قصة خداع قاسي البارت الرابع والعشرون 24 بقلم ديانا ماريا

قصة خداع قاسي

البارت الرابع والعشرون 24

بقلم ديانا ماريا

توقفت داليا تنظر لوالدها بعيون متسعة ويديها عالقتين في الهواء حتى أطلقت ضحكة جافة فجأة: ماتت؟ طب ده كويس.


بدأت تضحك بشكل هستيري ودموعها تتساقط وهي تردد نفس الكلمات بشكل متكرر: ماهي كان لازم تموت!


راقب أمجد حالتها الهستيرية بخوف وتقدم يمسكها من ذراعيها ويهزها بقوة: داليا فوقي.


إلا أن حالتها ازدادت سوءاً وانقلبت تلك الضحكات لصرخات متألمة وهي تبتعد عن والدها وتضع يديها على أذنيها حتى سقطت على الأرض فاقدة للوعي.


ركع أمجد بجانبها هاتفًا بذعر: داليا! ردي عليا.


تقدمت علياء تقول بقلق: يلا نروح المستشفى يا أمجد واضح البنت متحملتش اللي سمعته.


حملها أمجد على الفور ورائه علياء فشاهدتهم نورا التي كانت مازالت في الخارج وراقبت بذهول أمجد يركض وبين يديه داليا وعلياء ورائهم فسألتها بقلق: مالها؟


أجابت علياء بسرعة وهي تلحق بأمجد: منعرفش لسة يا نورا.


انتظروا في الخارج والقلق ينهش قلب أمجد وضميره يؤنبه لأنه أخبرها الحقيقة، تعاظم الشعور بالذنب داخله لأنه تسبب في تلك الحالة لابنته التي حاول حمايتها بأي شكل.


خرج الطبيب فأسرع إليه بلهفة: داليا عاملة إيه يا دكتور طمني؟


تنهد الطبيب: عايز الصراحة مش كويسة نفسياً ولا جسدياً حصل لها صدمة كبيرة.


ظهر الذنب جلي على وجه أمجد وسأله بخفوت: طب أعمل إيه ولا هي لازمها إيه علشان تبقى كويسة؟


قال الطبيب بجدية: مش محتاجة أكتر من أنها تبعد عن أي حاجة تزعلها وحبك واهتمامك هيفرقوا معاها جدا علشان متدخلش في حالة اكتئاب شديدة.


ولج أمجد للغرفة بعد أن سمح له الطبيب ليرى داليا نائمة يظهر الشحوب على وجهها بوضوح، جلس بجانبه وأمسك بيدها بين يديه مقبلاً إياها بحزن ودمعة تكاد تسقط من عل حافة رموشه: سامحيني يا داليا أنا كنت عايز احميكِ بس معرفتش.


هزت داليا رأسها خلال نومها وكشر وجهها كأنها تعاني حلماً مزعجاً فهمست: بابا....بابا.


مسح أمجد على شعرها بلهفة: أنا هنا يا حبيبتي ارتاحي.


استكانت داليا عندما سمعت صوته وعادت لنومها بهدوء، حين استفاقت في اليوم التالي كان الهدوء هو الشيء الوحيد المسيطر على الموقف حين كانت داليا هادئة للغاية وتحدق أمامها بينما أمجد صامت وعلياء تجلس تراقب الموقف من عن بعد.


ابتسم أمجد: محتاجة حاجة معينة يا حبيبتي؟


لم تنظر له داليا وهي تجيب بجمود: لا.


أخذ نفساً عميقاً ليحاول مجددا: طيب جعانة؟


أجابت بنفس النبرة: لا.


تنهد واحتوى يدها بيت يديه قائلاً بعطف: يا داليا متعمليش كدة، سلامتك عندي بالدنيا كلها.


أغمضت عيناها بقوة فتابع بحب: أنتِ بنتي وحبيبة قلبي أنا مش زعلان منك أنا عايزك تبقي كويسة وبخير.


كان ارتجف فمها المؤشر الوحيد على تأثرها ولكنها بقيت على وضعها فتنهد وهو يقف: أنا هروح أشوف الدكتور.


خرج فتقدمت علياء لتجلس أمام داليا وتقول بهدوء: عارفة أنك تعبانة بس تسمحي لي أقول حاجة؟


فتحت داليا عينيها ونظرت لها بجمود فتابعت علياء بجدية: أنا عارفة أنه الحقيقة كانت صعبة جدا عليكِ بس ليه بتعاقبي والدك يا داليا؟ إيه ذنبه؟


نظرت لها داليا بدهشة وقد اتسعت عيناها فتابعت علياء بحكمة: أيوا يا داليا أنتِ كدة بتعاقبي أمجد، أنا عارفة أنه مكنش سهل كل اللي حصل بس فكري لو مش سهل عليكِ فكان عامل إزاي عليه هو بس هو قرر يرمي كل ورا ضهره ويكمل علشانك أنتِ، علشان ميشوفكيش في الحالة اللي أنتِ فيها دي دلوقتي، هو لما بيشوفك بيحس أنه فشل في دوره وأنه كل اللي عمله السنين اللي فاتت راح على الفاضي، أمجد بيتعذب وهو شايفك كدة.


أطرقت داليا رأسها وقد تجمعت الدموع في مقاتليها فأردفت علياء بعطف ممزوج بالعقلانية: هو حاول علشانك دايما يا داليا، حاولي أنتِ المرة دي علشانه لو مش علشان خاطر نفسك، أنسي الماضي لأنه مات خلاص وعيشي وابدئي من جديد هتلاقينا كلنا بنمد إيدينا ليكِ.


سقطت دموعها بهدوء فمدت علياء يدها بتردد وربتت على كتفها ثم نهضت وجلست بجانبها فمالت داليا تبكي على كتفها لتضمها علياء إليها بحنان.


وعلى مضض ذلك اليوم تناولت داليا بعض الطعام إلا أنها بقيت هادئة، في اليوم التالي حضرت عايدة مع ابنتها حتى يطمئنوا على داليا، كان أمجد يقف مع علياء أمام باب الغرفة يتناقش معها بخصوص تعليمات الطبيب فقال بترحيب: أهلا نورتوا.


ابتسمت عايدة: ازيك يا أمجد أخبار داليا إيه؟


ابتسم أمجد بحزن: والله الحمد لله على كل حال.


قالت عايدة بتفاؤل: بإذن الله هتبقى بخير وأحسن من الأول.


أخذتها علياء حتى تطمئن على داليا، اعتدلت داليا حين دلفت علياء بصحبة عايدة وابنتها جودي، كانت جودي فتاة متوسطة الطول ذات وجه بملامح طفولية لطيفة وترتدي نظارة طبية.


ابتسمت عايدة بود: ألف سلامة عليكِ يا داليا، عاملة إيه دلوقتي يا حبيبة خالتو؟


رددت داليا بتعجب: خالتو؟


ضحكت عايدة: اه خالتو أصلك مش عارفة طالما حبينا حد وارتاحنا ليه بقى مننا وعلينا خلاص وبعدين أنتِ مش غريبة.


شعرت داليا بإحساس غريب من تلك المودة المنبعثة من عايدة وتلك الكلمة فهي لم يكن لديها خالة أبدا في حياتها.


قدمت جودي أمامها وقالت: ودي بنتي جودي في نفس سنك بالظبط.


ابتسمت جودي: ازيك يا داليا عاملة إيه؟


ردت داليا ببرود: بخير.


نظرت عايدة لعلياء بنظرة معينة: طيب تعالي يا علياء نجيب حاجة نشربها والبنات يقعدوا مع بعض.


أومأت علياء فورا: اه يلا مش هنتأخر.


خرجوا ليجد أمجد بانتظارهم فقال بتساؤل: إيه فيه حاجة؟


هزت علياء رأسها: لا إحنا قولنا نسيب البنات يتعرفوا براحتهم وكمان يمكن جودي تقدر تخرج داليا من اللي هي فيه.


تنهد أمجد بقلة حيلة: يارب والله.


عايدة بجدية لا تناسب قولها: متخافش بنتي رغاية وهتاكل دماغها ومش هيبقى عندها وقت تفكر من الصداع اللي هيجي لها بسببها.


اقتربت جودي حتى تجلس أمام داليا على السرير قائلة بعفوية: على فكرة اسمك حلو زي اسمي، إحنا داخلين سنة أولى ثانوي مع بعض، أنتِ عايزة تبقي أدبي ولا علمي؟


ردت داليا بلامبالاة: مش عارفة.


قالت جودي بعفوية: أنا بقى عن نفسي مش عارفة، أنا مش عايزة أدخل أدبي لأني مبحبش الحفظ الكتير ولا الجغرافيا، ومش عايزة أدخل علمي علوم علشان بكره الفيزياء لأني بكره المسائل الرياضية، ومش فاضل غير علمي رياضة اللي كله رياضة اللي بكرهها.


نظرت لها داليا بدهشة فتابعت جودي بحماس: وبرضو أنا مش محددة أنا عايزة أطلع يعني حاطة كل الإحتمالات قدامي وفي نفس الوقت بقول أسيبها لوقتها يعني أنتِ كمان معاكِ حق، تعرفي أنا كنت متحمسة اجي هنا أوي.


رفعت داليا حاجبها باهتمام: ليه؟


رفعت جودي كتفيها: بحب أتعرف على ناس جديدة وأعمل صحاب، الإجازة المرة دي مملة أوي صاحبتي مسافرة مع أهلها والتانية ساكنة بعيد عني وأنا لوحدي في البيت و معنديش أخوات بنات فحبيت اجي أتعرف عليكِ ونبقى صحاب، أصل أنا عندي أدهم أكبر مني في الجامعة وسليم عنده عشر سنين فأنا الوسطاني المهدور حقه.


أنهت كلماتها بتنهيدة مبالغ بها لتبتسم داليا نصف ابتسامة.


قالت جودي بتلقائية: تعرفي أنا حبيت عمو أمجد جدا من ساعة ما خالتو اتجوزته راجل لطيف جدا، تعرفي أنك شبهه.


لمعت عينا داليا برقة: بجد شبهه؟


قالت جودي بمرح: أيوا لطيفة كفاية أنك لحد دلوقتي مطردنيش من الأوضة بسبب رغي مش زي ماما بتحدفني بأي حاجة في إيدها أيا كانت علشان أسكت، مرة كنا في المطبخ وأنا مش مبطلة رغي راحت حدفتني بالمغرفة اللي في إيدها جت في دماغي.


ثم ضحكت فانتزع مرحها وحيويتها من داليا ضحكة خافتة رغماً عنها.


بالخارج قال أمجد لعايدة بامتنان: شكرا يا عايدة على تعبك مش عارف أقولك إيه.


ردت عايدة بعتاب: متقولش كدة يا أمجد إحنا مفيش بيننا شكر إحنا أهل وبعدين بنتك هي بنتي كمان.


فجأة أمسكت علياء ببطنها وهي تقعد جاجبيها بشدة، انتبه لها أمجد فأسندها بقلق: مالك يا علياء؟


قالت علياء بصوت منخفض من الألم: بطني يا أمجد بتوجعني أوي.


قالت عايدة بخوف: أنا هروح أجيب دكتور بسرعة.


ثم ذهبت بينما تسارعت أنفاس علياء من الألم الذي حاولت أن تكتمه ولم تستطع فأفلتت صرخة منها وهي تقع بين ذراعي أمجد....


      البارت الخامس والعشرون من هنا 

    لقراءة جميع حلقات القصه من هنا


تعليقات