قصة خداع قاسي
البارت التاسع عشر 19
بقلم ديانا ماريا
تجمدت داليا مكانها حتى أن يدها توقفت في منتصف الهواء قبل أن تمسك بمقبض الباب، شعرت بدوار حتى أنها استندت إلى الحائط الذي ورائها.
أرادت أن تصرخ أو تبكي، تفعل أي شيء كي تعبر عن ألمها الذي يفتت قلبها ولكن كأن حجر كبير علق في حلقها منعها عن إصدار أي صوت، والدتها!
والدتها التي كانت تتعذب في غيابها وفعلت أي شيء حتى تعود لحياتها مع والدها حتى أنها وقفت أمام والدها الذي تحبه أكثر من أي شيء تستغلها بتلك القسوة! حاولت أن تكذب أذنيها ربما والدتها لا تقصدها هي؟ بالتأكيد لا تقصدها هي بتلك الفتاة المزعجة التي لا تطيق تحمُلها!
رغما عنها حين تحركت أصدرت ضجة فخرجت حسناء باستغراب ثم شحب وجهها حين رأت داليا تقف أمامها.
قالت حسناء بتوتر: أنتِ... أنتِ جيتي يا حبيبتي؟
أجابت داليا بحرقة: اه جيت يا ماما علشان أسمعك، كنتِ بتتكلمي عليا يا ماما؟
حاولت حسناء الابتسام بارتباك: ل..لا..لا طبعا يا هبلة دي....دي واحدة كدة كنت أعرفها.
انهمرت دموع داليا بألم: والواحدة دي بردو إسمها داليا وعايشة معاكِ وخدتيها من أبوها اللي إسمه أمجد؟
بُهتت حسناء حين رددت داليا كلماتها على مسامعها فتابعت داليا بقهر: أنتِ خدعتيني! أنا مش مصدقة اللي بسمعه كنت لعبة بالنسبة لك طول الوقت ده!
قالت حسناء بتبرير: أنتِ فهمتي غلط أنا كان قصدي....
صرخت بها داليا: قصدك إيه؟ أني كنت اللعبة اللي بتحركيها طول الوقت علشان تأذي بابا؟ وأنا زي الهبلة مشيت وراكي وصدقتك!
تغير قسمات وجه حسناء وأخيرا كشفت عن وجهها الحقيقي قائلة ببرود: بقولك إيه يا بت أنتِ متوجعيش دماغي وادخلي أوضتك.
كانت تنظر لها بعدم تصديق هل هذه هي نفس الشخص الذي توسلها حتى تبقى؟ ولكن كل ذلك كان مجرد خداع!
قاومت داليا رغبتها الشديدة في أن تنهار لكل ما حدث لها واكتشفته اليوم، لقد كان عالمها كله عبارة عن كذبة.
تطلعت إليها داليا بألم: وأنا مش هفضل هنا وأسيبك تدمري بابا، أنا هقوله على كل حاجة!
حاولت التحرك إلا أن حسناء أمسكتها بسرعة من شعرها وسحبتها منه لتصرخ داليا بألم.
قلت حسناء بحقد: وأنتِ فاكرة أني هخلي حتة بت زيك تدمر كل اللي أنا عملته لحد دلوقتي! لا ده أنتِ متعرفنيش خالص!
نظرت لها داليا بقهر: أنا مش عارفة إزاي أنا اتخدعت بيكِ، بس أنا مش هسكت تاني!
حاولت الإفلات من يدها والوصول لهاتفها إلا أن حسناء دفعتها حتى اصطدم رأسها بالحائط وأسرعت تُمسك بهاتف داليا ورمته على الحائط حتى تحطم.
أمسكت داليا من شعرها مرة أخرى وهي تجرها حتى غرفتها وداليا تقاوم دون فائدة، ألقتها حسناء على الأرض وهي تتحدث بشر: هتفضلي هنا زي الكلبة أنا مش هسيبك تدمري خطتي وابقي قابليني هتقولي لأبوكِ إزاي يا بنت أبوكِ!
ثم أنها حديثها بضحكة ساخرة قبل أن تخرج من الغرفة وتغلق الباب ورائها بالمفتاح فانهارت داليا من البكاء على الأرض وشهقاتها ترتفع من شدة الألم الذي تشعر به.
حاولت النهوض من على الأرض ولكن بصعوبة لأن رأسها وجسدها كانا يؤلمانها فظلت مكانها بحرقة، ضربت نفسها بكراهية شديدة واحتقار للذات فكم كانت غبية!
لقد صدقت والدتها بسهولة شديدة حتى أنها لم تتريث لثانية واحدة في أن تفكر في صحة أيا مما أخبرتها بسبب اشتياقها الشديد لها وقد نفذت كل ما طلبته منها بسذاجة كبيرة.
أغمضت عيناها بحسرة وهي تسترجع كل ما فعلته مع والدها وزوجته لإرضاء أمها، تنبهت مرة أخرى وفكرت أنها لن تترك والدتها تؤذي والدها لأغراضها الأنانية.
وقفت مرة أخرى وأسرعت للباب تضرب عليه بقوة وهي تصرخ: طلعيني من هنا أنا عايزة أخرج!
استمرت في الصراخ والضرب حتى فتحت حسناء الباب وبكل غضب صفعت داليا ثم بدأت في ضربها وداليا تحاول أن تفادي الضرب حتى سقطت على الأرض فركلتها حسناء وهي تصيح بها بغل: أنا معنديش عزيز ولا غالي فخافي على نفسك أحسن لك! وعقاب ليكِ مفيش أكل ولا شرب لحد ما تعقلي!
ثم خرجت وتركتها معلقة الباب مرة أخرى بالمفتاح حتى تضمن عدم هربها، بقيت داليا مكانها طوال الليل من التعب والألم، تارة تؤنب نفسها على سذاجتها وتارة تبكي على الصدمة التي لم تتوقعها في والدتها التي فعلت من أجلها كل شيء وفي النهاية نامت مكانها من شدة التعب.
في مكان آخر حين استعاد ياسر قوته أتصل بنورهان قائلا: حتة البت دي تضربني وتعمل فيا كدة!
ردت نورهان بتعجب: بس إيه يا ياسر؟ حصل إيه فهمني.
سرد لها ما حدث فرددت بدهشة: ضربتك؟
شد ياسر على أسنانه من الغيظ: أيوا بس أنا هوريها، جت تعمل عليا شريفة وأمها مدوراها.
قالت نورهان بلامبالاة: أنا قولتلك تكبر دماغك من البت دي أصلا محدش بيطيق أمها بس أنت اللي صممت.
زفر ياسر بحنق: بقولك إيه مش وقته الكلام ده ما أنتِ صاحبتيها رغم أنك عارفة أمها، المهم دلوقتي تروحي تشوفيها وتفهميها أنه اللي عملته ده غلط ولو متراجعتش وغيرت رأيها مش هيحصل كويس فاهمة؟
نفخت نورهان بملل: ماشي حاضر هروح بكرة أشوف الدنيا إيه.
في الصباح التالي ذهبت نورهان لتتفقد الوضع فطرقت الباب، فتحت لها حسناء الباب ونظرت لها بدهشة: أيوا مين؟
ابتسمت نورهان بتوتر: أهلا يا طنط أنا صاحبة داليا، هي داليا موجودة؟
اصطنعت حسناء ابتسامة: لا يا حبيبتي داليا مش موجودة، راحت لباباها ومش هتقعد هناك شوية.
ردت نورهان بذهول: اه طيب تمام شكرا.
أغلقت حسناء الباب فعادت نورهان لبيتها بذهول لتخبر ياسر بما علمت به وتفكر أن داليا لم تأتي أبدا على ذكر نيتها للرحيل!
في منتصف النهار دلفت حسناء لغرفة داليا لتجدها جالسة على الأرض تسند ظهرها إلى السرير وتضم ركبتيها لصدرها، كانت عيناها متعبتان من أثر البكاء ووجهها شاحب من الحزن والتعب.
وضعت صينية على الأرض بها بعض الطعام: خدي مهونتيش عليا أسيبك من غير أكل اليوم كله.
نظرت لها داليا وتذكرت ما لاقته منها فبدأت تبكي فتأففت حسناء باشمئزاز: يووه هو أنا عملتلك حاجة علشان تعيطي!
في تلك اللحظة ولج رجل غريب فرفعت داليا عيناها بصدمة بينما نظرت حسناء للوراء بتعجب: مش قولتلك تستناني برة يا سالم؟
كانت داليا تنظر له بذهول وحين دققت النظر قليلا في ملامحه تذكرت أنه من أتى من قبل ليسأل عن والدتها.
ابتسم سالم بمكر: جيت أشوفك بس يا حبيبتي وكمان..
وجه نظراته لداليا وهو يتابع: أسلم على بنتك.
اعتدلت حسناء وهي تشده من يده: يلا تعالى نقعد مع بعض برة.
بعد خروجهما، في البداية رفضت أن تتناول الطعام إلا أنه ما لبث أن استسلمت للوجع وتناولت الطعام بدموعها التي لم تتوقف حتى أنها نسيت ما عانته من ياسر وأصبح حدثا عابرا مقارنة بما تمر به الآن.
جلست حسناء مع عشيقها تفكر: طب أعمل إيه يا سالم؟ البت دي دماغها ناشفة وعنيدة زي أبوها متوقعتش تقلب عليا.
كان سالم يتناول تفاحة بلامبالاة: ولا يهمك يا حبيبتي كدة كدة هيجي عليها وقت وتعقل.
عادت حسناء تقول بقلق: ولو عرفت تهرب؟ أو أمجد جه تاني هعمل إيه ساعتها؟
فكر سالم قليلاً ثم قال مقترحًا: بقولك يا حبيبتي عندي فكرة هايلة، أنتِ لازم تسيبي الشقة دي.
عقدت حاجبيها: أسيبها ليه؟
قال بخبث: لو أمجد جه تاني زي ما بتقولي ممكن كل حاجة تتكشف إنما لو سيبتي الشقة ومعرفش مكانكم هيتجنن وهيعمل أي حاجة علشان خاطر يلاقي بنته ونقدر ساعتها نطلب منه كل اللي إحنا عايزينه وهو مش هيقدر يرفض.
لمعت عينا حسناء إعجابا بالفكرة ثم ضحكت: لا ده أنت غلبتني خالص.
ضحك معها: ومين يقدر ميتعلمش منك بس!
ثار استغراب أمجد حين أبلغه المندوب الذي ذهب بالهدية لداليا أنه لم يجد أحد في ذلك العنوان وشعر بالقلق، لذلك ورغم المحضر الذي حررته ضده حسناء ذهب في اليوم التالي ليتفقدها.
طرق الباب بشدة عدة مرات دون أن يجيب أحد مما جعل يتضاعف فارتفع الطرق ليصبح قوي عالي وهو ينادي بإسم داليا.
خرجت إحدى الجارات من شقتها تقول بانزعاج: بتخبط على مين يا أستاذ وعامل إزعاج كدة.
أجاب أمجد بقلق: بخبط على أصحاب الشقة دي، حضرتك متعرفيش راحوا فين؟
أجابت الجارة بنبرة عادية: أيوا دول سابوا الشقة ومشيوا.
اتسعت عيون أمجد بصدمة: إيه!..
لقراءة جميع حلقات القصه من هنا