قصة حياة مريرة
البارت الحادي عشر 11
بقلم امل صالح
- دا حتى أمي طردتني!
- طب اسمعي، اطلعي عمارة بيتكم اقعدي فيها، محدش هيقولك بتعملي إيه وأنا ربع ساعة بس وهكون عندِك..
صوت الموتوسيكل رجع..
رفعت رأسها بخوف...
حطت التلفون في جيبها ووقفت.
وقبل ما تفكر في الهروب حتى كانوا بيوقفوا الموتوسيكل وبينزلوا من عليه مقربين منها، • لفت تخبط على الباب بعنف نتج عن خوفها وهي شايفاهم بيقربوا منها بنظرات لا تُبشر بأي خير.
مفتحش وفاء ولا هم رجعوا، حاولت تصوَّت لكن معرفتش! وكأنها صارت بكماء بالوضع المريب اللي اتحطت فيه..
- بتعمل إيه منَك ليه هنا.!
بصت لمصدر الصوت، واحدة سِت شايلة جردل في إيدها وبتبصلهم بإستغراب، عينها وقعت على رغد بعدين على واحد من الشباب اللي لفوا وشهم عشان يشوفوا الدخيل صاحب الصوت..
وأول ما شافته شهقت صدمة وهي بترمي الجردل وبتقرب منهم - هو أنت وشلتك يا ** يا ابن الـ**، وحياة أمي ما أنت طالع منها سليم النهاردة.
هجمت عليه السِت والشابين التانيين كل واحد جِرى في طريق، وكذلك رغد اللي شالت شنطتها وجرت لبعيد وهي بتمسح وشها من الدموع.
كانت بتجري ولسانها مش بيرد غير (يارب)، وكل ثانية والتانية بتلف رأسها تتأكد إن محدش وراها، لحد ما وصلت للعمارة اللي فيها بيتها اللي موجود فيه حاليًا أمها وجوزها على حسب تخمينها..
قعدت في بير السلم، حطت شنطتها جنبها، ضمت رجليها ليها بإيديها، خبَّت وشها فيهم وبدأت تعيط بإنهيار..
بتعيط بسبب كلام أمها الغير مباشرة إنها مبقتش عايزاها معاها ولا عايزة وجودها، بتعيط بسبب كلام الناس الجارح ونظراتهم المهينة ليها، بتعيط بسبب الموقف اللي حصلها مع الشباب وإنها كانت لوحدها ومش عارفة تتصرف، وبتعيط بسبب الأبواب اللي اتقفلت في وشها بكل جبروت.
"أدخلِك فين هنا وسط عيالي؟ عايزة تبوظيهملي؟!!"
"هو حرام لينا وحلال ليه"
"ماشية بطَّال والحارة كلها عارفة"
الجمل المهينة اللي اتقالتلها من ساعة ما نزلت البلد، الجمل اللي مش قادرة تتطلعها من دماغها، يعني إيه هتبوظلها عيالها؟!! يعني إيه ماشية بطّال! يعني إيه حرام لينا وحلال ليه!!! إيه معنى كل دا؟!
بتحاول تستنتج سبب أفعالهم مش لاقية!
عياطها زاد..
معاه زاد الألم في قلبها.
حطت إيدها فوق قلبها - يارب، يارب أنت أعلم بحالي يارب، يــارب.
التلفون رَن..
- إيه يا رغد، أنا على كوبري البلد أهو، أوصفيلي المكان اللي أنتِ فيه.
ردت عليه بصوت يكاد يكون مسموع، خرج بصعوبة وبعد صراع كبير مع نفسها - مش عارفة..
- أنتِ روحت بيتكم زي ما قولتلك ولا أنتِ فين.؟
جفون عينها بتنزل بثقل..
الرؤية بتتلاشى واحدة واحدة..
تنفسها بيزيد..
ردت بآخر قدرة عندها للرد - مش عارفة.
سابت التلفون يقع ومعاه تراخى دراعها..
وجابر بينادي عليها، ولا حياة لمن تنادي.
دخل المحلات يسأل عن بيت نعيمة ولكن الكل أكدله إن مفيش حد في البلد إسمه نعيمة!
- السلام عليكم، بيت الحجة نعيمة فين لو سمحت، بسرعة بالله عليك..
خلع طلعت نضارته وبصله بإستغراب - نعيمة مين؟ نبيلة بقى قصدك.
ضرب جابر ايديه في بعض بعد ما افتكر إسم أم رغد - أيوة أيوة، بسرعة يا حج..
شاورله - العمارة اللي في الوش د...
سابه جابر وما وقفش يسمع باقي الكلام، جِرى على العمارة وهو بيدعي تكون موجودة.
كان طالع على السلالم ولكن لفت نظره حاجة ورا، واللي مكنتش غير رغد اللي قاعدة على الأرض لا حول لها ولا قوة، وطى على الأرض بسرعة وبدأ ينده عليها - رغد، يا رغد..
ضرب بخفة على وشها وهو بيبص حواليه بعجز؛ يطلب من مين المساعدة دلوقتي؟؟ مكنش عايز يشيلها احترامًا ليها ولمبادئه كراجل، فتح الكيس اللي معاها على الأرض وحاول بالماية يفوقها.
فتحت عينها بعد دقايق على ضرب خفيف على وشها، بصت حواليها بأمل يكون كل دا حلم وتكون هي في شقة جابر بتتغدى معاه ومع عزة، لكن لقت نفسها لسة في بير السلم.
الوش قدامها مكانش واضح وواحدة واحدة بدأت الرؤية توضح، وبمجرد ما شافت جابر رجعت تعيط - أنا عايزة أرجع معاك يا جابر، مشيني من هنا والنبي، أنا .. أنا خايفة منهم هنا...
قعد قصادها واخد نفس طويل براحة لإستفاقتها، بصلها وهي بتعيط بصمت ووجع في قلبه، مش عارف يواسيها ولو حتى بطبطبة على إيدها!
- حقِك على قلبي يا رغد، ماتعيطيش!
- كانوا جايين عليا يا جابر، عمو طلعت .. عمو طلعت يا جابر بيقول إني ماشية بطّال.
- طب خلاص عشان خاطري، أنا آسف!
توقفت عن الكلام ولكن مستمرة في البكاء، وبعد فترة كانت هدت قال - بقيتي كويسة؟ تقدري تمشي.
مسحت وشها وهزت رأسها بصمت فوقف - يلا نمشي من هنا، يلا نرجع بيتنا يا رغد ....