الفصل السادس عشر 16
بقلم لولي سامي
فور خروج نضال ويزن ويزيد من منزل چواد قرروا التوجه لمكان لاستكمال سهرتهم وبرغم اقتراح يزن عدة أماكن إلا أن يزيد أخيه كان دائما معارضا لهذه الأماكن لما بها من تجاوزات لم تعجب يزيد حتى وصل الحال الي الجلوس على مقهي بالحسين فتوجهوا ثلاثتهم إليه مع تذمر يزن قائلا:
_ كل لما نتزفت مع بعض نيجي هنا ،
يا عم غير ولو لمرة واحدة .
جلس يزيد بكل أريحية قائلا :
_ انا برتاح هنا مليش في العك بتاعك.
نطق نضال محاولا اسكاتهم :
_ ما تبس انت وهو انا قاعد وسط عيال ولا ايه ؟
والله أخدكم تكملوا سهرتكم في البورش.
زم يزن شفتيه معارضا فقال :
_ خده هو يجرب البورش هيرتاح فيه ،
انا عن نفسي بجرب حاجات تانية......
ثم قطع حديثه وهو يلتفت بنظره علي شئ مطلقا صفيرا عاليا ثم عاد بوجه إليهم ثانيا قائلا :
_ لا خلاص حبيت المكان ،ده اتغير خالص .
هز يزيد رأسه رافضا أفعال أخيه بينما ابتسم نضال معلقا :
_ مفيش فايده فيك مش هتتغير ابدا يا عم اتقل شوية مش كدة.
لوح يزن بكفه قائلا :
_ اه مانت قاعد في الجامعة شايف اشكال والوان لكن احنا منفوخين في المحل كل فين وفين نشوف وجه حسن .
تذكر يزيد من حديث اخيه صاحبة الوجه الحسن فشرد قليلا بينما يزن أشار لنضال ليقترب منه هامسا له :
_ صحيح بمناسبة الجامعة كنت عايزك في مصلحة كدة.
نظر له نضال مستفسرا فاجاب يزن قائلا باختصار وبصوت هامس :
_ مش قدام يزيد.
ثم غمز بعينه ليفهمه نضال وبدأوا في طلب المشروبات ليلاحظ يزن شرود أخيه فنكز نضال قائلا :
_ واخد بالك انت ؟
اهو كدة من امبارح.
نظر نضال تجاه يزيد لينكزه قائلا :
_ لو في واحدة مدوخاك قولي بس وملكش دعوة.
ليعلق يزن ساخرا :
_ لا يا عم يزيد محترم وملوش في الحاجات ده.
ضحك كلا من نضال ويزن ليستقيم يزيد قائلا بضيق :
_ انتوا هتبدأوا الحفلة عليا ؟
انا مش فايقلكوا.
امسك يزن يده قائلا :
_ امال فايق لمين بس قولي ؟
قول قول متتكسفش دانا اخوك وهفيدك من تجاربي.
أزاح يزيد يد يزن ونظر له بامتعاض وانطلق ذاهبا للمرحاض.
ضحكا يزن ونضال بملئ فمهم ليسأله نضال مستفسرا :
_ مال يزيد يالا ؟
تعرف ايه انا معرفوش.
حرك يزن كتفيه لاعلي قائلا :
_ علمي علمك والله اهو كدة من امبارح ،
المهم سيبك من يزيد خليك معايا انا .
سأله نضال بنفاد صبر :
_ خييييير عايز ايه ؟
مبطمنش ليك ولاحتياجاتك.
رد يزن ببراءة مشيرا على نفسه قائلا :
_ انا !!
دانا طيب والله بس انتوا بتفهموني غلط ،
المهم قبل ما يزيد يرجع كنت عايز منك خدمة بما انك بالجامعة وكدة تجبلي بيانات بنت كدة من عندكم.
اعترض نضال هادرا بوجهه قائلا :
_ انت اتجننت يالا ولا ايه ؟
لا طبعا اللي بتقوله ده مينفعش.
يزن محاولا استعطافه :
_ليه بس يا نضال دانا عايز اعرف اسمها بس وفي كلية ايه وانت عارفها وهتعرف تجبلي المعلومات ده بس مش معلومات تانية يعني.
تعجب نضال من طلبه من هذه الذي يعلمها فقال :
_ لا فهمني الموضوع من الاول ومين ده اللي اعرفها واسمها ايه ؟
_انت غبي ولا ايه؟
نطق بها يزن ليجلبه نضال من مقدمة قميصه قائلا/ _
_ اااييييه؟؟
ليوضح يزن سريعا ما يقصده وهو يحاول فك قميصه من ايدي نضال :
_ مش قصدي يا اخي أهدى بس انا لسه بقولك عايز اعرف اسمها وانت بتسالني اسمها ايه بس مش اكتر!
عقد نضال جبينه مندهشا قائلا :
_ انا افتكرتك عايز تعرف اسمها بالكامل !!
لوح يزن بيده قائلا :
_ وهعمل باسمها بالكامل ايه هتجوزها يعني!!
حرك نضال رأسه مستفسرا :
_ امال انت عايز ايه بالظبط انا مش فاهمك يالا.
أخذ يزن يذكر نضال بالفتاة التي تجاهلته عن عمد بالمحال ويطلب منه معرفة اسمها وكليتها حتى يرد لها الصاع صاعين ليرفض نضال قائلا :
_ انت عبيط يالا حد قالك عني مركب .... ؟؟
وكمان مش فاهمك الصراحة بنت محبتش ترد عليك، استتقلت دمك يا عم ومشيت ايه المشكلة يعني؟؟
حرك يزن رأسه وظفر أنفاسه قائلا :
_ يا عم انا كنت فاهمك اسهل من كدة و ق...
وايه بس اللي مركبها هو انا لا سمح الله هعمل فيها حاجه ،
ابدا والله فهمتني غلط انا بس لو عندها عربية اخرملها الكاوتش ،
اجرحلها العربية وامضيلها عليها بس كدة يعني مش اللي بالك فيه،
وكمان عيب عليك تشك فيا كدة علشان انا مش كدة وانت عارف.
ضيق نضال عينيه قائلا :
_ ما المشكلة اني عارف بس طلبك غريب ويشككني فيك الصراحة.
حرك يزن كتفيه باعتراض قائلا :
_ ولا غريب ولا حاجه مبحبش بس حد يعلم عليا وخاصة لو بنت مش اكتر.
تذكر نضال شئ اخر فشرد للحظات فنكزه يزن قائلا :
_ هاااا قولت ايه يا عم هتساعدني.
اومأ نضال برأسه قائلا :
_ هساعدك بس بشرط ؛
المقلب يكون قدامي والليلة كلها تبدأ وتخلص وانا واقف سامع يا يزن علشان بعد كدة البنت ده هتبقي في حمايتي وانت عارف .
فرح يزن لشعوره أنه قارب على الوصول لهدفه فاقترب فجأة وقبل نضال من وجنته قائلا :
_ عارف يا احسن باشا.
امتعضت ملامح نضال ومسح قبلة يزن هادرا به قائلا :
_ يخرب بيت شيطانك هتجبلي شبهه اقعد يالا واتعدل كدة بدل ما اعدلك انا.
اقدم عليهم يزيد هازئا مما رآه فقال :
_ ايه اللي شفته من شوية ده ؟؟
نظر يزن لنضال مبتسما بينما نظر نضال ليزن ممتعضا ليعلق يزيد عليهم ساخرا :
_ لا باين من نظراتكم واخدين بعض على حب.
لينطلق الثلاثة ضاحكين وتبدأ سهرتهم التي تختلف عن كل سهره ماضية فكل فرد منهم حاضر بجسده وذهنه غائبا يحاولون اظهار ما يخفيه باطنهم.
.................................................
التفتت العيون الي چواد فور وضعه لكأس العصير واعتذاره لوالدته وهوت القلوب من نبرة حديثه الجادة حتي شعرت العروس أنها لم تلقى استحسانه فور رؤيته لها فابتلعت ريقها بينما چواد اكمل حديثه دون أن يلتفت لأحد ليكمل لوالدها قائلا :
_ احنا جايين النهارده علشان نتعرف عليكم ونطلب منكم ايد الآنسة........
لم يتذكر اسمها فهو لم يكن بكامل تركيزه في بادئ الحديث ولكنه أراد أن ينهي الأمر فعزم علي استمرار كلامه قائلا :
_ ليا ده لو مفيش مانع عندكم.
اندهش الجميع من طلبه وأخذوا ينظرون لبعضهم حتى والدته فالمتفق أنها جلسة تعارف ليس إلا ،
كما أنه لم يعلم اسمها بعد فماذا حدث ؟
هل معقول اعجب بها من مجرد نظره ،
ولكنه لم يستغرق لحظات في رؤيتها ،نفضت الام عن رأسها كل هذه الأفكار حين استمعت لحديث والد العروس وهو يقول :
_ اوام كدة يا ابني ،
دانا حتى ملاحظ انك متعرفش اسم العروسة لسه؟
حاولت اخلاص إنقاذ ابنها فقالت :
_ هو جاي علي السمعة الطيبة يا حج هاني ،
وهايدي بسم الله ما شاء الله جمال وأدب واخلاق وبنت ناس طيبين .
ابتلع چواد ريقه ثم أكمل قائلا :
_ لو مفيش عندكم مانع والأنسة هايدي موافقة اتمني كل حاجه تتم باسرع وقت انا الحمد لله مقتدر واقدر افتح بيت من بكرة واللي تؤمروا بيه انا جاهز.
أغلقت اخلاص عيونها واستشعرت هروب ابنها من مأزقه بهذه الطريقة ،
نعم كانت تتمني أن تفرح به ولكن الآن شعرت أنه يلقي بنفسه في مهب الريح دون أن يحسب خطواته القادمة.
فتحت عيونها تستشف ردود فعل أهل العروس لتجد أنهم في أوج فرحتهم فالعروس كادت أن تقفز مقبلة چواد من نظراتها المسلطة عليه ،
ووالد العروس ووالدتها الفرحة تكاد أن تخرج من عيونهم لينطق والد العروس بالموافقة فتطلق والدة العروس زغاريد عدة معبرة عن فرحتها وأخذت تحتضن ابنتها مقبلة إياها ومباركة لها .
ثم توجه والد العروس محتضا چواد قائلا وهو يربت على كتفيه :
_ مبروك يا ابني الف مبروك.
انتبهت فوزية للوضع فهي لم تبارك لجواد بعد ولا لوالدته فنكزت ابنتها هامسة بأذنها :
_ تعالي نسلم علي الست شكلنا وحش.
انتهت المقابلة بعد أن اتفقا على كل شيء دون الاعتراض من چواد على اي مطلب من طلباتهم وكأنها عروس العمر التي تمناها طيلة حياته ،
ليصلوا الي منزلهم والصمت يخيم عليهم، لا احد يعلم هل ما حدث صحيح ام لا ولكن كانت إجابة چواد لنفسه الأهم وهي يكفي أن يريح ميار ويبعد عنها كل الشكوك.
..............................................
عاد محمد الي منزله ليجد والده بانتظاره فقال له :
_ كويس انا كنت عايزك يا بابا علشان........
قطع توفيق حديثه قائلاً :
_ انا اللي كنت عايزك علشان ابلغك ان حسن اتصل بيا وبيقول أنه عند خاله علشان تعبان وبيحاول يتصل بميار كتير بس فونها مغلق ،
وانا قولتله أننا هنطمن على اختك الاول وبعدين يبقي يجي ياخدها تكون ارتاحت شوية .
صعق محمد من قرارات أبيه فقال معارضا :
_ ليه كدة يا بابا ليييه ؟؟
يعني ايه يجي ياخدها ؟؟؟
حسن ميستاهلش ميار وقولنا كدة قبل الجواز وطلعتنا مش فاهمين دلوقتي بعد ما بهدلها لسه مصر ترجعهاله ليه؟؟
_ علشان ده نصيبها وشوية شوية هياخدوا على بعض مش من ثلاث شهور مرتاحتش نطلقها خراب البيوت مش بالساهل وسمعة بنتنا هي اللي هتتاثر لما تطلق بعد ثلاث اشهر ،
وقولت اني هتكلم معاه مش هعدي الموضوع كدة.
نطق بها توفيق سريعا وكأنه يريد أن يفرغ كل ما بجعبته حتى يقنع ابنه أو بالاحري ان يقنع نفسه اولا ولكن محمد لم يوافق بل اعتراض أكثر وثار قائلا :
_ انا اسف يا بابا المرة اللي فاتت خلتنا منتكلمش ونمشي وراك وميار اتبهدلت،
المرة دي انا مش هسكت ولو وصلت اضربه زي ما ضرب اختي هعملها وبعدها تبقوا تقرروا ترجعله ولا لا بس الموضوع مش هيعدي بالكلام عن اذنك.
وانطلق محمد متوجها لغرفته مغلقا بابها خلفه وكأنه يريد أن يحبس نفسه حتى لا ينساق خلف افكاره وهو يشعر أن شياطين العالم تتلاعب بعقله وود أن يذهب إلى من يدعى بالحسن وهو بعيد كل البعد عن خصال اسمه ويلقنه درسا ليعلمه كيف تكون الرجولة .
بغرفة ميار وماجدة ظلوا صامتين لا تعرف ماذا تقول ماجدة لأختها حتى استمعوا إلى حديث محمد وأبيه لتقول ماجدة وهي تصفق بيدها :
_ جدع يا محمد يارب يا حسن يا ابن انوار تدوق قلمين من محمد يعدلوك أن شاء الله.
ابتسمت ميار ابتسامة لم تصل لعيونها قائلة :
_ ليه بس كدة واخوكي يروح في داهية ليه ؟
نكزتها ماجدة قائلة :
_ اقعدي ساكته انتي طيبة ،
اللي زي حسن ده جبان ميعملش الهوا ،
لو اخد قلمين هيتكن مكانه.
ثم ربتت على كتفها قائلة :
_ متقلقيش خلاص بقينا انا ومحمد وتقريبا ماما معاكي ،
قال حسن قال ده أسوأ منه ما لاقيت!
ابتسمت كلا من ميار وماجدة لينتبهوا على صدوح رنين هاتف ماجدة فرأوا من ينير الشاشة باسمه فخفق قلب ميار ونظرت بتعجب متسائلة ماجدة فرفعت ماجدة حاجبيها وهي تمد يدها أخذه إياه قائلة بابتسامة :
_ لما نشوف عايز ايه شكل قلبه حاسس ان الفرج قريب .
وتوجهت إلى الشرفة لتبتعد عن اختها وفتحت الخط لتبدأ المكالمة التي غيرت ملامح وجهها للنقيض وشعرت وكان الزمن قد تكاتف علي اختها وأنها عديمة الحظ حتي الظروف لم تمهلها أن تسعد ولو قليلا.
دلفت ماجدة للغرفة مجددا ورأت الفضول في أعين اختها لمعرفة محتوي المكالمة فزمت ماجدة شفتيها واخفضت نظراتها للاسفل وحمحمت بصوتها ثم قالت بنبرة حزينة :
_ چواد بيسلم عليكي.
لم ترد ميار بل انتظرت باقي الحديث ونظرت لأختها بفضول أكثر لتنظر لها ماجدة عندما وجدت منها الصمت ثم اخفضت عيونها مجددا لتكمل باقي حديثها قائلة بنبرة مهتزة :
_ خطب النهارده............
وبيقولك ربنا يسعدك.
استمعت ميار لحديث اختها وشعرت وكان نياط قلبها يتمزق ،
لا تعرف لماذا ؟
برغم علمها منذ زواجها أنهم لم يجتمعا ثانية ولكن ربما كان لديها امل في تغيير شئ ما .
ربما الغيره التي تشعر بها أن غيرها سينعم بكل هذا الدفئ والحنان.
ربما شعرت أنها عارية وليس هناك من يحميها مجددا فكانت تشعر هي بالحماية لمجرد وجوده حولها.
ربما لشعورها دائما بالنحس لتكالب الزمن عليها وليس معها.
لم تشعر بعيونها وهي تزرف دموعا،
لم تشعر باختها وهي تحتضنها وتربت على ظهرها ،
وكل ما شعرت به أنها تتوق للنوم فسحبت نفسها من احضان اختها دون التفوه بكلمة واحدة ساحبه الغطاء عليها وكورت جسدها علي الفراش متخذه وضع الجنين وكأنها تحتمي بداخل نفسها من شئ ما.
.........................................
بالجانب الاخر بعد أن أغلق چواد هاتفه شعر باختناق شديد وكأن روحه تفارق جسده ،
كان يظن أنه سيرتاح لمجرد شعوره براحتها ولكن ،
هل بالفعل ارتاحت؟
هل شعرت الان بالأمان ؟
هل اطمئن قلبها لابتعاده؟
وان حياتها ستخلو من المشاكل وظن الناس بها!؟
تمنى أن يكون ما فعله صحيح كما تمنى لها السعادة من كل قلبه.
ولكن غصة بقلبة تخبره أن هناك أمرا غير صحيح ،
ارجعه لحالتها الصحية فربما يشعر بانقباض روحه واختناق صدره لانها ليست بخير ،فتنهد مقررا الاطمئنان بنفسه على حالتها ليكمل ما كان ينوي عليه لولا ما حدث.
....................................
مضى يومين لم يختلف فيهم الحال كثيرا فكلا علي حاله وحان اليوم وقت استلام نتائج التحاليل ليتوجه محمد وأبيه لاستلام التحاليل وقلوبهم ترتعد من توقعاتهم لما سيسمعوه ونفس الحال كان بباقي من بالمنزل الا ميار لم تهتم لما ستعلمه عن نفسها فهي رأت أنها حياة لا تجد فرقا إذا كانت بدون صحة أو بصحة مادامت تشعر دوما بالتعاسه .
ذهبوا كلا من محمد وتوفيق للطبيب وانتظروا دورهم ثم دلفا إليه وبعد سؤال الطبيب عن ميار قال له توفيق :
_ معلش اضطرت تسافر مع جوزها فقولنا نعرض عليك التحاليل لحد ما ترجع بالسلامة.
اومأ الطبيب برأسه وأخذ يتطلع إلى كل التحاليل الذي طلبها ومن ضمنهم تحاليل العائلة لينحي كافة التحاليل جانبا ماعدا تحاليلين فقط قائلا :
_ ده تحليل الاستاذ توفيق ثم نظر له.
فاذرأ لعاب توفيق توترا واومأ برأسه ليسأله الطبيب إذا ما اشتكى من قبل باي عرض واستفسر منه في عدة اسأله ،
ليجيب توفيق علي كل حديثه،
ثم مسك الطبيب بالتحليل الاخر قائلا :
_ وده تحليل مدام ميار .
ثم وضع الطبيب التحليلين بجوار بعضهم على المكتب لينظر لهم بوجه باسم قائلا :
_ الواضح قدامي أن مدام ميار بتحب والدها جدا لدرجة أنها ورثت منه عدد كرات الدم البيضاء والحمراء كمان.
اندهش كلا من توفيق ومحمد لينظروا لبعضهم ثم للطبيب بنظره قلقة مستفسرة فلم يصمت توفيق وسأله بوضوح قائلا :
_ حضرتك تقصد المرض اللي عند بنتي عندي انا كمان ؟؟
ابتسم الطبيب قائلا بعملية تامة :
_ نص اجابتك صحيحة،
فعلا اللي عند بنتك عندك او بالأصح اللي عندك هو نفسه عند بنتك لكن موصلش لمرحلة المرض.
لم يدركا كلاهما مقصد الطبيب ليستفسر محمد قائلا :
_ معلش يا دكتور ممكن توضح احنا بصراحة مش فاهمين حاجه.
اومأ الطبيب وخلع نظارته الطبيبة ثم قال :
_ افهمك عموما في الطب بيكون في معدل لاي إنسان طبيعي في كل حاجه في الطول والوزن والنمو حتى عدد الكرات البيضاء والحمراء بتكون بتتراوح بين عدد معين لو حصل زيادة أو نقصان ده بيكون بمثابة جرس انذار لينا كأطباء وللمريض بنعرف من خلاله إذا كان في مشكلة بالجسم واحيانا الأمراض ده بتكون وراثة الأبناء بتورثها عن اهاليهم وطبعا بيكون في تاريخ مرضي في العيلة أو على الأقل بتكون في شكوى حصلت حتى لو صاحب الشكوى مهتمش .
اومأ محمد وتوفيق برأسهم ليردف الطبيب مكملا :
_ في حالة ميار كانت في نهاية المعدل الطبيعي اللي بينبهنا أن في مشكلة ،
وعلشان كدة طلبت الاول اشوف الموضوع وراثي ولا لا ،
ولو وراثي حصل اي شكوى منه ولا الوضع تمام ،
وفعلا لما شوفت تحاليلكم كلكم لاقتها سليمة مفيهاش حاجه وتحاليل الوالد قريبة جدا من تحاليل مدام ميار وبما أنه مشتكاش من حاجة وبما أنه مازال في المعدل الطبيعي بس في نهايته وانتوا لما جيتوا كشفتوا كان بناء على شك طبيب لمجرد اضطراب في عدد الكرات بناء على اكتشاف المعمل ليس إلا مش بناء على شكوى لا قدر الله ،
فنقدر نقول الوضع تمام مفيش اي مشكلة لا عند الوالد ولا بنته.
اتسعت أعين كلا من محمد وتوفيق وبدأت الابتسامة تشق ثغرهم وهم غير مصدقين لما سمعوا ليرفع توفيق كفه لفمه ويقبل وجه كفه وظهره حامدا ربه بينما محمد استقام ودار خلف المكتب يعانق الطبيب ويشكره على الاخبار السعيدة تلك ،
لينتهي الكشف وينتهي معه كافة الشكوك المقلقة،
ويتصل توفيق بزوجته عزة يزف لها هذه الأخبار السارة لتنهمر دموعها من شدة الفرحة حتى كادت ماجدة تشك بالأمر وتعتقد أن هناك خبر سيئا حتى انتهت عزة من المكالمة ونظرت تجاه ميار ابنتها ثم استقامت محتضنه إياها ومقبلة كل انش برأسها وكادت أن تنخفض لمستوي يدها لولا امساك ميار بها مرددة جملة واحدة :
_ الف حمد وشكر لك يا رب.
تعجبت كلا من ماجدة وميار مما يروه فكيف لوالدتهم أن تحزن حتى البكاء ثم تقبل ابنتها حامدة ربها حتى انتبهت ميار على والدتها وهي ترفع يدي ابنتها وتقبلها حتى كادت أن تنخفض لتقبل قدماها فأمسكت ميار بوالدتها من كتفها قائلة/في ايه يا ماما بس فهمينا حبيبتي ؟
والدكتور قال لبابا ايه ؟
وليه كل اللي بتعمليه ده ؟
تهدجت انفاس عزة من فرط سعادتها وكأنها تهرول بمارثون وقد وصلت لمنتهاه فقالت وسط دموعها المتساقطة وبصوت متقطع من أثر البكاء :
_ الدكتور طمن بابا وقاله مفيش حاجه خالص وانك زي الفل وكل ده وراثة من ابوكي مش مرض كفالله الشر.
أطلقت ماجدة صرخة فرحة وعانقت اختها التي ابتسمت ابتسامة لم تصل لعيونها فالأمر لديها سيان ،
فهي لم تحزن لخبر مرضها الا على حزن عائلتها ولم تفرح لخبر شفائها الا لفرحة عائلتها .
ثم استدارت ماجدة معاتبة والدتها قائلة :
_ حرام عليكي يا ماما وقعتي قلبنا داحنا افتكرنا في حاجة وحشة بعد الشر لما عيطتي.
كففت عزة دموعها قائلة :
_ حقكوا عليا من الفرحة مقدرتش اتكلم خالص .
ثم التفتت لماجدة قائلة :
_ احنا لازم نحتفل بسلامة اختك قدامي علي المطبخ نعمل احلي اكل واحلي حلويات.
_ ربنا يخليكي يا ماما ،
متتعبيش نفسك يا ست الكل ،
انا وماجدة هنعمل كل اللي عايزاه.
نطقت بها ميار فرفضت عزة رفض قاطع قائلة :
_ ابدا والله دانتي عروستنا النهارده والفترة اللي فاتت كانت اعصابك تعبانة ولازم ترتاحي .
ثم تابطت ذراع ماجدة التي كانت تتابع الحديث بينهم وقالت :
_ ماجدة هتيجي تساعدني ،يالا يا ماجدة.
سحبت ماجدة ذراعها من يدي والدتها قائلة :
_ ثواني بس يا ماما بعد اذنك.
ثم تراجعت خطوة للخلف حتي تراهم كليهما ثم قالت وهي تنظر لكلاهما :
_ ما شاء الله عليكم قاعدين تعزموا وتتعازموا علي مين هيعمل الاكل والحلويات والطريف في الموضوع أن ماجدة عنصر مشترك في حديثكم،
وماجدة نفسها منطقتش اصلا.
نطقت باخر جملة بلهجة عالية معارضه لتهتف بها والدتها بطريقة حازمة قائلة :
_ يالا يا بت قدامي على المطبخ.
تحمحمت ماجدة ثم قالت :
_ هو انا اعترضت اتفضلي يا ماما وانا هحصلك.
ذهبت عزة للمطبخ فاقتربت ماجدة من ميار هامسه لها :
_ يعني انتي تتعبي أشيل انا ،تخفي أشيل انا ،والنعمة لاكل من منابك النهارده.
لتبتسم كلا منهم للآخر ثم تعانقا لتكرر ماجدة جملتها قبل الذهاب للمطبخ :
برضه هاكل من منابك النهارده.
................................................
بمحل يزيد ويزن حاول يزن كعادته التملص من مهامه ليذهب قليلا ليتنزهه كعادته وبعد فترة وجيزة يأس يزيد من أخيه أن يقنعه بالمكوث معه بالمحل تركه يذهب كما يشاء وجلس يزيد شريدا يفكر في حال أخيه وكيف ومتى سينصلح حاله ،
يعرف أنه السبب في أسلوبه الاتكالي فدائما هو من كان يشعره أنه غير قادر على إتمام المهام بدونه ولكنه ظن أنها فترة وستنقضي ولكنها للاسف أصبحت سمه عدم تحمل المسؤولية ثابته بأخيه حتى انتبه يزن على صوت رقيق يعرفه جيدا يقول له :
_ لو سمحت عايزة كيلو كنافة نابلسية.
ابتسم يزيد قبل أن يرفع رأسه ثم رفع رأسه لصاحبة الصوت قائلا كلمته لها بوجه مشرق لرؤيتها :
_ ريتك ما تبلي.
ضيقت غرام عيونها وابتسمت ابتسامة طفيفة ثم قالت :
_ قولتلي كدة المرة اللي فاتت .
استقام يزيد ليقف بطوله الفارع أمامها قائلا :
_ بجد فرحان انك لسه فاكرة وده معناه حاجه واحدة بس.
قضبت غرام جبينها وسالت مستفسرة :
_ ايه هي بقي؟؟
ابتسم يزيد واخفض رأسه قليلا مقتربا منها وقال بصوت دافي وعيون لامعه وهو ينظر بداخل عيونها :
_ أننا على البال.
رمشت غرام باهدابها وزمت شفتيها واحتقن وجهها بحمرة الخجل حتي أصبحت بعيون يزيد حلوى شهية تستحق الالتهام.
ثم استدارت محاولة مداراة خجلها وتصنعت النظر تجاه أصناف الحلوى مكررة طلبها :
_ عايزة كيلو كنافه بالقشطة.
ابتسم يزيد ثم قال :
_ نابلسية ولا بالقشطة.
أدركت غرام خطأها فصححت طلبها قائلة :
_ لا قصدي نابلسية معلش اتلخبطت .
استدار لها يزيد ووقف أمامها باغتها بسؤاله :
_ غرام مش كدة!؟
ضيقت غرام عيونها بتعجب سائلة :
_ وعرفت منين ؟؟
ابتسم لها بجانب فمه واقترب برأسه مرة أخري وكأنه يريد ملاعبتها وصبغها بحمرة الخجل فنظر داخل عيونها قائلا بصوت حاني :
_ ما قولنا علي البال .
نظرت غرام للاسفل وازدادت حمرة خجلها وكأنه ظفر بجائزته عند رؤيتها هكذا ليكمل معرف حاله :
_ انا يزيد .
اومأت غرام برأسها دون النظر له فأردف مكملا :
_ انتي بتدرسي؟
اومأت برأسها رافضه وهي تلزم علي شفتيها وكأنهم سيتحدثون بلغة الإشارة ليكمل هو :
_ طب بتشتغلي؟
اومأت بالرفض أيضا ليكمل باقي اسألته :
_ انتوا ساكنين قريب من هنا؟
اومأت حينها بالايجاب ليرحمها من خجلها قائلا :
_ كفاية عليكي كدة النهارده علشان ممكن تنسي الكلام من كتر الإشارات ووشك شوية كمان وهيغرقنا فراولة كلنا .
رفعت غرام نظرها له مستفسرة ليسقط نظره على كريزتها فقال بدون وعي :
_ يا نهار كريز.
_ نعم !؟
نطقت بها غرام محاولة استيعاب ما يقصده ليتحمحم يزيد وشعر أنه تجاوز حدوده ليحاول تمالك روحه قائلا :
_ لا مفيش بقولك عايزة الكنافة بالكريز ؟
اومأت بالرفض ثم قالت :
_ لا انت اللي نسيت المرة دي عايزاها نابلسية.
أشار لها يزيد أن تتقدم قائلا :
_ تئبرني عيونك.
بعد أن جهز لها طلبها وقدمه لها بيده ولكن قبل أن تمسكه بيدها ارجع يده للخلف قليلا قائلا :
_ من هلأ ورايح هحجزلك الكنافة بتاعتك كل يوم وهستني تيجي تاخديها.
فهمت غرام بالميعاد المبطن لتبتسم وتومأ برأسها ومدت يدها ساحبة طلبها ثم توجهت للكاشير ثم غادرت وهي لا تسمع سوى نبضات قلبها الذي يعزف لحن جديدا عليها...