وكفى بها فتنه
البارت الخامس والاربعون 45
بقلم مريم غريب
إستأذن "زياد" و والده و رحلا بعد المكالمة التي واتت "أدهم" مباشرةً ...
كانت "أمينة" تقف أمامه الآن ، سألته و القلق يغلف صوتها :
-أختك فيها إيه يا أدهم ؟
كلمتك و قالتلك إيه ؟؟؟
أدهم : و الله يا أمي مش عارف في إيه !
بس هي كانت بتعيط و قالتلي عايزاني ضروري
أنا هنزل أهو و رايحلها أشوف في إيه
أمينة بغير راحة :
-طيب يا حبيبي خد بالك
بالله عليك ماتتعاركش مع جوزها تاني
لو في أي حاجة حصلت هات أختك من إيدها و تعالي بس منغير خناق يا أدهم عشان خاطري
أدهم بصرامة :
-أنا ماليش إحتكاك بالحيوان ده أصلا
أنا رايح عشان أختي مش عشانه
لو مالاقتوش يبقي أحسن
إنما لو لاقيته ربنا يقدرني و أعرف أتجاهل وجوده
-لأ ماتروحش يا أدهم ! .. قالتها "سلاف" برفض شديد
أدهم و هو يلتفت لها :
-ليه يا سلاف ؟
أنا هاروح أشوف إيمان مالها
رمقته بنظرات متوجسة و قالت بصوت مهزوز :
-ماتروحش
أنا خايفة عليك . بليز يا أدهم !
أدهم و هو يمسك بكتفيها :
-ماتخافيش
إن شاء الله راجع بسرعة
هاروح أشوف أختي بس
هي دلوقتي محتاجالي و مقدرش أتجاهلها يا سلاف
حليمة بجدية :
-روح يا أدهم
روح يابني . بس خلي بالك
نظر "أدهم" لجدته و قال :
-إن شاء الله يا تيتة .. ثم نظر إلي زوجته و أكمل بإبتسامة :
-ماتخافيش يا سلاف
بإذن الله خير !
........................
ينزل "أدهم" من المنزل ... يستقل سيارته و يتجه إلي عنوان أخته .. دقائق و يصير أمام البناية التي تقطن بها
أقفل السيارة و مضي للداخل .. أخذ المصعد و وصل لشقتها ، دق الجرس و إنتظر
لتفتح بعد لحظات و تصرخ باكية فور رؤيتها إياه :
-أدهـــم
إلحقني ياخويا ونبي
أنا عارفة إنك مش طايقه بس أنا ماليش غيرك ألجأله
أقف جمبي المرة دي عشان خاطري .. و إنهارت أكثر
أمسك "أدهم" بيديها و أدخلها معه و هو يقول بلطف :
-مالك بس يا إيمان ؟
إستهدي بالله كده و فهميني بالراحة
أنا معاكي أهو يا حبيبتي مش هاسيبك إطمني
كانت طفلتها تلعب بالداخل ، عندما رأت خالها الذي لم تراه من قبل أبدا جمدت و تركت ألعابها تسقط علي الأرض بجوارها ... ظلت تتطلع إليه بفضول فقط ..
-كلموني من شوية مافهمتش منهم حاجة .. قالتها "إيمان" بصوت تمزقه الدموع
أدهم بإهتمام :
-هما مين دول إللي كلموكي يا إيمان ؟!
إيمان و هي تجاهد لتخرج كلماتها واضحة :
-فجأة و أنا قاعدة بأكل لمى
موبايلي رن
كان سيف .. رديت عليه
بس حد تاني رد عليا
سألته فين جوزي . قالي في طوارئ دلوقتي و هنبقي نكلمك بعدين
أنا مش عارفة يعني إيه طوارئ دي يا أدهم
مش عارفة سيف ماله
بالله عليك شوفهولي . عشان خاطري ياخويا
أنا أختك
ماتسبنيش واقفة لوحدي
أدهم و هو يهدئها :
-بــس يا إيمان
بس يا حبيبتي إهدي أنا جمبك أهو
أنا معاكي مش هاسيبك و الله
و هنا بكت الصغيرة ، و لكن "إيمان" كانت في وادٍ أخر و لم تكن حالتها سامحة للتعامل مع أي شئ ..
مضي "أدهم" صوب إبنة أخته و حملها بسهولة و هو يتمتم بحنان :
-شششش يا حبيبتي
ماتعيطيش يا لولو
خالو معاكي ماتخافيش .. و قبل رأسها الصغير و هدأت الطفلة في الحال
يدق هاتف "إيمان" في هذه اللحظة ، فتهرع إليه و ترد متلهفة :
-ألووو !
إنضم "أدهم" إليها مسرعا ، و أخذ يراقب تغيرات ملامحها بقلق ... و فجأة سقط الهاتف من يد "إيمان" و راحت تصرخ بقوة و هي تقفز و تتشنج في مكانها :
-لأااااااااااااا
سيــــــــف لأااااااااااااااا . سيــــــــــــف
فشلت جميع محاولات "أدهم" لتهدئتها و فهم ما حدث منها ، ليندمج صراخ الأم بصراخ طفلتها
و يبقي "أدهم" حائرا بينهما ، لا يعرف ما عليه فعله ...
................................
في شقة "أمينة" ... الجميع يجلس علي أعصابه ، في إنتظار أقل شئ يطمئنهم
ليدق جرس الباب و يكسر السكون
ركضت "سلاف" لتفتح ، و ظهرت "راجية" من خلف الباب و الإبتسامة المصطنعة تملأ وجهها ..
-إزيك يا سلاف يا حبيبتي ؟ .. قالتها "راجية" علي مضض
سلاف بحذر :
-إزيك يا طنط
إتفضلي !
راجية و هي تخطو للداخل :
-أنا بس سمعت إن شوشو جالها عريس و كان في زيارة إنهاردة
قلت أنزل أسأل علي بنت أخويا و أعتب علي أمها
مش كان المفروض عماتها يبقوا حاضرين بردو يا أمينة ؟
نظرت "أمينة" لها و قالت بحدة :
-أخوها حسه في الدنيا يا راجية
ربنا يخليه هو راجلنا و مكفينا مش محتاحين حريم في القعدات إللي زي دي
راجية بحدة مماثلة :
-و هو حد قال حاجة علي أخوها
أنا بقولك الأصول . كان لازم تعرفينا علي الأقل يا . يا مرات أخويا
أمينة و قد إشتغل غضبها الدفين :
-بقـولـك إيـــه يا رآاجية
إنتي بالذات تكتمي ياختي و ماتتكلميش عن الأصول
و يستحسن كمان تخليكي في حالك و مالكيش دعوة بأولاد أخوكي
كفاية يا حبيبتي إللي عملتيه و خليكي في حالك بقي
لا تإذينا و لا نأذيكي
راجية بتبجح :
-جرا إيه يا أمينة
ما تقفي عوج و إتكلمي عدل . حد داسلك علي طرف يا حبيبتي ؟
و بعدين ماتكونيش فاكرة إني هسكتلك كل مرة لما تحبي تهذأيني إنتي و أمك
لاااا يا حبيبتي
أنا عندي لسان بردو و بعرف أرد بس هو الإحترام إللي مسكتني
حليمة بصوت جهوري حاد :
-و إنتي تعرفي إيه عن الإحترام يا راجية ؟
ده إتضح إنه ماعداش من جمبك أصلا
يا قليلة الأصل
يا إللي روحتي تسحري لإبن أخوكي و مراته يا واطية
راجية بحنق شديد :
-إحترمي نفسك و سنك يا حجة حليمة
أنا بحذرك من الكلام و التهم إللي بترميها عليا
و رحمة أمي ما هسكتلك
أمينة بغضب :
-طيب إتفضلي برآاا بقي
و البيت ده ماتدخليهوش تاني أبدا يا راجية
و الله في سماه مانتي معتية البيت ده تاني و يا أنا يا إنتي يا سحارة يا بتاعة الأعمال
و كان رد "راجية" وشيكا ، لولا رنين هاتف "عائشة" ..
عائشة بتلهف :
-ده أدهم ! .. و ردت :
-أيوه يا أدهم .. إيه إللي حصل يا حبيبي طمني !
إيمان مالها ؟ .. و مين إللي بيصرخوا جمبك ؟
إيـــه ؟ يتقول إيـــه ؟
ميـــن إللي مــآاات ؟؟؟؟؟
صدرت همهمات الصدمة عن الجميع و شحبوا كليا ...
لتحثها "سلاف" بشئ من العصبية :
-في إيه يا عائشة ؟؟؟
أدهم بيقولك إيــه ؟
مين ده إللي مـات ؟؟؟؟؟؟؟؟
نظرت "عائشة" إلي عمتها و قالت بصدمة :
-سيــــف !!
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
بعد مرور إسبوع ...
ينتهي العزاء
و يسدل الستار الأسود علي منزل آل"عمران" ..
نقلت "راجية" إلي مشفي لتتلقي علاج نفسي بعد إصابتها بالصدمة العصبية نتيجة لموت إبنها ، لم تكمل هناك يومان و تم نقلها لمشفي أخرى بعد إصابتها بالشلل الرباعي من شدة حزنها و إنفعالها المستمر
عاد زوجها السيد "حسين عزام" ليأخذ بعزاء إبنه ، قرر أن يستقر هنا و يقوم بتصفية أعماله بالخارج من أجل أولاده .. و ظل بجوار زوجته ، لم يتركها في هذه المحنة و أظهر إهتمامه بطرق علاجها المتاحة
إما "إيمان" ... فعادت إلي المنزل هي و إبنتها مع أخيها
إلتزمت غرفتها ، لم تخرج منذ الحادث و لم تفه مع أحد بكلمة واحدة .. زاد شعور "أمينة" بالحسرة عليها و غمرها اليأس و هي ترى إبنتها تذبل و تكاد تذوى أمامها يوما بعد يوم
و ليس بيدها شئ ..
كانت "عائشة" الوحيدة التي تستطيع التواصل معها ، و كانت "إيمان" تقبل الطعام عندما تضعه "عائشة" بفمها
و لكنها لم تكن تأكل سوى ما يسد رمق جوعها
تمسكت "إيمان" بالحياة من أجل إبنتها فقط ... رغم إنها تحللت من جميع مسؤوليتها هذه الفترة ، لتتولاها "سلاف" و تهتم بها
كم أحبت هذه الصغيرة و شعرت بالألفة و الأمومة معها سريعا ، راق لها كثيرا أن تختبر شعور الأم و الأطوار التربوية قبل أن تأتي بوليدها
إعتبرت هذا تدريبا جيدا و أتي بوقته ، رغم صعوبة مسبباته ...
...........................
كانت "سلاف" تجوب الشقة بـ"لمى" الصغيرة لتساعدها علي النوم ...
و إصطدمت بزوجها ليقول لائما :
-100 مرة قولتلك ماتشليش حاجة
لأ و رايحة جاية بالبنت في الشقة كلها
إنت ناسية إنك حامل ؟؟!!
سلاف بلطف :
-إهدا شوية يا حبيبي
مالك بس ؟
دي طفلة صغيرة و بعدين مش تقيلة عليا
أدهم : تقيلة خفيفة ماتشليش حاجة
هاتيها كده
مش هي عايزة تنام ؟
أنا هنيمها .. و أخذ الصغيرة منها
ضمها إلي صدره بحنان و هو يهدهدها بصوته العذب ، لتنظر "سلاف" له و تقول بإبتسامة :
-شكلكوا حلو أووي مع بعض
إنت هتبقي بابا حلو خالص يا أدهم
إبتسم "أدهم" و قال :
-ما أنا أبوها بردو يا سلاف
مش بيقولوا الخال والد ؟
لمى بقت بنتي خلاص
ربتت "سلاف" علي كتفه و قالت بصوتها الرقيق :
-ربنا يخليك لينا كلنا يا حبيبي
و يصبر إيمان
صحيح إنت لسا ماقولتلهاش سيف مات إزاي ؟
أعتقد هي الوحيدة إللي ماتعرفش الصدمة وخدها يا حبيبتي
أدهم بجدية :
-لأ طبعا و مش هقولها
يا ريت هي ما تسألش أصلا
عايزاني أقولها إيه يعني ؟ إن جوزها كان في شقة مشبوهة و مات بجرعة مخدرات زايدة ؟
أستغفر الله العظيم
ماتجوزش عليه غير الرحمة دلوقتي
سلاف : طيب هتعمل إيه في موضوع عائشة ؟
أنا شايفاك ساكت و ماقولتش كلمة واحدة من ساعة موت سيف !
أدهم : يعني أعمل إيه مش فاهم ؟
إنتي شايفة إن ده وقته يعني عشان نتكلم في فرح و جواز ؟
سلاف بشئ من التوتر :
-لأ مش قصدي
بس أنا حاسة إن عائشة مضايقة
فكتت بقول يعني آا ..
-ماتقوليش حاجة ! .. قاطعها "أدهم" بصرامة و أكمل :
-الموضوع مقفول لحد ما نجتاز المحنة دي
إيمان لسا مش متوازنة و غرقانة في حزنها
إحنا في إيه و لا في إيه ؟
لما إيمان تتحسن نبقي نشوف موضوع عائشة إن شاء الله
سلاف و هي تتمتم بخفوت :
-خلاص يا أدهم إللي تشوفه
تنهد "أدهم" بحرارة و قال :
-طيب
إتفضلي معايا علي الأوضة عشان تستريحي شوية
معاد الدكتورة كمان ساعتين يدوب تريحي ساعة و تتغدي و بعدين نمشي
سلاف بإبتسامة :
-أوك
و الله بحبك يا دومي
أدهم بحب :
-و أنا بعشقك
إنتي قلبي أصلا يا سوفا
قدامي علي الأوضة بقي عشان ماتعصبش عليكي
سلاف و قد تلاشت إبتسامتها :
-إنت بقيت Aggressive أووي من ساعة ما عرفت إني حامل
فين رومانيستك ؟؟؟
أدهم بنعومة :
-ما كل إللي بعمله ده عشان مصلحتك يا حبيبتي
أنا خايف عليكي و علي النونو بتاعنا
ده أنا مستنيه بفارغ الصبر
سلاف : إمممم قول كده
يعني خايف علي إبنك أووي مش كده ؟
طيـــب إبقي شوف مين إللي هينام معاك إنهاردة
أنا إنهاردة في أوضة نناه
خليك مع الوسادة الخالية بقي .. و تركته و مضت إلي غرفة جدتها
أدهم و هو يمشي خلفها :
-إستني يا سلآااف
أنا مقصدش و الله
ده إنتي إللي بقيتي حساسة أوي من بعد الحمل .. و تمتم لنفسه بضيق :
-إبتدينا دلع الحوامل بقي ! .... !!!!!!!!!