وكفى بها فتنه
البارت العاشر 10
بقلم مريم غريب
إنتفض "سيف" بذعر عندما سمع صوت "أمينة" ... و إزداد رعبه لسماع صوت "حلا" أيضا
لم يكن منتبه أنه كان يكمم فم "سلاف" بكفه إلا حين سمع صراخاتها المكتومة تنطلق من أحشائها مفتشة عن منفذ ، عن نقطة لتخرج صادحة مدوية بالأجواء و تفضحه
كانت "سلاف" تسمع عمتها هي الأخري ، تسمعها الآن
حاولت أن ترد "سيف" عنها لتستنجد بها ، راحت تتلوي بعنف لتتخلص منه ... لكنه لم يتركها
بل أحكم وثاقه عليها و قرب فمه من أذنها هامسا بنبرة وعيد شريرة :
-إسمعي يا حلوة
أنا لا شوفتك و لا أنتي قابلتيني
إياكي تفتحي بؤك قدامهم . أولا ماحصلش حاجة
ثانيا محدش هيصدقك و أنا هنكر أي حاجة هتقوليها و شوفي بقي عمتك ممكن تعمل فيكي لو إتكلمتي
هتقول إنك عايزة تخربي بيت بنتها و إستحالة هتصدقك
سامعة ؟ محدش هنا هيصدقك فخليكي حلوة كده و خلي إللي حصل ده سر بينا . ماشي يا قطة ؟ ... ثم مد يده و ضغط علي زر الطابق الأرضي
لم يتركها تماما إلا عندما إنفتح باب المصعد
عند ذلك إندفع راكضا إلي خارج البناية كلها ، بينما سقطت "سلاف" مغشيا عليها من شدة الضغط العصبي الذي نال منها في هذه اللحظات ..
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
أمام شقة "أدهم عمران" ...
إزداد صوت "أمينة" إرتفاعا و هي تجادل "حلا" بحدة :
-يعني إيه ماشوفتيهاش ؟ بقولك قالتلي طلعالك و بقالها يجي 10 دقايق
يعني هتكون راحت فين ؟؟؟
حلا بنبرة تهذيب :
-و الله يا طنط أمينة ماشوفتها
من ساعة ما نزلت من عندنا ماطلعتش تاني ممكن تكون طلعت عند خالتو راجية و لا حاجة !
أمينة صائحة بإستنكار :
-راجيــة ! سلاف من إمتي ليها إختلاط بخالتك راجية يا حلا ؟ مستحيل تكون عندها طبعا
حلا بإنزعاج :
-يعني حضرتك تقصدي إيه ؟ تقصدي إني خطفتها مثلا و لا مخبياها ؟؟!!
-في إيه يا ماما ؟ صوتك عالي كده ليه ؟! .. قالها "أدهم" بإستفهام
و قد كانت أخته "عائشة" خلفه بخطوة ..
نظرت له "أمينة" و قالت بتوجس :
-إلحقني يا أدهم بنت خالك مش موجودة في البيت
أدهم عابسا :
-يعني إيه مش موجودة في البيت ؟ قصدك مشيت لوحدها يعني ؟!
أمينة : لأ يابني ما هي قالتلي قدامك إنها طالعة تستعجل حلا
أدهم ببردوة أعصاب :
-طيب إنتي قلقانة أوي كده ليه ؟ تلاقيها هنا و لا هنا هتروح فين يعني !
أمينة بغيظ :
-برودك ده هيشلني . حسبي الله و نعم الوكيل يا أخي
شد "أدهم" علي شفتيه و أحني رأسه متضايقا ، بينما تدخلت "عائشة" مهدئة :
-إهدي يا ماما
خلاص أدهم عنده حق هتكون راحت فين يعني !
إنتي بتقولي ماطلعتش عندك يا حلا ؟
حلا : أيوه و الله يابنتي
عائشة : طيب الموضوع بسيط جدا
إهدوا
أنا هطلبها علي الموبايل .. و أخرجت هاتفهها من الچزدان الجلدي
ثم طلبت رقم "سلاف" ..
ليسمعوا جميعا ذلك الرنين الصاخب منبعثا من جهة المصعد
تبادلوا نظرة سريعة ، ثم إندفعوا كلهم صوب مصدر الصوت ..
حاولت "أمينة" فتح باب المصعد ، لكنه كان عالقا ، فضغطت زر الإستدعاء و إنتظرت لثوان حتي وصل
فتحت الباب فورا ... لتتسع عيناها و تجحظان من الصدمة
همست "أمينة" مصدومة :
-ســلاف !
سلاف ! .. سلاف ! .. راحت "عائشة" و "حلا" تتمتمان من حول "أمينة" ..
ليهمس "أدهم" مشدوها :
-سلاف ! .. كان صوته خافت إلي حد لا يستطع أحد سماعه
بينما أخذ يحدق رفما عنه في هذه المسكينة الملقاة فوق الأرض المعدنية الباردة
كانت فاقدة وعيها ... فستانها ممزق و شعرها أشعث ، حالتها مزرية لا تطمئن أبدا ..
ركعت "أمينة" بجوارها صارخة :
-ســلآااف !
بنتي حبيبتي . مالك يا حبيبتي ؟
إيه إللي جرالك يا سلاف ؟ ميــن إللي عمل فيكي كده ؟؟؟
و راحت تهز فيها و تضرب خديها بخفة و هي تهتف بإسمها .. و لكن لا حياة لمن تنادي ... كانت في عالم أخر
نظرت "أمينة" إلي إبنها و صاحت :
-أدهم . إعمل حاجة يابني
أدهم يتوتر :
-عـ عايزاني أعمل إيه يا أمي ؟!
أمينة بعصبية مفرطة :
-إنت هتفضل واقف تتفرج كده يعني ؟
شيلها يابني البت هتروح مننا
أدهم مذعورا من الفكرة :
-أشيل مين ؟ أشيل دي ؟؟؟
أمينة بغضب شديد :
-إخلص يلآاا مش وقته خالص إللي بتعمله ده بقولك البت هتروح مننا
أدهم مذعنا بإرتباك :
-حاضر حاضر
أستغفر الله العظيم .. ثم أغمض عيناه و إنحني ليحملها
كانت "سلاف" خفيفة مثل الريشة عندما رفعها "أدهم" بين ذراعيه بمنتهي السهولة ، لكنه أحس بوطأة ثقلها بشكل غريب ..
سار "أدهم" بها بخطوات غير متوازنة ، كان جسده يرتعد و قلبه يخفق ، و كان يتصبب عرقا غزيرا و قد حرص علي عدم ملامستها بصورة كبيرة
حيث مد ذراعيه إلي الأمام ليجعلها لا تلامس صدره ..
زفر "أدهم" بقوة عندما وضعها في فراشها ... إرتد إلي الخلف و وقف وحده بعيدا يحاول لملمة شتات نفسه
بينما صدح صوت "حليمة" آتيا من الغرفة المجاورة ..
عائشة بتوتر و أنظارها معلقة بـ"سلاف" :
-طيب أنا هاروح أشوف تيتة
أقولها إيه يا ماما ؟!
أمينة و هي تفحص جسد "سلاف" بنظرات ملتاعة :
-إوعي تقوليلها أي حاجة دلوقتي
قوليلها بس إني شدا مع أدهم شوية
عائشة : حاضر .. ثم أسرعت لتلبي نداء جدتها
أما "أدهم" فغمغم بإرتباك و هو ينظر للجهة الأخري بعيدا عن "سلاف" :
-طيب يا أمي أنا كمان هاروح أشوف عم حسن البواب هخليه يبعت لمهندس الصيانة أكيد حصل عطل في الأسانسير
إستوقفته "أمينة" بغضب :
-إستني عندك
عطل إيه ؟ الأسانسير سليم يا حبيبي
بنت خالك هي إللي مش سليمة
تجهم "أدهم" :
-قصدك إيه ؟!
أمينة : البت هدومها متقطعة و وشها مبهدل خالص
أكيد حد كان متقصدها . أكيد حد طلع هنا و حاول يعتدي عليها و لما سمعنا سابها و مشي
أدهم بصدمة ممزوجة بالغضب :
-و مين ده ؟؟؟ و إزآاي وصل لحد هنا ؟؟؟؟؟
عم حسن . حسآابه معايآاا
أنا نازله !
أمينة : قولتلك إستنــي
إستدار لها "أدهم" :
-عايزة إيه يا أمي ؟
أمينة : تعالي شوفها . تعالي شوف مالها إنت مش دكتور ؟!
رأت "حلا" وجهه المجلل بالتوتر ، فحاولت أن تساعده قليلا :
-آ أتصل بالدكتور يا طنط ؟
أمينة بإستهجان :
-و تتصلي بدكتور ليه و إحنا عندنا واحد ؟ .. ثم قالت بحدة :
-و لا إيه يا أدهم !
أدهم بضيق :
-حاضر يا أمي حاضر
ثواني هجيب شنطتي و راجع
ثم ذهب إلي غرفته و عاد سريعا ..
فتح الحقيبة السوداء المتوسطة و أخرج آدواته الطبية منها ... وقف مترددا و هو يمسك بالسماعة ، كان صراعا يحتدم في نفسه
أنه لم يلمس إمرأة طوال حياته .. فهل يفعل الآن ؟؟؟
أمينة بنفاذ صبر :
-يابني خلصنا . إنت دكتور يا حبيبي شيل من دماغك بقيت الأفكار التانية و إفتكر إنك حالف قسم و مجبر تأدي واجبك مع بنت خالك
ضغط "أدهم" علي أسنانه و حاول أن يتذرع بكلمات أمه رغم أنه يعلم أن هذا صعب جدا ..
و بأصابع مرتعشة ، مد السماعة إلي منتصف صدرها
راح يتنقل بتلك القطعة المعدنية عدة مرات متفحصا نبضها ... كان شبه منتظم و متسارعا بعض الشئ ، حيث بدا مثل رفرفة قلب عصفور صغير
ساوره القلق ، فتناول الكشاف الصغير و باعد جفناها بإصبعيه مسلطا الضوء علي عينها ليتفحص بؤبؤيها ..
و ليتأكد من شكوكه قام بقياس ضغطها
كان القياس منخفض للغاية ، فأسرع "أدهم" و عبأ حقنة ، ثم غرسها بذراعها ..
-إنت إديتها إيه بالظبط ؟ .. قالتها "أمينة" بتساؤل و هي تمسح علي شعر إبنة أخيها بحنان
أدهم بصوت آجش :
-ضغطها كان واطي
الحقنة دي هتفوقها دلوقتي
و لما تصحي لازم تاكل و يستحسن يكون في أكلها حوادق خفيفة عشان ترفع الضغط شوية
هزت "أمينة" رأسها بتفهم ، و رأته يهم بالخروج ..
أمينة : رايح فين يابني ؟
أدهم بغضب دفين :
-نازل لعم حسن
هشوفه كان فين لما حصل إللي حصل ده !
كانت صورة ملابسها الممزقة مطبوعة في عقله ، و لأول مرة يشعر "أدهم" بالعنف يعتمل بداخله ... نزل و الشرر يتطاير من عيناه و وقف وسط بحة المنزل
جأر بصوته الغاضب :
-عـــم حســن
يآا عــم حســــن . عـــم حـســــــــــــــــن !!
جاء "حسن" مهرولا :
-دكتور أدهم ! .. خير يا بيه .. كان الرعشة واضحة في صوته
أدهم و هو يرمقه بنظرات محتقنة :
-إنت قاعد هنا ليه يا عم حسن ؟؟؟
عقد "حسن" حاجباه و قال بعدم فهم :
-مش فاهم يا دكتور !
قصد حضرتك إيه ؟!
أدهم صائحا بعصبية :
-إزآاي يا عم حسن و إنت موجود يجي واحد يغفلك و يطلع يتهجم علي ستات البيت ؟؟؟
حسن بذهول :
-بتقول إيــه يا بيه ؟؟؟
و الله العظيم . و حياة عيالي أنا عيني ما بتغفل عن البوابة
لو جه الصبح بفضل قاعد عليها و مابتحركش باكل و بشرب في مكاني و بليل بتكون مقفولة إستحالة حد غريب يدخل
أنا مش خيال مآتة يا بيه
أدهم بغضب شديد :
-أومال ميـــــن إللي طلع من شوية ؟
ميــــــن يا عم حسن ؟؟؟
-إيه يا أدهم ! .. بتزعق كده ليه ؟؟؟ ...... !!!!!!!