميع فصول الرواية من هنا 

تعليقات