رواية بستان حياتي
الفصل الرابع 4
بقلم سلوى عوض
بعد ساعات ، استيقظ الجد سليم على صوت الممرضة وهو يحاول أن يرفع رأسه ببطء. نظر حوله ليجد الممرضة قرب سريره، وبدأ يتحدث بصوت ضعيف ومتقطع:
الجد: لو سمحتِ يا بنتي، ابعتي لي الدكتور بسرعة، أو لو في حد من أهلي بره، لو لجيتي واحد اسمه فؤاد وواحد اسمه عمر، ابعتيهم.
الممرضة: (بتردد) يا حاج، الدكتور مانع الزيارة عن حضرتك.
الجد: (بتعب) معلش يا بنتي، ما عادش في وقت. حنّ عليكِ يا بنت، الله يراضيكِ، بس أنا محتاجهم.
الممرضة: حاضر، حاضر يا حاج. أنا هبعتهم لك على مسؤوليتي الشخصية.
خرجت الممرضة بسرعة من الغرفة، وعندما وصلت إلى الممر، نادت على الجميع.
الممرضة: (بصوت عالي) يا جماعة، في حد هنا اسمه الأستاذ عمر أو الأستاذ فؤاد؟
عمر: أيوة، أنا عمر.
الممرضة: لو سمحت، الحاج سليم عايزكم. أرجوكم، ما تتأخروش جوا علشان ما تسببليش في مشاكل.
فؤاد:حاضر يا بنتي، كتر خيركِ.
دخل فؤاد وعمر معًا إلى غرفة الجد. كان الجد سليم جالسًا على سريره، وعيناه مليئة بالحزن والغضب. بدأ يتحدث بصوت متقطع، وكأن الألم يعتصر قلبه:
الجد (بحرقه): عمر، يا عمر! خيتك مالها يا ولدي؟ بتي فيها إيه؟ إيه اللي حصل لها؟.
عمر: (محاولًا تهدئة الجد) ما فيش يا جدي، الحمد لله، ادعي لها، إن شاء الله هتبقى كويسة. أهم حاجة نطمن عليكم، وبعد كده كل حاجة هتبقى محلولة، ما تقلقش، كله هيتحسن.
الجد: (بغضب) يا فؤاد، ما توجفش كده، اتصل لي، اتصل لي بأخوك في مصر، ضروري، لازم ياجي.
فؤاد: (بتساؤل) حضرتك عايز جمال ليه يا أبوي؟ مش فاهم.
الجد: (بتنبيه) يوه، أنا بجول إيه! يلا يا ولدي، بطل رَطّ في الكلام. ما فيش وقت، اتصل بيه دلوقتي وجوله يجيب ولده معاه .
بسرعة، التقط فؤاد هاتفه واتصل بجمال.
فؤاد: (على الهاتف) السلام عليكم يا جمال، أزيك ياخوي ، اتوحشتك.
جمال: أهلاً يا أخوي، مرحبًا. توحشتك جوي. عامل إيه؟
فؤاد: الحمد لله يا خوي، بس مش وقت سلامات. أبوك وبنت أخوك في المستشفى، أرجوك تعالى بسرعة. الحاج سليم بيقول خلي ابنك سليم يجي معاك.
جمال: (بتوتر) في إيه؟ مالهم يا فؤاد؟ مش فاهم حاجة منك.
فؤاد: لما تاجي هتعرف، يلا يا خوي بسرعة. أنا مش جادر أشرح لك دلوقتي.
الجد: يقاطعه هات محمولك، دلوقتي تكون عندي انت وولدك.
جمال: مالها بستان يابو ؟ حصل لها إيه؟ مش فاهم.
الجد: (بألم) لما تاجي يا جمال، ما فيش وقت.
جمال:حاضر، أنا جاي بسرعة.
وضع جمال الهاتف سريعًا وقال لـ سليم وهو يتجه نحو الباب:
جمال: سليم، كويس إنك موجود، يلا بينا عشان جدك وبنت عمك في المستشفى.
سليم: (مندهشًا) ليه؟ لا قدر الله، في إيه؟
جمال: (بتوتر) مش عارف يا ابني، مش فاهم حاجة منهم، يلا بس.
سليم: (بتردد) طيب، أمي وإخواتي مش هنقولهم حاجة؟
جمال: (بحسم) نقولهم إيه؟ لما نوصل ونطمن عليهم، بعدين هنشوف.
---------------------------------
في اليوم التالي، وصل جمال وابنه سليم إلى المستشفى في الصعيد، وقلوبهم مليئة بالقلق والخوف. بينما كانوا يدخلون، رأى فؤاد مهرولًا تجاههم، وعلامات الارتياح على وجهه.
فؤاد: الحمد لله إنك جيت يا جمال، تعالى يا أخوي، توحشتك.
جمال: (بتوتر) في إيه يا فؤاد؟ قلقتوني، أبوك ماله وبنت أخوك مالها، في إيه؟
فؤاد: (بأسف) ليه بس هملتنا يا أخوي وسبتنا للهم والمرارة. لا مؤاخذة، يا سليم، يا ولدي، حقك عليا. عامل إيه، وأمك وإخواتك عاملين إيه؟
سليم: (بهدوء) الحمد لله، يا عمي. طمني، في إيه بس؟
فؤاد: (بجدية) تعالى يا ولدي، خشوا لجدك وهتفهموا كل حاجة.
دخلوا جميعًا إلى غرفة الجد. كان الجد يجلس على السرير، وقد بدت عليه علامات الضعف، لكنه كان عازمًا على التحدث.
الجد: (بصوت مفعم بالقلق) عمر، اجري يا ولدي بسرعة، هات ماذون.
عمر: (مندهشًا) ماذون ليه يا جدي؟
الجد: (بإلحاح) اسمع الكلام يا ولدي، ما تتعبش قلبي.
عمر: (مستسلمًا)حاضر يا جدي.
ذهب عمر بسرعة، بينما كان الجد يوجه حديثه إلى سليم.
الجد: سليم، أنت ولدي وعارف إنك راجل. ارجوك، لازم تكتب على بستان ضروري. لازم نحميها من اللي فريد بيعمله فيها.
سليم: (متسائلًا) فريد؟ فريد عمل إيه؟
الجد: (بأسى) يا ولدي، قلبه قاسي. ما فيش فيه لحظة حنية. ربنا يهدي له حاله، ما عرفش طالع قاسي لمين.
جمال: (مستاء) مش عارف طالع قاسي لمين. ما هو تربيتك. لازم يطلع زيك. الحمد لله، أني بعدت ابني عنك عشان ما ياخدش نفس القسوة اللي فيك.
سليم: أرجوك يا بابا، مش وقت الكلام ده. في إيه يا جماعة، فهموني.
الجد: (بألم) ما فيش يا ولدي، اكتب على بنت عمك. وبعد كده نحله كل حاجة. المهم البناية يا ولدي، هتروح منينا، وما ذنبهاش في اللي بيحصل. أنا السبب، أنا اللي خليتها تكمل تعليمها من غير ما فريد يعرف.
جمال: (بجدية) ما أنت لازم تكفر عن ذنبك. وانت طول عمرك هتفضل تعمل في ذنوب، واحنا نفضل نغفر ونسامح.
وجه جمال كلامه إلى سليم:
جمال: أرجوك يا سليم، عشان خاطري، أنا لازم تتجوز بنت عمك وتحميها.
سليم: (مستغربًا) أحميها من مين ومن إيه؟
فؤاد: (بقلق) البناية يا ولدي، حالتها تصعب على الكافر.
انزلت دمعه من عين جمال وهو ينظر إلى ابنه.
سليم: (بصدمة) أنت بتبكي يا بابا ؟
جمال: يا ابني، أرجوك، احميها.
الجد: هي فاضل لها سنة وتخلص الجامعة. حتى لو تتجوزها، لحد ما تخلص الجامعة. ولو ما ارتحتوش، ابقى طلقها لو عايز.
سليم: (بتردد) حاضر يا جدي، بس لما تفوق، طيب؟
الجد: (بإصرار) لا، يا ولدي، هي عاملة لي توكيل. وأنا هكتب لكم بالتوكيل.
سليم: (متفاجئًا) طيب، أفرض يا جدي هي اعترضت
الجد: (مطمئنًا) ما تقلقش، ما تقلقش يا ولدي، كل حاجة هتبقى زينة.
فؤاد: (بتردد) يا أبويا، أنت متأكد من اللي هتعمله؟
جمال: ما قدرتش تمنع اللي بيحصل ده ليه يا فؤاد؟ أنت بقيت سلبي قوي ليه كده؟ من ساعة اللي حصل، أنا مش عارف في إيه. يعني أنا سبت لكم الدنيا ومشيت ، وبرضه ورايا في مشاكلكم. على العموم، سليم هيعمل الي انتو عاوزينه ، عشان خاطر البنت الغلبانة دي، وعشان خاطر عضم التربة كمان.
--------------------------
بعد لحظات، وصل الماذون ليكتب الكتاب. كان الجو في المستشفى مليئًا بالتوتر والقلق. سليم كان في حالة من التردد، لا يعرف ماذا يفعل، ولكنه شعر بضرورة أن يطمن على بستان.
سليم: بعد اذنك ياجدي لازم اطمن على بستان
ينصرف سليم بعد ان ياذن له الجد
سليم: يا دكتور، عايز أطمن عليها. لازم أدخل وأشوفها.
الدكتور: هي في دنيا تانية، صدقني وجودك جنبها زي عدمه دلوقتي.
سليم: (بإصرار) معلش يا دكتور، خلينا نعمل محاولة.
الدكتور: (مستسلمًا) حاضر، اتفضل يا أستاذ.
دخل سليم إلى الغرفة بهدوء، ولكنه شعر بشيء غريب داخل قلبه. كان يعلم أن بستان هي بنت عمه، لكنه لم يكن يدرك حجم الألم الذي سيشعر به عندما يراها في هذا الوضع. نظر إليها وكان قلبه يكاد ينفطر.
سليم: (وهو ينظر لها بحزن عميق) إيه اللي حصل ليكي ده؟ ماذا حدث لكِ يا صغيرتي؟ من تجرأ ليفعل بكِ كل هذا؟ وعد مني أمام الله، سأحميكِ حتى من نفسك. نعم، أعترف أنني لم أحبكِ في البداية، ولكن براءتكِ واحترامكِ يجبروني على أن أحافظ عليكِ. لقد وعدت جدي، وأعاهدكِ ثانيةً أمام الله أن تكونين في عيني. وليفعل الله ما يريد.
بينما كان سليم يهمس بهذه الكلمات، بدأت بستان تستعيد وعيها، ولكنها كانت في حالة ف*""زع. عينيها تفتح ببطء، ونظرتها مشوشة، لكن صوتها كان مليئًا بالألم والخ***وف.
بستان: (بصوت ضعيف) فريد... لا، أرجوك، ما عملتش حاجة...
سليم: (بهدوء وهو يربط على يدها) اهدي يا بستان، متخافيش. أنا سليم، أنا جنبك. محدش هيأذيكِ تاني، وعد مني.
بستان: (تفتح عينيها بشكل كامل) جدو! جدو! جدو، أنت فين؟ يا حبيبي، الح**"قني! أرجوك، الحق**ني! (وتبكي بحر***قه )
سليم: (مسح دموعها بلطف) أنا جنبك يا بستان، ما تخافيش. انتِ كويسة إن شاء الله، وجدك كويس برضه، إن شاء الله. معلش، اللي حصل ده كان غصب عن الكل، ما حدش كان يعرف. بس إحنا هنحميكِ بفضل الله، وفريد هينال جزاؤه.
بستان: (بصوت باكٍ) أبيه ... سليم، أنا فين؟ وإيه اللي حصل؟
سليم: (بلطف، وهو يحاول تهدئتها) حبيبتي، أنتِ في المستشفى، وإن شاء الله هتكوني كويسة، وهنعدي كل ده. أنا عايزكِ تبقي قوية يا بستان. إن شاء الله هتكملي تعليمك، وفريد مش هيقدر يقرب منك تاني.
(يتردد سليم للحظة، ثم يتنهد، وعيناه مليئة بالألم)
سليم: (بالتردد) أنا عايز أقولك على حاجة يا بستان. أنتِ سامعاني؟ إحنا انكتب كتابنا، والقدر حطنا في طريق بعض. لازم تفوقي وتبقي أقوى من الأول. جدك تعبان وهيعمل عملية، وقال إنه مش هيطمن عليكِ غير معانا. فأنا بوعدك، أنا عمري ما هغصبك على حاجة، أنا هقف جنبك لحد ما تكملي تعليمك وتاخدي شهادتك اللي بيها تقدري تتحدي العالم كله.
سليم: (يكمل بجدية) مكنش قدامنا حل غير كده. أنتِ بنت عمي واختي، وأنا عندي أخوات بنات. وصدقيني، هحافظ عليكي. يلا، قومي بقى، شدي حيلك، عشان جدك هيتجنن من قلقه عليكِ. فوقي يا بستان، ما تديش فرصة لحد إنه يدمر حياتك.
بستان: (تنهض برأسها قليلًا وتهمس) أهم حاجة... جدو... يا سليم...
سليم: (بصوت حازم) ما ينفعش جدك يشوفك في الحال ده. لازم تبقي قوية. بستان، أرجوكي ساعديني وساعدي نفسك.
كانت الكلمات تخرج من سليم وكأنها خيوط أمل تحاول أن تشد بستان من حالة اليأس التي كانت فيها. قلبه كان ينفطر، ولكن عقله كان مصممًا على حماية بستان مهما كلفه الأمر. هو لا يستطيع أن يتركها في هذه الحالة، كما أن وعده لجدها كان شرفًا يجب عليه الوفاء به، مهما كانت الصعوبات.