وكفى بها فتنه
البارت الثاني 2
بقلم مريم غريب
المكان : الإمارات العربية المتحدة / الزمان : صباح الأحد في الثامن و العشرون من أغسطس 2017
أي بعد مرور إسبوع علي الحدث ...
أخذها المحامي الذي كان يعمل لدي والدها في سيارته متجها شرق المدينة إلي المطار ، فرحلتها ستقلع بعد ساعة من الآن
كانت ترتدي الملابس السوداء نفسها ، منذ جاءها خبر وفاة والدها حيث كانت تنتظره خارج غرفة العمليات أثناء إجرائه جراحة دقيقة في القلب
فشلت العملية قبل أن تبدأ ، لم تلبث دقائق الساعة الأولي تمر حتي رأت الطبيب يخرج و يبلغها الخبر المؤسف بحزن شديد ... كانت صحة والدها أضعف من أن تحتمل جراحة كهذه ، لم تستوعب الأمر إلي الآن ، وفاة والدها تعد ثاني أكبر صدمة شعرت بها قبل سبع سنوات عندما ماتت والدتها في حادث سير
تلقت الخبر المفجع بصدمة جعلتها غير قادرة علي البكاء ، و ها هو نفس الشيئ يتكرر اليوم و تجد "سـُلاف" نفسها عاجزة تماما في أن تعبر عن حزنها علي والدها
الدموع أبت الخضوع ، فقط كانت هادئة ، مسالمة ، راضية ... تللك هي "سـُلاف نور الدين البارودي" في الأساس
الفتاة الهجينة ... بإعتبارها متعددة العروق ، حيث أن والدها عربي مصري ، و والدتها إنجليزية من أم بريطانية و أب عربي خليجي الأمر الذي جعلها فتاة فريدة جدا شكلا و طباعا
تبلغ "سُلاف" من العمر 19 عاما ، قامتها متوسطة ، ممتلئة الجسم بشكل متناسب ، بشرتها بيضاء تميل إلي الحمرة ، و أحيانا يتشرب لونها بالسمرة إذا تعرضت لحرارة الشمس الشديدة
تملك "سُلاف" شعر يحسدها عليه كل من رآها ، شعرها بالغ الطول حيث يكاد يصل إلي حافة خاصرتها ، ناعم جدا و كستنائي اللون مدمج ببعض الخصيلات الشقراء
لها عينيّ أمها ، نفس اللون الأزرق اللازوردي مع رموش كثة قاتمة .. بإختصار كانت حورية يفتتن بها الجميع ، حتي النساء كن لا يستطعن عدم النظر لها و إبداء الإعجاب بها ..
و لكنها اليوم لا تعرف ما الذي ينتظرها في البلد الغريبة التي ستذهب لها .. لطالما حدثها والدها عن مـصر و كان يعدها دائما بإنه سيأخذها في زيارة إلي هناك لتتعرف علي وطنها و أهلها
لكنه للآسف رحل قبل أن يفي بوعده ، لتجد نفسها مرغمة علي السفر وحدها بما إنها باتت وحيدة تماما عليها أن تذهب و تعيش مع عائلتها ، و هذا ما أقدمت عليه بخوف شديد ... هي لا تعرف أي فرد من أفراد العائلة سوي جدتها و عمتها
المحامي قال لها أنه راسل شخص عرفت بعد ذلك أنه إبن عمتها .. أخبره بكل ما حدث ليبلغه الأخير بترحيب العائلة بإبنة خاله ، و للحال حجز لها هذا الشخص تذكرة الرحلة و قال أنه سيكون في إنتظارها بمطار القاهرة ...
-سلاف حبيبتي ! وصلنا يلا .. قالها المحامي بلكنته الخليجية ، لتلتفت له "سلاف" و ترد بنظراتها الحمراء :
-يلا يا أنكل !
ليس من السهل عليها أن تترك هذه المدينة .. فقد أحبتها و أحبت شمسها و نشاطها الممتد في كل إتجاه ، و لكن ليس أمامها خيار أخر ...
قال لها المحامي قبل أن تصعد إلي الطائرة :
-سلاف . خدي بالك من نفسك .. و ماتجلجيش إنك رح تسافري لحالك يما . دكتور أدهم يلي حكيتلك عنه حيكون مستنيكي في المطار
سلاف بإبتسامة خالية من الروح :
-أوك يا أنكل . ماتقلقش إنت عليا أنا هبقي كويسة
و مرة تانية شكرا علي كل إللي عملته معايا
المحامي بعتاب :
-تاني بتجوليها ؟ يا حبيبتي الوالد رحمه الله عليه كان أكثر من أخوي . و إنتي بنتي
سلاف بإمتنان :
-ميرسي يا أنكل . بجد هتوحشني أوي
المحامي بإبتسامة :
-إبجي سمعيني صوتك
لا تنسي تسألي عليا ! .. و إحتضنها بعاطفة أبوية و هو يمسح علي شعرها بحنان لمدة دقيقة كاملة
ثم صعدت "سلاف" إلي الطائرة .. و ذهب هو ...
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
في منزل آل"عمران" ...
تتوجه "عائشة" صوب السيتريو لكي تطفئ شريط القرآن و ذلك عندما علا صوت والدتها و هي تتشاجر مع أخيها ..
-يعني إيه مش هتروح تجيبها من المطار ؟ أومال عايزني أبعت مين يجيبلي بنت أخويا ؟ أجيب حد من الشارع يروح يجيبهـآاا ؟؟؟؟؟؟؟!!!
هكذا صاحت "أمينة" في إبنها بغضب شديد ، ليرد الأخير بلهجته الهادئة :
-من فضلك يا أمي وطي صوتك
ده مش إسلوب للنقاش و إنتي عارفة كده كويس
أمينة بنفس الغضب :
-مافيش نقاش أصلا يا أدهم باشا . أنا بأمرك و إنت مجبر تنفذ أوامري حتي لو مش علي هواك
أدهم بكياسته المعهودة :
-المسألة مش مسألة علي هوايا
دي مسأله مبدأ و قواعد و تربية . و أنا إتعلمت إن الخلوة بين الراجل و الست حرام و إتربيت علي كده كمان و حضرتك بردو عارفة ده كويس
أمينة بإنفعال :
-يابني إنت عايز تجنني ؟ خلوة إيـــه دي إللي بتتكلم عنها
أدهم بلطف مستفز :
-هي مش هتركب معايا عربيتي ؟
أمينة : أيوه طبعا
أدهم : و هتركب لوحدها تبقي دي إسمها خلوة و بعدين المحامي قالي إنها آنسة كبيرة لو كانت طفلة صغيرة ماكنش هيبقي في مشكلة
أمينة بعصبية :
-إنت مجنووون و الله مجنون . شوف إحنا في إيه و إنت بتفكر في إيه . حرام عليك يابني إللي بتعمله فيا ده
عادت "عائشة" من غرفة جدتها في هذه اللحظة و هي تقول بضيق :
-يا ماما وطي صوتك تيتة مش ناقصة إنتوا كده بتتعبوها زيادة
نظرت "أمينة" لأبنها بقوة و قالت بحدة :
-عاجبك كده ؟
أدهم و قد فقد جزء من السيطرة علي أعصابه :
-أنا مش هاروح أجيبها يا أمي . مش هتركب عربيتي لوحدها
أمينة و هي تحدجه بنظرات محتقنة :
-إشمعنا مايا يا حبيبي ؟ ما إنت بتركبها عربيتك عمري ما سمعتك قلت كلمة من كلامك ده !
أدهم : مايا عمرها ما ركبت عربيتي لوحدها مالك أخوها دايما بيبقي معاها
صرخت "أمينة" بعنف :
-يعني بتكسر كلامي بردو ؟ طيب و الله يا أدهم لو ما روحت تجيب بنت خالك من المطار لأكون سيبالك البيت و ساعتها لا إنت إبني و لا أعرفك و فوقيهم قلبي غضبان عليك
ضم "أدهم" حاجباه في عبسة واهنة ، لتتدخل "عائشة" بالوقت المناسب :
-خلاص يا ماما خلاص أبوس إيدك كفاية كده . أنا هاروح معاك يا أدهم كويس كده ؟!
نظر لها "أدهم" و قال بإستسلام :
-كويس
تنفست "عائشة" الصعداء ، ثم راحت تربت علي كتف أمها و هي تقول بلطف :
-خلاص بقي يا ماما أهي إتحلت
إدخلي دلوقتي أقعدي مع تيتة لحد مانجبلك بنت أخوكي و نيجي !
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
في شقة "راجية عمران" ... تجلس هي و إبنتها علي مائدة الغداء
راجية بملامح متوجسة :
-يا خوفي يا مايا !
مايا و هي تقطع شريحة اللحم :
-خايفة من إيه يا ماما ؟
راجية : خايفة من البت إللي نطت علينا فجأة زي فرقعلوظ دي
مايا : بت ! قصدك مين يعني مش فاهمة ؟!
راجية بإنفعال :
-الله يخربيتك يا شيخة . إنتي لسا هتعشيلي في الطراوة ؟ مش عارفة مين إللي هتيجي تنافسك يا حبيبتي ؟ ركزي معايا ياختي إحنا داخين علي أيام ما يعلم بيها إلا ربنا
مايا بتبرم :
-في إيه بس يا ماما ؟ كل ده عشان إللي إسمها سلوفانة دي إللي هتيجي تعيش مع طنط أمينة ؟ إنتي كنتي شوفتيها أصلا عشان تقلقي منها كده ؟
راجية بخوف حقيقي :
-ما إنتي طبعا لازم تقولي كده . ماتعرفيش حجم البلوة دي إيه . فجأة كده تطلع واحدة من تحت الأرض و قال إيه بنت أخوها . كانت فين دي من زمان ؟ محدش سمع عنها ليه ؟
إشمعنا تظهر دلوقتي ؟؟؟
مايا بإستخفاف :
-علي فكرة الموضوع معاكي واخد أكبر من حجمه
أنا شايفة إنها هتكون عادية مش خارقة الجمال زي ما إنتي فاكرة
لوت "راجية" فمها بتهكم و قالت :
-يا حبيبتي المشكلة مش في جمالها . المشكلة فيها هي ذات نفسها
عقدت "مايا" حاجبيها و قالت بتساؤل :
-مش فاهمة قصدك إيه ؟!
راجية بجدية :
-أمينة هتهتم بالبت دي أوي . خصوصا أمها الحجة حليمة
هما الإتنين ماكانوش يعرفوا إن نور الدين متجوز و عنده بنت . البت هتيجي واقعة في عرضهم . هتتمسكن لحد ما تتمكن و مش بعيد إللي أنا خايفة منه يحصل
مايا : و إيه إللي إنتي خايفة منه أووي كده يا ماما ؟؟
نظرت لها "راجية" و قالت بلهجة خشنة :
-أمينة و أمها .. ممكن جدا يجوزوها لأدهم
رفعت "مايا" حاجبها و ردت بسخرية :
-إيه يا ماما الأفلام دي ؟ إنتي بتحلمي و لا إيه ؟
مين دي إللي يجوزوها لأدهم ؟ أولا أدهم ده معقد قولتلك و مابيحبش يشوف بنت قدامه ثانيا البت دي صغيرة زي ما قالولنا عندها 18 سنة تقريبا و أدهم لسا تامم 29 الفرق بينهم مش قليل
تآففت "راجية" بغيظ و قالت :
-بقولك إيه يابت إنتي
طالما غبية و مابتعرفيش تفكري يبقي إسكتي أحسن ماتسمعنيش حسك
مايا و هي تضع يدها علي فمها :
-خلاص يا مامتي سكت خآاالص أهو .. و عادت تستأنف تناول طعامها
بينما أشاحت "راجية" عنها ، و راحت تفكر في الموضوع علي غير هدي محللة السلبيات و الإيجابيات الناجمة عن قدوم تلك الدخيلة ...
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
تستغرق رحلة الطائرة من مطار أبـو ظبـي الـدولـي إلي مطار القـاهرة ساعتين تقريبا ..
الطيران عادة لا يزعج "سلاف" و لكن فكرة أن شخص غريب عنها لم تراه من قبل سيكون في إنتظارها بالمطار ، كانت قلقة منها بعض الشئ
كان قرص الشمس المتوهج يتوسط السماء ، عندما حطت الطائرة في مدرج مطار القاهرة ... لم تري "سلاف" في جو مصر إختلافا كبيرا عن جو البلد التي ولدت و عاشت فيها
بل لدهشتها كان النهار معتدل الحرارة ، و هذا من حسن حظها ..
مرت "سلاف" علي نافذة ختم الجوازات ، ثم كشك التفتيش و ها هي الآن تخطو في صالة الإستقبال و هي تجر حقائبها كما تفعل مع قدميها
كانت تزدرد ريقها بتوتر و هي تمرر عيناها علي وجوه المنتظرين ... عدة لافتات كتبت عليها مختلف الأسماء
ظلت تسير حتي أخر الممر ..
و فجأة تجمدت بمكانها ... رأت إسمها أولا مكتوبا علي ورقة عريضة بخط كبير ، ثم رأت الفتاة التي حملت الورقة
كانت سمحة الوجه و جميلة إلي حد ما ، يقف بجانبها شاب بدا نافذ الصبر بشكل ملحوظ ، و كان دائم النظر في ساعة يده ..
إستغرق الأمر لحظات و "سلاف" واقفة تتمعن وجوههما ... لم تري فيهما ما يقلق ، بل كانت النعمة بادية علي كلا منهم سواء الهيئة أو الملابس
و خاصة ذاك ... صاحب البشرة السمراء ، كان متناسب و متناسق الأعضاء ، ضخما متماسك الجسم ، طويل القامة بصورة ملفتة ، شديد سواد الشعر ناعما غزيرا طويلا يكاد يلامس كتفيه .. و تلك اللحية الكثيفة التي زادته بهاء و رصانة ..
أفاقت "سلاف" من شرودها عندما شعرت بنظرات الفتاة تتصوب بشك نحوها ... ضغطت علي شفتاها ، و مضت إليهما بخطوات متباطئة
تبتسم "عائشة" و هي تلكز كتف أخيها لينتبه معها ، بينما وصلت "سلاف" عندهما و قالت بصوت مضطرب :
-آ . أنا . أنا سلاف البارودي !
لوهلة جمدت نظرات "أدهم" علي وجهها ، لكنه سرعان ما أطرق رأسه و ترك الأمر لأخته .. لتمد "عائشة" يدها للمصافحة و هي تقول بإبتسامة :
-أهلا . أهلا يا حبيبتي . حمدلله علي السلامة يا سلاف
أنا إسمي عائشة و أبقي بنت عمتك أمينة .. و أشارت إلي "أدهم" مكملة :
-و ده أدهم أخويا
إبتسمت "سلاف" بتردد و هي تمد كفها نحوه قائلة :
-إزيك !
تمتم "أدهم" بتهذيب و هو لا يزال مخفضا رأسه :
-آسف مابسلمش
رفعت "سلاف" حاجباها بدهشة ، لتتدخل "عائشة" قائلة بحرج :
-معلش يا حبيبتي إوعي تزعلي من أدهم هو مايقصدش أي حاجة علي فكرة كل الحكاية إنه ملتزم أوي أكيد إنتي فاهمة يعني إيه ملتزم !
أومأت "سلاف" رأسها ببطء و نظراتها القلقة مصوبة نحوه ..
-فين شنطك يا حبيبتي ؟ .. قالتها "عائشة" بتساؤل و هي تزيد إبتسامتها إتساعا لتموه علي ما حدث
أشارت "سلاف" إلي كلتا الحقيبتين في يديها ..
عائشة : هما دول بس ؟
سلاف : أيوه
عائشة بلطف :
-طيب يا حبيبتي يلا بينا بقي أحسن مش قادرة أقولك ماما و تيتة قاعدين علي نار . مستيين يشوفوكي أوي
و أخيرا فعل "أدهم" شئ غير الصمت و النظر بالأرض ... تطوع و حمل عنها حقائبها إلي السيارة ، إستقل "أدهم" في كرسي القيادة و عائشة بجواره ، أما "سلاف" فجلست وحدها بالخلف
و في الطريق ... كسرت "عائشة" الصمت بمرحها المعتاد :
-بس إنتي يا سوسو بتتكلمي مصري كويس أوي
بتتكلمي أحسن مني كمان رغم إني ماسمعتش منك غير 3 كلمات لحد دلوقتي ! .. و ضحكت
سلاف بإبتسامة :
-بابا الله يرحمه كان دايما يتكلم معايا مصري
عائشة : الله يرحمه يا حبيبتي . عايزة أقولك إنك هتتبسطي أووي معانا و أنا بجد و الله مبسوطة جداا إنك جاية تعيشي معانا هتونسيني بدل ما أنا قاعدة طول الليل و النهار وشي في وش الحيط
سلاف بصوتها الرقيق :
-ميرسي يا عائشة . أنا كمان مبسوطة أكتر إني قابلتكوا أخيرا بابا كان بيحكيلي عنكوا كتير
و هكذا طوال الطريق راحت الفتاتان تتبادلا بعض العبارات القليلة ... حتي وصلوا أخيرا إلي منزل آل"عمران" ..
ذلك المعمار الباهر
نادي "أدهم" بواب البيت و آمره بلطف :
-عم حسن خد الشنط إللي ورا في صندوق العربية و طلعهم عندي في الشقة
البواب : تحت آمرك يا أدهم بيه
عائشة بإستغراب :
-الله ! إنت مش طالع معانا يا أدهم ؟
أدهم : لأ يا عائشة أنا متأخر أصلا يدوب ألحق المحاضرة التانية و بعدين أعدي علي المركز و إن شاء الله أكون هنا علي المغرب
عائشة بإبتسامة :
-طيب يا حبيبي . تروح و ترجع بالسلامة يا رب
و أخذ البواب أمتعة "سلاف" و صعد بها إلي شقة "أدهم" ...
تبعت "سلاف" إبنة عمتها و هي تتفحص المنزل بإعجاب ..
واسع الفناء ، و يوجد به حديقة صغيرة في الأسفل و جراچ للسيارات ، و من الداخل الجدران كلها مغطاة بألواح المرايا و الأرض من الرخام الصقيل
أخذ البواب المصعد ، أما "عائشة" فإصطحبت "سلاف" و أخذا الدرج ... لم يصعدا كثيرا ، حيث تقع الشقة بالطابق الأول
كان باب الشقة مفتوحا ، خرج البواب ثم دخلت "عائشة" تتبعها "سلاف" ...
-أديها وصلت أهي يا ماما ! .. قالتها "عائشة" بإبتسامة عريضة
لتري "سلاف" بعد ذلك هذه المرأة الخمسينية ، تشبه والدها إلي حد كبير .. أقبلت عليها و علي وجهها أكبر إبتسامة في العالم ..
-سلاف ! .. هتفت "أمينة" و هي تكوب وجه "سلاف" بكفيها ، و أردفت بدموع :
-يا حبيبتي . إنتي . إنتي بنت نور أخويا ؟ ما شاء الله يا حبيبتي ما شاء الله . زي القمر
شعرت "سلاف" بالألفة مع عمتها أسرع مما توقعت ، فإلتمعت الدموع بعيناها و هي تنظر في ملامح وجهها الشبيهة بملامح أبيها
ثم خرج صوتها مرتعشا و هي تقول بإبتسامة حزينة :
-شـ شكرا لحضرتك !
ضحكت "أمينة" و أحتضنتها بقوة ، ثم أبعدتها عنها بعد لحظات و قالت :
-بصي بقي يا حبيبتي . تيتة حليمة مستنياكي جوا في أوضتها
عايزاكي علي أد ما تقدري تحاولي تمسكي نفسك قدامها . هو أه أبوكي طول عمره متغرب عننا بس هي في الأخر أمه بردو . فاهماني ؟
أومأت "سلاف" بتفهم ، لتبتسم "أمينة" برضا و تأخذها إلي غرفة الجدة
دقت الباب و فتحت ...
سيدة في العقد السابع من عمرها ، تجلس علي كرسي متحرك ... رأسها يشتعل شيبا ، و بدت في أرزل العمر ، و لكن رغم ذلك إستطاعت "سلاف" أن تري الحب و الحنان ينبعثان من عيناها
فور أن رأت الجدة حفيدتها .. فتحت ذراعيها و دعتها قائلة بنشيج حار :
-تعالي . تعالي في حضني يابنت الغالي !
بدون تردد ، إنطلقت "سلاف" و إستقرت في حضن جدتها الدافئ ... ربتت "حليمة" علي ظهرها و هي تقول بصوتها الممتزج بالدموع :
-آاااه يا حبيبتي . إتحرمت منك و من أبوكي عمر بحاله
بس مش هتسيبيني خلاص . من إنهاردة إنتي في حضني و مش هتتواربي عن عيني الأيام إللي فضلالي أبدا .. إبكي . إبكي يا سلاف ماتمنعيش دموعك يابنتي
و كأن الجدة ضغطت علي زر السماح الذي لم تلمسه "سلاف" منذ إسبوع ، لتنفجر مجهشة بالبكاء الحار و هي تتشبث بأحضان جدتها أكثر و أكثر
بينما تقف كلا من "أمينة" و "عائشة" تتابعا هذا المشهد المؤثر في صمت و حزن بالغ ....