قصة خداع قاسي
البارت السابع والعشرون 27
بقلم ديانا ماريا
خفق قلبها من الخوف وهي تبحث حولها فحاولت جودي تهدئتها: أهدي بس ده لسة كان جنبنا دلوقتي أكيد مراحش بعيد.
وضعت يدها على خدها وهي تنظر حولها بضياع، لم تنتظر لثانية قبل أن تنطلق لتبحث عنه ومعها جودي، شعرت بالذنب لأنها أغفلت عنه مشغولة في أفكارها الخاصة ووبخت نفسها لتقصيرها في الانتباه له وحمايته.
وقفت وكتفيها منحنيان بشعور من الهزيمة، ولم تدر كيف ستخبر والدها وزوجته أنها أهملت في رعاية أخيها والآن لا تستطيع إيجاده.
وضعت جودي يدها على كتفها وهي تراها على شك البكاء: متخافيش هنبلغ أمن الشاطئ وبإذن الله هيلاقوه.
هزت داليا رأسها والدموع على وشك أن تنهمر من عينيها، سمعت نداء باسمها فالتفتت لتجد ريان يركض إليها وهو يضحك بسعادة فركضت له بلهفة وهي ترفعه لتعانقه بشدة.
تنفست الصعداء بارتياح: كنت فين يا ريان؟ كدة تقلقني عليك!
تفحصته بقلق قبل أن تعاود احتضانه مرة أخرى، سمعت صوت أدهم يقول بهدوء: أنا آسف لو اتخضيتي عليه بس هو جالي وكان عايز يروح الحمام وخدته.
نظرت له بغضب كبير: وأنت مفكرتش تقولنا حتى قبل ما تاخده؟ معملتش حساب الرعب اللي حسيت بيه وأنا مش لاقياه في أي حتة وبدور عليه وفكرت حصله حاجة!
عقد أدهم حاجبيه وأجاب بحدة: أول توطي صوتك لما نكون في مكان عام وبعدين هو جالي لوحده ففكرت أنك عارفة وحتى لو كنتِ فعلا قلقانة عليه للدرجة دي يبقى الأولى تاخدي بالك منه مش تيجي تلوميني على غلطك!
ثم غادر بخطوات واسعة من أمامها فيما بقيت داليا تنظر بعيون دامعة لمكان وقوفه.
حاولت جودي مواساتها بسبب حدة أسلوب أدهم: داليا معلش متزعليش بس أدهم مبيحبش الصوت حتى ماما وبابا مش بيعلوا صوتهم عليه لأنهم عارفين أنه بيضايق جدا.
أخفت داليا وجهها في عنق ريان حتى لا ترى جودي دموعها وقالت بصوت مخنوق: خلاص يا جودي.
تظاهرت بالتماسك أمام العائلة حين جلسوا سويا وقد لاحظت غياب أدهم مما زاد من شعورها بالاختناق، حين لم تعد تتمكن من حبس دموعها استأذنت والدها لترتاح قليلا ثم أجهشت بالبكاء بمجرد أن دلفت لغرفتها.
كانت تبكي وهي تتذكر تلك المشاجرة بينها وبين أدهم فما يكفي ما تشعر به بالذنب حين تتذكر، بل وأن من البداية كان خطأها لأنها كانت شاردة به هو!
شعرت بيد ترتب على كتفها فالتفتت بسرعة لتجد جودي تنظر لها بعطف، نهضت لتجلس بتوتر فجلست جودي أمامها: داليا أنا مش عايزاكِ تزعلي من أدهم، والله أدهم طيب جدا بس هو زي ما قولتلك مش بيحب الصوت العالي خالص وده ممكن يعصبه هو مكنش قاصد يزعق لك أكيد وصدقيني لما يهدى هيجي يعتذر لك بنفسه.
قالت داليا بصوت خافت من البكاء: أنا مش زعلانة يا جودي منه بالعكس أنا زعلانة من نفسي هو معاه حق دي غلطتي أنا.
وبختها جودي بمرح: لا لو الأمر كدة ملكيش حق خالص غلطتك إيه يابنتي ما دي أمور بتحصل عادي! تعرفي كنا في مصيف مرة وأخويا سليم راح الحمام وأحنا كنا لمينا حاجتنا وماشيين لحد ما لقينا طفل بيجري ورانا وهو بيعيط أنتِ متخيلة!
ضحكت جودي وأضافت: إحنا مش سرحنا بقى إحنا نسيناه خالص وكنا مروحين من غيره!
نجحت جودي كالعادة في رسم ابتسامة على وجه داليا مما جعلها تنسى همومها لبعض الوقت ولكنها ظلت تفكر به وبأن عليها الاعتذار إليه ولكن المشكلة تكمن في كيف؟
ظلت تفكر لمدة يومين دون أن تجد طريقة لأنهم كانوا على الدوام مجتمعين وسيكون محرج جدا لها أن تعتذر له أمام كل العائلة فيكتشفوا ماحدث خاصة أنه واضح أن أدهم لم يخبر أحد كما التزمت جودي الصمت.
كانت داليا عائدة من الخارج حين وجدت جودي تجلس على سريرها ويظهر عليها الحزن فسألتها بقلق: في إيه يا جودي؟ قاعدة كدة ليه؟
رفعت جودي وجهها لها وقالت بحزن: أدهم هيروح الجيش.
اتسعت عيون داليا بذهول وجلست أمامها: طب هي دي حاجة تزعل أوي كدة؟ مش هو هيروح وإجازات صح؟
زفرت جودي بإحباط: جاله سنة أو سنة ونص مش فاكرة وبعدين يا داليا أنا بسمع أنهم بيقعدوا كتير وينزلوا إجازة صغيرة أوي، أنا كنت نسيت حكاية الجيش ده وبعدين ده خلاص هيتم ٢٤ سنة أهو!
نظرت لداليا ببراءة: مينفعش ينسوه؟
ضحكت داليا ووضعت يديها على كتفي جودي: ينسوه إيه يا حبيبتي هي رحلة! بإذن الله يا جودي المدة هتعدي بسرعة أنتِ بس أدعي له.
قالت جودي بتذمر: بس هيوحشني أوي.
احتضنتها داليا فاختفت الابتسامة من على وجهها وقالت لجودي بصوت خافت: وأنتِ كمان أكيد هتوحشيه أوي.
سيطرت داليا على نفسها حتى لا تبكي مع جودي ولكنها شعرت بإحساس من الوحشة لم تشعر بها منذ زمن طويل في قلبها، سيذهب أدهم ودون أن تتمكن من الاعتذار له!
شعرت بالخوف من تلك الأفكار فصممت على الاعتذار له في أقرب فرصة ممكن خصوصا أنهم على وشك المغادرة غدا وربما لا تجد فرصة أخرى قبل ذهابه، وهي ما كانت حين شاهدته من شرفة غرفتها يقف أمام البحر في المساء فانتهزت الفرصة وهبطت على الفور، اقتربت منه بهدوء كان يقف يضع يديه في جيبه ويتأمل البحر.
قالت بهدوء: أدهم.
التفت بدهشة حين سمع صوتها فتابعت بتوتر: أنا...كنت عايزة أعتذر منك على اللي حصل يومها، معاك حق أنا كنت السبب ومكنش معايا حق ازعق لك وسط الناس.
ابتسم أدهم ابتسامة خفيفة ليرد: حصل خير ولا يهمك أنا مكنش ينفع اتعصب برضو.
ابتسمت بارتباك لتقول: سمعت أنك رايح الجيش.
تنهد وهز رأسه: أيوا بإذن الله.
حاولت القول بنبرة طبيعية: ربنا يوفقك.
ابتسم ابتسامة جانبية: شكرا يا داليا.
ردت له الابتسامة وظلت واقفة، لاحظت لأول مرة أن عيونها ليست بنية وإنما ذات لون عسلي جميل، حين شعرت أنه ليس من اللائق الوقوف أكثر استدارت وغادرت.
بعد ذهابه ظلت داليا تعاني من اشتياقه له الذي ظلت لفترة تنكر سببه حتى اعترفت أنها تحبه أخيرا، فما التفسير الوحيد لاشتياقه الشديد له؟ وتفكيرها المستمر فيه؟ ومحاولتها معرفة أي شيء وكل شيء عنه وتلهفها الدائم لأخباره!
مرت سنتان، ابتسمت داليا لقد عاد أدهم وقد أنهى خدمته منذ ستة أشهر، تذكرت حين عاد دعتهم علياء للغداء كاحتفال صغير بمناسبة عودته فأصرت داليا على تحضير الطعام وتحججت بأن علياء يجب عليها أن تهتم بريان لأنه مريض قليلاً، لم تعرف كيف ستشعر حين تقابله مرة أخرى بعد ذلك الغياب، وحين حضر وسمعت صوته الذي اختلف قليلا ليصبح أخشن ارتفع نبضها وتسارعت نبضات قلبها، اخذت عدة أنفاس عميقة حتى تهدئ نفسها قبل أن تخرج.
رأته داليا من بعيد وكان يسلم على والدها، لمعت عيناها وهي تتفحص مرآه، لقد اكتسب سمرة خفيفة تليق به كما ظهرت له لحية خفيفة زادت من وسامته.
أبعدت نظراتها حتى لا ينتبه لها أي أحد، حين جلسوا لتناول الطعام وجه أدهم حديثه لخالته بابتسامة: تسلم إيدك يا خالتو مع أني حاسس أنه طعم الأكل أختلف شوية.
ضحكت علياء: في دي معاك حق بقى لأني مش أنا اللي عملته، ريان تعب ومعرفتش أعمل حاجة منه.
نظرت لداليا بامتنان: داليا هي اللي عملت كل حاجة قدامك دي لوحدها.
نظرت لها جودي بدهشة: إيه ده أنتِ بتعرفي تطبخي بجد؟ أنا فكرتك بتسلقي بيض بس زيي.
قالت عايدة بينما تتناول طعمها: أنتِ فاكراها فاشلة زيك.
صاحت جودي بتذمر: يا ماما!
نظر أدهم لداليا لبعض لحظات قبل أن يقول بهدوء: تسلم إيدك الأكل جميل.
أومأت برأسها وقد عجزت عن الرد فقد كان قلبها يرفرف من السعادة في تلك اللحظة وقد سببت كلماته البسيطة فيها سعادة كبيرة.
عادت بذاكرتها لتحدق في صورته التي في هاتفها وهي تتأملها بحب، لقد كانت تعاني دائما من الأفكار، هل يفكر بها أو يشعر بأي شيء نحوها؟ هل يحبها كما تحبه؟
وقد عادت بعض مخاوف الماضي حتى تؤرق مضجعها وتذكرت ما حاولت نسيانه لسنوات، هل يمكن أن يحب فتاة مثلها؟ بماضي كماضيها وأم كأمها؟ ارقتها تلك الأفكار كثيرا وسببت لديها شعوراً بالنقص.
كانت شاردة حين دلفت جودي فجأة فارتبكت داليا وحاولت إخفاء هاتفها على الفور.
نظرت لجودي بانزعاج: هو مفيش حاجة إسمها تخبطي يا بنتي!
ضحكت جودي: حبيت أعملها مفاجأة.
شدتها من يدها لتنهض: يلا قومي أقعدي معانا برة.
سألت داليا بتعجب: أنتِ وصلتِ امتى ومع مين؟
أجابت جودي: جينا أنا وماما من شوية.
سلمت داليا على عايدة وجلسوا جميعا سويا.
قالت علياء بترحيب: أعمل عصير إيه؟
نهضت داليا لتشد جودي معها: خليكي أنا هعمل العصير أنا وجودي.
اعترضت جودي: بس أنا مش عايزة أقوم.
إلا أن داليا أخذتها رغماً عنها، حملت داليا صينية العصير للخارج وكانت جودي ورائها تحضر بعض التسالي حين توقفت داليا مكانها فجأة وقد ارتجفت يديها مما تسمعه.
كانت عايدة تتكلم مع علياء بحماس: وأدهم هيخطب قريب، قالي فيه بنت عايز يخطبها وخلاص هنحدد ميعاد مع أهلها علشان نروح..