رواية في قبضة الأقدار الفصل السادس 6 بقلم نورهان العشري


 رواية في قبضة الأقدار

الفصل السادس 6

بقلم نورهان العشري


" رجل مغرور مثلك و إمرأة عنيدة مثلي هل يجمعهما الحب يومًا؟ و حتي إن تحكم سلطانه بالقلوب و أجبرها علي الخضوع لطُغيانه فهل سيستطيع الصمود أمام طوفان الكبرياء المُدمِر لكلينا !


نورهان العشري ✍️


🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁


يد الله تعمل في الخفاء فلا تستعجلوها. 

إن اعطينا مطلق الثقه لتلك الجمله فلن يُخيفنا شئ في هذه الحياة ابدًا . فكل الإبتلاءات و الصعوبات التي تقف في طريق سعادتنا ليست جميعها تأتي لعرقله الحياة فبعضها يأتي لتنظيف الطريق و جميعها ترتيبات من القدر لتمهيد سبيل الإنسان في الوصول إلي مبتغاه . 


نورهان العشري ✍️


🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁


تسمرت جنة في مكانها لدي رؤيتها لكلًا من مؤمن و عدى أصدقاء حازم الذين شهدوا علي ذلك العقد اللعين التي تمنت لو أنها لم توقع عليه أبدًا و لكن قدرها المظلم أجبرها علي هذه الجريمه النكراء و التي تدفع ثمنها الآن .

لم تُحِبُهم أبدًا و خاصةً عدى و لا تعلم لما شعرت بالرُعب لرؤيتهم هنا تحديداً في ذلك المكان الذي لم تختر أبدًا المجئ إليه بإرادتها و إنما كان جزء من عقابها الذي فرضته علي نفسها و للأسف طال شقيقتها التي لاحظت امتقاع وجهها و ذلك الخوف الممزوج بصدمه قويه و تجلي بوضوح في عيناها و لم تقتصر الصدمه عليها فقط فما أن رآها الشابان حتي تسمرا في مكانهما و أخذا يتبادلان النظرات دون حديث و علي الرغم من أن الأمر إستغرق ثوان وجيزة إلا أن تلك العيون الصقريه كانت تتابع كل شيء يحدث بصمت تام و ترقب !


قطع ذلك الصمت المخيم علي الأجواء صوت أمينه الذي تحول للحنان و ربما الضعف يتنافي مع جمود و برود نبرتها في إستقبال الفتاتين حيث قالت بود 

" مؤمن . عدى إيه المفاجأة الحلوة دي ؟"


استيقظ الإثنان من غفوتهم و كُلًا يعتريه مشاعر مختلفه منها الندم و تأنيب الضمير و الكره أيضًا ! و توجها إليها لتمتد يدها تعانق كلًا مِنهما بود بادلوها إياه بصدق و إن كان مؤمن الذي زاد من عناقها طويلًا حبًا و ألمًا و إعتذار صامت لا يقدر علي التفوه به ! 


حاولت جنة إبتلاع الغصه بداخل قلبها حين سمعت صوت أمينه و هي تدعو الجميع للدخول فأمسكت يد شقيقتها التي ضغطت عليها بلطف في محاوله منها لبثها أمان كانت في أمس الحاجه إليه !


بعد مرور أكثر من عشرين دقيقه كان الجميع في غرفه الجلوس يحتسون القهوة بصمت تام قطعه سالم حين قال موجهًا حديثه إلي فرح التي كانت تتجاهله كليًا 


" يالا عشان ترتاحوا . أكيد تعبتوا من السفر !"


برقت الأعين و ملأها إستفسار صريح لم يفشل في فهمه و لم يستطع عدى تجاوزه فقال بصدمه 

" يرتاحوا ! هما هيقعدوا هنا و لا إيه ؟"


إرتعشت كفوف جنة التي كانت تحارب الإغماء من فرط توترها و رغمًا عنها رفعت رأسها تّطالعه بنظرات بدت محتقرة و أوشكت أن تجيبه لولا تدخل سالم الذي قال ساخرًا 

" أنت شايف إيه ؟"


من فرط صدمته لم يلحظ تلك الحقائب التي أنزلها السائق من السيارة و لكن بعد أن أستعاد بعضًا من هدوءه مرت الأحداث علي عقله لينتبه لما يحدث حولهم فسقط قلبه رعبًا بين ضلوعه و لكنه حاول تجاهل خوفه و قال بنبرة بها تهديد مُبطن و هو ينظر إلي «جنه» التي كانت تمثل القوة و هي تُناظره 

" غريبه ! معقول دا يا جنة! "


لم يعطها الوقت للرد إنما جاء صوته باردًا و نظراته غامضه حين قال 

" و إيه الغريب في كدا ؟"


كان تركيزه مُنصب كليًا علي جنة التي لم تستطع أن تبقي عيناها المحتقره أمامه أكثر من ذلك فتجاهلته و نظرت أمامها ففسر تصرفها هذا علي أنه خوف اشعره بالراحه قليلًا ليجيب سالم و هو يضغط علي كل كلمه يتفوه بها 


" يعني بصفتها إيه هتقعد هنا ؟ " 


لاحت ابتسامه ساخرة علي جانب شفتيه و قد وصل إلي مبتغاه فقال بقوة و بنبرة خشنه 

" جنة مرات حازم الله يرحمه و أم إبنه و طبيعي يكون مكانها هنا بعد موته ."


التفت الأعناق تناظره بصدمه و تسارعت الأنفاس تحت نظراته الثاقبه المسلطه عليهم بقوة و خاصةً حين أضاف بتهكم

" معقول يا عدى تكون نسيت ! دانتا الشاهد الأول علي جوازهم !"


و كأن أحدهم سقط بمطرقه قويه فوق رأسه في تلك اللحظه و تنبه أنه الآن يقف أمام خصم صعب لا يُستهان به و لا يمكن الوقوف أمامه و بأن هلاكه قد يكون علي يديه و لم تسعفه الكلمات في الرد عليه فأضاف سالم بترقب موجهًا حديثه لمؤمن الذي كان يجلس صامتّا لا يمتلك القدرة علي الحديث 

" و لا إيه يا مؤمن !" 


لحُسن الحظ جاء دخول أمينه إلي الغرفه الذي انقذهم من مأزق !فقد أستأذنت منهم للذهاب إلي المطبخ لتأمُر العاملين به بعمل وليمه إحتفالًا بمجئ أصدقاء الحبيب الراحل . و ما أن أطلت عليهم حتي قالت بحبور 

" نورتونا يا ولاد . "


تحدث مؤمن بلطف

" دا نورك يا ماما أمينة . طمنيني عليكي عامله إيه دلوقتي ؟"

أمينه بلهجه حزينه 

" الحمد لله.. الحمد لله على كل حاجه "


فأضاف مؤمن بصدق

" وحشتينا قولنا نيجي نشوفك "


أمينه بود 

" دي أحسن حاجه عملتوها متتخيلوش زيارتكوا دي ردت روحي إزاي ؟"


كان الحديث يدور أمام «فرح» التي كان داخلها يغلي من الغضب من أولئك البشر الذين لا يملكون أدني إحساس بالذوق فقد كانوا يتجاهلون وجودهم تمامًا و كان كل الترحيب مُنصب فوق هذان الشابان و التي لم ترتح لهم و شعرت بخوف شقيقتها منهم و قد أيقنت بأن العيش هنا لن يكون سهلًا أبدًا و أن الأيام القادمة ستكون شاقه علي كلتاهما و لكنها كانت تقمع تلك الأفكار بعقلها خلف ستار من اللامبالاة بينما كان هو يقتنص تعبيراتها بين الفينه و الآخري و هو يشعر بما يعتريها و لكنه لم يتفوه بحرف إلي أن قاطع حديثهم الممل دلوف سليم إلي باب الغرفه فتنبهت جميع حواسها و شعرت بأنها تختنق فقد كان تنفس الهواء ذاته مع ذلك الشخص البغيض يُغضبها و قد أتتها رغبه قويه في الهرب حتي لا تراه أبدًا .


إمتدت يدها للكوب الموضوع علي الطاوله أمامها لترتشف منه بعض قطرات من المياه حتي تُبلل حلقها الذي جف تزامنًا مع ظهور إبتسامه ساخره علي جانب شفتيه إثر ملاحظته لفعلتها و قد تأكد من أنه يُخيفها تمامًا كما أراد .


" سليم كنت عايز أتكلم معاك شويه !"

كانت هذه الجمله التي ألقاها عدى فهبطت فوق قلبها كسوط من نار جلد ما تبقي لها من ثبات فاهتز الكوب بين أصابعها و سقط ليتحول إلي أشلاء جرحت قدمها و لكنها لم تشعر بشئ فقد إعتصرت قلبها قبضة قويه فهي تعلم عدى جيدًا و كم هو وضيع و أيضًا ذلك الرجل الذي يستمتع بإتهامها شتي الإتهامات دون أن يؤرقه ضميره لثانيه واحده . تري أي حديث سيجمع بينهما !


هبت فرح لمساعدة شقيقتها و صرخت أمينه في إحدي الخادمات حتي تأتي للملمه الزجاج المنثور و هي تقول بجمود 

" مش تخلي بالك ؟"


حدجتها فرح بنظرة ناريه ثم قامت بإنتزاع إحدي المناديل الورقيه من العلبه أمامها و مسحت قطرات الدماء التي أنبثقت من جرحها الذي لم يكن غائرًا فاقترب منها سالم ليطمئن عليها قائلًا بإختصار

" أنتِ كويسه ؟"


هزت جنه رأسها فيما التفتت فرح تناظره بغضب كبير لم تكبح نظارتها في إخفاؤه و تجلي في نبرتها حين قالت بجفاء

" جنة محتاجه ترتاح شويه . السفر كان مُرهق عليها !"


هز رأسه دون حديث فيما تحدثت أمينه قائله بجفاء

" الغدا الساعه تلاته أعملوا حسابكوا !"


لم تجبها أيًا من الفتاتين بل إن فرح لم تنظر إليها و كأن الحديث غير موجه إليهم فيما قال سالم بفظاظه

" يالا عشان أوريكوا المكان الي هتقعدوا فيه "


كان الغضب يُغلف لهجته و لكنها لم تلحظ ذلك فقد كان غضبها يمنعها من رؤيه تلك النظرة الحادة التي حدج بها والدته و خرج دون أن يتفوه بحرف بينما تبعته «فرح» و من جانبها «جنه» التي دون إرادتها حانت منها نظرة إلي ذلك الذي يُراقب ما يحدث بإستمتاع و كأنه كان يتوقع أنها ستنظر إليه فعندما التقت نظراتهم حاول جاهدًا أن يحمل نظراته أكبر قدر من الإحتقار مما أدى إلي إتقاد الغضب بداخلها و شعرت بمدي خطأها حين إتخذت ذلك القرار الغبي في المجئ إلي هنا ..


وصلوا إلي باب الفيلا و ألتفت إليها سالم قائلًا بخشونه

" جهزنالكوا الملحق عشان تعيشوا فيه . لحد ما تاخدوا عالناس إلي في البيت و.."


قاطعته فرح بجفاء 

" معتقدش أننا هناخد علي حد من إلي في البيت . لأنهم من الأول مش مُتقبلين وجودنا و من الواضح انك أجبرتهم يتعاملوا معانا زي ما أجبرتنا أننا نيجي هنا. "


سالم بفظاظه

" مين إلي قالك الكلام دا ؟" 

فرح بغضب 

" مش محتاجه حد يقولي باين أوي عليهم أنهم متضايقين من وجودنا "


سالم و هو يقوم بفتح باب المُلحق قبل أن يقول بلهجة صلفه

" مدام محدش قال حاجه يبقي وفري علينا إستنتاجاتك ! "


غضبت من وقاحته و خشونه نبرته و لكن هذا لم يكن جديد عليه و ما أوشكت علي الحديث حيث قاطعتها كلماته الجامدة 


" مش محتاج أقولك حافظي علي نفسك. "

كانت نظراته موجهه إلي جنة ثم تحولت إليها قائلا بفظاظه

" و ياريت متشغليش نفسك بإستنتاجات وهميه ملهاش أي تلاتين لازمه !"


إزدادت شعلة غضبها و تجلي ذلك بنظراتها الحارقه و ملامحها المُستعِرة و قد لون الإحمرار وجنتها فذلك المتعجرف قد تخطي كل حدوده معها و لن تتهاون أبدًا معه و ستُريه مع أي شخص قد عبث ! 


إستدار إلي الخارج و هو يقول بنبرة آمرة 

" بعد ما ترتاحي من مشوارك تعالي عشان نتكلم !"


جاءته نبرتها قويه توازي نبراته 

" هدخل جنة ترتاح و آجي . عشان نتكلم ! "

قالت جملتها الأخيرة من بين أنفاس ساخنه مُلتهبه جراء غضبها القاتم و قد كان ذلك الصراع يدور أمام «جنة» التي لم تكن في أحسن حالاتها لذا فضلت إلتزام الصمت حين رافقتها شقيقتها إلي أقرب غرفه قابلتهم حتي أنها لم تنتبه إلي معالم الغرفه حولها بل إرتمت فوق السرير و هي تُطلِق تنهيدة قويه خرجت من جوفها سمعتها فرح بوضوح فدثرتها بالغطاء جيدًا قبل أن تضع قبله حانيه فوق جبهتها بثتها فيها جرعه من الحنان كانت في أمس الحاجه إليها . 


بينما إلتفتت متوجهه إلي باب الغرفه و هي تُهيئ نفسها لحرب داميه لن تخرج منها مهزومه أبدًا ككل حروبها معه.


بالخارج وجدته يجلس بكل هدوء علي أحد المقاعد ينفث دخان سجائره الذي شكل خيوطً رفيعه من الدخان حوله بينما نظراته كانت تُطالِع اللاشئ أمامه كان كمن يبدو غارقًا في تفكيره حين أطلت عليه فأخذت تناظره لثوان كان وسيمًا بدرجه كبيرة توازي تسلطه و غروره الذان و كأنهما خُلقا معه أي في تكوينه .

إستفاقت من شرودها علي نبرته الساخره حين قال

" خلصتي !"


جفلت من سخريته فقد ظنت أنه غير منتبه إلي تحديقها فيه و لكن أتضح لها بأنها التي لم تكن منتبهه. لذلك تنحنت بخفوت قبل أن تقول بثبات

" خلصت إيه ؟"


أرتفع إحدي حاجبيه قبل أن يقول يتهكم

" يعني لما لقيتك مركزة أوي قولت أكيد بتشبهي عليا ! ماهو مش معقول تكوني معجبه بيا مثلًا !"


برقت عيناها من كلماته المستفزة والتي أستنكرتها بشدة إلا من خفقه مجنونه تعثرت بقلبها و لكنها حاولت أن تظل علي ثباتها و أتباع نفس أسلوبه إذ قالت بسخريه

"مغرور أوي !"

أبتسم بهدوء قبل أن يقول بتريث

" عمومًا الغرور أفضل من التصنُع !"


حاولت مراوغته فغمفمت بخفوت 

" مفهمتش تقصد إيه ؟"


جاءت لهجته قويه و كانت نظراته مسلطه عليها بصورة أربكتها 


"إني أكون مغرور أفضل من إني أكون شخص مُتصنع بعيش دور مش دوري و بتقمص شخصيه غير شخصيتي !"


شعرت بأنه لا مفر من مواجهته حتي لا يظن أنها خجله أو تخشاه لذا قالت بقوة


" لو بتتكلم علي يوم ما جيتلك الشركه فعلي فكرة بقي في اليوم دا أنت فاجأتني و مدتنييش وقت كافي إني أجهز و كان لازم نتكلم في أسرع وقت قبل ما تسافر فاضطريت إني آجي علي أي وضع!"


لم تُفسر نظراته و لكن ملامحه كانت أكثر لينًا حين قال بابتسامه شائكه

"طب كويس فكريني أفاجئِك علي طول بعد كدا !"


دائمًا ما ينجح بإستفزازها . كلماته البسيطه و معانيها الغامضه التي تُثير بداخلها شعور من الإضطراب فضاقت عيناها المستعرة و قالت بجفاء


" ياريت بلاش كلام بالألغاز و نتكلم بصراحه !"

كان يستشعر غضبها و تمني لو أنه يُغضبها أكثر فقد كان يروقه ذلك و لكنه حافظ علي ملامحه الجامدة إذ قال بلامبالاه


" الألغاز انتي إلي محاوطه نفسك بيها أما أنا شخص واضح و صريح !"


هزت رأسها و قد لاحت ابتسامه ساخرة علي ملامحها قبل أن تسترجع ملامحها الجامدة و هي تقول بجفاء

" تمام . يبقي خليني أتكلم انا كمان بوضوح . لما جيت و طلبت مني أن جنة تيجي تعيش معاكوا سألتك بصفتها إيه قولتلي مرات حازم و أم إبنه "


توقفت عن الحديث منتظره منه أن يعقب عليه و لكنه ظل صامتًا لذا تابعت بغضب مكتوم 

" الظاهر إن أنت بس إلي شايف كدا و باقي الناس إلي في البيت ليهم رأي تاني ؟"


أجابها بإقتضاب و بملامح صارمه 

" سبق و قولتلك وفري إستنتاجاتك لنفسك !"


فرح بغضب 

" دي مش إستنتاجات دي حقيقه إحنا عشناها النهاردة من ترحيبهم بينا إلي كان شبه مش موجود أصلًا "


لم تتأثر ملامحه إنما قال بفظاظه 

" بيتهيألي أنك بالذكاء إلي يخليكي متتوقعيش أفضل من كدا !"


حدجته بلوم قبل أن تقول بجفاء

" بالعكس لو أعرف كدا مكُنتش جيت !"


سالم بتقريع خفي

" عشان تحكمي علي الأمور صح حطي نفسك دايمًا مكان إلي قدامك !"


فرح بإختصار 

" بمعني ؟"


سالم بفظاظه

" أفتكري رد فعلك كان إيه لما عرفتي إلي حصل و قيسي عليه ردود أفعال إلي حواليكي ! "


للحظه أعترفت بأنه يملك الحق فيما يقوله فما حدث لا يسهل أبدًا استيعابه و قد أغضبها ذلك و لكنها أبدًا لن تتحمل طريقتهم في التعامل حتي يتقبلوا تلك الحقيقه المُرة لذا قالت بإستفهام مستنكر

" و المفروض أننا نتحمل الأسلوب دا لحد ما يتأقلموا !" 


كان يعلم بأنها تُعطيه الحق في حديثه و لكنها لن تُفصِح أبدًا عن ذلك فملامحها الغاضبه خير دليل . فقام بخنق ضحكه كانت علي وشك الظهور و حافظ علي صرامه ملامحه و هو يقول 

" أدي كل واحد فرصته أنه يستوعب إلي بيحصل حواليه و خصوصًا إن محدش هيتعرضلكوا بأي أذي !"


فرح بإستنكار

" ماهو واضح !"


خرجت زفرة خشنه من جوفه قبل أن يقول بنفاذ صبر 

" التحفظ مش قله ذوق و لا إهانه . أنتوا لسه متعرفوش ببعض عشان كدا قررت أنكوا تقعدوا هنا في الأول لحد لما تتاقلموا "

قاطعته إذ قالت ساخرة

" حلو ! في رأيي دا أكتر قرار صح أخدته من يوم ما أتقابلنا !"


إرتفع إحدي حاجبيه قبل أن يقول بسخريه

" دا لو حطينا رأيك بعين الإعتبار اصلًا !" 


هل أهانها للتو ؟؟ برقت عيناها و هي تُناظره و قد تجمدت ملامحها بغضب كبير جعل محصول الطماطم الطازج ينبت فوق خديها مما جعله يقول بتخابث

" في رأيي أن الزي التنكري دا مش لايق علي شخصيتك ! ياريت ترجعي لطبيعتك أفضل !"


قال جملته و توجه إلي الباب بهدوء و غرور يلتصق به دائمًا فأوقفه صوتها الغاضب حين قالت 

" دا لو حطينا رأيك بعين الإعتبار اصلًا !"


كان يعطيها ظهره لذا أطلق العنان لإبتسامه قويه شقت ثغره من تكرارها جملته التي نجحت في إشعال غضبها الذي يخلق لذه خاصه بداخله و لكنه سرعان ما محاها قبل أن يقول بتخابث 

" قريب أوي هيبقي رأيي الأول و الأخير يا فرح ! "


لم تستمع من كلماته سوي إسمها فما أن همت بسؤاله حتي خرج مُغلقًا الباب خلفه تاركها تتلوي بنيران الغضب من ذلك المغرور القاسي الوسيم !


***************


كانت تُناظره بغضب كبير تجلي في عيناها الجميلة التي ما أن فتحتهم حتي وجدت ذلك الضخم يعبث بأشياءها فلم تستطع الصمت بل صرخت بأعلي صوتها قائله


" حراميييييي!"


أخترقت الكلمه مسامعه مما جعله يتجمد بمكانه لثوان قبل أن يلتفت إليها فوجد نمرة غاضبه علي وشك الفتك به و قد تناقض مظهرها الان بمظهر القطه الضائعه التي كانت تبدو عليه قبل أن تفقد الوعي ! 


ألتفت يُناظرها بجمود قبل أن يقول بصوت قوي خشن 

" دا مين الحرامي معلش !"


أجابته بقوة تجلت في عينيها التي توسعت بشدة بسبب الغضب 

" الحرامي إلي واقف يفتش في شنط الناس بكل بجاحه "


ما هذه الوقاحه ؟ جمالها الخارجي يتنافي تمامًا مع لسانها السليط الذي سيكون أكثر من سعيد حين يقطعه لها تلك الوقحه تنعته بالسارق بعد أن حملها كل تلك المسافه و لم يدعها تسقط بين الناس ! 


" أحترمي نفسك و أعرفي أنتي بتتكلمي مع مين !"

حلا بإنفعال


" أنا محترمه غصب عنك !"


إحتدم الصراع بينهم و كانت الأعين تُرسل شرارات نارية قادرة علي إشعال النيران في المكان من حولهم لذا تدخلت إحدي العاملات في محاوله لتهدئه تلك النظرة الغاضبه 

" يا بنتي إيه إلي بتقوليه دا . مين بس إلي حرامي دا ياسين بيه راجل مُحترم !"


حلا دون تفكير 

" ماهو واضح أنه محترم! بدليل أنه كان بيفتش في شنطتي .."


حاول إبتلاع غضبه الذي إن أطلقه سيحرقها دون أدني شعور بالذنب لذا أطلق تنهيدة خشنه غاضبه قبل أن يقول و هو متوجهًا نحو باب الغرفه 

" أنا هخرج قبل ما أرتكب جنايه!"


همت بأن تجيبه و لكنه كان قد أختفي فتدخلت العامله قائله بتوبيخ 

" إيه إلي أنتي هببتيه دا . بقي دا جزات الجدع أنه لحقك قبل ما تقعي وسط الخلق !"

تنبهت حلا لحديثها فالتفتت تقول بإستفهام 

" إيه ؟ لحقني إزاي يعني ؟"


قصت عليها السيدة ما حدث فشعرت بمدي غبائها و تهورها الذي دائمًا ما يوقعها في المشكلات و سقطت علي الكرسي خلفها بتعب و وجدت عيناها تقع علي حروف ذلك الإسم المدون علي اللوحه أمامها 

" ياسين وفيق عمران !"


أخذت تردد الاسم بين شفتيها بخفوت و هي تنظُر أمامها بشرود قطعه صوت نفس السيدة و هي تقول بنُصح 

" أسمعي مني روحي أعتذريله أنتي قليتي أدبك عليه جامد و الراجل معملكيش حاجه "

خرج الكلام منها حادًا و هي تقول بنفي قاطع 

" دا مين دا إلي أعتذرله نجوم السما أقربله . قال أعتذر قال !'


كان يقف أمام إحدي ماكينات صنع القهوة ينتظر أن تنضج قهوته و هو يتنفس بحدة من تلك الجميله سليطه اللسان التي تتحول بلحظه من قطه ناعمه إلي نمرة مفترسه ! 

" أنا أسفه !"


أخرجه من شروده صوت أنطبع في مخيلته منذ أن وقع علي مسامعه أول مرة و علي الرغم أن رقته حاليًا تتنافي مع قوته سابقًا و لكنه تعرف إليه و علي الفور إرتسمت إبتسامه خافته علي شفتيه حاول قمعها قبل أن يلتفت يُناظرها بجمود و كأنه لم يسمع حديثها مُمسكًا بكوب القهوة الخاص به يُناظرها بتفحص من رأسها حتي أخمص قدميها دون حديث و قد أغضبها تفحصه هذا فلعنت نفسها أنها أقدمت علي ذلك الإعتذار السخيف و قررت تصليح خطأها لذا التفتت تنوي المغادرة لتتوقف بمكانها حين أستمعت لنبرته الصارمة

" أستني عندك !"


توقفت بمكانها و أخذت نفسًا قويًا قبل أن تلتفت تناظره بغضب مكبوت بينما كان هو مستمتعًا بمظهرها و لكنه كان يحافظ علي جمود ملامحه حين اقترب منها بخطً سُلحفيه بينما عيناه لم تحيد عنها و ما أن وقف أمامها مباشرة حتي قال بخشونه 

" أسمك إيه ؟"


رفعت رأسها بشموخ قبل أن تقول بنبرة قويه ممزوج بغرور لاق بها كثيرًا

" حلا . حلا منصور الوزان ."


لم يبدو و كأنه تأثر حين سمع حديثها بل تابع بنفس لهجته 

" فرقه كام ؟"

أجابت بملل 

" تالته !"

ياسين بهدوء مستفز 

" تخصصك إيه ؟"

حلا بنفاذ صبر 

" فلسفه ! آداب قسم فلسفه . ها في أسأله تانيه ؟"

ياسين بلا مبالاه 

" لا. تقدري تمشي !"


كان يُطالعها بينما يرتشف من قهوته بهدوء أغضبها فكل ما صدر من ذلك المتعجرف يُغضبها حديثه و إستجوابه و ايضًا تجاهله لأعتذارها الذي جاهدت كثيرًا حتي تُخرِجه لذا تمنت في لحظه أن تحرق القهوة لسانه اللاذع عله يخرج عن طور البرود المستفز هذا. 

أخرجها من شرودها تجاوزه لها و خروجه دون أن يتفوه بحرف فوبخت نفسها بشدة كيف أنها كانت تقف بجمود تطالعه كالبلهاء و هكذا كان حالها حين دخلت إلي إحدي القاعات حتي تحضر أولي محاضراتها و تذهب إلي البيت علها تُنهي ذلك اليوم الذي لم تكن بدايته تُبشر بالخير أبدا !


جلست علي إحدي المقاعد بعيدًا عن الجميع و لم تكد تستقر في مقعدها حتي تفاجأت بذلك الضخم المتعجرف يدخل من باب القاعه و يقف خلف الطاوله الكبيرة و هو يناظرهم و تحديدًا هي قائلاً بنبرة بها الكثير من التحدي المُغلف بخبث يطل من عيناه 

" أهلا بالطلبه الجداد إلي انضموا لجامعتنا . أحب أعرفكوا بنفسي أنا الدكتور ياسين وفيق عمران!!"


برقت عيناها من هول ما يحدث معها و ودت لو أن الأرض تنشق و تبتلعها في تلك اللحظه فهذا المتعجرف هو دكتور إحدي المواد المقررة عليها لهذا كان يستجوبها و هي كالبلهاء أجابته بمنتهي الصراحه !


*********


أخيرًا انتهت الزيارة و استقل كُلًا من عدى و مؤمن السيارة و إنطلقوا عائدين إلي القاهرة و ما أن غادرت السيارة أبواب المزرعه حتي أنفجر عدى قائلًا بغضب 

" شفت بنت ***** لعبتها صح إزاي ؟ و قدرت تضحك عليهم زي ما ضحكت علي حازم الله يرحمه !"


ناظره مؤمن بغضب حارق قائلًا بتقريع

" بطل إستعباط و كلام أهبل كلنا عارفين مين ضحك علي مين "


عدى بإنفعال

" تقصد إيه يا مؤمن وضح كلامك !"


مؤمن باحتقار

" قصدي أنت عارفه كويس يا عُدى ! كفايه إلي حصل لحازم فوق بقي من غفلتك دي إحنا ممكن نكون مكانه في أي وقت !"


عُدى بنفاذ صبر 

" بطل حكم و مواعظ و فكر معايا . إزاي قدرت تضحك عليهم بالشكل دا ؟"


ناظره مؤمن بحنق قبل أن يقول مستنكرا 

" تضحك علي مين أنت عبيط ! دا سالم الوزان! محدش يقدر يضحك عليه و أكيد لو عنده شك و لو واحد في الميه أنها كذابه مكنش جابها تعيش وسطهم "


ثم أعطاه نظره حانقه محتقره و هو يقول بتقريع 

" معلقتش علي موضوع الحمل يعني ! أنت إلي شجعت حازم أنه يعمل عملته دي صح !"


تراجع عدى للخلف و نظر أمامه قبل أن يقول بلامبالاه

" مشجعتش حد كل حاجه كانت بمزاجها . و بعدين زيها زي أي واحده حازم مشي معاها و سابها. بس دي طلعت حويطه أوي و عرفت تلعبها صح !"


كانت جملته الأخيرة تحمل حقدًا من نوع خاص فهمه مؤمن علي الفور فقال بتوبيخ 

" بطل أفتري و ظلم أنت اكتر واحد عارف أنها مش زي البنات دي و أنت السبب في كل العك إلي حصل دا ! 


عودة إلي ما قبل سته اشهر 


توجه الثلاثي مؤمن و عدى و حازم إلي إحدي القاعات لحضور محاضرة لذلك الدكتور اللزج الذي جعلهم يرسبون في مادته للمرة الثانيه فأصبح لزامًا عليهم أن يحضروا جميع محاضراته حتي يتثني لهم النجاح بها فهذه سنتهم الأخيرة و يريدون للخلاص حتي يشق كلًا منهما طريقه نحو الحياة . 

أتخذ كل واحد منهم مقعد ينتظرون مجئ الدكتور الوغد كما أسموه و ما هي إلا ثوان و دلف إلي القاعه و ما أن وقعت عيناه عليهم حتي رماهم بنظرة مُتهكمه و أتخذ مكانه حتي يستعد لبدأ المحاضرة التي مر منها قرابه العشر دقائق و الثلاثي قد بلغ الملل بهم لذروته و لكن ما أن سمعوا طرقًا علي الباب الذي أنفتح بعد سماح الدكتور للطارق بالدلوف و الذي لم يكن سوي فتاه جميله بشعر أسود حريري و عينان تُضاهيه سوادًا تناقض كثيرًا مع بياض بشرتها التي يتوسطهم التفاح الشهي المنثور فوق خديها الحمروان كلون شفتيها تمامًا فقد كانت جميله فاتنه بجسد صغير و لكنه به أنوثه قاتله تظهر علي إستحياء في ملابسها التي لم تكن جريئه فتُفصل قوامها الممشوق و لا فضفاضه فتُخفيه و لكنها كانت علي قياسها و أظهرت مدي جمالها الخارق و عندها حبس الثلاثه أنفاسهم لدي رؤيتها و قد كانت تعتذر من الدكتور بخجل علي تأخرها و قد سمح لها بالدخول و ما هي إلا دقائق حتي إنخرطت معه في المحاضرة وصارت تناقشه بجرأة و لباقه و لم تكن تعلم بأن هناك ثلاث أزواج من العيون تقتنص جميع حركاتها إلي أن أنتهت المحاضرة فخرجت «جنة» مع أصدقائها تضحك هنا و تبتسم هناك و تشاكس هذا و تمازح ذاك غافله تمامًا عن كل ما يُحاك حولها من مؤامرات تسببت في هدم حياتها ! 


كان أول المتحدثين هو عُدى الذي قال بإعجاب صريح وقح 

" واد أنت و هو شايفين الصاروخ إلي أنا شايفه دا !"

أجابه مؤمن بإعجاب لم تخفيه عيناه 

" شايف! إلا شايف دا إلي ميشوفش الجمال دا يبقي أعمي!"


تحدث عُدى متأثرا بمظهرها 

" أنا لازم أروح أتعرف عليها!"

هنا تحدث حازم الصامت منذ بدأ الحديث و قال بنبرة قاطعة

" البت دي تلزمني ! "


وجه عدى أنظاره الغاضبه إليه و قال بحنق

" و ليه بقي إن شاء الله . مانا كمان معجب بيها '


ناظره حازم بغرور و قال بتكبر 

" عُدى يا حبيبي متحطش نفسك في مقارنه معايا عشان أكيد هتطلع خسران "


أنفعل عُدى و قال بحدة 

" علي أساس أنك إلي مفيش منه أتنين يعني و لا حاجه !"


حازم بفظاظه

" بالظبط كدا . و أظن أنت جربت تدخل في منافسه معايا قبل كدا و شوفت النتيجه "

شعر عدى بنصل حاد يخترق أعماق قلبه و كبرياؤه و لكنه أبي الإنهزام أمامه إذ قال بعنفوان 

" بيتهيألك ساندي أنا إلي سبتهالك بمزاجي . عشان مكنتش تفرق معايا"


أوشك حازم علي الرد و لكن تدخل مؤمن الذي كان يشاهد صراعاتهم المستمرة فقال بتسليه

" لا بقولكوا إيه متصدعوناش بنقاركوا دا . دلوقتي البت عجباكوا أنتوا الأتنين . يبقي نشوف مين فيكوا إلي هيقدر يوقعها ."


راقت الفكرة للثنائي الأهوج الذي نُزِعت من قلوبهم كل معالم الرحمه لذا خرجت الموافقه من بين شفتيهم أتبعها عدى قائلًا بتخابث

" و مش بس كدا . دانا لو علقتها هاخد منك العربيه الجديده بتاعتك . زي مانتا خدت عربيتي قبل كدا !"


أبتسم حازم بسخريه قبل أن يقول بحماس 

" موافق ! أما أنا بقي لو كسبت الرهان و دا متوقع طبعا . هخليك .... و لا بلاش لما أكسب الرهان و أبقي أقولك وقتها !"


" أتفقنا .. أستنوني هنا و شوفوا هعمل إيه ؟"

كان المُتحدِث عُدى الذي إندفع تجاه «جنة» التي كانت تتحدث مع إحدي صديقتها و ما أن اقترب منها حيث قال ليجذب انتباهها 

" لو سمحتي ممكن كلمه ؟"

ألتفتت جنة إليه قائله بتحفظ 

" في حاجه ؟"


عُدى بإحترام مزيف 

"أنا شفتك و أنتي بتتناقشي مع الدكتور و بصراحه أسلوبك كان سلس و منمق فلو مكنش يضايقك كنت عايزك تشرحيلي كذا حاجه واقفه قدامي !"


كان مظهره العابث يتنافي مع حديثه المُنمق و أيضًا تلك الوقاحه المُنبعثه من عيناه جعلتها تعرف الهدف الأساسي من حديثه المخادع هذا لذا طالعته بتهكم قبل أن تقول بلهجه قاطعه 

" أنا هنا طالبه زيي زيك غير مؤهله إني أشرح لحد فلو عايز تستفيد فعلًا أنت ممكن تروح للدكتور و تتكلم معاه . عن إذنك "


أنهت حديثها و التفتت تُكمِل حديثها مع صديقتها فانتابه غضب حارق تجاهها و لكنه حاول إبتلاعه قبل أن يُرقِق لهجته قليلًا و هو يقول 

" طب و لو قولتلك إني حابب أتعرف عليكي ووو.."


قاطعته جنة بنبرة صارمه 

" مبتعرفش ! و لو سمحت تمشي من هنا عشان مناديش علي حرس الجامعه و أعملك مشكله "


إحتدت لهجتها كثيرًا في جملتها الأخيرة و قد وصل حديثها إلي مسامع كُلًا من مؤمن و حازم الذي ناظره بشماته و هو يعود أدراجه خائبًا بينما خرج الكلام ساخرًا من بين شفتي مؤمن حين قال 

" يااه عالحلقه ! دي غسلتك و شطفتك و نشرتك "


حدجه عُدى بنظرة حادة بينما كانت عيناه تناظر حازم الذي قال بتشفي

" قلبي عندك يا ديدو بس أنت كدا كدا خسران يا صاحبي من البدايه . لكن أوعدك حقك عندي . شوف و أتعلم"


أنهي كلماته و توجه إليها بعنجهيه و غرور دائمًا ما يُلازمه و ما أن توقف بقربها حتي سمع صديقتها تناديها بإسمه « جنة » أحتار للحظات أهو إسم أم وصف و لكنه وصل إلي نتيجه واحده أنه ينطبق عليها كثيرًا . 

أقترب منها قبل أن يقول بخشونه و هو يناديها

" جنة !"

تسمرت بمكانها من فرط صدمتها فمن أعطي ذلك المغرور الحق في مناداتها بتلك الطريقه التي توحي بأنهم اصدقاء قُدامي ! 


ألتفتت تُناظره بغضب حاولت إخفاءه حين قالت بجفاء 

" أنت تعرفني ؟ "

جاءها رده حين قال بتأكيد 

" مانا جاي هنا عشان أعرفك ! "


إغتاظت من وقاحته و غروره فوقعت عيناها علي صديقه الذي وبخته للتو فأشارت إليه و قالت مرتفع قليلا 

" أنت ! "


ناظرها عُدى بصدمه تحولت إلي سعادة غامرة حين سمعها تقول 

" أبقي قول لصاحبك الكلمتين إلي لسه قيلاهملك عشان واضح أنه مبيسمعش !"


ألقت كلماته مرفقه بنظرات ساخطه مُحتقرة لذلك الذي جحظت ملامحه من فرط الصدمه فهي أول فتاة تقف أمام وسامته و غروره الذان يجذبان أنظار الفتيات إليه دون أي عناء منه و قد كانت أول من كسر تلك القاعده حيث تركته و ذهبت و هي تتهادي بمشيتها بينما هو كان يحترق من الغضب لتأتيه كلمات عُدى المتشفيه 


" والله و لاقيت إلي تديك علي دماغك يا وزان ! لا و تقولي حقك عندي يا صاحبي . و شوف و أتعلم . دانتا إلي أتعلم عليك و بالأوي كمان . بالشفا يا كبير !"


أيقظت كلماته وحوش الغضب و الكبرياء بداخله و الذان تحولا إلي رغبه هوجاء في تلقينها درسًا لن تنساه لذا خرجت الكلمات من فمه متوعدة حين قال 

" الرهان لسه مخلصش ! هدفعها تمن كلامها دا غالي أوي .( أخذ نفسا حارقا قبل أن يقول بنبرة قاتمه تشبه قلبه ) البت دي هتكون في سريري قبل نهايه الترم دا .و بكرة تشوف ! "


*****************


حتي أن أصابعهم العشرة لن تكفيهم ليأكلوها ندمًا علي ما فعلوه بنا !!


نورهان العشري ✍️


🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁


إستيقظت من غفوتها الطويله فوجدت أن الظلام قد حل فأخذت تتلفت حولها في محاوله لتتعرف علي هذا المكان الجديد كليًا عليها و بعد لحظات كانت إستعادت ذاكرتها فأخذت نفسًا طويلًا قبل أن تنهض بتكاسل تنوي الخروج من تلك الغرفه لرؤيه شقيقتها و التي كانت تأخذ حمامًا ساخنًا . فشعرت بالإختناق و أرادت إستنشاق بعضًا من الهواء النقي فتوجهت إلي الحديقه الخلفيه لذلك الملحق و أخذت تتمشي قليلًا إلي أن جذب إنتباهها صوت صهيل الخيل الذي كانت تعشقه كثيرًا فأخذتها قدماها إلي ذلك المبني البعيد نسبيًا عن مكانها و لكنه كان داخل حدود المزرعه و هذا طمأنها قليلًا و بعد دقيقتان من المشي وجدت نفسها أمام ذلك السور الذي به ساحه كبيرة لترويض الخيول و علي الناحيه الآخري كانت هناك الكثير من الحظائر التي يقبع بها الخيول فتوجهت إليها لتقع عيناها علي أجمل شئ رأته بحياتها و هي تلك الفرسه الجميله التي كانت تشبه الثلج في بياضه و كان شعرها كثيفًا رائعًا يعطيها جاذبيه كبيرة إلي جانب عيناها الفاتنه فوقعت جنة بعشقها من أول نظرة و إمتدت يدها تتحسس جبينها برفق و هي تقول بحنو 

" أذيك عامله إيه يا جميله ؟؟ أنا جنة ! أنتي أسمك إيه ؟" 


أخذت الفرس تُحرِك رقبتها تفاعلًا مع لمسات جنة الناعمه و التي ظلت تُمسِد خُصلاتها بحنان قبل أن تقول برقه

" أنتي جميله أوي .. تعرفي إنك أجمل حاجه حصلتلي النهاردة. أصلك متعرفيش أنا يومي كان سئ أوي . و كنت بتمني يعدي بأي شكل. "


أمسكت قطعه من الجزر و وضعتها في فم الخيل و يدها الآخري تدغدغ رقبتها بحنو و هي تقول بحزن دفين 


" حياتي كلها أصلا بقت سيئه لدرجه بتمني أن الست شهور إلي فاتوا من عمري يكونوا كابوس . كابوس و هصحي منه ألاقي حياتي لسه جميله و هاديه زي ما هي ! "


خرج صهيل الفرسه أمامها ليشق السكون المحيط بها فابتسمت جنة برقه قبل أن تقول بخفوت 


" أنتي حاسه بيا صح ! أحيانًا غلطه واحده ممكن تدمر حياة بني آدم أو تخليه يتمني الموت كل لحظه ! بس الأسوء من كدا أن الظروف تعانده و حتي الموت تصعبه عليه !"


زفرت ثاني أكسيد الحزن العالق بقلبها قبل أن تقول من بين قطراتها المتساقطه 


" وحشتني ماما أوي . مع إني مش فاكرة ملامحها بس صوتها لسه في وداني . بالرغم من أن فرح عمرها ما خلتني أفتقد حد و لا أحس إني يتيمه بس حاسه إن لو كان ماما و بابا موجودين كانت حياتنا هتبقي غير كدا ! علي الأقل كانوا هيقفوا جمب فرح . و مكنتش هتبقي مضطرة تشيل الحمل كله لوحدها كدا ! تعرفي إني نفسي أعتذرلها بس مش قادرة . أي إعتذار في الدنيا يكفر عن ذنبي و غلطي! "


صمتت لثوان تحاول كفكفه دموعها التي تنساب بغزارة من بحرها الأسود.الحزين قبل أن تقول بعفويه 

" نسيت أقولك مش أنا هجيب بيبي .. تعرفي إني طول عمري بحبهم أوي و نفسي يكون عندي واحد . يمكن الطريقه إلي جه بيها كانت وحشه أوووووي بس أنا واثقه أنه هيعوضني عن...."


أختنقت لهجتها بالحديث و أسندت رأسها علي السياج أمامها تحاول قمع ذكريات كفيله بجعلها تنهار في تلك اللحظه و ظلت علي حالها لدقائق قبل أن تسمع صوت صهيل الخيل بقوة و كأنها تُرحِب بأحدهم فالتفتت لتُصدم عندما وقعت عيناها علي آخر شخص في العالم ترغب برؤيته و الذي كان يطالعها بجمود و عينان يقطر منها الغضب الذي تجلي في نبرته حين قال 

" بتعملي إيه هنا ؟"


حاولت سحب أكبر كميه من الأكسجين بداخلها قبل أن تقول بهدوء

" زي مانتا شايف . بتفرج عالخيل !"


" أستأذنتي قبل ما تيجي هنا ؟"

كانت نبرته حادة كنصل سكين أخترق قلبها و لكنها جاهدت حتي تظهر بمظهر الثبات الذي حاولت أن تتحلي به و هي تُجيب بإختصار 

" لا !"


تحركت شفتيه بسخرية قبل أن يقول بإحتقار 

" كنت هستغرب لو قولتي غير كدا !"


كان الإحتقار في نبرته يُغضبها و يُضفي المزيد من الحُزن علي قلبها لذا تجاهلت حديثه و تحركت تنوي المغادرة فما أن مرت بجانبه حتي إستوقفتها قبضته القويه التي أمسكت برسغها توقفها عن الحركه فالتفتت تناظره و التقت الأعين في صراع غريب من نوعه علي كليهما وصل دويه إلي صدوهم فقد كانت ترتجف و قلبها إثر نظراته الناريه و عيناه التي لا تهدأ أبدًا و قد كان هو الآخر يشاطرها التخبط و هناك نبضه قويه تعثرت بداخل قلبه و هو يُناظر بحرها الأسود اللامع الذي يتخلله حزن ممزوج بخوف كبير حاولت إخفاؤه و لم تنجح ! 


دام الصمت لثوان بينما العيون كانت تتحدث بلغه يصعب علي كليهما تفسيرها و لكنه كان أول من قطع هذا الحديث الشائك إذ قال بلهحه صارمه 

" المكان دا خاص بأصحاب البيت إلي أنتي مش منهم و لا عمرك هتكوني منهم أبدًا ! و قبل ما تفكري تدخليه لازم تستأذني ! "


حاولت الحديث و لكنه أوقفها حين قال بغضب 

" و إياكِ تخرجي في وقت متأخر زي دا لوحدك . عشان عيب! و لو أنتي متعرفيش العيب هعلمهولك . في رجاله بتشتغل هنا في الأسطبل و في كل مكان حواليكي و ميصحش يشوفوا أرمله حازم الوزان بره في الوقت دا . التسيب و الإنحلال إلي أتعودتي عليهم دول تنسيهم أنتي في بيت ناس محترمين ؟"


رغمًا عنها إنهار قناع القوة التي كانت تحتمي خلفه جراء نبرته المحتقره و لهجته المُهينه و تساقط الدمع من مقلتيها بغزارة و قد صدمه مظهرها كثيرًا للحد الذي أشعره بشعور غريب من الألم و الندم معًا و خاصةً عندما سمع صوتها الذي جاهدت حتي تُخرجه من بين شفتيها المُرتعشتين 

" خلصت !"


لم يُجيبها انما اماء برأسه و عيناه لا تحيد عنها فقامت بجذب ذراعها من بين قبضته و هرولت إلي حيث يقع المُلحق الذي تقطن به هي و شقيقتها و قد كانت شهقاتها تشق سكون الليل المحيط بهم و قد كان يراقب إنهيارها و رحيلها بقلب مُتألم فهو بحياته لم يكن شخصًا ظالمًا برغم غضبه إلا أنه كان مسالمًا حنونًا ذو قيم و مبادئ و لكن الإنتقام شوه الرؤيه لديه و جعله كالأعمي لا يري أمامه إلا من شعور بعدم الراحه وصل إلي حد الألم احيانًا الذي يؤرقه ليلًا حين يتذكر حديثه معها و طريقته الفظه و المُحتقرة !


زفر بحدة و قرر الذهاب إلي الجراج الخاص بهم ليُمارِس هوايته المفضله و الوحيدة التي تنجح في جعله يفرغ شحنات غضبه و أثناء مروره بالمُلحق الذي تقطن به توقف لثوان و ألقي نظره علي أحد النوافذ قبل أن ينطلق في وجهته و ما أن خطي خطوتان حتي سمع صراخ قادم من هناك جعل كل خلاياه تضطرب و دب الذعر في جميع أوصاله فهرول إلي هناك و قام بالطرق بقوة علي الباب الذي أنفتح و أطلت فرح المرتعبه و فجأة تجمدت الدماء بعروقه حين وقعت عيناه علي تلك المُلقاه أرضًا و أسفلها بقعه من الدماء....



               الفصل السابع من هنا 

  لقراءة جميع فصول الرواية من هنا

تعليقات