قصة قلوب مقيده بالعشق
البارت الثاني والعشرون22
بقلم زيزي محمد
تململت بفراشها بـ غرفتها الجديدة في الشقة التي استأجرها عمها بالإسكندرية ، لم تعرف سبب برودة جسدها رغم الغطاء الثقيل الذي يحتضن جسدها بقوة، حاولت فتح عيونها ولكن فشلت لتورمها وانتفاخها الزائد بسبب بكائها اللعين الذي لم تستطيع ان تتحكم به حتى الان ورغم ان مر على طلاقها أسبوعًا كاملًا، أسبوعًا وتنتظره يوميًا أن يأتي خلفها او على الاقل يجري اتصالًا بها، ولكن خابت كل أمالها، أرهقت عقلها بالتفكير به وبما فعله، وأرهقت قلبها بذكرياتها معه ، نجحت أخيرًا بأن تقف على قدمها رغم تلك الهزة التي تحدث بجسدها كلما حاولت ان تقف، تقدمت بخطوات بطيئة نحو ذلك الصندوق الصغير الذي أخفته عن عمها، فتحته بأصابعها الرقيقة وهي تجذب من داخله قميصًا له وعالقة به رائحته، وضعت قميصه عند أنفها تستنشق عبقه واغلقت عيونها تستمتع بتلك اللحظة ، انسابت دموعها مجددًا بلا رحمة على صفحات وجهها وتعالت شهقاتها ضغطت بيدها على قميصه وكأنها تدواي به جراحها، انتبهت على طرق الباب وضعت القميص بسرعة وأخفت الصندوق مكانه ، مسحت دموعها وهي تتقدم باتجاه الباب فتحته بعد ثواني بعدما نجحت أخيرًا في تنظيم أنفاسها، رسمت ابتسامة صغيرة وهي تفتحه قائلة بصوتها الهادئ: صباح الخير يا عمو.
رمقها رأفت بعتاب : بردوا بتعيطي يا ندى.
التفت بجسدها تهرب من عيونه لتقول برقة : انا ؟ فين ده ؟
تقدم رأفت خلفها ثم جلس بجانبها ليقول : على أساس ان مبسمعكيش بليل والصبح، يابنتي حرام عليكي نفسك العياط هايفيدك بأيه...
هزت كتفيها لتقول ببكاء عندما لمس عمها جراحها : مش هايفيد بحاجة بس يمكن ارتاح..
زم رأفت شفتيه وحاول اقناعها بشتى الطرق : لازم ترتاحي وتشوفي حياتك، لانه أكيد شايف حياته دلوقتي.
نهضت واتجهت صوب النافذة تفتحها تحاول استنشاق الهواء لشعورها بالاختناق وانقباض قلبها فقالت بلامبالاة ظاهرية : ربنا يوفقه مع حد أحسن مني.
شعور رهيب يكاد يفتك برأفت بعدما فعله بها، لم يتخيل انها ستحزن بهذة الطريقة ، لوهلة فكر انه قد حسبها خطأ هو وسمير، لقد جنى بفعلته عليها ، ولا مجال للرجوع في خطته...
تقدم منها وتابع بعيناه تلاطم الامواج ببعضها فقال بهدوء : انا فكرت كتير، انا حاسس ان كبرت وعاوز اعيش اللي فضيلي من عمري معاكي يابنتي...
التفت له تتابعه بعيونها الحمراء ، فـ أكمل هو حديثه : انا قررت ان اقدم استقالتي ونسافر انا وانتي لأي مكان تحبيه .
هتفت برجاء : ياريت انا نفسي أسافر، انا حاسة اني مخنوقة أوي طول ما أنا هنا في مصر..
ابتسم رأفت بسعادة ليقول : انهارده هاسافر القاهرة أروح أحاول أقدم استقالتي .. ونبقى نرتب للسفر بعد كده.
اؤمات بموافقة ، فقال هو : هاروح ألبس علشان الحق أسافر..
غادر الغرفة والتفت هي تنظر للبحر بعيونها الحزينة ، راقبت الامواج وتلاطمها القوي ابتسمت بسخرية على حالها الذي تبدل في لمح البصر ، بين يوم والآخر، الامس كانت مشاعرها تتلاطم بقوة في حضرته تتصارع مع بعضها البعض رغم محاولتها الكثيرة لاخمادها، والان تلاطمها أصبح ضعيف يكاد يكون محسوس بداخلها ، اخمدت فعلا وليس بإرادتها بقيت مشاعرها الحزينة والتعيسة فقط ... وضعت يديها على قلبها عندما زادت انقباضاته همست بـ خوف لم تعلم مصدره : في ايه، قلبي واجعني اوي ليه..
.............
رفع وجهه يرمق قائده باستفهام : قولت حاجة يا فندم..
جذبه قائده بعيدًا عن زملائه : في ايه مالك ؟ انت مش مالك اللي انا اعرفه ولا مركز في القضية ولا أي حاجة ..
حمحم مالك بحرج وحاول ان يبرر، فقاطعه قائده بحزم وصرامة : ايا كان اللي شاغل بالك، ومخليك تايه لدرجاتي، فـ شغلك في المقام الاول والاخير، لاننا مبنشتغلش اي شغلانة ، احنا الغلطة تودينا في داهية..
أحمر وجهه من حديث قائده الصارم له، فـ عاد وتحدث القائد : مالك انت من أكفأ الظباط عندنا، ياريت مضيعيش مستقبلك، خلينا نخلص القضية دي على خير ونرجع شغلنا وحياتنا.. روح دلوقتي الوحدة ارتاح شوية وفكر في كلامي...
هز مالك رأسه وغادر غرفة العمليات واتجه للوحدة والتي كانت على مسافة قريبة من ذلك المبنى ، دلف غرفته وخلع قميصه باهمال ثم القى بجسده على الفراش مغلقًا عيناه للاستسلام لحالة النوم التي بات في الآونة الأخيرة يرحب به بصدر رحب خوفًا ان يغرق بالتفكير بها وتقوده مشاعره نحوها كـ حال كل ليلة ..
.............
جهز حقيبته واستعد للسفر، جلس على فراشه بإنهاك .. اكثر من أسبوع لم يستمع لصوتها او حتى شبعت عيونه برؤيتها المحببة له، التقط هاتفه يجري اتصالًا بها ناظرًا بملل للهاتف لتأكده انها لن تجيب عليه، ولكن فاجئته عندما أجابت بصوتها الهادئ : ألو..
تنهد ليقول بهدوء مماثل لها : مش متصل علشان نتخانق، بس بقولك ان انا مسافر..
صمتت لبرهة ثم قالت : اممم ويااترى شغل ؟!!.
توتر للحظات عندما سألته، لو علمت سبب سفره الحقيقي حتمًا سـ تغلق الهاتف بوجهه، فأجاب : امممم شغل.
ردت بجفاء : متكذبش، وقول انك رايح لمليكة اخت ياسمينا ، عادي يا فارس ما هي بعتتلي مسج تطلب رقمك وانا بعتوهلها...
بلع ريقه وهتف مبررًا : مكنتش عاوز أقولك لانك أكيد هاتزعلي مني وهـ نتخانق .
أجابته ببرود : ونتخانق ليه، مفيش بيني وبينك حاجة أكتر من أخوة ، ورديت عليك علشان انت اخويا ... هاتعوز حاجة مني قبل ما أقفل ..
هتف باقتضاب : لا سلام .
اغلق الهاتف ساخرًا من نفسه على ضعفه معها تلك المتمردة دوماً على حبه، التفت برأسه بالاتجاه الاخر زافرًا بحنق فـ وقعت عيونه على صورته هو و ياسمينا ومالك..
_ الله يرحمك حتى في مماتك لسة بعاني..
أغلق عيونه واستعاد ذكرى صعبة عليه .. ذكرى جاهد كثيرًا نسيانها..
( فلاش بااك ).
انتفض بغضب ناظرًا لها بقوة وخرج صوته حاد معها لاول مرة : ايه الجنان ده، انتي واعية كويس للي بتقوليه .
وقفت ياسمينا امامه قائلة بحزن : اه واعية فيها ايه اللي بقوله، أنا مقولتش حاجة غلط...
قاطعها بعصبية مفرطة : انك تقوليلي اتجوزك يبقى مش غلط ؟ ..اتجوزك ازاي وانتي في مقام اختي ، اتجوزك ازاي وانا بحب يارا وانتي عارفة اني هاتجوزها...
هتفت بعصبية مماثلة : وانا عمري ما اعتبرتك أخ، انا طول عمري بتمناك جوزي، وانا أحق منها..
كور قبضته بغضب وتقلصت ملامحه : انتي مجنونة صح .
صرخت بوجهه قائلة : اه مجنونة ، وهاتجوزك..
هتف بصوته الجهور : مش غصب، ومش كل حاجة هاتعوزيها احققهالك، افهمي بقى صعب الي بتقوليه ، انا مش هاجرح يارا ولا هاجرح نفسي قبلها..
هتفت بتعالي اتسعت عيونه لها : على فكرة انا أحلى منها في كل حاجة ، ملامحي شعري وكمان جسم....
قبض على مرفقها بقوة مقاطعاً اياها قائلاً بغضب : بس اخرسي، انتي بتستعرضي نفسك قدامي، انتي اتجننتي على الاخر...
صمت لبرهة ثم أكمل حديثه بنبرة تحذيرية : اياكي تفتحي الكلام الفارغ ده معايا تاني، مش عاوز ازعلك مني، مش هاتشوفي وشي تاني، والاخوة اللي بينا هاتتقطع وللابد، فاهمة ولا لأ.
نفضها بعيدًا عنه ثم تقدم صوب باب الشقة ليغادر ، توقف للحظة عندما سمعها تتحدث بحزن : عندي كانسر، وخلاص ايامي معدودة ومش هاتعلاج علشان عاوزه اروح لماما وأختي ، بس كان نفسي قبل ما أموت اتجوزك، امنية عشت كتير نفسي احققها متحرمنيش منها، العمر قدامك انت ويارا، اتجوزها بعدي ، بس حققلي امنيتي..
تراجع بجسده والتفت يحدج بها يستكشف صدق حديثها، فـ رأى دموعها لاول مرة تتلألأ بمقلتيها، اقتربت منه وبيدها العديد من الاوراق : دي تحاليلي واشعاتي، علشان تتأكد، لو مش مصدق يالا نروح اي مستشفى..
التقط منها الاوراق يتفحصها بصدمة ، رفع وجهه يتأملها ليقول : هاتتعالجي، وهاتخفي..
هزت رأسها برفض ثم قالت : لأ، مبقاش عندي طاقة احارب بيها ، ولا أشوف نظرات الشفقة بعيونكوا كلكو حتى انت ومالك هاخلصكوا مني ومن تعبي وحملي اللي على قلبكو .. واخلص مليكة اختي مني ..
قاطعها قائلاً : انتي بتقولي ايه، احنا كلنا بنحبك وهاتتعالجي، ياسمينا انتي قوية وعنيدة وهاتخفي ...
اشارت له حتى يصمت فقالت برجاء : فارس انا بحبك انت، كلهم عندي عادي، بس بحبك انت، لو هاحارب، هاحارب علشانك ، وافق وحقق امنيتي الوحيدة قبل ما أموت واريحك مني ... أرجوك وافق..
استفاق من شروده على رنين هاتفهه وما كان الا مليكة .. زفر بخفة واجاب : ألو...
_ انت فين يا فارس..
نهض وجذب حقيبته يجرها خلفه : رايح المطار أهو يا مليكة متقلقيش هاجيلك .
هتفت بامتنان : شكرًا يا فارس، مستنياك..
..........
حاول ايجاد اي إضاءة في هذا المكان المظلم، تحسس بيده في جميع الجهات وانفاسه ترتفع شيئًا فـ شيئًا، التقطت اذنيه همسها بأسمه، التفت حول نفسه هامسًا باسمها : ندى..
ظهر مجددًا همسها ولكن بنبرة أعلى : انا هنا ..
التفت نحو مصدر الصوت فوجد بصيص من النور بدء يظهر وبنهايته تقف هي بفستان أبيض ملوث وملطخ بالدماء انقبض قلبه لهيئتها تقدم منها بسرعة ، أشارت له بيدها حتى يقف وقالت : اقف، متكملش ..
توقف قائلاً بلهفه : ليه؟!، هاجيلك يا حبيبتي..
أشارت خلفها لتلك الحفرة قائلة : هاتقع معايا..
وتراجعت نحوها عدة خطوات، فـ صرخ هو بإسمها : ندى ، حاسبي هاتقعي..، انا هاجيلك حتى لو وقعت معاكي..
انسابت دموعها قائلة : قولتلي قبل كده مش هاسيبك وسبتني، انا هاقع لوحدي..
وتراجعت خطوة اخرى، فـ صرخ باسمها مجددًا وركض نحوها، اما هي، فالقت عليه نظرة أخيرة ثم القت بجسدها نحو الحفرة برضا واستسلام وعلى وجهها ابتسامة، ارتفع صراخه : نــــــــدى، لاااااا.
انتفض من نومه وهو يتنفس بسرعة هامسًا باسمها : ندى..
تحسس جبينه وحبات العرق تملأ وجهه، نهض من فراشه نحو المرحاض ثم وقف تحت المياه الباردة يتنفس بسرعة ولم يستطيع السيطرة على انفاسه ولا عقله وهو يعيد مشهدها وهي تقع بإرادتها وابتسامتها الحزينة ...
اغلق المياه وهو يجاهد لالتقاط انفاسه، هتف بانفاس متقطعة : لا مش قادر، مش هاقدر أكمل من غيرها ..
التقط منشفة وجفف نفسه ثم خرج من المرحاض يبحث عن هاتفه، اجرى اتصالاً بفارس.
_ فارس، انت فين؟!
_في المطار .
_ ليه شغل؟!.
_ لأ مليكة اخت ياسمينا في مشكلة مع صاحب البيت وكذا صاحب ليها تقريبًا بسبب ديون عليها وفي مشكلة مع السفارة هناك هاروح احلها..
_ طيب لما توصل بالسلامة طمني عليها..
_ انت كنت محتاج حاجة ؟!.
_ آه انا قررت ارجع ندى لعصمتي ، مش قادر يا فارس أكمل حياتي من غيرها، هاواجهها لما ارجع القاهرة واواجه اهلي وهاحارب علشانها، هي تستاهل كده يا فارس.
_ طيب وأمك ...
_ هاتقدر موقفي لما تعرف ان كان غرضي نبيل...
_ وعمها؟!.
_ غصب عنه انا هاردها لعصمتي تاني، هو يقف في وشي ليه ؟ وحتى لو وقف هاخدها منه غصب، محدش هايمنعني عن مراتي حتى لو هي بنفسها.
..........
قطبت جبينها تحاول استيعاب حديث زميلتها : ايه الكلام ده ؟ من امتى حصل ؟
اخذتها زميلتها بالجريدة جانبًا : والله زي ما قولتلك كده، باع الاسهم لواحد تاني وساب الجريدة ومشي ومنعرفش ليه أصلًا.
صمتت تفكر بحديثها، ماذا يعني هذا ..غيابه شهراً كاملًا دون اتصال حتى .. انتبهت على حديث زميلتها بالجريدة : هو انتو يا خديجة طلقتو ؟ انا سمعت كلام كده من قيمه ...
قاطعتها خديجة متسائلة : مين اللي قال هوو..!.
هزت رأسها بنفي لتقول : لأ، بس علياء قالت كده..
هتفت خديجة بشراسة : لا مطلقناش ، بس يعني في شوية مشاكل كده، وان شاء الله هاتتحل، انا هامشي بقى علشان متأخرش..
غادرت خديجة الجريدة، وعقلها مشغول بـ عمار، أين هو؟!، ما سر اختفائه..أخرجت هاتفها تجري اتصالًا به لعله يجيب عليها هذه المرة... زفرت بخفة عندما وجدته مغلقًا، انتفضت بذعر عندما سمعت صوت والدها خلفها..
_ اخبارك يا خديجة ...
التفت بسرعة قائلة بتوتر : الحمد لله.
اقترب والدها منها يعانقها تحت صدمتها ثم قال : وحشتيني، عاملة ايه!؟.
تلعثمت بالحديث قائلة : كويسة ..انتو كويسين.
هتف بنبرة هادئة : اه، ايه اخبارك مع عمار ؟
هتفت بتوتر : الحمد لله..
ربت على كتفيها ليقول : انا عارف انك مستغربة ويمكن مخضوضة من معاملتي ليكِ، بس انتي بنتي في الاول وفي الاخر مهما عملتي او عصيتي أمري ، لازم اهتم بيكي واعرف اخبارك زي ما انا عرفت انه سايبك أكتر من شهر مبيسألش فيكي ..
خرجت نبرتها مهزوزة محاولة خلق اي مبررات لحديثه : اصل هو وراه يعني شغل..
قاطعها علي بـ لهجة حاسمة : متحاوليش تكذبي ، انا فاهم كويس ، انا جيتلك اعرض عليكي عرض وفكري فيه كويس، زي ما انا فكرت كويس وفكرت انه مبقاش ينفع أغصبك على حاجة ، او اجوزك واخليكي تسيبي البنت اللي انتي بتربيها واعتبرتيها بنتك، انا بقولك يابنتي .. اطلقي من عمار هو كده عمره ما يحبك تاني ... اطلقي منه وهاتي ايلين وعيشي معانا، فكري كويس قبل ما تردي..
همست متعجبة : ليه؟!.
اجابها بثبات : فكرت ولقيت انه عيب تلجأي لواحد غريب من ابوكي .. فكري قبل ما تردي.
ربت على يديها ثم غادر وذهب بطريقه، اما هي فوقفت تنظر في اثره مغمغمة بصدمة : معقولة .
على الجانب الاخر فـ كان يراقبها من سيارته ويراقب حديثها مع والدها بدقات قلب عنيفة وجسد يتشنج بين الثانية والاخرى ضغط على المقود بيده ليقول بتفكير : يا ترى قالك ايه، يا ترى هددك بايه...
............
هتف بضيق وهو ينظر لهاتفه : يوووه وده وقته تكون مقفول..
رفع وجهه يفكر بهدوء فهمس : اتصل عليها واقولها ان انا ردتها لعصمتي...
تحرك ذهابًا وايابًا بتفكير وهو ينهر نفسه قائلاً : لا استحالة ترد عليا ، ولو ردت هاتقفل الخط في وشي، انا اسيب ندى اخر شخص، ابلغ الاول رأفت ،وبعده امي ، وبعدها ندى..اه ندى اخر حد علشان لازم استعدلها كويس أوي وأواجها بالحقيقة كلها...
جلس على فراشه يجري اتصالا مرة اخرى بـ رأفت ولكن كالعادة مغلق ، زفر بحنق..رفع وجهه عندما طرق الباب ،نهض يفتحه وجد احد زملائه : باشا... سيادة اللوا عاوزك..
هز مالك رأسه بإيجاب ثم القى هاتفه على الفراش وغادر غرفته يلبي نداء قائده..
صدح رنين هاتفه بالغرفة وما كانت المتصل الا ... ندى.
.........
بالإسكندرية ..
نظرت للهاتف بصدمة لتقول : لدرجة دي مش راضي حتى يرد عليا.
اغلقت الهاتف وانسابت دموعها وهي تنهر نفسها : غبية بتتصلي عليه ليه ؟ انتي ضعيفة ليه كده ؟ ده ميستاهلش انك تعبريه..
وقفت امام المرآة تحدث نفسها وتواسيها : معلش يا ندى اكيد انتي تستاهلي حد أحسن منه، حتى لو كان هو أحسن حد انتي شايفه ، بس لازم تنسيه، لازم، ومتضعفيش تاني ابدًا ولا تكلميه .
نظرت للهاتف مرة أخرى ثم اخرجت شريحة الاتصال وكسرتها ثم القتها بالسلة قائلة : كدا احسن علشان مفكرش أضعف تاني..
...........
جلس امام سمير قائلاً : الحمد لله كنت خايف انهم ميتفهموش الوضع بس وافقوا بعد ما القضية ما تنتهي خالص والشهير يتحكم عليه بالاعدام...
اشعل سمير سيجارته ثم قال : هايتحكم وفي أسرع وقت، ده ممسوك متلبس وعليه قواضي بالهبل..
حمحم رأفت ثم سأل سمير : امال مالك فين ؟
اجابه سمير بهدوء : ماسك عملية صغيرة كده في طنطا مع عادل.
عاد يسأله رأفت بقلق : مسألش عليا!؟.
هز سمير رأسه بنفي : لأ.
اخرج رأفت جواله يفتحه متمتماً : الحمد لله، اما اكلم ندى بقى ...ايه ده .
سمير : في ايه؟!.
رفع رأفت وجهه وقال بتوتر : مالك اتصل عليا فوق الخمس مرات جايلي رسايل بكده..
اشار له سمير قائلاً : طب اتصل عليه، شوفو عاوز ايه..
هز رأفت رأسه برفض قاطع ليقول : لأ، مش هاتصل ولا هارد عليه، علشان ينسى اي تفكير ممكن يرجعلها من رابع المستحيلات انه يرجعلها، وكمان كام يوم هاكلمه يبعت ورقه الطلاق... انا هاقوم أسافر ..وارجع الخميس على المحاكمة كده.
سمير : طيب في رعاية الله..
خرج رأفت من المبنى ثم اخرج هاتفهه وهو يهبط الدرج الخارجي وحاول الاتصال بندى وفي كل مرة كان يعيطه مغلق او خارج نطاق الخدمة وفي اخر الدرج وطأت قدماه على الارض انطلقت طلقة خائنة من سلاح احدهم، وصل العيار الناري لموضعه المصوب عليه من قبل القاتل وصل لقلبه واستقر وهنا انفجرت براكين من الدم الذكريات
دماؤه تسيل وأمامها حياته منذ ولادته وحتى هذه اللحظة وهو يشهق شهقات الموت، سادت حوله حالة من الهرج والمرج وارتفعت الاصوات من حوله صارخين ببعضهم، وارتفعت الأعيرة النارية تنطلق بلا رحمة هنا وهناك وهو يغلق عيناه على أخر صورة تأتي امامه هامسًا باسمها بضعف ثم انتهى كل شئ في لمح البصر و ارتفعت روحه الى بارئها..
لم يعرف كيف وصل اليه وسط كل هذه الرصاصات والأعيرة ، انطلق صوب صديق عمره ليجلس بجانبه منهارًا ببكاء : رأفت..رأفت، لااااا، لاااااا رأفت.
حاول زملائه ابعاده عنه متمتمين : البقاء الله...
رفع وجهه لهم وهو يبكي بانهيار : ازاي، رأفت..
انطلق امامه احد الضباط ممسكًا بأحدهم : مسكنا واحد .. يبقى ابن اخو المجرم شهير..
اندفع سمير نحوه يكيل له ضربات عنيفة ليقول بحرقة : قتلتوه يا ولاد الكلب، يا مجرمين، مش هايكفيني فيكوا روووحكووو.
نجحو أخيرا في السيطرة عليه وابعاد المجرم عنه ثم اخذه داخل المبنى ، وتقدم أحدهم وهو يضع غطاء ابيض على جسد رأفت الممدد على الارض وانسدلت الستائر عن حياته وقصته وبطولاته...