رواية الماسة المكسورة
الفصل السابع والثلاثون 37 جزء ثاني
بقلم ليله عادل
مجموعة الراوي
مكتب سليم الخامسة مساءً.
نرى سليم يجلس على مقعد مكتبه، ساند ظهره ورأسه على ظهر المقعد، ينظر لأعلى بشرود، يفكر في كل ما حدث منذ عودته من السفر، في تلك المشاكل والصراعات التي أوقع نفسه فيها مع أعداء المجموعة، والتي لم ينجي منها شيئًا سوى دخوله في العديد من المشاكل مع أقذر العصابات الوحشية في العالم، وتعرض ماستة للخطر بسببها، حتى وصلت إلى خطفها! وربما يحدث لها شيء مشابه مرة أخرى إذا ظل يسير في تلك الأعمال، وهذا ما لم يرضَ به أبدًا.
غير تلك المؤامرات التي عرف بها مؤخرًا، نعم فهو ما زال لا يعرف كل المؤامرات التي تُدبّر له من عائلته، سواء من عماد الذي يحاول تفريقه عن زوجته، لكنه علم ببعضها، فشعر أنه أصبح على حافة الهاوية. وإذا استمر في السير في تلك الطرقات، سينتهي. فهو لم يُرد تلك الحياة، بل كان يتمنى أن يعيش حياة أخرى بريئة نقية، كما تخيّل مع قطعة سكرته. أن يعمل عملاً نظيفًا بعيدًا عن أعمال عائلته غير القانونية، ويعيش في منزل خشبي بسيط مع زوجته وأبنائه. أن يصبح شخصًا آخر يستحقها كما تعاهد لها ولنفسه.
وبسبب ولاءه لعائلته بعد طلب العون منه، ضلَّ طريقه مرة أخرى، وتخلى عن جميع أحلامه، وأيقظ فيه شخصًا كان يتمنى التخلص منه.
أخذ يفكر ويشعر بالاختناق، فيوجد حرب تدور داخله. ماذا يفعل؟ هل يأخذها ويغادر مرة أخرى ويترك عائلته في أمس الحاجة له؟ أم يستمر في تلك الطرقات التي بالتأكيد لم يجني من ثمارها سوى الخراب والدم؟ هل عائلته تستحق تخليه عن أحلامه والعيش بسلام مع زوجته حتى لو لفترة مؤقتة؟ فهو لم يتخيل أو لم ينوي ما حدث من بناء عدوات بهذا الشكل...
تنهد بضجر ومسح على وجهه بتعب مضطرب. نظر بعينيه إلى لعبة كرات توازن نيوتن المتأرجحة، سحب أحدهم، فضربت الكرات بعضها أمام عينيه وهو مسلطهما لدقائق. طرق الباب، دخل مكي وجلس أمامه، وما زال سليم على نفس الوضع.
مكي: سليم
لكن سليم مازال شارد يفكر في حل..
نادى مكي مرة أخرى: سليم.
سليم وعينه مسلطة على تلك الكرات قال بنبرة بها نوع من الاضطراب: أنا قررت أبعد.
نظر مكى له متعجباً بعدم فهم: تبعد عن إيه؟
سليم وعينيه ما زالتا على تلك الكرات وهي تضرب بعضها، قال: مستحيل أسمح إنها تتعرض للأذى تاني. وطول ما أنا بشتغل في الشغل ده، هتحصل تاني وثالث وألف. عرفوا إنها الأيد اللي هيتجاب منها، إنها نقطة ضعفي. أنا لسه مرعوب يا مكي عليها، بسبب اللي عملته مع أعدائنا، حاسس بذنب حاسس بالخوف.
مكي بعقلانية: أنت شبه خلصت عليهم أخرهم محمود، ولو هتتكلم عن إريك وتيمو ما اعتقدش إن هما هيعملوا حاجة يعني أعتقد هيخاف بعد إللي حصل في الإجتماع.
سليم: بس ماينفعش أثق مينفعش أأمن وإلا هتكون نهايتي.
رفع عينه له موضحاً بضيق ممزوج بأسى خنق نبرة صوته:
ماكنتش عايز كل ده يحصل، كنت ناوي أنقذ العيلة وبس وارجع تاني، لقتنى دخلت في قصص كتير ورا بعض، جنوني وكبريائي عماني بس والله مكانتش هتتحل إلا كدة، بس ياريتها ماتحلت ولا حصل كل ده، بس خلاص كفاية لحد كدة،
أنا كل مدا بغرز في الوحل أكتر وأكتر، وماسة إللي هتكون الضحية،(بحيره) بس الباشا محتاجني مستحيل أتخلى عنه، مافيش غير حل واحد، وهو إني أبعد عن الشغل التاني، وأى شغل غير قانوني ماليش دعوة بيه.
مكي: قولتلك ماسمعتش الكلام.
سليم بندم: عارف إني غلطت، وكبريائي عماني ومنعني من رؤية الحقيقة، والثقة الزايدة وقعتني في الغلط. بس مش مهم، غلطة وتعلمت منها، ومستحيل أستمر فيها.
أكمل وهو يبتسم بشغف بعينين تلمعان:
ـأنا محتاج أحقق وأعيش الحلم اللي تمنيته مع ماسة، أكون سليم اللي تستحقه، وأكون أب محترم لأولادي. في المستقبل هما ما يستاهلوش يكون ليهم أب زيي، عنده كل المشاكل وأعداء دي، ممكن في أي لحظة هما يدفعوا ثمن أخطائي، عايزهم يتشرفوا بيا، يكونوا فخورين بيا. أديهم من الأمان الحقيقي، ما أبقاش خايف في أي لحظة ممكن يدفعوا ثمن أخطائي. مش عايز الحياة دي، إللي طلعت مني شخص أنا ما بحبهوش وبخاف منه. أنا حياتي كلها حرام في حرام. أكيد ده إنذار من ربنا عشان أبعد عن الحياة الزبالة دي، ماسة ما تستحقش تعيش مع واحد زيي. هي بتثق فيا، مستحيل أخذلها في ثقتها. لازم أكون سليم اللي هي متخيلاه يا مكي.
مكي بتأييد: وأنا معاك كفاية كدة، فعلاً وسعت أوي موضوع التابيللو لوحده مصيبة.
زم سليم شفتيه بضيق، هز رأسه بإيجاب وقال: عارف. وبعد خطفها...
ضرب كفًا بكفه بمعنى خلاص. ثم قال: "خلاص كده، اللعبة انتهت. أنا هابلغ الباشا، وهعمل عمرة وأتوب عن كل حاجة. إنت كمان هتبطل الشغل ده، وتستغل معايا بشركة، هفتح شركة السياحة اللي وعدت ماسة بيها. وكفاية عليا شغل الفنادق، نشتغل عليهم، وممكن كمان شغل العقارات. أنا أصلاً مش ناوي أكمل مع الباشا غير كام سنة بس. اتأكد إن ياسين عضمه قوي وهيعرف يسد، وأخد مراتي وأبعد وأحقق الحلم
تبسم ابتسامه واسعه شغوفه وهو ينظر بعيداً بتأمل:
ببيت صغير على نهر.
مكي بتفهم: يا سليم، أنا معاك، وقايلك أنا معاك من زمان لما خدت القرار ده.
أكمل بضيق وتوتر: "وصدقني، أنا كمان بعد إللي حصل مع ماسة وسلوى اتضايقت أوي، حطيت نفسي مكانك، إنهم ممكن يجيبوني بمراتي، يعني ملهاش ذنب غير إنها حبتني ودخلت حياتي. حياتي اللي أصلاً خطر. أنا كده هبقى أناني، ومهما حاولت أدافع عنها وأحافظ عليها، برده هيعرفوا يوصلوا لها، للأسف الشديد. اتوجدنا في حياة غلط، بس إحنا لازم نبعد عنها عشان نحافظ على حياة الناس اللي في حياتنا وبنحبهم.
توقف سليم: انا هروح ابلغ الباشا بقراري.
مكي: بسرعه دي.
سليم هز راسه بإيجاب: امم بسرعه دي.
تحرك سليم خارج المكتب متوجهه الى مكتب عزت.
مكتب عزت
عزت يجلس على مكتبه يقوم بلملمت متعلقاته طرق باب دخل سليم، رفع عزت عينه نحوه بإبتسامة.
عزت: سليم تعال رجعت تاني.
سليم وهو يتحرك: قولتك هرجع تاني.
جلس على الاريكة وهو ينظر لعزت قال: كنت عايز أتكلم مع حضرتك شوية.
نظره له عزت وقال بتفهم: مادام قعدت هناك يبقى أكيد عايز تتكلم معايا في موضوع مهم.
نهض عزت وتقدم نحو سليم وجلس على المقعد بجواره وهو يفتح ظهر بدلته ليجلس بارتياح.
عزت بتساؤل: خير، قول، أنا سامعك، يا مغلبني.
سليم متبسمًا: أنا مغلبك!! ده أنا أكتر واحد من ولادك ما بعملش أي حاجة تغلبك ولا تحط راسك في الأرض.
عزت بتفسير: مظبوط، بس أنت مش مغلبني بمشاكلك، مغلبني بدماغك الناشفة اللي ما بتسمعش غير كلامها وبس.
سليم بثقة: أعتقد ده أفضل من تصرفات طايشة تهز سمعة العيلة. كفاية رشدي عليك.
تبسم عزت: عندك حق، طول عمري مش حاسس إني مخلف، كلكم هاديين، إلا رشدي، والله ما عارف طالع لمين؟! ما عنديش حد كده ولا حتى في عائلة والدتك، كلنا بنخاف على اسم العيلة، وبناخد بالنا جدًا وبنحذر في تصرفاتنا، إلا رشدي مش قادر يفهم مكانته ولا مكنتنا.
سليم بعقلانية: والله يا باشا أنت اللي مش عايزني أشد عليه، كل ما أحاول أعمل حاجة توقفني وتقول لي عشان خاطري بلاش. مش عارف هتفضل كده لحد إمتى؟ يا بابا لازم توقفه، صدقني، رشدي طول ما هو شايف إن إحنا كلام وبس، وما فيش أفعال، هيتمادى في تصرفاته. يمكن الفترة دي هو لامم نفسه لإننا لسه مرجعين المجموعة قريب زي ما كانت، وبنحاول نحافظ على اللي وصلنا ليه عشان ما نخسرش تاني، لكن صدقني بعد كده، مجرد ما يحس إن إحنا رجعنا زي زمان، هيسوق فيها بزيادة.
عزت تنهد بتعب: والله يا سليم، أنا عارف. زي ما قلت، هو لامم نفسه الفترة دي، فمش هينفع أعمل أي حاجة، لكن لو عمل حاجة، صدقني ساعتها هتتدخل.
سليم بعقلانية: تمام، بس الحشيش اللي بيشربه ورجوعه الأغلب الليالي سكران، ومش داري، حاجة برده مقلقة ومش لطيفة.
عزت بتأييد: إنت عندك حق. سيبك من رشدي عشان لو فتحنا الكلام فيه مش هنخلص. قول لي مراتك عاملة إيه؟ تخطت الموضوع بجد؟ ولا أنت قايلها تمثل قدامنا إنها متخافش؟ أصل أنا عارفك."
سليم تبسم بلطف: أكيد يعني يا بابا، مش هقول لها تمثل، دي مشاعر طبيعية. أنا بس حاولت أتكلم معاها وأخرجها من اللي هي فيه. بصراحة دي أكتر حاجة مضايقاني إني عرضتها لحاجة زي كده. عشان كده فكرت في حاجة وقررت وجاي أبلغك القرار.
نظر له عزت باستغراب وهو يعقد بين حاجبيه: قررت يعني، حتى مافيش مجال للمناقشة فيه؟
سليم متبسمًا: لا يا بابا، أكيد هتكلم معاك.
عزت: ما بلاش باشا دي بقى، قول لي يا بابا. إحنا قاعدين هنا مش قاعدين على المكتب.
سليم: ماشي يا بابا...
أكمل بجدية ممزوجة بعقلانية، بعينين تلمعان بشغف وصوت مليء بالإصرار: أنا عايز أبعد عن الشغل التاني، أو أي شغل في مشاكل، أو ممكن يعرضني أو يعرض أي حد يخصني للخطر. فأنا منسحب من أي شغل غير شرعي، أي شغل غير سليمو غير قانوني، يعني مش هقدر أسافر تاني ولا هقدر أتواصل مع حد وأتمم صفقات عشان نجيب الماظ أو ذهب مهرب بطرق غير شرعية، زي تعاملاتي مع مستر ريمون مثلًا وغيره. لكن طبعًا الذهب والألماظ اللي بيجوا بطرق شرعية من المناجم اللي تخصنا أو المناجم المعروفة أصلها وقانونية، عادي طبعًا أشتغل فيها. وتجاره الآثار كمان وما شابه من المقتنيات الثمينة، والملكية، واللوحات، أنا كمان منسحب منها. أي حاجة تخص التهريب أنا برها. لكن غير كده يا بابا، أنا آسف. أنا أصلاً بفكر، بلاش نكمل في الموضوع ده، والسكة دي. يعني إحنا مش محتاجين لها. شغل البترول والماس، وشركة الشحن، غير إن إحنا محتكرين القمح وفول الصويا اللي بيدخل مصر وبعض البلاد المجاورة، كفاية. دي ثورة قومية، وإحنا خلاص بقينا شبه محتكرين السوق المصري والعربي في بعض المنتجات الغذائية. أنا عارف إن إحنا الفترة اللي فاتت خسرنا ملايين، وكنا على وشك بيع ممتلكاتنا، وإننا برضه لسه مرجعناش زي الأول بنفس الهيبة والقوة. وإن حضرتك محتاج كام صفقة عشان نرجع نفس القوة الأولانية. بس أنا ممكن أعمل كده بطرق ما لهاش علاقة خالص بتجارة الآثار أو الألماظ ولؤلؤ، والذهب المهربين. عمومًا القرار قرارك في الآخر، لكن أنا بره. بس الأكيد وقت ما تحتاجني هتلاقيني. يعني لو حصل أي مشكلة أكيد هكون موجود، غير كده آسف.
عزت بعقلانية: سليم، أنا محتاجلك. قرارك، أنا متفهم جدًا، خصوصًا لأنه طال مراتك. ودي أول مرة تحصل لنا، وأول مرة يحصل تهديد من نوع ده لأحد أفراد عائلة الراوي. بس لو سمحت، فكر تاني، على الأقل الفترة دي.
نظر له سليم وتحدث من قلبه: مش بس عشان اللي حصل لماسة! كده عشاني أنا كمان يا بابا. أنا كمان لو فضلت مستمر هكون مهدد في أي لحظة بالقتل. رصاصة بملاليم، قادرة تنهي كل حاجة، حياة كاملة، سعادة ودافئ، وأرمل مراتي، ويتم ابني في المستقبل.
قاطعه عزت متعجبًا متسائلًا: "هي ماسة؟
قاطعه سليم وهو يهز رأسه نافيًا: "لا طبعًا، حضرتك عارف الدكتور قال مش قبل سنتين أو ثلاثة. بتكلم في المستقبل. أنا عايز أبعد. بصراحة، عايز أكون جدير بماسة. حابب أكون الإنسان اللي يستحقها، إنسان سوي، حياته مافيهاش مشاكل، ولا أي مؤامرات أو عصابات أو مخاوف أو خطر.
أكمل بعينين تلمعان بشغف، وتحدث من أعماق قلبه بوجه لا يعتاد عزت على رؤيته: أنا نويت أتوب عن سكة الحرام عشان أعيش أنا ومراتي وأولادي في المستقبل حياة ما فيهاش أي مخاطر، عايز حياة هادئة، ورايقة، بيت صغير على البحر بعيد عن الهمّ والمشاكل، شركة أبتديها أنا باسمي من غير عائلة الراوي، همشي فيها خطوة خطوة من غير أي مشاكل، وأخلف ولدين وبنتين. حياة زي اللي كنت بتمناها وبحلم بيها وأنا مسافر. كنت راسم خطط وشكل معين لحياتي معاها، غير ده خالص. لكن اللي حصل خلاني أاجل خطتي دي كام سنة، لحد ما نوقف المجموعة دي زي ما كانت زمان وأقوى من الأول كمان، وجاهز ياسين كمان عشان هو اللي هيقعدني مكانك، حضرتك.
كان عزت يستمع له بابتسامة جميلة ممزوجة بتعجب، فلأول مرة يتحدث سليم بهذا الشكل معه كأب وابنه عن أحلامه وطموحاته، والطريقة التي يتمناها أن يعيش بها، ذلك الوجه الذي يبدو أن عزت يراه لأول مرة.
نظر عزت له بابتسامة تحمل سعادة وتأثرًا وقال: أنا سعيد جدًا إنك لأول مرة تتكلم معايا بالشكل.
مد يده وهو يضعها على مكان قلب سليم وقال: من هنا...
ثم ثم وضع يده على جبينه وقال:
ـ مش من هنا...
ابتعد وأكمل وهو يتحدث بتأثر:
يعني كأب وابنه، بقالنا سنين ما قعدناش القعدة دي. أنا فاكرهم واحدة واحدة. قعدناها مرة لما طلبت منك بلاش تخلي لورجينا تنزل الطفل، وتتجوزها، وانت رفضت، لأنك طبعًا كنت شايف نفسك غير مؤهل في الوقت ده إنك تبني عيلة ويبقى عندك أولاد. وكان عندك طموحات، وشايف الحياة بشكل تاني. ومره كمان لما عفت داتك ماتت، وكنت زعلان أوي. ويوم لما ماسة سقطت البيبي، شفت دموعك لأول مرة من سنين طويلة. وساعتها حطيت راسك على كتفي وبكيت. صدقني دموعك وراسك اللي مالت على كتفي هزوني جدًا ووجعوا قلبي عليك. وقتها حسيت إنك لسه بتعتبرني أبوك. ودي رابع مرة، أول مرة تتكلم بصراحة وتبوح عن أحلامك، قد إيه بسيطة.
تبسم سليم وقال معلقًا بمزاح: في أمل، أهو نعيش مع بعض كعيلة حقيقية.
عزت بلطف وحنان الأب: إنت طول عمرك بعيد عن نفسك يا سليم. أنا مش هتكلم عن فايزة، أنا فاهم أسبابك، بس أنا عمري ما كنت معك أب سيئ أو مش حنون، بعيدًا طبعًا عن مشكلة ماسة، واللي حصل، واللي أنا قلتلك في الفندق. صدقني أنا ندمان، أنا طول عمري بحبك جدًا، وبفضلك عنهم، حتى عن ياسين وفريدة، لأني بحسك شبهي. ما عندكش طمع ولا ضغائن لأخواتك، ولو حاربت على الكرسي، عمرك ما هتحارب بخسة وندالة ودم. هتحط في اعتبارك إنهم مهما كان أخواتك، وعارف كمان إنك ما عندكش أي اعتراض إنك تقسّم الكرسي، وكلكم تبقوا إيد واحدة، كلكم تبقوا ملوك، الحاجة اللي كان نفسي أعملها مع أخواتي وفشلت فيها، لأن للأسف أنا كمان أخواتي كانوا زي أخواتك كده. أنا حقيقي حزين إني بتكلم عن ولادي بالشكل ده، بس هي دي الحقيقة. أنا شايف إن أنا ما خلفتش غيرك أنت وفريدة وياسين، أما رشدي وصافيناز ربنا يهديهم، قبل ما اسمهم يقتلهم.
سليم تساءل متعجبًا: وطه فين يا باشا؟"
عزت بحذر: غلبان، بس الطيبة الزيادة بتجيب مشاكل، وبترها أفضل. إحذر من الطيب، لأن طيبته وسكوته على الغلط بيجيب كوارث يا سليم. رشدي وصافيناز طريقة تفكيرهم معروفة، عاملين إزاي! معروف حدودهم إيه، وآخرهم إيه، لكن الطيب الساكت ده!! يخوف أكتر لأنه ما يبقاش مكشوف، دايمًا ورق مخبيه. عشان كده أنا عايزك دايمًا تحذر من طه، وبما إنه معاه واحدة زي منى، لازم حذرك يبقى أكبر.
سليم بطيبة: إنت عندك حق، بس ما أعتقدش إن هتوصل معاه للدرجة دي. يعني أعتقد وقت ما يحصل خطر هيتكلم. طه مش ساذج ولا غدار، وواثق إن وقت ما يكون في خطر مش هيسكت
عزت بحسم: عموماً لازم تفهم حاجة واحدة، انسى إني وافقتك إنك تحط ياسين مكانك. أنت اللي هتقعد ياسين لو قعد هينهو. أنت عارف قصدي كويس.
سليم بعقلانية: بالعكس، هم بيحبوا ياسين جداً، حتى رشدي بيحب ياسين. يمكن لو قعدت وقتها يحصل اللي حضرتك بتفكر فيه وخايف منه، ويتلوث الكرسي بالدم. عشان كده أنا مش عايز يوصل بينا إحنا وأخواتي، وإيدنا تتلوث بدم بعض. لكن ياسين الكل بيحبه، وصدقني، ياسين لو أخد الثقة والقوة هيبقى زي، بل بالعكس هيكون أحسن مني. عشان أنت عارف، أنا لما بتجنن ما بشوفش قدامي. هو بقى ما بيتجننش، بيفضل عاقل وهادئ وبيتصرف بعقل وحكمة. هو الأنسب مني، صدقني."
عزت بحكمة: الكرسي ده مش دايماً محتاج حكمة وحسن تصرف. أحياناً بيحتاج الجنون والمخاطرة. عشان خاطر المجانين والخاينين زي صافيناز وعماد ومنى ورشدي، دول مينفعش معهم عقل. دول يحتاجوا حد مجنون، عنده سوء نية، وقلبه أحياناً بيعرف يخليه أسود عشان يقدر يبعد عن أذاهم. عموماً، إحنا لسه بدري على الموضوع ده. أنا لسه عايش يا ولد، وقاعد على الكرسي. مش هقوم من عليه إلا لما أموت. أنا بس بحذرك وبقول مين اللي هياخد مكاني.
سليم باحترام وتقدير: بعد الشر عنك يا بابا، ربنا يديك طول العمر ويخليك لينا، ودي حاجة أكيدة، أنت الملك، مش محتاج نقاش. المهم... ها، تمام على اللي أنا قلته. أنا بنسحب من اللعبة.
عزت تبسم معلقًا: هو سليم ينفع حد يتناقش في قراره؟!! حتى لو سليم وافق إنه يتناقش! هو بيبقى حاسم أمره، وبيتناقش بس عشان يبين قد إيه هو ديمقراطي مش ديكتاتوري، عارف، انت بقى وارثه من فايزة الموضوع ده، العند والدكتاتورية. لكن، يعني، اهو اتناقشنا وأنا فهمتك قد إيه أنا محتاجك، بس برضو هتنفذ اللي في دماغك. مستحيل ترجع. عموماً يا سليم، قرارك أنا هحترمه جداً، بس أوعدني وقت ما تحتاجني هتكون موجود."
سليم: ده أكيد طبعًا يا بابا.
عزت: وما تبلغش حد بقرارك ده لحد. سيبني أنا أبلغ فايزة، عشان انت عارف فايزة لو ما قلنا لهاش هتعمل مشاكل كبيرة، وأحنا مش عايزين ذعابيها الأيام دي. إنما أخواتك؟ لا، مش هيعرفوا حاجة لغاية ما أنا أقولهم. مفهوم؟
سليم: اعمل اللي انت شايفه صح.
عزت تسأل باهتمام: ها، وصلت لحاجة؟ عرفت مين ساعد محمود؟
هز سليم رأسه بنفي: لا لسه، بس إحنا شاكين إن حد من الحراس عندي ساعده واداله معلومات عن أماكن الجاردات.
عزت بتعجب: بس رجالتك بيحبوك مستحيل حد فيهم يخونك؟!
سليم بعقلانية وأعراض: مافيش حاجة اسمها مستحيل، الفلوس بتعمل أي حاجة. أنا مش باثق في حد غير مكي وعشري، وهما ماخدوش الثقة دي غير بعد سنين واختبارات كثيرة. الباقي لا. حتى إسماعيل مش باثق فيه. اللي يخون بلده! يخون أي حاجة تانية. ممكن يعمل أي حاجة تانية عشان الفلوس. ده عباد قرش، مع اللي يدفع أكتر. ومش عشان إسماعيل لحد اللحظة دي له ولاء لينا. معنى كده إن إحنا نديه الثقة بشكل مطلق؟ ده غلط. حضرتك اللي علَّمتني الكلام ده، لا أحد يستحق الثقة، لان بمجرد ما تثق فيه. دي أول درجات الفشل وإهلاكك.
عزت بستفسار: انت عندك حق. طب هتعمل لهم اختبار ولا هتعمل إيه؟"
سليم: يعني حاجة زي كده، لسه هشوف ماحددتش. بس حتى لو منهم فعلاً وطلع من رجالتي، أنا متأكد إنهم قتلوا عشان يقتلوا السر معاه.
عزت: تمام. لو وصلت لشيء برضه عرفني.
نهض سليم وتوقف وهو ينظر إلى عزت: طيب، أنا همشي. محتاج حاجة تاني مني؟
عزت باهتمام: خد بالك من نفسك بس هترجع القصر
سليم: أه، هاجي عشان أطمن على صافيناز.
ثم أكمل بكبرياء وثقة: بس هقضي الأيام دي في مزرعة الفيوم، لازم أثبت للكل إن سليم ما بيتهزش ولا بيخاف.
وضع قبلة على رأس عزت باحترام وقال:
عن إذنك.
تبسم سليم له وخرج. نظر عزت إلى أثره بتفكير، فكان سليم قد وضعه في مأزق بسبب انسحابه من الأعمال المخالفة للقانون.
ــ قصر الراوي الثامنة مساء.
-الهول
نرى كل من عزت وفايزة وصافيناز وماسة وسليم يجلسون ويتبادلون الأحاديث وكان يبدو على ملامح ماسة الحزن.
سليم بحنان: سلامتك يا حبيبتي.
صافيناز: الله يسلمك.
ماسة بحزن وطيبة: انا زعلت خالص لما عرفت إللي حصلك إن شاء الله تجيبى غيره أنا حاسة بشعورك جدآ والله وبألمك ألف سلامة عليكي.
صافيناز: ميرسي لإحساسك يا ماسة.
ماسة: الدكتور قالك ممكن تجربي تاني إمتى؟
صافيناز: ٦شهور ويستحسن سنة.
ماسة بطيبة: طب كويس إن شاء الله المرة الجاية تجيبى توأم متزعليش بقى.
وضعت قبله على خدها وتربت على كتفها
صافيناز بحزن بعين ترقرق بدموع: كان نفسي فيه أوي يعنى كان كبر جوايا وبدأت أحس بيه.
ماسة بحزن ربتت على كتفها: قولي الحمدلله المهم إنك بخير الطفل يتعوض.
سليم: مظبوط اهم حاجة صحتك يا صافي.
عزت: إنتي الدكتور قالك ٣سنين مظبوط.
ماسة: آه للأسف.
عزت بعقلانية: مش للأسف ولا حاجة إنتي صغيرة خالص استمتعي بحياتك مع جوزك سافرى وتعلمي واكتسبي مهارات ومفاهيم جديدة، عشان لما تجيبى طفل تكوني كبرتى وفهمتي وبقيتى قد المسؤولية دي وتعرفي إزاي تربيهم بوعي ونضج.
ماسة؛ حضرتك عندك حق بس أنا بحب الأطفال أوي ونفسي أوي أجيب من سليم طفل.
عزت: إن شاء الله تجيبى بس خديها مني نصيحة لما بتجيبى طفل بعد نضج وفهم للمسؤولية الكبيرة إللي بقت عليكي هتقدري تربي وتبنى فى أطفالك كويس.
ماسة بتأييد: حضرتك عندك حق.
سليم وهو ينظر من حوله: امال فين عماد وياسين والباقي.
صافيناز: عماد هيرجع بكره.
فايزة بالنسبه للباقي خرجوا..
************************
مكتب عزت
نشاهد عزت يجلس على المقعد الأمامي للمكتب
وامامه فايزة التي تجلس وهي تنظر له متعجبه.
تسألت فايزة باستغراب،وهي تضع قدمًا فوق الأخرى وقالت: خير؟
عزت بهدوء: سليم جالي النهارده وطلب إنه يبعد عن أي حاجة تخص الشغل التاني.
ضيقت فايزة عينيها ونظرت إليه بريبة وهي تهبط قدميها: أوعى تكون وافقته؟
عزت بحسم: ماقداميش حاجة تانية غير إن أنا أوافق. تفتكري سليم أصلاً ممكن حد يجبره يعمل حاجة هو مش عايزها؟
فايزة بإصرار: لا، بس اتناقش معاه. قُله إنك محتاجه.
عزت وهو يحاول تهدئتها: هو هيبعد بس عن الشغل التاني. عايز يعيش في أمان، مش عايز يشتغل في حاجة فيها خطورة. خايف على مراته وعلى نفسه، وهو عنده حق. المرة دي الموضوع وصل للبيت، في واحدة مننا اتخطفت. هو نفسه كان ممكن يحصل له حاجة. بعدين قال لي لو احتجت حاجة هيكون معايا. سيبيه براحة.
سألت فايزة بنبرة فاحصة: إنت رأيك كده؟
عزت بحزم: مفيش حل غير كده النهارده. خليه يعمل اللي يريحه، لأن غير كده إحنا اللي هنخسر. وأنا بعرف أمشي الشغل ده من غيره.
هزت فايزة رأسها موافقة: تمام. هتبلغ الولاد؟
عزت بحسم: مش دلوقتي خالص.
فايزة: تمام.
على اتجاه اخر جناح سليم وماسة.
الشرفة
كان سليم وماسة يجلسان جنبًا إلى جنب على الأرجوحة، يحتسيان العصير بهدوء. أحاط سليم ظهرها بذراعه، وملامحهما تنبض بالسعادة. كان سليم يبدو وكأنه أخيرًا قد وجد راحته، كأن عبئًا ثقيلًا انزاح عن قلبه بعد قراره الأخير بالابتعاد عن طريق الشر.
سليم يقبّل خدها بابتسامة:أنا مبسوط أوي.
ماسة تؤيده بحماس:حاسة كده إنك مبسوط ومنشكح.
سليم يرفع حاجبه بدهشة: إيه 'منشكح' دي؟
ماسة تضحك: منشكح يعني جاي من الانشكاح، يعني مبسوط جدًا... بس قول لي، مبسوط ليه؟
سليم بنبرة مطمئنة وكأنه وجد سلامه النفسي: خدت قرار مريحني جدًا. عمري ما كنت متوقع إني هرتاح كده لما آخده.
ماسة بفضول: قرار إيه؟
سليم بتنهيدة: كنت شغال شغل معين... بس الصراحة كان بيعمل مشاكل كتير.
ماسة بنظرة حادة وذكاء: مشاكل زي اللي تسببت في خطفي؟ واللي ممكن تخلي حد يضرب عليك نار؟
سليم بتأكيد: بالظبط.
ماسة بعقلانية: بصراحه كدة أحسن يا كراميل، ط ياريتك اخدته من زمان بس مش معلش المهم انك أخدته وبعدت بس والدك وافق؟
سليم: اها طبعاً.
ماسة: طب كويس أنا زعلت على صافي خالص خصوصاً ان عماد مكنش معاها.
سليم: وأنا كمان الحمد لله انها بخير بكره عندى ليكي مفاجاه.
ماسة بحماس: إيه؟
سليم: بكره هتعرفي يا قطعة سكر.
وضع قبله على انفها بدلع ضمها اكثر له؟
❤️_____________بقلمي_ليلة عادل
في اليوم التالي عاده عماد الى القصر بعد فك الرابط الشاش
بعد غياب دام اكثر من اسبوعين
قصر الراوي.
غرفة صافيناز الواحده ظهراً
دخل عماد الغرفة بعد فكه الشاش كان القلق المصتنع يغطي وجهه عندما رأى صافيناز جالسة بمفردها على الأريكة، وجهها شاحب وعيونها متورمة من البكاء.
عماد، بلهفة: صافي... سمعت اللي حصل. إنتِي كويسة؟
صافيناز، بصوت مبحوح: عماد... البيبي مات.
اقترب عماد منها بسرعة وجلس بجانبها، ممسكًا بيدها: حبيبتي، أنا آسف جدًا. كنت أتمنى أكون معاكِي كان لازم أكون جنبك. بس انتي فهمه غصب عني.
صافيناز، وهي ترفع نظرها إليه بعينين دامعتين:
ليه يا عماد؟ ليه دايمًا كل حاجة حلوة بتضيع مني؟
عماد: ربنا كبير، صافي. إن شاء الله يعوضنا. أهم حاجة صحتك.
صافيناز: كان نفسي تكون جنبي... كنت محتاجالك.
عماد: أنتِي عارفة إنه غصب عني، أعمل إيه طيب؟
صافيناز تنهدت بتعب، ومسحت دموعها: طيب... تعال نسافر، نغير الجو شوية.
عماد اقترب منها وربت على كتفها بحنان: حاضر، المهم إنك تهدّي يا روحي... مش عايزك تزعلي. إن شاء الله ربنا يعوضنا ونجيب غيره. قوليلي مافيش جديد؟
صافيناز: تو مافيش، قولي ايدك عاملة ايه دلوقت.
عماد: كويسه هبداء علاج الطبيعي من اول الاسبوع.
مجموعة الراوي
مكتب سليم - الرابعة مساءً
نشاهد سليم يجلس خلف مكتبه، يكتب على اللاب توب بتركيز تام، وكأن أفكاره تتناغم مع الكلمات التي يكتبها. بعد دقائق، يُطرق الباب ويدخل ياسين مبتسمًا بإشراقة واضحة على وجهه.
سليم، حمد الله على السلامة.
رفع سليم عينيه بابتسامة دافئة واهتمام صادق، قائلاً: ياسين، تعالَ.
أغلق سليم اللاب توب ونهض ليصافح ياسين بحرارة، وكأن اللقاء بينهما كان مفقودًا لفترة طويلة.
أقعد، عامل إيه؟ وحشتيني
جلس ياسين على المقعد الأمامي للمكتب وتساءل بفضول: تمام الحمد لله، مسافرتش كتير يعني! أسبوع بس.
عاد سليم إلى الوراء وقال باستهجان، كأن عبئًا ثقيلًا على قلبه: أعمل إيه! هو شغل يبقى ورايا وأنا أرتاح؟ الباشا رامي الحمل كله عليّ. كنت وعدتها بالسفر بعد ما أخلص امتحاناتي، لكن ضغط الشغل وسفري المتكرر ما خلانيش أنفذ وعدي. لما لقيت التوقيت المناسب، قررت أسافر عشان أفي بوعدي وأخليها تنسى اللي حصل. لكن الباشا كلمني وطلب مني أرجع عشان اجتماع مجلس الإدارة، المهندسين خلصوا التصاميم الأولية للكمباوند.
طب كويس، ارتحت يومين. إنت برضو لازم كل فترة تاخدها وتسافر، حرام البنت محبوسة في أوضتها أو عند والدتها من وقت ما رجعت.
سليم، بتعب واضح على وجهه : والله أنا محتاج أسافر وأفضي دماغي، من وقت ما رجعت من أكتر من 7شهور مارتحتش. أحداث كثيرة وتحديات متتالية، حمل ماسة اللي ما كنتش عامل حسابه، واجهاضها، وخطفها، وظهور لورجينا، والأعداء اللي صفيناهم. ده كله كوم، ومشاكل المجموعة كوم تاني.
ياسين، يربت على يده بحنان: معلش، الباشا والعيلة واثقين فيك. إنت الملك الجديد، واللقب ده ثمنه غالي. بس أنا هقولك على حاجة، إنت غلطت لما دخلتنا في موضوع المقاولات. هو أصلاً مش شغلنا. كان لازم تستنى نخلص مشاكل المجموعة الأول، وبعدين ندخل في مشروع جديد.
سليم، بثقة: بالعكس، ده أفضل وقت. ده إعلان منا إننا راجعين أقوياء. ده مش رجوع عادي! إحنا هندخل في شغل المقاولات، والسوق كله عارف إنه مش شغلنا. فلما نرجع بحاجة مش في تخصصنا ونثبت نفسنا فيها، هيتخافوا منا. بعدين، إنت اللي هتمسك الشغل ده، إنت مش مهندس!
ياسين ضحك: مهندس؟ بص، أنا في ظهرك، المهم انبسطوا.
سليم بابتسامة خفيفة: ماسة بتقدر تخليني سعيد من أعماق قلبي وتنسيني هموم الدنيا. ده أحلى تحدي وقرار أخدته في حياتي. ربنا يخليها لي ويقدرني أسعدها زي ما بتسعدني.
ياسين بإعجاب شديد: أنا عجبني جدًا علاقتكم ببعض، بتفكرني بحب الروايات. هي كمان شخصية جميلة وهادية، وده شيء نادر في الزمن ده.
سليم، بنظرة مليئة بالحب: أتمنى تعيش مع هبة قصة حب وحياه ودافئة زي أنا وماسة. لأن الحب ده أجمل حاجة في الدنيا. صدقني، شعور الحب نفسه والسعادة اللي بتحس بيها وإنت مع شريكة حياتك، صعب أوصفهولك. مش هتفهمني غير لما تعيشه وتتذوقه بالتفاصيل.
ياسين بابتسامة: أنا بدأت أحس بيه مع هبة.
سليم قال:طب إيه! هتاخد خطوة معاها جدية؟
ياسين متحيرًا قليلًا : لسه ما قررتش.
سليم بصوت هادئ وعقلانية:تاخد رأيي؟
هز ياسين رأسه بإيجاب، اكمل سليم بحكمة:
لو فعلاً حاسس إنك بتحبها بجد والمشاعر اللي جواك حقيقية، متتأخرش في الخطوة دي. مش هتستفيد حاجة غير إنك هتندم على إنك ما خدتش الخطوة دي من زمان.
ياسين بتوضيح: أنا فتحتها بس هي قالتلي، هفكر وطبعًا قرار زي ده مينفعش أضغط عليها فيه.
سليم بعقلانية وصدق: مظبوط، لكن البنت لما تحس إن شريكها وحبيبها جاد، وعايز ياخد معاها خطوات جدية، وإنه مش بيلعب ولا لسه بيتأكد من مشاعره، بتشعر بالأمان والسعادة. ووقتها بتشوف العلاقة من منظور تاني. حتى لو كانت ردودها "اصبر شوية"، بس لو هي من الشخصيات الجادة مش بتلعب زي البنات اللي كنت تعرفهم، هتحس بفرق كبير بعد كده في التعامل. كل ما العلاقة تتطور وتاخد خطوات جدية، كلما أصبحت أقوى وأعمق.
ياسين بتأييد: عندك حق، هكلمها تاني عشان تتأكد إني مش كلام وخلاص، وإني بجد عايزها.
سليم بثقة وحزم قال: هتدعي لي.
ياسين تبسم بيقين: متأكد. بقولك إيه، هبة عاملة حفلة صغيرة بمناسبة عيد ميلادها. إيه رأيك تحضرها وتتعرف عليها، وهات ماسة معاك. يبقوا أصحاب.
سليم: هتكون إمتى الحفلة دي؟
ياسين: الإثنين الساعة 8 في كافيه في أكتوبر. هبعتلك العنوان في رسالة.
هز سليم رأسه بابتسامة واثقة وقال:خلاص، هحضر. مبروك يا حبيبي.
💕___________بقلمي_ليلة عادل
قصر الراوي
حديقة الفيلا - السادسة مساءً
نرى ماسة تجلس على الأرجوحة في الحديقة، تغمرها الأجواء الهادئة وهي تقرأ كتابًا، بينما يقف عزت في شرفته، عينيه مثبتتين على مكانها، يراقبها في صمت. كانت مشاعره مليئة بالحزن والندم، خاصة عندما تذكر ما تعرضت له ماسة من خطف ومؤامرات، وأن ما حدث لها كان جزءًا من خطة دنيئة كانت على علم بها، وبعد حادثة إجهاض صافيناز، بدأ يشعر أن ما حدث معها، كان بمثابة انتقام من الله، لفعلتهم. كانت هذه الأفكار تضغط على صدره، تعذبه، وتجعله يتأمل فيما آلت إليه الأمور.تنهد في حزن عميق، وأحس بضغطٍ في قلبه. قرر أن يهبط لأسفل ليقترب منها، ربما ليتحدث أو ليعبر عن ندمه.
عزت وهو يقترب بخطوات هادئة: ماسة.
رفعت ماسة عينيها نحوه بابتسامة رقيقة، وأجابته بلهجة دافئة: عزت باشا!
أشار عزت لها بيده قائلاً، بصوت هادئ: خليكي زي ما إنتِي.
أحضر مقعدًا خشبيًا وجلس أمامها، ثم قال بنبرة عاطفية: قوليلي، بابا عزت يا ماسة، أنا مش زي مجاهد ولا إيه؟
ابتسمت ماسة بابتسامة طفولية وأغلقت الكتاب: طبعًا.
عزت بلطف وهو يبتسم: خلاص، بابا عزت، لو سمعتك تاني بتقولي عزت باشا هزعل منك...
ثم نظر إلى الكتاب وقال بتساؤل فضولي: بتذاكري إيه؟ مش نجحتي؟
ماسة: آها، بس ده كتاب الميس قالتلي أقرأه عشان أحسن القراءة بتاعتي، ويبقى عندي معلومات.
عزت بتركيز: ممتاز، ربنا يوفقك. إنتي عاملة إيه دلوقتي؟
ماسة: الحمد لله، كل شيء تمام.
عزت بلطف وهو ينظر إليها بعينين مليئتين بالاهتمام: أنا عارف إني مقصر معاكي جدًا، بس الشغل واخد كل وقتي، لكن ده ميمنعش إن وقت ما تحتاجي تتكلمي معايا، تيجي في أي وقت، إنتي زي بنتي وبابي مفتوح ليكِ في أي وقت.
ابتسمت ماسة بخجل، وحسّت بصدق مشاعره: كان الله في عونك.
عزت بحنان وهو يضع يده على قلبه: أنا عارف إن اللي حصل ليكي شيء صعب جدًا، إن بنت في سنك تتعرض لده. وماكنتش أتمنى إنك تتعرضي له، لكني متأكد إنك قوية وهتقدري تتجاوزي اللي حصل بسرعة. إحنا معاكي، سليم جنبك، وأنا في ظهرك، ومستحيل نسمح إن أي حاجة تضر بيكِي. حاولي تنسي، خليكي دايمًا قوية.
هزت ماسة رأسها بإيجاب، مبتسمة ابتسامة مليئة بالأمل: إن شاء الله، أنا واثقة في سليم.
عزت: أنا عايز أطلب منك طلب.
ماسة: طبعًا، اتفضل.
عزت بلطف وحنان: عايزك طول ما إنتِي معانا في القصر تحسي إنك واحدة مننا، ماتحسيش أبدًا إنك غريبة. ولو أي حد اتعرض ليكِي، تيجي تقولي لي. إنتي زي فريدة وصافيناز. يمكن في البداية كنت رافض جواز سليم منك، وإنتي أكيد متفهمة أسبابي، لكن لما جيتي هنا وشفت شطارتك وذكائك وقد إيه إنتِ إنسانة جميلة، نسيت أي حاجة تانية.
ماسة: أكيد طبعًا، أنا نسيت كل حاجة.
عزت بحنان: إنتي مرات ابني الغالي، وريثة العرش. لازم تحسي بالانتماء للقصر. إنتي من العيلة، وزي ما قلت لكِ، اعتبريني زي والدك. لو أي حد يزعجك أو يضايقك، تعالي كلميني، حتى لو سليم اتفقنا.
ماسة ابتسمت بلطف وامتنان: اتفقنا.
عزت توقف ثم أكمل وهو يمد ذراعيه:
عزت وهو يمد ذراعيه ويربت على كتف ماسة برفق وندم،: سامحيني يا بنتي على كل اللي حصل.
ماسة: والله أنا نسيت كل حاجة ومبسوطة إن حضرتك فاتحتلي بابك. عقبال الهانم.
ابتسم عزت بصمت وهو يهز رأسه قائلاً: أسيبك تكملي اللي بتعمليه.
تحرك نحو الخارج، بينما نظرت ماسة لأثاره بسعادة، لأنها كانت تشعر أنها قد حصلت على فرصة جديدة في حياتها.
بينما كانت فايزة تتوقف خلف أحد الاعمده تستمع لما حدث بينهما بإنزعاج شديد، وهي تجز على أسنانها. فور خروج عزت من الحديقة، خرجت فايزة وأطلعت نفسها عليه دون خوف، عيونها تلتهب بالغضب. نظرت له بنظرة مليئة بالكراهية، فبادلها عزت نظرة حادة مليئة بالتحدي.
فايزة بلهجة حادة: تعالي على المكتب.
عزت وهو يزداد انزعاجًا: بعدين.
فايزة بتصميم وقوة: قولتلك تعالي على المكتب يا عزت.
تحركت فايزة نحو الداخل، وعزت تبعها، والغضب يملأ وجهه من تصرفاتها التي لا تنتهي.
مكتب عزت:
دخلت فايزة أولاً، تلتها خطوات عزت الثقيلة. توقفت في المنتصف، تنظر له بنظرة ثابتة. أغلق عزت الباب خلفه، ثم اقترب منها، وجهه مشحون بالغضب.
عزت بحدة وغضب مكبوت: بتتجسسي عليا؟ بتقفِي زي الحرامية؟ إيه يا هانم دي عمايل ولاد ناس؟
فايزة ببرود وتبرير قاسي لما تفعله: أعمل إيه؟ إنت وإبنك جننتوني بعمايلكم! إيه، عملالك سحر ولا إيه؟
عزت بغضب شديد، صوته يرتفع وهو يصرخ في وجهها: فوقي يا فايزة! بنتك نزلت اللي في بطنها ولسه ماتعظتيش من اللي حصل لبنتك؟
فايزة ببرود وتفكير بعيد: عايز تفهمني إن صافيناز أجهضت عشان ماسة؟ بطل الكلام المتخلف ده. دي حاجة متوقعة، خصوصًا إنها كانت بتشرب وأنا نبهتها، وهي ما فيش فايدة.
عزت بنبرة حادة، يحاول أن يضبط أعصابه: حتى إذا كان إللي بتقولي هو السبب، لكن مش هيغير من الحقيقة شئ، اللي حصل مع ماسة كان غلط، ولا يمكن أسمح إنه يتكرر مرة تانية.
فايزة بضجر واستهجان: فتروح تتكلم مع الخادمة. وتقولها قوليلي، بابا وأي حد يقرب لكِ تعالي قولي لي.
عزت بحدة، وهو يقترب منها بتهديد واضح في نبرته: أنا حر أعمل اللي عايزاه! أنا عزت الراوي سامعة! (بنبرة حازمة، وتحذير) بقولها تاني، أوعي تقربي من ماسة.
تحرك عزت نحو الخارج بخطوات حاسمة، بينما بقيت فايزة خلفه، عيونها تشتعل بالغضب، وكأنها على وشك أن تنفجر. ثم قالت بتهديد شديد، وهي تشد على أسنانها: والله حسابك كبر يا بنت مجاهد وسعدية!
بقلمي_ليلة عادل(. ❛ ᴗ ❛.)🌹
الفيوم
مزرعة الراوي العاشرة مساءً
مظهر عام للمزرعة كان رائعًا، حيث تزينت الأشجار الخضراء في كل مكان، وأسطبل الخيل العربي الأصيل كان يقف شامخًا في ركن بعيد. وذلك البيت الخشبي ذو الطابقين يظهر بمظهره المميز، بواجهته الكلاسيكية التي تضفي على المكان طابعًا من الدفء والهدوء.
بعد دقائق، وصلت سيارة سليم، تلتها سيارات الحراس التي توقفت بالقرب من المدخل. هبط مكي من السيارة، ليقوم بفتح الباب باحترام،
خرج سليم وماسة من السيارة، وكانت ماسة تنظر حولها بدهشة واستغراب، متأملة جمال المكان وتفاصيله.
مكي بتوضيح: كله متأمّن زي ما أمرت، وجبنا الشنط هنا.
ماسة وهي تنظر حولها: هو إحنا فين؟
سليم بابتسامة: في مكاني المفضل.
ماسة بدهشة: عندك مكان مفضل وأنا ما أعرفش؟!
هز سليم رأسه بالإيجاب.
ماسة: طب أفهم.
ابتسم سليم لها، ثم نظر إلى مكي وقال: مكي، روح إنت، أنا مش هخرج تاني.
ثم تساءل باهتمام: الدكتور قالك هتفك دراعك إمتى؟
مكي: يومين.
سليم: تمام، على خير.
ثم وضع يده على ظهر ماسة وقال بلطف: يلا يا حبيبتي.
مكي: أنا هظبط مع عشري كل حاجة وأمشي.
هز سليم رأسه موافقًا بينما يتحرك.
داخل الشاليه
بدأوا بالتجول داخله فور دخولهما. توقفت ماسة في المنتصف وهي تنظر حولها بانبهار. كان الأثاث مصممًا على الطراز التركي، وميزته المدفأة الخشبية الفريدة.
تحركت ماسة بضع خطوات وهي تنظر حولها بابتسامة واسعة، ثم استدارت ونظرت إلى سليم.
ماسة بدلال لا يليق إلا بها: ما إنت عندك مكان حلو أهو، زي بتاع سويسرا، بس مافيش شلال، ههه. وكمان على الشكل التركي.
اقترب منها سليم ومرر يده على شعرها بنعومة قائلاً بتوضيح: دي مزرعة العيلة، مش مزرعتي. ماما هي اللي اختارت كل حاجة عشان تحس إنها لسه في تركيا. أنا بقالي أكتر من ٣سنين ماجتش هنا، بس بحب المكان ده أوي لأنه هادئ، بحسه شبهي.
ماسة: هو فعلاً المكان جميل وهادي ومريح للأعصاب. بس إحنا كده مش هنرجع القصر تاني ولا إيه؟
سليم بتوضيح: مش بالظبط. إنتي عارفة إني حابب يكون لينا حياتنا الخاصة. هنقعد هنا لحد ما فيلتنا الجديدة تجهز.
نظرت له ماسة باستغراب: فيلتنا الجديدة؟! إنت جبت فيلا جديدة؟
هز سليم رأسه بالإيجاب: آه، في مدينة الرحاب. هتعجبك أوي، وإنتي اللي هتختاري ديكور الفيلا بنفسك.
ماسة بحماس: أنا موافقة، بس إنت هتساعدني.
سليم وهو يمسح على خدها بأطراف أصابعه: أكيد يا حبيبتي.
أحاطت ماسة بذراعيها حول رقبته وتحدثت بدلال:
إيه رأيك يكون الشاليه ده سرنا اللي نهرب له كل ما نحس نفسنا مضغوطين، أو لما نحب نقضي وقت حلو مع بعض؟
رد سليم وهو يداعب أنفه بأنفها: موافق.
هبطت يد ماسة وقالت بحماس: تعال بقى، فرجني على المكان الجامد ده.
سليم: يلا.
((خلال كام يوم ))
نشاهد ماسة وهى تختار مع سليم أثاث فيلتهما الجديدة من الكتالوج ومعهما المهندسين لكنها كانت تترك النصيب الأكبر لذوق سليم .... كما بداء سليم بتعليم ماسة بعض الفنون القتاليه كاضرب النار والدافع عن نفس والقيادة
في الحديقة
نرى سليم وماسة يرتديان ملابس سوداء مكونة من بنطال وتيشرت وكاب، ملائمة للتمارين القتالية. وقفت ماسة متحمسة، بينما وقف سليم أمامها ليعلمها كيفية استخدام المسدس. بدأ بشرح كيفية حمل المسدس، وفتحه، ووضع الرصاص فيه، بالإضافة إلى طريقة تنظيفه وإخراجه باحترافية.
بعد أن أنهى الشرح، طلب منها أن تحاول تنفيذ ما تعلمته. بالطبع لم تنجح في المحاولة الأولى، لكنها تمكنت من ذلك في المحاولة التالية. ثم انتقل إلى تعليمها التصويب وإطلاق النار، حيث كانت أمامهما مجموعة من الزجاجات كأهداف.
أمسكت ماسة المسدس بثبات، بينما وقف سليم خلفها لتوجيهها. كانت ملامح وجهه تعكس جدية واضحة.
سليم بنبرة جادة: بصي على وضعية قدمك، وحددي الهدف، واضربي. أوعي تخافي. أهم حاجة، زي ما قلتلك، قلبك يكون شجاع. ما تخافيش وركزي على هدفك.
رفعت ماسة عينيها نحوه للحظة، ثم نظرت إلى الأمام بعين حادة كالصقر. أخذت نفسًا عميقًا، ثم أطلقت النار، لكنها لم تصب الهدف بشكل صحيح.
قلبت وجهها وجزت على اسنانها بضيق.
سليم بدعم: عادي، اضربي تاني.
هزت رأسها بالإيجاب، وحاولت مرة أخرى، لكن دون جدوى. استمرت المحاولات، ومع تكرارها، بدأت تتحسن تدريجيًا حتى تمكنت من إصابة الأهداف بنجاح. فقد وقعت جميع الزوجاجات.
شعرت بسعادة غامرة، وبدأت تصفق لنفسها بحماس، قبل أن تضرب كفها في كف سليم بمرح.
ماسة بحماس: أيوه بقى! يا ماسة يا جامدة!
ثم أضافت بابتسامة ماكرة: إنت لازم تجيبلي هدية انا في ٣ أيام أتعلمت.
سليم بإبتسامة: حاضر. يلا نبدأ.
انتقلا بعدها إلى تمارين القتال اليدوي، حيث بدأَا بضرب بعضهما بشكل تدريبي، لتتعلم ماسة كيفية الدفاع عن نفسها بمهارة، لكن يبدو أنه أكثر صعوبة.
سليم: شكلُك هتتعبيني.
ماسة وهى تلهث بمزاح: متقولش ليه. عايزة مدرب شاطر.
سليم: قلتلك ما بسخنش،
بحرك بسرعة لفها، فوقعَت على الأرض على ظهرها وهى تضحك.
ماسة بتحدى: هتعلم وهكسبك.
مد يده لها ونهضت، أكملَت في إداء التدريبات، بعد وقت اقترب مكي منها بعد أن أشار له سليم وأمسك بها من خلف دون ملامسة.
سليم: تخيلي إنه مسكك جامد، هتفكي نفسك إزاي؟
زي ما علمتك.
مكي، مازحًا: متفتريش بس، وإنتِي دوسي على رجلي، إحنا بندرب.
ضحكت ماسة: متخرجنيش من المود.
عادت وجهها إلى الجدية، حاولت تمثيل أنه ممسك بها، فجأة داسّت على قدمه بقوه، وركضت نحو سليم أثناء إطلاقه طلقات على مكي.
سليم: برافو، بتتحسني، بس لازم حركتك تبقى أسرع.
ماسة: طب كفاية بقى، النهاردة تعبت وجعت.
سليم: طيب، بس بعد ما نخلص أكل هنكمل دروس السواقة.
ماسة: اتفقنا نظرت لمكي وانت تعال كل معانا حرام بقالى ٣ ايام بدوس على رجلك.
مكي: فداكي انتى جوزك، (نظر سليم) اعمل حسابك هنلعب بكره سوا عشان اخد حقي
سليم ضحك بمزاح: بس يا ابو أيد ونص.
في أحد الكافيهات، الساعة الثامنة مساءً
يجلس ياسين وهبة على إحدى الطاولات، يتبادلان الحديث في أجواء هادئة.
ياسين وهو يزم شفتيه بعدم اقتناع: الصراحة، مش مقتنع بوجهة نظرك.
هبة نظرت إليه بدهشة: ليه يعني؟ قلت لك إني لسه بفكر. الجواز مسؤولية كبيرة، وبعدين أنا وعدتك أرد عليك بعد عيد ميلادي، يعني كلها يومين، مش أكتر العيد ميلاد بكرة.
ياسين مال بجسده قليلاً إلى الأمام وقال بتوضيح: أنا ما قصدتش أضغط عليكي، قلت لك براحتك، لكن ليه رفضتي عزومة ماما؟
هبة تنفست بعمق وحاولت أن تتحدث بعقلانية: لأنّي مش شايفة إنه طبيعي أجي أتعزّم عندكم وإحنا لسه ما فيش بينّا حاجة رسمية، كفاية مرة، واللي جاي كتير، ما تقلقش.
ياسين رفع حاجبيه وقال بإصرار: هم كانوا عايزينك تيجي عشان آخد خطوة رسمية. إنتِ هتجنِّنيني، يا هبة. آخر ميعاد بعد عيد ميلادك تردّي عليّا يعني بعد بكره.
هبة وضعت كأس العصير بهدوء على الطاولة وقالت بصوت ثابت: ياسين، أنا هرد لما أكون جاهزة وأحس إني خدت القرار الصح. ما بحبش اخد أقرر وأندم بعدين.
ياسين نظر إليها مباشرة وقال بنبرة حاسمة: يعني بتحبيني ولا لا؟
هبة ابتسمت برفق وقالت: قلت لك إني بحبك، بس الحب حاجة والجواز حاجة تانية خالص.
رفعت كأس العصير ارتشفت: وبعدين، أنا عارفة إننا مش هنتجوز على طول، لكن ليه نحسبها خطوبة من دلوقتي؟ أصبر شوية، وأشارت إليه قائلة: وبلاش صيغة الأمر دي، لأني ما بحبهاش.
ياسين تنهد وقال وهو يحاول أن يخفف من حدة الموقف قال بمزاح لطيف موضحاً: ماشي يا ستي. بعدين، دي مش صيغة أمر، دي صيغة اللي هيحصل واللي هيتم. ما بينّا مش هتيجي السنة الجديدة غير ودبلة في إيدك اليمين.
هبة ابتسمت بخفة وقالت وهي تحتسي العصير: طب كويس والله إنك ما قلتش الشمال.
ياسين رد بثقة وهو يبتسم: ممكن ما تستبعديش. سبع شهور حاجات كتير ممكن تحصل فيها.
هبة نظرت إليه وضحكت قائلة: أقسم بالله، إنت مجنون.
ياسين مال إلى الخلف مبتسمًا وقال بمكر: بس عاجبك كده، صح؟
هبة اكتفت بابتسامة خفيفة وغمزة مليئة بالمعاني، معلنة انتهاء النقاش بتفاهم ضمني بينهما.
_ الفيوم
مزرعة الراوي الساعة الخامسة مساءً.
الحديقة
نشاهد ماسة تجلس في الحديقة على الأرض وتقوم بعمل تمرين يوجا، وهي ترتدي ملابس مناسبة. دخل سليم من الباب الزجاجي وتوجه نحوها. شاهدها وهي تجلس هكذا، اقترب منها بابتسامة، وانحنى قبل رأسها.
سليم: عشقي، وحشتيني.
ماسة، مستديرة رأسها نحوه بابتسامة حب: كراميل، وحشتني.
نهضت وتوقفت أمامه مباشرة، وقبلته على خده.
سليم، وهو يقرص خدها بمداعبة: أهو، جيت بدري وما تأخرتش عليكي.
ماسة: إنت أحلى كراميل في الدنيا.
سليم: عملتِ لنا غدا إيه؟ أنا جعان بدل ما أكلك.
ماسة: عملتلك ورق عنب، وفراخ محشية، وشربة.
سليم قبل يدها: تسلم إيدك.
أحاط بذراعيه حول خصرها وتحركا معًا.
سليم: أها، قولي لي، بعد ساعتين اللي رغيتهم مع هبة، استقريتِ على اللي هتلبسيه؟
ماسة، بسعادة: "طبعًا، إنت نسيت؟ بفينا أصحاب، حتى كنا متفقين نخرج سوا.
سليم: مش ناسي، إنتِي اللي بتكسلي.
ماسة: اصل الدروس بتاعتك بدنهيني كمان، وإنت مش موجود، بخلي مكي يضربني.
سليم: طيب يا ستي اخرجي اى وقت معاها قولتك هبه حد محترم.
( بعد وقت )
غرفة النوم - الثامنة مساءً
نشاهد ماسة تتوقف أمام التسريحة، وهي ترتدي فستانًا طويلًا في منتهى الجمال عليها باللون الأخضر. كان الفستان يبرز مفاتن جسدها ومنحنياته بسخاء، على الرغم من أنه كان محتشمًا، إلا أنه كان في غاية الجاذبية والنعومة. مع تلك التسريحة البسيطة التي برزت جمالها أكثر وأكثر، وارتدائها إكسسوارات خفيفة ومستحضرات تجميل هادئة جدًا، جعلتها آية من الجمال وناعمة كأنها حورية بحر.
كان سليم يتوقف بالقرب منها، وهو يرتدي بدلة أنيقة، وكان في منتهى الجمال والجاذبية. كان يتطلع إليها بابتسامة جذابة، يشاهدها بعشق وعينين لا ترمشان. كانت تضع ذلك الروج الأحمر على شفتيها التي يعشقها ويذوب بها، وذلك الكحل الذي يبرز جمال عينيها اللتين تشبهان أعماق المحيط، تلك العيون التي جعلته عاشقًا غارقًا فيهما.
أخذ سليم يدقق النظر في تلك الحورية التي خرجت من أعماق البحار والمحيطات، ألقت عليه تعويذة العشق وجعلته ذلك الفارس الشجاع مسلوب الإرادة أمامها. أخرج أنفاسًا ساخنة من عشقها وهواها الذي يحرق قلبه.
اقترب سليم بخطوات بطيئة، أحاط بذراعه حول خصرها والذراع الأخرى أسفل عنقها، وأسند رأسه بين حنايا رقبتها. وهو ينظر في المرايا، قال بإعجاب وغزل.
سليم بغزل: أنا مش قد الجمال ده كله.
وضع قبلة على خديها بحب.
ماسة، وهي تنظر له في المرايا: يعني شكلي حلو؟
سليم: تجنني. أبتعد قليلاً وسألها باهتمام: خلصتي ولا لسه؟ إحنا اتأخرنا.
التفتت له ماسة، وهي ترفع حاجبيها باعتراض: على أساس إن أنا السبب؟ ما أنا كنت لابسة وجاهزة من شوية، فجأة أحلويت في عينيك، وانت عارف عملت إيه! مادتنيش حتى فرصة أقولك 'اصبر'. (ضحكت) "فجأة لقيت نفسي جوة حضنك على السرير في غمضة عين.
سليم، وهو يقرصها من خدها: إنتي عايزاني أشوف الجمال ده كله وأبقى عاقل!؟ ويلا بقى، خلينا نمشي، بدل ما شكلنا كده هنقضي اليوم كله على السرير.
تبسمت ماسة بخجل ورقة، ونظرت للأسفل، ثم نظرت له: هدخل بس التواليت وهخرج على طول."
سليم: طيب بسرعة... قبّلها من خدها.
تحركت ماسة نحو المرحاض، وأخذ سليم جاكيت البدلة من على الفوتيه، وارتداه. أخذ يهندم مظهره، وضع عطره المخصص، ثم نظر في ساعته بملل وقال بصوت:
سليم بضجر: ماسة، تأخرتي.
توجه نحو المرحاض وفتح الباب دون أن يطرقه. كانت ماسة تقف أمام الحوض تغسل يدها.
سليم بسرعه: إحنا متأخرين، خلصي.
ماسة بدلال: "ثانية واحدة بس، هحط روج."
بتسرع، أمسك سليم قلم الروج وقام بوضعه في شفتيها، وهو يقول: خلاص، يلا بقى.
سحبها من يدها، وأخذ حقيبتها من الفراش. هبطا للأسفل، لكن ننتبه أن خاتم زواج ماسة قد نسيته على الحوض!
في أحد الكافيهات في أكتوبر - الساعة 9 مساءً
أجواء احتفالية هادئة مع حركة المارة للداخل والخارج، مع الاستماع إلى موسيقى لطيفة.
دخل سليم، وكانت ماسة معلقة على ذراعيه، حتى وصلا إلى المنتصف، انتبه لهم ياسين، فتقدم نحوهم مسرعاً باهتمام.
ياسين بتساؤل:إيه يا سليم، كل التأخير ده؟
سليم بكبرياء: المهم إني جيت.
اقتربت هبة منهم.
ياسين، وهو يشير بيده: طبعًا سليم الراوي غني عن التعريف، وماسة صحبتك، ههههه.
هبة بتودد، وهي تصافح ماسة وتضمها: "أزيك يا حبي، عاملة؟
ابتعدت قليلاً وهي تمرر عينيها عليها: إيه الجمال ده؟ قلتلك الفستان ده أحلى.
ماسة بخجل ورقة: فعلاً، إنتي كمان زي القمر يا بيبو.
هبة، وهي تمد يدها: أزيك يا سليم، كنت مشتاقة إني أتعرف عليك.
صافحها سليم بوقار، ثم قبل يدها برقي: أهلا بيكِي، أنا كمان كنت مشتاق أتعرف على البنت إللي خطفت قلب ياسين.
هبة باعتراض لطيف: أنا إللي خطفته بردو! ده هو إللي خطفني.
سليم بابتسامة: "لا، احكيلي ونحدد مين خطف قلب مين؟
هبة: هقولك، ههههه.
ثم أخذوا يتبادلون الأحاديث بتودد ولطف، وبعد وقت توقفوا على الطاولة ليدفئوا الشمع، وأكملوا احتفالهم وسط أجواء لطيفة.
كانت ماسة دائمًا تتوقف مع سليم، فهي لا تعرف أحدًا. وهو أيضًا كان لا يتركها، بالرغم من وجود الكثير من الأصدقاء المشتركين الذين يعرفهم سليم جيدًا، لكنه فضل أن لا يتركها بمفردها، خاصة أن هبة كانت مشغولة مع أصدقائها ولا تستطيع التوقف معها بشكل مستمر.
وبعد وقت
اقتربت هبة بتودد من ماسة: ميسو، تيجي أعرفك على أصحابي؟
سليم: خليها واقفة، هي متعرفش حد هنا.
هبة: ما أنا هعرفها على أصحابي، هي قالتلي إنها لوحدها، مالهاش أصحاب، فأهعرفها على شلة عشان نبقى نخرج سوا.
ماسة بتأكيد وأسف: ياريت بجد.
هبة: خلاص تعالي بقى.
نظرت ماسة بعينيها لـ سليم لتطلب الإذن للذهاب، فأجابها بنظرة تعني القبول.
ذهبت ماسة مع هبة وتوقفت مع مجموعة من الفتيات، وأخذتا يتحدثان، مع سماع ضحكاتهما.
كانت عين سليم ترتكز على ماسة وهو يشعر بالسعادة لأنها أخيرًا تقف مع أصدقاء جديدة وتتعرف عليهم، كما كانت تتمنى، كان سعيدًا لرؤيتها تضحك وتستمتع مع الآخرين، ويشعر بالفخر لأنها بدأت تندمج أكثر في محيطها الجديد. رغم أنه كان يفضل أن يبقى بجانبها، إلا أنه كان مرتاحًا لأنها بدأت تجد مكانًا لها بين الناس.
اقترب منه ياسين، وضع يده على ظهر سليم: "
واقف لوحدك ليه؟
سليم بابتسامة: عادي... على فكرة هبة عسولة، وشكلها بنت ناس، يعني تستاهل إنها تكون حبيبة ياسين.
ياسين: طب كويس إن هي عجبتك، عقبال بقى ما تعجب الملكة.
سليم بكبرياء: المهم إن هي عجبتك، غير كده ماتركزش وميهمكش حد.
هز ياسين رأسه بإيجاب، واقترب منهم أحدهم وهو يضع يده على كتف سليم من الخلف، وكان روبرتو، أحد أصدقاء سليم.
روبرتو بالإيطالية: كيف حالك سليم؟ كيف حالك ياسين؟
ياسين: "بخير، (نظر لـ سليم) "أنا هروح أقف مع أصحابي شوية.
هز سليم رأسه، وهو يتحدث بالإيطالية مع روبرتو: "بخير، وإنت كيف حالك؟
روبرتو: "بخير، أنا سعدت برؤيتك كثيرًا، وسعدت أيضًا عندما علمت إنك بالحفل، لم أكن أعلم أنك على معرفة بـ هبة.
هز سليم رأسه بنصف ابتسامة: كيف أمور العمل؟ ومن متى وأنت بمصر؟
روبرتو: "منذ فترة، كنت أريد أن أراك، لكن رشدي أخبرني أنك مشغول بالمجموعة، حتى شاهندة أيضًا أخبرتني بأنها لا تراك. لهذة الدرجة مشغول؟
سليم بعملية: نعم، هذا صحيح. أنت تعلم ما حل بالمجموعة.
روبرتو بأسف: نعم، حزنت كثيرًا عندما سمعت عن هذه الأخبار، لكني متأكد أنك سترجع للمجموعة هيبتها قريبًا.
هز سليم رأسه بنعم، وواصل روبرتو حديثه قائلاً بتساؤل: كنت أريد أن أسالك شيئًا
سليم باحترام: تفضل.
روبرتو: عن هذه الفتاة الجميلة التي كنت تتوقف معها طوال الحفل، هل تعرفها جيدًا؟
سليم وهو يعقد حاجبيه بتساؤل: من؟"
روبرتو، وهو ينظر باتجاه مجموعة الفتيات بعينيه: "هذه الفتاة الحسناء التي ترتدي فستانًا باللون الأخضر.
ابتلع سليم ريقه، وهو ينظر في اتجاه نظرات روبرتو، ويتمنى أن تكون فتاة غيرها، فقط يشتركان في لون الفستان. فور أن وقعت عيناه على محل نظراته، تأكد أنها أميرته الصغيرة.
روبرتو بحماس: تحدث يا رجل مسرعًا! ما هو اسمها؟ ومن هي؟ فأنا معجب بها وأريد التعرف عليها. من وقت أن رأيتها وأنا مهووس بها، وعندما شاهدتها تتوقف معك، قلت لنفسى: 'سليم مش هيبخل أن يعرفني عليها'.
كان سليم يستمع لكلماته، وهو يستشيط غضبًا، جز على أسنانه التي كاد أن يفتك بها، وأعصار على وشك الانفجار.
أكمل روبرتو: سليم، تحدث يا رجل وعرفني عليها، وعلى زوجتك أيضًا.
نظر له سليم، وهو يحاول لجم جماح غضبه، وأخذ ينظر إليه بنظرة شديدة وحادة، تلك النظرة التي تكتسي بالسواد، والتى بعد قليل ستنفجر كالإعصار. تحدث بين أسنانه، وهو يسحبه من يده.
سليم بنبرة باردة، لكن تحمل في طياتها الشدة: تعال معي، سأعرفك عليها الآن.
تحركا، واقترب سليم إلى مجموعة الفتيات ووو