قصة وجع الهوى
البارت الاول1
بقلم ايمى نور
داخل القاعة الكبيرة الخاصة بالاستقبال فى منزل احدى اكبر عائلات القرية عائلة(المغربى)
يترأس الجلسة الشيخ جاد المغربى بهيبته وسنوات عمره التى تجاوزت السبعون يستند بعصاه وبجواره ولده الاكبر علوان وحفيده سعد
تقابلهم فى الناحية الاخرى افراد العائلة الاخرى المنافسة لهم من حيث المكانةوالثراء عائلة (الصاوى)
متمثلة فى كبيرها جلال الصاوى بجسده فارع الطويل وملامحه الوسيمة لكنها تحمل من الحدة والصرامة تتجاوز سنوات عمره التى تجاوزت الثلاثين تزينها لحية قاتمة السواد كشعره تماما وعينيه الذهبية الحادة ثابتة بهدوء وهى تتابع وجوه الجالسين بعد ان القى بطلبه اليهم يجاوره عمه صبرى يسود الجلسة الصمت الحاد ارجاء المكان فى انتظار رد الشيخ جاد المغربى على الطلب الخاص بعائلة الصاوى ليجلس الشيخ جاد مستندا بكفيه فوق عصاه ينظر ارضا بتفكير لكن تأتى الاجابة بصوت حاد متكبر من ولده الاكبر علوان هاتفا
= طلبك مرفوض يابن الصاوى ارضنا مش للبيع ولو دفعت فيها اد اللى قلته عشر مرات
عقد جلال حاجبيه شديدى السواد بشدة قبل ان يشير بطرف عينيه لعمه والذى تحفز جسده يهم للرد عليه ردا حادا عنيف ولكن تأتى اشارة جلال له بالصمت تكبل رده اللاذع قبل النطق به فزفر بحدة ووجهه شديد الحنق يطبق شفتيه بقوة وهو يرى جلال يلتفت مرة اخرى ناحية الشيخ جاد المغربى موجها حديثه اليه متجاهلا تماما بتعمد علوان قائلا بصوت هادئ لكن لا يخلو من الصلابة
= قلت ايه يا حاج جاد احب اسمع ردك
هذه المرة هب علوان واقفا وقد اغضبه تجاهل جلال المتعمد له قائلا بحنق
=جرى ايه يابن الصاوى ماوصلك الرد ولا تحب .....
قاطعه صوت والده يهتف به بصرامة
=علوان...الكلام مايبقاش كده
التفت علوان الى والده قائلا بغيظ
=اومال ازاى يا بويا مانت شايف بعنيك بتكلم ازاى
هز جاد رأسه يشير اليه بالجلوس قائلا بجدية لا تقبل المجادلة
=اقعد يا علوان وخلينا نتكلم بالعقل
جلس علوان مكانه بعنف زافر بغضب ووجه حانق فيسود الهدوء بعدها للحظات قبل ان يقول جاد بصوت هادئ موجها حديثه الى جلال الجالس براحة وهدوء فوق مقعده
= اسمع يابنى زاى ما قال علوان ولدى احنا ما بنبعش ارضنا ولو بكنوز الدنيا حتى ولو فيها موتنا الارض عرض وانت فاهم كلامى ده كويس وعارف يعنى ايه الواحد يفرط فى ارضه
جفل وجه جلال لا يخفى عليه معنى كلمات جاد المستترة لكنه اسرع باسدال ستار البرودة فوق وجهه
ينهض واقفا يتبعه عمه فورا قائلا بهدوء
= تمام ياحاج جاد ردك وصلنى . بس كنت اتمنى انه يكون غير كده خصوصا ان الارض اللى بطلبها دى ارض الصاوى من الاساس
ابتسم الشيخ جاد المغربى قائلا بهدوء هو الاخر يشير الى جلال بالجلوس
= اقعد يا جلال يابنى انا لسه مخلصتش كلامى ولا ردى على طلبك لسه اتقال
عقد جلال حاجبيه بشدة ينظر الى جاد المغربى بتفكير فيتبدلان النظرات فيما بينهم للحظات بثبات قبل ان يجلس مرة اخرى ليكمل جاد بصوت هادئ واضح النبرات
= شوف يابنى زاى ماقلت فى وقت سابق ارضنا مش للبيع ولو على رقابنا بس...
قطع كلماته فجأة ينظر ارضا للحظة ساد خلالها التوتر ارجاء المكان قبل ان يرفع رأسه مرة موجها نظراته اللى جلال بحزم يكمل بتروى حازم
= بس ممكن نهاديها لبنتنا وقت ما تيجى وتتجوز وهى ساعتها حرة تعمل ما بدلها فيها ..تخليها بأسمها... تكتبها لعيالها ..ولا حتى تكتبها لجوزها ده منقدرش نتكلم فيه ولا نقول عليه لا
توتر الجو فور نطق جاد بتلك الكلمات تتجه جميع الاعين اليه بصدمة وذهول لكنه لم يحيد عينيه عن عينى جلال والذى بادله اياها بحزم حتى دوت صرخة علوان المستنكرة تهز ارجاء المكان يصرخ بعضب وجنون
=بتقول ايه يابويا بقى مرضناش نديله الارض ...فنديله بنت من بنتنا كمان فوقها
ادار جاد وجهه ناحية ناحية ابنه يجز فوق اسنانه قائلا بحدة وصوت خافت
= اقعد مكانك ساكت ولو مش عجبك كلامى اخرج بره حالا
شحب وجه علوان بشدة يبتلع لعابه ببطء وحرج قبل ان يخفض وجهه ويعاود الجلوس فوق مقعده مرة اخرى دون ان ينطق بكلمة واحدة ليعاود جاد الالتفات الى جلال ينظر اليه فيعود بينهم حديث الاعين مرة اخرى للحظات قال بعدها جلال بهدوء وجدية
=حاج جاد انا يشرفنى اطلب ايد حفيدتك ليا
ابتسم جاد ببطء عينيه تلتمع بسرور قائلا بسعادة
=وانا يشرفنى طلبك ده وموافق عليه
=انت بتقول ايه يا جلال بنت المغربى مين اللى هتتجوزها طيب وانا
صرخت سلمى ابنه عمه بكلماتها تلك ثم ترتمى فى احضان والدتها تبكى بمرارة وحرقة بشهقات عالية يرتفع معها صرخة والدته هاتفة بحدة
= ده لايمكن يحصل ابدا على اخر الزمن بنات المغربى يسكنوا دارنا...مش دول اللى كانوا السبب فى ان ابوك يخسر ماله وتجارته وباع بسببهم الارض
قاطع جلال كل ما يقال بصوت حازم صلب قائلا
= ملوش لزوم الكلام ده يا امى انتى عارفة كويس الارض اتباعت ليه وعلشان ايه ...و احنا قرينا الفاتحة خلاص وكتب الكتاب والدخلة كمان شهر
ارتفعت شهقات سلمى الباكية اكثر فور انتهاء حديثه لتلفت زهيرة والدتها ناحية زوجها وولدها الجالسين بوجوم وصمت منذ بدء الحديث قائلة بذهول وحدة
= وانت عجبك اللى حصل والكلام ده يا صبرى وموافق عليه
جاءتها اجابته وهو يخفض وجهه قائلا بتجهم
= اللى عمله جلال هو الصح والا الارض عمرها ما كانت هترجع لينا من تانى
رفعت سلمى راسها عن صدر والدتها تصرخ بغل
= تولع الارض على اللى عاوزها ....
هنا رفعت الحاجة راجية جدتهم راسها بحدة صارخة بغضب بعدما كانت جالسة تتابع الى ما يحدث بصمت وتركيز
= ارض ايه اللى تولع يا بت صبرى الارض دى اللى عملت ليكى ولاهلك القيمة والهيبة اللى دايرة تتمنظرى بيها انتى وامك على خلق الله ولولا جلال قدر يرجع اللى راح عمر ماكان هيبقى ليكم قيمة ولا تمن وسط الخلق
اقترب جلال منها يربت فوق كفها جاذبا راسها اليه يقبل جبينها بحنان قائلا
= اهدى يا جدة هى اكيد ما تقصدش حاجة بكلامها
صرخت سلمى بغضب اعمى تدب قدميها بالارض
= لا اقصد ..وبقولها تانى وتالت تولع الارض على اللى عاوزها
ثم اسرعت بالجرى ناحية الدرج تصعده بسرعة بشهقات بكائها العالية تتبعها والدتها وهى تناديها بلهفة وجزع فيسود الصمت ارجاء المكان من بعد ذهابها العاصف لتقول الحاجة راجية بعد حين بصوت خافت
: شايف بنتك يا صبرى بتقول ليه ايه
اسرع صبرى بالانحناء فوق كفها يقبله بحنان قائلا بخفوت واسف
= حقك عليا ياما بس معلش عيلة صغيرة واللى حصل مش هين عليها متنسيش طول عمرها وهى مكتوبة لجلال وصعب عليها تعرف قيمة الارض وغلاوتها ايه
هزت راجية راسها بالموافقة قبل ان تلتفت الى جلال تضع كفها المتغضن فوق وجنته تتلمسها بحنان قائلة
= عندك حق يا صبرى مش اى حد يعرف قيمة الارض وغلاوتها
قبل جلال باطن كفها برقة لتبتسم له بحنان شع من كل ملامحها لكن تأتى مقاطعة قدرية لتلك اللحظة حين سألت بوجوم وصوت يظهر فيه رفضها لما يحدث
= وياترى قريت فاتحة مين من بنات المغربى ..على حسب ما اعرف مفيش عندهم بنات للجواز غير ....
قطعت كلماتها يرتسم الذهول وصدمة فوق وجهها حين أوما لها صبرى براسه بالايجاب يجيبها بخشية وهو يرمق جلال بقلق قائلا
=جلال قرى فاتحة الكبيرة يام جلال
قدرية بعينين مشتعلة عنيفة يكاد صوتها يشق عنان السماء مستنكرا
= تقصد مين...تقصد ليله اللى كانت خطيبة راغب
تقصد البايرة واللى محدش عبرها من بعد ما خطيبها سابها هتبقى مرات ابنى انا ...هتبقى مرات كبيركم
نهضت صارخة تضرب بكفيها فوق راسها بهستريا قائلة
= ياميلة بختك فى ولدك يا قدرية...بقى جلال كبير عيلة الصاوى يكون من حظه البايرة ...ياميلة بختك ياقدرية
نهض جلال واقفا يهتف بحزم وصوت لا يقبل المجادلة يعلم الجميع ان لا حديث يقال بعد حديثه حين يستخدم تلك النبرة لتصمت قدرية فورا حين صدح صوته قائلا
= انتهينا خلاص يا امى كلام فى الموضوع ده وليله ولا اى كان اسمها من هنا ورايح بقيت محسوبة على عيلة الصاوى وهتبقى مرات كبيرها ومفيش حاجة هتغير من كلامى ده
= لسه مش عاوزة تبطلى عياط يا ليله
التفت ليله بوجهها ناحية شقيقتها بعينيها المتورمتين من اثر بكائها منذ ان اخبرها جدها باقتضاب بنبأ زواجها لتعلم بما حدث حرفيا فيما بعد وكيف تم طلب الزواج هذا شاعرة بالانكسار والمهانة وهى تتسأل بألم هل وصل بها الحال الى هذه الدرجة فيتم عرضها بتلك الطريقة على هذا الخاطب هل اصبح وضعها مزرى لتلك الدرجة فى نظر جدها حتى يقوم بتقدم تلك الارض له فى مقابل تنازله والزواج منها
تساقطت دموعها بغزارة وصمت فوق وجنتها تلتف ناحية النافذة مرة اخرى تطالعها مرة اخرى بحزن ينفطر فؤادها به فتتنهد شقيقتها شروق بشفقة وهى تجلس بجوارها تنظر اليها للحظات قبل ان تقول بخفوت ورقة
= ارضى يا ليله و وافقى .
نظرت ليله اليها متعسة العينين بذهول .لتومأ لها شروق قائلة بحنان
= ايوه وافقى وعيشى حياتك مش يمكن تلاقى فى بيت الصاوى اللى يعوضك عن كل اللى حصلك
اغمضت ليله عينيها بألم تتساقط دموعها بحسرة هامسة
= وايه اللى مستنية القاه هناك بعد ما خدونى فوق البيعة ياشروق...ليله البايرة العانس زاى ما كل البلد بتقول عنها هتلاقى ايه فى بيت الصاوى غير ذل ومهانة بعد ماجدها باعها ليهم ببلاش
اسرعت شروق بالامساك بوجهها بين كفيها ترفع عينيها اليها تهتف بلهفة وحنان
= جدى ما بعكيش يا ليلة جدى دور على مصلحتك ولا كنتى عاوزة تقضى عمرك كله تسمعى كلام اللى حوالينا الل زاى سم وتموتى كل يوم بالبطئ من همز ولمز اللى حواليكى
فكرى يا ليله وهتعرفى ان جدى معملش غير اللى فيه صالحك
ارتمت ليله بين ذراعيها تبكى بمرارة وتتحدث بكلمات متقطعة بألم تخرج من فمها بصعوبة
= غصب عنى يا شروق انا حاسة زاى اللى خدوها من الدار للنار ولا عارفة تفرق بين ايه الصح وايه الغلط
ربت شروق فوق ظهرها قائلة بحنان
= صدقينى يا ليله اى عريس هيكون احسن من ابن عمك ولو حتى كان طبعه ايه وقلبى حاسس ان بكرة هيكون احسن وربنا هيعوضك بكل خير
وهاهى تجلس بفستان زفافها داخل ذلك الجناح والذى خصص لها مع عريسها فى منزل عائلة الصاوى تشعر بالرهبة ودقات قلبها تتعالى فتصم اذانها بينما جلست والدتها بجوارها فوق الفراش تبتسم لها بحنان هامسة برفق وطمأنينة
= متخفيش يا قلب امك ولا تشغلى بالك بحاجة ...
اسرعت تكمل بلهفة تحاول بث الطمأنية اكثر بداخلها
=عارفة انا قلبى حاسس ان جلال الصاوى طيب وقلبه حنين غير ما بيقولوه وبنسمعه عنه خالص
زحف الشحوب الى وجهها تنظ الى والدتها ترتجف اثر كلماتها التى لم تقم بتهدئة مخاوفها بل زادت من رهبتها وخوفها اكثر لتسرع شروق تهتف بمزاح فى محاولة لتدارك الامر
= شوفتوا مرات عمى كانت قاعدة طول الفرح ازاى انا كنت حاسة انها هتنفجر فى مكانها من الغيظ
التفت لها ليلة تهمس برجفة
= مكنتش مرات عمك بس يا شروق اللى هتنفجر انتى مشفتيش ستات عيلة الصاوى كانوا قاعدين ازاى ولا عملوا ايه لما دخل مع جدك ولا واحدة فيهم نطقت بكلمة طول الفرح كانهم كانوا جايين عزى مش فرح
احتضنتها شروق اليها هامسة بحنان
= سيبك منهم ومتزعليش وان شاء الله مع الايام الامور كلها هتتظبط هى بس السرعة اللى حصل بيها الجواز خلت الكل مشدود وعلى اعصابه
رفعت ليله عينينها الملتمعة بدموعها تدرك ان لا شيئ مما تقوله حقيقى وان نساء عائلة الصاوى رفضات للزيجة وبشدة وهذا ما ادركته منذ لحظة تمنعهم عن زيارتها او السؤال عنها طوال فترة الخطوبة وعدم اتباعهم التقاليد المتعارف عليها فى تلك الفترة متجاهلين وجودها تماما كأنها ليس لها وجود فى حياتهم حتى هو لم تراه سوى مرة واحدة كانت اثناء وضعه لدبلته حولها اصابعها بسرعة وعملية دون ان ينطق بحرف واحد لها ولو حتى بالمباركة ثم يخرج فورا مع جدها فلا تراه من وقتها حتى يومهم هذا
فتح الباب فجأة تطل منه والدة زوجها الحاجة قدرية بملابسها المتشحة بالسواد وعينيها المرتسمة بالمرتسمة بالكحل بنظراتهم الحادة تهتف بصلابة وجمود
=ادمكم كتير فى القعدة دى... العريس واقف من بدرى بره وعاوز يدخل لعروسته ولا انتوا رايكم ايه
اسرعت والدة ليله بالنهوض تهتف بحرج وارتباك
= لاا خلاص احنا كنا ماشين من بدرى
ثم اسرعت تقبل ابنتها سريعا تتبعها شروق والتى همست لزينة بحنق وغيظ
= حماتك عاوزة الخنق بس يلا هفوتلها علشان خطرك .... قبلتها على وجنتها تكمل بحنان
= هروح وهبقى اكلمك اطمن عليكى
ثم تحركت تلحق بوالدتها مغادرين الغرفة تتبعهم نظرات قدرية للحظات قبل ان تلتفت لليله الواقفة باقدام مرتعشة ودقات قلب تتعالى بقوة تتطالعها من اعلاها الى اسفلها لاوية شفتيها الى الجانب مصدرة صوت من بينهم دليل عن عدم رضاها وثم تخرج مغلقة خلفها الباب بقوة لتهبط ليله جالسة فوق الفراش باحباط تتقاذف الدموع خارج عيونها مغرقة وجنتيها لاعنة حظها هامسة بألم
= عجبك كده يا جدى ... فرحت لما اتخلصت من ليله البايرة بجوازتها دى . ارتحت لما رمتنى وسط نار مش عارفة اولها من اخرها فين
رفعت وجهها يرتسم الرعب فوق وجهها حين فتح الباب مرة اخرى تطالع القادم الان والذى لم يكن سوى عريسها المنتظر يقف بقامته الهائلة وجسده الصلب واكتافه العريضة اما وجهه فكان كصفحة بيضاء لها لا تظهر فوقه اى من المشاعر او التعبيرات حتى فى عينيه الذهبيتان والتى طالعتها ببطء وتركيز جعلها تخفض وجهها خجلا منه ترتجف برهبة وهى تستمع الى صوت اغلاقه للباب و تقدم خطواته منها بهدوء حتى وقف امامها تماما فتطالع عينيها حذائه الملتمع للحظات ساد الصمت فيهم لا تسمع من خلاله شيئ سوى دقات قلبها والتى كادت تصم اذانها انتظارا لحركة منه ولكن وجدته يتحرك مرة اخرى مبتعدا عنها للطرف الاخر يصل بعدها صوته القوى الحازم اليها قائلا
= روحى غيرى هدومك فى الحمام وانا هستناكى هنا علشان علشان عندى كلمتين عاوز اقولهملك
رفعت عينيها سريعا باتجاه صوته بذهول ولكن اسرعت بخفضها مرة اخرى تهز راسها بالموافقة تلملم فستانها من حولها بيد وبالاخرى تمسك بقميص باللون الابيض كان موضوع فوق الفراش ثم تتجه ناحية الباب الوحيد الموجود داخل الغرفة باستثناء باب الدخول تفتحه ببطء تدلف الى الداخل ثم تغلق بابه خلفها بهدوء
استغرقت الكثير من الوقت داخل الحمام حتى استطاعت التعامل مع سحاب فستانها والتخلص منه ثم وقفت تنظر الى نفسها فى المرأة المعلقة تشعر بالغصة تملأ حلقها وهى تتطالع جسدها ذو القامة الصغيرة نسبيا المرتسم داخل هذا القميص وفوقه روب من نفس النوع والذى برغم احتشامه المعقول الا انها شعرت بانه لا يناسبها لا هو ولا شعرها العجرى المتناثر حول وجهها المستدير بلونه البنى القاتم المطابق لعينيها تلعن نفسها الف مرة رفضها ان تقوم شروق بكيه لها حتى تهذب من جنونه مبررة ذلك بانها تريده ان يراها بلا اى محاولة منها لتجميل او اخفاء ما تراه دائما احدى عيوبها التى طالما كرهته تبتسم بسخرية من حماس شروق وقتها لتركها له على حاله تخبرها كما تفعل دائما بأنه احدى تلك الاشياء المميزة بها والتى تجعلها اشبه بحورية ذات شعر غجرى تدرك جيدا ما تحاول فعله من رفع لثقتها بنفسها فتنجح فى ذلك حينها اما الان وهى تنظر الى نفسها فى المرآة تشعر بعدم تلثقة والقلق من قرارها
زفرت تغمض عينيها تحاول طرد تلك الدموع بعيدا والتى تتزاحم للخروج من محبسها تحاول التنفس ببطء عدة مرات ثم تحركت تفتح الباب ببطء تخطو خارجه باقدام عارية مرتعشة ترفع عينيها باحثة عن مكان وجوده فتراه يجلس فوق الاريكة ذات اللون الازرق وقد بدل ملابسه لملابس بيتية مريحة امامه صنية الطعام المخصصة لليلة الزفاف يراقب تقدمها منه بهدوء ووجه خالى من التعبير ثم يحدثها بصوت غير مبالى وهو يشير الى ناحية صنية الطعام
= تعالى اتعشى الاول وبعدين نتكلم
هزت راسها برفض هامسة بارتجاف وصوت يكاد يسمع
= مش عاوزة ...انا مش جعانة
هز جلال راسه بتفهم قبل ان يقول بصوت واضح النبرات
= طيب تعالى انا عاوزك اتكلم معاكى كلمتين
اتجهت ناحية المقعد المجاور للاريكة وهى تراه جالسا براحة فوقها وملامح وجهه مازالت على حالها من عدم الوضوح ينتظرها ان تجلس فاسرعت بالجلوس تحول لملمة اطراف ثوبها من حولها ثم يسود الصمت للحظة قبل ان يقول جلال بصوت عملى جاد
= اسمعى يا ليله كلامى كويس وياريت يوصلك اللى عاوز اقوله
كانت هى تخفض راسها ارضا تفرك اصابعها بتوتر وهى تستمع الى صوت الجاد برجفة تتملكها وهو يكمل بهدوء
= شوفى يا بنت الناس احب تكون حياتنا من اولها على نور ...مش هضحك عليكى واقولك ان ليا فشغل الحب والعواطف الكلام الفاضى ده احنا الاتنين مش صغيرين وعارفين جوازنا كان ليه وعلشان ايه ..انتى مراتى وليكى عندى احترامك وتقديرك بس اكتر من كده مقدرش اوعدك بحاجة مش هتكون فى يوم من الايام فياريت تفهمى كلامى ده كويس علشان بعد كده ما نرجعش نقول ونعيد ونستنى حاجة مش هتحصل
شعرت بغيمة الدموع تغشى عينيها مرة اخرى لكن هذه المرة تصحبها غصة كادت ان تخنقها لكنها حاولت ان تتماسك وهى تسمعه يتحرك من مكانه مقتربا منها يكمل وبنرات صوته تتغير للطف كما لو كان احس بقسوة كلماته السابقة عليها
= انا عارف انى كلامى ده لا وقته ولا مكانه بس انا حبيت كل حاجة بينا تبقى على نور من اولها علشان نقدر نكمل اللى جاى من غير ماحد فينا يستنى من التانى اللى مش هيقدر يعمله ..فاهمة كلامى يا ليله
انتظر اجابتها لكنها لم تستطع ان تخرج حرف واحد من بين شفتيها وكل ما استطاعت فعله هو هز راسها له بالايجاب ببطء وهى مازالت تخفض راسهاتخفى خصلات شعرها المتمردة عنه تعبيراتها المتألمة تجفل بشدة حين شعرت بانامله فوقها ترجعها خلف اذنيها هامسا براحة
= انا كنت عارف انك هتقدرى تفهمينى وبخصوص موضوع الارض .....
ابتعت لعابها تقطع كلماته تدرك جيدا حديثه قادم لاتريد منه اضافة المزيد من الاهانة والاذلال بتذكيرها بسبب اختياره لها كعروس له هامسة بصوت خافت خرج بصعوبة من بين شفتيها
= عارفة كل حاجة عنه جدى قالى ومستعدة انفذ فى اى وقت تحدده
ابتسم جلال برقة قائلا ومازالت انامله تعبث بخصلات شعرها
= طيب تمام كده اوى ..وبما اننا اتفقنا على كل حاجة تحبى تتعشى الاول ولا ننام على طول
عند ذكره لامر النوم ودون ان تشعر هبت وافقة بأرتباك قائلة بصوت متحشرج ومتلعثم من شدة خوفها
= ليا عندك.. طلب يااريت ....لو توافق عليه ..
جلال بهدوء متابعا حالتها المرتبكة برأفة
=قولى يا ليله ولو اقدر مش هتأخر اعمله ...
جلست مرة اخرى تفرك كفيها بعصبية لا تدرى كيف تحدثه بما يجول بذهنها فهى لا تظن انها تستطيع ان تتعامل معه كعروس عادية سعيدة بعد حديثه السابق لها وما وضحه من امور خلاله جعلتها تدرك قيمتها الحقيقة لديه وبانها لم تكن سوى وسيلته لوصوله لارض عائلته وقد حاول تبيهها لهذا منذ اول ليلة لهم معا لذا تشجعت قائلة بخفوت تتلعثم حروفها
= زاى ما....قلت ليا من شوية....عن..جوازنا وظروفه ..
انا ..كنت ..عاوزة لو.. ممكن...لو ممكن يعنى انى اخدفرصة ...علشان..اقدراتعود ...عليك..قبل يعنى ...يعنى...
زفر جلال بقوة يتراجع للخلف ببطء يراقبها بتمعن وتفكير بينما جلست ترتجف فى مقعدها فى انتظار رده على مطلبها حتى اتاها رده بعد فترة طويلة من الصمت كادت اعصابها فيها ان تنهار قبل ان يقول بهدوء وبنبرة خالية من المشاعر
= تمام ياليله اللى تقصديه وصلنى .. ومعنديش اى اعتراض عليه ...وعاوزك تفهمى ان عمرى ما هغصبك على حاجة مش عاوزاها
ثم اتبع كلامه ناهضا من مكانه متجها ناحية الفراش يستلقى عليه يغلق الاضواء دون اى كلمة اضافية منه ليعم ظلام محدود ارجاء الغرفة اما هى فقد جلست مكانها تشعر بالذنب يتأكلها كما لو كانت هى من قامت باهانته وليس هو حين حطم امالها كاى فتاة فى ليلة زفافها تنظر من زوجها ان يسمعها ما يجعلها تطمن على القادم من حياتهم سويا لا نفيا قاطعا منه واخباره لها ان لا تنظر منه ان يحبها فى يوم من الايام كأنه مستحيل لا يمكن ان يتحقق
لكنها لا تلوم عليه بل لومها وألمها يقع على عاتق جدها تلومه هو فقط على كل مايحدث معها فقد كان من الهين عليها ان تعيش حياتها كلها حاملة لقب (البايرة )كما يحلو لهم ان يطلقوه عليها ولا ان تعيش لحظة المها هذا وهى تستمع الى زوجها يخبرها بما قاله لها منذ قليل محطما كل امالها ان تحب وتعشق كما الفتيات فى مثل عمرها فى سيبل التخلص من عنوستها المزعومة فى نظر اهلها..
تنهدت بألم تترك لاول مرة العنان لتلك الدموع الحبيسة الحرية اخيرا من محبسها تبكى بصمت والم تعلن الحداد على فرحة لم ولن تكتب لها ابدا
⭐🌙⭐🌙⭐🌙⭐
استيقظت على صوت طرق عالى فوق باب غرفتهم وحين حاولت النهوض وجدته يسرع ناهضا باتجاه الباب يفتحه مواربا له بشق بسيط فيصل اليها صوت والدته تسأله بلهفة
=
ايه الاخبار يا ضنايا ...كله تمام
اعقبت كلماتها وهى تحاول ان تطل براسها من خلال شق الباب لكن صوت جلال الصارم اوقفها قائلا
=صباح الخير يا امى ... اخبار ايه اللى تقصديها
قدرية بخشونة وعصبية
=جلال..انت عارف انا قصدى ايه فبلاش ملوعة
التف جلال براسه ناحية ليله الجالسة الان تتابع ما يحدث برهبة قبل ان يخرج من الباب يغلقه خلفه بهدوء ثم يلتفت الى والدته الواقفة تطل من عينيها نظرة لهفة وفضول ليحدثها بهدوء ولكن بنبرة صارمة لا تقبل النقاش
=انا فاهم كويس اللى تقصديه يا امى وعلشان فاهم بقولك ومن غير زعل مش عاوز كلام فى الموضوع ده
تغيرت نبرته لتحذير وجدية صارمة يكمل وعينى والدته تتسع بصدمة مع كل كلمة ينطق بها
= الموضوع ده حاجة بينى وبين مراتى ومتخصش اى حد غيرنا حتى ولو انتى يا امى
ارتفعت خيبة الامل فوق وجه قدرية قائلة بحزن مصطنع علها تغير من قراره
=بقى كده يا جلال عاوز تخبى على امك ...وهو يعنى انا عاوزة اعرف ليه مش علشان قلبى يطمن
تنهد جلال بقوة قائلا بعدها بتروى وهدوء
=وانا بقولك اطمنى يا امى واظن كفاية عليكى كلمتى
حاولت قدرية تخطيه فى محاولة لدخول الغرفة
=طب اطمن بنفسى وبالمرة اصبح على العروسة
هدر جلال بصوت عالى نافذ الصبر
=امى ....انتهينا كلام فى الموضوع ده .ولو على العروسة هى لسه نايمة لما تصحى هنزلك بيها لحد عندك
اشتعلت عينى قدرية بغضب لم تستطع ترك العنان له او النطق بكلمة واحدة بما يجول فى بالها من سباب لتلك العروسة وما تعنيه لها لذا قالت بحروف خرجت بصعوبة من فمها تحاول التظاهر بالموافقة فى محاولة لتمرير الامر
=كده طيب يا حبيبى اللى تشوفه ...انا هنزل اجهزلكم الفطار وابعته مع البت نجية وانتوا خليكم براحتكم
اومأ جلال براسه بالموافقة ثم دلف داخل الغرفة مرة اخرى بعد ذهاب والدته والتى اخذت بالسباب بصوت منخفض خوفا من ان يصل لمسمعه
=قال عروسة قال ...دى جوازة الشوم والندامة مبقاش الا دى كمان اللى تعملى فيها عروسة فى دارى
فور دخول جلال للغرفة اسرعت ليله بالوقوف سريعا بارتباك لاحظه جلال وهى تحاول لملمة اطراف الروب من حولها تتلفت حول نفسها بخوف ظهر جاليا على وجهها لكنه تجاهل ارتباكها هذا يتقدم باتجاهها بهدوء يمرر عينيه فوقها ببطء جعلها تشعر بضربات قلبها تتعالى ويتعالى معها خوفها وذعرها منه تحاول ضم اطراف ثوبها اكثر واكثر بقبضتها فيابع جلال حركتها تلك زافرا بحدة وضيق فتزداد خوفا تضم اصابعها حول ثوبها اكثر حتى كادت ان تختنق به ليهتف بها بفروغ صبر
=مش معنى انى وافقتك على كلامك امبارح هيبقى ده حالك كل ما تشوفينى
زفر محاولا الهدوء عند ملاحظته خوفها منه يتراقص داخل عينيها ليقول بعد حين بلين ورقة
=طيب احنا مش اتفقنا اننا لازم ناخد على بعض واديتك كلمتى يبقى ليه بقى الخوف اللى شايفه ده
لم تنطق بكلمة ولكن لاحظ تراخى ملامحها الى حد ما ليكمل بهدوء وتروى
=ايه رايك تدخلى الحمام تجهزى نفسك وتستعدى زمان اهلك على وصول على ما الفطار يجهز
اومأت له براسها ببطء وعينين متسعة برهبة تتحرك باتجاه الحمام لكنه مد يده ليوقفها قائلا وهو مازال على هدوئه ولكن لم تخلوا من بعض التحذير والصرامة
=ليله اتفقنا ده بينى وبينك مفيش حد يعلم بيه ولاحتى امك او اختك مفهوم يا ليله
هزت راسها مرة اخرى بضعف ليزفر بنفاذ صبر وحدة
= مش معقولة يعنى ردك عليا هيكون دايما كده عاوز اسمع صوتك
اخذت تبلل شفتيها وتحاول ابتلاع لعابها لتخفف من جفاف حلقها قبل محاولة الرد عليه ليخرج صوتها اجش مرتعش
=حاضر.....اللى تشوفه
نظر لها بتأمل للحظات قبل ان يومأ لها براسه دون كلام لتسرع ليله فى اتجاه باب الحمام تدخله ثم تغلقه خلفها بهدوء بينما وقف هو يتابعها بصمت وعينين غامضة النظرات هامسا بعد اختفائها
"شكلك هتتعبينى معاكى يا بنت المغربى