قصة خداع قاسي
البارت الثامن عشر 18
بقلم ديانا ماريا
استيقظت داليا ونهضت بحماس حتى تكتشف ما حضرته والدتها لها في عيد ميلادها، خرجت من الغرفة وعلى وجهها ابتسامة كبيرة تجمدت حين وجدت المنزل فارغ، اختفت ابتسامتها وهي تبحث عن والدتها ولم تجدها.
هل نسيت والدتها عيد ميلادها؟ حاولت مواساة نفسها بأنها ربما تحضر لها مفاجأة في المساء، ولكنها جلست بحزن لأنها كانت تريدها معها طوال اليوم، فكرت داليا بوالدها باشتياق كم تمنت لو كان معها في هذا اليوم، كان دائما يعدها أن عيد ميلادها الخامس عشر سيكون مميز ولكن أين هو الآن؟ تمنت بشدة لو يدرك والدها ما تتمناه ويعود لوالدتها حتى يتمكنون من العيش معا كعائلة مرة أخرى، على والدها أن يرى أنه المخطئ وأنها ووالدتها على حق.
قطبت حاجبيها بتساؤل لأول مرة، أليس كذلك؟
لم ترد أن تبقى لوحدها فنهضت وبدلت ملابسها حتى تذهب وتقضي بعض الوقت مع نورهان إلا أنها لم تجدها في المنزل مما أثار استغرابها وضيقها وعادت حتى تجلس وحيدة.
كان أمجد يجلس شاردًا والحزن يطل من عينيه فسألته علياء باهتمام: مالك يا أمجد؟ قاعد لوحدك كدة ليه؟
رد أمجد بصوت منخفض وهو مازال يحدق أمامه: النهاردة عيد ميلاد داليا.
أشفقت عليه علياء لأنه قبل حدوث كل تلك المشاكل كان يخطط لمفاجأة تسعد داليا في عيد ميلادها كما كان يعد رحلة سياحية حتى يقضوا بها العطلة الصيفية.
جلست بجانبه ووضعت يدها على كتفه قائلة بعطف: متزعلش يا أمجد بإذن الله كل ده ينتهي وداليا ترجع تاني.
تنهد: يارب يا علياء، أنا تعبت.
أحست علياء بالذنب فقالت بندم: أنا سبب كل المشاكل دي بينكم لو مكنتش اتجوزت...
قاطعها أمجد على الفور بانفعال: لا طبعا أنتِ ملكيش علاقة بأي حاجة بتحصل.
زفر بحنق متابعًا: الموضوع بيني وبين حسناء يا علياء، حسناء مش عايزة تشوفني مبسوط مستعدة تعمل أي حاجة علشان تقهرني وغرضها الأول والأخير هو الفلوس اللي هتقدر تسحبها مني لما تاخد داليا.
قالت علياء فجأة: طب ما تتصل على داليا يا أمجد ولا تبعت لها هدية علشان تعرف أنك فاكرها مش ناسيها، يمكن ده يخليها تعيد حساباتها شوية.
فكر أمجد قليلا: تفتكري؟
أومأت علياء بحماس فأسرع أمجد يحاول الإتصال بابنته إلا أنه استغرب عندما وجد الهاتف مغلقا ونظر لعلياء:مقفول.
قالت علياء بابتسامة: يمكن فاصل شحن ولا حاجة، أهم حاجة فكر في الهدية وابعتها أكيد هتفرح بيها أوي.
أومأ أمجد بالايجاب وبدأ يفكر ماذا يحضر لابنته.
عادت حسناء قبل هبوط الليل مما فاجئ داليا فنهضت بحماس تستقبلها، وجدت تمسك أكياس بيدها فتحضرت ظنًا منها أنها هديتها إلا أنها تعجبت أشد التعجب حين ناولتها والدتها ذلك الكيس قائلة بسرعة: دخلي الحاجة دي المطبخ يا داليا على ما أغير وأجي علشان أعمل الأكل فيه ضيوف جايين لنا بالليل.
ردت داليا باستغراب من شدة ارتباكها: ضيوف؟ ضيوف مين يا ماما وجايين لنا ليه؟
رمقتها حسناء بنظرة استهجان: هما الضيوف بيجوا ليه؟ هو ده سؤال!
سألتها داليا بأمل: ماما هو أنتِ مش فاكرة النهاردة إيه؟
قطبت حسناء بانزعاج: النهاردة هيكون إيه يعني! مش وقت هزار يا داليا معنديش وقت لازم أحضر الأكل يلا اتحركي.
إلا أن خيبة الأمل التي شعرت بها منعتها من الحركة فظلت تحدق لوالدتها بعيون دامعة حتى نظرت لها حسناء بدهشة فصاحت بها: ما تتحركي يا بنتي!
تحركت داليا بخطوات مثقلة فوضعت الأكياس في المطبخ ثم عادت لغرفتها وانهمرت في البكاء، ضمتها ركبتيها لصدرها وهي تشهق بألم، كيف لم تتذكر والدتها هذا اليوم المهم بالنسبة لها؟ بل لما تعاملها بهذا الشكل الغريب في الآونة الأخيرة مع أنها من أصرت عليها وفعلت المستحيل لتبقى معها!
لقد كان والدها كل عام يحضر لعيد ميلادها قبلها بأيام حتى يسعدها! والدها! كم اشتاقت إليه، أنها حقا متعجبة من فرق المعاملة بين والدها ووالدتها رغم أنها لم ترى والدتها لسنوات فلم تتوقع هذا منها أبدا.
حل المساء وداليا مازالت في غرفتها حتى أن حسناء لم تأتي لتراها أو تطمئن عليها مما أثار استياءها الشديد.
كانت جالسة حين دلفت والدتها التي قالت بتعجب: أنتِ ملبستيش!
نظرت لها داليا بتساؤل: ألبس ليه؟
زفرت حسناء بحنق: علشان الضيوف اللي جايين.
رفعت كتفيها بعدم اهتمام: مش لازم أطلع، مش عايزة أقعد معاهم.
اتجهت حسناء إليها بغضب: يعني إيه الكلام ده؟ طبعا لازم تقومي وتطلعي أنتِ عايزة تحرجيني!
نظرت لها داليا بحزن: لا مش عايزة احرجك بس مش عايزة أقضي عيد ميلادي مع ناس غريبة!
رددت حسناء بذهول: عيد ميلادك؟
رمقتها داليا بنظرة مملوءة بالعتاب: أيوا يا ماما.
ابتسمت حسناء بارتباك: يا حبيبتي!
ثم اقتربت منها محاولة تصليح خطأها: متزعليش مني أنا بس متلغبطة اليومين دول بسبب حاجات كتير.
أردفت بصوت حزين قصدًا: أنتِ شايفة ظروفنا يا داليا وباباكِ سايبنا يبقى لازم أنا أتعب علشان نعرف نعيش.
في تلك اللحظة رن هاتف داليا فهتفت بفرح: بابا!
مدت يدها بلهفة حتى تجيب إلا أن يد حسناء سبقتها وخطفت الهاتف ثم ضغطت زر إنهاء المكالمة فوقفت داليا بعصبية: ليه عملتي كدة؟ أنا كنت عايزة أكلمه!
وبختها حسناء بحدة: تكلميه؟ هو لعب عيال! أنتِ عارفة يا داليا أنه مينفعش!
صرخت داليا بقهر: بس أنا زهقت وتعبت بابا وحشني وعايزة أكلمه! نفسي أكلمه!
دفعتها حسناء لتسقط داليا على السرير: أنتِ بتعلي صوتك عليا! والله عال أوي! جه اليوم اللي تعلي صوتك على أمك يا داليا!
بكت داليا وقالت بصوت مكسور: بس أنا كنت عايزة أكلم بابا.
كانت أعصاب حسناء مشدودة للغاية من تصرفات داليا التي تكاد تخرب عليها كل ما خططت لأجله ولكنها إن عنفتها فستخسرها لذلك أسرعت إليها بترجي: يا داليا أنتِ لازم تفهمي أني كل اللي بعمله ده لمصلحتنا، لازم والدك يحس بغلطته الأول مينفعش تردي عليه خالص ده هيبوظ كل حاجة.
وضعت يدها على خدها: ماشي يا حبيبتي؟
لم تجب داليا وهي تحدق لوالدتها ولأول مرة لا يكن لها نفس الاقتناع الذي كان مترسخًا في ذهنها عن أفعالها.
تابعت بلطف مزيف: لو عايزة تفضلي هنا براحتك مش هضغط عليكِ.
ثم خرجت ولكنها لم تنسى أن تأخذ هاتف داليا معها، لكمت داليا السرير بعنف وزفرت بقهر والدموع تتسرب من عينيها مرة أخرى، كانت تسمع ضحكات والدتها مع شخص غريب في الخارج ولكنها لم ترد الخروج مع أنها استغربت حين استنتجت أن من بالخارج شخصًا واحدًا وليس عدة ضيوف كما أخبرتها.
في اليوم التالي استيقظت متأخرة فنهضت لتذهب لنورهان دون أن تهتم بمظهرها المتعب لأنها شعرت أنها بحاجة شخص لتفضي إليه بكل مشاعرها السلبية ومشاكلها التي تؤرقها ولسبب ما لم تشعر بأن والدتها هي الشخص المناسب.
كانت على وشك أن تطرق الباب حين سمعت نداء باسمها فالتفتت لترى ياسر يتقدم إليها وحدقت بذهول في باقة الورود التي في يده.
تقدم منها مبتسمًا: ازيك يا داليا عاملة إيه؟ أنا عرفت أنه عيد ميلادك كان امبارح.
ثم مد يده إليها بباقة الورود ويده الأخرى التي كان بها هدية يحملها لم تنتبه له مردفًا: كل سنة وأنتي طيبة.
اتسعت عيون داليا بذهول: أنت.... أنت عرفت منين؟
غمز ياسر بمرح: لا دي حاجة خاصة بقى، وبعدين اللي بيحب حد لازم يكون عارف عنه كل حاجة.
شردت داليا في تلك اللحظة لتتذكر موقف والدتها وهي التي لم تعبأ حتى بأن تفعل أي شيء حتى بعد أن علمت!
سألها ياسر متعجبًا: إيه روحتي فين؟
قالت داليا بهدوء: لا لا مفيش حاجة.
نظر ياسر ليديه ثم مازحها: طيب إيه إيدي وجعتني.
حدقت داليا بعيناها الذابلتين الذان يظهر عليهما آثار البكاء في باقة الورود بتردد إلا أن مدت يديها ببطء وأخذتهما منه ثم ابتسمت له ابتسامة صغيرة: شكرا يا ياسر.
ضحك ياسر: لا ده مش شكري لو عايزة تشكريني فعلا يبقى نتقابل بكرة علشان نخرج مع بعض.
قالت داليا بعدم تصديق: نخرج سوا؟
أجاب ياسر ببساطة وكأنه يقر بأمرًا عاديًا للغاية: أيوا أنا عايز اقابلك يا داليا ونكون لوحدنا علشان نتعرف على بعض براحتنا.
نظرت حولها بحيرة: بس مينفعش وبعدين هقول لماما إيه؟
أجاب بنبرة عادية: قولي لها خارجة مع واحدة صاحبتي.
استنكرت داليا قوله: بس كدة بكدب عليها وده مش صح.
تغيرت قسمات ياسر للانزعاج الشديد: خلاص يا داليا اتصرفي أنتِ المهم عايز أشوفك بكرة أنا قولت الأحسن نخلي علاقتنا بيننا لحد ما نتأكد من مشاعرنا وساعتها هاجي لوالدتك أقولها.
صمتت بحيرة أشد فتابع بإصرار: هستناكِ بكرة في ****** الساعة تمانية بالليل، هقف في الشارع اللي قبله علطول.
ثم غادر وتركها واقفة مكانها، حدقت لما في يديها ثم عادت للمنزل ودخلت لغرفتها حتى تخبئهم قبل أن تراهم والدتها.
جلست تفكر طوال اليوم حتى ألمها دماغها وأصيبت بصداع مزعج وظلت تتسائل هل ما فعلته خطأ أم صحيح؟
كان صوت في عقلها يخبرها أن ربما نورهان محقة ويجب أن تعطي ياسر فرصة خصوصا أنه مهتم بها فعلا وقد أهتم بعيد ميلادها رغم معرفته ما القصيرة وهي بحاجة لتبتعد عن كل الأجواء المتوترة التي تعيشها وترتاح من كل تلك المشاكل شخصًا يُعوض غياب والدها وإهمال والدتها بينما صوت آخر يرد عليه بأنه مهما حدث فهي قد تعلمت وتربت أن هذا خطأ دون رباط شرعي وأن ما يحدث في الخفاء وليس النور ف بالتأكيد خاطئ وإلا لكان يجوز فعله أمام الناس كما أنها مازالت صغيرة في السن.
حدقت إلى باقة الورود لثواني قبل أن تتخذ قرارها بحزم، تلك العلاقة ليست لها! مهما كانت معجبة بياسر فهي لا تريد فعل شيء تشعر أنه خاطئ، هي مجرد قناة تريد لم شمل والديها والعيش بينهما كما أنها مازالت صغيرة وتريد التركيز على دراستها فهي متفوقة لها وتحبها وستترك تلك الأمور لوقتها.
استعدت داليا لتخرج قبل اللقاء بوقت مناسب وقد أخذت معها الهدية والورود ولأن والدتها لم تعد فذلك سهل عليها الخروج دون أسئلة.
سارت حتى وجدت ياسر يقف في شارع جانبي قريب من المكان الذي أخبرها به ويعطي ظهره لها فتقدمت منه.
استدار لها بابتسامة ساحرة: داليا! كنت متأكد أنك هتيجي.
استجمعت داليا شجعتها لتقول بهدوء: ياسر أنا فكرت كتير جدا ولقيت أنه علاقتنا غلط ومتنفعش وأنا مش مستعدة أدخل في علاقة دلوقتي أنا آسفة.
تغيرت تلك الابتسامة الساحرة لعبوس شديد: يعني إيه الكلام ده؟ ده هزار ولا إيه!
مدت يديها تعطيها الأشياء: لا أنا آسفة.
ضرب يديها بغضب فسقطت الأشياء مما جعل داليا تشهق ثم حدقت بخوف لوجهه الذي تغيرت قسماته للغضب الشديد: أنتِ فاكرة دخول الحمام زي خروجه! أنتِ نسيتي نفسك يا بت ولا إيه! ده أنتِ بتروحي لبنت خالتي علشان تعطف عليكِ!
أقترب منها فخطت للوراء بخوف بينما تابع والشر يلمع في عينيه: فمتعمليش نفسك شريفة عليا دلوقتي!
مدي يديه ليمسك بكتفيها وهو يهجم عليها محاولا تقبيلها عنوة بينما كانت داليا تقاومه بشراسة وتحاول أن تدفعه عنها حتى خدشت وجهه بأظافرها للوراء وهو يصرخ.
نظرت حولها بهلع فوجدت حجر أمسكته بسرعة وضربته به على رأسه ليصرخ بصوت أعلى وهو يضع يده على رأسه.
نظر لها بحقد: اه يا بنت ال*****!
حاول أن يهاجمها إلا الدوار الذي أصابه من الضربة منعه فانطلقت داليا تركض بسرعة حتى تهرب من المكان كله وهي تبكي بذعر وهلع، نظرت لنفسها بفزع حين رأت أنه حين شدها من كتفها تمزق جزء من ملابسها فواصلت الركض وهي تحاول ذلك الجزء العاري منها.
وصلت إلى المنزل بأنفاس لاهثة وهي مازالت تبكي ثم صعدت السلم برعب خوفًا من أن يكون قد لحق بها، كانت توبخ نفسها بشدة فهي سقطت في ذلك الفخ من البداية!
لقد كانت غبية ولم ترى حقيقته، غبية للغاية!
ولجت للمنزل وهي تدعو أن تكون والدتها عادت فهي في أشد الحاجة إليها، سمعت صوتها آتيا من غرفتها فتقدمت بارتياح حتى تنهار في أحضانها إلا أنها تصنمت في مكانها وهي تستمع لحديث والدتها الآتي.
كانت حسناء تضحك وتتحدث بخبث: لا متقلقش خالص دي بت هبلة، عرفت أضحك عليها وأخليها تقهر أمجد على عينه! هي مفكرة أني عملت كل ده علشان عايزها! ده أنا محتملة وجودها بالعافية! لحد ما خطتي تكمل بس وأخذ كل اللي أنا عايزاه وأكون نجحت أدمر أمجد وهو زي الأهبل هيعمل أي حاجة وعلشان مين؟ بنته اللي وقفت ضده!..
لقراءة جميع حلقات القصه من هنا