قصة ورد
البارت الاول1
بقلم ندا سليمان
"عشان تموّت وجع جواك احكي عنه، الفضفضة بمثابة طرد ليه من أراضي قلبك"
جملة كل مرة كان الدكتور بيبدأ بيها، جلسة العلاج النفسي الجماعية، وكل مرة حد فيهم بيموت وجعه، بس أنا كنت دايماً ساكته، بتفرج وأسمع من غير كلام، معرفش ليه ما شاركتش؟
هل لإني ماكنتش شجاعة كفاية إني أواجه وجعي وأموته؟ممكن عشان كنت بطبعي خجولة، أو يمكن عشان الطفلة الجبانة المكسورة، كانت عايشة جوايا وآسرة روحي، ولا لإني أصلاً مش عاوزاه يموت؟! أيوه ممكن ماكونتش مش عاوزاه يموت؛ عشان هو الذكرى الوحيدة إللي بقيالي، بس أعتقد أهم سبب؛ عشان كنت عاوزة قلبي يفضل قاسي، مايفكرش لحظة يميل أو يثق في حد، الثقة جوايا كانت مقرونة بالموت!
بس أنا قررت انهاردة أحكي حكايتي لا عشان أطرد الوجع ولا حتى عشان أموته لإن عمري ما كنت مؤمنة بإن الفضفضة بتموت الوجع، يمكن هحكي لإني اكتشفت إن عمري ما هنسى، ولإني لا بقيت الخجولة ولا الضعيفة ولا الجبانة المكسورة، بقيت واحدة تانية، دلوقتي مستعدة تواجه الوجع...
من ٢٠ سنة كنت عايشة أجمل فترة في حياتي كلها، وسط أمي وأبويا وأختي الكبيرة، كنا بنتين بس "أزهار وورد"، أزهار أكبر مني ب٥ سنين، حكتلي قبل كده إنهم كانوا عايشين في القاهرة، بس بابا ساب شغله ورجع للصعيد وبعدها أنا اتولدت، قالتلي كمان إن هي إللي اختارت اسمي عشان بتحب الورد، أنا طلعت شبه أبويا وأهله، سمار وملامح صعيدية أصيلة، أما أزهار فخدت كل جمال أمي، عاملة زي الأجانب، كان الكل بيستغرب ازاي إحنا إخوات! وازاي هي من الصعيد أصلاً! وكل إللي في البلد بيحسدوا بابا على جمالها ويقولوا لما تكبر العرسان هتقف على بابنا طوابير. كنا عايشين حياة سعيدة أوي، صوت الضحك مابيسكتش في بيتنا، ولا ريحة الحلويات من إيد أمي.
لحد ما انطفى أول نور في بيتنا بموت أمي، وقتها كان عندي ٦ سنين، أول مرة أدوق طعم الوجع، الكل بيصرخ ويلطم وأنا وأزهار ساكتين، بنبص للفراغ بعيون جعانة بتدور على الضي، كنت حاسه بوجع في قلبي، لا أنا كنت حاسه إن قلبي مش موجود، حاسه بفراغ وتوهه وفزع، يومها أزهار خدتني في حضنها وعيونها كانت بتوعدني إنها هتفضل جنبي.
أبويا كان بيحب أمي أوي بس بعد ٤٠ يوم، أبوه غصبه وجوزه بنت عمه بحجة إننا بنات صغيرين ومحتاجين لست في البيت، ولإنه مايكنش بيقدر يكسر لجدي كلمة وافق، مراة أبويا في الأول كانت حنينة علينا، بس الحنية دي دامت لسنة واحدة بس، لحد ما جابت أول أخ لينا، بعدها اتحولت لحد تاني خالص، كانت دايماً تضربني وتعاملني بقسوة أنا وأختي، لحد ما في مرة أزهار وقفتلها واشتكت لأبويا، وقالتلها ملكيش دعوة بيها تاني أنا هشيل همها اعتبريني أمها، أزهار كانت كل حاجة في حياتي مش مجرد أخت، كل حاجة في الحياة اتعلمتها منها، كانت طموحة أوي، وكل حلمها تكمل دراستها وتدخل الجامعة في القاهرة وتاخدني ونعيش هناك، حتى ماكنتش بتتكلم صعيدي ودايماً تعلمني أتكلم زي القاهروية، عشان لما نسيب الصعيد ونعيش هناك، كانت شاطرة اوي في المدرسة، وبقيت أنا كمان شاطرة عشان هي دايماً تذاكرلي، بتفكرني بأمي، شكلها وريحتها وحنيتها، وكل مانكبر تبقى شبهها أكتر.
أبويا من بعد ماخلف إخواتي الولاد اتحول، كإنه نسي أمي ونسي من الأساس إنه مخلف بنات!
بقى مشغول مع جدي واعمامي ومابنشفهوس كتير في البيت ولا يعرف عننا حاجة، بقينا أنا وأختي ملناش غير بعض في الدنيا، لولا وجودها كان زماني عايشة مقهورة بسبب مراة أبويا وعمايلها.
أزهار من لما تمت ١١ سنة والعرسان بتخبط على بيتنا، كنت خايفة أوي تتجوز وتسيبني، بس كانت شخصيتها قوية من صغرها، عشان كده محدش قدر يغصبها على حاجة، ماكنتش عاوزة تتجوز حد من الصعيد عشان مش مستعدة تتنازل عن حلمها، اتمسكت بأحلامها وقالت لأبويا إنها مش هتتجوز غير لما تخلص تعليمها، عشنا سوا بنعد الأيام والسنين، مستنين اللحظة إللي هتاخدني فيها ونمشي من الصعيد، كانت كل يوم العصر تاخدني ونروح نقعد في أرضنا، نفتكر سوا ذكرياتنا مع أمي، وتقرالي شعر وروايات من الكتب إللي كانت بتشتريها بمصروفها، السنين كانت بطيئة بس بحنيتنا على بعض قدرنا نعدي منها، لحد ما خلاص بقى كلها سنة وأزهار تدخل الجامعة وتحقيق حلمنا يقرب.
وفي يوم روحنا نحضر فرح بنت العمدة، هي وأختها كانوا أصحاب أزهار، يومها أزهار كانت جميلة اوي رغم إنها لبست فستان قديم وبسيط، وادتني فستان جديد لسه مالبستهوش قبل كده، فاكرة أول ما شافتني بيه ابتسمت أوي وكنت حاسه إن أمي واقفه قدامي، باست راسي وقالتلي "عقبال ما يجي اليوم إللي اسلمك فيه لعريسك يا وردي"، اترميت في حضنها وكنا فرحانين أوي، روحنا ومكناش عارفين إن في الليلة دي هتبدأ اللعنة.....