رواية بستان حياتي
الفصل السابع 17
بقلم سلوى عوض
يدخل علي ونجوى إلى السرايا، ونظرة الدهشة تغمر وجه نجوى بمجرد أن ترى الموجودين. تتحرك بخطوات مترددة قبل أن يتملكها الغض **ب.
نجوى (بصوت غاض ** ب ومندهش):
إيه ده؟ هم إيه اللي جابهم هنا دول؟
تتجه بنظراتها الحادة نحو فؤاد الذي يقف بابتسامة ساخرة، وتبدأ في ملاحظته بعين ممتلئة باللوم والصدمة.
نجوى (بعص ** بية):
إيه اللي إنت عامله في نفسك ده يا فؤاد؟ صبغت شعرك؟ وحلقت دقنك؟
فؤاد (بابتسامة استهزاء):
أيوه، مالي؟ مش عاجبك؟ أنا كده زين أهو. تعالي، تعالي سلمي على ضرتك وجوز بنتك.
تتجمد نجوى في مكانها، وملامح الصدمة ترتسم على وجهها، وكأنها لم تصدق ما سمعته.
نجوى (بصوت مرتعش من الغ ** ضب):
ضرتي مين؟ وجوز بنتي مين؟ إنت بتقول إيه الكلام ده يا فؤاد؟
فؤاد (ببرود):
بقول الي سمعتيه، إنتِ خلاص عجزتي يا نجوى وكبرتي، وراحت عليكي، وتبعتي أخوكي وهملتينا لحالنا أنا وبتك.
تقف سهير، الزوجة الجديدة، بكل غرور وتفاخر، تتحدث بنبرة مليئة بالتحدي.
سهير (بابتسامة مصطنعة): إزايك يا أم علي؟ نورتي بيتك القديم!
فؤاد (بصوت قاطع): ده مبقاش بيتها ده بيتك إنتِ يا ست الكل. وهي لو عايزة تقعد، تقعد عشان العيال. بس أنا مبقاش ليا صالح بيها أصلًا
تصمت نجوى للحظات، تحاول أن تتمالك نفسها، قبل أن تنظر إلى فؤاد بعين ممتلئة بالحزن والقهر.
نجوى (بحزم): ومين قالك إني عايزة أقعد معاك؟ أنا ماشية... ماشية على بيت أخويا.
فؤاد (ببرود): روحي.
نجوى (قبل أن تتحرك): بس قبل ما أمشي... أنا مش مسمحاك على اللي عملته فيا يا فؤاد، وعمري ما هخبر أي مخلوق بالفضايح اللي حصلت. يلا يا علي، نمشي.
فؤاد (قاطعًا): علي مش هيخرج. هيقعد هنا، ده بيت أبوه.
ينظر علي بحزن نحو والدته، ثم يقف بجانبها ويأخذ بيدها.
علي (بحزم): أنا همشي مع أمي. يلا يا أمي.
تمسك نجوى بيد علي وتخرج به من السرايا. الدموع تملأ عينيها، وقلبها يعتصره الألم. بعد لحظات من السير، تلتفت إلى علي.
نجوى (بصوت مليء بالوج *ع): أوعاك يا علي تخبر حد باللي حصل.
علي (مطمئنًا): حاضر يا أمي..
---------------------------------------------
في منزل العمده
تدخل نجوى وعلي إلى منزل العمدة بخطوات ثقيلة، ونجوى تحاول السيطرة على مشاعرها المكس ** ورة.
نجوى (بنبرة تعب) : الحمد لله ناهد مش هنا... زي ما قلتلك يا علي، متعرفش حد بحاجة.
علي (متردد): مش انتي عرفتي ناهد يا أمي؟
نجوى (بصرامة): هقولها رجعت من نص الطريق ومروحتش... سامعني يا علي؟
علي (مؤكدًا): حاضر يا أمي.
تمسك نجوى رأسها وتتنهد بتعب واضح.
نجوى (وهي تلمس جبينها):
حاسه حالي... راسي وجعاني قوي وجسمي سخن. أنا طالعه فوق يا علي، آخد حاجة مسكنة وأريح شوية.
علي (بقلق): سلامتك يا أمي.
نجوى (بابتسامة باهتة): الله يسلمك يا ولدي.
تتجه نجوى بخطوات متثاقلة نحو غرفتها، تغلق الباب بهدوء، ولكن بمجرد أن تصبح وحدها تنهار بالب **كاء. الدموع تنهمر بغزارة وهي تتذكر الكلمات التي قالها فؤاد.
صوتها الداخلي: "كبرتي وعجزتي... مبقاش ليكي لزمه".
تمسح دموعها بيد مرتعشة، ولكن الألم يسيطر عليها. تشعر بالخيانة من زوجها وابنتها الكبرى التي لم تدافع عنها ولم تقف بجانبها. تستلقي على سريرها وهي تحاول النوم، لكن حرارة جسدها المرتفعة وبكاءها المستمر يبقيانها مستيقظة طوال الليل.
-----------------------------
في القاهرة، بعد كتب الكتاب
يجتمع الجميع في المنزل بعد انتهاء كتب الكتاب، الجد سليم يبدأ بتوجيه تعليماته للجميع.
الجد سليم : يلا يا عمدة، خد مرتك وسافر. أنا كده كده مسافر الصبح إن شاء الله أعمل العملية.
ثم ينظر إلى صباح بنظرة مطمئنة.
الجد سليم: وانتي يا صباح خلي بالك من البيت والعيال.
صباح (باحترام): حاضر يا عمي.
الجد سليم (ملتفتًا إلى حفيده): وأنت يا سليم، خد بالك من ولاد عمك.
سليم (بهدوء): بعد إذنك يا جدي، البنات هيفضلوا هنا، وأنا هاخد عمر وفريد ونروح بيتنا.
الجد سليم (بنبرة يعرفها الجميع): أنا عارف دماغك كويس يا سليم... بس اسمعني، انتو كلكم ولادي، وربايتكم زينة. كلكم هتقعدوا هنا.
تتقدم بستان بخجل، تريد أن تطلب طلبًا.
بستان: جدو، ممكن أطلب منك طلب؟
الجد سليم (بحب): قولي يا قلب جدك، يا اللي تعباني معاكي.
بستان (بحنان): تخلي بالك من صحتك، وترجع لنا بالسلامة.
الجد سليم (مبتسمًا): وإيه تاني؟
بستان: خلاص، كده مفيش.
الجد سليم (ضاحكًا): عليا أنا يا بت مصطفى؟ أنا مربيكي وعارفك.
بستان (مبتسمة): اه منك انت يا جدو... طيب لو ينفع يعني، أروح مع سليم وفريد الشركة، أسلي وقتي.
الجد سليم: وماله يا بتي. وليلى ونور وعمر هيروحوا معاكم كمان على ما نشوف موضوع شغله.
يتحدث عمر بنبرة جادة، مصممًا على قراره.
عمر: جدي، أنا عايز أكمل شغلي في الصعيد.
الجد سليم: إن شاء الله يا عمر.
يتدخل حسين لإنهاء الحديث، وقد حان وقت السفر.
حسين: خلاص يا حج سليم، إحنا هنسافر دلوقت، وهنبقى نطمن عليكوا في التليفون.
الجميع: توصلوا بالسلامة إن شاء الله.
---------------------------------
منزل العمدة في الصعيد، صباحًا
يصل العمدة حسين وزوجته نادية إلى منزلهم، ويبدأ أهل البيت في استقبالهم بحفاوة، لكن حسين يلاحظ غياب نجوى.
حسين (مستغرب): أومال فينها نجوى؟ مش عوايدها تنام للوقت ده.
ناهد (مبتسمة): هطلع أندهلها حالًا... هتفرح أوي بجيتكم.
تصعد ناهد إلى غرفة نجوى، وتفاجأ بها جالسة على السرير، عيونها حمراء من الب **كاء.
ناهد (بقلق): بتب ** كي ليه؟ ورجعتي إمتى من السرايا؟
نجوى (بتعب): ما أنا غيرت رأيي وعاودت من نص الطريق.
ناهد: أومال بتبكي ليه؟
نجوى (محاولة إخفاء ألمها): مفيش، بس راسي وجعاني شوية.
ناهد: ألف سلامة عليكي. صحيح، ده أنا طلعت عشان أقولك إن أبوي وأمي جم... مش هتنزلي تسلمي عليهم؟
نجوى (بتعب): حاضر، نازلة معاكي أهو.
تحاول نجوى النهوض من السرير، لكنها تفقد توازنها وتقع، فتمسكها ناهد بسرعة.
ناهد (مذعورة): حرارتك عالية جدًا يا عمتي!
تسرع ناهد بالنزول لتنادي على والدها.
ناهد (بصوت مرتفع): الحقني يا بوي، عمتي تعبانة أوي ومش قادرة تقف، وجسمها سخن قوي
نادية: بسرعة، شوفوا دكتوره الوحدة تاجي تكشف عليها.
يجتمع الجميع حول غرفة نجوى بقلق، بينما علي يقف في زاوية، يبكي بصمت لأنه الوحيد الذي يعرف السبب الحقيقي لما تمر به أمه ولا يستطيع البوح بوعده لها.
بعد لحظات تصل الطبيبة، تكشف على نجوى وتخرج لمواجهة الجميع.
الطبيبة: المدام عندها حمى شديدة وأعصابها مجهدة. أنا اديتها حقنة مهدئة وخافضة للحرارة. لازم تعملوا لها كمادات وتدوها العلاج ده في مواعيده.
ناهد (بتصميم): أنا هقعد جنبها أعمل لها الكمادات.
الطبيبة: أهم حاجة تلتزموا بالعلاج، وإن شاء الله هتبقى كويسة.
تغادر الطبيبة، والجميع يحاول تقديم المساعدة، بينما علي يهمس لنفسه.
علي (بصوت داخلي): أنا لازم أقول لخالي على اللي حصل. إن شاء الله أمي مش هتزعل مني.
يذهب علي إلى خاله حسين بخطوات مترددة.
علي: يا خال، أنا عاوزك انت وعمتي ضروري.
نادية: خير يا ولدي، قلقتنا! في إيه؟
علي: نتكلم جوه الأوضة الأول.
حسين: تعال يا ولدي.
يذهبوا إلى الغرفة، ويبدأ علي في سرد كل ما حدث، منذ خروجهم من منزل العمدة وحتى ما جرى في السرايا وزواج فؤاد.
حسين (بحزن وغض ** ب):
كل ده يجرالك يا خيتي؟ والله ما ههملك يا فؤاد تكسر قلب أختي... بس أنا قولتلها متروحيش، إيه اللي وداها هناك؟
نادية (مقاطعة):مش وقته الحديت ده يا حسين، نطمن على نجوى الأول.
حسين (بإصرار): أنا لازم أكلم سليم ود جمال وأعرفه اللي حصل، زي ما الحج وصاني.
يتصل حسين بسليم، الذي يرد على الفور.
سليم: إزايك يا عمي؟ وصلتوا بالسلامة انت وعمتي؟
حسين: أيوة، الحمد لله وصلنا بالسلامة. بس أنا عاوزك في موضوع مهم. حصل حاجة كبيرة، وأنا مش عاوز أتصرف تصرف يزعل الحج.
يبدأ حسين في إخبار سليم بكل التفاصيل التي رواها علي.
سليم (بجدية): أرجوك يا عمي، متعملش أي حاجة. كل اللي محتاجه منك اسم الواد ده بالكامل، وأنا هتصرف.
يغلق سليم الهاتف، ويتصل على الفور بصديقه عصام.
عصام (ضاحكًا): سليم الغالي اللي ناسي أصحابه!
سليم: مشاغل يا صاحبي، م انت عارف اللي أنا فيه.
عصام: عارف والله. خير، أؤمرني.
سليم: في واد اسمه وليد إسماعيل الخضري من محافظة قنا، نجع السوالمة. عايزك تعرف لي عنه كل حاجة، وبسرعة.
عصام: من عيني يا صاحبي. يومين بالكثير وأجيب لك قراره.
يغلق سليم الهاتف وعلامات الغض **ب والجدية تظهر على وجهه.
----------------------------------
( فيلا العمري بالمعادي)
الجميع يتحرك في استعدادًا للخروج للعمل في شركة سليم.
فريد (بصوت عالي): يلا يا بنات، كده هنتأخر، خلصوا بقى.
البنات (معًا): خلاص إحنا جاهزين أهو.
عمر (مبتسم): ده النهارده البنات اللي في الشركة هيموتوا بغيظهم منكم.
ليلى (بدهشة): يا سلام! عرفت منين إن هناك في بنات؟
عمر (ساخرًا): أكيد طبعًا في بنات، مش شركة رجالة بس.
فريد (بجدية): بطل الهزار ده يا عمر، البنات هناك كلهم محترمين.
نور (بغيرة واضحة): إيه ده يا فريد؟ وإنت مالك بيهم بقى؟
فريد (مستغرب): أنا مبحبش كده يانور ما قلتش حاجة!
بستان (تنظر لعمر): عجبك كده يا عمر؟ كل حاجة بتحصل بسببك.
عمر (ضاحكًا): كل حاجة عمر عمر! طب يلا يا فريد بينا.
فريد: يلا يا أخويا، خلينا نخلص.
-----------------------------------------
يركب الجميع السيارة في أجواء متوترة نوعًا ما. تحاول بستان تهدئة الوضع بلطافة.
بستان: إيه مالكم؟ ما خلاص بقى. ولا أقولكم؟ أنا كمان هتخانق مع سليم وتبقى كملت.
يضحك الجميع قليلًا، وبعد لحظات يصلون إلى الشركة. تدخل البنات ويلاحظن أن جميع الموظفات في الشركة محترمات، حتى سكرتيرة سليم بملابسها المهذبة وسلوكها الراقي.
بستان (بارتياح): أنا مكنش عندي شك في أخلاق سليم.
تنظر إلى نور بابتسامة خفيفة.
بستان: ولا إيه يا نور؟
نور (بخجل): أنا آسفة يا فريد، بس كنت غيرانة عليك.
فريد (مبتسمًا): خلاص، عفوًا عنك يا نوري.
ليلى (تنظر لعمر): إيه يا عمر؟ كان لازم تقول الكلام ده؟
عمر: بصراحة؟ كنت عايزك تغيري عليا.
ليلى (تضحك): آه، وماله.
فريد (بجدية): طب يلا نشوف شغلنا، مش عايز دلع.
بستان: وإحنا هنشتغل إيه بقى؟
يخرج سليم من مكتبه بعدما سمع الحوار بأكمله بصوت عالي.
سليم: أنا هدرب بستان، وفريد يدرب نور. أما أنت يا عمر، أنت وليلى شوفوا حاجة تعملوها بدل الوقفة دي. وخف هزارك شوية، يا عمر، عشان الموظفين يحترموك.
عمر: أنا عرفت أنا هشتغل إيه... همسك أمن الشركة، والبت ليلى العسكري بتاعي!
ليلى : عمر! وبعدين معاك؟
عمر: هو أنا عملت حاجة؟ يلا قدامي يا دفعة.
سليم (بجدية مخلوطة بسخرية): روح يا عمر، وفوت علينا بكرة.
عمر: خلاص والله، مش ههزر.
سليم: طب انزل بقى على الأرشيف، رتب الملفات عشان تعرف تهزر كويس.
عمر (متذمرًا): أرشيف وتراب ووجع قلب!
سليم: كلمة كمان، وهشغلك تعمل لنا شاي وقهوة.
عمر: غلاسة بغلاسة... أختي مش هتروح معاك في حتة.
سليم: لا يا حبيبي، أختك مراتي.
عمر (بتنهيدة): كده؟ طب خلاص والله، مش ههزر تاني.
سليم: طب قل لي، بتعرف تعمل إيه غير الاستظراف؟
عمر: أقولك؟ أكل الفاكهة اللي بتصدروها.
سليم :مفيش فايدة فيك! عطلتني بما فيه الكفاية. أقولك إيه؟ تعال معايا على مكتبي. معلش يا بستان، خليكي هنا مع ليلى.
يأخذ سليم عمر إلى مكتبه.
سليم (بجدية): مش أنت كنت ظابط؟
عمر (بثقة): إيه كنت دي؟ أنا لسه زي ما أنا.
سليم: طيب لو سألتك عن حد في البلد، هتجاوبني عنه كويس؟
عمر (ضاحكًا): أوعى تكون هتتجوز على أختي!
سليم:يا ابني، افهمني. في واحد اسمه وليد الخضري... عايزك تسأل عنه، بس بيني وبينك.
عمر (بتفاجؤ): أوعى يكون قصدك على اللي كان متقدم للبت أمنية؟
سليم (بدهشة): قصدك جوزها
يندهش عمر أكثر من سماع هذه المعلومة، وتتغير ملامح وجهه تمامًا...