وكفى بها فتنه البارت السادس 6 بقلم مريم غريب


وكفى بها فتنه
البارت السادس 6
بقلم مريم غريب



مرت الأيام و كانت إلي حد ما يسيرة بالنسبة إلي "سلاف" ..

حيث قضتها ما بين الدراسة بعد أن تم قبولها بالجامعة ، و بين العائلة التي غدت أحد أفرادها منذ وطأت قدماها هذا البيت الكبير

كانت "سلاف" سعيدة جدا ، بعد وقت تخيلت فيه أن البسمة فارقت حياتها إكتشفت أنها كانت مخطئة ، خاصة عندما رأت حسن تعامل عمتها و جدتها معها ، و رفقة "عائشة" و "حلا" الممتعة ، لقد نجحوا جميعا في جعلها تشعر بالمحبة و الحنان يكتنفاها بينهم

بإستثناء بعض الأشخاص الذين أظهروا لها قدر من العدائية الواضحة .. في الواقع الإشارة إليهم ليست صعبة جدا

السيدة "راجية" و إبنتها "مايا" ... حتي الآن لم تفهم "سلاف" سبب سوء التعامل بينها و بينهما ، إنها تتعامل مع الجميع بلطف و دائما تظهر أخلاقها الرفيعة ، لكن تلك السيدة و إبنتها لم تظهرا لها سوي كل بغض و نفور ..

أما بالنسبة لـ"أدهم" فهو وحده حالة من نوع خاص .. منذ أول لقاء و هي تلاحظ أنه متخذا منها موقف ما ، و لكن الغريب أن سلوكه معها بدأ يتحسن تدريجيا !

و لكن الأمر ليس أبعد من المجاملات ، حيث إعتاد أن يلقي السلام عليها شخصيا ما إذا قابلها في طريقه ، لكنه ما زال لا ينظر إليها بتاتا و هذا شئ أغاظها جدا و كاد يزحزح ثقتها بنفسها

لولا بقية شباب العائلة .. فجميعهم يتهافتون عليها ، يتمنون نظرة منها و قد أكثروا أيضا من التردد علي شقة "أدهم" فقط ليروها هي و يحظوا برفقتها لبعض الوقت ..

و في إحدي الأمسيات ..

صعدت "سلاف" إلي شقة "لبنة عمران" لكي تدرس مع "حلا" قرابة الساعتين كعادة كل يوم ... و بينما كانت "حلا" مستغرقة في الشرح لها ، لمحتها و هي شاردة

فدقت علي يدها قائلة :

-إيـــه يابنتي ؟ سرحانة في إيه بس يا سلاف ؟
أومال أنا بشرح لمين من الصبح ؟!

أفاقت "سلاف" من شرودها و ردت بأسف :

-معلش يا حلا أنا آسفة . سرحت غصب عني
كنتي بتقولي إيه ؟

حلا : يابنتي إنتي مش معايا خالص
و بعدين شكلك غريب كده من أول ما طلعتيلي و إنتي مش مظبوطة . مالك ؟؟!!

سلاف بإبتسامة مصطنعة :

-أنا كويسة يا حلا مافيش حاجة

حلا بتشكك :

-مش مصداقي . علي فكرة أنا عندي نظرة ثاقبة
شايفة العنتين دول ؟ .. ثم أشارت بإصبعيها إلي عيناها و أكملت :

-فيهم جهاز كشف الكدب

سلاف و هي تضحك :

-لا بجد !
إنتي فظيعة و الله يا حلا . بس بعيدا عن جهاز كشف الكدب بتاعك أنا أصلا فاشلة في الكدب و مابعرفش أكدب أبدا

حلا : طيب كويس . إديكي إعترفتي إنك مش بتقولي الحقيقة . ها بقي ! هسألك تاني
مالك ؟

تنهدت "سلاف" و قالت بشئ من التوتر :

-هي حاجة تافهة . و يمكن ماتكونش صح
يمكن أكون فاهمة غلط !

حلا بإستغراب :

-إيه ؟ إيه الإلغاز دي يا سلاف ؟!
ما تتكلمي بوضوح أكتر عشان أفهم

نظرت لها "سلاف" صامتة لثوان .. ثم قالت بتردد :

-مـايا

-مايا ! .. قالت "حلا" بدهشة ، و أدرفت بتساؤل :

-مالها مايا يا سلاف ؟؟؟

سلاف بتقطيبة حزينة :

-قابلتها علي السلم و أنا طلعالك . سلمت عليها عملت نفسها مش سمعاني .. ثم أطلقت زفرة حارة و قالت :

-أنا مش عارفة هي بتعاملني كده ليه يا حلا !
هي و مامتها من يوم ما وصلت و هما مش بيحبوا يشوفوني و لا يكلموني . أنا محتارة و الله مش عارفة أنا عملتهلم إيه !!

حلا و هي تربت علي كتفها بعطف :

-إهدي يا سلاف . إنتي مالكيش علاقة بحاجة يا حبيبتي
و ماعملتيش حاجة لحد . هي دي طبعيتهم ماتاخديش في بالك أنهم قاصدينك إنتي بالذات
لأ هما دايما بياخدوا نفس الموقف من أي بنت ممكن تقرب من البيت أو من أدهم تحديدا

عقدت "سلاف" حاجباها متمتمة :

-أدهــم !
مش فاهمة . ليه يا حلا ؟

حلا بإبتسامة خبيثة :

-أصل بيني و بينك . خالتو راجية من زمان و هي حاطة عينها علي أدهم

سلاف بإستغراب :

-حاطة عينها علي أدهم إزاي يعني ؟!!

حلا بنبرة خفيضة :

-خالتو راجية منمرة علي أدهم يا سلاف . عايزاه يتجوز مايا و أي بنت تحاول تقرب لأدهم بتاكلها بس ماتخافيش
إنتي عمتك تبقي طنط أمينة يعني حماية .. و ضحكت بمرح

سلاف بدهشة :

-طيب و أنا مالي بحاجة زي دي يا حلا ؟ هي فكراني ممكن أبص لأدهم ؟!

حلا بسخرية :

-مش فكراكي هتبصيله و بس . دي متأكدة إنك هتفضلي وراه لحد ما توقعيه و تخليه يتجوزك عشان كده لا هي و لا مايا طايقينك

رمقتها "سلاف" بذهول كبير و قالت :

-و الله يا حلا أنا مش بفكر في أي حاجة من دي
مش بفكر في أدهم أصلا ده أنا حتي مش بشوفه خالص و لا بكلمه و لا آ ...

-إيه إيه يا بنتي إهدي شوية .. قاطعتها "حلا" بضحك و أكملت :

-أنا عارفة منغير ما تقولي و ده لأني مقتنعة بإستنتاج مايا عن أدهم

سلاف : و إيه هو الإستنتاج ده ؟!

حلا : هي دايما بتقول عليه معقد و بيكره البنات . بصراحة أنا موافقها في الرأي و أعتقد بل أنا واثقة إن مسألة جوازه هتبقي صعبة جدا . مافتكرش إنه ممكن يتجوز أصلا .. ثم قالت بجدية :

-المهم يعني عايزة أقولك كبري دماغك مهما تشوفي منهم هما الإتنين نفضي . ركزي في الدراسة و بس و إنتي يعني مش هتفضلي قاعدة هنا طول عمرك مسيرك تقابلي إنسان مناسب تحبيه و يحبك و تتجوزي و تمشي من البيت ده

سلاف بإبتسامة :

-صح . يا حلا

حلا و هي ترد لها الإبتسامة :

-طيب يا ستي . نرجع نكمل مذاكرة بقي ؟ و لا إيه رأيك !

سلاف بحماسة :

-يلا طبعا

•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••

في شقة "أدهـم عمـران" ...

تتآفف "عائشة" بسأم و هي تغلق التلفاز عندما شعرت بالصداع جراء حديث أختها الممل

و نبرة صوتها المرتفعة ..

-بس بقي يا إيمان .. غمغمت "أمينة" بحدة و أكملت :

-ماتزوديهاش و خليكي واثقة في نفسك شوية . بنت خالك ذنبها إيه ؟ روحي صلحي حالك ماتعلقيش مشاكلك عليها هي لحقت تقعد معانا عشان تعمل مشاكل

إيمان صائحة بغضب :

-يعني إنتي بتفضليها عليا و علي مصلحتي يا ماما ؟ هي مين فينا إللي بنتك ؟ أنا و لا هي ؟!

أمينة بحدة :

-وطي صوتك يا بنت . جدتك ماينفعش تسمع منك الكلام ده

إيمان : خلاص ييقي تشوفيلها حتة تانية تقعد فيها أهم حاجة عندي تبعد عن هنا و خلاص أنا مش مستعدة أخسر جوزي بسببها

أمينة و هي تضرب كفيها بتعجب :

-لا حول و لا قوة إلا بالله !
و هي سلاف مالها و مال جوزك يابنتي ؟ البنت مابتتحركش من مكانها من ساعة ما جت عمرها ما إختلطت بحد هنا غير حلا عشان بيروحوا الكلية مع بعض و كمان بيذاكرو مع بعض

إيمان بغيظ :

-و من إمتي سيف بيعدي عليكوا في الطلعة و النزلة ؟ مش هي السبب ؟ من ساعة ما جت و هي قالبة البيت كله و هو بالذات كيانه مقلوب

أمينة : طيب هي إيه علاقتها ؟ جوزك كيانه مقلوب هي مالهاش دعوة روحي شوفيه ماله بعيد عنها

إيمان : بس آ ..

-مابسش .. قاطعتها "أمينة" بصرامة و تابعت :

-إقفلي علي الموضوع ده و إوعي تفتحيه تاني
سلاف بقت زيها زيكوا بالظبط مستحيل أفرط فيها هتفضل معايا و هفضل أرعاها لحد ما تروح بيت جوزها خلاص إنتهي

إنفتح باب الشقة في هذه اللحظة ، و دخلت "سلاف" ..

سلاف و هي تقترب منهم مبتسمة :

-مساء الخير يا جماعة

أمينة / عائشة :

-مساء النور يا حبيبتي

نظرت "سلاف" نحو "إيمان" بقلق و قالت بإرتباك :

-إزيك يا إيمان !

إيمان بفظاظة :

-أهـلا

رأت "سلاف" عمتها و هي تزجرها بغضب ، لتزفر "إيمان" بضيق و تنهض قائلة :

-أنا طالعة أحضر العشا . سيف زمانه جاي
تصبحوا علي خير .. و غادرت

عقدت "سلاف" حاجبيها بأستغراب و تساءلت :

-هي إيمان مالها يا عمتو ؟!

أمينة بإبتسامة :

-مافيهاش حاجة يا حبيبتي . تعبانة شوية بس
إنتي عارفة ظروف حملها و هي عشان أول مرة فتلاقيها مزاجية كده و كل ساعة بحالة

أومأت "سلاف" بتفهم ، لتتجه "عائشة" صوبها و هي تقول بمرحها المعتاد :

-تعاليلي بقي يا أبلة يا إللي مش عارفة أتلم عليكي إنتي
خلاص حلا إستحوذت عليكي برا البيت و جوا البيت و لا إيه !!

سلاف و هي تضحك :

-حبيبتي يا شوشو أنا معاكي علي طول يا قلبي

عائشة بنصف عين :

-أيوه ياختي ماهو باين . يلا قدامي علي الأوضة عشان عوزة أرغي معاكي حبة قبل ما أنام

سلاف بإبتسامتها العذبة :

-يلا يا حبيبتي !

°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°

بعد إسبوع ...

كانت "سلاف" جالسة مع جدتها في الغرفة ، خرجت بعد أن نامت الجدة علي صوت حفيدتها و هي تقرأ لها

قابلت "عائشة" في الردهة ..

سلاف : إيه يا شوشو رايحة فين ؟

عائشة بضجر :

-رايحة أعمل قهوة لسي أدهم ياختي . ما أنا ماليش لازمة في البيت ده بالنسبة له غير إني بعرف أعمل قهوة حلوه

ضحكت "سلاف" و قالت :

-طيب ماتزعليش ياستي . روحي إنتي شوفي حاجة تانية أعمليها و أنا هعمله القهوة

-إنتي تعمليله القهوة ؟! .. قالتها "عائشة" بإضطراب

سلاف : أيوه

عائشة بعدم ثقة :

-و إنتي إللي هدخليهاله يعني ؟

سلاف بجدية :

-أيوه يا بنتي . يلا بقي روحي شوفي إللي وراكي
بس قوليلي الأول قهوته إيه ؟

عائشة بتردد :

-مـ مظبوطة !

سلاف : أووك تمام . عن إذنك بقي .. و توجهت إلي المطبخ

بينما وقفت "عائشة" تحدق في إثرها الفارغ و هي تتمتم بخوف :

-ربنا يستر !!

أعدت "سلاف" القهوة و مضت بها إلي غرفة "أدهم" ... دقت علي الباب ، فسمعت صوته الرجولي يقول :

-إدخلي يا عائشة

إبتسمت "سلاف" ثم أدارت المقبض و ولجت و هي تقول :

-أنا سلاف !

تجمد "أدهم" في هذه اللحظة و شخص ببصره ..

كان جالسا خلف مكتب صغير ، و بدا منهمك في عمل ما .. لكنه توقف عن كل شئ لحظة سماع صوتها

إقتربت "سلاف" منه مكملة :

-أنا بقالي كذا يوم مش بشوفك . فقلت أجي أسلم عليك
إزيك يا أدهم ؟

هز "أدهم" رأسه مجيبا بصوت مهزوز :

-الحمدلله كويس

و هنا وصلت عنده و وضعت فنجان القهوة أمامه و هي تقول بإبتسامة لطيفة :

-القهوة المظبوطة يافندم . أنا عملتهالك بإيديا علي فكرة

أدهم و هو يشيح بوجهه عنها بتوتر شديد :

-شـ شكرا . تقدري تتفضلي دلوقتي

عبست "سلاف" و هي تنظر له بإستغراب سرعان ما تحول إلي نفاذ صبر ، فقررت أن تواجهه الآن ..

دنت منه ببطء و هي تقول بصوتها الرقيق الخافت :

-ممكن أعرف إنت ليه مش بتبصلي و أنا بكلمك ؟
و دايما بتحط وشك في الأرض لما بتشوفني !

أدهم متململا بإرتباك :

-أنا مش قصدك إنتي علي وجه الخصوص يا سلاف
هي دي شخصيتي . أنا مابتعاملش مع ستات أصلا غير أمي و إخواتي و تيتة حليمة

لوت "سلاف" فمها بإمتعاض و قالت :

-بس ده مش صح يا أدهم . إنت إنسان متعلم و مثقف
دكتور . لازم تكون Open Minded أكتر من كده .. و حطت بيدها علي كتفه بحركة عفوية

إنتفض "أدهم" بقوة كمن لدغه العقرب ، ثم هب واقفا و هو يدفع يدها بعنف صائحا :

-من فضــلك . الحركة دي ماتتكرش تاني . إوعي تلمسيني مرة تانية إلزمي حدودك .. ثم مد ذراعه بإتجاه الباب و جأر بصوت أكثر غلظة :

-إتفضلي إطلعي بـرآاا . و أوضتي دي ماتدخليهاش تاني أبدا
و تخليكي في حالك من هنا و رايح ماتتكلميش معايا نهائي و لا تسلمي عليا حتي سـآامعة 




                    البارت السابع من هنا 



تعليقات