رواية بستان حياتي
الفصل السابع 7
بقلم سلوى عوض
في غرفة الجد في المستشفى، حيث كانت الأجهزة تصدر أصواتًا خافتة، كان الجد يجلس على سريره، متكئًا بضعف بينما تنظر إليه بستان بترقب وتوتر.
الجد: (بعد لحظات من الصمت العميق، يتنهد ببطء كأنه يستجمع شجاعته)
حاضر يا بتي... هجولك كل حاجة. لازم تعرفي عشان أزيح الحجر اللي على قلبي. بس عندي طلب.
بستان: (تقربت منه وملامحها مليئة بالحنان)
اؤمرني يا جدي، .
الجد: (بصوت هادئ ممزوج بالحزن)
أنا عايزك تسامحي فريد، أخوكي. عارف إن اللي عمله غلط، وما ينفعش، بس مهما كان ده أخوكي وخايف عليكي. عجله هو اللي صور له إنه يتصرف معاكي كده. سامحيه يا بتي، للأسف فريد ورث مني الطبع الجاسي .
بستان: (بدهشة وامتنان)
حضرتك أحن قلب في الدنيا، انت عمرك ما كنت قاسي.
الجد: (يهز رأسه بأسى وابتسامة حزينة ترتسم على وجهه)
لا يا بتي، زمان كنت جاسي قوي، وبسبب الجسوة دي دمرت ناس كتير كانوا قريبين ليا. الطبع ده فرق عيلتي وخلاني أندم على حاجات كتير.
بستان: (بصوت مختنق ومنكسرة، تحاول تستوعب كلامه)
انا مش فاهمه حاجه ارجوك وضحلي ياجدي . مش حضرتك قلت إنك هتحكي لي كل حاجة؟
الجد: (بنبرة مطمئنة)
هحكي، يا بتي، هتعرفي كل حاجة قريب. أنا طلبت من عمك جمال إنه يكلم الدكاترة عشان نروح قريب. (ثم ينظر حوله بقلق) فين فريد؟
بستان: معرفش، يا جدي.
وهنا تدخل الممرضة بابتسامة هادئة، وتقاطع الحديث بلطف.
الممرضة: يا حج، ده ميعاد العلاج بتاعك، وانتِ يا آنسة بستان، كفاية كده النهارده. لازم تروحي اوضتك ترتاحي
............................
في قصر العمري، وصل عمر مع بنات عمه، نور وليلى، ينادي على والدته ليعلمها بوصولهم.
عمر:فين أمي يا مرات عمي؟
نجوى (زوجة فؤاد): أمك من ساعة اللي حصل وهي بتصلي وبتدعي ربنا، ما خرجتش من أوضتها… أهلاً أهلاً بالقمرات، نورتوا بيتكم.
نور وليلى: ده نور حضرتك يا طنط.
عمر: روحوا مع مرات عمكم، ارتاحوا واتغدوا، وأنا هارجع المستشفى.
يغادر عمر، وتأتي أمنية، ابنة فؤاد الكبرى، بنظرة مليئة بالكراهية تجاه بنات عمها.
أمنية: أهلاً ببنات عمي، أخيرًا جيتوا البلد. من زمان ما شفناكم، وحتى لما كنتوا تيجوا كان كبيركم يقعد يومين ويرجع، مع إننا برضه متعلمين وخرجين جامعات زيكم.
نجوى بظرى تحذير: مش وقت الكلام ده يا أمنية… سيبيهم يرتاحوا، خليكي شوية مع تجهيز الغداء.
ليلى: لا شكرًا يا طنط، إحنا بس عاوزين نرتاح شوية.
نجوى: إيه ده! ده بيتكم، وانتوا زي عيالنا، ما فيش داعي للشكراً.
نور: طب هنطلع نرتاح ونغير، وبعدين نتغدى.
نجوى: على راحتكم يا بنات، دقيقة واحدة، هاجيبلكم مفتاح الدور بتاعكم.
تأخذ البنات المفتاح ويتوجهن للراحة، بينما تلتفت نجوى بغضب إلى أمنية.
نجوى: دي طريقة تتكلمي بيها مع بنات عمك؟ انا ربتكم على كده .
أمنية: طول عمرهم رافعين مناخيرهم علينا، ولا كأنهم أسيادنا!
نجوى: يا بتي، انسي بجى.
أمنية: انسى إيه! انسى اليوم اللي كنت تعبانه فيه، وكان لازم أنزل مصر أتابع مع الدكتور؟ أبويا خدني وروحنا عندهم، ولما جه وقت الغداء، ما رضيوش ياكلوا معانا وخلوني أنا وأبويا ناكل لوحدنا في أوضة الضيوف. ولما كنا هنبات، مرات عمي قالت لي: "معلش يا أمنية، هتنامي في أوضة الدادة عشان بناتي مش بيحبوا حد يبات معاهم في أوضهم"، وبعد كده قالت لي "خدي شاور عشان الحشرات"... وانتِ جايّة تقولي لي أسامح؟ ده لو ما كانش عم جمال جه وزعق معاها، وأبويا كان واقف ساكت! ولما قعدت أعيط عشان نمشي، قال لي: "الوقت اتأخر، هنروح فين دلوقتي يا بنتي؟". طول عمره ضعيف قدامهم كلهم.
في هذه اللحظة، يدخل فؤاد.
أمنية: (بحزن وغضب) عايزة أعرف يا أبويا ليه بيحصل لينا كده؟ وليه طول عمرك ضعيف قدامهم؟
فؤاد: (بتنهيدة ثقيلة) بعدين يا أمنية، بعدين يا بنتي هتفهمي كل حاجة... روحي بس دلوقتي وكل حاجة هتبقى زينة.
فؤاد ينظر إلى الأرض بحزن، ثم يتحدث مع نفسه بصوت خافت.
فؤاد لنفسه:
حقكم عليا يا ولادي... بس كان لازم أعيش في دور الغلبان عشان أقدر أخد كل حاجة. بكره تتعدل يا فؤاد.
---------------------
في غرفة الجد في المستشفى، كان الجو مشحونًا بالتوتر والقلق.
الجد:فين أخوك يا عمر؟
عمر: متشغلش بالك يا جدي، هياخد جزاؤه.
الجد: أخوك فين؟ متتعبش جلبي يا ولدي.
عمر: حب**سته يا جدي، ومش هاسيبه، وهصعد الموضوع.
الجد: وجالك قلب تعمل كده في أخوك الكبير يا ولدي؟!
عمر: طول عمره مربيلنا الرع***ب، وكفاية اللي عمله في بستان. ولحضرتك لازم يتربى.
الجد: والله يا سليم يا ود العمري، عشت وشوفت عيالك بياكلوا في بعض.
عمر: هو اللي بدأ يا جدي. هي بستان مكنتش أخته لما عمل فيها كده؟
الجد: خلاص يا عمر، روح طلع أخوك، وسوي الدنيا. اقفل الموضوع ده وروحوا ع البيت. محدش يجي تاني. إحنا إن شاء الله خارجين بكرة.
عمر: يا جدي، بس بستان...
الجد: اعمل اللي بقولك عليه. ما تتعبش جلبي، وملكش دعوة بأختك. أنا اللي بقولك.
عمر: أمري لله، حاضر يا جدي.
-------------------------
في غرفة بستان، كان الجو هادئًا، لكن عمر دخل بابتسامة مشبعة بالمرح.
عمر: أهلا أهلا بالعروسة اللي هتظبطلي الدنيا مع لولتي. العب يا عموره ده احنا هنحب حب. (ويغمز لها)
بستان: (بجدية) عمر... شكلك في حاجة، مهما هزرت، أنا بعرفك، باين من عينيك.
عمر: يتنده جدك عاوزني أخرج فريد من الحب***س.
بستان: (بتعجب) هو أنت حب***سته؟
عمر: ده موضوع يطول شرحه، وأنا مش عارف أعمل إيه يا بستان.
بستان: اسمع كلام جدك يا عمر.
عمر: (بقلق)طب والي عمله فيكي مش هيتحاسب عليه؟
بستان:أنا مسامحاه، أرجوك يا عمر، اسمع كلام جدي وخرجه
فريد.عمر: (باستسلام) حاضر.
---------------
في زنز***انة فريد الانفرادية، دخل عمر وفتح الباب، ليجد فريد جالسًا في الزاوية، عيونه متعبة من القلق. بمجرد أن رآه، هرع فريد نحو الباب.
فريد: (يجري تجاه عمر، صوته مليء بالقلق)
طمني على جدك وبستان! هما كويسين؟
عمر: (بابتسامة، محاولًا تهدئته)
اطمّن، أنا جاي أخرجك. كل شيء تمام، جدك وبستان بخير.
فريد: (يتنفس بارتياح، لكن صوته يظل مليئًا بالهم)
مش مهم، أنا المهم هما.
عمر: (بحزن وهو ينظر لفريد)
للأسف، سامحوك عشان تعرف الفرق بينك وبينهم. .
فريد: (تغلب عليه مشاعر الندم، ينخفض صوته)
كفاية يا عمر، أرجوك. كفاية تانيب ضميري، مش قادر أتحمل. صدقني يا عمر، أنا هتغير. هكون أخ كويس ليك ول بستان. حقك عليا يا أخويا.
عمر يقترب منه ويحتضنه، محاولًا أن يخفف عنه الألم.
عمر: (بصوت مفعم بالمشاعر)
ياريت يا أخويا تتغير بجد. أنا عارف إنك تقدر.
يخرجان معًا من الزن****زانة، وفي طريقهم إلى الخارج، يتحدث فريد بعينين مليئتين بالأمل والتوبة.
فريد:
أنا عايز أروح لجدي وبستان أول حاجة. لازم أشوفهم، وأعتذر لهم.
عمر:
إحنا هنروح البيت الأول، عشان نغير ونرتاح. وهم كده كده جاين الصبح. مينفعش حد منهم يشوفك كده، يا فريد.
يتجهان معًا إلى القصر، وعمر في قلبه أمل أن فريد سيبدأ صفحة جديدة.
..........................
في قصر العمري، كان الجو مشبعًا بالحزن والهدوء، ولكن عمر كان يحاول أن يخفف من أجواء التوتر.
عمر: (بصوت عالٍ وهو يدخل)
يا حجه صباح يا أم فريد.
صباح: (بابتسامة، متفاجئة)
أهلاً يا ولدي، الحمد لله على سلامتك.
فريد: (بحزن شديد، وهو يقترب من والدته)
سامحيني على اللي حصل يا أمي.
صباح لم ترد عليه، فقط كانت تراقب فريد في صمت.
عمر: (محاولًا التدخل بلطف)
يا صباح، سامحيه. خلاص، جدي وبستان سامحوه.
صباح: (بتنهيدة، بعد لحظة من التفكير)
خلاص يا ولدي، المسامح كريم.
يقترب فريد من والدته، ويقبل يدها في صمت، بينما تحتضنه والدته بحب ورقة.
عمر: (بتهكم خفيف، محاولًا كسر الجو الحزين)
خلاص بقى، إيه العيلة اللي مبتعرفش تفرح دي؟ واخدين النكد حصري.
وفي تلك اللحظة، نزلت نور وليلى من غرفتهم
عمر: (موجهًا حديثه إلى فريد، وهو يشير إلى الفتاتين)
أعرفك يا سيدي بنات عمك، ليلى ونور.
ثم مال عمر قليلاً على فريد وهمس في أذنه بابتسامة:
إيه رأيك في ليلى القمر دي؟ خطفت قلبي.
فريد نظر إلى نور، وعينيه اتسعت، فشعر بشيء غريب في قلبه، وكأن نبضاته عادت تدق من جديد، ولكن هذه المرة بشكل مختلف، أحس بشيء لم يكن يتوقعه.