رواية أمنيات اضاعها الهوى
الفصل السادس عشر 16
بقلم أسما السيد
لم يستطع تجاهل رسالة الخادمة، ولا تجاهل ذلك الشعور الذي انتابه بالقلق عليها. مهما أنكر هي تؤثر به. لم يتحمل فظاظة مخلوق غيرها، وبكل الأحوال باتت هي مسؤوليته اسمها يلي اسمه.
لقد فرض الخادمة عليها فرضًا بعد شجار معها على وجودها دام لأيام . هي تعلم أنها تنقل له كل تحركاتها لذا كانت دومًا تحرص أن تبدو طبيعية أمامها حتى لو كانت غير ذلك لكن فكرة انهيارها هكذا أمامها هذا ما يرعبه عليها حقًا.
خائف هو عليها، ومنها طيلة الوقت. الأربعة أشهر السابقة لم يلتقوا يومًا إلا بخلاف جديد، وبكل مرة يظهر بوجهها تصرخ به طالبة للطلاق .
بالبداية كان الأمر عنده عاديًا جدًا، هي زيجة مصلحة ستنتهي بأي وقت لكن قربة من طفلها، وارتباطه به هو ما لم يكن يعمل حسابًا له. بات كل موقف محسوبًا لديه حتى لا يؤذي الطفل الذي يعي تمامًا أنه فاقد لحنان الأب.
لم يتردد في اقتحام مساحتها الآمنة كما تعتقد، ولم يكترث لنظرات أم رضوان وزوجها الفضولية الذين يجلسون كعادتهم يثرثرون بالأسفل.
علي كل حال الكل يعلم من هو ، ومن هي له؟! فتحت له الخادِمة التي أشارت له على الغرفة، ليَّدلف مباشرةً تجاهها.
وصلة صوت بكائها المكتوم كما تلك المرة بالمشفى، و لا يعلم لما آلمة قلبه؛ ليعترف أنها باتت تؤثر به كل شيء يخصها يثير فضوله. قلبة يشعر وكأنه سينفجر خوفًا عليها.
ظل لدقيقة مترددًا حتى حسم أمره حينما حل الصمت المكان. أشار للخادمة أن تبقى بجوار عز ففعلت بهدوء. أخذ نفسًا عميقًا، ودلف للغرفة التي تفاجئ بأنها غارقة بالظلام إلا من ضوء القمر المتعامد علي فراشها . اتسعت عيناه ما أن وقعت عينيه عليها، وهي منكمشه على نفسها كطفلةٍ. اقترب منها كالمسحور يدفعه فضوله؛ ليرى لوحته الفنية المخفية تمامًا أسفل شعرها المسترسل بتموجات مصطنعه بلونة العسلي الذي يلمع مع ضوء القمر الناصع. رفعت رأسها ونظرت له قبل أن تنادية بما صدمة..
_ بابا هل عدت ؟
جلس بالقرب منها حينما لمح صوت شهقاتها المكتومة. يديه امتدت؛ لتزيح شعرها هامسًا بحنو :
_ ربى ما بكِ؟
ناداها مره بعد مره حتى تغلغل الصوت لأعماقها؛ لتعلم أنه ليس والدها، ففتحت عيناها ببطيء، وتعب قبل أن تتسع بذعر ما أن اعتدلت بخوف ووجدته أمامها:
_ انت!
صرخت بفزع، وعادت للخلف لا تصدق أنه تجرأ وأتى لهنا اقتحم عزلتها، ودلف للغرفة قبل أن يقترب منها جاذبًا إياها بقوة؛ لتستقر بين ذراعيه :
_ اششش اهدأي أنا بيجاد..
_ كيف كيف دخلت لهنا؟
_ سأخبرك فقط اهدأي ولا تبكي.
نظرت له بصدمه عيناها مازالت تذرف الدموع، وتحاول أن تنتزع نفسها منه لكنها لم تفلح إذ حاوطها بقوة هامسًا بحنو بأذنها لم تستطع مقاومته:
_ ابكي يا ربى، وأخبريني ما بك لما تبكين هكذا؟
لم يكن يومًا فظًا معها لكنه لا يستلذ أفعال النساء لكن معها كان مختلفا بكل شيء. منذ التقاها نسى نفسه معها كيف كان؟ وما أصبح عليه؟
يديه التي أحكمت وثاقها، وذاك الدفء اللعين أنساها من هو وأين هو وهي؟ لتخُونها دموعها بين ذراعيه. دفنت رأسها بصدره، وانهارت كليًا، تلك المرة كانت أقوي من ذي قبل؛ ليسقط الكبرياء اللعين الذي يتشبث به كليهما و يحتويها بين ذراعية؛ ليقضيا طيلة الليل معًا يتحدثان كصديقين أو هكذا أعطوا مسمي لعلاقتهم التي بدأت معًا للتو .
بحياتة لم يتوقع أن يصل به الأمر لهنا. لم تهدأ وتغفو إلا حينما وعدها بإطلاق سراحها بعد أن يطمئن عليها. ويزول الخطر عنها كليًا. لم تشأ أن تخبره أن رامي أخبرها شيئًا، وهو لم يخبرها بعد.
صدقًا ارتاحت حينما انتهت الخلافات بينهم، واتخذت علاقتهم منحنًا آخر.
قُبيل الفجر هتفت بينما تتناول شطِيرتها التي اعددتها الخادمة لها وله:
_ شكرًا يا دكتور.
ابتسم، وهو يمد قدمه المصابة على الفراش بينما ارتسمت ملامح التعب على وجهه:
_ على ماذا؟ ثم دكتور من؟
خجلت منه فهتف هو بحسم:
_ أناديك ِ ربى، ناديني بيجاد لا تتفزلكِ.
اتسعت عيناها بصدمة من حديثه، وهتفت بتقزز مصطنع:
_ ما هذه الألفاظ السوقية ياااي؟
_ أنتِ لا تعرفينني بعد أنا أعشق الألفاظ السوقية لا تنخدعي بالمظاهر عزيزتي.
ضحكا كلاهما؛ لتمتد يدها تمسك بكوب الشاي الأحمر المطعم بالقرنفل والمرمرية التي لا تشرب غيره طيلة الشتاء، وتشرب منه بتلذذ بينما تأكل شَطيرتها.كان يراقبها باستمتاع قبل أن ينظر لكوب القهوة بضجر ويهتف:
_ القهوة بردت أعطيني هذا الكوب يا ربى.
_ أي كوب؟
_ خاصتك.
_ لا..
_ بخيلة.
_ انت لا تحبه.
_ ممن علمتِ؟
_ من الخادمة ؟
_ تتعَسسين على أخباري؟
_ لا لكني سألتها بالمطبخ اتصنعين قهوة الآن، قالت دكتور بيجاد لا يحب الشاي.
كانت تقلدها باستنكار؛ ليضحك ويصمم على شرب كوبها.
_ حسنا خذهُ لم يعد به الكثير.
_ مفجوعه.
عند آذان الفجر رحل وتركها بعدما وعدته أنها ستعود لحياتها، ودراستها، وتهتم بحياتها. لا أحد يستحق. لم يسترسل كلاهما بحكايا الماضي، وهو أخبرها ما أراد لها أن تعلمة.
غفت واستيقظت بنشاط عجيب أذهل الجميع، وذهبت لجامعتها التي أهملتها وتغير مزاجها كليًا حتى أمر الحارسين، والخادمة لم يعد يزعجها، ولم تسلم من القيل والقال الخاص بهبة وأثير، ولا حتى أم رضوان التي أخبرتهم بتسلل بيجاد لها ليلًا.
ومرت الأيام، وبدأت تعتاد أمر إقامته ليلًا معها. إما يتسامروا بالأسفل مع الجميع أو معها بالأعلى.كان الجميع يرى ما تحويه الأعين من تغيير ومشاعر إلا هما.
بعد أيام.
وقفت تنتظره ليلًا قلقة عليه. هاتفه مغلق، ولم تستطع الوصول إليه . تغدو ذهابًا وإيابًا.
انتصف الليل، ولم يأتي حتى يأست وغفت.
تلك الليلة كان عدي مريضًا، ونسيَّ أمر هاتفة اطمأن على حرارته، وأودعه بعهدة شقيقته وخرج، ورغم أن الشك بدأ يتسلل لقلب شقيقته إلا أنها لم تواجهه. اكتفت بالصمت إذ تري أن أخيها به شيء مختلف وربما قد عشق.
دلف للشقة بعد دقائق قضاها مع رامي بالأسفل. التعب تملك منه طيلة الليل وقدمه لو شخصًا أمَامه لنهرته عما يفعل بها.
وجدها غافية فاقترب منها بهدوء. منع يديه التي تخونه دومًا لِتحاوطها كما يرغب .
منذ أصبحوا أصدقاء، وهي تضع حدود فاصلة للصداقة بينهما حتى حجابها كانت تضعه طيلة مكوثه معه.
ابتسم على حالهما معًا لا يعلم أي طريق سيقودهم معًا لكن ما بات متأكدًا منه أنه لن يستطيع تركها مهما حدث مجددًا.
ولما عليه أن يخسر صديقًا ثرثارًا مثلها، وابنا قد يكون عونًا لطفله مدي الحياة ومحبًا له.
الحياة خارج عائلة الزيني، وبعيدًا عن رائحة الأدوية مبهجة .
خصيصًا رائحتها هيّ، رائحة الفانيليا التي تملأ حياتها بأكملها.
مال برأسه على الفراش بعد أن ناداها ولم تجبه لتمر ثواني فقط، ويغفو بمكانة خالعًا نعل قدَمة ولأول مرة.
بعد ساعه تململت لِتجده بجوارها بهيئته هذه، ورغم الحزن الذي ملأ قلبها علية لكن قلبها انشرح أنه لم ينساها، همست :
_ بيجاد.
فتح عيناه هامسًا:
_ ربى.
_ متي جئت؟
اعتدل بتعب قبل أن يميل بحنو مقبلًا جبهتها عنوة كما يفعل كل مرة ضاربًا ببنود الصداقة التي بينهما عرض الحائط.
_ كم الساعه ؟
_ لا أعلم ؟
اعتدل يبحث عن هاتفه؛ ليتفاجأ بقدمة ليلعن داخلة ذلك الوجع الذي عصف به؛ ليدفعه لخلع نعلة أمامها كان يظن أنها ستظل غافية للصباح.
هتفت بهدوء، وهي تحاول رفع الحرج عنه:
_ هل تؤلمك؟
أغمض عينيه بتعب حقيقي قبل أن يردف :
_ قليلًا هل أجد عندك مثل ذاك المسكن مجددًا.
تذكرت أمر المسكن التي تشاجرت معه ما أن استيقظت بالسيارة وَوجدت حاجيتها مبعثرة، ولم تتذكر أمر أنها أخبرته بأن يتناول قرصًا من حقيبتها الا بعدما تشاجرت معه.
شعرت بالخجل واستقامت سريعًا لتَجلبه له. لم يجد مفر من تركها بالنهاية لن يجعلها تشفق علية أكثر.
اقتربت ووضعت القرص بفمه ثم تبعته بالمياة. ضحك مردفًا:
_ يا الهي هل وضعت بفمي قرص غلال لتتخلصي مني يا ربى!
اتسعت عيناها بصدمه قبل أن ينفجر هو بالضحك عليها وعلى هيئتها التي شحبت.
_ غليظ أقسم لك ثم لما عليّ قتلك الآن لقد صرنا صديقين، وبالنهاية انا مستفيدة من صداقتك.
أمسك بقلبه يمثل الصدمة:
_ يا الهي لم أكن أعلم انكِ تستغليني ظننت ما بيننا صداقة بريئة.
_ لا بريئة هذة تكون خالتك عليك أن تعي الآن حجم استغلالي لك.
_ يا الهي لقد خيبتي آمالي كلها عليّ أن اصرف نظر الآن عن هذه الصداقة برمتها.
_ لن تستطع.
_ ولما.
_ لن أسمح لك فأنا التصق بأصدقائي كالعلكة.
_ وهذا جيد أم سيء.
_ كلاهما معا.
ضحك بيجاد، وتناسي أمر تعبة إلى أن ذكرته هي:
_ هل ارتحت قليلًا؟!
_ نعم.
صمتت، والحيرة تملؤها تريد أن تسألة لكنها مترددة، هتف هو بهدوء:
_ ماذا تريدين أن تقولي ؟
_ دائما تفهم حاجتي الثرثرة.
_ وهذا جيد أم لا.
_ جيد جدًا.
_ إذن ثرثري يا ربى كلي آذان صاغية.
عضت شفتيها قبل أن تهتف بخجل:
_ أريد أن أسألك عن هذه؟
أشارت على قدمهِ، وهي تشعر بالخجل، ليجِيبها باختصار:
_ كانت حادثًا.
_ منذ متي؟
_ من عمر عدي ماتت والدته، وهي حامل به وولد هو من رحم ميته، وفقدت قدمي كما ترين.
_ يا إلهي أنا آسفة.
_ لا تتأسفي لقد مر وانتهى.
_ كم عمر عدي؟
_ خمس سنوات.
_ لكنك لا تهتم براحتك الحياة ليست عمل فقط.
يدها امتدت لمقدمة الجهاز تريد نزعه عنه لكنه أبعدها بلطف لكنها عاودت الأمر غير مكترثة به.
_ ربى رجاءًا.
_ اصمت بيجاد، وارحم نفسك من ذلك الجدال .
_ ربى.
كان يتوسلها بعينيه ألا تفعل هو نفسه يكره رؤية قدمه بلا جهاز ، وهذا سبب تعبه على الدوام.
وكأنها قرأت دواخله هتفت بمغزي بعدما استطاعت نزعه أخيرًا ليَّتأوة هو براحة ممزوجة بالتعب:
_ هكذا حب نفسك هكذا بلا جهاز لعين.
_ يا الهي .
ألقى بجسدة على الفراش بتعب قبل أن يدفع يدها مرددًا:
_ ايقظيني بعد ساعة يا ربى.
هتفت باستنكار:
_ هل سَتنم حقًا؟
_ نعم متعب يا ربى.
_ وماذا عن الثرثرة؟
_ فيما بعد أعدك.
_ يا الهي دعني أري قدمك أولًا.
_ اتركيني يا ربى واخرجي.
خرجت تتمتم بِغيظ لتبتسم براحة وتقترب من هاتفَها الذي يرن بإلحاح لتصدم بكم الإتصالات من ذات الرقم ولا تعرف رقم من هو ؟
*******...