البارت التاسع عشر 19 الجزء الثاني
بقلم نورا عبدالعزيز
قدم العسكري كوب من الليمون لهذا الرجل المُسن والضابط يتحدث بلطف ونبرة هادئة:-
-أشرب والحمد لله أنها مطلعتش بنتك دا معناه ان في أمل أن نلاقي بنت حضرتك والجثة دى مش ليها...
فتح باب المكتب بطريقة جنونية ودلف "جمال" بحالة يُرثي لها، رفع الضابط نظره إلي هذا الرجل الذي رغم فوضوية ملابسه وشعره المهمل ألا أن هيئته ما زالت توحي بثراء ومكانته، طلته تحمل مكانته دون ان يتفوه بكلمة، عاد الضابط بظهره للخلف بأسترخاء وقال:-
-أنت مين؟
-جمال المصري فين مريم؟
قالها "جمال" بتلعثم شديد وخوف من رؤية الجثة بينما وقف الضابط من مكانه بضيق فور ذكر أسمه وتقدم نحو "جمال" ببرود يثير أعصاب "جمال" ويكاد يفقدها على هذا الرجل، في هذه اللحظة دلف "تيام" مع "جابر" هو الأخر إلى المكتب فتحدث الضابط بنبرة حادة غليظة حين قال:-
-هات له مراته من الحبس يا حاتم
أزدرد "جمال" لعابه بأختناق وقشعر جسده بأنتفاضة قوي فإذا كانت "مريم" بالحبس كيف له أن يخبره عن جثتها فلم يتمالك أعصابه أمام هذا الرجل ولكمه بقوة ليسقطه على المكتب صارخًا به:-
-وأنا هقتلك فى أيدي دلوقت
هرع "تيام" إليه ومعه "جابر" بصدمة ألجمتهما من جنون "جمال" لطالما يعرف عنه أنه ذكي ويتحكم بغضب وهادئ لكن الآن فقد أعصابه على ضابط شرطة وداخل القسم، أبعده عن الضابط الذي جن جنونه هو الأخر بعد تعرضه للضرب وقال:-
-أنت بتمد أيدك عليا يا حيوان ورحمة أمي ما أنت طالع من هنا
لم يفض شجارهما إلا عندما ذهبوا إلى مكتب رئيس المباحث وحينما رأي وجه جمال وملابسه الفوضوية حتى شعره ودموعه التى لم تتوقف طيلة الطريق تركت أثرها على وجهه، أخبره "جمال" بأتصل الضابط وموت زوجته فنظر "رئيس المباحث" إلى الضابط وقال:-
-مش تخلي بالك وأنت بتنقل الأخبار، خبر زي دا مينفعش الغلط أو الهزار فيه
فتح باب المكتب ودلف العسكري معه "مريم" وهكذا "مسك"، رأت "مريم" زوجها واقفًا لم يجلس من خوفه فهرعت إليه من يد العسكري تعانقه بقوة وتختبي به من قساوة العالم، طوقها "جمال" بيديه الأثنين بقوة وتنفس الصعداء بأريحية فور دخولها إلى حضنه وأستنشاق رائحتها حتى خمدت نيران قلبه المرتعبة، أخرجها من بين ذراعيه ونظر إلى وجهها بقلق وسأل بلطف:-
-أنتِ كويسة؟ حد عمالك حاجة؟
هزت راسها بلا ودموعها تتساقط بخوف مما رأته، أقترب "تيام" من "مسك" وكانت يدها مجروحة بعد أن مسكت السكين قبل أن يأذي "مريم" وشجارها مع هؤلاء الشباب، سألها "تيام" بقلق شديد:-
-حصل أيه؟ مين اللى عمل فيكي كدة؟
أجابه الضابط بأستهزاء وأشمئزاز منهم بعد أن تعرض للتوبيخ بسببهما من رئيسه قائلًا:-
-متقلقش عليها لازم تقلق على الشباب اللى كانوا معاهم لأنهم فى المستشفي ورافضين الصلح وبكرة الصبح الهوانم هيتحولوا على النيابة، ألتف "جمال" إلي هذا الرجل وقد فاض به الأمر وأخفي زوجته المدللة خلف ظهره وتحدث بتحدي وقوة:-
-مين اللى هيتحول للنيابة؟ بغض النظر عن سلطتك كضابط شرطة لكن جرب تسأل عن سلطة جمال المصري وبعدها قرر إذا كانت مريم ممكن تقعد هنا ساعة كمان أو لا مش تتحول للنيابة
نظر إلى رئيس المباحث بحدة فأبتلع لعابه بأرتباك من سلطة "جمال" وإذا طلب محاميًا للدفاع عن زوجته سيهدم القسم من عددهم، نظر "تيام" إلي زوجته بعد أن ضربت هؤلاء الشباب وأدخلتهم المستشفي بحالة حرجة فتبسمت "مسك" بعفوية وقالت بهمس إليه لا تبالي بأى شيء سوى متعتها بعد أن ضربت هؤلائء الأوغاد الذين حاولوا الأعتداء على صديقتها:-
-متقلقش، لازم تقلق عليهم هم يا مُتيمي
كز على أسنانه من شجاعتها التى تتحكم بها، دومًا ما تتحدث بلكمتها بدلًا من لسانها، أتصل "جمال" بمحاميه "راغب" ليأتي إلى القسم وأقدم معه "عاشور" والحراس وهكذا "شريف"، وفى طريقهم للقسم أخترق "جين" كاميرات المكان كاملًا حتى رصد "مريم" وخصيصًا من كاميرا سيارتها "جينا" ، جلس "راغب" أمام رئيس المباحث والضابط ثم قال:-
-ومين قال أننا عايزينهم يتصالحوا، بالعكس إحنا عايزين المحضر يوصل للنيابة وبالدليل اللي قصاد حضرتك هنثبت تهمة الأعتداء وأن اللى عملته دكتورة مسك وضرب مدام مريم لواحد فيهم مجرد دفاع عن النفس
نظر الضابط إلى تسجيل الكاميرا الخاص بسيارة "مريم" ورأي الشباب وهم يهددوها ويحاولون الأقتراب منها ولمس جسدها وكيف ضربتهم "مسك" وساعدتها "مريم" بكسر زجاجة على رأس أحدهن، تبسم "جمال" خلسًا على جراءة زوجته ومن أين جاءتها الشجاعة على ضرب رجل بزجاجة دون خوف، أخذها "جمال" من القسم وترك "راغب" يكمل التحقيقات، نظرت "مريم" إلى وجهه فى السيارة وأبتلعت لعابها بقلق من غضبه وملامحه التى تكبح الكثير والكثير، فقالت بهدوء:-
-جمال أنا ....
أنفجر صارخًا بها بانفعال جنونية قائلًا:-
-أنتِ أيه؟ مغلطتيش ولا مسمعتيش كلامي ليه؟ مين اللى سمح لك يا مريم تروحي مكان زى دا، خلاص كل شوارع مصر خلصت ملقتيش غير الكورنيش والقرف اللى فيه وتروحيه
دمعت عينيها بحزن من لؤمه لها وأتهامها بأنها السبب وليس هؤلاء الحمقي الذين تقربوا إليها فصرخت بأنفعال هي الأخري قائلة:-
-أنا اللى قولت لأني ملت يا جمال، ملت من طول الوقت تحت عينيك ورجالتك محوطيني فى كل مكان حتى أنفاسي قربت تعدهم عليا، زهقت وتعبت من أنى معنديش القدرة أني أعمل اللى نفسي فيه ولا أروح مكان ما أحب، تعبت من مراقبتك ليا طول الوقت وكأني مسجونة معك يا جمال، حتى صحابي... أنا حتى معنديش صحاب فالأول كنت مجبرة أكون صداقة مع إصالة سكرتيرتك لأني معرفش ومش متاح ليا غيرها وأول مرة أكون حرة يا جمال مع مسك أول مرة يكون عندي أصحاب وأنا أتخنقت من قيودك ليا
أوقف السيارة مُندهشة من حديثها لأول مرة تخبره بأنها لا تطيق حياتها معه وملت من تحكماته الكثيرة بها، نظر إليها مصدومًا من كلماتها وقال بتلعثم:-
-تعبتي وزهقتي مني، براقبك يا مريم!! مريم أنت لما قررتي تبعدي عن نظري روحتي فين؟ روحتي القسم يا مريم ومش محتاجة أفكرك لما بعدتي عن نظري قبل كدة روحتي فين؟ فاكرة حمزة خطفك أزاى وقت لما بعدي عن عيني وسارة أزاى أذيتك يا مريم وفريدة عملت اللى عملته فيكي أمتى وقت لما بعدتي عن نظرى يا مريم، أنا كل اللى بعمله بحميكي وبخاف عليكي وأنتِ زهقتي وملتي مني
ضربت تابلوه السيارة بيديها بغضب شديد هستريةوقالت بأنفعال:-
-أصلًا من يوم ما قابلتك وأنا حياتي فى خطر وتعيسة وكل مرة بخسر أنا يا جمال، أنا ملت وتعبت
ألتفت إليه لتراه مصدومًا من انفعالها وضربها ليديها بهذه القوة وحدقت بوجهها ثم تحدثت بألم ونبرة خافتة جريحة قائلة:-
-سيبني يا جمال، طلعني من تحت عينيك لأنى حياتي ملكي أنا وأنا مش جارية عندك ولا تحت أمرك
ترجلت من السيارة غاضبة وتبكي، ترجل "جمال" بخوف عليها رغم حديثها القاسي إليه ليراها تصعد بسيارة "عاشور" فتنهد بهدوء وأنطلق للقصر وخلفه سيارة "عاشور" والحرس، ترجلت "مريم" منها وصعدت إلي غرفتها باكية تحت ناظره..
مُنذ أن جاءت من المستشفي وهى لم تتحرك من فراشها، أقترب "حسام" من الفراش وصعد خلفها ليطوقها بذراعيه ويضمها إليه فتنهدت "جميلة" بهدوء وظلت ساكنة تعطيه ظهرها فهمس إليه بلطف:-
-جميلتي
لم تتفوه بكلمة واحدة ليقول بلطف:-
-كلمينى يا جميلة، أنا مشتاق لصوتك وكلامنا مع بعض، بالله عليكي قلبي واجعني من سكوتك وحالة الصمت دى، كلميني يا حبيبتي وقوليلي جواكي أيه، بتفكري في أيه؟
ألتفت إليه بهدوء وطوقته بذراعيها ودفنت رأسها فى صدره بحزن ثم جهشت باكية كأنها كانت تنتظر أن تختبيء بداخله لتتطلق العنان لدموعها وأحزانها، مسح على رأسها بلطف وتركها تبكي حتى تهدأ تمامًا لكنها لم تهدأ بل ظلت تبكي وتبكي حتى فقدت وعيها من أنقطاعها عن الطعام والحزن الوخيم بداخلها مما جعله ينتفض ذعرًا وحزنًا على محبوبته فربت على وجنتها بحنان يناديها بقلق:-
-جميلة. حبيبتي ردي عليا
كانت لا حول ولا قوة لها فضمها بقوة إليه مُتشبثًا بها ودموعها تنهمر على وجنتيه من حالة زوجته المنهارة كليًا .
ظلت "مريم" تحت صنوبر المياه الدافئة وتبكي حتى أختلطت الدموع بالمياه ولم يعد بأستطاعتها التفرقة بينهما، تتذكر ماضيها كاملًا وكل ذكرياتها معه، قلبها لم يكف عن الألم بسبب قسوتها فى الحديث وما زالت تري دموعه فى مُخيلتها كليًا أثناء حديثها، خرجت من المرحاض حزينة لتراه نائمًا على الأريكة صامتًا ومغمض العينين، ذهبت إلي الفراش وصعدت به فى صمت وأغمضت عينيها رغم دموعها التى تذرف على وسادتها، لم تغفو له عين وعقله يتكرر كلماتها بأستمرار، شعر بدفئها وفتح عينيه ليراها تنام جواره على حافة الأريكة مُتشبثة بخصره جيدًا وتغمض عينيها، تنهد "جمال" بتعب من طفلته الباكية كلما تشاجرت معاه بقسوة كلما ركضت إليه تختبي من حزنها وقسوتها بين ذراعيه، أبتعد عنها بغضب شديد يحتله هذه المرة ثم حملها على ذراعيه وأخذها إلى الفراش ففتحت "مريم" عينيها ببطيء لتراه ينزلها برفق على الفراش وكادت أن يذهب، تشبثت بيده بكلتا يديها فألتف "جمال" إليه ناظرًا إليها لتقول بهدوء:-
-جمال خليك، أنا مش هسيبها لكن لو مضايقك ممكن تشدها منى
نظر إلي يده التى قصدتها، فكر كليًا أيسحبها ويذهب أم يتركها مُتشبثة به وتحتضنها بيديها الأثنين كطفلة صغيرة، أغمضت عينيها بهدوء تاركة القرار إليه، رأي كدمة يدها بعد أن ضربت التابلوه بقوة فجلس جواره ووضع يده الأخري فوق يدها المتورمة بدفء لتهدأ "مريم" ثم قال بخفوت:-
-لو تعبتي مني وزهقتي، إذا كان أنتِ اللى طلبتي أسيبك... ليه يا مريم؟
فهمت قصده وفتحت عينيها ترمقه بحزن شديد وألم فى قلبها يمزقها بسبب قسوتها عليه فقالت بلطف:-
-لأن مستحيل تغمض ليا عين بعيد عنك يا جمال، أنا قطعة من روحك معقول أعيش من غيرك، معلش أستحمل عصيبتي يا روحي والله ما كان قصدي أجرحك يا جمال، أنا بس تعبت من الخطر اللى حواليا حتى حياتي مش قادرة أعيشها زى ما أنا عايزاه
رفع يده التى تتحضنها بقوة ليقبل يدها المتورمة بلطف غاضبًا مما حدث إليها، لم تتحدث بكلمة واحدة أكثر فأقتربت "مريم" أكثر ووضعت رأسها فوق قدميها وأغمضت عينيها ليسحب الغطاء عليها بحرص حتى لا يصُيبها المرض، لما يبالي لشيء سوى أمان زوجته وحمايتها وقلبه العاشق يتمزق أربًا بسبب حزنها وبكائها.
وصل "جابر" إلي شقته ورأها تجلس على الأريكة غاضبة رغم صمتها وتحمل فى يدها كوب من النسكافيه لم يتبقي به سوى رشفة واحدة فهرع إليها بذعر وقال:-
-أنتِ
تحدثت "غزل" بنبرة خافتة وهى تقاوم دوران رأسها ثم قالت:-
-لتكون فاكر أنى ممكن أقبل بقرارك وحبسك ليا، حتى إذا مت يا جابر أنا مستحيل أقبل بالقوة
سقطت على الأريكة تسارع مفعول الكافيين داخل جسمها، رفع "جابر" رأسها بذعر وخوف عليها، سألها بذعر شديد:-
-أنتِ مجنونة؟ أنتِ بتنتحري يا غزل
تمتمت "غزل" بصعوبة وصوت مبحوح قائلة:-
-اه إذا كان موتي هيريحك
أنتفض جسدها البارد بين يده فحملها "جابر" على ذراعيها بخوف وأنطلق بسيارتها كالمجنون للمستشفي وهى بجانبه فأخذ يدها فى يده بقوة خائفًا أن يُصيبها شيء فقالت بتمتمة شبه فاقدة للوعي:-
-مش كنت عايز تخلص من مصيبة زى
رفع يده بيدها إلى فمه وقبلها بخوف فرمقته "غزل" بدهشة من فعلته وهى تشعر بدفء شفتيه على أصابعها وأغمضت عينيها كليًا بعد أن فقدت وعيها تمامًا ليضغط على البنزين مُسرعًا وتخطي كل الحواجز وإشارات المرور كليًا لأجلها حتى وصل إلي مستشفي القاضي وأستلمها الأطباء منها وأخذوها للفحص .....
جلس "جابر" أمام غرفتها ينتظر على أحر من الجمر أن يطمئن عليها ويبعثر شعره بفوضوية من عجزه على فعل شيء لها، قليلًا وخرج الطبيب يطمئنه عليها فدخل "جابر" إليها ورأها على الفراش مغمضة العينين ، جلس جوارها بهدوء وتنفس بأريحية بعد رؤيتها، رفع يده لكي يحتضن يدها لكنه توقف بخوف وظل ينظر إلى يدها ثم وجهها الملاكي لطالما تحمل مسئوليتها وقلق لأجلها، شعوره بالغيرة كلما أقرب رجل منها وشعور الخوف الذي يصيبه كلما تعرضت للخطر، راجع ذكرياته معها مُنذ أول لقاء مما أربكه كليًا وضربات قلبه التى هزت كيانه أرعبته ليُدرك ولأاول مرة أنه وقع فى غرام هذه الفتاة الكارثية، لم يتحمل فكرة أن رجل خمسيني مثله سقط فى الحُب مع فتاة تصغره بكثير رغم أنها ليست بمراهقة بل تملك من العمر 35 عام لكنه أرتعب من هذه المشاعر، لم يجرأ على لمس يدها بل وقف من مكانه لكي يغادر ودُهش عندما مسكت "غزل" يده تمنعه عن الرحيل فنظر إليها، أبتلعت لعابها بتعب ثم قالت:-
-أنت جبان يا جابر
نظر إلي يدها التى تحتضن يده وأدرك أنها كنت متيقظة مُنذ دخوله ورأت خوفه من المشاعر التى بداخله، تنهد بهدوء ولا يعلم ماذا يقول لها أو كيف يخبرها بما يشعر به؟، أبعد يدها عنه بقسوة ثم قال:-
-حمد الله على سلامتك وإذا كان وجودي هو السبب فى أنك تأذي نفسك وتيجي هنا فأنا أسف ليكي يا أنسة غزل
غادر الغرفة لتبكي "غزل" بضيق من جُبنه وصرخت بغضب سافر:-
-مش مقبول أنا مستحيل أقبل أسفك يا جابر
أغلق باب الغرفة بعد أن سمع كلماتها ولم يهتم لبكاء، وقف أمام الغرفة وأتصل على "تيام" كي يرسل زوجته لتعتني بأختها وفور وصول "مسك" سألته بقلق:-
-فى أيه يا جابر؟ حصل أيه؟
-أتفضلي أدخلي لها
قالها ببرود ثم غادر المستشفي كليًا تاركًا خلفه فتاة تبكي بأنهيار بسبب مشاعره المتجمدة، قلبها مفطورًا بسببه، وصل إلي سيارته وقبل أن يفتح باب المستشفي رن هاتفه برقم "مسك" ليجيبه لكنه سمع صوتها هى هذه الفتاة التى سرقت قلبه بعد هذا العمر كله تقول:-
-إذا كنت جبان يا جابر فخليك جبان للأخر، أنا بحبك
أنتفض قلبه بقبضة قوية من كلمتها الأخيرة بعد أن اعترفت له بحقيقة مشاعره، ظل صامتًا لم يجيب عليها بحرفٍ واحدٍ لتقول "غزل" بغيظ شديد:-
-أنتِ مبتحبنيش صح؟
أبتلع لعابه بأرتباك وضربات قلبه تتسارع بجنون فقالت بسخرية من جبنه :-
-جبان ولا مبتحبنيش بجد؟ لو مبتحبنيش يبقي أكيد مش هيهمك سواء مت أو لا، حتى لو رمين نفسي من هنا مش هيفرق معاك صح؟
أتسعت عينيه على مصراعيها بصدمة ألجمته وهى تهددوا بموتها وسرعان ما ترجم عقله كلماتها ورفع رأسه للأعلي ليراها تقف على حافة السطح وعلى وشك السقوط من الأعلي ليتقدم خطوة للأمام بخوف عليها وقال بهدوء مُتلعثمًا:-
-غزل ... إياك ....
قاطعته حين تركت العنان لحذاءها بأن يسقط أمامه فأنتفض رعبًا عليها ثم قال:-
-أرجعي يا غزل
قهقهت ضاحكة عليه ودموعها لم تقف على وجنتيها ثم قالت بغضب سافر منه:-
-لسه بتأمرني؟ بأى صفة بتدينى أمرك يا جابر؟ إذا كنت مبتحبنيش يبقي مش هيفرق أموت أو أعيش وأصلًا حياتي متخصكش
لم يبالي لكلماتها فهرع ركض إلي الأعلي بجنون، ضغط على زر المصعد لكنه لم يقوى على الأنتظار أمام جنون هذه الفتاة فأخذ الدرج ركضًا إلي الأعلي وضربات القلب أعلنت الحرب بداخله وقد نشبت بالفعل عندما رآها بالأعلي على حافة الموت، تنفس بصعوبة حتى وصل إلى الأعلي وفتح باب المصعد يلهث بجنون ليراها تجلس على حافة السطح لا تبالي لسقوطها، أقترب بأنفاس متقطعة ووضع الهاتف فى جيبه بأريحية لرؤيتها سالمة فقال:-
-أنا لحد أمتى مضطر أتحمل جنانك
نظرت بجوارها ببرود وشعرها يتطاير مع نسمات الهواء الباردة وهى ترتدي زى المرض تي شيرت بنصف كم وبنطلون وردي، أقترب أكثر منها وهو ينزع سترته ووضعها على كتفها وظهرها فأدارت رأسها إليه وهو قريبًا هذا القدر منها لتتقابلا عينيهما معًا فقالت:-
-لو مبتحبنيش فمعناه أيه اللى شايفاه فى عيونك يا جابر؟
نظر مُطولاً إليها فى صمت لتهرب دمعة من جفنيها تشق طريقها إلي وجنتيها وأنقبض قلبه من دمعتها كأنها سقطت على قلبه تؤلمه فضمها إليه دون أن يتفوه بكلمة واحدة فتشبثت "غزل" به بقوة كأنها لا تقبل بالبُعد بينهما فقالت بتمتمة بين ضلوعه بصوت مبحوح:-
-جاوبني يا جابر، قولتلك بحبك
أخرجها "جابر" من حضنه ونظر إلي وجهها ثم قال.