وكفى بها فتنه
البارت التاسع والعشرون 29
بقلم مريم غريب
كانت الطارق "حسين عزام" ... زوج العمة "راجية"
وقفت "عائشة" أمامه مرتبكة ، لوهلة لم تصدق أنها تراه
الأمر الذي جعلها تغمض عيناها و تفتحهما من جديد ... ظنت أنها بلهاء ، لكنه إبتسم لها و قال بلطف :
-صباح الخير يا عائشة
عائشة بشئ من التوتر :
-صباح النور يا عمو حسين !
حسين : يا تري ماما و أدهم موجودين ؟
و لا أدهم نزل لشغله ؟
عائشة : ماما و أدهم موجودين أه
حسين بكياسة :
-طيب ممكن أدخل !
نظرت له بعدم ثقة ... ليأتيها الرد الحاسم من الداخل ..
-مين يا عائـشة ؟؟؟ .. هتفت "أمينة" بنبرة متوسطة
أجابتها "عائشة" و عيناها لا تزالان علي الضيف :
-ده عمو حسين يا ماما !
تأخر الرد لثوان ، ثم جاء صارما ..
-خليه يتفضل ! .. كان هذا صوت "حليمة"
-إتفضل يا عمو .. تمتمت "عائشة" بإستسلام
ليدخل "حسين" بخطواته الثابتة
كانت "سلاف" قد قامت من الجلسة ...
ألقي "حسين" التحية علي آل المنزل بإحترام كبير :
-صباح الخير يا جماعة
أتمني ماتكنش الزيارة علي الصبح كده مزعجة !
أمينة برحابة :
-لأ طبعا مش مزعجة يا أستاذ حسين
إتفضل أقعد
حسين بإبتسامة :
-أنا من إمبارح و أنا عايز أجي أقعد معاكوا
و ما صدقت النهار طلع قلت أنزل ألحق أدهم قبل ما ينزل علي شغله
أمينة بصوت رقيق :
-نورتنا
إتفضل أقعد يا أستاذ حسين
-شكرا يا أم أدهم ! .. قالها "حسين" بإمتنان ، ثم جلس في كرسي مقابل لـ"أدهم"
ليشيح الأخير بوجهه ناظرا للجهة الأخري ..
حسين ببشاشته المعهودة :
-إيه يا أدهم
مدور وشك كده ليه ؟
إنت زعلان مني في حاجة و لا إيه ؟!
يضطر "أدهم" للنظر إليه ، ثم يقول بتهذيب رغم عبوسه :
-لا طبعا يا عمي
حضرتك ماعملتش حاجة عشان أزعل منك
حسين بتفهم :
-أنا عارف و مقدر موقفك يابني
و أنا مش جاي أعتب عليك بالعكس
أنا جاي أعتذرلك علي كل إللي حصل
أدهم بصرامة :
-حضرتك ماكنتش طرف في أي حاجة
بالتالي ماينفعش تعتذر
و حتي لو ينفع أنا مش قابل و لا هقبل إعتذارات
لما الأمور توصل لحد مراتي مافيش أعذار مافيش عقل
مشيئة ربنا هي إللي رحمت إبنك مني إمبارح
حسين بصبر :
-إنت عندك حق طبعا و محدش يقدر يغلطك
أنا بس كان قصدي أوصلك إن إللي حصل مايرضنيش و لا يرضي أي حد هنا و أصلا الكل لازم يعتذرلك
كل إللي هنا أهل في بعض و الموضوع يمسنا كلنا
-و هو ده يعني كل إللي قدرت عليه يا حسين بيه ؟!! .. قالتها "حليمة" بجمود ، و أكملت بغضب :
-إبنك كان ممكن يضيع بنت إبني
سلاف دي بقت أمانة في رقبتي بعد موت أبوها
و إبنك المستهتر عديم الأخلاق كان هيضيعها بمنتهي السهولة
تفتكر إعتذارك كافي ؟
دي لو كانت بنتك كنت هتتصرف إزاي ؟؟؟
نظر "حسين" لها ، و قال بحزن حقيقي :
-أنا بجد مهموم أوي من جوايا ياست حليمة
الواد ده خيب أملي
من يوم ما كبر و طلع للدنيا و هو مبوظ سمعتي
لما جه يتجوز إيمان أنا إستحرمت و الله
هو مايستهلهاش و أنا بعزها جدا و بعتبرها بنتي
بس قلت يمكن الجواز يعدله ... لكن للآسف بقي ألعن
حليمة بإمتعاض :
-دي في الأول و الأخر أمور بينك و بين إبنك
تصلحها و لا تسيبها إنت حر معاه
بس كله إلا بنت إبني
أنا لو ربنا مديني عمر لحد دلوقتي ده أكيد عشانها
مش هسمح لمخلوق يجي عليها أو يأذيها
حسين بجدية :
-ماتقلقيش ياست حليمة
أوعدك سيف مش هيتعرض لسلاف تاني .. ثم نظر إلي "أدهم" و تابع :
-أنا إمبارح وديته هو إيمان و بنتهم شقتي القديمة إللي في المهندسين
هيعيشوا فيها و مش هيرجعوا هنا تاني أبدا
تقدر تريح بالك دلوقتي يا أدهم و تضمن الآمان لمراتك و هي في بيتك
نظر "أدهم" له صامتا ...
حسين مبتسما :
-مرة تانية بعتذر
علي أي حاجة صدرت عن حد من عيلتي ضايقتكوا
أجازتي كده كده قصيرة و ماكنتش حابب يحصل فيها مشاكل بالحجم ده
بس أنا مش هسافر قبل ما أسوي كل حاجة و أتأكد إن خلاص مافيش حاجة تاني هتحصل .. ثم قام و هو يقول :
-يلا عن إذنكوا بقي
دوشتكوا علي الصبح آسف
أمينة و عنياها تلتمعان بالسعادة :
-ده إنت أنستنا و الله يا أستاذ حسين
نظر "حسين" لها و قال :
-متشكر يا أم أدهم
ربنا يديم المعروف بينا
أستأذنكوا بقي سلام .. و غادر
تبادلت "حليمة" النظرات مع "أدهم" في صمت ... لتقول "أمينة" بإرتياح شديد :
-كتر خيره الراجل و الله
ريح قلبي
كنت هتجنن علي بنتي
-ربنا يهدي سرها .. قالتها "حليمة" مقوسة شفتاها بغير رضا ، و أردفت :
-الواحد هيعوز إيه غير كده يعني !!
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
مر باقي النهار كما تجري العادة كل يوم ..
لا جديد ... سوي إلتزام "سلاف" لغرفتها ، لم يراها أحد منذ الصباح و حتي الآن ، و قد رفضت تناول الغداء مدعية توعك بمعدتها
و هكذا إلي أن عاد "أدهم" من عمله و حان موعد تناول العشاء ..
كانت "عائشة" تحضر المائدة عندما سألها "أدهم" بإهتمام :
-أومال هي فين سلاف يا شوشو ؟؟؟
عائشة و هي تهز كتفاها بخفة :
-ماعرفش يا دومي هتلاقيها في أوضتها أكيد
ما هي من الصبح ماطلعتش من الأوضة أساسا
أدهم بإستغراب :
-ماطلعتش من أوضتها خالص !
ليه كده ؟
عائشة : بتقول معدتها تعباها
إنقبض قلبه بقوة و هو يقول :
-معدتها تعباها إزاي ؟
و إزآاي أصلا سايبنها كده ؟؟؟!! .. أصبح صوته مرتفع بعصبية الآن
عائشة مجفلة :
-و أنا مالي أنا طيب بتزعقلي ليه ؟
هي مش عايزة تخرج من الأوضة و مش بدخلنا
كز "أدهم" علي أسنانه و هو يرمقها بنظرات محتقنة ، ثم قال :
-ماشي يا عائشة
عموما شكرا و خليكي فكراها .. و ولـيَّ متجها صوب غرفة "سلاف"
عائشة و هي تحدق في إثره بضيق :
-إفف بقي
يا ربي أنا ذنبي إيه بس ؟!!
أستغفر الله العظيم
...............
ذهبت "سلاف" إلي النوم باكرا الليلة ... و عندما فتحت عيناها كان الظلام لا يزال دامسا
تقلبت للجهة الأخري لتنظر من زجاج النافذة إلي الخارج ، كان ضوء القمر يخترق الغيوم
و بعد لحظات شعرت بتثاقل جفناها ، و كادا يغمضان حين دق باب غرفتها و إنفتح بسرعة من تلقاء نفسه و من دون إذنها
فورا إنتصبت "سلاف" جالسة و تطلعت إلي المقتحم ..
كان "أدهم" و قد أشعل الضوء
نظرت له بغضب ، بينما مشي صوبها مهرولا و هو يقول :
-سلاف !
مالك يا حبيبتي فيكي إيه ؟؟!! .. و جلس بجانبها واضعا كفه علي جبينها
سلاف بإقتضاب :
-مافياش حاجة
أنا كويسة
إبعد عني لو سمحت .. و أبعدت يده عنها بحركة عنيفة
أدهم بدهشة :
-في إيه يا سلاف ؟
بتعملي كده ليه ؟؟
نظرت له و قالت بحدة :
-أنا لسا ماعملتش حاجة يا أدهم
مش وقته
بس قريب أوي هتعرف أنا هعمل إيه
أدهم و قد إزدادت دهشته أضعافا :
-أنا مش فاهم
إنتي تقصدي إيه !
إنتي زعلانة مني يعني ؟
أنا عملتلك حاجة ؟؟؟
سلاف مغضنة أنفها بنفور :
-من فضلك إطلع برا
أنا مش طايقة أشوفك قدامي
أدهم بصدمة :
-بتقولي إيه ؟؟؟
سلاف بجفاء :
-إللي سمعته
و لا عايزني أستناك لما تقولهالي إنت ؟
أدهم بعدم إستيعاب :
-تقوليلي إيه و أقولك إيه ؟!
في إيـــه سلآاف ؟
ما توضحي كلامك
سلاف ... بعد صمت قصير :
-إنت ليه ماقولتليش إن نناه حليمة هي إللي طلبت منك تتجوزني ؟؟؟
و هنا أجفل "أدهم" من سؤالها المباشر ..
لكنه قال مغالبا توتره :
-تيتة حليمة كانت وسيلة يا سلاف
أنا ما آ ..
-ماتكدبش ! .. قاطعته "سلاف" بغضب ، و أكملت :
-إنت لسا قايلي إمبارح إنك مابتحبش الكدب
قولي الحقيقة يا أدهم و صدقني أنا هحترمك و مش هزعل منك
أدهم : عايزاني أقولك إيه بس ؟!
سلاف : قولي إنك قبلت تتجوزني عشان نناه طلبت منك كده
قولي إنك إضطريت تقولي بحبك عشان ماتجرحش مشاعري
عشان أنا بقيت يتيمة و ماليش غيركوا
أدهم بإستنكار :
-إيه إللي بتقوليه ده ؟
الكلام ده مش صحيح طبعا
سلاف بإنفعال :
-لأ صحيح يا أدهم
أنا خلاص عرفت
نناه كشفت كل حاجة قدامي الصبح
و أنا خت قراري
مش هتجوزك يا أدهم !
-طيب ممكن تهدي بس ؟ .. قالها "أدهم" بلطف محاولا ضمها إليه
سلاف و هي تتلوي بعصبية و تبعد يداه :
-إوووعي
بقولك خلاص مش عايزآاك
العلاقة دي مش ناجحة من أولها أصلا
أدهم و قد نجح في أسرها بين ذراعيه :
-مين قالك كده ؟
أنا بحبك يا سلاف
سلاف بعصبية مفرطة :
-كـدآاااب
أدهم بحنان :
-و الله بحبك
و الله ما بكدب يا سلاف
إنتي أغلي إنسانة في الدنيا بالنسبة لي
مابحبش حد أدك و الله .. و طوقها بقوة ليوصل لها عمق مشاعره
سلاف : طيب سيبني
سيـــبني بقي بلييييز
أدهم برجاء :
-طيب إديني فرصة أفهمك
سلاف بعناد :
-مش عايزة أفهم
سيبني بقي
تركها "أدهم" مذعنا لرغبتها ، لتفلت منه بسرعة ..
نظر لها بإستعطاف و قال :
-إنتي فاهمة غلط يا سلاف
سلاف بتصميم :
-مش هغير رأيي يا أدهم ! .. و قامت و إتجهت إلي الخارج
نهض "أدهم" و تبعها جريا و هو يقول :
-إستني يا سلاف
رايحة فين طيب ؟!!
خرجت "سلاف" إلي غرفة الطعام حيث تجلس جدتها هناك الآن ..
شملتها نظرات الجميع ، بينما تساءلت "حليمة" :
-إيه يا ولاد مالكوا ؟
إنتوا متخانقين و لا إيه ؟
صوتكوا كان عالي شوية !
ألقت "سلاف" نظرة خاطفة علي زوجها ، ثم نظرت إلي جدتها و قالت بثقة :
-نناه أنا عايزة أطلق
صدرت شهقة عن "عائشة" و جمدت "أمينة" من الصدمة ... أما "حليمة" فتجلدت و هي تسألها :
-عايزة تطلقي يا سلاف ؟
سلاف بتماسك :
-أيوه
حليمة : طيب ليه ؟
إيه السبب يعني ؟
عشان إللي حصل إمبارح ؟!
سلاف : لأ يا نناه
السبب مختلف خالص و أفضل أحتفظ بيه لنفسي
أمينة : طيب ليه كده بس يابنتي ؟
ما جوزك أخدلك حقك عايزة إيه تاني ؟؟؟
إحنا ناقصين مصايب تانية يا سلاف بكفاية بقي !
نظرت "سلاف" لعمتها و قالت بلطف :
-با عمتو أنا مش قصدي أعمل مشاكل
كل الحكاية إني مش مرتاحة و عايزة أنفصل
-طب تعالي يا سلاف . قربي ! .. قالتها "حليمة" بغموض
فإقتربت "سلاف" بحسن نية ، بينما مدت "حليمة" يدها و جذبتها من شعرها بقسوة و هي تقول بصرامة :
-إسمعي يابت إنتي
كلمة طلاق دي ماسمعكيش تنطقيها أبدا
إنتي إتجوزتي خلاص و مافيش حاجة إسمها طلاق فاهمة ؟؟؟
إرتفع نشيج "سلاف" الطفولي و قد ضربتها الصدمة ... إنهمرت دموعها الحارة كالشلالات علي وجهها
و فجأة صار "أدهم" بجانبها
رفع يد جدته عنها بحزم ، و أمسك بها و خبأها خلف ظهره قائلا بغضب :
-من فضلك يا تيتة
مالكيش دعوة بيها
لو سمحتي إوعي تعمليلها كده تاني
مراتي ماقبلش حد يهنها بالشكل ده و لا حتي أنا
حضرتك خليكي برا الموضوع و إللي هي عايزاه أنا هعملهولها .. ثم إلتفت إلي "سلاف" و أكمل بنظرات معذبة :
-إلا الطلاق يا سلاف
أنا مش هطلقك أبدا
مش هاسيبك
نظرت له بعينين ملؤهما الدموع ... ثم إستدارت عائدة إلي غرفتها بسرعة
تنامي الصمت لدقيقة .. لتقطعه "عائشة" بصوت محبط :
-الشيطان بيعمل معانا واجب كبير أوووي قبل ما يرحل يا جماعة ! .. ثم رفعت هاتفهها المضاء بلائحة التقويم و أكملت :
-كل سنة و إنتوا طيبين
الرؤية ظهرت و رمضان بعد بكره إن شاء الله .... !!!!!!!!