رواية أسير عينيها الفصل الثالث 3 والرابع 4 الجزء الرابع بقلم دينا جمال


رواية أسير عينيها

الفصل الثالث 3 والرابع 4 الجزء الرابع

بقلم دينا جمال


توسعت عينيها على آخرهما، بلعت لعابها بذعر تنظر لملامحه المخيفة بالنسبة لها، تلك الإبتسامة الواسعة الشيطانية، التي تحتل شفتيه تتفرس عينيها في قسمات وجهه لتري لمعة غريبة تضئ في مقلتيه، الجميع يراه وسيما الا هي، تراه مفزعا مخيفا نظراته قاسية حادة تكرهها، دائما ما تشبه عينيه بالبحر متلاطم هائج الأمواج.


امواج تشعر دائما أنها تبلعها تغرقها تسلب انفاسها حتى الموت، ولكن في تلك اللحظة عينيه كانت كبحر صافي نقي تتلألا قطراته تحت اشعة عشقه الساطعة، كورت يديها تقبض على كفيها تشعر بذلك النابض يكاد ينفجر مشاعرها مختلفة مضطربة مزيج ما بين الخوف والكره والغضب كيف يفرض هيمنته عليها بتلك البساطة...


توسعت عينيها بذعر حينما رأته يقترب برأسه منها شيئا فشيئا ببطئ شديد وكأنه يملك وقت العالم أجمع، التصقت بظهر الكرسي تتنفس بعنف تهدجهت أنفاسها من قربه المباشر تمنت لو تنزع تلك الابتسامة السخيفة من على شفتيه، ارتجف قلبها غضبا، حينما سمعته يهمس بصوت خفيض ماكر:

- اهلا...

صمت للحظات يتفرس في قمساتها يروي صحراء قلبه الجرداء بعذوبة عشقه لها، ليكمل هامسا بعشق:.


- وحشتيني يا حبة البندق، صورتك ما بتغبش عن عيني طول الوقت بس الصورة

ما تغنيش عن جمال الأصل يا بندقتي

كلماته عاشقة محبة لطيفة ولكنها تنزل كالحمحم على قلبها تجعله يزداد

سخطا عليه وخوفا منه تكرهه تمقته تخافه وهو مستمر بالالتصاق بها كالعلكة صعب التخلص منه، ترقرقت دمعتين في عينيها تنظر له بمقت شديد:

بكرهك.


مد يده ممسكا بخصلة ناعمة من شعرها الطويل الناعم كشلالات من الشكولاتة الذائبة، ابتسم بثقة يحرك رأسه إيجابا:

عارف انك بتكرهيني بس وعد مني اني هخليكي مش تحبيني لاء، تعشقيني، تعشقي كلامي صوتي لمستي، وعد من زيدان الحديدي وأنا عمري ما اكسر وعدي يا بنت خالي.


اشتعلت عينيها غضبا لتدفعه في صدره بقوة تركض لخارج الغرفة تشتمه في نفسها بكل أصناف السباب التي تعرفها، سمعت صوت دقات على باب المنزل اتجهت سريعا تفتح الباب لتنفرج قسماتها فرحا صرخت بسعادة تتعلق برقبة الواقف:

جااااااسر وحشتني اوووي اوووي يا جوجو

ضحك ذلك الوسيم الواقف ليطوقها بين ذراعيه برفق يرفعها قليلا عن الارض يغمغم من بين ضحكاته القصيرة:

- يا بت يخربيت دا دلع مهبب.


« جاسر رشيد راشد الشريف، مهندس زراعي في منتصف العشرينات، ذراع والده الأيمن يعتمد عليه في كل شئ تقريبا، هو ولينا أخوه من الرضاعة، طويل القامة ملامحه شرقيه أصيلة بشرة قمحية اصطبغت بأشعة الشمس عيناه سوداء، شعره اسود كثيف، »

جذبت ضحكاتها ونغمات صوتها قلب زيدان فخرج ليري ما يحدث، قلب عينيه بضجر يتمتم في نفسه حانقا:.


-أستاذ سماجة جه، شوف متشعلقة في رقبته ازاي، طب ما أنا كمان عندي رقبة ما تتشعلق فيا...

انتبه جاسر لوجود زيدان، ليلف ذراعه حول كتفي لينا يتحرك بها ناحيته مد يده اليمني يصافح زيدان بابتسامة واسعة بشوشة:

- اهلا ازيك يا زيدان عاش من شافك يا جدع، اخبارك ايه

اجبر شفتيه على رسم بسمة بسيطة متكلفة يتمتم بكلمة واحدة فقط:

- كويس

لم يضايق رد فعله جاسر بطيبعته المتسامحة البشوشة، ليكمل ضاحكا في مرح:.


- ايه يا عم زيدان مالك مش طايقني كدة، دا المثل بيقولك غديني ولا تلاقيني يا جدع...

تغاضي زيدان عن مزحة جاسر السخيفة ولم يعلق عليها بل دس يديه في جيبي بنطاله ينظر لكلا من لينا وجاسر معا ليلتوي جانب فمه بابتسامة صغيرة ماكرة:

- ومش هطيقك ليه يعني دا أنت اخو مراتي وخال العيال.


في الاعلي، فتح باب الغرفة تبحث عينيه عنها بشوق هنا وهناك ولكن للأسف لا أثر لها، صوت تدفق مياه المرحاض أخبره بمكانها، تهاوي على الفراش يخلع حذائه يليها سترة حلته، لينفتح باب المرحاض وتخرج هي في تلك اللحظة، متردية ذلك المئزر الأبيض القطني الخاص بها تلف شعرها بمنشفه بيضاء كبيرة ابتسمت برقة ما أن رأته لتقترب من مرآه الزينة أزاحت المنشفة من فوق شعرها تحركه برفق ليتطاير منه الماء بينما ابتسم هو في خبث ليقترب منها يدندن بصوت عالي:.


- يا خارجة من باب الحمام وكل خد عليه خوخه

ضحكت عاليا بدلال لتلتفت له تعبث في رابطة عنقه تهتف من بين ضحكاتها:

- يا قديم الناس دلوقتي بتغني إنجلش وانت تقولي يا خارجة من باب الحمام

قرص وجنتها برفق يغمز لها بطرف عينه اليسري يغني وهو يضحك:

- طب يا خارجة من باب ال bathroom وكل cheek عليه خوخة.


نظرت له بذهول للحظات لتنفجر في الضحك، حقا ذلك الرجل سيصيبها بالجنون بأفعاله الصيبيانية هذه، ادمعت عينيها من شدة الضحك تشعر بعضلات فمها تتشنج بصعوبة بدأت تهدئ لتهتف من بين ضحكاتها المتقطعة: - مش معقول يا خالد ما تكبرش ابدا على الجنان دا

تجهمت ملامحه بضيق حقيقي تلك المرة ليمد يده يقرص وجنتها بعنف رقيق قائلا بغيظ:

- لينا مش حاجة لذيذة انك تفكري الواحد كل شوية أنه كبر ماشي يا حبيبتي.


ختم كلامه بصفعه خفيفة من يده على رقبتها من الخلف، نفخت خديها بغيظ على اثرها لتشهر سبابتها امام وجهه احتقن وجهها بغيظ تهتف بحدة:

- قولتلك ألف مرة ما تضربينش على قفايا والا

صمتت حينما اقترب منها محطما بخطواته مساحتها الشخصية رفع حاجبه الايسر يبتسم بشر متمتا بتهكم:

- والا ايه يا ست لينا

ابتسمت ببلاهة تبحث بعينيها عن اي شئ حولها تحاول تهديده به، صدقا لم تجد ما تقوله، لتعاود النظر له تبتسم باتساع:.


- ايه يا لودي يا حبيبي مالك قفوش كدة وبعدين مين دا اللي كبر دا أنت شيخ الشباب يا راجل

ابتسم في خبث وعقله يدور في محور أفكار غير بريئة بالمرة، ما كاد يقترب منها خطوة يحاصرها بذراعيه ليصدح من الأسفل اصوات صرخات وشجار عالي، احتدت عينيه بغضب، بينما أصفر وجه لينا خوفا من تلك الأصوات، لتنظر لخالد تصيح بلهفة أم خائفة:

- خالد شوف ايه بيحصل تحت وأنا هغير هدومي واحصلك.


قالتها لتهرع إلى غرفة الملابس بينما خرج هو من الغرفة غاضبا متجها إلى اسفل يتمتم في نفسه بحنق:

- أنا نزلكوا يا ولاد الكلب مش عارف استفرد بالبت شوية

اقترب منهم ليجد ابنته تتمسك في ذراع جاسر بقوة تنظر لزيدان بكره تصيح فيه:

- هي مين دي اللي مراتك يا حيوان يا مجنون أنت

ليصيح جاسر فيها بحدة:

- لينا عيب اللي بتقوليه دا

بينما ابتسم زيدان ساخرا ينظر للينا نظرات ثاقبة واثقة:.


- عيب يا بنت خالي أنا مش هحاسبك على قلة ادبك دي عشان انتي لسه مش مراتي

اتسعت عيني لينا بفزع تصرخ بجنون:

- ولا عمري هكون إنت، أنا مستحيل اتجوزك لو فيها

صمتوا، صمت قوي طغي على ثلاثتهم حينما زمجر هو غاضبا:

- بسس أنت وهو وهي انتوا واقفين في سوق.


اقترب منهم ينظر لهم شرزا، لتترك لينا ذراع جاسر وتندفع ناحية أبيها تختبئ في صدره ترتجف بعنف ليرفع خالد يده يحاوط ابنته برفق ينظر للشابين أمامه بحدة يحاول ان يهدئ حتى لا يخيفها:

- في إيه البهوات كانوا بيتخانقوا ليه

تدخل جاسر سريعا محاولا فض ذلك النقاش الحاد، ابتسم يهتف على عجل:

- ما فيش يا عمي دا مجرد سوء تفاهم مش اكتر.


خرجت من بين أحضان والدها الحامية لها، لتقف بالقرب منه تستمد منه القوة، الأمان، لا تخاف من زيدان وهو موجود، نظرت ناحية زيدان تصيح بكل الكره المطبق على خلجات قلبها:

- لا مش سوء تفاهم، مش سوء تفاهم ابدا

رفعت يدها المرتجفة تشير بسبابتها ناحية زيدان تصرخ بكره:.


- مراته عايزني ابقي مرااااته مش ممكن يحصل، مستحيل، أنت فاهم، أنا مش ممكن في يوم اربط حياتي معاك، أنت أكتر إنسان أنا بكرهه، أنت ايييه يا أخي معاندكش دم، فارض نفسك على حياتي غصب عني، بقولك بكرهك ما بطيقش أشوف وشك، سيبني في حالي بقي ابعد عني اخرج من حياتي، اعمل إيه عشان اخلص منك يااارب تموت يا رب ولا تغور في داهية تاخدك، أنت فاكر نفسك ايه، انا بكرهك وهفضل اكرهك لحد ما اموت، كفاية اللي عملته فيا زمان، كفاية، ما حدش مصدقني ما حدش عايز يصدقني، كلهم مصداقينك أنت، أنا بس اللي عرفاك على حقيقتك، أخرج برة اطلع برة.


جذب خالد يدها بعنف لتقترب منه تنظر له تبكي بعنف بينما ينظر لها هو له بغضب يتأجج في مقلتيه صاح فيها غاضبا:

- أنتي اتجننتي ايه اللي انتي بتقوليه دا، اعتذري حالا

نفضت يدها من يده بعنف تحرك رأسها نفيا بقوة تصرخ غاضبة:

- لاااااا مش هعتذر، طلعه برة، طلعه برة بيتنا وحياتنا بقي...


انتي قليلة الأدب، صرخ بها خالد بعنف ليرفع يدها هوي بها بقوة ليسمع صدي صفعة عنيفة دوت في ارجاء المكان ليطغي بعدها صمت مطبق، لينا تقف تنظر لزيدان بذهول في لحظة وجدته يدفعها من امام أبيها ليتلقي هو تلك الصفعة القاسية بدلا عنها، ظل واقفا بثبات لم يهتز له جفن، فقط نظرة لخالد يهتف بهدوء:

- ما تضربهاش، أنت عمرك ما عملتها، ومش هتعملها دلوقتي حتى لو عشاني.


التفت للينا بعد ذلك ينظر لها بألم تجسد في حدقتيه وقلبه يغلي كمرجل مارد من نار يسيطر عليه بمعجزة، ارتسمت ابتسامة شاحبة على شفتيه يهتف بهدوء:

- أنا ماشي يا بنت خالي، بس انسي أن أنا أخرج من حياتك، انا اتعذبت كتير في حياتي، وأنا للأسف ولحظك الوحش، بعتبرك هديتي اللي هتعوضني عن كل اللي شوفته في حياتي، فمعلش بقي مش هتعرفي تخلصي مني يا مراتي، عن اذنكوا.


تركهم ورحل بهدوء، اقترب خالد من ابنته يقبض على ذراعيها بقوة يهزها بعنف صائحا فيها:

- انتي إيه اللي جرالك، أنا حاسس إني واقف قدام واحدة تانية مش لينا بنتي ابدا

اقترب جاسر منهم سريعا يحاول تخليص لينا من يد والدها يهتف بلهفة:

- يا عمي خلاص حصل خير، هي غلطت وهتعتذر

نظر له خالد بحدة يزجره بنظراته المشتعلة القوية:

- ابعد يا جاسر، ما تدافعش عنها أنا اللي دلعتها زيادة عن اللزوم.


عاود النظر لها ليرتجف قلبه خوفا على طفلته، هاله وجهها الأحمر الباكي شهقاتها الخفيضة المكتومة جسدها الذي بدأ في الارتجاف بعنف كادت تهوي ارضا من بين ليسرع يلتقطها بين أحضانه يعانقها برفق لتتسمك به بقوة تهمس باكية من بين شهقاتها العنيفة:

- أنا آسفة يا بابا، آسفة، عشان خاطري لو بتحبني ابعده عن حياتي، أنا ما بحبوش بكرهه بخاف منه، كفاية اللي عمله فيا، أنت ليه مش مصدقني.


ابعدها عنه يمسح دموعها بكفي يده بخفة، حرك رأسه نفيا يهتف بحزم:

- زيدان ما عملكيش حاجة، زيدان كان معايا، زيدان مستحيل يأذيكي، لو مش هبقي ببالغ اقولك أنه بيخاف عليكي أكتر مني، واللي انتي قولتيه دا يجرح كرامة اي راجل، وهتعتذري عليه يا لينا، هتروحي لزيدان تعتذرليه

اتسعت عينيها فزعا تحرك رأسها نفيا بعنف ليشهر خالد سبابته أمام وجهها يهتف بنبرة قاطعة:.


- آخر ما عندي يا بنت السويسي هتيجي معايا بكرة الشغل وهتعتذري لزيدان بكل أدب عن قلة الأدب اللي حصلت من شوية، يا أما هيبقي فيه معاملة تانية خالص يا لينا، واضح اني دلعتك زيادة عن اللزوم

ابتعدت عن والدها لتقف جوار جاسر تنظر له تتوسله بنظراته أن ينقذها من ذلك الموقف ليرفع الاخير كتفيه ينظر لها بهدوء:

- بتبصيلي ليه عمي عنده حق انتي غلطي فيه جامد بصراحة، ورغم كدة ما استحملش أنك تتضربي وخد القلم عنك...


بلعت لعابها بتوتر وعقلها يدور في محور فكرة واحدة أن ذهبت مع ابيها غدا لن تستطيع الذهاب إلى الجامعة لن تري معاذ ليومين، رفعت وجهها تنظر سريعا لوالدها تهتف بتوتر:

- ما هو يا بابا اصلي عندي محاضرة بكرة مهمة جدا، كفاية اني ما روحتش النهاردة

وضع يده اليسري على خاصرته، بينما التقط باليمني هاتفه الجوال يعبث فيه لحظات وبدأ يتحدث بصوت مرتفع قليلا يقرأ ما أرسل إليه:.


-خالد باشا أنا آسف لازعاج سيادتك، أنا حبيت بس ابلغ بس حضرتك أن عندي بكرة مؤتمر طبي مهم، ومش هقدر ادي محاضرة بكرة، الكلية نزلت اعتذار بس أنا قولت لازم أبلغ حضرتك، دكتور علاء

رفع وجهه عن الهاتف يبتسم ساخرا:

- ما فيش محاضرة مهمة، خدي جاسر واسبقوني عشان ناكل، وبكرة بدري تكوني جاهزة عشان هتيجي معايا

حركت رأسها إيجابا بطاعة لتتحرك بصحبة اخيها متجهه إلى غرفة الطعام، تفكر في حل ليخرجها من تلك الورطة.


يقود سيارته بأسرع ما يكون، كلماتها كالخناجر كل نصل يطعن فيه بلا هوداة كبريائه كرامته سحقتهم بكلماتها السامة، تكرهه وهو يعشقها، تخافه وهو فقط يود أن يشعر بالأمان بين دفئ ذراعيها، ولكن لا وألف لا لن يتركها لن يتخلي عنها، هي ملكه

غنيمة حربه مع الحياة، حربه اثخنت جسده بالطعنات ليفوز بها في النهاية لن يتركها بتلك السهولة، هو فقط ينتظر الفرصة ليسترد غنيمه قصرا من بين مخالب الحياة.


شعر بالاختناق حرارة لاهبة تحتاج جسده غاضبا لأبعد حد، التقط هاتفه سريعا يطلب ذلك الرقم، وضعه الهاتف امامه بعدما فتح مكبر الصوت لحظات وسمع صوت صديقه يصيح عاليا بمرحه المعتاد:

- ازوز وحشني يا جدع فينك

ارتسمت شبح ابتسامة على شفتيه ليزفر بحرقه متنهدا بألم:

- أنا مخنوق يا حسام

زفر حسام بغيظ من أفعال صديقه، يهلك نفسه بحب من طرف واحد، ليهتف بحنق:.


- يا عم ما أنا قولتلك سيبك من البت البومة دي البنات على قفي من يشيل...

شد زيدان على أسنانه بغيظ يصيح في حسام بحدة:

- وأنا قولتلك ميت مرة بطل تقول عليها بومة يا حيوان، اخلص أنت في المستشفى ولا روحت

قلد حسام صوت انثوي مضحك رفيع:

- آه يا بيبي أنا لسه في المستشفى عايز تيجي تكشف

كبح زيدان ضحكاته بصعوبة هاتفا بحدة مفزعة:

- دا أنا هاجي اكشف عليك بصوتك دا، استناني يا حيوان

ليصيح حسام بفزع:.


- لا يا زيدان ورحمة ابوك المشرحة ما فيهاش مكان، استني لما تفضي طيب، الو زيدان

اغلق الخط في وجه صديقه ليطلق لضحكاته العنان، حسام الوحيد القادر على تغيير حالته مهما كانت.


اغلق الخط ينظر لهاتفه يتنهد يأسا على حال صديقه المقرب، عشقه لتلك الفتاة من طرف واحد يهلكه يقتله يفتت شرايين قلبه ببطئ، كم مرة أخبره أن يبتعد عنها، يتركها سيجد من تبادله عشقه الكبير ولكنه دائما ما يرفض بجملة واحدة

« لينا دي غنيمة حربي مع الدنيا، أنا شوفت كتير اوي ومش مستعد اتنازل عنها مهما كان ».


اغمض عينيه يزفر بحرقة غنيمة عصية لا تلين لا قلب لها من الأساس أن كانت تملك واحدا لشعرت بذلك العشق الجارف الذي يفيض عليها من

ناحية صديقه، اجفل على صوت دقات تليها دخول الممرضة تهتف مبتسمة:

- دكتور حسام ادخل لحضرتك الكشف اللي بعده.


حرك رأسه ايجابا يبتسم بهدوء، لتخرج الممرضة ومن ثم دخلت سيدة تقريبا في منتصف العشرينات يظهر من بطنها المنتفخ انها في شهور حملها الأخيرة، ترافقها سيدة عجوز متشحة بالسواد ذكرته بتلك الممثلة في أحدي المسلسلات الصعيدية التي تشاهدها والدتها باستمرار، حمحم يبتسم بهدوء:

- اتفضلوا اقعدوا...


اخذ ملف حالة المريضة وبدأ يفحصه، بدقة قبل أن يجري فحصه عليها يسألها بعض الأسئلة الطبية المعتادة، ليجذب انتباهه صوت تلك السيدة العجوز تهتف متهكمة:

- تخيل يا دكتور إن الهانم عايزة تعمل استشوار على بطنها

حرك رأسه نفيا بالتأكيد سمع الكلمة خطأ، قطب ما بين حاجبيه ينظر للمريضة باستنكار:

- لاء حضرتك هنا عيادة دكتور نسا مش كوافير لولو للسيدات، وبعدين استشوار ايه اللي على بطنك.


ابتسمت المريضة بتوتر، أصفر وجهها حرجا لتهتف سريعا تصحح ما قالته تلك السيدة للتو:

- هي قصدها سونار يا دكتور

نظر للسيدة يهتف بهدوء:

- طب وفيها يا حجة مش عشان نعرف نوع الجنين ايه

لوت السيدة شفتيها متهكمة تتشدق ساخرة:

- وانت بقي يا حبة عيني محتاج تعمل البتاع دا هو عشان تعرف ولد ولا بت، فين إيان دكاترة زمان كان يبص في وش الواحدة كدة يعرف هي حامل في ولد ولا بنت ولا...

قاطعها حسام يضرب كف فوق آخر يضحك ساخرا:.


- ولا ايه، ما هو يا ولد يا بنت، ما فيش نوع تالت نزل السوق، إسألي حتى الدكاترة بتوع زمان، ما كنوش بيخلفوا كلاب لولو والله

ابتسمت السيدة باصفرار يبدو أن مزحة حسام لم تعجبها لتهتف بثقة:

- على فكرة بقي هي حامل في بت باين اوي من منخيرها

لا يعرف ولكنه وجد نفسه يتحسس أنفه ليضحك ساخرا على حاله، مقررا مجاراة تلك السيدة الغريبة هتف ساخرا:.


- لاء مش فاهم لمؤخذة هي اللي حامل في بنت بتبقي مناخيرها بفتحة واحدة مش فتحتين زي مناخيرنا عادي

رفعت تلك السيدة يدها تمسك بيها أنف ابنتها من اعلي تبتسم بثقة لا يعرف من أين تأتي بها:

- انت مش شايف مناخيرها كبيرة ومكعبرة ازاي واكلة وشها كله، تبقي حامل في بت، اصل البت بتبقي مكسوفة حتى وهي في بطن امها ما بترضاش حد يشوفها عشان كدة الدكاترة بيعرفوا انها بت من مناخير امها.


بسط راحة يده أسفل ذقنه النامية يستند بمرفقه على سطح المكتب ابتسم بخمول متمتما:

- مش حقيقي يا حجة، عشان الكشف اللي قدامك كانت المدام حامل في بنت وظهرت في السونار عادي

شهقت تلك السيدة بحدة تهتف سريعا تدافع عن شرف طفلتهم التي لم تولد بعد:

- دول بنات الناس التانية، إنما احنا بناتنا مؤدبين متربين

ضيق عينيه يرفع حاجبه الأيسر ينظر لها بذهول تلك السيدة من كوكب آخر ابتسم يغمغم ساخرا:.


- انت تبع حزب ما فيش بنت محترمة بتنزل من بطنها عريانة صح

بصعوبة انتهي من ذلك الكشف العجيب، ليتهاوي على كرسيه الصغير اسند رأسه لحافة المقعد الخلفية اغمض عينيه يبتسم كلما تذكر

تعليقات تلك السيدة الغريبة، ليسمع صوت باب الغرفة يفتح تليها خطوات قادمة ناحيته، ابتسم يهتف ساخرا ؛

- طب خبط على الباب، عبرني قدرني اديني برستيجي أنا دكتور هنا

سمع صوت صديقه يهتف ساخرا:

- دكتور على نفسك يا حيوان، قولي خلصت ولا لسه.


اعتدل في جلسته يستند بمرفقيه على سطح المكتب حرك رأسه ايجابا قائلا:

- آه، آخر حالة خرجت قبل ما تدخل على طول، قولي بقي مالك، ست الحسن والجمال عملتلك ايه

حدجه زيدان بنظرة نارية حادة مشتعلة ليزمجر غاضبا من بين اسنانه المنقبضة:

- حسام

رفع كفيه كعلامة استسلام يضحك بشدة يحاول ان يتحدث من بين ضحكاته:

- خلاص يا عم بهزر معاك

حمحم بهدوء يحاول استعادة جديته مكملا:

-ايه اللي حصل.


اغمض عينيه يشد على قبضتيه بعنف كلمة واحدة همست بها شفتيه، كلمة خرجت كشطية حرب ادمت قلبه:

- بتكرهني

اراد صديقه أن يضحك ساخرا ويخبره ما الجديد فهي دائما كذلك ودّ لو يصرخ في وجهه ويخبره ان يتوقف عن استنزاف روحه، تنهد بألم يحاول الابتسام يهتف بهدوء كلمات رزينة عقلانية:

- طب خلينا نتكلم بالعقل، هي دلوقتي مش بتحبك هتعمل ايه.


حرك رأسه نفيا بعنف قلبه وعقله يعلمان بكرهها له، كم مرة صرخ فيها عقله ان يبتعد عنها ولكن قلبه يرفض ويتمسك ويقاوم ويتعذب هو تنهد بيأس يخفي وجهه بين كفيه:

- مش مهم، مش مهم تحبني، أنا بحبها أنا هعرف اخليها تحبني، أنا بس عايز فرصة واهي قربت، فاضل ايام بسيطة وتبقي بين ايديا.


زفر حسام بغيظ من حال صديقه الذي يذكره بتلك المسرحية المأساوية مجنون ليلي، التي انتهت بموت البطل والبطلة، نظر له بغيظ يهتف بحدة طفيفة:

- يا ابني افرض أنها بتحب واحد تاني، هترضي على نفسك تتجوز واحدة قلبها مع غيرك.


ازاح يديه من على وجهه ينظر للفراغ بصدمة عينيه ساخطتين بذهول وكلمة واحدة تتردد داخل كيانه كله، تحب غيره، بدأ عقله بسرعة يجمع الأحداث السابقة يدور في محور فكرة تحب غيره، هب يقف سريعا ليتجه إلى خارج الغرفة يهتف على عجل:

- حسام أنا لازم امشي هكلمك بعدين، سلام

تنهد حسام يأسا يودعه:

- سلام يا صاحبي.


في فيلا خالد السويسي.


على طاولة الطعام يجلس كلا من خالد ولينا وحسام ولينا الصغيرة، يأكلون بصمت لا أحد منهم ينطق بحرف، نظر خالد ناحية لينا يطالعها بنظرات قلقة خوفا عليها ليمد يده يربط على كف يدها الموضوع على الطاولة برفق رفعت وجهها له تبتسم بشحوب ليبادلها بابتسامة صغيرة مطمئنة، يحاول فقط أن يخبرها أن كل شئ سيصبح على ما يرام، يتذكر حالتها قبل قليل، اتجه جاسر ولينا إلى غرفة الطعام ليصعد هو باحثا عنها تعجب كثيرا من تأخرها اصوات الشجار كفيلة بأن تجعلها تهرع إليهم، دخل إلى الغرفة ليجدها تقف في شرفة غرفتهم الخاصة تنظر لسيارة زيدان وهي تغادر الفيلا تبكي بصمت، اقترب منها إلى بات خلفها مباشرة ينظر لحالها بأسي فما كان منها الا أن ارتمت في صدره تنشد منه الأمان تمسكت بقميصه بقوة تشهق باكية بعنف:.


-ما قدرتش انزل يا خالد، والله ما قدرت، ما كنتش هقدر اشوف ولادي الاتنين وهما بيتخانقوا بالشكل دا، ما كنتش عارفة هراضي مين لينا ولا زيدان..

رفع يده يربط على رأسها برفق يغمغم بهدوء يطمئنها:

- كل حاجة هتبقي كويسة ما تشليش هم حاجة انتي بس وكله هيبقي تمام

عاد من شروده يبتسم في وجهه يحرك شفتيه يخبرها دون صوت « كله هيبقي كويس »

فهمت اشارته لتبتسم تحرك رأسها إيجابا.


توجهه بانظاره ناحية جاسر الذي يشاكس لينا يحاول إخراجها من حزنها ليهتف بهدوء:

-اخبار رشيد ايه يا جاسر

نظر جاسر له يبتسم باتساع يحرك رأسه إيجابا:

- الحمد لله كويس

وضع خالد معلقة الطعام من يده ينظر له بتجهم يتمتم فجاءة برود:

- وأنت عرفت ازاي أنه كويس وأنت بقالك شهر ما بتنزلش البلد، لاء وفوق كدة بقالك اسبوعين ما بتروحش الارض غير ساعة كل كام يوم، البيه بيروح فين.


بلع الأخير لعابه بتوتر يترك معلقة الطعام من يده يحاول أن يرسم ابتسامة صغيرة على شفتيه:

- هكون بروح فين يعني، هو أنا لازم ابات في الأرض 24 ساعة أنا بتابع كل صغيرة وكبيرة فيها، الوقت التاني دا بتاعي اعمل فيه اللي أنا عايزه...

اخترز خالد انفعالته بنظراته الهادئة جاسر يكذب يخبئ شيئا ما يحاول مداراته، حك ذقنه باصبعيه السبابة والابهام يبتسم بمكر قائلا:

- ابوك بيتشكيلي منك.


وكما توقع تماما، هب جاسر واقفا كمن لدغه عقرب يصيح بانفعال:

- بيشتكي مني، بعد كل اللي عملته عشانه بيشتكي مني، حلمي اللي سيبتي، دراستي اللي بكرهها، شغلي في الأرض اللي مش بطيقه شغال مرمطون تحت رحمة رشيد بيه وفي الآخر بيشتكي مني، ايييه عايزني عبد ليه

بسط خالد كف راحة يده أسفل ذقنه يستند بمرفقه على سطح الطاولة يتمتم ساخرا:.


- خلصت خلاص، تتفضل بقي تقعد بدل ما اقوم اطبطب بايدي على وشك، نظام خدوهم بالصوت اللي عملته دا مش عليا يا ابن رشيد أنت عشت معايا أكتر ما عشت مع ابوك وعارفك كويس، فاحسنلك تتعدل عشان أنا لو حبيت اعرف انت بتعمل إيه هعدلك انفاسك مش بس خطواتك، ودا اعتبره تحذير

انتقل بمقلتيه لابنته يكمل بابتسامته الساخرة:

- والاستاذة تطلع تنام بدري عشان هنروح بكرة الإدارة...

نظر جاسر إلى لينا كل منهما يفكر في القادم.


هتف جاسر في نفسه بحزم:

- أنا لازم اخد بالي كويس مش لازم حد يعرف حاجة...

اما لينا كانت تحترق غيظا تهتف في نفسها:

- اووووف بقي اوف سي زفت وقرف سي زفت.


في مكتب عمر.


بعد ساعات طوال من مناقشة الصفقة بنسبة خمسة في المئة والحديث عن اي شئ آخر بقية الوقت، انسجم عمر كثيرا مع ناردين وجد فيها ما يفتقده في تالا، تحادثه، تضحك على مزاحاته السخيفة، تنظر له وهو يتحدث كأنه يفعل شيئا هاما لا فقط يتحدث، اتسعت ابتسامته ينظر لها، بينما وقفت هي من مكانها التفت حول مكتبه تقف جواره بحجة أنه تشرح له احد بنود العقد، ما ان اقتربت منه اخترق أنفه رائحة عطرها المسكرة ليشعر برأسه يثقل ودقات قلبه تتسارع، هي تتحدث وتشرح وهو فقط ينظر لها يبتسم كالابلة، فاق على يدها التي امتدت امام وجهه تشير إلى تلك الصورة الصغيرة تهتف باسمة:.


- دول بناتك

نظر للصورة الصغيرة ليبتسم بحزن يحرك رأسه إيجابا، لتلقط هي الصورة تتفحصها تبتسم برقة وهي تقول:

- عسولات اوي، أشارت لصورة سارين تهتف:

دي شبهك اكتر حتى لو عينيك

وضعت الصورة مكانها لتقترب منه قليلا تبتسم بجراءة تهمس بنعومة:

- تعرف أن الرجالة اللي لون عينيهم بيبقي غامق زي عينيك كدة بتبقي ليهم جاذبية خاصة مستحيل تبقي عند اي حد غيرهم.


بلع لعابه بصعوبة وناقوس الخطر يدق في عقله وشيطانين الانس والجن جميعا تقف جواره الآن تدفعه لأن يقترب منها، وهو اقترب كثيرا كاد بشفتيه ان يقبل جمر النار لتقع عينيه على تلك الصورة الصغيرة ليبتعد عنها سريعا يضع يديه على رأسه يشد على شعره بعنف يلهث بقوة بينما تقف هي خلفه تبتسم بخبث قريبا ستحقق ما تريد.


جلست سارة على فراشها تلعب في هاتفها، هو منفذها الوحيد لتهرب من شجارات والديها انغمست في عالم الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، كانت كعادتها حزينة شاردة تفكر بيأس في حالها، تتمني لو تهرب بعيدا، ولكنها أضعف من أن تفعل ذلك زفرت بضعف لتشعر باهتزاز الهاتف في يدها، وصلتها رسالة من شخص يدعي تامر، فضول ليس أكثر من فضول فتحت الرسالة لتجد فيها.


« شكلك حزينة، كلامك كله دموع، اتمني لو اقدر اخفف حزنك، لو حابة تحكي تفضفضي انا مستعد اسمعك، وصدقيني هحاول اساعدك على قد ما اقدر، هحاول أكون صديق و سند ليكي لو مش حابة ولا كأنك شوفتي حاجة ».


بلعت لعابها بقلق دقات قلبها تقرع بعنف كالناقوص، سند!، صديق يسمع، اغمضت عينيها بتوتر تعض على اناملها بعنف تتذكر تحذيرات والدتها بألا تحادث اي غريب على تلك الصفحات، وبحركة طائشة غير محسوبة وجدت نفسها ترد الرسالة

« أنا سارة، » وصمتت لم تجد ما تقوله، فقط كلمة واحدة فتحت بها ابواب سد لطوفان سيجرفها في طريقه.


في صباح اليوم التالي، صباح يوم جديد استيقظت تلك الصغيرة على مضض حتى لا يغضب والدها منها تود حرق نفسها حية بدلا من أن تذهب وتعتذر له يكفي انها لن تري معاذ اليوم ايضا بسببه، بدلت ثيابها إلى بنطال ازرق من خامة الجينز وتيشرت أسود طويل باكمام، وحذاء رياضي أسود، عقدت شعرها كديل حصان، نزلت لأسفل تمشي بضجر تتمني لو تسقط من فوق السلم وجدت والدها يقف في الأسفل ينظر إلى ساعته بضجر ليهتف بضيق ما رآها:.


- سنة يا لوليتا يلا يا ماما مستعجل

تحركت خلف والدها بهدوء وطاعة لم تنطق بكلمة واحدة تتمني فقط حينما تصل ان تتلقي خبر موته قتيلا والا تعتذر له، وصلت السيارة إلى المكان المنشود لينزل الحرس اولا يفتح لها ولوالدها ابواب السيارة باحترام.


يجلس على كرسي مكتبه في غرفة كبيرة يتشاركها هو واربعة من زملائه ولأنه يكره المشاركة ويعشق العزلة، يجلس منفردا بعيدا في احد زوايا الغرفة البعيدة لا يود الاحتكاك بهم بأي شكل كان، يفكر كلام حسام يتردد داخل عقله، هل ممكن بالفعل أن يكون غيره يشغل عقلها وقلبها، مجرد الفكرة تشعره بنيران تحرق اوصاله، تؤجج قلبه، تنهد يحاول التركيز في الاوراق امامه ليجذب انتباهه صوت احد زملائه يهتف بوله:.


- خالد باشا داخل معه حتة مزة صاروخ ارض جو، حاجة كدة من بتوع شرق أوروبا

رفع وجهه ينظر لزميله، وعقله ينفي فكرة وجودها هنا، قام من مكانه ينظر من نافذة غرفتهم ليري خالد بصحبه لينا ابنته، التي تمشي بهدوء نظر لملابسها لم يكن بها شئ لافت واسعة طويلة تغطيها بالكامل حتى بنطالها متسع للغاية، احمرت عينيه بلهيب جمر مشتعل يلتفت برأسه بذلك الذي طلب الموت يبتسم بشر يكور قبضته متجها إليه.تبع

رواية أسير عينيها الجزء الرابع للكاتبة دينا جمال الفصل الرابع


توجهت مع والدها إلى غرفة مكتبه تنظر حولها بإنبهار شديد، والدها شخصية مهمة وهي تعرف ذلك الجميع يحيه بمنتهي الاحترام، يشمي بهيبة تطغي على المكان تشعر بهالة من القوة تحيط به تشعر بها تحميها وهي بجانبه لذلك تحرص دوما على أن تبقي جانبه خاصة خارج المنزل...

دخلت خلفه إلى غرفة مكتبه، ليجلس والدها على كرسي مكتبه وهي تجلس على الكرسي المقابل له تفرك يديها بتوتر تنظر أرضا لتسمعه يضحك بصخب:.


- ايه يا لوليتا مالك انتي متهمة يا حبيبتي

ابتسمت ابتسامة خافتة هادئة، لحظات وفُتح باب المكتب وسمعت ذلك الصوت يهتف بترحاب:

- يا اهلا يا اهلا لوليتا عندنا دي الإدارة كلها نورت

رفعت وجهها تبتسم باتساع لتقم من مكانها تعانق ذلك القادم، عانقها برفق ابعدها عنه يقرص خدها برفق:

- عاملة ايه يا زئردة

قطبت جبينها مغتاظطة لتنفخ خدها رفعت سبابتها أمام وجهه تهتف بثقة:

- على فكرة بقي أنا طويلة أطول من ماما حتى.


التفتا معا إلى خالد حينما هتف ساخرا:

- شكلي حلو وأنا قاعد كيس رز كدة صح

ضحك محمد بصخب ليلف ذراعه حول كتف لينا يتقدم بها ناحية المكتب:

- جري ايه يا عم أنا عمها، يعني محرم ما تقلقش

جلست لينا على مقعدها ليشد محمد مقعدا يجلس جوارها...

ابتسم خالد ابتسامة صفراء سخيفة يهتف بتهكم:

- طول عمري بقول عليك عسل أسود، هستني ايه من واحد مسمي ابنه فراس يعني.


تنهد محمد بسأم متذكرا افعال ابنه التي على وشك أن تطيح بالجزء المتبقي من عقله ليزفر بحنق:

- اسكت دا هيجنني لا بيذاكر ولا بينيل، كل ما اشوفه الاقيه بيلعب، تخيل تقوم مفزوع بليل على صوت ابنك بيصرخ، الحقوني هموت، قومت اجري زي المجنون الاقيه بيلعب pubge ولا مش عارف اسمها ايه، لاء وبيقولي بكل براءة مساء الخير يا بابا ايه اللي صحي حضرتك

لتتدخل لينا في الحوار تهتف بضيق:.


- على فكرة يا عمو ابنك استغلالي عشان أنا قولتله يعلمني العبها ازاي، قالي هاتي ميت ناقة حمرا وأنا اعلمك

انفجر خالد في الضحك ينظر لصديقه ليشاركه هو الآخر في الضحك، هدأ قليلا ليهتف من بين ضحكاته المتقطعة:

- عايزة ايه من واحد اسمه فراس يعني، دا جاي من الجاهلية عدل

ليهتف محمد هو الآخر ضاحكا:

- الله يسامحها امه هي اللي اختارت الاسم دا

تجهم وجهه خالد يرفع حاجبه الايسر يناظر صديقه نظرات متهكمة ساخرة:.


- واحنا من امتي بنمشي كلام الستات والله عيب علينا

اغلق الملف الموضوع امامه يمد يده به إلى صديقه يستعيد جديته في الحديث:

- خد الملف دا خلاص خلص وابعتلي زيدان عشان عايزه

حرك محمد رأسه إيجابا أخذ منه الملف ليودع لينا قام ليغادر ما أن فتح الباب حتى وجد أحد العساكر يندفع لداخل الغرفة يلهث بعنف يهتف بذعر:

- الحقنا يا باشا زيدان باشا نازل طحن في واحد من زمايله وما حدش قادر يحوشه لا ظباط ولا عساكر.


هب خالد واقفا يتوعد لزيدان في نفسه ليصيح في ابنته وهو يهرول لخارج الغرفة:

- خليكي هنا ما تتحركيش.


خرج خالد يركض وخلفه محمد وذلك الرجل لتقف هي وحيدة تنظر للغرفة الفارغة بقلق وحيدة بمفردها، ما إن طرأت الفكرة في رأسها تسارعت دقات قلبها بعنف تشعر برعشة مخيفة تسري في اوصالها، حركت رأسها نفيا بعنف تبلع لعابها بذعر لتفر لخارج الغرفة تنظر خلفها بذعر كأنها تهرب من وحش مخيف وقفت تنظر حولها يمينا ويسارا تبحث عن والدها وجدت مجموعة من الرجال يركضون في اتجاه واحد، ركضت خلفهم علها تجد والدها بينهم وصلت لباب غرفة سمعت صوت والدها قادما من الداخل، اقتربت سريعا من الغرفة لتجد والدها يحاول بعنف جذب زيدان من فوق ذلك الشاب، والأخير يرفض تماما يضربه بعنف مخيف...


ليصرخ خالد بقوة افزعت الجميع:

- زيدااااان

ترك زيدان ذلك الفتي على مضض استقام واقفا لتفآجئه لكمة خالد العنيفة التي جعلته يترنح خطوتين للخلف، قبض خالد على تلابيب ملابسه من الامام يزمجر فيه:

- إنت مش في سوق، ولا أنت بلطجي يا بيه، واللي عملته دا هتتحاسب عليه

لفظه من يده بعنف ليهتف في الواقفين بحزم:

- أنا مش عايز حد من الأوضة يلا كله على شغله، اللي كانوا في المكتب بس يفضلوا والباقي على شغلهم.


سريعا بدأ الجميع بالانسحاب واخدوا معهم بقايا ذلك الشاب إلى عيادة الطبيب، وهي تقف مكانها تنظر لهم بذعر تحديدا لزيدان التي ما أن التقت عينيه بعينيها اخفض عينيه سريعا حتى لا يري نظرة الذعر التي نهشت فؤاده، خلي المكتب الا من اقل القليل، كانت تقف خلف الرجال تشاهد بذعر، والآن باتت ظاهرة بعد رحليهم، اقترب خالد منها يهمس لها بحدة:

- هو أنا مش قولتلك خليكي في المكتب ما بتسمعيش الكلام ليه.


لم يعطيها فرصة للرد جذب احد المقاعد يضعه جوارها، اشار للمقعد بعينيه يهمس بضيق:

- اقعدي وما تتحركيش من مكانك

حركت رأسها إيجابا سريعا تجلس على الكرسي تضم قدميها تقبض بيديها على اطراف الكرسي لا يهم، لا يهم اي شئ حتى لو غضب والدها منها المهم الآن انها بجانبه لن يؤذيها أحد...

لن يحدث ما حدث لها قدميا مرة أخري

اقترب خالد من مجموعة الرجال في الغرفة يقفون امامه مصطفين في خط واحد ليتحرك هو امامها يهتف بقوة:.


- أنا عايز اعرف ايه اللي حصل من غير كذب، ما تنسوش إن في كاميرات اقدر اعرف ايه اللي حصل بس أنا عايز اعرف منكوا

تقدم أحد الشباب خطوة واحدة حمحم بحرج يهتف بارتباك:

- بصراحة يا باشا، حازم دخل المكتب، ويعني اااا، اصله يعني، اتكلم عن بنت حضرتك بطريقة مش كويسة

بلع الشاب لعابه بذعر أمام تلك النظرة المرعبة التي احتلت عيني خالد، اقترب خالد منه يكاد ينفث نيران من أنفه:

- عن بنتي!، قال ايه بقي.


اختفت أنفاس الشاب من الخوف لينظر ارضا يحاول تجنب نظرات خالد المرعبة يهمس سريعا بارتباك:

- بصراحة يعني هو قال عليها صاروخ وحلوة اوي وكلام كتير من النوعية دي زيدان سمعه ولقيناها مرة واحدة راح ماسكة من هدومه وقاله دي بنت خالي ونزل فيه ضرب.


عاد خطوة يقف جوار زملائه بينما اشتعلت عيني خالد كجمر النار، كور قبضته يشد عليها بعنف حتى برزت عروقه النافرة تكاد تُسمع صوت فوران دمائه من الغضب، اقترب من زيدان، رفع يده يربط على وجهه بعنف:

- اللي حصل دا لو اتكرر تاني هتبقي برة خالص، فاهمني طبعا، ومخصوملك شهر عشان تبقي تمد ايدك على زميلك تاني، مش انت اللي بتحاسب هنا يا بيه، خد ولينا واسبقوني على المكتب

حرك رأسه ايجابا بهدوء ليرفع يده يؤدي التحية:.


- حاضر يا افندم

اتجه ناحية لينا لتنكمش في كرسيها تنظر له بذعر، ليقترب خالد منها يربط على كتفها برفق:

- روحي معاه وأنا جاي وراكوا

تركهم وغادر، لتقف من مكانها تمشي خلفه تحاول أن تكون بعيدة عنه قدر الامكان تنظر لظهره العريض وهو يتحرك أمامها يمشي بثبات

لتقطب جبينها بتعجب ولمحة من الماضي تضئ امام عينيها، حركت رأسها نفيا تنفي من البداية دخولها في تلك الدوامة المخيفة من الأفكار التي لا تنتهي.


اتجه خالد إلي عيادة الطبيب، ليجد ذلك الشاب المدعو حازم ممدا على السرير الطبي والطبيب يعمل بجد على مدواة جروحه

، بلع الشاب لعابه بتوتر حينما رأي خالد يقترب منه وقف جوار فراشه يدس يده اليسرى في جيب بنطاله بينما قبض بيده الاخري على فك ذلك الشاب يهتف ساخرا:

- بتفكرني بالفيلم اللي كان بيقوله اضربك فين وشك ما فيهوش مكان يتضرب.


ترك فكه ليقبض على تلابيب ملابسه ينظر له بتجهم يهتف بنبرة مخيفة متوعدة فقط كلمتين:

- صدقني هزعلك

تركه بعنف وغادر، ليبلع الفتي لعابه بذعر يفكر في اسوء الاحتمالات.


اتجه خالد إلى غرفة مكتبه، ليجد لينا تجلس على احد المقاعد وزيدان يقف عند باب الغرفة من الخارج يدخن أحد السجائر التي القاها سريعا ما أن رآه قادما، اتجه لداخل الغرفة يهتف ساخرا:

- طلع يا حبيبي النفس اللي خدته ليكتم على نفسك يموتك

نفث زيدان ذلك الدخان الذي حبسه داخل رئتيه، يتمتم مع نفسه ساخطا:

- محسسني إني مراهق اتقفش بيشرب سجاير دا أنا معدي ال 30، ديكتاتوري.


اتجه لداخل الغرفة يغلق الباب خلفه ليجلس على المقعد المقابل للينا لينظر لها يبتسم خلسة

يتنهد بحرارة انتفض على يد خالد تصفع سطح المكتب بقوة:

- ايه يا خالي في ايه

ابتسم خالد ساخرا يهتف بحدة:

- اللي حصل دا لو اتكرر تاني هزعلك يا زيدان وأنت عارف أنا هعمل ايه.


اضطربت دقات قلبه بعنف يعرف ماذا يقصد خالد بكلامه اسوء ما قد يؤذيه فعلا أن يبعدها عنه، النقود العمل المنصب كل ذلك لا يهمه فقط هي لا تبتعد عنه، يكفي رؤيتها حتى ولو من بعيد، حرك رأسه ايجابا بهدوء يتمتم:

- حاضر يا خالي

اتجه برأسه ناحية ابنته قائلا بنبرة ذات مغزي تحمل خلفها الكثير:

- لينا كنتي عايزة تقولي حاجة مش كدة.


حركت رأسها إيجابا اخفضت رأسها لا تريد أن تراه وهي تعتذر له لا ترغب في رؤية نظرة الانتصار في عينيه بلعت لعابها بتوتر تهمس بنبرة خافتة متلعثمة:

- اااا، أنا آسفة يا زيدان على اللي قولته إمبارح، أنا حقيقي بعتذر منك، ما كنش قصدي اقول كدة

صمتت تلتقط أنفاسها المبعثرة، تجز على أسنانها بغيظ آخر ما كنت تتخيله انها تعتذر منه...

رفعت وجهها متفآجاءة تنظر له بذهول حينما سمعته يهتف ببرود:

- وأنا مش مسامحك.


قبضت على يدها بغيظ تحاول ان تتحكم في زمام نفسها قبل ان تصرخ فيه، ان يصدم رأسه في الحائط فهي حقا لا يهمها أمره

لتسمعه يكمل بنبرة مرح لم تحبها:

- ايوة مش مسامحك ومش هسامحك غير لما توافقي على عزومتي على الغدا، انتي وخالي طبعا بدل ما اتعلق

زفرت بحنق تود لو تصرخ في وجهه بأنها جاءت إلى هنا مرغمة، بأنها لا تطيق أن تجلس معه ولو لدقيقة، وهو يريد دعوتها إلى الغداء، وطبعا تولي والدها مهمة الرد مرحبا بدعوته:.


- ماشي يا سيدي أنا موافق، روح هات عربيتك، وخلي الحرس يمشوا ورانا بعربيتي عشان هنوصل لينا ونرجع تاني

هز رأسه إيجابا بحماس طفل صغير تلقي هدية اسعدته للتو، قام سريعا متجها للخارج، لتهتف لينا سريعا تتذمر على ما يحدث دون إرادتها:

- يا بابا، أنا مش عايزة اروح، أنت قولتلي اعتذري واعتذرت، مش فرض هو نسمع كلامه ونروح نتغدي معاه.


التقط خالد علبة سجائره ومفاتيحه ليقم من مكانه ممسكا بيدها، يجذبها معه دون أن ينطق بحرف، تعلقت بيده تقبض على يدها بعنف، جيناته الثائرة التي ورثتها منه تصرخ فيها أن ترفض ما يحدث ولكنها لم تجرؤ أن تفعل ذلك

وقفت في الباحة تنتظره بجوار والدها لتجد سيارة دفع رباعية عالية سوداء تشبه سيارة والدها تقف أمامهم نزل منها يفتح بابها الخلفي، يمد يده لها لتعقد حاجبيها باستنكار

ليبتسم برفق قائلا:.


- هاتي ايدك، هساعدك تطلعي العربية عالية.


قلبت عينيها ساخرة لتتجاوزه ببرود وكأنه غير موجود من الأساس وضعت احد قدميها تحاول الصعود بالفعل سيارة عالية بشكل سخيف، حاولت أن تتمسك بالباب لتصعد فسقطت على وجهها، ضم زيدان شفتيه يكبح ضحكاته حتى أن وجهه أحمر بالكامل يحاول ان يلجم زمام ضحكاته، بينما انفجر خالد في الضحك اقترب منها مد يده يساعدها للقيام، وقفت تنظر لزيدان شرزا تنفض الغبار عن ملابسه تنظر لأعلي بغرور لتستند على يد خالد تصعد للسيارة تنفخ خديها بغيظ تكتف ذراعيها أمام صدرها تشيح بوجهها بعيدا.


استقل زيدان مقعد السائق وخالد جواره متجهين إلى أحد المطاعم لتناول الغداء.


جلس على طاولته المخصوصة له في ذلك النادي تشرد عينيه في اللاشئ جبينه منعقد بغيظ يقبض على يده بشدة تلك الخرقاء تعامله هو بتلك الطريقة يتذكر طريقتها معه أمس حينما اخبرته بكل غرور:

- سوري يا عثمان بس أنا عندي حاجات كتير أهم من اني اضيع وقتي مع الخيل، باي يا عثمان.


قالتها بكل غرور وثقة تنظر له بخيلاء لترحل مهرة جامحة أسرته وهربت، قبض على يده بعنف متوعدا لها أن يسقطها في شباك الصياد يلهو بها كما يريد ومن ثم يتركها كما فعل مع غيرها...

اجفل من شروده على يد النادل تضع فنجان القهوة الخاص به لينظر له بحدة مقررا إفراغ غضبه من تلك الفتاة في ذلك المسكين ليصيح فيه بحدة:

- مش تحط القهوة بأدب يا حيوان أنت

نظر النادل له بثبات يهتف باحترام:.


- حضرتك أنا مش حيوان، وأنا حطيت القهوة بأدب

قبض عثمان على تلابيب يصيح فيه:

- انت كمان بترد عليا مش عارف أنا مين بإشارة من صباعي الصغير تبقي برة...

في هذه الاثناء كانت تالا تقف بسيارتها امام مدخل النادي، نادي العائلة الجميع مشترك فيه، نظرت لابنتيها من خلال مرآه السيارة تبتسم برفق:

- هنتغدي ونغير جو من مود المذاكرة ونرجع تاني عشان وراكوا مذاكرة، ساعتين بس تمام.


حركت سارين رأسها إيجابا لتلكز اختها الشاردة في ذراعها انتبهت سارة لتجفل تهتف سريعا:

- هااا، ايوة ماشي حاضر

نزلوا جميعا من السيارة، متوجهين إلى داخل النادي لفت أنظارهم اصوات شجار عالية، لتهتف تالا بحنق:

- دا عثمان ابن عمكوا على ما حدش ليه دعوة بيه دا شاب أخلاقه مش كويسة، سارين خدي هنا يا سارين.


هتفت بها في ابنتها بحدة ولكن سارين لم تستمع لها ظلت تتقدم بخطي واسعة ناحية تلك المشاجرة بين عثمان والنادل، دون سابق إنذار قبضت على يد عثمان التي يقبض بها على ملابس النادل، نظر عثمان للفاعل بحدة ليقلب عينيه بتهكم يهتف في نفسه:

- ست سارين هانم طبعا لو كلمتها ربع كلمة بابا هيقوم الدنيا فوق راسي

نظر لها بتهكم يرفع حاجبه بتحدي ساخر حينما سمعها تأمره بحده:.


- سيبه يا عثمان، أنت مالكش الحق تمسكه بالشكل دا، هو مش شغال عندك

أفلت عثمان النادل من قبضته ينظر لسارين يبتسم باصفرار، شكر النادل سارين ليرحل من امامها بينما اقتربت تالا منهم تنظر لابنتها شرزا، لتوجه نظراتها لعثمان تبتسم بمجاملة:

- اهلا ازيك يا عثمان وازاي مامتك

رد عثمان لها نفس الابتسامة المجاملة مغمغا:

- بخير يا طنط بتسلم على حضرتك.


ودعته تالا بعد ما اوصته إن يوصل سلامها لوالدته، اتجهت مع ابنتيها إلى أحدي الطاولات ما ان جلسوا نظرت لسارين بغيظ تهمس لها بحدة:

- اللي انتي عملتيه دا قلة أدب عشان أنا قولتلك ما تروحيش وما سمعتيش الكلام

هتفت سارين سريعا تدافع عن موقفها:

- يا مامي انتي شوفيته كان ماسك الويتر وبيزعقله ازاي والناس كلها واقفة وما حدش بيتدخل وبعدين انتي علمتينا ما نسكتش على الظلم، مش كدة ولا إيه.


تنهد تالا حقا تعبت منهم جميعا يكفي عمر وما باتت تلاقي منه خاصة في الآونة الأخيرة، بينما سارة شاردة في عالم آخر، تتذكر ما حدث بالأمس

Flash back

هي فقط كلمة واحدة كتبتها، وسمعت صوت والدتها تهتف بحزم:

- يلا النص ساعة بتاعة الموبايل خلصت، يلا على المذاكرة.


تركت الهاتف من يدها متجهه إلى مكتبها الصغير تنظر لأحرف الكتاب شاردة حزينة ضميرها يصرخ بعنف القلق ينهش قلبها بعنف، ما فعلته خطأ، خطأ كبير ويجب عليها تصحيحه، ستحذف ذلك الفتي لن تحادثه، لن تفتح بابها لعلاقة رخيصة تحت مسمي الصداقة، حاولت تصفية ذهنها قدر المستطاع، لتبدأ في المذاكرة ساعة، اثنتين، ثلاثة، سارين كالعادة تحججت انها تعبت وذهبت للنوم وبقيت هي بمفردها، سمعت صوت باب المنزل ابتسمت بهدوء، متجهه للخارج ما أن اقتربت من غرفة المعيشة سمعت أصوات الشجار تعلو من داخلها، وقفت خلف الباب الشبه مغلق تختلس النظر إلى ما يحدث في الداخل، لتجد كالعادة مشاجرة عنيفة بين والديها، والدتها تصرخ ووالدها يصيح وهي تقف تقرابهم تدمع عينيها على ما تري، تشعر بقلبها ينزف قهرا، لم تشعر يوما أنها تحيي كفتاة عادية في حتى لو بسيطة ولكن سعيدة، رآها عمر من مكانه ليشيح بوجهها وغصة قوية تعتصر قلبه، فرت إلى غرفتها، تغلق بابها عليها بالمفتاح، بينما اتجهت تالا إلى أحدي غرف الضيوف تغلق الباب عليها، ارتمت على فراشها تبكي قهرا تتمني لو تهرب من تلك الحياة إلى الأبد وجدت نفسها دون سابق إنذار، تلتقط هاتفها تبعث رسالة لذلك الشخص ( ممكن تسمعني، أنا محتاجة اتكلم ).


لحظات ووجدت رسالة برقم هاتفه

ومن بعدها رسالة محتواها ( دا رقم تليفوني أنا تحت أمرك في اي وقت )

ضغطت على الرقم بأصابع مرتجفة، تسمع رنات الطرف الآخر تتمني الا يجيب لحظات وسمعت صوت دافئ هادي مريح يهمس برفق:

- أنا سامعك يا سارة، اتكلمي

دون سابق إنذار انفجرت في البكاء تهمس له بكل شئ دون توقف

فاقت من شرودها على يد سارين تلكزها في ذراعها مرة اخري، انتبهت لها لتهتف سارين بضيق:.


- مالك يا سارة مش مركزة ليه النهاردة بقولك هتاكلي ايه...

رسمت ابتسامة شاحبة على شفتيها تهمس بصوت خفيض:

- هاتيلي زيك يا سارين وخلاص.


حركت سارين رأسها ايجابا تملي للنادل ما يريدون ليجذب انتباههم اصوات ضحكات عالية لعثمان مع أحدي الفتيات، قبضت سارين على كفها بغيظ تشد على اسنانها بقوة تتمني لو تذهب وتقتلع شعر تلك الفتاة من مكانها، او أسهل تخلع قلبها هي من مكانه، فنبض فؤادها الاحمق يعشق ذلك المتعجرف المغرور، وهو طبعا لا يبالي، كيف سينظر لطفلة وحوله كم من الفاتنات.


نظرت سارة لأختها بحزن فهي الوحيدة التي تعلم بعشقها لعثمان وحقا تتعجب كيف أحبت ذلك الفتي، العيلة بأكملها لا تطيقه بسبب غروره وعجرفته، وأختها غارقة حتى اذنيها في عشقه.


طوال الطريق وهي تلتزم الصمت، والدها وزيدان يتحدثون عن أحوال العمل وهي صامتة تماما تعبث في هاتفها، سألها زيدان أكثر من مرة:

- مش عطشانة اجبلك ماية او عصير على ما نوصل

لم تكن حتى ترفع وجهها عن شاشة هاتفها فقط تحرك رأسها نفيا دون مبلاة به، وقفت السيارة أمام أحد المطاعم، لينزل خالد وزيدان معا، فتح لها الأخير الباب يمد يده يود مساعدتها لم ترد أن تعاند بعدما جري لها.


وضعت كف يدها برفق داخل كف يده ليشعر هو في تلك اللحظة بكهرباء تصعق جسده، دقات قلبه تتصارع بعنف، انزلها بحرص شديد، ليتجه خالد ناحيتها يمسك بيدها مشت في المنتصف بين والدها وزيدان كانت تظن أنها ذات قامة طويلة ولكن حينما أصبحت بينهما شعرت بأنها قزمة بين جبلين، التصقت في والدها حتى تبتعد عن زيدان قدر الامكان.


دخلوا إلى المطعم ليشد لها خالد احد المقاعد جلس جوارها ليجلس زيدان مقابلا لها جاء النادل يأخذ طلباتهم، املاه خالد وزيدان ما يريدان، جاء دور لينا لتهتف هي وزيدان معا:

- باستا بالوايت صوص واستيك

قطبت حاجبيها تنظر له بتعجب كيف عرف، بينما ابتسم هو بتوتر يحك رقبته بارتباك، وكانت ابتسامة الثقة من نصيب خالد يردد في نفسه:

- هذا الشبل خليفة هذا الأسد.


ذهب النادل يحضر لهم الطلبات ليدق هاتف خالد في تلك اللحظة، قام يرد على هاتفه بعيدا عن الزحام واصوات المطعم المزعجة، اتجه لخارج المطعم، لتتسع عيني لينا بفزع، تنظر حولها، أناس الكثير منهم، على الرغم من كونه مطعم راقي ولكنه مزدحم للغاية، تشعر بالجميع ينظر لها برودة قارصة غزت أطرافها تتذكر تلك الأحاديث التي طالما رافقتها قدميا.


( ابعدوا عنها، ماما قالتلي ما نلعبش معاكي تاني، بقولك ايه ما تقربيش من بنتي ولا تلعبي معاها تاني، انتي عايزة تمويها زي ما كانوا عايزين يموتوكي، )

بدأ جسدها يرتجف بعنف وضعت يدها على اذنيها تنتفض بعنف كطائر جريح على وشك التقاط أنفاسه الأخيرة، انتقض زيدان سريعا يعرف تلك الحالة، ليقترب منها بحذر يهتف بهدوء:

- لينا اهدي، اهدي يا حبيبتي، ما حدش هيأذيكي، ما حدش يقدر يجي جنبك، اهدددي.


حركت رأسها نفيا بعنف تحرك رأسها بسرعة في جميع الاتجاهات، قامت من مكانها تركض في اتجاه باب المطعم وزيدان خلفها، اصطدمت بأحدهم دون قصد ليهتف الرجل سريعا:

- أنا آسف ما كنش قصدي

ولكن ما حدث أنها بدأت تصرخ بعنف، اتسعت عيني الراجل ينظر لها بذهول:

- والله العظيم ما جيت جنبها

دخل خالد على صوت صرخات ابنته، لتسرع بالارتماء في صدره تبكي بعنف تتشبث في سترته بقوة:.


- أنا عايزة اروح بيتنا، ما تخليهمش يقولوا كدة، أنا ماموتش حد

رفعها بين ذراعيه متجها بها ناحية سيارة زيدان

ليخرج شريط أقراص مهدئ من جيب سترته أخرج قرص منه يعطيه لها سريعا زيدان زجاجة مياة صغيرة بلعت القرص بيد مرتعشة، بدأت تهدئ شيئا فشئ ودون سابق إنذار سقطت رأسها على صدر والدها نائمة رغما عنها بفعل ذلك الدواء.


تنهد خالد بحزن على حالها، ليريح جسدها على الاريكة، ومن ثم قام متجها لمقدمة السيارة يجلس جوار زيدان، يمسح وجهه بكفيه بعنف نظر لزيدان يتنهد بتعب:

- ما فيش فايدة مرت سنين وهي ما بتنساش، اطلع على المستشفئ نجيب لينا، نروحهم ونطلع على قاسم

حرك رأسه ايجابا ود لو يقول اي شئ ليخفف به عنه ولكنه حقا لا يعرف ماذا يقول، طغي الصمت عليهم إلى ان وصلوا إلى وجهتهم، مد خالد يده لمقبض الباب يفتحه:.


- خلي بالك من لينا على ما اجي مش هتأخر

دون ان يلتفت له حتى نزل خالد من السيارة متجها إلى المستشفى ليلتف زيدان بجزعه العلوي يحملق في حسنائه النائمة يهمس بكلمات تقطر عشقا:.


- يا أما نفسي تنسي اللي حصل، تعرفي أنك احلي حاجة في الدنيا دي كلها، بس لما ببص في وشك بحس اني أسعد راجل في الدنيا، الناس جم عليا كتير اوي يا لينا اتعذبت في حياتي كتير، هحكيلك كل حاجة، انا عايز احكيلك، عايز ارمي نفسي فئ حضنك وتطبطي عليا، أنا مش وحش يا لوليا والله هما السبب، هما إلى خلوني كدة، اديني فرصة تعرفي فيها انا بحبك قد ايه، عارفة أنا هموت وتيجي اللحظة إلى هتكوني فيها مراتي واعرفك اخدك في حضني، يااااه دا انا هبقي ولأول مرة في حياتي فرحان بجد.


قطع كلامه حينما وجد خالد يخرج بصحبه لينا من المستشفي فتح خالد لها الباب الخلفي لتجلس جوار ابنتها بينما عاد هو إلى مكانه

اتسعت عيني لينا بقلق تربط على وجه ابنتها برفق:

- مالها لينا لوليتا، لوليتا حبيبتي ردي عليا

هتف زيدان سريعا ليطمئنها:

- ما تقلقيش يا ماما دي نايمة من المهدئ

وضعت يدها على فمها تشهق بذعر على حال ابنتها تتمتم بفزع:

- مهدئ ليه، ايه إلى حصل

تنهد خالد بسأم هاتفا:.


- روحنا مطعم حاولت اسمع كلام قاسم واسيبها لوحدها ولو دقايق وكنت سايب معاها زيدان، الموضوع خرج عن السيطرة وبدأت تصرخ وكان هجيهالها انهيار عصبي

تجمعت الدموع في عينيها لتمد يدها تسمد على رأس ابنتها برفق انسابت دموعها تمتم بحرقة:

- منهم لله اللي كانوا السبب!


اتجهت السيارة إلى منزل خالد لينا تحتضن ابنتها النائمة طوال الطريق وخالد ينظر لهم من خلال مرآه السيارة الامامية يشعر بقلبه يصرخ من الألم عليهم، ونيران الانتقام تشتعل بين ثناياه، اوقف زيدان السيارة ليهتف كاسرا حاجز الصمت:

- وصلنا

حمل خالد ابنته متجها بها إلى المنزل ووضعها في فراشها، وترك لينا بجانبها ثم عاد إلى زيدان متجهين إلى عيادة الطبيب النفسي.


لاحظ خالد أن زيدان ينظر له خلسة كأنه يود قول شئيا ما، ليتنهد هاتفا بضيق:

- اخلص عايز تقول ايه

بلع لعابه يهتف بقلق:

- إنت ناوي تعمل حفلة عيد ميلاد لينا بكرة

حرك خالد رأسه إيجابا، ليهتف زيدان سريعا معبرا عن قلقه:

- ما بلاش أنت عارف أنها تعبانة دلوقتي، وبعدين افرض عرفت تدخل تاني، دي كانت هتموتها آخر منها

نظر له خالد بتهكم يهتف ساخرا:

- روحت أنت بدل ما تموتها هي ضربت على لينا رصاص!...


       الفصل الخامس والسادس من هنا 

لقراءة جميع حلقات الرواية الجزء الرابع من هنا

تعليقات