وكفى بها فتنه
البارت الاول1
بقلم مريم غريب
~¤ نبوءة صادقة ¤~
القاهرة / أغسطس 2017 ...
كان منزل آل"عمران" في وسط هذه الضاحية الراقية .. عالي البناء ، واسع الجنبات ، معروف للغرباء و الجيران في الجوار بفخامته و أهله أصحاب السلطان و النعمة و الثراء
و بخاصة كبير العائلة ... "أدهم صلاح عمران" ذلك الشاب الذي لم يتجاوز بعد الثلاثين من عمره
لقد نشأ في عائلة ملتزمة دينيا ، و عرف بمنزلته العظيمة بين الجميع و ما له من مكانة كبيرة في المجتمع أيضا
حيث تخرج منذ عامين من جامعة القاهرة حاملا شهادة الطب ، لكنه بجانبها طلب العلوم الشرعية الإسلامية
و ذلك تلبية لوصية والده الذي كان من كبار العلماء المشهورين بمصر و العالم العربي ... الداعية و الخطيب و المناظر "صلاح عمران" ..
آثرت وفاته علي حياة "أدهم" تأثيرا شديدا ، ليصبح أكثر تعقلا و حكمة ، إذ زاد إهتماما بدراسته و حصل علي عدة شهادات علية
و بما أنه يتمتع بإسلوب شيق و لغة حوارية معتدلة مع من حوله ، قرر أن يتخذ مهنة التدريس كعمل له ، و بالفعل أحرز نجاحا باهرا في هذا الصدد ، و شغل منصب مرموق بالجامعة
و ما يميزه أيضا أنه بإستطاعته أن يلقي دروسه بالإنجليزية و الفرنسية و الألمانية بجانب العربية مما جعله يبدو كموسوعة علمية
و لكنه لم ينسي وصية والده أبدا و لم يترك ميراث العلم الثمين الذي تركه له ، فعمل علي تقسيم وقته بين الجامعة و بين الخطب التي يعقدها بالمساجد أو المراكز التعليمية الكبري
و هكذا ذاعت شهرته في كلا المجالين ، و بدأ الطلبة و الشباب يحضر دروسه قادمين من أماكن بعيدة ، حتي أنه تم تقديم بعض العروض عليه من خلال عدة قنوات فضائية
لكنه رفض رفضا قاطعا لعدم حبه للأضواء و عالم النجومية ، فهو شخص متواضع جدا و دمث الأخلاق بصورة عالية ... لكن به عيب واحد
يكره النساء بشدة ، منذ حرمه والده من متع الحياة و هو في سن الثامنة عشر و جعله يسير باكرا علي الطريق المستقيم
بعث معه بأهم وصية لكي يحافظ علي كل ما فعله له
_ النساء فتنة _ .. و من يومها لا يراهن "أدهم" بصورة أخري ...
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
أشرق صباح يوم جديد علي منزل آل"عمران" ...
ينقسم المنزل كله إلي ثمانية طوابق ، و في كل طابق شقة مستقلة
في الطابق الأول يسكن "أدهم عمران" معه والدته "أمينة مأمون" و شقيقته "عائشة" التي تصغره بخمسة أعوام ، و جدته من جهة أمه السيدة "حليمة" ..
كانت الشقة هادئة كما تبدو ، و لكن الحركة فيها بدأت منذ فترة الصباح الأولي ... حيث إنتهت "أمينة" من إعداد مائدة الفطور ، بينما أخذت "عائشة" صينية طعام خاصة و أدخلتها إلي حجرة جدتها
تنظر "أمينة" في ساعة الحائط الآن ، ثم تنادي إبنتها بصوتها اللطيف :
-عائشة ! .. يا عائشة
روحي صحي أخوكي يا حبيبتي أحسن يتأخر . الساعة بقت 7 و نص
عائشة من الداخل :
-حاضر يا ماما هروحله أهو
و لكنها عندما دلفت إلي شقيقها وجدته مستيقظ بالفعل ، بل و كان منتهيا من إرتداء ملابسه
فقط كان يضع اللمسات الأخيرة علي نفسه ، المتمثلة في تمشيط خصيلات شعره الطويلة ، و تسوية لحيته الكثيفة بالفرشاة الناعمة ..
أطلقت "عائشة" صفيرا عاليا مظهرة إعجابها به ، ثم قالت و هي تقترب منه ببطء :
-الله الله يا أخي
إيه الجمال و الحلاوة دي علي الصبح يا دومي يا حبيبي ؟
إنت رايح تتجوز و لا إيه ؟!
يلتفت "أدهم" بطوله البالغ 190سم ، و ينظر لأخته من خلال عينيه العسليتان العميقتان ، ثم يقول بإبتسامته الجذابة :
-دمك بقي خفيف أووي يا عائشة
عايزة إيه يا حبيبتي ؟
عائشة ببراءة :
-مش عايزة حاجة يا حبيبي عايزة سلامتك
أنا بس جيت أصحيك زي ما قالتلي ماما
أدهم : و أديكي جيتي لاقتيني صاحي . إتفضلي إخرجي بقي خليني أكمل لبسي
عائشة بذهول :
-تكمل إيه تاني يا أدهم ؟ إنت مش حاسس بالجو يا حبيبي ؟ دي الدنيا نار برا !!
أدهم بضيق :
-يا أذكي مخلوقات ربنا . يعني هخرج حافي ؟!
تلقائيا هبطت بناظريها إلي قدميه ، لتجده لا يرتدي سوي الجوارب ..
-آاااه . طيب مش تقول كده يا دومي .. قالتها "عائشة" بإبتسامتها البلهاء ، ليرد "أدهم" بنفاذ صبر :
-أديني قلت . إتفضلي برا بقي
عائشة بإسلوب درامي :
-برا ؟ بتطردني يا أدهم ؟؟؟
بتطرد أختك ؟ شقيقتك ؟ حبيبتك ؟
أدهم مبتسما رغما عنه :
-و لو ماخرجتيش دلوقتي حالا هرميكي من الشباك إيه رأيك ؟ .. ثم صرخ بها :
-قلت برآااااا
عائشة و هي تفر من أمامه ضاحكة :
-طيب خلاص ماتزوقكش طالعة أهوو !
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
في الطابق الثاني ...
تسكن عمة "أدهم" الكبري "راجية عمران" .. و هي إمرأة في أوائل العقد الخامس من عمرها
متزوجة و لديها ثلاث أبناء ... "سيف" 27 عام ، و التوأم "مالك" و "مايا" 20 عام
زوجها مغترب في الخارج ، يدير شركة إلكترونيات مشهورة و لا يأتي سوي مرتين كل عام ..
تضع "راجية" أخر صحن فوق طاولة الطعام ثم تتوجه نحو غرفة إبنتها .. "مايا" المدللة التي تحوز علي إهتمام و حب والدتها بشكل كامل
حيث تري فيها "راجية" مشروع إستثماري ناجح ، رغم أنها متوسطة الجمال ، لكنها تأمل بل و كلها تصميم و إصرار أن يتم زواجها من "أدهم" في وقت قريب جدا ..
-مايا . يويا حبيبتي ! .. قالتها "راجية" بلطف بالغ و هي توقظ إبنتهت بمنتهي الرقة
-يلا بقي يا كسلانة إصحي . إصحي يا مايا المحاضرة هتفوتك
تفتح "مايا" عيناها بتثاقل و تغمغم بضيق :
-في إيه بس يا ماما ؟ بتصحيني بدري ليه ؟!
راجية بضحك :
-بدري إيه بس يابنتي ؟ ده إنتي ناموسيتك كحلي إنهاردة الساعة 8 يا حبيبتي
مايا بصوتها المغناج :
-طيب و ماله . لسا بدري
سيبيني نص ساعة كمان بليز يا ماما
و صقت أذنها بالوسادة ، لتسحبها "راجية" منها بقوة و هي تصيح بحزم :
-قوومي يا مايا . قومي عشان تلحقي أدهم قبل ما يمشي ياخدك في سكته . بقولك قومي أحسن و الله هروح أجيب إبريق الماية و هحميكي هنا
مايا و هي تقفز جالسة بسرعة :
-لأ خلاص خلاص
قومت أهو
راجية بصرامة :
-أيوه كده . إتفضلي قومي إغسلي وشك و إلبسي هدومك و علي السفرة بسرعة لحد ما أروح أصحي أخوكي
و بينما كانت "مايا" تتثاءب و تنفض عنها آثار النوم ، توجهت "راجية" إلي الغرفة المجاورة ... غرفة "مالك" صاحب الحظ القليل في هذا البيت
لكونه الفرد الأطيب بين إخوته ، لا تفضله والدته كثيرا ، و لكن بقية العائلة جميعهم يحبونه ...
تدخل "راجية" غرفة إبنها ، لتجد الفوضي تعمها من كل حدب و صوب
زفرت بحنق و هي تمضي نحو النافذة لتفتحها ، في نفس الوقت تعالت نبرة صوتها الحادة :
-مالك بيه ! إصحي يا باشا . إصحي يافندي
الشمس طلعت و ملت الدنيا برا
يتململ "مالك" في مضجعه بتكاسل و هو يرد بنعاس :
-إيه الغاغا دي يا ماما ؟ كل سبت بتصحيني علي الإسطوانة دي . ما إنتي عارفة أنا إنهاردة أجازة ماعنديش محاضرات
راجية بإستهجان :
-ماعندكش محاضرات ده معناه إنك تفضل مرنخلي في السرير كده طول النهار ؟ فز قوم يا واد
يقوم "مالك" و يجلس نصف جلسة و هو يغمغم بغيظ :
-أهو يا ماما قومت إستريحتي ؟ حضرتك عايزه إيه دلوقتي بقي ؟؟؟
راجية بغلظة :
-قوم إتنيل إغسل وشك و إفطر عشان هتساعدني إنهاردة في شغل البيت . المطبخ يضرب يقلب . هنقلبه كله أنا و إنت و بعدين هنرتبه سوا . و كمان في سجادة عايزة تتغسل
مالك بإستنكار ممزوج بالعصبية :
-نعـــــم ! إنتي بجد عايزاني أقوم معاكي بشغل البيت ؟
أومال الست هانم بنتك لزمتها معاكي إيـــه ؟؟؟
راجية بغضب :
-عارف يا مالك لو ما قومت تعمل إللي قولتلك عليه من سكات ؟ قسما بالله لأكون مكلمة أبوك يشوفله صرفة معاك
مالك : لا و علي إيه يا ست الكل ؟ بلاش نزعج الحج بالمسائل التافهة دي .. ثم أكمل بضيق :
-بس ونبي بلاش حكاية السجادة دي
أوديهالك الـDray Clean أحسن
راجية : Dray Clean إيه ياخويا ؟ مابينضفوش حلو
مافيش أحسن من عمايل الإيد . يلا قوووم
و تركته و خرجت ، ليمط كتزته و هو يتمتم بغيظ شديد :
-أقول إيه بس يا رب ؟ الصبر
الصبر يـــا رب
تعود "راجية" إلي غرفة "مايا" لتجدها واقفة تصفف شعرها أمام المرآة ..
-إيه ده يا مايا ؟ .. قالتها "راجية" بتساؤل ، لتلفت لها "مايا" و تستوضحها بإستغراب :
-إيه يا ماما !
راجية : إيه إللي بتعمليه في شعرك ده ؟ و إيه إللي إنتي لابساه ده ؟
مايا بضيق :
-إيه مش عجبك ؟!
راجية بإنزعاج :
-أيوه مش عاجبني . إحنا مش إتفقنا تغيري ستايل لبسك ؟
أدهم مابيحبش كده لازم تلتزمي بالحجاب عشانه
زفرت "مايا" بقوة و قالت :
-يا ماما 100 مرة قولتلك أدهم ده بني آدم معقد
أنا مش عارفة إنتي ليه مصممة تدبسيني فيه !!
راجية بحدة :
-مآياا . مش عايزة أسمعك تقولي الكلام ده تاني
إنتي لازم تتجوزي أدهم فاهمة ؟ أنا مش هسمحلك تبوظي خطتي . إللي أقولك تنفذيه منغير كلام أنا عارفة مصلحتك و بعدين أدهم كويس إنتي تتحصلي علي واحد زيه أصلا
مايا بحنق :
-أدهم ده مايساويش في نظري حاجة أصلا . أنا مش فاهمة إنتي ماسكة فيه ليه ؟!
راجية : إنتي عارفة أنا ماسكة فيه ليه . و الجوازة هتم يا مايا و إنتي هتعملي كل إللي هقولك عليه
و لا عايزة حلا بنت لبنة و لا أي واحدة تانية تيجي تلعب عليه و تخطفه مننا
مايا بتعجب :
-إنتي فاكراه سوبر مان و لا إيه ؟ ده مغضوب عليها إللي هتتجوزه هتشوف أيام سوده ده عنده كل حاجة حرام يا ماما ده متخلف !
راجية بنفاذ صبر :
-بت إنتي . متخلف مش متخلف هتتجوزيه و رجلك فوق رقبتك . و إتفضلي غيري اللبس ده و حطي الطرحة علي راسك
رمقتها "مايا" بنظرات غاضبة و تمتمت بتبرم :
-أدهم و زفت . ربنا ياخده عشان أرتاح
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
في الطابق الثالث ...
تسكن العمة الصغيرة لـ"أدهم" .. "لبنة عمران" البالغة من العمر 39 عام ، أرملة و لديها إبن و إبنة
"عمر" 18 عام و "حلا" 20 عام ..
كانت "حلا" قد إستيقظت باكرا اليوم قبل أمها ، فتحضرت من أجل الذهاب إلي الجامعة ، ثم راحت تعد الفطور ..
إستيقظت الأم في هذه الأثناء ، سمعت الضوضاء المنبعثة من المطبخ ، فمضت متتبعة الأصوات حتي وصلت عند إبنتها ...
-صباح النور علي القمر .. قالتها "لبنة" بإبتسامة ، لتلتفت "حلا" و تقول و هي ترد الإبتسامة إلي والدتها :
-صباح الفل يا لولا . إيه ياستي النوم ده كله
مش متعودة منك علي كده !
لبنة بإنهاك : و الله يا حلا من إمبارح الصداع ماسكني و مادرتش بنفسي إلا دلوقتي رغم إني نايمة بدري
حلا بإهتمام :
-بعد الشر عليكي يا ماما ألف سلامة
طيب أقيسلك الضعط ؟
لبنة بلطف :
-لا يا حبيبتي مالوش لزوم . إمبارح أدهم إداني حباية مسكنة و قالي خديها يا عمتي و نامي علطول هتصحي رايقة و أديني قدامك كويسة أهو
حلا : بس بردو نطمن . إيه يعني حباية مسكنة ؟
لبنة بإبتسامة :
-ماتقلقيش يا حبيبتي بقي . ما قولتلك أدهم شافني إمبارح و قالي مافيش حاجة .. ثم قالت مغيرة مجري الحديث :
-قوليلي بقي وراكي كام محاضرة إنهاردة ؟
حلا : عندي سكشن الساعة 10 و محاضرة واحدة علي الساعة 1 و نص كده
لبنة : طيب إيه إللي هينزلك بدري كده !
حلا : هنزل بدري عشان الكتب . الطابور عليها بيبقي زحمة و بقالي إسبوع مش عارفة أجيبهم فقلت أنزل بدري عشان ألحق مكان و أهو بالمرة أخد البت مايا في سكتي بدل ما هي بتتمرقع لوحدها في المواصلات
ضحكت "لبنة" و قالت :
-ماشي يا حبيبتي . ترجعيلي بالسلامة يا رب
حلا بإبتسامة :
-إن شاء الله مش هتأخر . بس المهم إنتي ماتنسيش تصحي سي عمر الساعة 12 عشان يلحق أول درس في الـCenter إنتي عارفاه كسول و عايز إللي يزؤه و هو ثانوية عامة السنة دي يعني ماينفعش يبدأها لعب
لبنة : حاضر يابنتي إللي قولتي هيحصل إن شاء الله ماتقلقيش
و في هذه اللحظة و صل إليهما صوت الجلبة المعتادة في كل صباح ...
زفرت "حلا" بضيق ، بينما أرهفت "لبنة" السمع عبر نافذة المطبخ و هي تتساءل :
-سامعة يا حلا إللي أنا سمعاه ؟
حلا بضجر :
-طبعا سامعة . وصلة الخناق الصباحية بتاعة كل يوم
سيف و إيمان
تنهدت "لبنة" بآسي و قالت بحزن :
-العيال دول تملي ينكدوا علي بعض كده ؟
ربنا يهديهم !
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
في الطابق الرابع ...
تسكن "إيمان عمران" شقيقة "أدهم" المتوسطة ، و التي تصغره بعامين فقط
و كعادة كل صباح في وقت عودة زوجها و إبن عمتها "سيف حسن عزام" من الخارج ، ينشب بينهما هذا العراك الذي لا ينتهي أبدا علي ما يبدو ..
-يا أخي حرام عليك إرحمني ! .. قالتها "إيمان" صارخة في زوجها بحرقة و أكملت :
-إنت إيـــه مابتحسش ؟ علطول معيشني معاك في القرف ده ؟ هستحملك لحد إمتي أنا ؟ إتقي الله بقي حرآاام عليــك
ضم "سيف" قبضتاه بقوة و هو يهدر بعنف شديد :
-إنتي إللي شكلك مش ناوية تجبيها لبر معايا يا إيمان
و بعدين إنتي إللي مستحملاني يا حبيبتي ؟ ده أنا إللي ليا الجنة إني مستحمل قرفك كل ده أصلا مش كفاية معاشر واحدة نكدية و خميرة عكننة زيك ؟ لمي الدور أحسنلك و ماتخلنيش أنفعل عليكي أكتر من كده
إيمان ببكاء :
-دلوقتي بقيت نكدية و خميرة عكننة يا سيف ؟ عشان بحاول أحميك من نفسك و من شيطانك بقيت كده ؟
عاجبك يعني منظرك و إنت بترجعلي كل يوم وش الصبح و ريحة الخمرة و الستات فايحة منك ؟ ليه بتعمل فينا كده ؟ ليه حرام عليك ليـــــه ؟؟؟
سيف بعصبية :
-قولتلك 100 مرة مالكيش دعوة بتصرفاتي
مالكيش دعوة بخرج إمتي و لا برجع إمتي . إنتي متجوزاني علي كده و أنا من أول يوم يا بنت الناس نبهت عليكي لا تسأليني رايح فين و لا جاي منين
حصل و لا لأ ؟؟؟
إيمان بصوت كالأنين :
-حصل . بس دلوقتي الوضع إختلف .. و تلمست بطنها ذات الستة أشهر و تابعت :
-إنت كمان شهرين و هتبقي أب يا سيف . يعني لازم تبعد عن طريق المعاصي ده عشان ربنا يكرمنا للأخر . أنا بحبك و مستمحلاك لحد دلوقتي . لكن لو فضلت ماشي في السكة دي أنا مش هقدر أكمل معاك لإن ده هيكون ظلم لإبني قبل ما يكون ظلم لنفسي
سيف بسخرية ممزوجة بالإنفعال :
-ياختي في ستين داهية إنتي و إبنك . المركب إللي تودي
إنتي فكراني ميت في دباديبك ؟ طب و حياة أمي مانا قاعدلك فيها
و سحب سلسلة مفاتيحه من فوق الطاولة و إندفع صوب باب الشقة
صفقه خلفه بعنف ، ليرتعد الباب في إطاره و تنهار "إيمان" أكثر ، و تزداد حرارة بكائها أكثر و أكثر ...
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
في شقة "أدهم عمران" ... يجلس إلي مائدة الفطور مع والدته و شقيقته
يلاحظ غياب الفرد الأهم ، فيتساءل :
-أومال فين تيتا يا ماما ؟ مش بتفطر معانا ليه إنهاردة ؟!
أمينة بإبتسامة :
-تيتة فطرت من بدري يا حبيبي . قالتلي مش هتقدر تطلع من أوضتها إنهاردة فدخلتلها الأكل لحد عندها
أدهم بقلق :
-هي لسا تعبانة ؟؟
أمينة : لأ كويسة بس إنت عارف حكم السن مش بتقدر تتحرك زي الأول
أومأ "أدهم" بتفهم ، لتقول أمه بإستذكار :
-أه أدهم معلش يا حبيبي هطلب منك طلب
أدهم بتأكيد :
-طبعا يا ماما إتفضلي
أمينة : قبل ما تنزل إبقي أطلع شوف أختك إيمان عشان سمعتها من شوية بتتخانق مع سيف
أدهم بتجهم :
-مش إنتي لوحدك إللي سمعتيهم
صوتهم كان جايب البيت كله
أمينة : طيب معلش عشان خاطري إطلع أطمن عليها و كلم سيف كده قوله يهدي أخلاقه شوية
أدهم بغضب دفين :
-أنا لا هطلع و لا هنزل و بعدين أنا لو شوفت الزفت ده مش هتكلم معاه أقل حاجة هضربه و أطرده برا البيت نهائي
أمينة : يا حبيبي مايصحش كده . راعي بردو إنه آبن عمتك و جوز أختك و هي كمان بتحبه
أدهم ببالغ الأسف : ما ده إللي مسكتني عليه لحد دلوقتي . إنها بتحبه
مش عارف علي إيه
تنهدت "أمينة" بثقل و قالت :
-ربنا يهدي سرهم بقي
هز "أدهم" رأسه بعدم رضا ، بينما صاحت "عائشة" بنبرة مرحة :
-ماما إنتي برج الأسد صح ؟
نظرت لها "أمينة" و أجابت :
-أه تقريبا يا عائشة . بتسألي ليه ؟
عائشة : كنت بشوفلك حظك اليوم معايا .. و لوحت بالجريدة أمام عيناها و أكملت :
-بيقولك أخبار سيئة تطرق بابك . بالنسبة لأدهم برج الحوت بيقولك حادث جديد يغير حياتك . يانهار أبيض حادث ؟ ماتنزلش إنهاردة من البيت بقي يا أدهم
رمقها "أدهم" بنظرة جانبية و قال بجدية :
-عائشة مليون مرة أقولك الأبراج و الكلام الفاضي ده حرام . محدش بيطلع علي الغيب إلا ربنا
زمت "عائشة" شفتاها بطفولية و قالت :
-بس و الله ساعات بيقولوا حاجات و بتحصل !
أدهم بسخرية :
-بيقولوا إيه بس يا هبلة ؟ ده ضحك الدقون ما أي حد ممكن من نظرة يخمن حالتي و يقولي أنا علي بكره هعمل إيه أو ممكن يحصلي إيه . و بإعتبارنا مجتمع كسلان و عاطفي زيادة عن اللزوم السيناريوهات بتاعتنا كلها متشابهة . فجماعة زي دول من السهل جدا يخمنوا حالة يومك و يومي . إحنا بالنسبة لهم كتاب مفتوح و ثقافتنا كشفانا ليهم أكتر
عائشة بإعجاب :
-ما شاء الله . إيه الدماغ دي يابني و لا تولستوي في زمانه
أدهم و هو يقرب فنجان القهوة من فمه :
-بطلي غلبة بقي و ماتقريش في الحاجات دي تاني . لأخر مرة هقولك حرام
و تجرع ما تبقي من الفنجان ، ليدق باب الشقة في اللحظة التالية .. تذهب "عائشة" لتفتح و إذا بها "مايا"
رمقتها "عائشة" بإبتسامة عريضة و إستدارت صائحة :
-يا أدهـــــم . أنا خلاص إقتنعت إن الأبراج دي طلعت كفتة
فعلا كلامهم كله بيطلع غلط في الأخر
نظرت لها "مايا" بإستغراب و تساءلت :
-بتقولي إيه يا عائشة ؟!
عائشة بضحك :
-بقول صباح الخير يا حبيبتي . عاملة إيه يا مايا ؟
مايا بإبتسامة متكلفة :
-الحمدلله يا شوشو كويسة . يا تري أدهم صحي ؟
عائشة : من بدري يا حبيبتي و بيفطر كمان . إدخلي إدخلي إنتي مش غريبة يا مايا
و دخلت "مايا" و ألقت التحية علي زوجة عمها و "أدهم" بلطف زائف :
-صباح الخير يا طنط أمينة . صباح الخير يا أدهم
أمينة بإبتسامة : صباح النور يا مايا يا حبيبتي
و لاحظت "أمينة" عدم إجابة إبنها ، فإلتفتت له و زجرته بعتاب ، ليقول بضيق :
-أعتقد إن السلام عليكم تحية الإسلام أحسن بكتير من صباح الخير . و علي العموم صباح النور
ثم قام من مكانه مكملا بنبرته الفاترة :
-الحمدلله . عن أذنكوا هدخل أبص علي تيتا قبل ما أنزل
و توجه إلي غرفة جدته ..
أما "مايا" فقد كانت واقفة تحتدم غيظا ، فيما تجاهد "عائشة" نفسها حتي لا تنفجر ضاحكة
لكزتها "أمينة" في كتفها و هي تقول بحرج :
-تعالي يا مايا يا حبيبتي إفطري معانا
مايا بصوت أجش :
-لأ يا طنط أنا أكلت الحمدلله عن إذنكوا ورايا جامعة
أمينة : يابنتي جاية في إيه و ماشية في إيه ؟!
مايا و هي تتجه صوب باب الشقة :
-كنت جاية أصبح عليكوا . باي يا طنط و لا سوري السلام عليكم
و غادرت ..
لتقوم "أمينة" بغضب و تلحق بإبنها
كان جالسا قبالة جدته العجوز علي طرف فراشها ... يضحك و يمزح معها بمنتهي الود ، حتي جاءت أمه ..
-ممكن أفهم إيه قلة الذوق دي ؟ .. قالتها "أمينة" بحدة ، و تابعت :
-أنا نفسي أفهم إنت ليه بتعامل بنت عمتك كده ؟!
أدهم بلهجة مهذبة :
-يا أمي إنتي عارفة كويس أنا بتعامل معاها كده ليه
هي أصلا طالعة و عايزاني أوصلها الجامعة زي كل يوم و إنتي عارفة إني مابحبش كده و قلت لحضرتك تتصرفي في الموضوع ده بس ماحصلش فقلت أحله أنا
أمينة بإنفعال :
-تقوم تتكلم معاها بقلة الذوق دي ؟؟؟
تدخلت "عائشة" : علي فكرة يا ماما أدهم ماغلطش
أمينة بغضب :
-مالكيش دعوة إنتي
-في إيه يا أمينة ؟ .. قالتها "حليمة" بصوتها المتحشرج ، و أكملت بحدة :
-بتزعقي لأدهم ليه ؟ ماتتكلميش معاه بالإسلوب ده أدهم عمره ما غلط
أمينة بضيق شديد :
-يعني يرضيكي يا ماما يكسف بنت عمته و يكلمها بالطريقة دي ؟
حليمة بإستهجان :
-مش البت مايا ؟ أحسن تستاهل ما هي بت سهتانة أصلا و مابتعجبنيش
قهقهت "عائشة" إثر جملة جدتها ، و إبتسم "أدهم" بخفة أما "أمينة" فردت بغيظ :
-ماشي يا ماما شجعيه . شجعيه كمان و خليه يخسر أهله بسبب تصرفاته دي . أنا خلاص مش هفتح بؤي معاه تاني هو حر
و إستدارت لترحل ...
ريتت "حليمة" علي يد "أدهم" و قالت ببشاشة :
-و لا يهمك يا أدهم . إنت صح يا حبيبي هي الحقيقة إللي بتزعل بس
إبتسم لها "أدهم" و حني رأسه ليقبل يدها ... سمع رنين هاتفهه الخلوي في اللحظة التالية ، فإلتفت إلي أخته و قال :
-عائشة لو سمحتي روحي هاتيلي موبايلي بسرعة
عائشة بإبتسامة :
-حاضر يا حبيبي
و بعد لحظات عادت بهاتفهه و هي تنظر إلي رقم المتصل و تقول بإستغراب :
-ده رقم دولي يا أدهم . تقريبا خليجي !
عبس "أدهم" بإستغراب و أخذ منها الهاتف ، و جده بالفعل رقم دولي ..
رد بنبرة رسمية :
-السلام عليكم !
المتصل بلكنة خليجية : و عليكم السلام و رحمة الله . أستاذ أدهم صلاح عمران معاي ؟!
أدهم : أيوه أنا ! مين حضرتك ؟
المتصل : أني نايف غسان . محامي الأستاذ نور الدين البارودي خال حضرتك
أدهم و قد بدأ شعور التوجس يتسلل له : أهلا و سهلا . خير يافندم !
المتصل : الحجيجة مش خير . أستاذ أدهم أني آسف بجولك . نور الدين بيه . رحمة الله عليه إتوفي اليوم في المستشفي . البقاء لله ..