وكفى بها فتنه البارت الخامس 5 بقلم مريم غريب


وكفى بها فتنه
البارت الخامس 5
بقلم مريم غريب




إستيقظت "سلاف" من النوم و هي تنظر حولها بإستغراب ... و لكنها سرعان ما تذكرت أنها جاءت إلي مصر و أصبحت تعيش بمنزل عائلة والدها مع جدتها و عمتها

سحبت هاتفهها بسرعة و نظرت إلي الساعة ، زفرت بإرتياح .. ما زال الوقت باكرا ، لم يتجاوز الثامنة بعد

قامت "سلاف" من سريرها ، كانت ترتدي بيچامة قصيرة جدا عليها رسومات فئران ديزني .. و لكن رغم ذلك زادتها إثارة لا طفولية

أخذت منشفتها و خرجت من غرفتها إلي الحمام ... غسلت وجهها .. فرشت أسنانها بقوة ، ثم عادت إلي غرفتها ثانيةً في هدوء و صمت تام

فتحت خزانتها و راحت تنقب عن شئ مناسب لترتديه في هذا النهار الصيفي .. إختارت "سلاف" بنطلونا من الچينز الأزرق من فئة الممزقات إتباعا لموضة العصر ، و إرتدت فوقه كنزة سوداء ضيقة بحمالتين رفيعتان مطعمة ببعض النقوش الذهبية

إنتعلت حذاء رياضي إسود ، و تركت شعرها الطويل ينسدل حرا علي طول ظهرها .. و أخر شئ نثرت عطرها المفضل Little Black Dress بغزارة شديدة ، ثم أخذت حقيبة ظهرها و خرجت من الغرفة ..

وجدت الجميع يجلس علي مائدة الفطور

و يبدو أنهم كانوا في إنتظارها ..

-صباح الخير ! .. قالتها "سلاف" بإبتسامتها المشرقة

الجميع : صباح النور

أمينة : تعالي يا حبيبتي أحنا مستنيك لسا محدش مد إيده علي الأكل لو ماكنتش سمعتك بتتحركي من شوية كنت بعتلك شوشو من بدري عشان تصحيكي لميعادك مع حلا

سلاف و هي ترمق "أدهم" بنظرة خاطفة :

-أنا صحيت بدري يا عمتو
دايما بصحي بدري

تسللت رائحتها الآن و مرة ثانية إلي أنف "أدهم" ... توتر في جلسته ، و رأت "سلاف" ظهره يتصلب شيئا فشئ

غريب !

ما مشكلته هذا الأدهم ؟ إنه حتي لم يراها بعد ؟ أيكره سماع صوتها أيضا ؟؟؟

-تعالي يا حبيبتي أقعدي جمبي واقفة ليه ؟ .. قالتها "حليمة" و هي تتطلع إليها بسرور كبير

إبتسمت "سلاف" لها و مضت لتجلس بجانبها ..

قوة خفية مغناطيسية جعلت أنظار "أدهم" ترتفع في فضول حتي يستطيع التعرف عليها أكثر ... و لكن بدلا من ذلك جحظت عيناه بصدمة عندما شاهدها و هي ترتدي هذا اللباس

غض بصره بسرعة عاقدا حاجبيه بغضب شديد ، كان يعتزم تناول فطوره ، لكنه الآن إكتفي بالعبث في طبقه و التظاهر بأنه يأكل و كأن شيئاً لم يكن ..

-هترجعي إمتي يا سلاف ؟ .. قالتها الجدة بتساؤل

سلاف : مش عارفة يا نناه . ممكن لو عرفت أفضل أكون مع حلا أبقي أرجع معاها لكن لو ماعرفتش هرجع لوحدي بقي

عائشة بإهتمام :

-هترجعي لوحدك إزاي و إنتي مش حافظة السكة ؟!

سلاف و هي تهز كتفاها بخفة :

-ساعتها هاخد تاكسي و هخلي حلا توصفله العنوان

تقوم "أمينة" في هذه اللحظة قائلة :

-طيب أنا ثواني و جاية .. و توجهت إلي غرفتها ، ثم عادت بعد لحظات قصيرة

-خدي يا سلاف ! .. قالتها "أمينة" و هي تمد يدها ببعض النقود لإبنة أخيها

سلاف بأستغراب :

-إيه ده يا عمتو ؟!

أمينة : فلوس يا حبيبتي . خليهم معاكي أكيد هتحتاجيهم

سلاف بإبتسامة :

-شكرا يا عمتو بس أنا معايا فلوس
أنكل نايف محامي بابا قبل ما أجي حولي دراهم لجنيهات مصري . إطمني أنا معايا فلوس كتير بابا كان سايبلي مبلغ علي جمب غير إللي في البنك إللي مش هعرف أصرف منه قبل ما أتم السن القانوني

أمينة : كل ده علي عيني و راسي يا حبيبتي . بس المصروف إللي هتاخديه مني مالوش دعوة بأي حاجة
أنا مش قولتلك إمبارح إني بقيت مكان أبوكي ؟

سلاف بتردد :

-بس آ ..

- مابسش .. قاطعتها "أمينة" بصرامة ، و أكملت :

-خدي من عمتك يابنت ماينفعش تسيبيني مادة إيدي كتير كده

تنهدت "سلاف" و قالت بإستسلام :

-أوك . زي ما تحبي حضرتك ! .. و أخذت منها النقود و طوتهم بچزدانها

يدق باب الشقة هنا ، فتبادر "عائشة" :

-خليكي إنتي يا ماما أنا هفتح . أقعدي كملي فطارك

و ذهبت لتفتح ..

حلا بإبتسامة :

-صباح الفل يا شوشو

عائشة و هي تبادلها الإبتسامة بمحبة :

-صباح النور يا لولو . إيه الأخبار يا جميل !

حلا : تمام يا حبيبتي . ها سلاف جهزت و لا لأ ؟
الساعة 8 زي ما إتفقت معاها

عائشة : جاهزة ياستي . بس تعالي إدخلي صبحي علي إللي جوا الأول مالك متسربعة كده

ضحكت "حلا" و دخلت معها ، لتلقي السلام علي الموجودين :

-صباح الخير يا جماعة

الجميع في صوت واحد :

-صباح النور

إلتفتت "سلاف" إلي "حلا" و قالت بإبتسامة متحمسة :

-أهلا يا حلا . كنت مستنياكي
أنا جاهزة ممكن نمشي دلوقتي !

حلا : طيب حلو يلا بينا عشان نلحق المواصلات

حليمة بجدية : خدوا تاكسي يا حلا ماتركبوش حاجة تانية عشان ماتتبهدلوش و محدش يضايقكوا

نظرت لها "حلا" و قالت :

-ماتقلقيش يا تيتة . أنا كده كده لما بروح الجامعة مع حد باخد تاكسي لكن لما ببقي لوحدي ببقي خفيفة ممكن ساعتها أخد أي حاجة أنا بس بتكلم علي الزحمة
ده حتي التاكسي بيبقي صعب تلاقيه دلوقتي من كتر الزحمة

سلاف و هي تمضغ أخر لقمة سريعا :

-طيب يلا عشان نلحق .. باي يا عمتو باي عائشة ... ثم إنحنت لتضع قبلة علي خد جدتها و قالت :

-باي يا نناه . مش عايزة مني حاجة ؟

حليمة بحنان :

-عايزاكي تاخدي بالك من نفسك و ماتتأخريش

سلاف بإبتسامة رقيقة :

-حاضر يا حبيبتي . إن شاء الله هرجعلك بسرعة

و بعد ذهاب "سلاف" ..

أدهم بغلظة و هو ينظر لأمه :

-ممكن أفهم يا أمي إنتي إزاي تسمحي لبنت أخوكي تنزل بالمنظر ده ؟؟؟

نظرت "أمينة" له و قالت بإستغراب :

-قصدك إيه يا أدهم ؟ البنت كان فيها حاجة غلط !

أدهم بغضب :

-دي كلها غلط . دي شبه عريانة يا أمي
إنتي إزاي سبتيها تنزل كده ؟؟!!

تدخلت "حليمة" بحدة الآن :

-أدهم سلاف لسا بنت صغيرة و يتيمة . هي عايشة سنها و بس و محدش فينا أصلا يقدر يفرض عليها حاجة و هي لسا ماكملتش معانا يومين

أدهم بإستنكار :

-يعني إيه إللي حضرتك بتقوليه ده يا تيتة ؟
يعني إيه لسا بنت صغيرة و عايشة سنها ؟ أولا هي مش صغيرة علي حد علمي عندها 19 سنة عائشة كانت أصغر منها بكتير و محجبة . ثانيا في الحتة دي لازم يتفرض عليها حاجات طبعا . الناس و الجيران يقولوا علينا إيه لما يشوفوها خارجة من بيتنا بالمنظر ده ؟؟؟!!

أمينة بلطف :

-يابني عندك حق . بس بردو زي ما جدتك قالت إحنا مانقدرش نفرض عليها حاجة . مانقدرش نغصبها أبدا و نقولها إتحجبي لإن زي ما إنت أكيد عارف لا إكراه في الدين
لو هتتحجب يبقي لازم تكون مقتنعة مش مجبرة و من ناحية تانية لو حاولنا نلمحلها بحاجة زي دي أو ظهر مننا أي تحكم فيها البنت هتكره عشرتنا و مش هتبقي عايزة تعيش معانا

أدهم بعصبية مكبوتة :

-يعني إيــه بردو ؟؟؟
علي أخر الزمن النـاس يشوفوا منـاظر زي دي خارجة من بيت صـلاح عمـران !!!
أنا مش ممكن أقبل بكده أبـدا

حليمة بصرامة ممزوجة بالغضب :

-خلآاص يا أدهــم
ماتضايقش أوي كده و لا تزعل نفسك
أنا هاخد حفيدتي و هرجع بيتي . هنسيبلك بيتك و بيت أبوك نضيف زي ما هو و لا تضايق نفسك يا حبيبي .. ثم نظرت إلي "عائشة" و أكملت :

-عائشة . تعالي وديني أوضتي و طلعيلي شنطة عشان ألم هدومي

أجفل "أدهم" في هذه اللحظة و قال بتوتر :

-تيتة حليمة أنا مش قصدي حضرتك
إنتي فكراني ممكن أسيبك تمشي من هنا ؟
مستحيل

حليمة بجمود :

-سلاف دلوقتي بقت أهم حاجة في حياتي يا أدهم
دي بنت نور الدين . إبني إللي عاش طول عمره متغرب عني
و المكان إللي هتكون فيه هكون فيه . و لو مش مرحب بيها هنا أو حد حاسس إنها تقيلة عليه أنا مارضلهاش بكده قبل ما أرضاها علي الحد ده . بنت إبني هاخدها زي ما قلت و همشي من بيتك يا أدهم . و كتر خيرك يابني إنك إستحملتني كل ده جه الوقت عشان أريحك

ضم "أدهم" حاجبيه في عبسة واهنة و قال :

-يا تيتة بالله عليكي ماتقوليش كده
ده بيتك قبل ما يكون بيتي . أنا أشيلك علي راسي طول عمري إنتي غالية عندي أوووي يا حبيبتي .. و أمسك بيدها و رفعها لفمه حتي يقبلها ، ثم تابع برجاء :

-إوعي تقولي همشي دي تاني لو سمحتي
أنا مش ممكن أسيبك تمشي
أنا آسف عمري ما هكون قاصد أزعلك مني

نظرت له "حليمة" و قد رق قلبها ، لكنها قالت :

-أهم حاجة عندي راحة سلاف و إن محدش يضايقها و لا يدوسلها علي طرف . أنا مش عايزاها تفتكر إنها بقت لوحدها و خلاص راح الحضن الحنين بتاعها و الإيد إللي كانت بطبطب عليها

زفر "أدهم" بضيق و حيرة ، لتنطلق "عائشة" بإقتراحها قائلة :

-خلاص يا تيتة إللي إنتي عايزاه هيحصل و إنت يا أدهم ماتشلش هم . لو كان لبسها مضايقك أوي كده أوعدك لما ترجع هكلمها بإسلوب لطيف و هفهمها إن مجتمعنا مختلف شوية و إن شاء الله هقدر أقنعها تلبس لبس محتشم عن كده . خلاص يا سيدي ؟!

نظر لها "أدهم" و قال بإستسلام :

-إعملي إللي إنتي شايفاه يا عائشة .. ثم نظر إلي جدته و أضاف بوداعة :

-أهم حاجة تيتة ماتزعلش مني . أنا مقدرش علي زعلها

حليمة بإبتسامتها الوقورة :

-و أنا مقدرش أزعل منك يا حبيبي
ربنا ما يحرمني منك .. و مسحت علي شعره بحنان ....



                  البارت السادس من هنا 


تعليقات