البارت الخامس والثلاثون 35
بقلم نورا عبدالعزيز
خرج "جمال" من الشركة بصحبتها ويحتضن يدها فى قبضة يده الدافئة والجميع ينظرون عليهما، البعض مُندهشًا من رؤية رئيسهم هكذا والبعض يبتسم لرؤية الحب فى عيونهما، فتح "صادق" الباب لأجلها لتصعد ثم ألتف "جمال" وصعد جوارها، أنطلق بهما ولأول مرة من زمان لم يستغل وقت عودته فى النظر إلى التابلت ومباشرة عمله حتى داخل سيارته، كان ينظر إلي وجهها ببسمة خافتة لتبتسم "مريم" قليلًا بلطف ثم قالت:-
-ممكن أطلب منك طلب؟
أومأ إليها بنعم ورحب شديد فنظرت إلى "صادق" وقالت:-
-معلش على جنب يا عم صادق
أوقف السيارة بهدوء و"جمال" يحدق بزوجته دون فهم، ترجلت من السيارة ليفعل المثل، فتحت يدها إليه وبسمة تنير وجهها بلطف فتقدم وتشابكا الأيادي، سار "جمال" معها بخفة وهى تقود الطريق حتى سبحت يدها من قبضته وتبأطأت ذراعه كاملًا وبدأت "مريم" تتحدث بخفة:-
-من زمان متمشناش سوا يا جمال، ممكن خمس دقائق بس
أشار إليها بنعم وبدأ يسيران معًا بخطوات ثابتة بطيئة كأنهما يريدان للوقت أن يبطئ مثل قدميهما، تنفست بأسترخاء كأنها تتخلص من كل الطاقة السلبية التى بداخلها والغضب الذي كان يحتلها وهكذا الخصام تخرج أثره مع زفيرها القوي يتبعثر فى الهواء حتى يأخذه بعيدًا عنها نهائيًا، تحدثت "مريم" بنبرة خافتة:-
-عارف الجواز دا شيء صعب أوى لكنه أسهل وأجمل مع حد بتحبه ويحبك، أنا مُدركة تمامًا أن أى أثنين بتخانقوا كتير ويقابلوا مشاكل أكتر فى حياتهم لكن بفضل شريك حياتهم بيعدوا ويقدروا يكملوا
أومأ إليها بنعم فحولت نظرها إليه بقلق:-
-عشان كدة مينفعش تجبر جميلة على الجواز بحد هى مبتحبهوش، الحد دا يمكن بالنسبة لك مناسب لكن بالنسبة ليها عمره ما كان ولا هيكون مناسب يا جمال
توقفت قدميه عن السير يفهم الأمر ويستوعب عقله أن سبب فعلتها وسيرهما معًا الآن هو "جميلة" فتساءل بقلق:-
-وأنتِ جايباني هنا عشان توصليلي المعلومة دى صح!!
-عايزاك زى ما قدرت تحبني تحباها يا جمال
قالتها "مريم" بهدوء وعينيها ترمق عينيه مباشرة فقال بجدية صارمة:-
-أنا عمرى ما كرهت جميلة، جميلة كانت أخت ليا وبعد ما بابا مات بقيت بنتى اللى مخلفتهاش، طول عمرى سند وضهر ليها وعمري ما سمحت لحد يأذيها ولا سمحت أن نفسها تكون فى حاجة ومجبتهاش، جميلة أختي وبنتي اللى مخلفتهاش اللى شيلت مسئوليتها على كتافي من وهى فى اللفة، كنت لها أخ بمعنى الكلمة...
ألتفت "مريم" لتقف أمامه بجدية وبوجع عابس جدًا من صارمته وقالت بضيق:-
-دى المشكلة يا جمال، صرامتك وحدتك فى التعامل، جميلة مش محتاج أخ يكون سند ويجيبلها اللى تتمناه، جميلة محتاجة أخ يعبر عن حبه ليها ويفخر بيها، أخ يطبطب ويأخدها فى حضنه لما الدنيا تضيق بيها لكن أنت بتتعامل معها على طريقة الشغل والرسمية... مش بقول أنك أخ وحش لكن لو هى محتاجة حاجة ينفذ شريف وتجيب أصالة فى مراسيل بينكم، والعلاقة اللى بينكم أطهر وأجمل من أن يكون فيها مراسيل
تأفف "جمال" بعبوس لا يفهم ماذا تريد منه زوجته؟ لماذا تلح على تقربه من اخته فجأة؟ فقال مُتذمرًا على حديثها:-
-بالعكس يا مريم أنا طول الوقت فخور بيها، معظم رحلاتي كنت بسأل عن وقت طيرانها عشان تطير بيا، كل مرة كنت ببقي فى طيارتها كنت ببقي فخور أن أختى الصغيرة وصلت لـ دا، أحترمت كل أحلامها وحتى بُعادها وسفرها مع أمى فى لندن أحترمت دا
أخذت "مريم" نفس عميق ثم أقتربت منه لتأخذ يده فى راحة يديها وقالت بلطف وعينيها تطمئنه وتهدأ من صرامته:-
-جمال، أنا مقولتش أنك وحش ولا أنك أخ سيء أنا بقول أنك محتاج تعبر عن حُبك ليها، محتاج توصلها الحب اللى جواك فعلًا بدل ما أنت مخبيه عنها، ورجاءًا متحاولش تجبرها فى موضوع الجواز، أنا بالفعل أتكلمت معاها وهى موافقة تقعد معاه لكن أوعدني لو قالت أنها مش مرتاحة أو مفيش قبول متجبرهاش على الجواز أو الخطوبة لأن هى اللى هتجوز وهتعيش وهى اللى هتنام فى حضن الراجل دا مش إحنا ولا قراراتنا
أخذ نفس عميق فى هدوء وقد نجحت "مريم" فى ترويض صرامته بلطف وحنانها، حركت "مريم" يديهما بترجي، هتفت قائلة:-
-أرجوك أوعدني
-أوعدك يا مريم أنا مش سيء ولا وحش لدرجة أنى أجوزها غصب عنها
قالها بجدية صارمة، تبسمت "مريم" بلطف على وعده وقالت:-
-هو دا حبيبي، أنا مُتأكدة انها هتكون فى أمان ما دام أنت وعدتني، لأن عمرك ما وعدتني بحاجة وكسرت الوعد دا
أشار إليها بنعم ليكملا سيرهما معًا قليلًا ثم أنطلق لطريق عودتهما إلى القصر، دلفا للقصر معًا وكانت "جميلة" حزينة وتحمل فى يدها ورق تحاليل والدتها، أسرعت "مريم" لها بقلق بينما "جمال" وقف محله لتخبره "حنان" بنبرة خافتة:-
-الهانم الكبيرة تعبت شوية فى الدفنة وعملنا التحاليل مستعجل وطلع عندها السُكر والدكتور حذرنا من الزعل وبمجرد ما أتكلم عن أن أى زعل ممكن يجيلها غيبوبة سكر وأنسة جميلة مُنهارة، حضرتك عارف هي متعلقة بوالدتها قد أيه
تأفف بضيق شديد ثم قال:-
-مؤذي حتى فى مماته، جابلها المرض... أمى فين؟
-فى أوضتها تعبانة والممرضة معاها، سامحنى أني طلعتها يا مستر جمال لكن كنت مضطرة
قالتها "حنان" بقلق شديد من سماحها للغريب بالصعود فأومأ إليها بنعم وصعد للأعلي، جلست "مريم" مع "جميلة" بعد أن ضمتها لتكمل نوبة بكائها وقالت:-
-أهدئي ممكن تهدئي، صدقينى هتكون بخير وإحنا هنخلي بالنا منها ومش هتوصل لمرحلة غيبوبة السكر دى نهائيًا إن شاء الله
أومأت "جميلة" لها بنعم وصعد الأثنين معا إلى الغرفة، كان "جمال" جالسًا على الفراش أمام والدته بهدوء وقال:-
-المهم تخلي بالك من صحتك ومتقلقيش من حاجة
نظرت "ولاء" إلى "جميلة" بضيق وقالت بسخرية:-
-صحتى!! وأنا هيجي الصحة منين طول ما أنا مخلفاكم، واحد مات مقتول ومسجون بفضل أعماله والثانية راكبة دماغها وهتعنس جنبي.. أنا لو حد جابلي المرض فهو أنتوا.. أطلعوا برا وسيبوني فى حالي
تساقطت الدموع من "جميلة" وقالت بحزن:-
-ماما أنا....
-أطلعي برا
قالتها "ولاء" بضيق وبدأت تسعل لتخرج "جميلة" بسرعة وقلق على والدتها فنظر "جمال" على زوجته لكي تذهب خلفها وقال:-
-ممكن تهدئي يا أمى، الزعل مش حلو عشانك وأنك تجبريها على الجواز مش حلو ليها
تأففت بضيق شديد وقالت بغضب ولهجة غليظة:-
-لا أجبرها يا جمال ما دام هى راكبة دماغها ورغم سنها دا مش عارفة مصلحتها فين؟، أعمل فى حسابك تكلم سلمي وتخليها تحدد ميعاد معاه وأخر الأسبوع دا وإلا والله متشوفوش وشي تانى ولا تعرفوا ليا طريق وتكونوا السبب فى موتي
أخذ "جمال" نفس عميق حائرًا بين ضغط والدته وتهديدها وبين وعده الذي قطعه إلى زوجته مُنذ قليل، وأخته التى تنهار بسبب مُستقبلها الذي على وشك الدمار.
ركضت "مريم" على الدرج خلف "جميلة" تناديها لتصرخ "جميلة" بغضب قائلة:-
-مريم لو سمحتي أنا محتاجة أكون لوحدي، ومتخافيش أنا هقعد فى الجنينة لكن أرجوكي سيبيني لوحدي ومتضغطيش عليا
توقفت "مريم" بمنتصف الدرج بحيرة أمام رغبتها ثم تركتها تذهب وحدها، خرجت "جميلة" للحديقة وظلت تسير وحدها باكية وتضع يديها على فمها بحزن تكتم شهقاتها الحزينة وقلبها يتمزق من أتهام والدتها لها بأنها سبب مرضها، كيف ترمي على عاتقها تهمة كهذه تفتت قلب ابنتها وتدمرها، كيف لأبنة أن تقبل بأن تُمرض والدتها؟ ظلت تبكي وترتجف بجزن شديد ويديها تجفف الدموع التى تسيل كالفيضان على وجنتيها بذعر..
كان "حسام" جالسًا مع "عاشور" على المقاعد الخشبية تحت ضوء القمر و"عاشور" يدخن سجائره و"حسام" يشرب القهوة بأستمتاع مُبتسمًا عليها فور تذكره كيف أجبرته على شرب القهوة صباحًا بمرارتها، سأله "عاشور" بحيرة:-
-خير أيه الأبتسامة السعيدة دى، اللى يشوفك ميقولش أنك مطلق مكملتش شهر لتكون بتحب جديد
قهقه "حسام" ضاحكًا على هذا الأمر وقال بسخرية:-
-حب أيه هو اللى يتسلع مرة بيجرب تاني دا يبقي مخبول لا مؤاخذة أو فقد عقله
ربت "عاشور" على قدمه وبيده الأخري يمد له علبة السجائر، يقول بنبرة هادئة:-
-أيه هتعتزل الستات ولا أيه، مش عشان خابت مرة يبقي هتخيب تاني، بكرة تحب وتتجوز تاني وثالث وعاشر عادي يا بنى
قهقه "حسام" ضاحكًا بقوة على كلمته ورفض أخذ السجائر وقال:-
-أيه يا عاشور عاوز تجوزني عشر مرات، ليه هدخل موسوعة جينيس، طب دا مفيش راجل عاقل يعملها ولو عملها ألا بقي لو عايز تقضي عليا
ضحك "عاشور" بقوة على هذا الحديث، أرتشف "حسام" رشفته الأخيرة من القهوة ليقع نظره عليها وهى تغادر القصر باكية وترتجف، أدرك بكائها من بُعدها بسبب يديها التى تحيط بوجهها وتجفف الدموع تارة وتكتم فمها وشهقاتها تارة أخرى، ظل يراقبها بنظره فى صمت حتى رن هاتف "عاشور" باسم ابنته وذهب بعيدًا يحدثها، ترك "حسام" كوب قهوته الزجاجية أرضًا وذهب خلفها مُصطنع النظر فى الهاتف ويسير بخطوات بطيئة مُختلس النظر إليها من طرف عينيه، وصلت "جميلة" أمام منزل كلبها الخشبي وظلت تنظر إليه مطولًا، خرج الكلب من المنزل لأجلها لكنها جلست أرضًا كالقرفصاء تُحدثه ببكاءها و"حسام" يراقبها من بُعد
صرخت "مريم" بانفعال فى زوجها قائلة:-
-يعني أيه جاي النهاردة، جمال أنت وعدتني
تحدث "جمال" وهو يعقد رابطة عنقه فى المرآة قائلًا:-
-وعند وعدي يا مريم، لكن جميلة قالت أنها هتقعد معاه، أنا مجبرتهاش
تأففت "مريم" بضيق من هذا الحديث والسرعة قائلة:-
-لكن أنت عارف من جواك ومُتأكد أنها مجبورة ومضغوط عليها من مامتك
ألتف "جمال" بهدوء ثم أخذ سترته من يد زوجته وقال بهدوء:-
-ممكن تهدئي يا مريم وتسيبها عليا، جميلة مش هتتجوزه غير لو هى اللى قالت أنها موافقة لكن لو رافضة والله وحياة مريم عندي لو أنطبقت السما على الأرض ما هتجوزه
تأففت "مريم" بضيق حائرة فى موقف "جميلة" وقالت بضيق:-
-ما هى دي المُشكلة، أنا خايفة توافق بسبب تهديد مامتك ليها بالمرض كأن المرض دا جالها عشان تضغط على جميلة وهى بتستغله كويس أوى
ربت "جمال" عليها بلطف ثم قال بعفوية:-
-أنا هنا يا مريم متقلقيش ممكن
أومأت إليه بنعم بعد تنهيدة قوية فتبسم إليها بحب وغادر من أجل العمل، خرجت "مريم" خلفه ونزلا الدرج معًا ألتف بنهاية الدرج وقبل جبينها بحنان ثم همس إليها بلطف:-
-هتوحشينى وخلى بالك من نفسك
كادت أن تجيب عليه لترى "ليلي" تخرج من غرفتها بالطابق السفلي فتبسمت "مريم" بدلال مفرطة ورفعت يدها إلى صدره بحب وعينيها تحدق بعينيه بعفوية ثم قالت:-
-وأنت كمان يا حبيبي هتوحشنى، خلي بالك من نفسك ومتتأخرش عليا
أومأ إليها بحب مُبتسمًا بسعادة لأجلها ثم نظر بجواره قليلًا ولم يجد أحد دون أن ينتبه لـ "ليلي" التى تقف فى الخلف وأخذ خطوة نحو "مريم" بأعجاب ثم قال:-
-طب أيه مفيش حاجة كدة على الطاير
تبسمت بحب إليه ورفعت يديها أكثر لتحيط بعنقه بعفويتها وبراءتها التى تحمل خبثًا للتو من أجل هذه المرأة الخائنة وقالت بدلل ونبرة مُثيرة:-
-أنا كلي لك يا جيمي
وضعت قبلة على وجنته بلطف وتحسستها بخفوت بأناملها وقد بدأت لحيته فى الظهور قليلًا ثم قالت:-
-خلي بالك من روحك
تذمر على هذه القبلة وقال بعبوس:-
-دى تديها لجميلة وأنتِ بتودعيها قبل ما تسافر
ضحكت ببراءة علي تذمره ونكزته فى صدره بخفوت:-
-جمال!! من أمتى وأنت قليل الأدب
غمز لها ويديه تحيط بخصرها كى يجذبها إليه وقال بلطف:-
-من زمان فاكرة ولا أفكرك
قهقهت ضاحكة على قبلاتها التى كان يسرقها بالقوة منها، أقترب أكثر وقبل أن يفعل جاءته "حنان" تقول:-
-العربية جاهزة....
ألتفت بحرج من وضعتيهما ليكز على أسنانه بغيظ من ظهور "حنان" فى هذه اللحظة وقال:-
-مش هتأخر عليك ..
ألتف إلي "حنان" بغيظ وسار خطوتين بضيق من قبلته التى لم ينالها و"مريم" لم تتوقف عن الأبتسامة من أجل غيظه وأمله الذي ضرب بالسقف وسقط، توقف عن التقدم أكثر وقال:-
-أبقي فكريني أديكي إجازة أبدية يا حنان
أنفجرت "مريم" ضاحكة على قراره ووضعت يديها على وجنتيها تكتم ضحكات، مثلها كانت "حنان" التى فهمت تذمره وأنها منعته من أخذ قبلة الصباح وهذا الرجل الذي تحول لعاشق لم يستطيع البقاء بعيدًا عنها وقريبًا سيتذمر على العمل للبقاء معها، سمع ضحكاتها وألتف مرة أخرى لتضم شفتيها بأسنانها للداخل خوفًا من غضبه مُحاولة كبح ضحكاتها ليقول بينما قدمه تسرع إلى "مريم":-
-أمشي من وشي يا حنان
أسرعت فى الهرب من أمامه قبل أن يقتلها هذه المرة وأوشك على الأقتراب لكي ينال مراده لكن هذه المرة أوقفه صوت "ليلي" تقول:-
-جمال
توقف على بُعد خطوة واحدة من "مريم" التى تذمرت مثله من هذه المرأة، تأفف بقوة فى وجه "مريم" من هؤلاء وقال:-
-أبقي فكرني أخدك ونطفش من هنا... أفندم
قالها وهو يلتف إلي "ليلي" بينما "مريم" وقفت خلفه وعانقه من الخلف بسهولة بسبب وقوفها على الدرج ووضعت رأسها على كتفه، سألته "ليلي" بهدوء قائلة:-
-ممكن أعرف أنت حابسني هنا ليه؟
-صح كان لازم أسمح لك تروحي دفنته، أزاى حرمتك من دا
قالها بسخرية كأنه يذكرها بخيانتها له، تابع حديثه بضيق شديد وأشمئزاز من رؤيتها قائلًا:-
-خلي حنان تلم حاجاتها وتمشيها يا مريم اللى كنت عايزها عشان تعمله مبقاش ينفع أصله بقي من الأموات
أومأت "مريم" إليه بنعم وسعادة تغمرها بعد قراره بطرد هذه المرأة من حياتهم نهائيًا، ألتف إلي "مريم" بعبوس خجلًا من فعل ما يريده أمام أحد وقال بخفوت:-
-فكريني أختطفك وأطفش بيكي من هنا
قالها بوجه عابس ثم قبل جبينها لتبتسم بسعادة تغرق قلبها تمامًا، غادر "جمال" فنظرت "مريم" إلي "ليلي" ببسمة ساخرة بينما "ليلي" شعرت بضيق شديد مما تعيشه فى هذا القصر ورؤيته هنا يعيش بحرية ويُحب ويملك كل شيء من السعادة لكنه ينفيها هى فى بلاد أخرى وفرقها عن حبيبها "مُختار" لتقرر أن تنتقم منه وتسلبه سعادته كما سلبها سعادتها وحُريتها.
"شــــــركــة الجمـــــال جي أند أم للإلكترونيات"
دلف "شريف" إلى المكتب بهدوء وقال:-
-أخبار رائعة
ترك "جمال" القلم الإلكتروني من يده وتوقف عن النظر لهذه الشاشة، رفع نظره إلى "شريف" وقال:-
-أيه؟
تبسم "شريف" بحماس وقد جلس على الأريكة المقابلة لـ "جمال" وقال:-
-الراجل اللى زرعنا فى الملهي الليلي أتصل وقال أن سارة بتحضر لعملية بيع بنات لناس أجانب حولي عشرين بنت لكن مش بيشتغلوا معاها دى خلت الرجالة يخطفوهما من أنحناء الدولة
عاد "جمال" بظهره للخلف بأسترخاء يفكر فى هذا الخبر ثم قال:-
-تفتكر جه الوقت للضرب القاضية يا شريف
-أكيد لازم تقطع الشر من جذوره عشان ميبقاش فى حاجة بتهدد حياة مدام مريم ولا ابنك
قالها "شريف" بجدية صارمة ثم تابع بحدة قائلًا:-
-ثم إحنا لينا تار عندها وضرب النار اللى حصل عليك، إحنا أستنينا اللحظة دى من بدري عشان توقع قانوني والضربة تكون بموتة ومالهاش قومة
أومأ "جمال" إليه بنعم ثم قال بجدية:-
-فعلًا لازم تكون الضربة بموتة ولازم نقطع الشر من جذوره زى ما قولت عشان كدة فتح مخك معايا لأن مش سارة لوحدها اللى حسابها تقل عندنا
نظر "شريف" إلى نظراته القوية المُخيفة ثم قال بجدية:-
-أيه؟ قصدك نادر
تبسم "جمال" بحزم وبسمته مُخيفة أكثر من صمته وقال:-
-لازم يدفع ثمن شراكته لخطتهم فى أذيت مريم
أومأ "شريف" له بنعم وجلس يستمع إلى خطته كاملة وأمره.
"قصــــــر جمــــــال المصــــــري"
عادت "مريم" من الخارج بعد أن أنهت تسجيل أول حلقاتها فى تقديم برنامج جديد للمرأة يتهم بكل شيء بها خلال فقرات متنوعة، صعدت أول شيء إلى غرفة "جميلة" ورأتها قد أستعدت لأستقبال العريس الذي تقدم لخطبتها، ترتدي تنورة طويلة تصل لأسفل ركبتيها سوداء وقميص نسائي بأكمام مُغلق تمامًا ساترًا نصفها العلوي أحمر اللون، شعرها المموج مرفوع على الجانب الأيسر وتضع مساحيق التجميل، نظرت "مريم" لها بحزن وهى تقرأ تعابير وجهها جيدًا فى بداية الأمر قد وافقت على مقابلته لكن الآن تشعر أن هذا سيأخذها لمنزله بالأكراه بسبب والدتها، تمتمت "مريم" بهدوء:-
-جميلة!! أنا..
قاطعتها "جميلة" ببسمة مُزيفة وقالت بحزن:-
-متقلقيش عليا أنا عند وعدي لو مرتاحتش هرفضه
أومأت "مريم" لها ببسمة خافتة وقالت:-
-انا هروح أغير هدومي بسرعة وأرجعلك
اومأت إليها بنعم وذهبت إلى غرفتها بحزن مما ألت الأمور إليه وهذا الغضب والحزن الذي تراه فى عيني "جميلة" كفيلًا بأن يخبرا العالم بأسره أنها مجبورة كالمُعتقلة بأيدي مكبلة لا تستطيع فعل شيء سوى الأمتثال لأوامر والدتها....
علم "حسام" بخبر قدوم الرجل الذي تقدم لخطبتها فأدرك سبب بكائها طيلة الأسبوع وحزنها حتى أنها لم تذهب للعمل رغما عشقها للطيران، أستقبله على البوابة أولًا وأندهش مما يراه رغم أنه يكبرها بسبع سنوات بالعمر لكن شكلًا يكاد يجزم بأنه يكبرها بضعفهما، لكنه وقوره ويهتم بهيئته كرئيس قسم وطبيب ويركب بسيارة فاخرة ولديه سائق خاص، فتح له الأبواب ودلف الرجل بسيارته، أستقبله "عاشور" أمام باب القصر وأخذه للصالون ثم قال:-
-جمال بيه نازل حالًا
تبسم الرجل له بهدوء ونزلت "ولاء" له أولًا تبتسم برحب شديد له وسعادة مُفرطة وجلست تتحدث معه فى كل شيء يخصه كأنها ستقدم ابنتها له حتى يعقد قرآنه عليها اليوم.
دفعته "مريم" بعيدًا عنها برفق تفصل قبلتهما وقالت بخجل:-
-أنزل يا جمال الرجل وصل
هندم ملابسه بضيق بعد أن أبتعد عنها وقال:-
-يا دي البيت اللى الواحد مش عارف يرتاح فيه دا
تبسمت بعد أن أخذت خطوة نحوه ومسحت فمه بالمناديل المبلل بلطف حتى ترفع عنه أثر أحمر الشفايف الخاص بها بدلال وقالت:-
-الموضوع كله مش هيأخد ساعة يا حبيبي
حدق بها بهيام وقلبه غارقًا بها فى هذه اللحظة لا يقوى على مُغادرتها أو رفع نظره عنها ليقول بهمس:-
-ونسفر بعد الساعة دى، تعالي أخدك وأشتري جزيرة مفهاش جنس بشر ونعيش سوى هناك لوحدينا
تبسمت بلطف على كلماته ثم رفعت نظرها إلى عينيه وقالت بحب:-
-موافقة طبعًا
دق باب غرفته بواسطة "حنان" تخبره بوصول الضيف فتأفف بغيظ شديد مما يعيشه فى هذا المنزل وغادر الغرفة مُتمتمًا بضيق:-
-حتى يا رب وهى مراتي مش عارف أستفرد بيها
فتح باب الغرفة ووجد "حنان" فى أنتظاره ليصرخ غيظًا بها وهى دائمًا تأتى فى اللحظات الحرجة:-
-أنا مش قولتلك فكريني أديكى إجازة أبدية... أبقي فكريني أهج من هنا .. غورى من وشي
قهقهت ضاحكة عليه بينما مر "جمال" أمامها لكي ينزل للأسفل تاركًا زوجته تضحك بقوة علي تذمره اليوم، نزلت "مريم" أولًا للأسفل مُرتدية بنطلون أبيض فضفاض من القماش وقميص نسائي أسود اللون وفوقه سترة بدون أكمام بيضاء وتسدل شعرها على ظهرها بحرية وتضع القليل من مساحيق التجميل، رحبت به بلطف ثم جلست بجوار زوجها الذي يتحدث بجدية:-
-مريم مراتي ، جميلة كمان زيك مدمنة على العمل وبتحب الطيران
تبسم الطبيب لأجلها بلطف ثم قال:-
-بصراحة أنا بحترم جدًا المرأة الناجحة ودا اللى عجبنى فى أنسة جميلة من قبل ما أعرفها أو أشوفها، الكلام اللى سمعته عنها وعن حبها للعمل... حضرتك برضو عارف أنا دكتور وليا وضعي يهمنى جدًا أن مراتي يكون لها وضعها فى المجتمع اللى يخلينى أتشرف بها قدم الناس والمعارف
نظر "جمال" إليه بهدوء ثم إلى زوجته وهكذا والدته التى تستمع لهذا الحديث فكل ما اعجبه بـ "جميلة" كونها وجهة مُشرفة لمكانته الأجتماعية كأنه يكمل بقية وجهته بعد السيارة والمنزل الفاخر الآن زوجة تكمل مثاليته، قائدة طيران ومن عائلة مرموقة وجميلة الوجه ماذا سيريد أكثر؟...
وقفت "جميلة" مع "حنان" فى المطبخ بقلق من الخروج و"ليلي" تتناول الطعام قبل مُغادرتها، وعينيها ترمقهما بحذر تارة وتنظر إلى صينية المشروبات تارة بقلق، وقفت من مكانها وأخذت كوب الماء تصطنع الشرب وأخرجت من كم ملابسها قطارة صغيرة وأفرغت ما بها فى كوب عصير التوت وهى تعلم بأنه يخص "مريم" وحدها، تركت المطبخ بسرعة قبل أن تخرج "جميلة" بالعصير وأخذت حقيبتها ومع خروجها من الغرفة رأت "نانسي" تقدم المشروبات وكوب عصير التوت كان من نصيب "مريم" حقًا فتمتمت "ليلي" مع مغادرة:-
-بالشفاء دا ثمن موت مختار وحريتي
خرجت لترى سيارة فى أنتظارها من رجال "جمال" ليأخذوها إلى حيث جاءت، جلست "جميلة" بضيق بعيدًا عنه بصدمة ألجمتها من شكله فحقًا يبدو عليه الكبر رغم أنه بعمر أخاها لكن "جمال" أمامه كأنه يصغره بسنوات، أرتشفت "مريم" العصير ببسمة لطيفة وصامتة تتابع حديث زوجها مع هذا الرجل وقد علمت أن "جمال" لا يرحب به ولن يقبل به كزوج لأخته من جديته وتحفظه الشديد فى الحديث، بينما بدأت تشعر بألم فى بطنها من الأسفل لكنها حاولت كبح هذا الألم أمام الضيف لكنه يزداد سوا ، نظرت على "جميلة" التى جلست تتحدث معه على بُعد وهمست فى أذن "جمال" بتعب محاولة كبح أنينها:-
-أنا هطلع شوية
نظر "جمال" لها بعد أن سمع أنينها التى تكبحه فسأل بقلق:-
-أنتِ كويسة؟
-تعبانة شوية، أنت عارف أنى نزلت الشغل النهاردة واليوم كان طويل
قالتها بتعب تحاول تحمله فأومأ إليها بنعم وأشار إلى "نانسي" بأن تأخذها إلى غرفتها حتى تستريح، وقفت "مريم" معها وسارت إلى الأمام لكنها صرخت بألم لم تتحمله وسقطت أرضًا على الأرض، ذعر الجميع وهرع "جمال" إليها ليُصدم عندما رأى بنطلونها الأبيض به بركة من الدماء تكبر رويدًا رويدًا مع النزيف وهى تصرخ من ألم رحمها الذي يتمزق لأشلاء بداخلها وكأن طفلها سيخرج للتو قبل أن يُكمل ولم يُدرك أن الأنتقام جاءه عن طريق سرقة طفله من أحشائها قبل أن يولد.