وكفى بها فتنه
البارت الثالث عشر 13
بقلم مريم غريب
مضــي النهار بكثرة أشغاله سريعا ... و عاد "أدهم" إلي المنزل
أبلغته والدته بطلب "سلاف" الجلوس معه علي إنفراد لتتحدث إليه أولا قبل أن تقرر شيئا .. شعر "أدهم" بالحيرة و الإرتباك في آن
و ما أزاد إرتباكه أكثر إدراكه بأن الأمر أصبح علي قدر من الجدية ، أصبحت سلاف" تعلم الآن رغبته في الزواج منها
و لكن هل يا تري تلك الرغبة متبادلة ؟
و لما لا ؟ .. لو لم تكن لا تريده لما كانت طلبت الجلوس معه
و يمكن أيضا أن تكون لها رغبة أخري !
خياله أصبح خصب هذه الأيام ...
عند دقات السابعة و النصف مساءً .. كان "أدهم" واقفا في الصالون مع أمه و أخته ، كان متأنقا و يرتدي بذلة فخمة سوداء ، أسفلها قميص رمادي و ربطة عنق كحلية
و كان شعره الطويل ممشط إلي الوراء و لحيته الكثيفة مرتبة و تضفي عليه مزيدا من الوقار مع عيناه العسليتان اللتين تطلقان شرارات بسيطة الآن
بدت عليه العصبية و هو يقول مغمغما :
-يعني كان لازم حكاية الخروج برا البيت دي يا أمي ؟
ماكنش ينفع الحوار ده يتم هنا ؟؟؟
زجرته "أمينة" بغضب قائلة :
-إسكـت بقي
طريقتك دي ماتنفعش دلوقتي خالص علي فكرة
خلي إسلوبك يبقي أحسن من كده شوية علي الأقل إنهاردة
بالطريقة دي البنت هتقفل منك من أول كلمة
تعالي علي نفسك مرة يا أخي و إتعامل بذوق
سلاف دي مش زي أي بنت عادية دي حساسة جدا و أظن إنك عارف كده كويس . و بعدين إنت مش إشترط إن عائشة تروح معاكوا ؟ أهي هتروح إهدا بقي
زفر "أدهم" بضيق و هو يشيح بوجهه عن أمه ... لتقع عيناه عليها فجأة ، ثم يدخل في حالة من الذهول و عدم التصديق
إنتهت "سلاف" من تجهيز نفسها و ها هي الآن ماثلة أمامه في أبهي صورها .. كانت ترتدي فستانا إستعارته من "عائشة" جاء من اللون الذهبي من نصفه العلوي ، أما النصف السفلي فجاء مزيج بين اللون الذهبي والفضي والوردي اللامع
وما زاد من أناقة الفستان كان الخيوط الذهبية التي التفت حول الخصر والظهر
وأضافت "سلاف" رونقاً لإطلالتها من خلال هذا الوشاح السكري الناعم الذي وضعته علي شعرها ( الحچاب)
مع وضع مكياچ من درجات اللون الذهبي و الوردي ، فخطفت الأنظار بجمالها وأناقتها اللافتتين ..
-مساء الخير ! .. قالتها "سلاف" بصوتها الرقيق و هي توزع نظراتها برزانة علي وجوه عائلتها
ما زال "أدهم" ينظر إليها بصدمة من دون حركة أو كلمة ..
كبتت "عائشة" ضحكتها ، بينما إبتسمت "أمينة" و هي تميل صوبه و تقول :
-بارك لسلاف يا أدهم
بنت خالك قررت أنها تتحجب بعد ما درست الموضوع كويس طول الأيام إللي فاتت و إقتنعت بيه
و هنا أجفل "أدهم" مطرقا و هو يقول بشئ من التوتر :
-بارك الله فيكي يا سلاف
مبروك علي الحجاب و طبعا أحسن حاجة إنك لبستيه علي إقتناع
سلاف بإبتسامتها الجذابة :
-أنا حسيت إن إللي حصلي ده من كام إسبوع إنه ماكنش صدفة . حسيت إنه كان رسالة من ربنا . رسالة بتقول خلاص آن الآوان عشان أخد الخطوة خصوصا إني كنت بفكر فيها بقالي مدة حتي قبل مرض بابا
لاحظ "أدهم" أنها ترمي إليه من وراء حديثها بأنها لم تقبل علي هذه الخطوة من أجله ، نجحت "سلاف" في توصيل تلك المعلومة له مما ضاعف قلقه و توتره من قرارها النهائي ..
حمحم "أدهم" منظفا حنجرته و قال بصوت آجش :
-طيب أنا هنزل أدور العربية
و إنزلي يا عائشة مع سلاف علي مهلكوا
أنا مستنيكوا تحت ! .. و إنصرف مسرعا
لتلتفت "سلاف"إلي عمتها و تودعها بعناق و قبلة علي الخد ... تمنت لها "أمينة" ليلة سعيدة و دعت بأن يمرر الله هذه الجلسة علي خير ..
.............
نزلت كلا من "عائشة" و "سلاف" إلي الأسفل
و جدتا "أدهم" قد أخرج سيارته من الجراچ و يقف بها أمام بوابة البناية في إنتظارهما ..
إندفعت "عائشة" بسرعة نحو السيارة و إستقلت في الخلف قبل أن تسبقها "سلاف" و تفعل ، بينما إضطرت "سلاف" للجلوس بجوار "أدهم" و هي تعرف في قرارة نفسها أنه حانق من تصرفات أخته
إنطلق "أدهم" بالسيارة و بالطبع كان يميل مبتعدا عن "سلاف" رغم أن المسافة بينهما كافية جدا ، كانت تصرفاته غريبة لمن يراه ، و لكن "سلاف" إعتادته و فهمت أطواره فلن يجدي الأستغراب الآن
كان مشيحا بوجهه عنها
كما لو أنه يشم رائحة كريهة ، و لكنها لم تكن سوي رائحة عطرها المفضل ( Be Seduced ) من ڤيكتوريا سيكريت ..
كان يضم كفه علي المقود بقبضة محكمة ، و كانت العروق نافرة تحت جلد يده الأسمر .. لم يرخ قبضته أبدا و لم يخفف من وضعيته المتصلبة و خيل إليه أن الطريق سيكون طويلا رغم أنه قطع نصف المسافة تقريبا
لكن الدقائق كانت تمر بطيئة بالنسبة إليه ..
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
كانت "مايا" واقفة في الشرفة و قد رأت المشهد من بدايته ...
لتشتعل النار فيها و يجتاحها غضب ساحق و هي تستدير و تهرع إلي والدتها صائحة :
-شــووفتي يا ماما ؟
شوفتي كمية النفــاق و القرف إللي في البيت ده ؟؟؟
عشان أقولك إن مافيش حد هنا بيحبنا بس إنتي عمرك ماصدقتي
كانت "راجية" جالسة أمام التلفاز ، تشاهد أحد برامج العناية بالجمال بتركيز شديد .. لكنها توقفت الآن علي إثر صوت إبنتها و كلماتها
أطفأت التلفاز و إلتفتت إليها متسائلة :
-مالك يابت في إيه ؟ متشعننة و صوتك عالي كده ليه ؟!
مايا بنبرة و نظرات يملأها الحقد :
-سي أدهم
لأ . الشيخ أدهم عارفةلسا شايفاه نازل مع مـيــــن ؟
دلوقتي حالا شوفته واخد الست سندريلا بنت خاله في عربيته لأ و مش كده و بس
ده كمان مقعدها جمبه . جمبه يا ماما إللي عاملنا فيها متدين و عفيف مالوش تعامل مع البنات
إلتمع الغضب في عيني "راجية" و تصلبت شفتاها
لكنها سرعان ما تمالكت نفسها و قالت تهدئ إبنتها :
-طيب إهدي شوية
ماتعصبيش نفسك كده .. كان صوتها صارما ، ثم سألتها بإهتمام :
-هما كانوا لوحدهم ؟!
مايا مزمجرة :
-لأ . شوشو هانم معاهم
أومأت "راجية" رأسها و هي تقول بهدوء غامض :
-طيب هدي أعصابك
خلينا نشوف أخرتهم إيه الأول قبل ما نعمل أي حاجة
عقدت "مايا" حاجبيها قائلة :
-نعمل حاجة !
حاجة زي إيه يعني ؟
شردت "راجية" بنظرها و قالت بنفس الغموض :
-ده شغلي أنا
أنا إللي بخطط يا مايا . و مافيش أي حاجة بعوزها إلا باخدها .. ثم نظرت لها ثانيةً و أكملت بثقة :
-متخافيش
أوعدك أدهم هيكون ليكي . مش هسمح لأمينة تنفذ إللي في دماغها . ورث العيلة و فلوس أخويا من حقنا و مش هتروح لحد غيرنا !
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
وصل "أدهم" أمام المطعم الفاخر الذي حجز به ..
نزلوا جميعا من السيارة ، و ترك "أدهم" المفتاح للسائس ليقوم بركنها .. ثم جعل "عائشة" و "سلاف" تتقدماه أولا إلي الداخل
كان المطعم في الدور الأخير من هذه البناية شاهقة الإرتفاع ، و كان واسع جدا سقفه عالي ، دائري الحواف ، و الإضاءة هادئة ، و النوافذ العريضة جميعها من الزجاج الشفاف بحيث يستطيع الزائر مشاهدة النيل و معالم القاهرة بوضوح شديد ..
إنه شئ يبعث الرهبة و الخوف في الأنفس ... و لكنه ممتع أيضا
جلست "سلاف" إلي الطاولة المستطيلة قبالة "أدهم" مباشرةً ، و جلست "عائشة" بينهما .. و بعد أن حضر النادل لأخذ طلباتهم
قالت "عائشة" بمرح :
-بس تعرفوا أكل المطاعم ده له هيبة بردو
تحس إنك قاعد في مكانك و كل الرايح و الجاي بيخدم عليك
بجد شكرا يا دومي علي العزومة الجميلة دي
رد عليها "أدهم" بإيماءة خرساء ، و واصل تحديقه الفارغ في مفرش الطاولة الناصع ... حتي آتي الطعام
تناولت "عائشة" حصتها بشهية ، و كذلك فعلت "سلاف" .. أما "أدهم" فإكتفي بالعبث في طبقه متظاهرا بتناول طعامه ، فكان الحديث الذي ينتظره طاغ علي كل شعور حسي من الممكن أن ينتابه حاليا
و بعد إنتهاءهم من الطعام ، طلب "أدهم" المشروبات
عصير طازج لأخته و "سلاف" و القهوة المضبوطة له ..
-طيب عن إذنكوا أنا بقي ! .. قالتها "عائشة" و هي تأخذ كأسها و تقوم عن الطاولة
نظر لها "أدهم" و تساءل بدهشة :
-رايحة فين ؟
عائشة بإبتسامة خبيثة :
-هاروح أقف في الهواء الطلق شوية يا دومي
المنظر هنا تحفة أووي
أدهم بتردد :
-خليكي قاعدة معانا !
نظرت "عائشة" إلي "سلاف" لتجدها متجهمة بالطبع ..
رمقت أخيها بنظرة تحذيرية و قالت بحدة :
-لأ أنا هاسيبكو لوحدكو . مش عايزة أبقي عازول يا أخي منظري هيبقي وحش . يلا Good luck .. و مضت نحو الشرفة الكبيرة المفتوحة
ساد الصمت لبرهة من الزمن و كلا منهما مطرقا برأسه ..
حتي رفع "أدهم" وجهه أخـيـــــرا
و أفلح في الكلام بعد جهد فقال :
-أخبار دراستك إيه يا سلاف ؟
نظرت له "سلاف" و أجابت بفتور :
-مش بذاكر
بقالي فترة مش بذاكر
أدهم و هو يزدرد ريقه بتوتر و قد أربكه النظر إلي عينيها الجميلتان :
-ليه كده ؟
ده حتي إمتحانات الترم التاني قربت
إنتي مش عايزة تنجحي و لا إيه ؟!
سلاف بإبتسامة باهتة :
-ربنا يسهل . إدعيلي
أدهم بخفوت :
-ربنا يوفقك !
و إنتظرت "سلاف" أن يقول شيئا أخر ... لكن الثواني مرت و هو صامت ، فإندفعت قائلة بضيق :
-هو إحنا جايين هنا عشان نسمع سكات بعض ؟
علي فكرة لو مضايق و حابب نمشي أنا ماعنديش مشكلة
يلا بينا .. ثم أمسكت بحقيبتها و جاءت لتقوم
-إستني ! .. إستوقفها "أدهم" بسرعة ، و أكمل برجاء :
-من فضلك أقعدي
إحنا لسا ماتكلمناش
ثبتت "سلاف" في مكانها و قالت بغضب :
-ماتكلمناش ؟
يعني هنقول إيه ؟ خليك فاكر إن إنت إللي طلبت تتجوزني
مش أنا إللي رميت نفسي عليك
أدهم بنبرة معابثة :
-أنا ماقولتش حاجة . آ ..
-إنت عايز تتجوزني ليه ؟؟؟ .. قاطعته "سلاف" بسؤالها المباشر ، ليرد "أدهم" بشئ من الإرتباك :
-عشان .. عشان أنا شوفتك مناسبة بالنسبة ليا
سلاف بصرامة :
-كداب
نظر لها مدهوشا ، فأعادت السؤال مرة أخري :
-عايز تتجوزني ليه يا أدهم ؟
لو إدتني إجابة واضحة و مقنعة هكمل القعدة دي معاك
لكن لو كدبت هقوم و أسيبك
راحا يتبادلان النظرات دون حديث ... ثم قال "أدهم" معترفا :
-أنا حسيت إني بتشد ليكي غصب عني
طول عمري بغض بصري و مش ببص لأي بنت . بس معاكي إنتي ماكنتش بعرف أصمد كتير و كنت ببصلك
إنتي الذنب الوحيد في حياتي لحد دلوقتي . و مش هيبطل إلا لو أتجوزتك .. أو بعدت عنك ... كان يتحدث بثبات و جدية
سلاف بدهشة :
-أنا ذنب ؟!
يعني عشان كده بس عايز تتجوزني ؟
عشان تعرف تبصلي براحتك و تبطل تستغفر كل ما تشوفني ؟؟؟
أدهم بصراحة :
-أنا ماتعودتش أعمل حاجة حرام
و لو ماكانتش الظروف إتجمعت و خلتني قاعد بطلب منك الجواز دلوقتي أنا كنت هاسيب الشقة و أطلع أقعد لوحدي في شقة من الشقق الفاضية في البيت
سلاف : كل ده عشان تبعد عني ؟!
أدهم : ده مش عيب
لو فكرتي شوية هتلاقي إني مش غلطان
أنا بعاملك بإحترام و مش بتعدي حدودي معاكي
إنتي كبنت كويسة و محترمة لازم تكوني ملكية خاصة مش عامة . ماينفعش أي حد يبصلك أو يكلمك أو يلمسك
لازم تكوني أغلي من كده
نظرت له بصمت للحظات .. ثم سألته بصوت شبه هامس :
-بس دي مش أسباب تخليني أوافق أتجوزك
أدهم و قد حزر ما تفكر فيه :
-و مين قالك إني ماعنديش أسباب تانية ؟
سلاف بصدمة :
-طيب إتكلم . قولي أسبابك !
و لأول مرة يبتسم لها "أدهم" إبتسامة ودية أظهرت أسنانه الناصعة ..
قال و هو يضحك بخفة :
-مش كل حاجة لارم تتقال في أول مرة
و أنا ماينفعش أتكلم معاكي براحتي دلوقتي . مش من حقي
لازم تكوني مراتي الأول عشان أقدر أتكلم بحرية أكتر .. ثم أردف بجدية :
-و عايز أقولك إن شاء الله لو وافقتي و حصل نصيب مش هنتخطب . لأ هنكتب الكتاب علطول و بعدين ممكن نستني علي الفرح المدة إللي إنتي عايزاها . المهم يكون إرتباطنا حلال خصوصا إننا عايشين مع بعض تحت سقف واحد
حدقت "سلاف" فيه عاجزة عن الرد ... دام الصمت طويلا هذه المرة و هو لا يزال متصلا بعيناها
خبت إبتسامته تدريجيا و قد عاد شعور القلق يعتريه ..
سألها بتردد :
-ها !
قولتي إيه ؟
موافقة نتجوز ؟؟؟ .