قصة انت حقى انا
البارت السادس عشر16
بقلم نورهان حسني
لم يعير أدهم أي اهتمام لكلامها وقال:تتجوزيني يا حنين
اتسعت عين حنين دهشة وشعرت بنبضة فرحة تغزو كيانها الذي أصابه العجز..قاربت شفتيها علي إبلاغه بموافقتها ولكن عقلها أعلن الحرب وأمسك بزمام الأمور ليحرك شفتيها قائلا:أطلع بره يا أدهم
اقترب منها أدهم بهدوء و هو يبحث في عيونها عن أي نظرة تكذب كلامها..يبحث في عيونها عن أمل يعيد إحياء كيانه..
ادهم:حنين أنا بحبك و عايز أجوزك قولي إنك موافقة وأنا مستعد أقف قدام الناس اللي جايه تحت دي ..أنا اتأخرت في طلبي دا بس سامحيني وصدقيني أنا مفهمتش غير متأخر أديني فرصة
أكمل أدهم كلامه قائلا:أنا بطلب منك فرصةواحدة بس متسبنيش بعد ما بقيتي الحاجة الوحيدة اللي ليا معني في حياتي متسبيش إيدي اللي ممدوده ليكي
ساد الصمت بينهم..و الحرب تزداد داخل كيان حنين بينما أدهم يبحث في عيونها عن أي رد يشفي قلبه الموجوع.
حركت شفتيها ببطء قائلة:أطلع بره يا أدهم أنا مستحيل ابقي ليك أطلع من حياتي يا أدهم أنا أقل علي نفسي أي حاجه إلا إني أكون زوجة لإبن الست اللي قتلت أبويا
رفع عينيه عليها ببطء وكأنه يحفر تفاصيلها في عقله..أعلنت كلماتها سلبها لروحه و قلبه..ارتسمت ابتسامة مكسورة علي شفتيه وقال:مبروك
أدار جسده ناحية الباب وأغلق عينيه بألم وفتحها مرة أخري ليمنع الدموع من الهبوط..خرج إلي الفتيات وقال بثبات مصطنع:ياريت محدش يعرف باللي حصل عشان ميحصلش حوار علي الفاضي
حركت الفتيات رأسهن بمعني "حاضر" و اتجهوا إلي حجرة حنين ليجدوها صامتة شادرة محطمة جسديا ومعنويا أمام مرآتها..فرح:حنين أنتي كويسة؟؟
فتحت حنين عيونها بألم و عدلت خمارها قائلة:أنا تمام
....
بعد دقائق معدودة..حضر محمد و أهله وجلسوا في بهو القصر يتفقون علي ترتيبات الخطوبة بينما أدهم يستمع لهم في صمت..و كلماتهم كالسهام المسممه التي تقضي علي ما باقي في كيانه..ابتسامة تخفي في طياتها وجع لا حدود له تعلو وجهه..نظر إلي محمد بقوة و شعر بوجع في قلبه أنه هذا من سيسلبه حبيبته..فاق من شروده علي دخول حنين في يد عز.كان سيشرع في القيام ويخطفها من يد عز ويصيح بهم هي حقي أنا هي حبيبتي أنا ولكنه تذكر كلمات حنين ونظرتها القاتلة..
رفع الجميع أيديهم يتلون الفاتحة وأدهم ينظر لهم في صمت يرفع يده ولكن شفتيه لم تتحرك..لم يتخيل أنه سيعيش للحظة التي يري حبيبته فيها من حق أحد غيره..
لم تعد بأدهم أي طاقة للاستمرار في تمثيل تلك البسمة..قام من موضعه وهمس في أذن عز "أنا رايح لشادي عشان بعتلي مسج"
عز بتعجب:الوقتي!! بس شكلك تعبان
ادهم:يمكن عشان منمتش كويس هكلمك بعدين بقي
نظر أدهم إلي محمد الذي يحادث حنين وقال بقوة:مبروك
لم ينتظر أدهم لسماع أي تعليق من أحد و رفع الكاب علي رأسه وخرج من بوابة القير وقلب حنين يودعه في ألم..
فاقت حنين من شرودها علي صوت محمد يقول:ممكن نخرج بره شوية
حنين بتعجب وقلق:بره فين!!
محمد:في الجنينة يعني نتمشي شوية
نظرت حنين إلي عز مستفهمه ليقول عز بضيق من معالم وجه أخته الحزينة:اتفضل يا محمد
سارت حنين ومن خلفها محمد إلي حديقة القصر وهما يسيران بهدوء ومحمد يحاول أن يفتح أي حوار مع حنين وهي تكتفي بابتسامة مصطنعه أو كلمات عابرة..
محمد بتعجب:حنين أنتي مضايقه من حاجه؟؟
حنين:ها!! لا مفيش عادي
محمد:أصلي مستغرب سكوتك دا
حنين:لا مفيش عادي
محمد:طب تعالي نقعد نرتاح شوية
جلست حنين علي مقعد بالحديقة ومحمد علي المقعد المقابل لها..ليقول محمد:ها إي رأيك نعمل كتب الكتاب والخطوبة سوا
حنين بدهشة وتوتر:هو ممككن نخليها مع فرح عز زي ما كان عامله في فرح ماهر وأمجد
محمد:مش بعيد أوي الوقت دا
حنين بقلق:عشان أبقي مرتاحه بس
محمد:خلاص مفيش مشكلة
حاولت حنين جاهده أن تشارك محمد في الحديث وتأقلم قلبها علي حياته الجديدة..
أما عن أدهم..بعد خروجه من القصر..قاد سيارته بأقصي سرعة لها إلي أن وصل إلي أرض خالية لا يوجد بها أي شئ يدل وجود حياة فيها سوي قليل من الرمال تتأرجح بفعل الرياح..
هبط أدهم من سيارته و جلس علي ركبتيه ورفع رأسه إلي السماء..شعر أدهم بضلوعه تضيق علي قلبه وكانها تريد تحطيم ما باقي منه..شعر أدهم برئتيه ترفض استقبال الهواء..كيانه يرفض أن يستقبل أي عامل يساعده علي الحياة..خلع أدهم التيشرت وألاقي به بعيدا لتنطلق نسمات الهواء البارده علي صدره العاري بقوة..شعر أدهم كأن نسمات الهواء تزيد من إشتعال كيانه..تزيد من وجع قلبه..ضرب الأرض بيده وبكل ما به من وجع..صرخ وهو ينظر إلي السماء:ياااااااااااااااارب
و بدون أي سابق إنذار هبط قطرة من السماء علي جسد أدهم تتبعها قطرات متتالية لتختلط قطرات المطر بدمعة حارة هبطت من عيون أدهم..
وقف أدهم من موضعه ليتيح الفرصة لكل قطرة أن تخترق جميع جسده لعلها تعينه علي المضي في طريقه..
بعد حوالي نصف ساعة لم يتوقف فيها المطر لدقيقة..استقل أدهم سيارته ونظر إلي عيونه في المرآة قائلا بتحدي "أوعي تبكي فاهمه"
سمع أدهم صوت رنين هاتفه معلن إتصال من "ماهر"..أغلق أدهم هاتفه وقاد سيارته وهو يعلم ما هي وجهته
..............
أيام تتبعها أسابيع تتبعها شهور لم يعود فيها أدهم إلي قصر آل توفيق..مر ما يقارب الثلاثة أشهر ولا أحد يعلم أي خبر عن أدهم..أجل عز وجهاد حفل زفافهم لحين ظهور أدهم..أما محمد وحنين كانت الحال بينهم إلي حد ما جيدة لم توافق حنين علي تقديم موعد كتب الكتاب ما لم يتزوج عز بينما محمد في حيرة من أمره من صمتها الدائم ويحاول أن يقنع نفسه أنه مع الأيام ستزال كل الجدران التي بينهم ...أما كلا من "ماهر و أمجد" لم يعكر صفو فرحتهم بخبر حمل "فرح و رقية" إلا اختفاء أدهم بدون أسباب..أما رقية رغم فرحتها بوجود جزء من أمجد في أحشائها إلا أن فرحتها لم تكتمل لغياب أدهم..أما عن نغم زوجة شادي..قاربت بطنها علي الظهور معلنه تمام الشهور الأولي من الحمل..كانت بطن نغم الظاهره تخفف قليلا من أوجاع شادي لعدم معرفته بمكان صديقه وقلقه من أن يكون مكروه قد أصابه..
و في أحد الأيام..كانت تجلس شاردة أمام غرفتها..شعرت بصوت يقول:أدخلي يا حنين الجو برد
حنين بانتباه:ها!! حاضر
دخلت حنين إلي غرفتها وأغلق عز باب الشرفة وقال:ها بقي ممكن أعرف فيكي إي؟؟؟
حنين بقلق:مالي يا عز ما أنا تمام
عز:لا يا حنين مش تمام..من أول يوم شوفتي محمد فيه وأنتي في عيونك خوف وتحدي لأي معرفش..وافقتي عليه وأنتي دموعك مغرقه وشك ولأي برده معرفش..لما بتتكلمي معاه بحس إنك بتطلعي الكلمة بالعافية برده معرفش لأي
أكمل عز مستفهما:حنين أنتي من أمتي خبيتي حاجه عليا؟؟؟؟ ريحي قلبي و قوليلي مالك
أغلقت حنين عيونها بألم و احتضنت قلادة والدها لينتصر قلبها في نهاية المعركة و يبوح بكل أسراره ويحطم بعرض الحائط عقلها لتتحرك شفاه حنين قائلة:بحبه اوي يا عز
انفجرت حنين باكية بينما اتسعت عين دهشة و حاول أن يجمع أي كلمة أو يتخيل من هو هذا الشخص الذي فعل بأخته كل هذا..تذكر غياب أدهم منذ ليلة قراءة الفاتحة..الدمعة المختفية في عيونه..قلقه علي حنين عندما اختطفت..بدأت الصورة تتكون أمام عز ليقول بصدمة:أدهم
لم تحرك حنين ساكنا وإنما زاد صوت بكائها..ليقترب منها عز ويرفع وجهها بيده ويقول بغضب:ردي عليا أدهم
حنين بخوف من بين دموعها:أيوة
ترك عز وجه أخته وظل ينظر لها بغضب وقال:و دا من أمتي !! ولسه عارف الوقتي!!بدل بتحبيه قبلتي توافقي علي حد تاني ليه فهميني..ردي عليا يا حنين متخليش عقلي يفجر ردي
حنين من بين دموعها:عشان أختك جبانة..أيوة أنا جبانة..كنت خايفة من قربي منه من كل مرة بشوفه..بعمل مليون سور بيني وبينه بس معرفتش محبوش..عايزني أجي أقولك أنا بحب ابن الست اللي يتمنتني أنا وأنت !!
آه أدهم ساعدك عشان الحقيقة تبان بس معرفتش أبص ليه غير إنه ابن غادة اللي قتلت أبويا
أكلمت حنين بألم وهي تضع يدها علي قلبها:معرفتش أمنعه من إنه يحبه عارف وافقت علي محمد ليه عشان أقنع قلبي إن مستحيل أدهم يكون ليا عشان أحكم عليه بالإعدام
أكملت حنين ببكاء:فكرك مكنتش موجوعة وأنا بفرأ الفاتحة فكرك مكنتش بحس إني زبالة أوي وأنا مع محمد وقلبي لأدهم فكرك محستش في كل ثانية إني خاينة لمحمد..فكرك متوجعتش لما أدهم اختفي
أكملت حنين بألم:فكرك متوجعتش علي الوحيد اللي حبيته ومكنش حقي
دفنت حنين وجهها بين كفوفها وهي تبكي بقوة بينما عز يقف أمامها صامتا لم يتخيل أن تصل أخته إلي تلك المرحلة..يحاول أن يستوعب ما قالته من ثواني..يحاول أن يستوعب الحالة التي بها..
اقترب عز من حنين بهدوء وضمها لصدره قائلا:خلاص يا حنين أهدي أهدي أنا آسف أهدي
حنين بوجع:عايزه أشوف ولو مرة واحدة يا عز أنا جرحته أوي
ظلت حنين بين ذراعي أخيها تقص عليه ما حدث ليلة قراءة الفاتحة من أدهم..
أنهت حنين كلامه ليقول عز:يبقي حرام عليكي تعلقي محمد بيكي
مسحت حنين دموعها وقالت:يعني أعمل إي؟؟
عز:كل اللي أقدر عليه إني أكلمه وأقولك إنك عايزه تقابليه هنا في القصر ولما يجي دا دورك
حنين:مش هقدر أقوله كدا هو معملش معايا حاجه وحشه
عز:أنتي اللي بدأتي الحكاية غلط يا حنين ولازم تنهيها
حنين بألم:و أدهم !!
عز بتنهيده:أدهم ليه رب يحرسه ويحميه وقادر يرجعه
.....
في غرفة تتميز بألوانها الهادئة وأشعة الشمس التي تدخل لها من كل جانب..تحتوي علي فراش صغير وطاولة بجانبها مقعدين في يمين الغرفة و خزانة ملابس في اقصي يسار الغرفة..علي الحائط الأمامي للفراش توجد شاشة تلفاز..فتح باب الغرفة ليظهر ممرضان يمسكان بيده برفق ليصلوه إلي الفراش..علي وجهه بدا الألم و الوجع من كثرة جلسات الكيماوي..أخيرا هبط جسده الضعيف علي الفراش و دثره الممرضان بالغطاء ليقول أحدهم:تحب نشغلك التليفزيون يا أدهم بيه
أدهم بألم:لا مش مشكلة
الممرض الثاني:علي العموم حضرتك الموبايل في الدرج هنا وزي ما حضرتك امرت كلمنا الشخص اللي قولت عليه
أدهم بوجع:أوعي يكون حد قاله حاجه
الممرض:لا أبدا يا فندم المهم ارتاح بس عشان تقدر تبقي بخير شوية لما يوصل
أغلق أدهم عيونه بوجع ليستسلم لنومه سريعا لعله يهرب من آلامه من السرطان الذي ينهش في جسده..
......
قام عز من موضعه عندما رأي حنين تتقدم ناحيتهم وقال:طيب أسيبكوا بقي براحتكوا
ابتسم عز لأخته مطمئنا بينما وقف محمد قائلا:أزيك يا حنين
حنين بابتسامة قلق:الحمدلله أخبارك إي
جلس محمد وحنين وقال محمد:بخير الحمدلله
أكمل محمد مستفهما:خير يا حنين عز قالي إنك عيزاني في حاجه؟؟
حنين بتوتر:هو بصراحة أنا يعني أقصد أصل يا محمد
محمد متعجبا من طريقة حنين:في إي يا حنين أهدي كدا وبراحتك
حنين بتنهيده:أنا آسفة يا محمد أنت أي واحدة تتمناك تكون شريك حياتها وأنت عمرك ما ضايقتني بكلمة و حاولت ترضيني علي أد ما قدرت بس صدقني أنا مقدرش أكمل معاك لأني هكون بظلمك
أخرج حنين الخاتم الذي أحضره محمد ليلة قراءة الفاتحة و وضعته علي الطاولة وقالت:أنا آسفة أتمني تسامحني
حاول محمد أن يستوعب ما قالته حنين وأمسك بالخاتم وضغط عليه في يده ونظر لها بابتسامة مكسورة وقال:مع إني أتمنيت نصيبي يكون معاكي بس مش كل حاجه الواحد نفسه فيها بتحصل
أخفضت حنين رأسها بحزن وقالت:أنا آسفة يا محمد
قام محمد من موضعه وقال:مفيش مشكلة يا حنين ربنا يوفقك في اللي جاي
قامت حنين قائلة:و يوفقك في حياتك و يرزقك باللي تستاهلك
محمد بابتسامة:أشوف وشك بخير
حنين بابتسامة:أشوف وشك بخير
حمل محمد نظارته الشمسية وهاتفه وسار في طريقه إلي سيارته يخفي حزنه بابتسامة كاذبة..
تنهدت حنين بقوة وكأنما حمل ثقيل أختفي من علي قلبها و رفعت نظرها لأعلي لتجد عز يقف في شرفته و ينظر لها بابتسامة مكسورة
.........
ساعات معدودة باقية له في تلك الحياة..طلب رؤية ابنته مرات عديدة وهي رافضه أن تراه إلا أن وافقت علي رؤيته قبل ساعات من إعدامه..دخلت مكتب المأمور بقلق وخوف لتجده يجلس في أقصي لغرفة بملابس الإعدام..انتفض جسدها بخوف وجلست علي كرسي مجاور له تفرك يدها بقلق..
تكلم بصعوبة قائلا:سامحيني
نظرت له طويلا تتفحص معالم وجهه وقالت بجمود:أسامحك!!علي إي ولا إي..أسامحك علي أمي اللي قتلتها!! و لا علي صاحبك اللي قتلته ويتمتت ولاده!! و لا علي قتلك لجوزي وأنا لسه حامل
إسماعيل بصدمة:إي!!!
هدير بدموع:فكرك أنا معرفش اللي عملته مع علي؟؟ أنت خلتني أكره كل الرجالة و أكره كوني بنتك..و لما لاقيت علي و اجوزني حسيت إني ملكة ونسيت كل عمايلك..لحد ما في يوم جه و قالي علي شغلك المشبوه وبعدها بيومين مات و هو راجع من شغله والناس قالت إنه قتل بالخطأ عشان اللي سايق مكنش واخد باله..قدرت تكدب علي الكل إلا أنا
أكملت هدير بمرارة:قتلت جوزي والراجل الوحيدة اللي حبيته وأنا حامل أرملت بنتك ويتمتت أحفادك زي ما يتمتت ولاد صاحبك
وقفت هدير من مكانها بقوة وقالت:أنا غلطانة إني جيتلك لأني كل ما أبصلك بشوف دم جوزي علي إيدك أنا بكرهك فاهم بكرهك
خرجت هدير من المكتب بسرعة إلي سيارته وانفجرت باكية بينما حضر العساكر من أجل عودة إسماعيل لمحبسه..دخل إسماعيل محبسه وظل شاردا كلمات ابنته تتكرر في باله..ما حدث له من عز ونظرة الكراهية في عيونه..كل ذكري عاشها مع صديق عمره حسن ودمرها جشعه في لحظة غضب وقتله..
قام إسماعيل من موضعه و وقف علي الفراش وحياته تمر أمامه ببطء..خلع سترته الحمراء و أشبكها مع ملاءة الفراش وأحاط بها رقبته وأوصل بدايتها بموضع النافذة الحديدة المجاورة لفراشه..هبط من علي فراشه ولعقدة تزداد حول عنقه ليلفظ أنفاسه الأخيرة بسرعة و ينهي حياته منتحرا ليكمل سلسلة الجرائم التي إرتكبها..
بينما في محبس غادة الإنفرادي..حان موعد تنفيذ حكم الإعدام و بمجرد دخول العساكر ظلت تصيح فيهم بغضب و بأعجوبة استطاعوا إمساكها وساروا بها إلي حجرة الإعدام..
ظلت غادة تصرخ فيهم بقوة إلي أن لمحت عسطري يقف علي باب الحجرة افلتت يدها منهم بسرعة وهرولت ناحية العسكري وأمسكت بسلاحه بسرعة وأطلقت طلقة نارية في قلبها لتسقط علي الأرض بسرعة ودمائها تسيل حولها..
لتنتهي بذلك حياة الخائنين دول أن يبقوا لنفسهم أي فرصة لرحمة ربهم..لينهوا حياتهم منتحرين بغباء..
........
مع دقات الساعة الثامنة مساء..وقفت سيارته أمام أحد مستشفيات علاج السرطان و ذهب إلي الإستقبال وقال:لو سمحتي في حد اتصل بيا وطلب مني إني أحضر خير ؟؟
الموظفة:حضرتك اسمك إي؟؟؟
شادي:اسمي شادي أحمد جاسر
الموظفة لأحد الممرضين:لو سمحت وصل شادي بيه لغرفة 710
شادي بتعجب:هو في إي ؟؟
الممرض:حضرتك اتفضل معايا بس
سار شادي بجانب الممرض وهو ينظر حوله بتعجب و قلقه يزداد مع كل خطوة يخطوها..
وقف الممرض أمام باب الغرفة وقال:اتفضل يا فندم
فتح الممرض باب الغرفة ليدخل شادي و تتسع عينيه دهشة ويقول بصدمة:أدهم
حرك أدهم رأسه بألم من علي مصحفه وقال بابتسامة ألم:لا خياله
أغلق الممرض باب الغرفة..لتتجمع دمعة صدمة وألم في عيون شادي وهو يقترب من أدهم يحاول ان يستوعب الحالة التي وصل إليها..جسده الضعيف..المحاليل الموصلة به..شعره الحريري الذي لم يبقي منه سوي عدة شعيرات بسيطة..
أدهم بألم:إي يا بني ما تقعد
هبطت الدمعة من عيون شادي لتتبعها باقي دموعه ويقول:أدهم أنت بتهزر معايا وعامل في نفسك كدا ليه وإي اللي جابك
أسند أدهم رأسه للخلف وقال:جاي أتعالج
شادي بصدمة:من إي و الدكتور بنفسه لما كنت معاك يوم ما تعبت قال إنك سليم وإنه شكوكه بإنك تعبان غلط
التفت أدهم بنظره إلي صديقه وقال:و تفتكر أنا كنت هسمح إنك تعرف إني تعبان بالسرطان ؟؟
شادي من بين دموعه:و من إمتي يا ادهم مبنشاركش بعض الوجع قبل الفرح
أدهم بتنهيده وجع:الوجع دا غير أي وجع..عمر ما كان السرطان وجعي السرطان تحدي وهكسبه
مسح شادي دموعه وقال:أنا معتش قادر أفهمك
أدهم بتنهيده:هحكيلك كل حاجه ..صاحبك لما جه يحب حب بنت عمه اللي امه كانت سبب في قتل أبوها
شادي بصدمة:تقصد حنين
أدهم مكملا:مفيش واحدة غيرها قدرت تحرك قلبي حبيتها لدرجة العشق ومعرفتش أعترف بحبي ليها إلا يوم ما قروا فاتحتها يومها روحتلها وأنا كنت عايز بس نظرة واحدة تديني أمل إنها عيزاني بس للأسف نظرتها كلها كانت غضب وضيق وممكن يكون كره..يومها روحت للدكتور عشان أبلغه قراري النهائي إني هقضي فترة علاجي هنا
شادي بحزن علي حال صديقه:طب ليه يا أدهم مخلتنيش جمبك من البداية !! إزاي أنت كدا ويوم ما تعبت الدكتور قالك إنك كويس و إنه مجرد إرهاق و أنت فهمتني إن دواك دا عشان أنت معظم وقتك بتشتغل ومبتنمش كويس
أدهم بألم:أنت علطول معايا يا شادي و واقف جمبي بس مكنتش عايز حد يعرف حاجه عن مرضي كان نفسي أفضل قوي زي ما انا مكنتش عايز تيجي اللحظة وأبقي مرمي علي السرير دا و أشوف نظرة شفقه في عينيك أو عين أي حد
شادي:طب و أهلك!! أخواتك ذنبهم إي دول هيجننوا عشان يوصلوا ليك!! ماهر مراته حامل و رقية ربنا أكرمها و حملت..فرحتهم ناقصة من غيرك
أدهم بابتسامة:و فرحتهم هتنكسر لو شافوني كدا
أكمل أدهم بتنهيده:أنا لما خلتهم يكلموك عشان حاسس إني النهاية قربت يا صاحبي ومش عايز أموت ومحدش يعرف عايز أموت وحد جمبي
انفجر شادي باكيا كالأطفال علي حاله صديق عمره وكلماته وهو يضغط علي يده بقوة ويقول من بين دموعه:أوعي تقول كدا فاهم!! أنت هتبقي بخير وهتقوم بالسلامة وتشوف ابني كمان
هبطت دمعة حارة من عيون أدهم وقال:لو شبهك مش عايز أشوفه كفاية عليا أنت سنين
ضحك شادي من بين دموعه وقًبل رأس أدهم قائلا:قوم أنت بس بالسلامة و أرجع وسطنا
جلس شادي مع صديقه قليلا يحاول رسم ابتسامة علي شفتيه و تركه علي وعد أن يتأتي لزيارته يوميا...
خرج شادي من حجرة أدهم واتجه إلي دورة مياه في اقصي الطابق وأغلق الباب بسرعة و وضع وجهه بين كفيه لينفجر باكيا علي حال صديق عمره الذي كان يشع حيوية ونشاط و الآن أصبح علي فراش المرض لا حول له ولا قوة..
بعد دقائق معدودة...مسح شادي دموعه و خرج ليسأل عن الدكتور المعالج لأدهم وسأله عن حالة أدهم..
الدكتور:بصراحة يا بني الحالة متطمنش السرطان انتشر في الدم و الكبد
شادي بصدمة:نعم!!
الدكتور:الفترة اللي فاتت دي استخدمنا الكيماوي عشان نقضي علي السرطان اللي في الدم و الحمدلله نسبة الشفا كويسة جدا كمان أما بالنسبة للكبد فدا هنحتاج ليه متبرع ولازم تكون في أقرب وقت عشان كتر من كدا حياته هتبقي منتهيه
شادي بصدمة:أنا ممكن أتبرعله شوف أنت عايز مني إي وأنا هعمله بس هو يقوم تاني علي رجله
الدكتور:في حالة صحبك دي أنا أفضل العملية تتعمل بره وأنا هعملك التحاليل اللازمة و لو نفع تتبرعله يبقي العملية هتتم في أقرب وقت نظرا لأن الكيماوي معتش قادر علي السرطان اللي في الكبد
اتجه شادي مع الطبيب لعمل الفحوصات اللازمة...و عاد إلي منزله و هو في حالة مزرية ليلقي بهمومه علي كتف زوجته ويخبرها ما حدث منذ ساعات وينببها ألا تخبر أحد..
نغم بحزن:حاضر يا شادي محدش هيعرف
شادي بتنهيده:أنا آسف لو هشغل عنك الفترة دي بس لازم أبقي مع أدهم
نغم:لا يا حبيبي متشلش همي بإذن الله هيبقي كويس و يرجع زي الأول و أحسن
شادي بحزن:يارب يارب
بعد مرور شهر تحولت آلام أدهم إلي أضعاف مضاعفة خصوصا بعد ظهور نتيجة لتحاليل والتي أثبتت أن شادي لا يصلح بأن يكون المتبرع..حاول شادي مرارا وتكرارا أن يقنع أدهم بأن يخبره أهله ولكن كان رد أدهم دائما الرفض المطلق..أطاع شادي رغبة صديقه وظل بجواره معظم الوقت وخصيصا في جلسات الكيماوي يخفف من آلمه بابتسامة هادئة..أخبر شادي أدهم بأنه قد تم فسخ خطوبة حنين ليزداد وجع أدهم بعكس ما توقع شادي ليكون رد أدهم "كنت هبقي مطمن عليها لما أموت إنها مع واحد بيحبها وهيحفظ عليها بس الوقتي هطمن إزاي وأنا حاسس بوجع قلبها وخايف تبقي نصيب حد يظلمها..أنا معتش أنفعها أنا بقايا إنسان"
و في أحد الأيام..كانت تقف في إسطبل الخيول تصفف شعر الخيل "ألأدهم" و تمسح علي جسده برفق وهي تحادث نفسها قائلة:صاحبك طول أوي في بعده..أنا ظلمته صح!! بس الخوف اللي جوايا كان بيقتل فيا..عارف أنا نفسي أشوفه أوي ..نفسي أعرف هو فين كل دا؟؟ قلبي بيوجعني عليه حاسه إن فيه حاجه"
حرك الحصان زيله بخفة كأنه يوافق حنين علي رأيها ويشعر بألم صديقه..لتمسح حنين علي جسده برفق وتقول بصوت هادئ:بإذن الله هيرجع
عادت حنين إلي طريقها إلي حديقة القصر لتجد عز يجلس بجانب جهاد ويبدو عليهم الغضب..
حنين بقلق:مالكوا قالبين وشكوا ليه؟؟؟
أدار عز وجهه جهة اليسار وقال بضيق:شوفي صاحبتك
أدارت جهاد وجهها جهة اليمين وقالت بضيق:شوفي أخوكي
جلست حنين قائلة بتعجب:الله أنتوا أشكلتوا ؟؟
جهاد بضيق:هو اللي اتعصب و زعق
عز بضيق:هي اللي عصبتني
أدارت جهاد وجهها جهة عز وقالت:و الله دا علي أساس أنا اللي كنت بكلم واحد في الشغل وبضحك معاها
أدار عز وجهه بسرعة جهة جهاد وقال بعصبية:جهاد
رفعت حنين يدها قائلة:باااااااااااس في إي أهدوا
زفر عز وجهاد بضيق لتقول حنين:في إي يا عز
عز:قاعد معاها عندي بنختار ألوان غرف الأطفال وجالي فون رديت وكانت ندي المهندسة الجديدة اللي في المجموعة بتسألني علي حاجه في المشروع عشان بكرة أجازة ومفيش شغل والمشروع لازم يسلم بعد بكرة فشرحتلها اللي عيزاه بكل هدوء ومن غير كلمة زيادة و كان في صوت كرتون شغال جمبها فبضحك عليه بس
حنين بتساؤل:كرتون إي؟؟
انفجرت جهاد و عز ضاحكين وحنين رافعه حاجبها وتقول:ما أنتوا حلوين أهو
جهاد:طب بذمتك لو أنا بكلم حد من زمايلي وضحكت عشان سمعت حاجه جمبه مش هو هيزعل
عز:و تكلمي زميلك ليه أساسا؟؟ و لا هو يجيب رقمك منين ؟؟ إحنا هنستعبط
جهاد لحنين:شوفتي أعمله إي بقي
حنين:دي غيرة يا هبلة غيرة دا أنا لو منك أفرح
عز:أيوة حنين بتفرح لما بغير عليها و بتبوسني كمان
حنين بضحك:شوفتي
جهاد بخجل:طيب خلاص مفيش مشكلة
عز مشيرا إلي خده:فين البوسة بقي؟؟؟
حنين بإحراج:طب استئذن أنا
سارت حنين في طريقها إلي غرفتها بينما جهاد تقول:أنتي يا بت؟؟ يا حنين ؟؟ يا بت تعالي؟؟ حنين
عز بنظرة ذات معني:مبقاش غيري أنا وأنت يا جميل
قامت جهاد من موضعها بهدوء وهي تقول:أنا سامعه صوت
أكملت جهاد وهي تركض إلي داخل القصر قائلة:مامااااا
زفر عز بضيق وقال:مهو أنا لازم اجوز بقي
صوت من خلفه:الواد اتهبل؟؟
التفت عز ليجد ماهر وأمجد ينظرون له بقلق ويقولون:أتهبلت يا عز يا حول الله
عز:لا أنا اجننت بس المهم مفيش أخبار عن أدهم
ماهر بأسف:لا أنا هجنن مش عارف راح فين دا..
..............
اسند أدهم رأسه للخلف بتعب ..ليقول شادي:أنا معتش هسكت أكتر من كدا مش هشوفك بتموت قدامي و أقف اتفرج
أدهم بوجع:شادي عشان خاطري خلاص أنا مش قادر أكلم
شادي:يا أدهم عشان خاطري أدي لأخواتك و أهلك فرصة يكونوا جمبك
أدهم بألم:مش عايز حد يشوفني كدا
شادي:طب بص هخلي ماهر يعمل التحاليل ومش هقوله السبب و هو اللي هيشوفك بس
أدهم بوجع:يا شدي عشان خاطري كفاية مش قادر أكلم والله
.....
بعد صلاة العشاء..خرج الشباب من المسجد و ساروا في طريقهم إلي القصر ليجدوا شادي يجلس في بهو القصر والجميع يلتف حوله..
ماهر بقلق:في إي
عامر:شادي بيقول في حاجه مهمة عايزنا كلنا فيها
جلس عز بجانب جهاد و أخته علي الجانب الآخر منه وفرح بجانب ماهر ورقية بجانب أمجد..
زفر شادي بقوة وقال لنفسه "سامحني يا صاحبي"
سناء:في إي يا بني قلقتنا
بدأ شادي يقص عليهم مرض ادهم وحالته الصحية واحتياجه للمتبرع وأن ماهر هو الأنسب له و رفض أدهم أن يقدم له أي أحد المساعدة وحالته التي تسوء يوم بعد يوم...وسط دهشة من الجميع في محاولة لتكذيب ما يقال بأي طريقة..
مسح ماهر دموعه وهب واقفا وقال:طب يلا بينا نعمل التحاليل
رقية بدموع:أنا عايزة أشوفه
شادي:الوقتي لازم ماهر يجي معايا عشان التحاليل نتأكد برده ونجهز إجراءات السفر أما بكرة تقدروا تشوفوه لأنه حاليا بيبقي نايم من أثر جلسة الكيماوي
أمجد وهو يمسح دموعه:طب يلا بينا بسرعة
استقل عامر وأمجد و عز سيارة وشادي وماهر سيارة وشقوا طريقهم إلي المستشفي من اجل التحاليل وبدأ إجراءات السفر..
...
أما حنين فبمجرد خروج الشباب إلي المستشفي...سارت في طريقه إلي إسطبل الخيول و دموعها تهبط في صمت..وقفت أمام الخيل "الأدهم" تحسس علي وجهه بيد مرتشعه وتقول من بين دموعها:صاحبك بيعاني شهور لوحده كان محتاجني جمبه بس أنا اتخليت عنه أنا غبيه أوي أوي
احتضنت حنين رأس الأدهم وصوت بكائها يعلو بقوة وهي تقول:نفسي يرجعلي نفسي يرجع أشوفه قصادي نفسي يرجع وأنا أقوله إن حبه جوه قلبي تخطي كل مراحل العشق
ظلت حنين بجانب الخيل "الأدهم" تبكي دون انقطاع وتحادث لخيل الذي طأطأ رأسه بحزن وكأنه شعر بما تقوله..
.......
في اليوم التالي..في قصر آل توفيق..تجمع الجميع في بهو القصر علي وجههم معالم الحزن و الحسرة تبدو علي وجه كل واحد فيهم آثار البكاء..منتظرين اتصال شادي يبلغهم بتمهيده لأدهم بزيارتهم..
أما في حجرة أدهم..كان الغضب هو سيد الموقف..
صاح أدهم بغضب:بقي دي أخرتها يا شادي!! تروح تقولهم وعايزهم يجيوا هنا ؟؟؟
شادي بغضب:أيوة يا أدهم و لو هكتفك لحد ما تسافر هعملهاة لكن مش هسيبك كدا مستسلم للموت أومال فين التحدي اللي بتقول عليه
أدهم بعصبية:قولتلك مش عايز أشوف حد مش عايز حد يشوفني ضعيف