رواية في لهيبك أحترق الفصل الثامن العشرون 28 بقلم شيماء يوسف

               

رواية في لهيبك أحترق 
الفصل الثامن العشرون 28
بقلم شيماء يوسف


"فبعضي لديّ وبعضي لديك
وبعضي مُشتاق لبعضي، فهلّا أتيت ؟"
-محمود درويش.
مشطت عدستيها الغرفة بعدما انتهت من رحلة الإشفاق على الذات، ورثاء علاقتهم الوليدة فور سماعها حديثه الهاتفي المختصر من خلف الباب الموصود تبحث عن حل لتلك المعضلة التي أوقعت بها نفسها بسبب اندفاعها في الحركة وعدم التريث قبل اتخاذ القرار، والنتيجة واضحة، ها هي الآن تقف في منتصف غرفة تشير كل الدلائل إلى أنها غرفته!، تنهيدة عجز فلتت من بين شفتيها بعدما توسطت بكلا كفيها خصرها، تحاول التوصل لقرار، هل تغض الطرف عن وجودها في غرفته حتى الصباح وتتعايش مع الأمر الواقع، أم تنتظر ريثما تهدأ حركته في الخارج ويلوذ إلى إحدى غرف المنزل الإضافية وقتها تخرج من مخبئها؟، ظلت هكذا تجوب الغرفة ذهابًا وإيابًا بحثًا عن إجابة لسؤالها حتى أُنْهِكْت ساقيها وخارت قواها فلجأت إلى الفراش الوثير تحارب بنعومته إرهاق ذلك اليوم العصيب، وما هي سوى دقائق قليلة حتى راحت تغط في نوم عميق، ولم يوقظها من ثَبَاتهَا الهادئ سوى ارتفاع حرارة الجو من حولها، مما أجبرها على مواربة أهدابها قبل التحرك لفتح نافذة الغرفة متنعمة بنسيم هواء الخريف البارد يضرب جسدها، تُعيد داخل عقلها ذكري حديثهم الأخير، صوته، وقفته، ثقته، كل حركة صدرت عنه علقت بداخل ذهنها، قبل تذكرها حقائب ملابسها، حيث أخبرتها والدتها قبيل زفافهم بإيصالها إلى منزله، بل وإشرافها شَخْصِيًّا على ترتيبها داخل خزانته، إذا الحل بسيط، بما انها في نفس الغرفة المعنية ستبحث عن رداء بيتي مناسب تقضي به ليلتها بدلًا من ذلك البنطال ذو القماش الخشن الذي يصيبها بالحكة والاختناق ثم تستيقظ في الصباح الباكر وتبدل ثيابها في هدوء قبل مواجهته، وعلي ذلك القرار توجهت نحو خزانة الملابس تنظر بداخلها قبل أن تلمح بطرف عينيها شيء ما ضئيل الحجم يتحرك في اتجاهها، فاستدارت تنظر بأنفاس مكتومة بعدما فتحت عيناها على اتساعهما تزيح أثار النوم منهما كي تتأكد مما تراه يتقدم في هوادة نحوها ، وما أن أُثبتت شكوكها حتى بدأت في الصراخ باسمه مستنجدة بقدر ما سمحت لها أحبالها الصوتية الضعيفة، وقد فقدت القدرة على التحرك فلم تستطع سوي الاختباء خلف ضلفه الخزنة وانتظاره عل صوتها يصل إليه فيهب إلى مساعدتها، هذا على الأقل ما أملته وهي واقفة تنظر إلى ذلك الجسد الصغير يسير بخطوات بطيئة للغاية نحوها، وكأن ذبذبات رعبها تصل إليه فتُزيده إصرارا على مهاجمتها، بينما اندفع هو بجسده بعد لحظات إلى داخل الغرفة ينظر بأعين ناعسة إلى تلك الواقفة داخل خزانته "أن صح التعبير" وتطلع إليه كالمغشي عليها، وما أن رأته حتى صرخت تقول في فزع :
-(( يحيى الحق.. شوف الشيء الأسود اللي هناك ده ))..
تتبع بنظره إلى حيث أشارت بأصبعها من خلف الضلفة، ثم هتف يستفسر في بلاهة :
-(( أسود إيه مفيش حاجة!.. وبعدين أنتي إيه اللي مدخلك جوه الدولاب كده؟! ))
تمتمت تقول في نبرة متهدجة من شدة ذعرها :
-(( مفيش أزاي )) ..
طلت برأسها تنظر بترقب شديد من خلف درعها الخشبي الواهِ إلى حيث تركت ذلك الكائن الصلد منذ لحظات يسير، وما ان لمحته من جديد يواصل تقدمه منها حتى عادت تصرخ قائلة بأنفاس متقطعة :
-(( ااااااااااااه.. اهوووو.. الحق البتاع ده جاي عليااااااا )) ..
هتف مستنكرًا بعدما حك مؤخرة رأسه في عدم اهتمام :
-(( ده زوحلف!!.. أنتِ عاملة كل الدوشة دي عشانه؟!.. ده على ما يوصل لمكانك يكون فات سنة! )) ..
أجابته متوسلة ولازال الذعر يغلف نبرتها وملامحها :
-(( بطئهم بيوترني وملمسهم بيقشعر جسمي.. عشان خاطري أبعده من هنا )) ..
مرر نظراته الخاطفة بالتساوي بين ذلك الكائن الضعيف المسالم، وبين صغيرته ذو الرأس المتحجر، قبل حسم أمره والسير نحو الزاحف يحمله بيده ثم استدار به متوجهًا إليها، وفور رؤيته يقترب منها حتى عادت تصرخ من جديد وتناشده في قلة حيلة بصوتها الباكِ:
-(( أبعد البتاع ده عنااااااي .. ااه يا بابا ))..
قال مبتسمًا في مكر :
-(( وهستفاد إيه لما أبعده )) ..
أجابته في لهفة وهي تلوح بكلا كفيها أمام وجهه مستسلمة :
-(( اللي أنت عايزة بس أبعده ))..
قام بدفع السلحفاة الصغيرة إلى خارج الغرفة بعدما وضعها أرضًا، ثم عاد يقول في إصرار فور انتصابه في وقفته وعودته يقف أمامها ويسد عليها منفذ الخروج :
-(( اسمعي أنا عايز اقولك إيه ))..
مالت برأسها على مضض تنظر من خلف جسده الطويل الحاجب لرؤيتها تستطلع المكان من حولها، حتى تأكدت من خلو الغرفة من مسبب ذعرها، وقتها هتفت تقول معترضة في كبرياء ورأسها مرفوع للأعلى :
-(( لو سمحت أبعد عني خليني أنام.. وياريت تطلع برة الأوضة خالص ))..
سارع بدفع جسدها إلى داخل الخزانة مَرَّة أخرى عندما شعر بها تهم في التحرك، قائلًا في تصميم :
-(( أنا مش هسيبك غير لما تسمعيني.. أظن دي أبسط حقوقي.. أنا عارف أن من جواكي عايزة تفهمي جيداء مكانتها إيه في حياتي.. فمن فضلك اديني فرصه اشرحلك ))..
غمغمت كاذبة في حدة مزيفة متسلحة في تلك اللحظة بغضبها المفتعل، بعدما أشاحت بنظرها بعيدًا عنه :
-(( مين قال إني عايزة أسمعك.. أو مهتمة حتى ؟!.. وبعدين احنا هنقضي الليلة كلها جوة الدولاب!.. لو سمحت ابعد وعديني ))..
أجابها في عملية وعدستيه تأسر خاصتها:
-(( حركاتك كلها ونظرة عينيك بتقول كده.. متنسيش أنك متجوزة دكتور نفسي.. غير أن صراع مشاعرك باين كله على وشك )) ..
حاولت دفع جسده بكفها المهزوز والفرار من مواجهته ولكنه سبقها بالقبض على ذراعيها وإبقائهم بين يديه خلف ظهرها، ثم أردف يقول في نبرة مرهقة :
-(( عالية اسمعيني من فضلك.. انا روحي طلعت الشهور اللي فاتت عشان بس تجيلي فرصة زي دي.. فعشان خاطري متضيعهاش مننا ))
هتفت تقاطعه في لهفة :
-(( بعد الشر ))..
عضت فوق شفتيها نادمة، وقد تسللت الكلمات من فمها دون حسبان، ثم أردفت تغمغم مصححة في تعلثم :
-(( قصدي بعد الشر ع البشرية.. كإنسان.. يعني هقول كدة لأي حد مش انت بس ))..
انفرجت شفتيه بإبتسامة سعيدة مشاكسة، بينما ارتفعت أحدى ذراعيه بعدما حرر معصمها إلى حيث فكها، يدلك في هوادة أسفله وهو يقول بصوت أجش متحشرج :
-(( كتب كتابي من جيداء كان ضروري عشان الاستقدام والأوراق باعتبار أننا كنا كده كده مخطوبين وهنتجوز.. وبعد ما حصل وحبت تييجي زيارة عندي منها تغير جو ومنها تفسح بنتها لارا .. وقبل ما دماغك تشتغل هي كانت مقيمة في مكان وأنا في سكن الجامعة.. روحنا ديزني لاند وفي لحظة غفلت فيها عن لارا.. هي لحظة واحدة بصيت فيها الناحية الثانية كانت البنت اختفت.. دورنا كثير وسألنا أكتر وبعدها لجأنا للشرطة بس مكنش فيه فايدة.. البنت ولا كأن ليها أثر.. بعدها عرفنا أن حتى في فرنسا في عصابات خطف أطفال.. وقعدنا على الحال ده فترة نتواصل وندفع لأي حد ممكن يدلنا على مكانها لحد ما جيداء جالها حالة عصبية واتهمتني أني السبب في اختفاء لارا ولولا اقتراحي وإهمالي مكنتش بنتها ضاعت منها.. وبعدها هي كمان اختفت من حياتي وبعتتلي جواب تطلب فيه أني أطلقها واسيبها تعيش حياتها ومدورش عليها تاني.. حققت النص الأول من رغبتها وطلقتها في هدوء.. بس مقدرتش مدورش عليها.. مهما كان دي بنت خالي وزي ما قالت أنا السبب في اللي حصل لبنتها ))..
صمت لوهة يتجاوز غصة اصابت قلبه وحلقه من الذكرى المؤلمة، استطاعت خلالها خطف نظرة سريعة ورؤية مدى الألم الذي يمر به والمرسوم بوضوح على ملامحه، بينما استطرد هو حديثه بعدما احاط بذراعه خصرها يقربها إليه واستند بجبهته فوق جبهتها كأنه يستمد منها القوة :
-(( تعبت وانا ادور على لارا شوية وعلى جيداء شوية يمكن الاقيهم واجمعهم ببعض.. وبعد سنة عرفت ان جيداء اتعرفت على رجل أعمال ليه علاقة بالأطفال والتجارة المشبوهة.. وكأن حادثة بنتها طلعت أسوء ما فيها.. ومن اللحظة دي بدأت معرفتي بغفران.. عرضت عليها اساعدها في قضاياها النفسية في المقابل لو عرفت اي خبر أو قضية تخص جيداء تبلغني بحكم شغلها.. دي كل حكايتي.. مقلتلكيش ليه عشان مكنش في وقت.. احنا جوازنا كان مفاجئ وملحقتش احكيلك اي حاجة عن ماضية.. بس لو تفتكري انا طلبت منك اتكلم معاكي بعد الفرح ))..
رعشه قصيرة أصابت جسدها مع تدفق حديثه الأخير إلى قوقعة اذنها ومنه مباشرةً إلى قلبها، وحتى مع هذا الموقف المحزن وجدت جلدها يتأثر بلمساته البسيطة عندما واصل كفه تحركه فوق وجهها يمسح بإبهامه أسفل جفنها، يليها تنهيدة ألم صدرت من حلقه شعرت بصداها يتردد داخل ضلوعها، وددت لو ترفع يدها وتمسح عن وجهه، لو تشاركه المه، لو بمقدورها محو ذلك الشعور المريع بالذنب والذى يحمله منذ سنوات مضت فوق كاهله ،وقبل ان تصل يدها إلى وجهه، سمعته يقر معترفًا ببساطة :
-(( اتشديت ليها اكيد.. زيي زي اي شاب خاطب بنت حلوة ومرحة.. بـــ...... ))
رجفة يدها، عبرة عينيها، ألم صدرها، واخيرًا شهقة خافتة فلتت من بين شفتيها، كل ذلك انتشلها من الغرق فى دوامته فور نطقه باعترافه الغير مكتمل والذى كان بمثابة خنجر زرعه في منتصف فؤادها دون أدنى قدر من الرحمة بها او الاشفاق عليها، وبدلًا من الربت على وجنته او مواساته، وجدت يدها تدفعه بكل ما أوتيت من قوة قبل ركضها إلى الخارج تحتمي من خيبتها خلف أبواب أحدى الغرف حتى تنتهي المهلة المقررة بينهم، ثم بعدها ستطوي صفحة وجوده في حياتها إلى الأبد.

****************************

بعض العادات تظل راسخة داخل وجداننا، مهما مر عليها الزمن.
تهادى إلى أُذنها مخالطًا حلمها بواقعها صوت فيروز الصباح حاملًا إليها عبق الماضي القريب وراسمًا فوق محياها ابتسامة رضا بعد ليلة مؤرقة ظل يداعب بأفعاله العبثية أحلامها حتى ساعات النهار الأولى، يتبعها تسلل رائحة مشروب صديقتها الصباحي معلنًا عن إشراقة يوم جديد، يوم وجدت نفسها تتطلع إليه بكل تعقيداته وكأنه موعدها الأول، ابتسامة واسعة احتلت ثغرها فور تذكرها كلمته المدللة لها البارحة يليها تنهيدة حالمة فلتت من بين شفتيها عندما جالت بخاطرها صورته الأخيرة وهو يتعمد الالتصاق بها فوق الدرج، ثم إصراره على إيصالها، وتلك النبرة القوية الحازمة التي خرجت منه مدافعًا عن حقه المشروع فيها فور شعوره بالغيرة، غاضبة منه؟!، نعم بالتأكيد!، سعيدة بالتغير الطارئ على شخصيته؟!، بالطبع!، بل تكاد تتراقص فرحًا كالطفلة المشاكسة والتي حصلت على حلوتها المفضلة للتو، ورغم ذلك تبقى هناك غصة، جزء داخلي يشعر بالخذلان من انصرافه عنها كل تلك المدة، خفتت ابتسامتها شَيْءً فشيء قبل إجبارها قسرًا لسيل أفكارها الجاري نحوه على التوقف عند تلك النقطة تحديدًا، خاصةً بعدما تبدل مزاجها السعيد بآخر عكر، ثم سحبت هاتفها تنظر في شاشته، قبل أن تتمطى في كسل بعد خروجها من الفراش وقد تحول عبوس جبينها إلى ابتسامة مكر احتلت زوايا فمها حيث قررت مواجهة عناده باللامبالاة.
وبداخل غرفة المعيشة بعدما انتهت من ارتداء ثياب عمل تتسم بالأناقة والاحتشام معًا، غمغمت رفيقتها في السكن تحية الصباح :
-(( صباح الخير ع الناس النشيطة ))..
بادلها تحييتها قائلة في حنين :
-(( صباح الخير.. صوت فيروز فكرني بماما الله يرحمها ))..
قالت غفران مبررة في اعتذار مبطن :
-(( دي الإذاعة.. تحبي أغير؟! ))..
حركت رأسها رافضة، بعد أن اغرروقت عيناها بالدموع من الذكرى ، بينما هتفت غفران في فضولها المعتاد تحاول تغير مجري الحديث بعدما نظرت في ساعة هاتفها.
-(( بس لابسة بدري ليه كده.. الساعة يادوب سبعة وربع؟! ))..
أجابتها في عدم تركيز بعد أن لفت نظرها مغلف أبيض صغير حاولت الأخرى إخفائه داخل جيبها حال رؤيتها له :
-(( لازم أنزل سبعة ونص عشان أوصل هناك ٨.. وبعدين سيبك من صحياني وقوليلي بتخبي مني أيه؟! ))
أجابتها كاذبة في إرتباك رغم ثبات نبرتها :
-(( مفيش.. ده وصل النور )) ..
ختمت كذبتها بابتسامة واهنة، لم تنطلِ على تلك الوقفة قبالتها والتي هتفت تقول محذرة في نبرة ممطوطة :
-(( غــفــرررران.. إيه اللي في أيديك ده ؟!.. تهديد تاني صح.. قصدي عاشر ))..
هتفت رفيقتها مدافعة في تعلثم :
-(( ده شغل عيال أكيد مش هخاف منه.. مش قلتي نازلة.. يلا على شغلك ))..
صاحت رحمة تقول في ضيق :
-(( لعب عيال إيه ده اللي بتكلمي عنه عايزة افهم!!.. لعب العيال ده كان سبب في أنك تفقدي البيبي المرة اللي فاتت ودراعك يتجبس.. ولولا ستر ربنا كان جالك ارتجاج في المخ!.. كل ده وتقوليلي لعب عيال.. غفران سيبك من القضية اللي هتجيب أجلك دي سمعاني؟.. وإلا أنا هتصرف ))..
سارعت غفران تقول مبررة وقد فقدت أمام تأنيب صديقتها القدرة على تقدير الأمور :
-(( مش هسيبه يفلت بعد كل اللي عمله وبيعمله.. وكمان مش أنا لوحدي اللي بيوصله تهديد.. يحيى كمان.. يعني اللي بيعمل كده عايزنا نخاف ونتراجع زي مانتي بتطلبي دلوقتي وبس ))..
شهقة ذعر خرجت من فمها عند سماعها حديث رفيقتها الوحيدة، قبل أن تقول في إصرار :
-(( ويحيي كمان!!.. دي علياء روحت معاه البيت.. كده لازم أبلغ جواد وهو يتصرف معاكم ))..
صرخت غفران تستوقفها يائسة :
-(( لا جواد لا.. رحمة لو حد عرف هيتورط.. عشان خاطري بلاش ))..
تشدقت رحمة تجيبها في نزق :
-(( ومادام عارفة أنكم متورطين.. مكملة ليه.. أنا استحالة أسيبك في الموضوع ده لوحدك سمعاني.. وبعدين الزفت اللي اسمه أبو المجد ده لو عرف أن في حد قوي وراكم هيخاف ))..
سارعت غفران تقول في نبرة متباينة ما بين التهديد والرجاء :
-(( رحمة.. لو حد عرف بالموضوع ده وخصوصًا جواد مــ....... ))..
قاطع جدالهم ظهور شقيقها الأصغر يهتف متسائلا من بين تثأبه بعد أن جذبه صياحهم إلى غرفة المعيشة :
-(( رحمة.. أنتِ صاحية بدري كده ليه؟!.. وصوتكم جايب البيت كله ليه؟ ))..
إجابته في نفاد صبر بعدما نظرت في ساعة يدها :
-(( استلمت شغل من النهاردة والمفروض أوصل بدري.. الساعة سبعة ونص يادوب الحق أتحرك.. وأنت يا تيفا.. أنجز نفسك عشان تلحق محاضراتك من أولها.. وتعالي بدري النهارده عشان بقالنا فترة مقعدناش مع بعض واتكلمنا ))..
لاحت بكفها مودعة منتهزة فرصة الخلاص التي منحها لها شقيقها على طبق من فضة، وهاربة من سماع تحذير تعلمه جيدًا، وقد عقدت النية على اللجوء إلى إحداهم، وبالطبع بما أنها ناقمة على رجلها الرمادي فخيارتها أصبحت محدودة، بينما تمتم شقيقها مودعًا في حب وهو يفرك بكفه مؤخرة رأسه:
-(( خلي بالك على نفسك طيب ))
بعثت إليه بقلبه خاطفة تلقاها مرحبًا قبل أن تغلق باب المنزل من خلفها، تاركة الأخرى تراقب هروبها التكتيكي وهي تلعنها في صمت..

********************************

صوت ضحكات رنانة لطفلة لا تتجاوز الخامسة من حيث تقديرها، دوى مُحْتَلًّا ذرات هواء الممر المندفعة إليها من الخلف، أجبر ثغرها على الانفراج في ابتسامة معجبة بمرح تلك الصغيرة، وعلاقتها الودية على حسب تخمينها المبدئي بوالدها هو الأخر وضحكته الرخيمة الخافتة التي ترتفع من وقت لأخر ثم تعود وتختفي فجأة كما ظهرت على حين غرة، فتفقدها تركيزها لوهلة وتُبعثر الحديث من فوق شفتيها، جاذبًا انتباهها نغمات الطفلة الناعمة وحديثها الشيق المبهم والذي لا يصلها منه سوي همهمات خفيضة متقطعة، تود لو تُنهي مخابرتها الهاتفية ثم تركض نحو تلك الطفلة تطلب الأذن من ذويها والسماح لها بمجالستها ولو لدقائق قليلة والتمتع بتلك البراءة التي حُرمت منها بالجرم المشهود، ظلت تلك الفكرة المحببة تداعب ثنايا عقلها وتُغريها بالتحرك وتنفيذ رغبتها حتى توقف الصوت المنبعث إليها دقيقة واحدة، قبل عودته أقوى من ذي قبل، تتردد صدى قهقهات الصغيرة داخل الرواق في جلجلة صاخبة دفعها رغمًا عنها إلى الالتفات نحوها بعدما أغلقت هاتفها، ناظرة بلهفة تكاد تنهش داخلها إلى ملامح تلك الصغيرة المشاكسة، قبل أن ترتفع عدستاها إلى وجه والدها، والذي فور ملاحظته لها هتف يتساءل في اندهاش :
-(( غفران ؟!.. أنتِ بتعملي إيه هنا ؟! ))..
سارت إليه بابتسامة عريضة واسعة تحتضن بأعينها تلك المخلوقة الصغيرة ذات النظرة الملائكية الواقفة جواره، حتى شعرت بوخز الدموع الساخنة يلسع مقلتيها تفاعلًا مع الابتسامة الرائعة ونظرة الفضول المطلة من بين أهداب طفلته المتابعة لحركتها، وكأن لسان حالها يسأل عن سبب تحدث والدها إلى تلك الغريبة التي استقرت أمامها جاثية على ركبتيها تسأل في حشرجة بعدما رمشت أجفانها عدة مرات تطرد ما خلفهم من سوائل غير مستحبة :
-(( جواد.. دي لينة ؟! ))..
أومأت الصغيرة برأسها إيجابًا عند سماعها السؤال، ثم همهمت تسأل في براءة :
-(( أنتِ تعرفينني؟! ))..
ذهبت محاولتها في التغلب على وخزات عبراتها أدراج الرياح فور سماعها للصوت الصغير العذب يتوجه بكلماته إليها، ولم تشعر سوي بذراعها وهو يمتد في اتجاهها، رغبةً في احتضان ذلك الكف الرقيق، والشعور بدفء براءته يتسلل إلي جليد حياتها الباردة عله يذيبه، ثم قالت بعدما طبعت قبلة مطولة فوق ظاهر كفها :
-(( طبعًا أعرفك.. بابي كلمني عنك كثير.. وجيت عندكم البيت قبل كده يوم كتب كتاب علياء.. بس أنتِ كان عندك حمى ونايمة وطبعًا معرفتش أشوفك.. بس ملحوقة نصيبي أقابلك النهارده.. أنا غفران زميلة بابي في الشغل ))
رفعت الطفلة رأسها تنظر إلى والدها المتابع لحديثهم في صمت وكأنها تتأكد من صدق رواية تلك مجهولة الهوية التي اقتحمت خلوتهم دون دعوة، بينما سارعت غفران بإخراج قطعة من الحلوى تحتفظ بها داخل حقيبة ظهرها كعادة اكتسبتها منذ سنوات من كثرة تعاملها مع أطفال الملجأ تمدها إليها قائلة في توسل بعدما قبلت رأس الصغيرة :
-(( ينفع تاخدي دي مني وتديني حضن كبير؟! ))..
صرخة حماسة سعيدة كالتي خصت بها والدها منذ قليل وأشعلت بداخل الجاثية أمامها نيران اشتياقها لإحساس الأمومة ، خرجت من بين شفتي الطفلة قبل همسها في حرارة بأعين لامعة :
-(( بابي شيكولاه ))..
قهقهه جواد عاليًا لمعرفته نقطة ضعف صغيرته، وقبل نطقه بالموافقة، كانت طفلته ترتمي داخل أحضان ضيفتهم في عناق ودي بينما يدها الحرة تسحب جائزتها في لهفة، فتشبثت غفران بكامل طاقتها بذلك العناق وقد أضفي إلي لوحة يومها الباهت ألوانا زاهية، ونجح في رسم الابتسامة على شفتيها، إلى أن قطع جواد لحظتها الخاصة يسألها من جديد :
-(( مقلتليش بتعملي إيه هنا.. زيارة لحد ولا رحمة بلغتك بـ بابا؟! ))..
أجابته بعدما انتصبت في وقفتها وذراعيها لازالت تحتفظ بطفلته داخلهما :
-(( الست رحمة كتر خيرها افتكرت تقولي لما روحت بليل ))..
صمتت لوهلة ثم أردفت تقول في عتاب صريح :
-(( مانا أديت دوري في التمثيلية وأقنعتها توافق على الشقة والشغل كمان.. يبقي تفتكروا تبلغونني بأن عمو تعبان ليه ))..
هتف جواد مستنكرًا في حنق :
-(( ده حقيقي!!.. يعني مش أنتي اللي تقريبًا متجاهلة كل تليفوناتي الفترة دي عشان خايفة حد يتكلم عنك بسبب ظروفك!!.. وموافقتيش تساعدينني في موضوع إقناع رحمة غير لما بابا بنفسه كلمك!.. دلوقتي بقيت أنا الغلطان! )) ..
ارتبكت للحظات تحاول العثور على حجة مناسبة تبرر بها صدها الواضح له، فهي أبدا لن تخبره عن الخطر المحيط بها، أو خوفها من إلحاق الأذى به إذا ظهر في زوايا رؤية مراقبها لذا تتجنب لقاءه أو حتى التحدث معه، بينما هتف هو يُضيف في ضيق :
-(( ها.. سكتي ليه ولا عشان معندكيش حاجة مقنعة تقوليها؟! ))..
عضت فوق شفتيها وقد يأست من إيجاد مخرج للموقف الحرج الذي وضعت نفسها به سوي هتافها تسأل في فضول مغيرة مجرى الحديث :
-(( ألا صحيح جايب لينة معاك المستشفى ليه؟.. أول مرة تعملها ))..
حرك رأسه متفهمًا وقد وصلته الإجابة من عدم تعقيبها على حديثه، ثم قال في فتور :
-(( مفيش..الدادا مسافرة بقالها كام يوم وملقتش حد أسيبها معاه فاضطريت أجيبها المستشفى معانا ))..
تنحنحت حرجة بعدما أومأت بجفنيها، تتابع حركة يده وهو يسحب الطفلة من بين ذراعيها مضيفًا في جمود :
-(( رحمة قالتلك حاجة تاني عن موضوع الشقة ولا اتقفل خلاص؟! ))
سارعت تجيبه باستفاضة :
-(( وافقت وقلقانه واتقفل.. هي مش غبية عشان تصدق أن كل ده صدفة.. بس برضه عايزة توافق عشان مصطفى.. أو يمكن من جواها عارفة الحقيقة وراضية بيها.. المهم أن في جزء منها استسلم للأمر الواقع ع الأقل من ناحية الشغل.. والنهارده الصبح طلبت من مصطفى يرجع بدري عشان تتكلم معاه.. أكيد هتبلغه أنهم هيتنقلوا لبيت جديد.. فأظن كده طلبك أتحقق ))..
قفزت إلى ذاكرتها فجأة رسالة التهديد الأخيرة، وما دُونّ داخلها بوضوح فوثبت وجلة كمن لدغته حية تقول بعدما مشطت بأعينها الممر تتأكد من عدم ملاحقة أحد لها :
-(( عن إذنك هدخل اشوف عمو بسرعة عشان عندي مشوار ضروري ))..
تابع ركضها من امامه في بلاهة شاعرًا بوجود خطب ما وقد عزم النية على معرفته في أقرب وقت.

******************************

جال بعينيه الرواق بغرفة الاستقبال، يبحث عن مراده حتى وجدها جالسة بين رفيقات العمل خلف أحد المكاتب تتسامر في ودية شديده تاركة أعمالها المتراكمة حتى انتهائها من نميمتها الهامة وحديثهم المرح، فسار مدفوعًا بغيظه المحتقن داخله منذ البارحة حتى وصل إليها ووقف أمامها، ثم هتف يقول في حدة متعمدة :
-(( سايبة مكتبك ليه يا أستاذة.. ولا نقلتي شغلك هنا وأنا معرفش؟! ))..
قفزت من مقعدها بعدما اختفت الابتسامة من فوق شفتيها ومن داخل عينيها وتحولت إلى نظرة فزع، بينما تفرق الجمع من حولها كُلًّا يركض في اتجاه مختلف ولم يَتَبَقَّ سواها في محيطه، فأستطرد يضيف في جمود :
-(( فكريني كده باسمك إلا نسيت ))..
سارعت تقول في تعلثم واضح :
-(( زهرة يا فندم ))..
مط شفتيه للأمام ثم قال معقبًا بعد أن وضع كفيه خلف ظهره وانتصب يستقيم في وقفته :
-(( ويا أستاذة زهرة.. محدش عرفك تستأذني قبل ما تدخلي على مديرك.. ولا هي زريبة!! ))..
ابتلعت لعابها بالإهانة التي ألقاها في وجهها، ثم قالت في تردد مدافعة عن نفسها :
-(( والله يا فندم أستاذ جواد هو اللي طلب مني اعمل كده ))..
ضيق طاهر نظراته فوقها فأردفت تقول في ثبات بعد لمحها اهتمام ملامحه بما القته في وجهه :
-(( جواد بيه إمبارح بعد ما خرج من اوضه حضرتك.. قصدي اوضه أستاذه رحمة.. طلب مني استني شويه ولو حضراتكم اتاخرتوا جوه ادخل أسأل لو أحضر معاك الاجتماع.. طبعا من غير ما أخبط على الباب ))..
زفر حانقًا من أفعال رفيقه الصبيانية، ثم قال محذرًا قبل أن يستكمل طريقه نحو وجهته الأساسية :
-(( اللي حصل إمبارح ميتكررش.. مفهوم.. وتشوف شغلنا مش جايين نهزر ونعمل حلقة نميمة في المكان.. ودلوقتي في موظف من البنك هيطلع عشان يخلص موضوع فيز المرتب.. تخليكي معاه لحد ما يخلص وأنا داخل جوه ))
حركت رأسها عدة مرات موافقة في احترام دون التجرؤ على رفع أهدابها والنظر في عينيه، تتابع بضيق واضح من خلف أهدابها المنسدلة خطواته الثابتة نحو غرفة المالك، حتى اختفى من أمام ناظريها وقتها هتف من خلفها صوت أنثوي لفتاة ممن كانوا حولها وعادت فور ذهابه تعنفها قائلة :
-(( مش قلتلك بلاش.. أنتي اللي صممتي تدخلي.. اهو سمعك كلمتين ملهمش لازمة اهو ))..
نفضت رأسها في خيلاء حتى تطايرت خصلآت شعرها من حولها، مشكلة هالة بنية اللون كأشعة الشمس قبل الغروب، وقائلة في غيرة :
-(( اتلهي وسبيني أشوف اللي ورايا.. وبعدين كل كده عشان حبيبة القلب اضايقت من دخولي عليهم! .. معرفش حظنا احنا اللي فقري كده ليه.. شركة مخصوص تتعمل على حسها غير حلاوته وفلوسه وكمان دلع وحب.. بذمتك فيها إيه زيادة عننا ))..
إجابتها الفتاة مؤنبة :
-(( يا ستي دي أرزاق.. ربنا مقسم لكل حد فينا رزقه وهي رزقها الزوج الصالح.. وبعدين ما هي حلوه وجميلة وشيك وباين عليها الاحترام والتدين.. وحتى لما جمعتنا الصبح عشان تعرف عن نفسها اتعاملت بمنتهى التواضع وقالت إننا صحاب المكان وهي اللي ضيفة مؤقتة.. أنا رأيي هو اللي يا بخته بيه ))..
حدجتها بنظرة مزدرية قبل هتافها في نزق :
-(( بقولك إيه روحي على مكتبك مش ناقصة أنتي كمان تسمعيني قصايد في جمال مديرتك.. امشي وسبيني أروح لشغلي محدش هينفعني غيره ))..
حركت الفتاة الأخرى رأسها في قلة حيلة رافضة تطلع صديقتها إلا ما مُتع به غيرها قبل الانصراف من أمامها.
أما في الداخل، ومن خلف الباب المغلق، جلست فوق المقعد الجلدي المريح تتأفف وكأنها جالسه على قطع من الجمر تلسع جلدها الناعم، فبعد أن غمر كيانها الرضا لمخالفتها أوامره، واحتلت ابتسامة الشماتة ثغرها كلما تخيلت ردة فعله عند وصوله منزلها واكتشافه تحركها من دونه، بدأت ابتسامتها تخبو شيئًا فشيء مع انقضاء الساعات حالًا محلها العبوس، فقد خيل إليها عقلها بعد تهديده البارحة بملاحقته لها أن يظهر في اي لحظه ويعبر عن رفضه تصرفها، وها هي منذ وصولها في الصباح وإلى الآن وعدستيها مُعلقة بباب الغرفة دون نتيجة مرضية، حتى فقدت حماسها بمرور الوقت وحل الإحباط محل السعادة بداخلها، وعادت إلى سيرة شكوكها الأولى، مقاطعًا كعادتها في الآونة الأخيرة مجرى أفكارها المتدفقة منه وإليه، دفعة حادة لباب الغرفة يليها ظهوره أمامها، يرمقها بنظراته الغاضبة بعد أن أوصد الباب من خلفه بقفل الأمان، فانتصبت في وقفتها مستعدة لجولة جديدة من الجدال الحاد بينهم، متجاهلة ذلك الجزء الخائن بداخلها والذي هتف مهللًا لرؤيته أخيرًا محققًا رغبتها المكبوتة، بينما هتف هو يسأل بصوته الخشن :
-(( أنا قلتلك إيه امبارح؟! ))..
أجابته مراوغة ومتلذذة بالغضب البادِ على قسماته :
-(( امبارح قلت حاجات كتير.. هفتكر إيه ولا إيه ))
صاح في عنف أجفل جسدها على أثره :
-(( رحمة متلفيش وتدوري.. قلتلك ايه بليل لما كنا على السلم! ))..
أشاحت بوجهها بعيدًا عنه تبحث عن شجاعتها الفارة من أول مأزق، فعاد هو يصيح من جديد في حدة :
-(( قلتلك لو نفذتي اللي في دماغك وركبتي مواصلات تتلزقي وسط الرجالة هعمل ايه!! ))..
الركض هو نصف الشجاعة، خاصةً في حالة الوقوف أمام ذلك الوحش الثائر، هذا ما هتف به عقلها في حين أبت كرامتها الانصياع له حاسمًا النزاع صوتها الذي خرج من حنجرتها دون وعى يوقف تقدمه منها :
-(( مركبتش والله انا جيت بأوبر لوحدي ))..
تنفست الصعداء فور لمحها لإرتخاء ملامحه النسبي وتوقف سيره نحوها ورغم ذلك، بادرت بالتحرك من خلف المكتب تتيح لجسدها مساحة للهرب في أي لحظة تشعر بها بالخطر، متابعة بفضول شديد حركة يده المتشنجة ثم إخراجه لأحد المستندات من جيب سترته الداخلية آمرًا في جمود بعد أن ألقاهم فوق سطح المكتب في عنف :
-(( امضي على الأوراق دي وأخلصي عشان حساب البنك ))..
عقدت ذراعيها معًا أمام قفصها الصدري في حركة دفاعية ساذجة، ثم قالت في برود :
-(( ومين قال إني عايزه حساب! ))..
مرر يده خلال خصلاته القصيرة بعد أن زفر مطولًا ثم قال في نفاذ صبر :
-(( ده حساب خاص بالمرتب.. عشان ينزلك عليه وتستلميه بالفيزا.. وده لكل الموظفين مش ليكي لوحدك.. اكيد مش هخلي المحاسب يسيب أشغاله ويلف على فرد فرد يقبضه! ))..
هتفت تسأله مستنكرة في عناد :
-(( ومين قالك أني عايزه قبض منك !! ))..
تشدق ساخرًا :
-(( أومال هتتشغلي لله والوطن؟! ))..
أجابته في غلظة :
-(( أنت عارف اني وافقت على موضوع الشغل هنا عشان مزعلش الراجل المريض أكتر ما هو زعلان او أحمله عبء زيادة.. بس ده مش معناه إني هشتغل معاك.. ده مجرد وضع مؤقت ولما أتأكد من سلامته هسيب المكان فورًا ))..
سألها بابتسامة استخفاف بعدما أطلق من حلقه صوتًا ساخرَا :
-(( على أساس أني هسمحلك تشتغلي مع حد غريب صح؟! ))..
هتفت محاولة الحفاظ على هدوئها وعدم الانسياق خلف استفزازه :
-(( بصفتك إيه إن شاء الله؟! ))..
قال في بساطة :
-(( جوزك ))..
أشعل فتيل غضبها بنظرته المستهينة بها فاندفعت تصبح في اهتياج بعد أن نجح في إثارة حفيظتها أخيرًا :
-(( جوزي!!.. بمناسبة أن جوازنا كان إجبار؟!!.. ولا بمناسبة أني لعبة في ايديك تظهر وقت ما تحب وتختفي وقت ما تحب.. ولا بمناسبة ان بقالك سبع شهور كاملة معرفش عنك حاجة وجاي دلوقتي تقولي اعمل ايه ومعملش ايه كأني جارية عندك.. انت بأي حق فاكر نفسك ممكن تتحكم في حياتي!! .. ولا مين ضحك عليك واقنعك اني هسمحلك!! ))
اللعنة على ذلك المرض الذي أصبح نقطة ضعفه وقوتها، لقد أراد استرضائها خوفًا من إصابتها بنوبة جديدة، أخبارها بأنه احمق اندفع خلف رغبة طبيبها دون التفكير فى عواقب فعلته، وبأنه خلال الاشهر المنصرمة سار بين الخليقة كجثة هامدة ولم تعد روحه إلى جسده ألا برؤيتها، بينما استأنفت هي توبيخها وكأن الكلمات عقد وانفرط من جمعه، تتناثر واحدة تلو الأخرى هنا وهناك في سرعة دون القدرة على إيقافها :
-(( وبعدين ممكن اعرف انت جاي دلوقتي ليه!!.. عشان الهانم الملزقة دي تدلع عليك زي إمبارح.. ولا عشان واحدة تانية تبصلك وتاخد بالها من عضلاتك! .. ولا واحدة تالته تقول واوووو شوفوا لابس بدلة عاملة ازاي.. ولا واحدة غيرهم تشمشم في ريحة البرفيوم بتاعك!! ))..
هل تجاوز لسانها حد ما هو مسموح بالإفصاح عنه؟! أم يخيل لها ذلك من نظراته المستمتعة!، ضغطت فوق عينيها بعدما أغلقتهم وعضت على شفتيها ندمًا تود لو تركض من الغرفة بأكملها هربًا من ذلك الموقف الحرج، وعلي عكس شعورها كان هو سعيدًا بتوبيخها وبما أستمع إليه، يحاول جاهدًا الحفاظ على ثباته الانفعالي وعدم الصراخ احتفالًا بغيرتها الواضحة، فـقراءة مشاعرها المدونة من خلف الدفتر شئ، وسماعها منها متجسدة بردات فعلها الحية شئ أخر، شعور جعله يحلق بين السحاب في أرض الأحلام المثالية، وبعد فترة من الصمت أخذ يتشرب خلالها ملامحها الناعمة، تنحنح يسأل في مرح :
-(( أنتِ غيرانة؟! ))..
فتحت عينيها على مضض تواجه واقعها المرير، ثم قالت نافية في نبرة هامسة :
-(( وهغير ليه.. لا طبعًا ))..
عقب على كذبتها مشاكسًا :
-(( يعنى مش بتغيري على رجلــ.... ))..
هتفت تقاطعه في هجوم وقد تجاوز انفعالها الحد :
-(( متقوليش رجلى الزفت وتقلب الطربيزة عليا.. وبطل تفكرني بالكلام اللي كتبته.. ماشي!! ))..
أنهت أعتراضها بلكزة قوية في ساعده نفّست بها عن غضبها المكبوت من تبجحه وغروره الزائد في التعامل معها، ثم زفرت مطولًا كخطوة أخيرة تحارب بها ضعف رئتيها، وبعد لحظات من الصمت لم يصدر عنه أي رد فعل على عكس عادته في جدالهم، رفعت رأسها تنظر نحوه فتفاجئت به يمرر نظراته الجامدة بالتساوي بين كفها وبين عضده حيث لكمته منذ وهلة، قبل أن يسألها وهو يتقدم منها بخطوات بطيئة متأهبة وقد نجح في رسم الجدية فوق ملامحه وفي نبرته :
-(( أنتِ مديتي أيديك عليا دلوقتي؟! ))..
رمشت بأهدابها عدة مرات تتطلع إليه في بلاهة بينما ساقاها تتراجع للخلف المسافة التي يتقدمها منها في رد فعل تلقائي خوفَا من ملامحه المحتقنة وقد فاجئها رد فعله الغاضب، فقد تحركت يدها في حركة شديدة العفوية ولم تظن في أسوأ كوابيسها أن يصيبه الغيظ من حركتها تلك والأسوأ هو عدم قدرتها على تفسير فعلتها أمامه وكل هذا النقم يطل من نظراته فلاذت الصمت، مستأنفًا هو حديثه يقول بحرفية وآدًا ابتسامة تهدد بكشف أمره وجسده لازال يتقدم نحوها بترو شديد :
-(( لو جدي كان عايش وعرف أن حفيده اضرب من واحدة ست كان لبّس رجالة العيلة كلها طرح ))
أرتجف فكها في قلة حيلة تحاول التغلب على وخز دموعها الذي ظهر فجأة من العدم ندمَا على فعلتها، قبل أن تشهق مذعورة فور قبضه على خصرها، يحاصر بأحدى ذراعيه جسدها، ويُغلق بالذراع الأخر الحر ستار النافذة من خلفها، هامسة في عجز :
-(( أ..أ أنــا.. أسسفة ))..
قال معترضًا في هدوء وكفه تتحرك نحو حجابها القطني يحل أطرافه من حول عنقها :
-(( الاعتذار مش كفاية.. بس ممكن نتفق اتفاق يعوضني ))..
كانت تمر بحالة من التشوش وفقدان الوعي فلم تعي لما يقوم به، أو ربما كانت واعية ولم تملك القدرة الكافية على إيقافه، فقط وجدت رأسها تتحرك في إيماءة موافقة قبل أن تتابع بأعينها وشاح رأسها وهو يُلقي بعيدًا عنها، مُستطردَا هو حديثه بينما أنامله تتحرك في جولة حرة داخل خصلاتها الناعمة بعدما حررها من أسر كعكتها البسيطة :
-(( مش هاجي الشركة هنا تاني غير لو أنتِ طلبتي مني.. في المقابل تسمحيلي أوصلك صبح وليل عشان أكون مطمن ))..
همهمت موافقة بعد أن هرب الصوت من داخل أحبالها تتابع ابتسامة الرضا التي ارتفعت بها زوايا فمه، قبل أن يضيف هامسًا أمام شفاها المرتجفة :
-(( حلو.. فاضل كدة نمضي الاتفاق ))..
عقدت ما بين حاجبيها في عدم فهم مستسلمة لحالة الخرس التي أصابتها، فأردف يقول شارحًا في خبث :
-(( الأتفاق الورقي بنمضي عليه كتابي..والشـفــوووي.. بنمضي عليه كدة ))..
همست معترضة في وهن فور انتباهها لما ينتوي فعله :
-(( طاهـ...... ))..
أبتلع اعتراضها داخل فمه في قبلة مشتاقة، كانت بالنسبة إليه كقبلة الحياة، الأمل، قبلة ظل يمني نفسه به خلال كل الليالِ المنصرمة التي أُجبر فيها على الابتعاد عنها ، قبلته المنشودة والتي عاد بها إلى أرض الأحياء خاصةً عند شعوره بعدم نفورها منه أو رفضها له، متعمقًا في اكتشاف فمها كيفما تمني حتى شعر بحاجتها إلى الهواء فأبتعد عنها على الفور يعطيها مساحتها الكاملة في لملمة أشلائها، وإرادته رغمًا عنه.
وبعد فترة من الصمت استجمعت خلالها شتات ذهنها وصوتها الهارب، هتفت معنفة :
-(( على فكرة.. كده عيب وقلة أدب ))..
تشدق ساخرًا بجملته بعدما تأمل احمرار وجهها مطولًا :
-(( شكرًا.. فعلًا كنت محتاج حد يفكرني أني قليل الأدب.. الموضوع هيفدني قدام ))..
فتحت فمها على أتساعه تجبر عقلها على تجاوز تلميحه المبطن الوقح، بينما أستطرد هو يقول في نبرة اعتيادية :
-(( رحمة.. امضي على الورق من غير جدال.. وأنا هستناكي في العربية عشان نزور عمي ميعاد العناية قرب ))..
في ظروف أخرى.. لاختارت جولة جديدة من المجادلة تثير أعصابه بها كعقاب، ولكن بعد ما حدث بينهم منذ قليل، أرادات صرف عقلها عند التفكير بذلك الموقف لذا، أخذت القلم من فوق المكتب توقع في هدوء الأوراق المطلوبة منها، سامحة لعينيه بتأمل خصلاتها المنسدلة، تميمته السحرية في اشتياق تام، حتى وجد صوته يخرج منه دون وعى هامسًا اسمها :
-(( رحمتي ))
رفعت رأسها على عُجالة وفي حدة عفوية تنظر بأعين واسعة وعدستيها تلمع بانبهار لم يعهده منها من قبل، فأستطرد يقول متوسلًا بعدما أنحني بجذعه حيث وشاحها المُلقي أرضا يلتقطه، قبل أن يعود ويقف أمامها مَمسَدًا بأنامله شعرها تمهيدًا لوضعه :
-(( داري سحرك عني ))..
وضع الحجاب فوق رأسها، ثم أردف يهمس داخل أذنها بعدما أحتك عَامِدًا بذقنه الخشن وجنتها الناعمة فأصاب جسدها بقشعريرة امتددت على طول عمودها الفقري ومنه إلى فكها :
-(( وأفتكري أني.. بحبك ))..
أنهى جملته ثم اختفى من أمامها تاركها ترتمي فوق المقعد الجلدي تتلمس بسعادة شفتيها ووجنتها حيث تلامسا منذ قليل ومنه إلى قلبها تضغط فوقه بقوة، تحاول تهدئة انفعاله بعد استماعه إلى اعتراف أعاد نبضه إلى الحياة، مرةً ثانية.

***************************

سارت برشاقة وخيلاء تتمايل بخفة كعارضة أزياء متمرسة، توزع ابتسامتها المغرية بين موظفي الاستقبال ممن سال لعابهم من مظهرها المغري وملابسها الضيقة، مستمتعة بحالة الفوضى التي تُثِيرهَا أينما حلت، حتى وصلت إليه واقتحمت غرفته دون استئذان، وجلست أمامه تستمع إلى إحدى مكالماته السرية حيث تعتبر شريكة مهمة بها، إلى أن انتهى من ترتيب صفقته الجديدة وأغلق هاتفه وقتها، هتف يقول مُعَاتِبًا :
-(( أيه يا ست جيداء.. بقالي فترة مش عارف اتلم عليكي.. قابلتي حبيب القلب ونسيتي مصالحنا ولا أيه ))..
لوت فمها بمرح وهي تطالعه مطولًا متأملة مظهره الأربعيني المثالي، بسمار بشرته، مع بذلته الكتانية الحديثه وطوله الفاره والواضح برغم جلوسه، ونظرة الخبث التي دائمًا ما تغلف نظرته، ثم قالت في دلال بعدما وضعت ساق فوق الأخرى، تبرز أكبر قدر من مفاتنها :
-(( وأنت تعرف عني كده برضه يا نادر!! ))..
قهقه عاليَا ثم قال في استخفاف بعد أن أخذ وقته الكامل في النظر إلى ساقيها :
-(( مش أنا يا جيداء.. وفري تعبك لغيري وقولي لي.. بقالك ٧ شهور من وقت ما جيتي.. لا عرفت تجبيلي ورق القضية ولا حتى أي أخبار عنها.. ها.. أتصرف أنا ولا.... ))..
سارع تقاطعه قائلة في لهفة بعد أن اعتدلت في جلستها :
-(( لا وألا إيه.. موضوعنا مفيهوش وألا.. هو بس متنشن معايا ورافض يقابلني.. بس وعد هتصرف ))..
ضيق عينيه فوقها يتفحص ملامحها والذعر الذي أعتلي قسماتها فور تلميحه بإنهاء الاتفاق بينهم ثم قال في تفكير :
- (( طب واللي يهيأ لك فرصه تدخلي بيته.. بس الباقي أنتي وشطارتك فيه ))..
حركت رأسها عدة مرات موافقة قبل أن تقول في حماسة :
-(( في دماغك إيه وأنفذ ؟! ))
قال في وضاعة :
-(( بكرة أو بعده هديكي أشارة تتصلي بيه وتجريه ع المكان اللي هبلغك بيه.. وسيبي الباقي عليا ))..
سألته وعيونها تلمع في فضول :
-(( هتعمل إيه ))..
أجابها في نفاذ صبر وهو يعود ويتكأ على ظهر مقعده :
-(( قرصة ودن خفيفة.. ولما يفوق هيلاقيكي جنبه.. ودايني فتحتلك سكة وريني هتعملي إيه ))..
ابتلعت لعابها بقوة، قائلة في تردد :
-(( فيها أذى ليه ؟! ))..
صاح بها جامدًا بعد أن انتصب في وقفته وضرب بقبضته الطاولة أمامه:
-(( تنفذي ولا تنسى مكان بنتك خالص ))..
سارعت بتحريك رأسها في تشنج، منصاعة لرغبته ومتمتة بقلة حيلة :
-(( أي حاجة.. اللي تطلبه هنفذه ))..

*******************************

يقال إن من وجد الحب قد وجد السلام، تنهيدة ساخرة فلتت من بين شفتيها عند تذكرها لتلك المقولة الكاذبة، أثارت ريبة والدها المستلقي فوق الفراش الطبي جوارها، حيث أصر فور وصولها على جلوسها جانبه يتابع عن كثب صمتها المقلق، وتلك العبرات اللامعة داخل مقلتيها ومحاولتها البائسة في إخفائها والانخراط في الحديث بينهم، وما هي إلا ثوانٍ حتى تلبث عائدة إلى سيرتها الأولى تتذكر حديثه في الصباح، وكلماته التي قضت على أخر أمالها في الاجتماع به بعد أن اعترف لها بحبه لأخرى، فكم كان بعيد المنال عنها حتى ظنته خيال، وبالرغم من ذلك طاوعت قلبها في استئناف سيره إليه، حتى اقتربت منه وحين أوشكت على الإمساك به، اختفى من أمامها وتركها تعاني من ويلات الندم على أتباعها للزيف، نفضت رأسها من تلك الأفكار بعد أن غشت بصرها ضبابه جديدة من العبرات، جاذبًا انتباهها صوت والدتها
تسأل في اهتمام :
-(( مالك يا عاليا.. وشك بهتان ليه يا حبيبتي؟!.. مأكلتيش كويس ولا أيه؟! ))..
أجبرت ثغرها على رسم ابتسامة باهتة تطمأن بها قلق والدها المتابع حديثهم في لهفة، قبل أن تقول كاذبة :
-((لا يا ماما.. بس يمكن قلقانة علي بابا شويه ))..
هنا هتفت والدتها تشد من أزرها :
-(( يا حبيبتي ماهو كويس وزي الفل أهو.. والحمدلله الجلطة بتدوب والدكتور قال بكرة هنخرج.. يبقي ليه القلق ))..
أشاحت بوجهها بعيدًا عنها لا تقوى على النظر في عينيها وتخاطر بكشف حزنها الحقيقي، بينما قال والدها متعاطفًا ومتفهمًا سيدة قلبه :
-(( أنا عارف أن من جواها بتتقطع وشايلة الذنب.. متعرفش إن كله مكتوب.. ومفيش حاجة بتفرحني غير فرحها.. ويمرضني غير زعلها ))..
نظرت إليه بحنان لا تدري كيف تخبره بما انتوت الأقدام عليه، ورغم عقدها النية على الفراق ألا أنها قررت عدم الفصح عن نيتها له إلا بعد امتثاله التام للشفاء، أما الأن وتحديداً ستخبر شقيقها عن رغبتها في الانفصال قاطعة الطريق على قلبها في المماطلة أو التفاوض للتراجع عن الأمر.
وفي الخارج أنتهز طاهر فرصة تحرك رحمة لتأدية فريضتها في تأنيب رفيقه حينما هتف يعنفه في حدة قائلًا :
-(( بذمتك مش مكشوف من نفسك وأنت رايح تتفق مع موظفة عشان تعمل عليا الشويتين دول ))..
ابتسم جواد عن ملئ فاه قائلًا في مرح :
-(( هععععع.. هي عملتها! ))..
هتف طاهر في حنق :
-(( أه يا برطمان النباهة عملتها.. قال يعني هي طايقة تبص في وشي عشان سيادتك تبعتلي واحدة تدلع عليا قدامها !! ))..
تمتم جواد مدافعًا عن فكرته :
-(( أنا الحق عليا إني حبيت أساعدك وأخليها تغير.. أخبط دماغك في الحيط.. وبعد كده متطلبش مساعدتي في حاجة تاني.. أنا غلطان إني بعبرك أَسَاسًا !! ))..
صاح طاهر في عدم تصديق وهو يجز فوق أسنانه :
-(( يعنى أنت تساعدني تخرب الدنيا!! .. معندكش وسط أَبَدًا ))..
أوشك جواد على مجادلته ولكنه تراجع عند لمحها تتقدم منهم فسارع يشير بعينيه نحوها مجبرًا صديقه على تأجيل تقريعه إلي وَقْت أخر، بينما هتف طاهر بعدما توجهه نحوها يسألها هامسًا في مزاح :
-(( دعتيلي وَأَنْتِ بتصلي؟!.. ولا دعيتي عليا ))..
قالت كاذبة بعدما أجبرت ملامحها على تصنع الضيق :
-(( لا ده ولا ده ))..
اتسعت ابتسامته المشاكسة، ثم أردف يسألها في مكر :
-(( طب دعيتي لعمي ربنا يحقق أمنيته اللي طلبها؟! ))..
أزداد عبوس جبينها وهي تطالعه، قبل أن تسأله في حيرة :
-(( أمنية إيه؟! ))..
أجابها عابثًا بعدما انحنى برأسه وأصبح في نفس مستواها :
-(( أنه يفرح بولادنا قريب ))..
هتفت متلعثمة في حرج :
-(( طـــااااهــررر ))..
قهقه عاليًا من رد فعلها الخجل، ثم قال نزق بعدما تلمس وجنتها الساخنة :
-(( رحمة أنا رايح أصلي.. عيب كده ))..
راقبت انسحابه من أمامها وخفقاتها تدوي بعنف فقط لسماعها ضحكته الساحرة، معيدها إلى أرض الواقع حركة جواد من حولها فسارعت تستوقفه هاتفة :
-(( جواد.. في حاجة مهمة بخصوص غفران حابه أقولك عليها ))..
توقف عن السير فور سماعه جملتها، ثم قال في اهتمام وقد روادته خفقة قوية مجرد سماعه الأسم :
-(( قولي سامعك ))..
صمتت لوهلة تستجمع شجاعتها وتطرد صوت رفيقتها المحذر من داخل عقلها وقبل أن تهم بالتحدث، قاطعها صوت علياء قَادِمًا من خلفها تقول في تصميم :
-(( جواد أنا قررت.. عايزة انفصل ))




تعليقات