رواية عقاب ابن الباديه
الفصل الخامس عشر 15 والسادس عشر 16
بقلم ريناد يوسف
اغلقت مديحه سماعة الهاتف ونظرت لأخيها وزوجته وأردفت بإرتياح:
-ودلوقتي محمود وعايده خلاص بح.. ومبقاش معانا غير حتتة ولد صغير أمره اسهل منه مفيش.. اخوكم الصايع موديه البدو ومخبيه هناك طول السنين اللي فاتت ومستغفلنا هو ومراته وملبسينا العمه.. وسايبنا ناكل في بعضنا، والواحد صبر كتير ومبقاش عنده ذرة صبر زيادة.
فتح يحيي عيناه على وسعهم وهو يعقب على كلامها غير مصدق لما سمعه للتوا:
-قتلتي اخوكي يا مديحه؟ قدرتي تعمليها ازاي؟
- قدرت يايحيي زي ماانت قدرت تشوف اخوك بيتعذب ويتسمم قدامك وكان عادي عندك.. أوعى تيجي دلوقتي تعمل انه صعبان عليك،
أو إنك مش مأيد اللي عملته بس عشان تريح ضميرك شويه.
ردت عليها فريال التي كانت تنظر اليها ولا تعلم لم رأتها في هذه اللحظة وقد تحولت ملامحها لملامح ذئب مسعور مستعد لنهش الجميع، فحاولت الإنضمام لجبهتها حتى تكون بمأمن منها :
- لأ طبعاً يامديحه اللي عملتيه دا هو اسلم وأسرع حل، لأن فعلاً إحنا انتظرنا كتير وكل خططنا فشلت، وانا بعترف بفشلي وان الجوله دي انتي الفايزه فيها،
ودلوقتي انا ويحيي في انتظار قرارك اللي جاي وهنفذه، مع اني اتوقع انه قتل آدم.. فسيبيلي انا المهمه دي
مديحه:
- لا آدم مينفعش يموت دلوقتي، آدم لازم يجي هنا حي، لازم يفضل تحت وصاية عمه وتحت عيونا لغاية مايوصل السن القانوني، وبعد السن القانوني هناخد منه كل حاجه ونخليه يحصل أبوه وأمه.
ودلوقتي محتاجين نعرف مكان الولد بالظبط عشان نروح نجيبه.. فألتقط يحي الصورة من يدها ونظر اليها بإمعان وتهللت اساريره وهو يردف بسعادة:
-استنوا.. انا تقريباً عرفت المكان اللي فيه الولد.. آدم عند الشيخ منصور.
لتهمس فريال مرددة من بعده:
-الشيخ منصور!
- ايوه يافريال الشيخ منصور.. ومين غيره يقدر على العمله دي، يابن اللعيبه يامحمود.. هاتي الصوره دي يامديحه وانا رايح اجيب الولد، وبالمره كلمي الراجل اللي خلص اعرفيلي منه المكان اللي محمود وعايده عملوا فيه الحادثه..
عشان اجيبهم معايا بالمره وندفنهم، ونلم لحمنا المتنتور فى كل مكان ده.
انهى كلماته وذهب لغرفته وبدأ في تبديل ملابسه ثم لحقته فريال التي همست له:
-خلى بالك من نفسك وانت رايح، واتلفت حواليك كويس وخد المسدس بتاعك معاك.
- ليه دا كله؟
- احتياط ياحبيبي، وتنساش إن اللي موتت اخ تقدر تموت التاني من غير مايرفلها جفن..
وخصوصاً لما يكون قلبها محروق منهم عشان مخلوهاش تمشي على حل شعرها.
توقف يحيي عن ارتداء ملابسه ونظر للفراغ واردف وكأنه ادرك شيئاً ما:
-تصدقي عندك حق.. دي كده مديحه الواحد يحطها تحت الميكرسكوب من هنا ورايح.
- متقلقش من الناحيه دي انا مش هغفل عنها لغاية مانفوقلها، ماهو احنا مش هنخلي حيه تسكن بيتنا ونربيها واحنا عارفين انها مليانه سم وهتلدغنا فاي وقت وتموتنا.. احنا مش اغبيا ومش هنغلط غلطة محمود.
غادر يحيي وقد إمتلأ قلبه بالقلق من ناحية اخته، وأصبحت الآن هي التالية في قائمة التخلص، فمن يخون مره يخون الف مره، ومن يضحي بأخ يضحي بالاخر كما قالت فريال.
اما فى الباديه، في خيمة. الشيخ منصور..
دلفت عوالي ووجدت اخيها يأن ويسعل كما اخبرتها مايزه، فإقتربت منه وهي تقول له:
- الف لا بأس عليك خوي مايزه قالتلي انك بعافيه شوي، ريت الوجع بيا ولا بيك.. ويش جاك ياشيخنا كنت بعافيتك امس وكامل حيلك.
- :نحمدو الله ياخيتي هالشتوية صقعها واعر والعظام بادن
عوالي:
-وماراح تسلم من الصقيع الا اذا نشوفلك عروس تدفيك بأنفاسها وتطرد برد الشتا..
- لا تلحين علي بهذلة اخوك بأخر ايامه يامايزه.
- ويش فيها بهذله ياشيخ، والله انت اصبى من وليدك قيات.. انت بس تخزي العين والله.. اللي كيفك ياخد اللي مازالت في بطن امها..
غير انت اسمع كلام خيتك ونا نزوزك خيرة بنات القبايل غير انت قول تم وشوف عوالي ايش تسوي
الشيخ منصور بضحك:
- اتريديني ننكلب ياعوالي والصبايا يصغرن بي بين القبايل ،ويدهشن فالي ويبدلن احوالي؟
،اني تو مرتاح البال، ام مفتاح الله يرحمها سدت عليا كل الطرق لحرمه من بعدها..
كانت حرمة بكل صبايا القبيلة.. تحملت مني اللي ماحدا يتحمله
قوليلي ياعوالي من تقدر تملا مكانها
عوالي
:
-والله ياخوي انت ورثت بوك في هالموضوع وماتزوجت غير مره.. حتى بعد ماتت ام مفتاح وسيبتلك "عريفة" قطعة لحم حمره
رفضت انك تجيبلها مرت اب، والحين اللي ربيتها وكبرتها لكبرتك تركتك وراحت مع زوزها وعبرت الحدود، ومو بس هيك خذت خوها بعد.. بس لتعرف ان الوليدات ينفعن في الكبر، شوف حالك وليد استشهد ووليد سافر، لو كنت جايب خمسه ولا عشره ماكان الباقي حولك الحين.
- مايلزم ياعوالي، اني كل القبيله حولي وكلهم وليداتي وبنياتي..
وعريفه الله يسعدها مع راجلها ،ويرحم وليدي الشهيد مفتاح ،ويحنن قياتي علي يجيبلي وليداته ويرد لاشوفهم الشوق لاعب بالقليب لعب، الله يكون بعون محمود على وليده وفراقه سنيين.
عوالي :
-وايش منتظر بعد دذله يجي،
ولا خلاص تبع راجل اخته وقعد في ليبيا ونسي قبيلته، فرض عليه يجي وعويلاته يتربو هانا.
ماظني راح يعاود ياعوالي، قياتي الغربه خداته وغير هواء القبيله وتعود ينام تحت اسطاح، واللي يتعود ينام تحت اسطاح مايعاود للعرا والخلا مره ثانيه،
اني راح اسلم المشيخه لقصير من بعدي، هو احق بيها من اي حدا غيره، هو اليعرف الأصول ومحافظ عالعادات وماغير جلده،
انخاف يجي قياتي يلبس رجال القبيله وحريما وعيالها متل الحضر، ويعلمهم ياكلون متل الحضر
ويعلمهم على الراحه والنوم للضهر.. وتضيع القبيله وتنطمس اعوايدها على يده،
خليه بِعيد بس نشوفه نرد الشوق ويعاود لدنيته للجديدة.
عوالي:
- ااااخ من الحضر اااخ.. متل النداهه يلالي ويغري ويغوي ويسحب ليه.. ومايلاقي الشخص حاله الا متربط فيه، ماقادر يفلته ويعاود للقبايل.. واااجد ناس قالت نسافرو شغل ووكل عيش ونردو، وراحو ماردو وهجرو قبايلهم وبواديهم ونسيو عيشة الصحاري والكد.
- الله يوفق الجميع وين ماراح ووين ماحل.. والحين قومي سويلي شي دافي اشربة حاسس حلقي متشقق من كثر السعله.
- من هالعينين ياشيخ.
ونهضت كي تأتي له بشيئ يخفف عنه وطأة المرض..
وهي في طريقها وجدت سدينه تلعب مع ابنتيها أمام خيمتها وتضحك معهم وكأنها طفلة مثلهم، تحتضنهم وتقبلهم،
فتبسمت براحة على أمومة سدينه التي غلبت محبتها لقصير وشوقها للصبي،
ولم تلفظ بناتها من أجل أن تأتي بولي العهد كما فعلت مكاسب.. صحيح أن مكاسب كسبت الولد وكسبت عقل وقلب قصير، ولكنها خسرت إبنتها ومحبتها،
وصنعت لها عدوة لن تنسى أن أمها حرمتها من أبسط حقوقها عليها، ولن تغفر لها أنها تربت على حنان أختها معزوزه وحليب الماعز
وشفقة البقية.
أما قصير فكان في خيمة مكاسب يستريح قليلاً قبل أن يعود للكد مرة أخرى، فوجد هلال يلعب بدمية اخته رجوه، ولاحظ عليه أنه أصبح يتحدث مثل إخواته البنات، وحتى افعاله بدأت تكون أنثوية، وكأنه تأثر بجلسته مع أمه وإخوته البنات ليلاً نهاراً.. فقرر أن هلال لابد وأن ينفصل عن أمه وإخوته ويكفيه هذا القدر من الدلال، فنادى عليه وأوقفه امامه وقال له بنبرة جدية خالية من الحنان واللين لأول مرة:
هلاال..من غدوه الصبح اريدك مع عقاب كيف ظله..
اذا بتريد تكون كيفه وجدك منصور يجيبلك سيارة، ويديرلك حلال لحالك اسمع كلام عقاب من غير ماتناقش، ولا تعترض،
انت ولد قصير اريدك خير من كل الصغار اللي بعمرك، واللي اكبر منك بعد وتغلبهم بكل شي
ولو هادا صار ياما لك من الخير
لكن اسمع الرجال مايسمعون حكي الصبايا حتى لو كانت امهم فهمت علي يا هلال
هيا يابطل اريد عقاب يعطيك لقب يرفع راس بوك فيك..
ومن الليله ياهلال المبيت بخيمة الوليدات، ولخيمة امك ماتفوت الا تسلم وتسألهن اذا محتاجين شي، وترد على خيمتك وسط الصغار، من اليوم مافي دلال انت رجال بدي افاعيلك تصير افاعيل رجال.
صاحت به مكاسب معترضه:
-حيييه علينا، وليش ودك تفرقني عن وليدي، ولك والله مايهنالي لا عيش ولا مي من دون مايقاسمني فيه وليدي، ولا النوم يزور جفوني اذا ماكان هلال اخر شي عيوني تشوفا،واغنيلا ليغفى
-ومن هيك انا بعدته، لاجل لا يفسده دلالك ويصير ابني الوحيد مخنث لا ينعرف وليد ولا صبيه.
اخذ قصير هلال إبنه وخرج به من الخيمة بعد أن أمر اخته معزوزة بأن تجمع له جميع ملابسه وأغراضه وتنقلهم لخيمة الصغار، وذهب به حيث كان عقاب عند الخيل يدرب فرسه الجديد هو ورابح وسالم، وأشار له بيده، فترك عقاب مابيده وحضر لقصير على الفور..
قصير:
-عقاب اريدك اقرب جاي..
- أمرني ياعم واني خدام.
- مايؤمر عليك ظالم ياوليدي.. اسمعني زين ياعقاب ..
انا صحيح قسيت عليك واجد، وتعبت معاي كتير وتحملت ياما هوايل مني..
لكن ايش النتيجة؟
درت منك عقاب يحلق في السما يخاف عدوك اللي بالوطا كان حمت فوقة.
ويهج عدوك اللي بالسما كان لمح هبهابك.
صرت لا تنكسر ولا تنبطن ولا تغرق الا لو كان امر الله.
-ونا نفخر انك كنت قايدي ياعمي، ونشهد الله ان لك فيا اكتر ما لي في نفسي..
ولو طلبت الروح ما تغلا عليك.. أمر ونا علي التنفيذ
قصير:
-صقر من يومك وتفهمني باللمحه..
ونا بالفعل اريد منك رد كل ماسويت بيك في وليدي هلال
الدقة بالدقة
آدم:
-اطال الله بعمرك ياعمي، وليش انت ما تعلمه ايش بيك مسافر ولا في شي غايب عني؟
رد قصير مراعيا مشاعر آدم، ولم يريد أن يُشعره بأن ما يمنعه من تدريب إبنه وإعداده ليكون رجل بيديه هو خوفه الشديد عليه، ورقه قلبه.. فهو عند إبنه أجبن مايكون، وخوفه لن يمكنه من القسوة عليه، وخاصة بعد أن حواه ورآه يتألم فتقطعت نياط قلبه وتمنى لو انه يستطيع اخذ الألم منه..
قصير:
-هادا اخر اختبار لك ياعقاب اشوفك بتصير قائد ولا ماتقدر
وبقدر ثقتي فيك عطيتك هلال ابني تختبر فيه، مو حدا تاني.. هو من اليوم هلال معك كي آدم لقصير
ماتفارقة الا عند المبيت..
- ابشر ياعمي، من الحين هلال بعهدتي وعهد مني ماتستلمه مني إلا طير رخ اللي يسمع اسمه يرجف بدنه من الخوف منا.
قصير:
-بعرفك الها ياعقاب وماحدا يقدر يديرها سواك، بنتظر منك طير الرخ.
أما عند مكاسب في خيمتها، دلفت سدينه اليها تجلس جوارها قليلاَ وتدع الفتيات يلعبن بألعاب بنات مكاسب ويتلفون قدر المستطاع ثم تحملهم وتعود إلى خيمتها..
سدينة:
-ايش بيك متكدرة يا مكاسب
مكاسب:
هلال من اليوم راح يبيت مع الصغار في خيمتهم
ونا مو متعوده يبات بعيد عني،
هاد وليدي الوحيد اللي شديت فيه ضهري.. وماصدقت ربي نصفني بيه وقوى عيني وبرد قلبي.
سدينه:
- والله يامكاسب الوليد متله متل البنيه مايفرق غير بجيب القروش، واللي عندها قروش ماتعتاز الوليد.
مكاسب:
- ويش تقولين انت ياسدينه.. الوحدة فينا لو ما عندها ولد تقعد دارها خالية حتى لوعندها عشر بنات ،بيتزوجن وتقعد لحالها حتى ان ماتت ماحد يحس عليها
لكن ام الولد تقعد مرت ولدها تخدمها،
وعيال ولدها يونسوها وماتعول هم لقمتها ولا خيمتها
وانا بعد جبت هلال شفت السعد كله ربي يحفظه لي ولبوه
سدينة :
هلال هلال اتقولي ماحدا خلف وجاب صبي غيرك؟
مكاسب :
-وانا ايش عندي غير هلال نشقى بيه هادا دخيرتي لكبرتي
شعرت سدينه بغصة في حلقها وبأن الكلام لامس نقطة وجعها، وكأن مكاسب متقصدة أن تضع يدها على موضع الجرح وتألمها، فنهضت على الفور :
-بالاذن نا ماشية لخيمتي.. مسك، عنبر يلا قومن رادين لخيمتنا.
مكاسب:
-ارجي انتي زعلتي؟
والله مانقصد انجاكرك انا زعلانه عشان وليدي، بعده عني قصير ،وهو دنيتي وحياتي كلها اللي ماتعودت على بعده
سدينة :
-الله يحفظة من كل شر هو كمان اخو بنياتي وانا انحبه ومانتحمل فيه الشوكة،
وانتمناه احسن واحد فالقبيلة.. هادا راجل بنياتي وسندهن ،حتى انا بعد عنبر ماعاد حبلت ما اعرف ايش سوت فيا جندية الفقرية بومبة الجبال يجيها مهمال..
لاوالله صرت اعرف ويش سوت، والله لاروحلها واخلي نهارها اكحل من الفحم..مسك خدي عنبر وردن للخيمه وانا شوي وبجي وراكن.
،
كانت جنديه جالسة خارج خيمتها تغزل بالمغزل، ورات سدينة مقبلة عليها ووجهها لا يبشر بالخير فاردفت لنفسها:
-عليك يوم اسود من الكحل ياجنديه ، ايش رماها علي هاللي جايه دايرة تغبارة وتعفر فالتراب اتقول ناقه اتبرطش ،لا جاك جود اقدامك سود ياسدينه.
سدينة
-جندية انتي يامبلية.. ايش سويتيلي حتى ماحبلت للحين قولي.. قري واعترفي يانقلع عيونك ونوكلهن لك، ومو بس هكي،
باخدك واربطك وارميك للصقور تنهش لحمك وانتي حيه لين تموتي..
اخلصي وقولي ياخرفانه ياجيعانة
جنديه:
-انسدي سد مبلعك ياسايبة.. قدك انا تشتمي وتهزبي فيا؟ انا قد امك جاك مو يام ضمير اكحل
مو ناقصني مهابيل انا غوري من هنا لنندهلك عمتك عوالي وانتي عارفه الشيخه عوالي ويش تسوي فيك.
سدينة
- انا اللي هنعدي لعمتي عوالي جاك السم الهاري.. بحكيلها عملتك انت ومكاسب وهي تصطفل معاك
-ويش سويت فيكي انا؟ وليش اسوي فيكي شي؟ انت اللي عقرتي وعنقودك انقطع ومولادك جف وماعاد بيكي خير،
ولزوم قصير يجيب الثالثه عليكي ياوجه البوم
-والله مولادي ماجف انت اللي سويتي فيه شي..
واني راح اصلي وادعي عليكي لبين ماربي يجيبلي حقي منك ياعجوز البين،
وبعرفك ياطماعه يابياعه، تلاقيكي خدتي قطعتين ذهب من خساير وسويتيلي شي خربتيني تخرب مصارينك انشالله
جندية:
- والله مكاسب ماتعرف الخبث اللي تفكري فيه، سبحان من خلاكم بنيات عم وضراير،
وحده شايله من الزين والعقل، ووحده كنها جنيه طلعت علينا بليله كحله من قلب الصخور
- جنيه تلبسك ياجنديه وتشيلك وترزعك عالأرض تفتفت اعضامك وماتخلي فيكي عضمة جار اختها .. والله لاقول لكل نساء القبيله جنديه الفقريه تاخذ ذهب وتخرب الحريمات وتقلب مولادهن.
- قلب وجهك لوجه قرد يافانص. غوري.. غوري لافتح قرنك.
قالتها ثم بدأت في جمع الحصى ورميه علي سدينه التي غادرت مسرعه على خيمة الشيخه عوالي
وفور ان أصبحت أمام الخيمة حتى جلست امامها وأخذت تصرخ وترفع الرمال وترميها على ملابسها وفوق رأسها:
واااااااااك عليكي ياسدينه وااااااك، وقعتي بيد مكاسب وجنديه وحده تقلبك والتانيه تعايرك... وااااك علي حظك واااااك.. انا لو ليا ضهر ماننضرب على بطني، لو جايبه الوليد مااكون ملطشة الفوانص خساير والخروية جندية.
خرجت عليها عوالي وهي تحمل عصى خشبيه وفوراً قامت بضربها على راسها وهي تهدر بها:
- صكري فمك وبطلي نواح رجفتي قلبي كنك لبسك جني
جاك محماط يمحمطك هتقضي علي في يوم يام وجه شوم،
ويش فيك شلتي تراب الصحرا كله فوق راسك الخربان اصمتي وفهميني.
- ياعمه... ياعمه... ياعمه..
- والعمى اللي يعميك تكلمي... قالتها وضربت سدينه بالعصى مرة اخري فوق رأسها.
- ياعمه مكاسب تعايرني وتجاكرني بولدها ودها تحرق قليبي، وجنديه خربتني صرت مااحبل ولا اجيب ولاد.. مكاسب عطتها دهب وقروش وحرير وسونها سوا
رواية عقاب ابن الباديه الفصل السادس عشر .
- حييييه عليا حيييه من وين جبتيلي هالحكي أنت؟
سدينة
- هنن متفقين بعرف بعرررف اصلاً مبينه والرضيع يفهمها، واللي مايفهم اللي سونه بيكون جحش، لا والله ماحصل جحش.
وهنا فتحت عوالي فمها بصدمة ورفعت عصاها هذه المرة لتنزل بها على سدينه تضربها في كل مكان وتصيح:
- يعني انا ماحصلت جحش؟ ياكلبة الوديان يام قمل ودبان، واللله اليوم لاقص لسانك واعلقه برقبة جحش من اللي تقولين عليه، ، لا وليش لسانك.. اليوم نحلقلك عاللحم واخليكي تشبهين مسعود الأقرع، بلكي اذا خف الشعر عن مخك يدخله الفهم.. مايزه.. يااامايزه جيبيلي المقص قوااااام.
سدينه سمعت هذا الكلام وانتفضت واقفة وامسكت نعليها كُل بيد وجرت من أمام عوالي وهي تصيح... - واااااك اعليا خربوني وخلوني مااجيب ولاد، وفوقها الشيخه ودها تحلقلي شعراتي،، وين اروح منكم يالظلااااام ويييين ارووووووح.
عوالي
- العمى اللي يعميك ياسدينه صايره مهبوله واهبالك كل يوم يزيد عن يوم.
مايزه:
- اعذريها ياشيخه قلبها محروق وتعرفينها تغار والغيره حاميه.. ومن يعرف يمكن مكاسب بدت تجاكرها وتكايدها، هي اي عاقله بس تضل ضره والضره مره وتتلون متل الحرابي.
عوالي:
- شيعيلي على مكاسب الحين ودي اشوف الحق مع من.. والعايبه ياويلها مني.
اتت مكاسب على الفور مع مايزه وهي تعلم ماتريدها فيه الشيخه وجميع دفاعاتها حاضرة..
فدلفت للخيمة واول مااستهلت به حديثها:
- وغلاوة ابني اللي ولد خوكي حارق قلبي عليه ماقصدت لا اغورها ولا اجاكرها، ولا جه ببالي اني اكايد بوليدي وحيدي واباهي بيه..
وبعرف ان اللي يباهي ويغور بنعمه تزول من يده واني ولدي عندي بالدنيا كلها.. اني حلفتلك بالغالي تصدقي تصدقي ياعمتي ماتصدقي ويش ماتحكمي بيه يمشي على هالرقبه.
- يمكن ماغورتي ولا جاكرتي بس تسرسبتي في كلامك وماحسبتيله حساب وهالشي يوجع يامكاسب، راعي انك كنتي بمكانها وقصير تزوج عليكي لانك قليلة ولد، المفروض قلبك يكون فيه حن عاللي خذت مكانك وانت الله عوضك ورزقك.
- بهاي الحق معك ياعمتي اني دجيت كلامي دج وماحسبته،بس والله كنت نحكي من قهري على وليدي اللي بعده عني قصير وحرمه من حناني واحضاني ورماه رمية الكلاب الجربه.
- ويش عمل فيه قصير يعني لتحكي هالحكي؟
- يرضيكي ياعمتي يحرم عليه مجلسي وخيمتي ويحطه مع الصغار بخيمتهم، ويقوله لا تسمع كلام امك؟
- اي يرضيني يامكاسب، اتركي الوليد لابوه يربيه وحيري ببنياتك. خلص خلفتيه وكبرتيه وماعاد الك حكم عليه، صار أمره بيد أبوه.. صكري فمك واللي يصير على كل الحريمات يصير عليكي واللي يصير علي وليداتهم يصير على وليدك، قولن مافي غيرها جابت صبي؟
والحين يلا ردي لخيمتك واذا اسمع شكوي منك مره تانيه بعمل فيكي اللي مايعجبك يامكاسب يابنت خوي.
- امرك شيخه، اخر غلطه العفو والسماح منك.
عادت لخيمتها وامام الخيمة وجدت قصير يشد أحد حبال الخيمة ويربطه جيداً في الوتد فاقتربت منه وبغضب حدثته:
- ان شاء الله ارتحت تو ياقصير بعدت عني وليدي الوحيد ورايح ترميه بحضان الوبا، وهو ماعنده اخو يسنده،ولا عندنا وليد غيره،
حتى بعد زوجناك لتجيب ظكور ماجبت.. زودت البنته بنيات..
الباين كيف مايقولو الراجل هو سبب جنينه ياوليد.. يابنية والمره مالها دخل.
قصير :
-ايش تقولين انت؟ .. يعني اتزوج الثالثه واشوف الذكور والبنيات مني ولا منكن؟
ماأنتو بنات عم وطرحكم كله واحد، وهي ماطلعت لامها طلعت عليكي بس تجيب بنيات..
لا وجايه ترمين السبب عليا، والله يامكاسب لو فيا حيل لوجع الراس لأجيب عليكم التالته والرابعه،
بس اللي حايشني عنكم اني مو فاضي واللي ورايا هم قبيله بحالها..
وبعدين انت ليش عامله مناحه، ليكون اللي بيصير مع ولدك ماصار مع غيره!
- وليدي مو متل غيره ياقصير، وليدي وحيد وخايفه عليه.. وبس جيت أسألك كيف قلبك طاوعك عليه؟
قصير:
اريده راجل متل عقاب ينضرب بيه المثل بكل مكان،
وادعي ربك ان وليدك ينولها
وصكري فمك، نا ساكت داير حساب ان قلبك متاخذ على وليدك.
-بس مو بهي الطريقه ياقصير، وماتروح ترميه لصبيان صغار يديرون فيه شو مابدهم، ويقسون عليه ويعذبونه، ويخلصون منه عذابك فيهم.. اشفق على وليدك الوحيد ياقصير لا تتركه بيد غريب..
-الغريب اللي تحكين عليه عقاب البوادي وصقرها، واريد ولدي يصير متله، والله وقتها ما اعطي حدا بكل القبايل معي.. وامشي رافع راسي للسما فيه اذا صار وليدي عقاب مثله..
والحين تصكرين فمك وتروحي من وجهي والا امد يدي عليكي يامكاسب وابلعك لسانك اللي مابقى يجيني من وراه غير اوجاع الراس
في اليوم الثاني خرج هلال مع آدم ورابح ورجوه وسالم لأول مرة، وقضى هلال ساعات النهار كلها معهم، ولأول مرة يمشي كل هذه المسافات، ولأول مرة يركض ليحضر الاغنام من هنا وهناك حتى انهكه التعب، وطوال الوقت امه مكاسب تدور في الخيمة قلقة. تتسائل تُرى ماذا حل به الآن وكيف حاله.. فهدرت بها رجوة التي كانت متكئة تأكل من حلواها الخاصة بتلذذ:
-ويش فيك يامكاسب متمغمطة بس غاب عنك هلال نهار! .. وانا اللي اغيب عنك يومين ولا شهرين ماتسألي فيا..
والله انك أم ظالمه وربي راح يشويكى على الصيخ كيف مانشوو الكبش وتنقطين دهن من كل مكان..
وانا راح امسك دراع الصيخ واديره لاجل تتحمري من كل جنب. فوق وتحت ليذوب اللحم ويقعد العضم
- الله يشويكي شوي يارجوه ويشوي لسانك الفالت.. خزي عليك اني امك يافانص كيف تحكي معي هيك؟
- اي كل ماتفوهنا بكلمة فانص وفانص.. انتي وعوالي الجنيه وكل ماامر على حدا يقولي وين رايحه الفانص من وين رداه الفانص، والله اللي يقولي يافانص مره ثانيه لأكون مسوياله مثل سالم واحطله تين فسرواله.
- والله انك ماتستحين ولا عندك حيا ياعديمة الحيا، وتو اطلعي من الخيمه واتركيني بهمي ولا اسوي حفره وادفنك بأرضك.
- الشيخه قالتلي ماتطلعين لحين تطيبين.
- قالتلك ثلاث ايام وليكي عشره راقدة وتتوجعي بالكذب، وكل اللي سوتها معك قامت وتجري وترمح بين الخيام مثل السعدان،
بس انت عجبتك النومه ومجايب سالم ليكي كل يوم ينزل الحضر مخصوص يحمل ويجيب ويحط بحجرك.
- وانت ايش قاهرك بنومتي ومجايب سالم؟ ما حتى انت طايلك من المحبه شوي، اسمع بالليل حس القرمشه وافتح عيوني اشوفك حاطه راسك بالكيس وتاكلين من حاجتي كيف الفار.
وما أرضى احوشك اقول خليها تاكل حرام يمكن تموت ونفسها بيهم واتسمم انا بعدها مااتهنى بيهم.
- والسسم اللي يسمك والله اذا ماطلعتي من الخيمه هالحين يارجوه لاجيب الشيخه عوالي تعاود عليكي الختان وتعلمك الادب.
صرخت بها رجوه بغضب:
- ويييش ضل تختنه ماضل شييي، خلي تقطع رجولي هالمره.
والله لاقول لابوي يجيبلنا ام غيرك وهانا في خيمتك وفرجيني ايش بتساوي.
-والله يارجوه لاكون قاصه لسانك بس اروقلك.. انما الحين انا مو رايقه.
- ايي ضلت رجوه للقصقصه كل اللي رايح واللي جاي يقص منها شي، قص اعماركن انشالله.
ظلت مكاسب على قلقها، وخرجت من الخيمة تراقب الطريق وتنتظر عودة إبنها، حتى رات سيارة قصير عائدة من بعيد، من ناحية وديان المراعي، فانفرج ثغرها عن إبتسامة وهي تردف لنفها:
- جا وليدي نبض قلبي جا.
ولكن حين اقتربت منها السيارة وجدت بها قصير والجميع ماعدا هلال إبنها.. فسألتهم بخوف:
- وين وليدي، وين هلال، ليش ماعاود معكم؟
ليجيبها آدم بهدوء:
- عمي قصير تركه وقاله يعود لحاله للخيام.
وهنا صرخت مكاسب صرخة جلجلت القبيلة، ثم هرولت علي خيمة الشيخه عوالي تشكوا اليها قصير وأفعاله:
- ياعمه.. عمتي عوالي..
عوالي:
تعي ياعمتي تعي ويش فيك حسك يرجف؟
مكاسب بعياط:
-تو انا ماصدقت حصلت نتفة اوليد وعشانه تحملت واجد ومازال انتحمل،
لكن ولد خوك قصير يريد يقتله وما واخذته بقلبي شفقة ولا ارحمة يرضيك ياكبيرتنا يرميه فالوادي بعد المغرب وسيبه ويقوله رد للديار اوحدك،كنت بلكي ذيب ولا سبع طلع كله وما رد، ويش اسوي انا بروحي؟...