قصة حياة مريرة
البارت الثالث 3
بقلم امل صالح
- هترجعي تاني يا رغد، هترجعي يابنت بطني والجزمة في بُقك، عشان مش هتلاقي حد تروحيله.
ابتسمت - عندي ربنا يا ماما، عندي ربنا.
قفلت الباب بسرعة ماستوعبتهاش نبيلة وبالمفتاح قفلت من برة بتهور..
تمسكت بالشنطة بكل قوتها وبدأت تجري....
مش عارفة هي راحة فين ولا إيه قدرها ولكن بتجري..
• نزلت الشارع بتاعها، جيرانها شايفينها بتجري ولكن محدش فيهم جرب يوقفها ويسألها في إيه، دخلت محل بقالة صغير.
- إزيك يا ر.....
قاطعت رغد الراجل صاحب المحل وهي بتحط المفتاح على الفاصل بينهم - افتح لأمي يا عم طلعت..
ومستنتش تسمع رده ولا سؤاله عن سبب إنها تسيب المفتاح عنده فجأة كدا، طلعت بسرعة وأول توكتوك فاضي وقفته، الراجل طلع وهي كل دقيقة والتانية بتطلع رأسها وتبص لورا.
- على فين يا أبلة؟
سألها بعد ما قطع مسافة طويلة وملقهاش قالت حاجة أو العنوان اللي عايزة تنزل فيه، رفعت رأسها بصتله بتوهان..
مش عارفة تديله عنوان محدد ولا عارفة تقف في أي منطقة غريبة وخلاص، حضنت الشنطة في إيدها ومدت رأسها شوية - نزلني هنا.
وقف على جنب وهي أعطته ٢٠ جنيه إكرامًا للمسافة الطويلة اللي قطعها، مِشى وهي وقفت مكانها بجمود يدوب بتبص حواليها بإستكشاف..
"أنا فين؟!!"
السؤال الوحيد اللي كان بيدور في راسها في اللحظة دي، فجأة لقت نفسها في مكان أول مرة تشوفه، مكان جديد و وشوش جديدة، حست فجأة بغربة كبيرة..
"أرجع تاني!"
رجع عقلها يشتغل مرة تانية، بتفكر بالرجوع مرة تانية ومواجهة واقعها المؤلم بإستسلام، "ربنا..." نقطة مضيئة نوّرت في عقلها فجأة وسط كل الكم دا من الحيرة، كانت الجواب على كل سؤال خطر في بالها.
ربنا...
هو سبب هروبها من والدتها وتفكيرها البشع، وبرضو هو هيكون سبب نجاتها في اللحظة دي، هيبعتلها أي حد يقف معاها.
بدأت تتحرك في المكان، في البداية كان التوكتوك موقفها على كوبري البلد دي، بدأت تدخل جوة شوية، بيوت كتير متراصة جنب بعضها، يفصل بين الرصيف والطريق التُرابي ترعة طويلة.
دخلت جوة شوية فبدأت المساكن تقل وتظهر أراضي زراعية، ومع أول التفاتة ناحية الأرض الزراعية كان فستانها وحجابها بيطيروا لورا.
غمضت عينها باستمتاع، أهي بتعيش أي لحظة سعادة وراحة وسط كل اللي بيحصل!
مكنتش مهتمة كتير لنظرات الناس ولكنها كانت محرجة جدًا، خصوصًا إن أهالي البلد بيكونوا عارفين كل فرد في البلد فهي هيئتها هيئة شخص غريب عنهم!
رجعت تتحرك تاني وراسها مرفوعة لفوق، بتبص على البيوت والمحلات، عايزة تسأل أي حد عن أي حاجة ولكن مكسوفة.
- كام كدا يا عمو؟
قالها وهي بتحط كام عبوة بسكوت وكيكة مع ازازة ماية كبيرة وعلبة مناديل، بصلها الراجل شوية بعدين ضحك - أنتِ مش من هنا صح؟
ابتسمت بإحراج - آه.
- طيب، كدا ياستي ١٥ إلا جنيه.
- هه ؟
ضحك - ١٤ جنيه.
مدت إيدها بإحراج بالفلوس، كانت على وشك إنها تمشي لكن وقفها - أنتِ قريبة مين هنا؟
- مش قريبة حد.
بصلها بإستغراب - أومال بتعملي إيه عندنا؟
حطت الحاجة في شنطتها وسابت بس بسكوتة، قطمت قطعة وقال بتلقائية - أنا هربانة يا عمو.
رفعت رأسها لما صمته طال وهو سأل تاني - مالِك؟
ومرة تانية قالت بعفوية - هربانة..
ساب مكانه بسرعة ما استوعبتها ووقف قصاد المحل وبدأ ينادي بصوت عالي ويزعق.
حاولت تعديه وتمشي من المكان...
لكنه وقف قصادها سد منيع..
رافض مرورها.
خافت من نظراته، وخوفها زاد مع تجمع الناس الغير مبرر..
صارت غريبة وسجينة في بلد لا تعرف حتى اسمها، والآن من المفترض أن تهرب من الهروب
«خلينا متفقين إن تصرف رغد غلط وإن اللي هي فيه حاليًا نتيجة لِتهورها، حبيت أوضحلكم عشان ميبقاش أي لخبطيطة وخلاص، رغد غلط وكان في طرق كتير تقدر تسلكها غير الهروب»...