رواية أمنيات اضاعها الهوى الفصل الخامس عشر 15بقلم أسما السيد


 رواية أمنيات اضاعها الهوى

الفصل الخامس عشر 15

بقلم أسما السيد


بيجاد:

لم أتغنى يومًا بعشق امرأة، ولم أكن كشباب جيلي، ولم التفت يومًا لفسوق الطبقة المخملية التي أنتمي إليها.

بعد أزمة زواجي الأول، وتهديدات الجد التي لا حصر لها كي أتزوج من نيرة ابنة عمي التي كنت علي دراية كاملة بفسوقها وأنها تتشابه كليًا مع نساء الطبقة المخملية بل تكاد تفوقهم نرجسية وشر اخترت شقيقتها الصغري"نوار" نكايةً بها.

بُعرفنا الثروة لا تخرج للغريب. الإرث يتناقله الأبناء من دمٍ واحد وَإبنة العم لا يأخذها إلا ولد عمها؛ لينتهي الأمر بالثروة فيما بينهم، ولا تخرج للغريب. أحكام قديمة وضعوها ونقلوها أبًا عن جد.

لم أكن أعلم أن "نوار" عاشقة لأخي من والدي الذي يأتي لهنا بزيارات فقط، إذ كان أخي غارقا هو الأخر بحياتة الخاصة هو لم يكترث لها كما لم أكترث أنا بنيرة ولا أكترث لها . 

دائرة مفرغة من العلاقات السامة التي تحتم علينا.

لم يكن اختياري لها عن حب، إنما لعلمي أنها قد تكون زوجة صالحة. لطالما كانت منكمشة على نفسها هادئة حينما عَلمت بأمر عشقها لأخي الذي أخبرتني به نيرة واجهتها بالأمر فلم تنكر صارحتُ أخي الذي رفض رفضًا قاطعًا الارتباط بها.

أخي عاشق للحرية ويكره العائلة بأكملها. يعيش بِعالمة الخاص لا دخل له بعالمنا لطالما كان على خلاف واضح بالجد، فالجد لا يعترف إلا بصناعة الأدوية ناهيك عن رفضة له ناعتًا إياه بابن زنا لأن والدي أتي به من علاقة عابرة لليلة واحدة . والدة الفاسق ذو النزوات الكارثية. بايرام رفض رفضًا تامًا الدخول لكلية الصيدلة، وتحرر برحيله عن البلد.

بشماته أخبرت نيرة شقيقتها؛ لتنهار الأخيره، ويعلم الجد بالأمر، ويأمر الجد بزواجي من نوار التي استسلمت، ورضت بالأخير كما رضيت أنا. زواجنا كان اتفاق فيما بيننا لنتزوج، وننشئ عائلة. زواج مصلحة من درجة الأولى .

كان زواجًا روتينًا مفرغًا من العاطفة بعد أشهر حملت نوار ولكن كنت منغمسًا بالعمل. لم ألتفت لها إلا حينما لاحظت فيروز تبدل حالها، وهنا اكتشفنا الكارثه أن زوجتي متعاطية. متى وأين؟ ومن ساعدها؟ لا إجابة عندها 

حاولتُ بكل السبل أن أعالجها وأرفع من روحها المعنوية. تركت كل العمل من أجلها، ومن أجل طفلي.

رفضت اخباري من فعل بها هذا، وسحبها لذلك الطريق لكن لم أفلح حتى وصل الأمر لانتْحارها مرة بعد مرة، وبكل مرة كان الله ينجي طفلهما.

الأمر بدأ يتسرب للإعلام، وكان علي دراية كاملة بأن نيره من تفعل بل شك بأنها السبب بتعاطيها لكن لا دليل عليها.

ضَيقت الخناق عليها حتى أصبحت بشهرها السابع، وهناك احتمالات قوية بولادة طفل معاق أو مشوة. لم تستطع أموال الكون علاجها. وضعتها تحت الإقامة الجبرية، ولم أفلح بحبسها. أتذكر جيدًا ذلك اليوم الذي أودي بحياتها، ومعه فقدت قدمي حينما استطاعت نوار الخروج بحثًا عن السم، وهي بآخر أيام حملها، وهرولت للخارج بجنون، وأسرعت أنا خلفها حينها أتت سيارة مسرعة. كانت على وشك اصطدامها لأسرع لإنقاذها لكن للأسف لم أستطع رحلت هي واستطاعوا إنقاذ الطفل، وفقدت ساقي، وتشتت العائلة.

رحل الكثير من الآمال والامنيات معها، وما أن تعافيت هُزم الجد وانحنى، وبقيت أنا، وأحزاني، وطفلي الذي ولد من ذوي الاحتياجات الخاصة الذي لم يتقبله أحد إلا أنا وشقيقتي وشقيقي الذي نذهب لنزوره كل عام رافضًا العودة.

يد حانية يعرف صاحبتها تمسكت بذراعه بينما يقف شاردًا بشرفة جناحه بعد يوم مميز كما أيامه التي تغير روتينها كليًّا منذ دلوفها هي وطفلها لحياتة .

لا ينكر أن هذا الطفل حرك به شيئًا كامنًا، وجعلة يقع بعشقة ليعترف صدقًا إن كان ابنه ملك قلبة كاملاً من قبل فأصبح الآن مناصفة بينهما .

كان يخشي الخطوة التي اتخذها اليوم بالقرب بينه وبين عدي لكن انسجامهم معا، وتقبلهم لبعضهم البعض جعله بقمة سعادته جل ما يخشاه هو خروج والده بكارثة حقيقية يدمر بها كل شيء. اختفائه يُقلقة لكن إلى متى سيختفي؟!

هتفت فيروز بمكر:

_ لقد أصبحت شاردًا طيلة الوقت لو لم تكن بيجاد الزيني العملي البحت الذي لا يعترف بالعشق والغزل لكنت اعتقدت أنك واقعًا بالعشق لا محال.

ضحك بخفوت، واستدار مواجهًا لها:

_ لقد تركت أمر العشق لكِ خذي نصيبي لكِ أنت وفيصل أنا لم أولد للعشق .

أجابته باستنكار:

_ ما هذا الكلام ! لقد خُلقنا لنحب لا لنعمل فقط. لن أقول للكرة لأني على علم أن قلبك لا بكرة أحد. أنت على رغم ما تفعله نيرة بك وبنا من مصائب، وكوارث أعلم أنك لا تكرهها.

كانت تتحدث بضِحك لِتغيظه؛ لِيلكذها هو بخفة :

_ لقد فقدت صوابك أقسم لك أنا لا أكره بِحياتي إلا نيره .

انفجروا بالضحك لتهتف هي:

_ ليست علي حالتها الطبيعية منذ سفر أبي لا أعلم أشعر وأن هناك ما تخشي أن يظهر للعلن أو ربما أبي وهي متورطان بمصيبة جديدة، وخائفون من معرفة الجد بها بعد كارثة ربى.

_ ربما توقعي كل شيء.

_ أتعلم الشخص الأسعد علي الإطلاق من رحيل أبي هو والدتك وجدي ليتك سمعته يصرخ صباحًا حينما سأل فادي عنه قائلًا:

_ لا أحد يسألني عنه ليته يبقى حيث هو للأبد حتى لا يتسبب بِفضيحتنا أكثر من ذلك.

_ لقد باتت عادة استراق السمع لديك سهلة ما شاء الله.

أمسك بأذنها قبل أن تهتف بضحك:

_ ياالهي ياأخي أنت تعرف أني اعشق الثرثرة و القيل والقال ثم أني لا أفعل شيء طيلة اليوم غير الإهتمام بعدي، والتسوق تعرف أن فيصل لا يتركني!

تركها، وهو يضحك عليها، ويتذكر أخرى وطفلها يعشقون الثرثرة، وأردف:

_ حسنًا عفوت عنك. ليصمت قليلًا قبل أن يردف :

_ سأهرب قريبًا لأسبوع أو أكثر مع عدي أخبرك حتى لا تقلقي أن استيقظتي يومًا، ولم تجدي أحد منا هنا.

_ إلى أين؟

_ سر يا صغيرتي سر..لا تكوني فضولية.

أمسك بأذنها، وهي تضحك بسعادة، وهي تتمنى لو تهرب معه؛ ليَّعدها أن رضى زوجها ذات يوم سيأخذها معه .

كانت نيرة تراقبه حينما خرج على عجلٍ بعدما ودع شقيقته متعللًا بوجود عمل مهم وهو يُهاتف أحدهم باهتمام لم يلتفت خلفه لِيتمالكها الغضب :

_ حسنا يا بيجاد لنرى ماذا تخفي بعد؟!

سَتجن، كل ما خططت له ذهب أدراج الرياح مع غياب عمها التي لم تستطع الوصول إليه للآن، ولاهو تواصل معها، ومع تضيق فيصل الخناق حولها، وسحب الجد منها إدارة شركتها لأدوات التجميل لم تعد تأخذ حريتها محاصرة طيلة اليوم بعد الفضيحة الأخيرة التي وصل صداها للجد . الجد الذي أصدر قرارات حاسمة بشأن السيدات، وأولها منعها من العمل والسهر والحفلات بعد الفضيحة التي حدثت لهم . ستجن وتتمنى فقط لو يظهر عمها .

********

بالبلدة 

اتسعت أعين عمار بفرحة حقيقية حينما استطاعت زوجة وحيد أن تحادث ربى أخيرًا، وتطلب منها زيارتها؛ لتوافق ربى بطيب قلب حتى أنها رحبت بها.

أخبرتها أن الأطفال يستمعون كثيرًا عن الأهرامات، والقاهرة، ويتمنون زيارتها لكنها لا تعلم أين تمكث ليومين فقط. رحبت بها ربى بمنزلها، واعطتها عنوانها على أن تبقي الأمر سرًا بينهم، ولا تخبر أحد عن مكانها.

خطة محكمة من عمار قد اتفقوا عليها من قبل. لقد ظلت لأربعة أشهر لا تجيبها حتى يئسوا من ردها عليهم. أجابتها قبل أيام متعلله أن هاتفها القديم قد كسر وجلبت غيره، ولم تكن تعلم من يتصل؟.

لقد قرر وحيد مساعدته بعدما افضى بكل ما في قلبه لصديقة باكيًا. صديقة الذي أصر أن يساعده ما أن تأكد من زوجته صدق قصتة مع ربى. 

لقد كانت زوجته علي دراية تامة بها بل معظم البلد على علم بقصتهم معًا.

_ يا الهي أخيرًا مازلت لا أصدق.

_ أخيرًا يا عمار سيجمعك الله بها لكن.

_ لكن ماذا ؟

_ أخشي أن يعرف أخيها بالأمر.

_ ومن سيخبره فقط أعطني العنوان التي أعطته لزوجتك و أخرجوا أنفسكم من الحكاية سأتعامل أنا.

_ لكن كن عاقلاً ولا تتهور، ولا تفكر أن الأمر بهذة السهولة. لا تنسى أنها هاربة منهم، وأنها لازالت زوجة لذلك القذر 

_ لا تقلق. 

رحَل وحيد ليجلس عمار شاردًا بلقائها.

_ اخيرا يا ربى.

********

لا أحد يلتفت لحالتها النفسية والروحية تشعر وكأنها ممزقة داخليًا بين الماضي التي انتزعت حقها منه عنوة، والحاضر التي أوقعت نفسها به بغباء. تريد الهرب من كل شيء لكن لا أحد يساعدها أبدًا .

لا أحد يعلم ما عانته إلا هي، وما دفعها للهرب من ذلك المكان المسمى قرية؟ وما هي إلا قرية كل من بها وعليها ظالمًا.

لا أحد يرى تلك الندوب التي تزين جسدها من كثرة العنف الزوجي التي تلَقته علي يد زوجها طيلة الشهر الوحيد من زواجهم. كان شخصًا مقززًا لأقصى درجة كم كانت تشعر بالرهبة منه!

لم تكره بحياتها غيره حتى بِلحظاتهما الحميمية كان عنيفًا مُقرفًا.

الآن، وبتلك اللحظة تتمنى لو كان لديها أحد تحكي له. الآن فقط تشعر، وكأنها بحاجة حقيقية لطبيبة نفسية. لطالما نصحتها أثير بذلك لكنها لم تكترث. أثير تري أشياء ظاهرية فقط، فماذا لو رأت ندوب جروحها، وآثار الجَلد التي تعبت من معالجة أثرة ؟!

لا أحد لها بعد الآن حتى شقيقتها ابتعدت عنها، ولا تلومها هي خير من يعلم أنها تكافح هي الأخرى في حياة فُرضت عليها. تكافح حياة قاسية بالقرية. نظرت للأعلى تناجي ربها كما اعتادت دائمًا. تدعو بتضرع وكسرة أن يرحمها الله. يخفف عنها، وأن لا يريها قيمة الأشياء بعد زوالها، وأن لا يجعل يديها ترتفع لغيرة بالرجاء.

فجأة تملك منها خوفًا لا إراديًا كما يحدث كلما انهارت.

انكمشت على نفسها بفراشها تحاول ألا تخرج صوت بكائها حتى لا يسمعه أحد ويشفق عليها. تحاول قدر المستطاع أن تكتم أنفاسها حتى لا يستمع أحد لها كما كانت من قبل. عقلها صَور لها أن والدتها هنا تقف بالزاوية تنظر لها بحدة ووعيد كما كانت دائمًا تفعل معها حينما كانت تفعل أي شيء يثير غضبها. كانت تأمرها بعدم إخراج صوتها بل تجبرها على كتم أنفاسها بقوة حتى لا يستمع لها والدها؛ فتفعل إلى أن ينتهي عقابها وتغفو .

هي الآن تراها بكل مكان بالغرفة. الآن تجردت من كل قوة اصطنعتها خلف مكانتها المزيفة التي أعطتها لها الشهرة والسوشيال ميديا.

بداخل منا الكثير من الأسرار، والمواقف المؤلمة لو اطلع حاقدُونا عليها؛ لأَشفقوا على جراحنا. لو يعلمون كم من الأميال سِرنا، وكم من الصعاب تخطينا لنخرج بتلك الهيئة المبهرة لما أقبلوا على أذيتنا! العجيب بالأمر أن كل جراح الكون تهون إلا الجراح التي طالتنا على أيدي من نحب.

شرد عقلها بالماضي، ولم تعد تشعر أن كانت بالماضي أم بالحاضر. عادت للطفلة التي تركتها خلفها بالقرية، ولتلك المواقف التي ظنت أنها استطاعت تخطيها. عادت لأيام مضت جل ما كانت تريد بها أن تغفو مطمئنة. تهيأ لها من بين عتمتها صورة والدها يرنو إليها؛ فهتفت بابتسامة:

_ بابا هل عدت أخيرًا.

_________...



            الفصل السادس عشر من هنا 


 لقراءة جميع فصول الرواية من هنا 

تعليقات